الاِسماعيلية 1

 

تمهيد

    الاِسماعيلية فرقة من الشيعة القائلة بأنّ الاِمامة بالتنصيص من النبي أو الاِمام القائم مقامه ، غير انّ هناك خلافاً بين الزيدية والاِمامية في عدد الاَئمة ومفهوم التنصيص.

    فالاَئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبي عند الزيدية لا يتجاوز عن الثلاثة : عليّ أمير الموَمنين (عليه السّلام) ، والسبطين الكريمين : الحسن والحسين (عليهم السّلام) وبشهادة الاَخير غلقت دائرة التنصيص ، وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة على تفصيل مرّ في الجزء السابع.

    وأمّا الاَئمّة المنصوصون عند الاِمامية فاثنا عشر إماماً ، آخرهم غائبهم ، يُظهره اللّه سبحانه عندما يشاء وقد حُوِّل أمر الاَُمّة ـ في زمان غيبته ـ إلى الفقيه العارف بالاَحكام والسنن ، والواقف على مصالح المسلمين ، على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

 

________________________________________

(4)

    وأمّا الاِسماعيلية فقد افترقت إلى فرق مختلفة :

    1 ـ القرامطة : القائلة بإمامة محمد بن إسماعيل ابن الاِمام الصادق و غيبته ، ثمّ دخلت الاِمامة في كهف الاستتار.

    2 ـ الدروز : وهم يسوقون الاِمامة إلى الاِمام الحادي عشر الحاكم بأمر اللّه ، ثمّ يقولون بغيبته وينتظرون ظهوره.

    3 ـ المستعلية : وهوَلاء يسوقون الاِمامة إلى الاِمام الثالث عشر المستنصر باللّه ، ويقولون بإمامة ابنه المستعلى باللّه بعده ، وهم المعروفون بالبهرة ، وقد انقسمت المستعلية سنة 999 هـ إلى فرقتين : داودية وسليمانية ، سيوافيك بيانها.

    4 ـ النزارية : وهوَلاء يسوقون الاِمامة إلى المستنصر باللّه ، ثمّ يقولون بإمامة ابنه الآخر نزار بن معد ، وقد انقسمت النزارية إلى : موَمنية وقاسمية المعروفة بالآغاخانية ، وسيأتي سبب الانقسام وزمانه والركب الاِمامي منقطع عن السير عند الجميع إلاّ القاسمية حيث يقولون باستمرار الاِمامة إلى العصر الحاضر.

    هذا كلّه حول اختلافهم في استمرار الاِمامة ، وأمّا اختلافهم مع الزيدية والاِمامية في مفهوم التنصيص ، فإنّه عند الفرقتين الاَخيرتين يرجع إلى تعيين الاِمام والقائم بالاَمر باللفظ والاشهاد ، بخلاف الاِسماعيلية فإنّها تنتقل عندهم من الآباء إلى الاَبناء ، ويكون انتقالُها عن طريق الميلاد الطبيعي ، فيكون ذلك بمثابة نص من الاَب بتعيين الابن ، وإذا كان للاَب عدة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الاِمام الذي وقع عليه النص. فالقول بأنّ الاِمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.

    وعلى كلّ تقدير فهذه الفرقة ، منشقة عن الشيعة ، معتقدة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد الاِمام الصادق (عليه السّلام) و هي متواجدة في كثير من الاَقطار ، منها : الهند ، وباكستان ، واليمن ونواحيها ، وسوريا ، ولبنان وأفغانستان ، وإفريقية وإيران ونحقّق مذهبهم وفرقهم وآثارهم في ضمن فصول :

 

________________________________________

(5)

الفصل الاَوّل

الخطوط العريضة

للمذهب الاِسماعيلي

 

________________________________________

(6)

________________________________________

(7)

إنّ للمذهب الاِسماعيلي آراءً وعقائداً ، ستوافيك تفاصيلها في الفصول الآتية نذكرها هنا على وجه الاِيجاز :

 

الاَُولى : إنتماوَهم إلى بيت الوحي والرسالة

    كانت الدعوة الاِسماعيلية يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى : إمامة المسلمين ، وخلافة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم؛ غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تُضمن لها البقاء ، وتستقطب أهواءَ الناس وميولهم.

    ومن تلك العوامل التي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة ، وكونهم من ذرية الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ، وكان المسلمون منذُ عهدِ الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ ، وقد كانت محبتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

    وممّا يشير إلى ذلك انّ الثورات التي نشبتْ ضدّ الاَُمويين كانت تحمل شعار حب أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم ، ومن هذا المنطلق صارت الاِسماعيلية تفتخر بانتماء أئمتهم إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم ، اشتهروا بالفاطميين ، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجة انّ الاَبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر ، وانّتكريم ذرية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تكريم له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فشتان مابين بيت أُسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانه ، وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار ، فانهار به في نار جهنم.

 

________________________________________

(8)

الثانية : تأويل الظواهر

    إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الاِسماعيلية ، وهي إحدى الدعائم الاَساسية بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر ، لم تتميز عن سائر الفرق الشيعية إلاّ بصَرف الاِمامة عن الاِمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر ، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة ، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الاِمامة وتصنيفها إلى أصناف ، سيوافيك بيانه.

    و لم يكن تأويل الظواهر أمراً مبتدعاً ، بل سبقهم ثلة من المندسّين في أصحاب الاِمام الصادق (عليه السّلام) الذين طردهم الاِمام ولعنهم وحذّر شيعته من الاختلاط بهم ، لصيانتهم عن التأثر بآرائهم والانجراف في متاهاتهم كأبي منصور ، وأبي الخطاب ، والمغيرة بن سعيد ، وغيرهم من ملاحدة عصره وزنادقة زمانه.

    إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالاَهواء والميول جعل المذهب الاِسماعيلي يتطور مع تطور الزمان ، ويتكيّف بمكيفاته ، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشرع أو الضرورة الدينية.

 

الثالثة : تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفية

    إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد ، كانت من أهمّ ميزات العصر العباسي حيث كانوا يرفضون كل بحثٍ عقلي خارج عن هذا الاِطار خاصّة في عهد المنصور والرشيد ، فقد طردوا حماة البحث الحرّ والانفتاح الفكري وضيّقوا عليهم.

    إنّ هذه الظاهرة على خلاف الشريعة ، التي تدعو إلى التفكّر والتعقّل. وكان

 

________________________________________

(9)

الاِمام علي (عليه السّلام) أوّل من فتحَ باب الاَبحاث العقلية على مصراعيه وبيّن الخطوط العريضة لكثير من العقائد على ضوء البرهان والدليل.

    إنّ ظاهرة الجمود في أوساط العباسيين ولّدت ردّ فعلٍ عند أئمة الاِسماعيليّة ، فانجرفوا في تيارات المسائل الفلسفية وجعلوها من صميم الدين وجذوره ، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن ، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الاِسلامية عيناً ولا أثراً.

    يقول الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر : إنّ كلمة « إسماعيلية » كانت في بادىَ الاَمر تدل على أنّها من إحدى الفرق الشيعية المعتدلة ، لكنّها صارت مع تطور الزمن حركة عقلية تدلّ على أصحاب مذاهب دينية مختلفة ، وأحزاب سياسية واجتماعية متعدّدة ، وآراء فلسفية وعلمية متنوعة. (1)

 

الرابعة : تنظيم الدعوة

    ظهرت الدعوة الاِسماعيلية في ظروف ساد فيها سلطانُ العباسيين شرقَ الاَرض وغربها ، ونشروا في كلّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الاَخبار ـ خاصة أخبار مخالفيهم ومناوئيهم ـ إلى مركز الخلافة الاِسلامية ، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يكتب النجاح لكلّدعوة تقوم ضد السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارَها ، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

    وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم ، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبية العصرية ، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار ، وقد ابتكروا

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 14 ، والموَلف سوري إسماعيلي وفي طليعة كُتّابهم.

________________________________________

(10)

أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم ، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

    يقول الموَرخ الاِسماعيلي المعاصر : وبالحقيقة لم توجه أية دولة من الدول ، أو فرقة من الفرق ، اهتماماً خاصاً بالدعاية وتنظيمها ، كما اهتمّت بها الاِسماعيلية ، فجعلت منها الوسيلة الرئيسية لتحقيق نجاح الحركة في دور الستر والتخفّي ، ودور الظهور وا لبناء معاً. ولقد أحدث التخطيط الدعاوي المنظم تنظيماًعجيباً لم يسبقهم إليه أحد في العالم ، وابتكرت الاَساليب المبنية على أُسس مكينة مستوحاة من عقيدتها الصميمة.

    ولقد برعوا براعة لا توصف في تنظيم أجهزة الدعاية ـ على قِلّة الوسائل في ذلك العصر ـ واستطاعوا أن يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الاِسلامية ، ويتنسمون أخبار أتباعهم في الاَبعاد المتناهية.وذلك بما نظموا من أساليب وأحدثوا من وسائل. وقد كان للحمام الزاجل ـ الذي برع في استخدامه دعاة الاِسماعيلية ـ أثره الفعّال في تنظيم نقل الاَخبار والمراسلات السرية الهامّة. (1)

 

الخامسة : إضفاء طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم

    شعرت الدعوة الاِسماعيلية أيام نشوئها بأنّه لا بقاء لها إلاّ إذا أضفتْ طابع القداسة على أئمّتهم ودعاتهم بحيث توجب مخالفتهم مروقاً عن الدين وخروجاً عن طاعة الاِمام « والجدير بالاهتمام انّ الاِمام الاِسماعيلي ـ والذي يعتبر رئيساً للدعوة ـ جعل الدعاة من (حدود الدين) إمعاناً منه في إسباغ الفضائل عليهم ليتمكّنوا من نشر الدعوة وتوجيه الاَتباع والمريدين دونما أيّة معارضة أو مخالفة ،

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 37.

(11)

لاَنّ مخالفتهم ومعارضتهم تعتبر بالنسبة للاِسماعيلية مروقاً عن الدين ، وخروجاً عن طاعة الاِمام نفسه ، لاَنّهم من صلب العقيدة وحدودها ». (1)

    إنّ الاِمامة تحتل عند الاِسماعيلية مركزاً مرموقاً ولها درجات ومقامات مختلفة ـ سيوافيك تفصيلها في مظانها ـ حتى أضحت من أبرز سمات المذهب الاِسماعيلي فهم يعتقدون بالنطقاء الستة ، وانّ كلّ ناطق رسول يتلوه أئمة سبعة :

    1 ـ فآدم رسول ناطق تلته أئمة سبعة بعده.

    2 ـ فنوح رسول ناطق تلته أئمة سبعة.

    3 ـ فإبراهيم رسول ناطق جاءت بعده أئمة سبعة.

    4 ـ فموسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.

    5 ـ فعيسى رسول ناطق تلته أئمة سبعة.

    6 ـ فمحمّد رسول ناطق تلته أئمة سبعة ، وهم :

    علي بن أبي طالب ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد ابن علي الباقر ، جعفر بن محمد الصادق ، إسماعيل بن جعفر.

    وبذلك يتم دور الاَئمة السبعة ويكون التالي رسولاً ناطقاً سابعاً وناسخاً للشريعة السابقة وهو محمد بن إسماعيل وهذا ممّا يصادم عقائد جمهور المسلمين من أنّ نبيّ الاِسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو خاتم الاَنبياء والمرسلين ، وشريعته خاتمة الشرائع ، وكتابه خاتم الكتب.

    فعند ذلك وقعت الاِسماعيلية في مأزق كبير سيوافيك تفصيله في الفصول الآتية إن شاء اللّه تعالى.

________________________________________

    1 ـ المصدر السابق : 37.

________________________________________

(12)

السادسة : تربية الفدائيين للدفاع عن المذهب

    إنّ الاَقلية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيين مضحِّين بأنفسهم في سبيل الدعوة لصيانة أئمّتهم ودعاتهم من تعرض الاَعداء ، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والاِقدام ، والشجاعة النادرة ، والجرأة الخارقة ، ويكلَّفون بالتضحيات الجسدية ، وتنفيذ أوامر الاِمام أو نائبه ، وإليك أحد النماذج المذكورة في التاريخ :

    في سنة 500 هجرية فكر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر ، أن يثأر لاَبيه وهاجم قلاع الاِسماعيلية ، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائييه فقتله بطعنة خنجر ، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيين.

    وفي سنة 501 هـ حوصرت قلعة « آلموت » من قبل السلطان السلجوقي واشتد الحصار عليها ، فأرسل السلطان رسولاً إلى الحسن بن الصباح يطلب منه الاستسلام ، ويدعوه لطاعته ، فنادى الحسن أحد فدائييه وقال له : ألقي بنفسك من هذا البرج ففعل ، وقال للثاني : اطعن نفسك بهذا الخنجر ففعل ، فقال للرسول : اذهب وقل لمولاك إنّه لدي سبعونَ ألفاً من الرجال الاَُمناء المخلَصين أمثال هوَلاء الذين يبذلون دماءهم في سبيل عقيدتهم المثلى. (1)

    وقد تفشّت هذه الظاهرة بين أوساطهم ، وآل أمر الاَتباع إلى طاعة عمياء لاَئمتهم ودعاتهم في كلّ حكم يصدر عن القيادة العامة ، أو الدعاة الخاصين دون الاِفصاح عن أسبابه ، وبلغ بهم الاَمر إطاعتهم لاَئمّتهم في رفع بعض الاَحكام الاِسلامية عن الجيل الاِسماعيلي بحجة انّالعصر يضاده ، ويشهد على ذلك ما كتبه الموَرّخ الاِسماعيلي إذ يقول عن إمام عصره آغا خان الثالث إنّه قال : « إنّ الحجاب يتعارض والعقائد الاِسماعيلية ، وإنّي أُهيب بكل إسماعيلية أن تنزع

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 263.

________________________________________

(13)

نقابَها ، وتنزل إلى معترك الحياة لتساهم مساهمة فعالة في بناء الهيكل الاجتماعي والديني للطائفة الاِسماعيلية خاصّة وللعالم الاِسلامي عامة ، وأن تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في مختلف نواحي الحياة إسوة بجميع النساء الاِسماعيليات في العالم ، وآمل في زيارتي القادمة أن لا أرى أثراً للحجاب بين النساء الاِسماعيليات ، وآمرك أن تبلغ ما سمعت لعموم الاِسماعيليات بدون إبطاء ». (1)

 

السابعة : كتمان الوثائق

    إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنية السرية وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها التي تنير الدرب لاستجلاء كنهها ، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها ، ولكن للاَسف الشديد انّ الاِسماعيلية كتموا وثائقهم وكتاباتهم وموَلفاتهم وكلّ شيء يعود لهم ولم يبذلوها لاَحد سواهم ، فصار البحث عن الاِسماعيلية بطوائفها أمراً مستعصياً ، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم ، ومن المعلوم انّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم ، خارج عن أدب البحث النزيه.

    وهذا ليس شيئاً عجيباً إنّما العجب انّ الموَرّخين المعاصرين من الاِسماعيلية واجهوا نفس هذه المشكلة منذ زمن طويل ، يقول مصطفى غالب وهو من طليعة كتّاب الاِسماعيلية : « من المشاكل المستعصية التي يصعب على الموَرّخ والباحث حلّها وسبر أغوارها ، وهو يستعرض تاريخ الدعوات الباطنية السرية ، وتنظيماتها ، حرص تلك الدعوات الشديد على كتمان وثائقهم ومصادرهم ـ إلى أن يقول : ـ والمعلومات التي نقدّمها للمهتمّين بالدراسات الاِسلامية مستقاة من الوثائق والمصادر الاِسماعيلية السرية ». (2)

________________________________________

    1 ـ المصدر السابق : 265 ، الخطاب لمن رفع السوَال إليه وهو الكاتب مصطفى غالب السوريّ.

    2 ـ المصدر نفسه : 35.

________________________________________

(14)

    نعم كانت الدعوة الاِسماعيلية محفوفة بالغموض والاَسرار إلى أن جاء دور بعض المستشرقين فوقفوا على بعض تلك الوثائق ونشروها ، وأوّل من طرق هذا الباب المستشرق الروسي الكبير البروفسور « ايفانوف » عضو جمعية الدراسات الاِسلامية في « بومبايي » وبعده البروفسور « لويس ماسينيون » المستشرق الفرنسي الشهير ، ثمّ الدكتور « شتروطمان » الاَلماني عميد معهد الدراسات الشرقية بجامعة هامبورغ ، و « مسيو هانري كوربن » أُستاذ الفلسفة الاِسلامية في جامعة طهران ، والمستشرق الانكليزي « برنارد لويس ».

    يقول الموَرخ المعاصر : حتى سنة 1922 ميلادية كانت المكتبات في جميع أنحاء العالم فقيرة بالكتب الاِسماعيلية إلى أن قام المستشرق الاَلماني « ادوارد برون » بإنشاء مكتبة إسماعيلية ضخمة غايتها إظهار الآثار العلمية لطائفة كانت في مقدمة الطوائف الاِسلامية في الناحية الفكرية والفلسفية والعلمية ، ولم يقتصر نشاط أُولئك المستشرقين عند حدود التأليف والنشر ، بل تعدّاه إلى الدعاية المنتظمة سواء في المجلاّت العلمية الكبرى ، كمجلة المتحف الآسيوية التي كانت تصدرها أكاديمية العلوم الروسية في مدينة « بطروسبورغ » ويشرف على تحريرها « ايفانوف » وبعض المستشرقين الروس أمثال « سامينوف » وغيره ممن دبّجوا المقالات الطوال عن العقيدة الاِسماعيلية.

    ففي سنة 1918 كتب المستشرق « سامينوف » مقاله الاَوّل عن الدعوة الاِسماعيلية وقد جمعه بنفسه ونشره في مجلته كما نقل إلى اللغة الاِنكليزية عدداً ضخماً من الكتب الاِسماعيلية الموَلفة باللغتين « الكجراتية » و « الاَُوردية » ـ إلى أن قال : ـ لقد أحدثت تلك الدراسات الهامة ثورة فكرية وانقلاباً عكسياً في العالم الاِسلامي ، حيث قام عدد من الاَساتذة المصريين بنشر الآثار الاِسماعيلية في العهود الفاطمية ، فأخرجوا إلى حيّز الوجود عدداً لا بأس به من الكتب القيّمة

 

________________________________________

(15)

وأظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة. (1)

    وبالرغم ممّا ذكره الموَرخ المعاصر من أنّ المصريين أظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة ، لكنّا نرى أنّه يعتمد في كتابه على وثائق خطية موجودة في مكتبته الخاصة ، أومكتبة دعاة مذهبه في سورية ، ويكشف هذا عن وجود لفيف من المصادر مخبوءة لم تر النور لحد الآن.

 

الثامنة : الاَئمّة المستورون

    إنّ الاِسماعيلية أعطت للاِمامة مركزاً شامخاً ، وصنّفوا الاِمامة إلى رتب ودرجات ، وزوّدوها بصلاحيات واختصاصات واسعة ، وسيوافيك بيان تلك الدرجات والرتب ، غير أنّ المهم هنا الاِشارة إلى تصنيفهم الاِمام إلى مستور ، دخل كهف الاستتار؛ وظاهر ، يملك جاهاًو سلطاناً في المجتمع.

    فالاَئمّة المستورون هم الاَئمّة الاَربعة الاَوائل الذين جاءوا بعد إسماعيل ، ونشروا الدعوة سراًو كتماناً ، وهم :

    1 ـ محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الحبيب » : ولد سنة 132 هـ في المدينة المنورة ، وتسلّم شوَون الاِمامة واستتر عن الاَنظار خشية وقوعه بيد الاَعداء ، ولقّب بالاِمام المكتوم ، لاَنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية ، وتوفي عام 193 هـ .

    2 ـ عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقّب بـ « الوفي » : ولد عام 179 هـ في مدينة محمود آباد ، وتولّى الاِمامة عام 193 هـ بعد وفاة أبيه ، وسكن السلْمية عام 194 هـ مصطحباً بعدد من أتباعه ، وهو الذي نظم الدعوة تنظيماً دقيقاً ، توفي عام 212 هـ .

    3 ـ أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقب بـ « التقي » : ولد عام

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 22 ـ 23.

________________________________________

(16)

198 ، وتولّ ـ ى الاِمامة عام 212 هـ ، سكن السلمية سراً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة ، توفي فيها عام 265 هـ .

    4 ـ الحسين بن أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل المقلب بـ « الرضي » : ولد عام 212 هـ ، وقيل 228 هـ ؛ وتولّى الاِمامة عام 265 هـ ، ويقال انّه اتخذ عبد اللّه بن ميمون القداح حجة له وحجاباً عليه ، توفي عام 289 هـ .

    والمعروف بين الاِسماعيلية انّعبيد اللّه المهدي ـ الذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطمية ـ كان ابتداءً لعهد الاَئمّة الظاهرين الذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار .

    التاسعة : انّهم عُرِّفوا بالاِسماعيلية تارة ، والباطنية أُخرى ، والملاحدة ثالثاً ، وبالسبعية رابعاً.

    قال المحقّق الطوسي : إنّما سُمُّوا بالاِسماعيلية لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.

    والباطنية لقولهم : كلّ ظاهر فله باطن ، يكون ذلك الباطن مصدراً وذلك الظاهر مظهراً له ، ولا يكون ظاهر لا باطن له إلاّ ما هو مثل السراب ، ولا باطن لا ظاهر له إلاّ خيال لا أصل له.

    ولقّبوا بالملاحدة لعدولهم من ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الاَحوال. (1)

    وأمّا تسميتهم بالسبعية ، لاَنّهم قالوا : إنّما الاَئمّة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الاَُسبوع ، والسماوات السبع ، والكواكب السبع. (2) فدور الاِمامة عندهم لا يتجاوز عن سبعة ، ثمّ يأتي دور آخر على هذا الشكل.

________________________________________

    1 ـ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد : 301.

    2 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/200.

________________________________________

(17)

    ويقول أيضاً : قالوا الاِمام في عهد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان علياً (عليه السّلام) ، وبعده كان ابنه الحسن إماماً مستودعاً ، وبعده الحسين إماماً مستقراً ولذلك لم تذهب الاِمامة في ذرية الحسن (عليه السّلام) ، ثمّ نزلت الاِمامة في ذرية الحسين ، وانتهت بعده إلى علي ابنه ، ثمّ إلى محمد ابنه ، ثمّ إلى جعفر ابنه ، ثمّإلى إسماعيل ابنه وهو السابع. (1)

    و معنى ذلك انّ الدور تمّ بإسماعيل ، وهو متم الدور ، وانّ ابنه بادىَ للدور الآخر كالتالي :

    1 ـ محمد بن إسماعيل.

    2 ـ عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل الملقب بالرضي.

    3 ـ أحمد بن عبد اللّه الملقب بالوفي.

    4 ـ الحسين بن أحمد الملقب بالتقي.

    5 ـ عبيد اللّه المهدي بن الحسين.

    6 ـ القائم.

    7 ـ المنصور ، وبه يتم الدور ويبتدأ دور آخر بالاِمام المعز لدين اللّه.

    ولو قلنا بخروج الحسن (عليه السّلام) لكونه إماماً مستودعاً لا مستقراً يتم الدور بمحمد بن إسماعيل. ويأتي الدور الجديد ، وسيوافيك تفصيله في بيان أدوار الاِمامة.

    وعلى كلّتقدير فالسبعة عندهم لها مكانة خاصة ، فلا يتجاوز دور الاَئمّة في تمام مراحلها عن السبعة.

    العاشرة : انّ المذهب الاِسماعيلي لم يظهر على مسرح الحياة بصورة مذهب مدوّن متكامل ، وإنّما أخذ بالتكامل عبر العصور ، وفي ظل احتكاك الدعاة بأصحاب الحركات الباطنية أوّلاً ، وأصحاب الفلسفات ثانياً.وقد ظهر في أوّل يوم

________________________________________

    1 ـ كشف الفوائد : 303 ، المتن.

________________________________________

(18)

نشوئه بصورة عقيدة بسيطة ، وهو أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل ، وانّه لم يمت بل غاب ويظهر حتى يملك الاَرض وهو القائم ، وهذه هي الاِسماعيلية المحضة ، ولم يخالط هذه العقيدة شيء آخر.

    نعم لما كان قبولها محفوفاً بغموض ، فرجع بعضهم عن حياة إسماعيل ، وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم انّ الاِمامة كانت في أبيه ، وانّالابن أحقّ بمقام الاِمامة من الاَخ.

    والظاهر من الشيخ المفيد أنّ الفرقة الاَُولى انقرضت ولم يبق منهم من يومأ إليه والفرقة الباقية إلى اليوم هي الاِسماعيلية غير الخالصة. (1) ثمّ صار المذهب الواحد مذاهب متشتتة ومختلفة.و قد كان للدعاة تأثير في نضوج العقيدة الاِسماعيلية وتكاملها مع اختلاف بينهم في بعض الاَُصول فمثلاً الداعي النسفي (... ـ 331 هـ) وضع كتابه « المحصول » في فلسفة المذهب.

    ثمّ جاء بعده أبو حاتم الرازي (260 ـ 322 هـ) فوضع كتابه « الاِصلاح » وخالف فيه أقوال من سبقه.

    ثمّ جاء بعده أبو يعقوب السجستاني الذي كان حيّاً سنة (360 هـ) وكان أُستاذاً للكرماني فانتصر للنسفي وخالف أبا حاتم.

    ثمّ جاء الكرماني (352 ـ 411 هـ) فألّف كتاب « راحة العقل » ، واستطاع أن يوفق بين آراء شيخه « السجستاني » وبين آراء « أبي حاتم الرازي ».

    أضف إلى ذلك أنّ تأويل الظواهر لا يعتمد على ضابطة فكل يوَوّلها على ذوقه وسليقته ، فتجد بينهم خلافاً شديداً في المسائل التأويلية.

    الحادية عشرة : الذي ظهر لي من التتبّع في كتب الاِسماعيلية انّالفرقة المستعلية القاطنين في اليمن والهند أقرب إلى الحقّوعقائد جمهور المسلمين من

________________________________________

    1 ـ المفيد : الاِرشاد : 285.

________________________________________

(19)

النزارية ، فالطبقة الاَُولى متعبّدون بالظواهر وتطبيق العمل على الشريعة بخلاف أغلب النزارية خصوصاً الدعاة المتأخرين منهم ، فإنّهم يواجهون الاَحداث الطارئة والمستجدة بالتدخل في الشريعة (1) ويظهر ذلك من أبحاثنا الآتية.

    وأخيراً فالمذهب الاِسماعيلي اكتنفه غموض وأحاطه إبهام ، فإصابة الحقّ في جميع المراحل أمر مشكل ، نستعينه سبحانه أن يوفقنا لبيان الحقّ ويحفظنا عن العثرة انّه هو المجيب.

    والذي يهم الباحث هو تبيين جذور المذهب وانه كيف نشأ؟ وهل كان هناك اتصال بين الاِسماعيلية ، والحركات الباطنية التي نشأت في عصر الصادق عليه السّلام أو لا ؟ وهذا هو الذي نطرحه على طاولة البحث في الفصل القادم بعد المرور على كلمات أصحاب المعاجم في حقّهم.

________________________________________

    1 ـ أعيان الشيعة : 10/202 ـ 24.

(21)

الفصل الثاني

الاِسماعيلية

في

معاجم الملل والنحل

 

________________________________________

(22)

________________________________________

(23)

إنّ للاِسماعيلية ذكراً في كتب الملل والنحل لا يتجاوز عن ذكر تاريخ إمامهم الاَوّل ، إسماعيل بن جعفر الصادق ، وشيء يسير عن عقيدتهم فيه ، دون تبيين عقائدهم وأُصولهم التي يعتقدون بها ، والاَحكام والفروع التي يصدرون عنها ، وكلّ أخذ عن الآخر ، وربما زاد شيئاً ، لا يُسمن ولا يغني من جوع ، وإليك نصوصهم :

 

    1 ـ قال النوبختي : فلمّا توفي أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السّلام) افترقت شيعته بعده إلى ست فرق ـ إلى أن قال : ـ وفرقة زعمت أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ، ابنه إسماعيل بن جعفر ، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لاَنّه خاف فغيّبه عنهم ، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتى يملك الاَرض ، ويقوم بأمر الناس ، وأنّه هو القائم ، لاَنّ أباه أشار إليه بالاِمامة بعده ، وقلّدهم ذلك له ، وأخبرهم أنّه صاحبه؛ والاِمام لا يقول إلاّ الحقّ ، فلما ظهر موته علمنا انّه قد صدَق ، وانّه القائم ، وانّه لم يمت ، وهذه الفرقة هي « الاِسماعيلية » الخالصة. وأُمّ إسماعيل وعبد اللّه ابني جعفر بن محمد (عليه السّلام) فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) و أُمّها أُمُّ حبيب بنت عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وأُمّها أسماء بنت عقيل بن أبي طالب (عليهم السّلام).

    وفرقة ثالثة زعمت أنّ الاِمام بعد جعفر بن محمد ، محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وأُمّه أُمّ ولد ، وقالوا : إنّ الاَمر كان لاِسماعيل في حياة أبيه فلمّا توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الاَمرَ لمحمد بن إسماعيل ، وكان الحقّ له ، ولا يجوز غير ذلك لاَنّها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين عليمها السّلام ، ولا تكون

 

________________________________________

(24)

إلاّ في الاَعقاب ، ولم يكن لاَخوي إسماعيل عبد اللّه وموسى في الاِمامة حق ، كما لم يكن لمحمد بن الحنفية حقّمع علي بن الحسين؛ وأصحاب هذا القول يسمّون « المباركية » برئيس لهم كان يسمى (المبارك) مولى إسماعيل بن جعفر. (1)

 

    2 ـ قال الاَشعري : والصنف السابع عشر من الرافضة يزعمون أنّ جعفر بن محمد مات وأنّ الاِمام بعد جعفر ، ابنه (إسماعيل) ، وأنكروا أن يكون إسماعيل ماتَ في حياة أبيه ، وقالوا : لا يموت حتى يملك ، لاَنّ أباه قدكان يخبر أنّه وصيّه والاِمام بعده.

    والصنف الثامن عشر من الرافضة وهم « القرامطة » يزعمون أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نص على علي بن أبي طالب ، وأنّعلياً نصّعلى إمامة ابنه (الحسن) ، وانّالحسنَ ابن علي نصَّ على إمامة أخيه الحسين بن علي ، وأنّالحسين بن علي نصّعلى إمامة ابنه علي بن الحسين ، وأنّ علي بن الحسين نصّعلى إمامة ابنه محمد بن علي ، ونصَّ محمد بن علي ، على إمامة ابنه جعفر ، ونصّجعفر على إمامة ابن ابنه « محمد بن إسماعيل » ، وزعموا أنّ « محمد بن إسماعيل » حيّ إلى اليوم لم يمت ولا يموت حتى يملك الاَرض ، وأنّه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به ، واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم ، يخبرون فيها أنّ سابع الاَئمّة قائمهم.

    والصنف التاسع عشر من الرافضة يسوقون الاِمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن « القرامطة » حتى ينتهوا (بها) إلى جعفر بن محمد ، ويزعمون أنّجعفر بن محمد جعلها لاِسماعيل ابنه ، دون سائر ولده ، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل ، وهذا الصنف يُدعون ، « المباركية » نُسِبوا إلى رئيس لهم يقال له (المبارك) وزعموا أنّمحمد بن إسماعيل

________________________________________

    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 66 ـ 69 ، ولكلام النوبختي صلة سيوافيك عند التعرض لجذور المذهب الاِسماعيلي.

________________________________________

(25)

قد مات ، وأنّها في ولده من بعده. (1)

 

    3 ـ وقال البغدادي : الاِسماعيلية وهوَلاء ساقوا الاِمامة إلى جعفر ، وزعموا أنّ الاِمام بعده ابنه إسماعيل ، وافترق هوَلاء فرقتين :

    فرقة : منتظرة لاِسماعيل بن جعفر؛ مع اتّفاق أصحاب التواريخ على موت إسماعيل في حياة أبيه.

    وفرقة قالت : كان الاِمام بعد جعفر ، سبطه محمد بن إسماعيل بن جعفر ، حيث إنّ جعفراً نصب ابنه إسماعيل للاِمامة بعده ، فلما مات إسماعيل في حياة أبيه ، علمنا أنّه إنّما نصبَ ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل. (2)

 

    4 ـ وقال الاسفرائيني : وهم يزعمون أنّ الاِمامة صارت من جعفر إلى ابنه إسماعيل ، وكذّبهم في هذه المقالة جميعُ أهل التواريخ ، لِما صح عندهم من موت إسماعيل قبل أبيه جعفر؛ وقوم من هذه الطائفة يقولون بإمامة محمد بن إسماعيل. وهذا مذهب الاِسماعيلية من الباطنية. (3)

 

    5 ـ وقال الشهرستاني : الاِسماعيلية الواقفية قالوا : إنّ الاِمام بعد جعفر إسماعيل ، نصّاً عليه باتّفاق من أولاده ، إلاّ أنّهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه. فمنهم من قال : لم يمت ، إلاّ أنّه أظهر موته تقية من خلفاء بني العباس ، وعقد محضراً وأشهد عليه عامل المنصور بالمدينة.

    ومنهم من قال : الموت صحيح ، والنصّ لا يَرجعُ قهقرى ، والفائدة في النص بقاء الاِمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيره. فالاِمام بعد إسماعيل ، محمد بن إسماعيل؛ وهوَلاء يقال لهم « المباركيّة ». ثمّ منهم من وقف على محمد بن

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 22 ـ 27 ، ولكلام الاَشعري صلة سيوافيك بيانها في محلّه.

    2 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 62.

    3 ـ الاسفراييني : التبصير : 38.

________________________________________

(26)

إسماعيل وقال برجعته بعد غيبته.

    و منهم من ساق الاِمامة في المستورين منهم ، ثمّ في الظاهرين القائمين من بعدهم ، وهم « الباطنية ».

    وسنذكر مذاهبهم على الانفراد. وإنّما مذهب هذه الفرقة الوقف على إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسماعيل. والاِسماعيلية المشهورة في الفرق منهم هم « الباطنية التعليمية » الذين لهم مقالة مفردة. (1)

 

    6 ـ وقال المفيد : ولما مات إسماعيلرحمه الله انصرف القول عن إمامته من كان يظن ذلك ، فيعتقده من أصحاب أبيه ، وأقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة أبيه ، ولا من الرواة عنه ، وكانوا من الاَباعد والاَطراف.

    فلما مات الصادق (عليه السّلام) انتقل فريق منهم إلى القولِ بإمامة موسى بن جعفر عليمها السّلام ، وافترق الباقون فريقين ، فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل ، وقالوا : بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، لظنهم أنّ الاِمامة كانت في أبيه ، وأنّ الابن أحقّ بمقام الاِمامة من الاَخ.

    وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل ، وهم اليوم شُذّاذ لا يعرف منهم أحد يومى إليه ، وهذان الفريقان يسميان بالاِسماعيلية ، والمعروف منهم الآن مَنْ يزعم أنّ الاِمامة بعد إسماعيل في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان. (2)

    7 ـ وقال صاحب الاَعيان : الاِسماعيلية هم القائلون بإمامة إسماعيل هذا ، ويدل كلام المفيد (الماضي) على أنّ هذا القول كان موجوداً من عصر الصادق (عليه السّلام) ، وأنّ شِرذمة اعتقدوا حياته ، أو بعد موت أبيه بقى بعضهم على القول بحياة إسماعيل ، وبعضهم قال : بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل ، ولقب الاِسماعيلية يعم الفريقين ، وأنّ الموجود منهم في عصر المفيد من يزعم أنّ الاِمامة بعد إسماعيل

________________________________________

    1 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/167 ـ 168.

    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 285.

________________________________________

(27)

في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان.

    و يقال الاِسماعيلية « السبعية » أيضاً باعتبار مخالفتهم للاثني عشرية في الاِمام السابع. وفرقة من الاِسماعيلية تدعى الباطنية وكان لها ذكر مستفيض في التاريخ وصارت لها قوة ، وشدّة ، ووقائع عدّة مع الملوك والاَُمراء ، كما فصلته كتب التاريخ.

    وفي أنساب السمعاني : « الفرقة الاِسماعيلية جماعة من الباطنية ينتسبون إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، لانتساب زعيمهم المغربي إلى محمد بن إسماعيل. وفي كتاب الشجرة انّه لم يعقب (انتهى).

    و « الاِسماعيلية » اليوم فرقتان : إحداهما :

الآغاخانية

    يسوقون الاِمامة في ذرية إسماعيل ، ويعدّون فيهم جملة من خلفاء مصر ، حتى ينتهوا إلى محمد شاه (الآغاخان الثالث) الموجود اليوم في بمبيَ ، ويبعثون إليه بخمس أموالهم ، ومنهم الذين بسلْمية من بلاد حَماة.

والفرقة الثانية : البُهْرَة

    بضم الباء وسكون الهاء وفتح الراء ، لفظ هندي ، معناه الجدّ والعمل ، وهم يسوقون الاِمامة في ولد إسماعيل ، حتى ينتهوا إلى شخص يقولون : إنّه المهدي المنتظر ، وإنّه غائب. (1)

________________________________________

    1 ـ الاَولى أن يقال : هم يسوقون الاِمامة بعد المستنصر ، إلى المستعلي ، فالآمر بأحكام اللّه ، فالحافظ لدين اللّه ، فالظافر لدين اللّه ، فالظاهر بأمر اللّه ، فالفائز ، فالعاضد ، عند ذلك دخلت الدعوة المستعلية في كهف الاستتار بل دخلت بعد وفاة الآمر بأحكام اللّه ، وهوَلاء الاَئمة الاَربعة كانت دعاة ، لاَنّ الاَمر بأحكام اللّه مات بلا عقب وربما يقال ولد له باسم الطيب ، و ثالثة بأنّ المولود كان أُنثى.

________________________________________

(28)

    أمّا الذي يطلقون عليه اسم سلطان البهرة فالظاهر أنّه من قبيل النائب عن الاِمام الغائب ، ويبلغ عدد البهرة في الهند واليمن وغيرها نحو أربعمائة ألف ، وهم أهل جدّ وكسب ، ولا يوجد بينهم فقير ، والفقير منهم يُوجِدون له عملاً من تجارة أو غيرها يكتفي به ، ولهم ملاجىَ وتكايا عامة في البلاد التي يقصدونها للحج والزيارة ، في مكّة ، والمدينة ، والنجف ، وكربلاء ، وغيرها.وهي مبانٍ تامة المرافق يَنزلونها ولا يحتاجون إلى النزول في فندق أو خلافه ، وهم متمسكون بشرائع الدين. وكان خلفاء مصر الفاطميون على مذهب الاِسماعيلية ، القائلين بانتقال الاِمامة من الصادق (عليه السّلام) إلى ولده إسماعيل ، ثمّ في أولاده ، وكانوا يقيمون شعائر الاِسلام ، ويحافظون على أحكامه ، وما كان يذمهم أو بعضهم بعض الموَرّخين إلاّ للعداوة المذهبية ، ولا يمكن التصديق بما ينسبه بعض الموَرّخين إلى بعضهم ، بعد تأصّل العداوة المذهبية في النفوس ، كما أنّ جماعة من أهل هذا العصر يخلطون بين الفريقين جهلاً أو تجاهلاً. (1)

    هذه الاَقوال والآراء فيهم ، توقفنا على أنّالقومَ لم يكن لهم موقف واحد تجاه سوق الاِمامة بعد وفاة الاِمام الصادق (عليه السّلام).

    فمنهم من أنكر الواضحات ، وقال : بأنّ إسماعيل لم يمت ، وإنّه القائم ، وهذه هي الاِسماعيلية الخالصة. (2)

    وأمّا اشهاد الاِمام على موته فلم يكن إلاّ إظهاراً لموته تقيةً من خلفاء بني العباس ، وأنّه عقد محضراً ، وأشهدَعليه عامل المنصور بالمدينة. (3)

    وهذه الطائفة لا تسوق الاِمامة بعد إسماعيل إلى غيره ، وإنّما تنتظر خروج

________________________________________

    1 ـ السيد الاَمين : أعيان الشيعة : 3/316.

    2 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 60.

    3 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/167.

________________________________________

(29)

قائمهم.

    ومنهم من قال : إنّ موته صحيح ، وإنّ الاِمام الصادق لَمّا نصّ على إمامته ، والنص لا يرجع قهقرى ، ففائدة النص بقاء الاِمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم ، فالاِمام بعد إسماعيل ، محمد بن إسماعيل ، ثمّ إنّ هذه الطائفة على رأيين :

    فمنهم : من وقف على محمد بن إسماعيل ، وقال : برجعته بعد غيبته؛ وهوَلاء القرامطة.

    ومنهم : من ساق الاِمامة في المستورين منهم ، ثمّ في الظاهرين القائمين من بعدهم.

    وقد سبقت الاِشارة إلى نص الشيخ المفيد ، و أنّه لا يعرف من الواقفين على إسماعيل ، أو ابنه محمد المنتظرين لرجعته أحداً؛ والمعروف هو سوق الاِمامة في ولد إسماعيل إلى آخر الزمان.

    و سيوافيك الكلام في الاَئمة المستورين والظاهرين إن شاء اللّه.

    هذا ما وقفنا عليه في معاجم الملل والنحل وهو ـ كما ترى ـ لا يغني الباحث ، فليس فيها شيء من أُصولهم وعقائدهم ، ولا من فروعهم ، وثوراتهم ، ودولهم ، وحضارتهم ، وكتبهم وآثارهم العلمية.

    والمهم في المقام هو دراسة جذور المذهب وانّه كيف نشأ وهذا ما سنبحث عنه في الفصل القادم إن شاء اللّه.

(31)

الفصل الثالث

الحركات الباطنية

في

عصر الاِمام الصادق (عليه السّلام)

 

________________________________________

(32)

________________________________________

(33)

من المشاكل التي واجهت أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) هي الحركات الباطنية التي تزعّمها الموالي والعناصر المستسلمة ، المندسَّة بين أصحاب أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) في عصر الصادقين عليمها السّلام.

    فقد سنحت الظروف للاِمام الباقر والصادقعليمها السّلام أن يوَسّسا جامعة إسلامية كبيرة دامت نصف قرن كان لها صدى كبير في العالم الاِسلامي ، فقاما بتربية نخبة من الفقهاء والمحدّثين والمفسّرين البارزين ، وحفظا بذلك السنّة النبوية من الاندثار بعدما كان التحدّث بها وكتابتها أمراً محظوراً أو مكروهاً إلى عهد الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي.

    فأضحت تلك الجامعة شوكة في أعين خصومها ، فقامت ثلة من العناصر الدخيلة بالانخراط في صفوف أصحاب الاَئمّة بغية التخريب والتضليل ، وتشويه سمعة أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) أوّلاً ، وهدم كيان الاِسلام ثانياً. وقد شكَّلت تلك العناصر فيما بعد اللبنة الاَُولى للحركات الباطنية التي جرّت الويلات على الاِسلام والمسلمين ، فاتخذ الاِمام الصادق (عليه السّلام) موقفاً حازماً أمامها تجنباً لاَخطارها ، فأعلن للملاَ الاِسلامي براءته من تلك الفئات المنحرفة عن الدين والاِسلام وتكفيرها وانّ عاقبتها النار.

    و من جملة الذين أبدعوا الحركات الباطنية وأغروا جماعة من شيعة أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) هو محمد بن مقلاص المعروف بأبي الخطاب الاَسدي ، وزملاوَه ، نظير : المغيرة بن سعيد ، وبشار الشعيري وغيرهم ، فقد تبرّأ منهم الاِمام (عليه السّلام) على روَوس الاَشهاد. ونركز البحث هنا على رئيس الفرقة الباطنية ، أعني : أبا زينب محمد بن مقلاص الاَسدي.

 

________________________________________

(34)

    ولعرض صورة صحيحة عن عقائد الخطابية ، نأتي بنصوص علماء الفريقين ليتبين من خلالها جذور الدعوة الاِسماعيلية ، وانّها ليست سوى استمراراً لتلك الحركة الباطنية التي تزعّمها أبو زينب :

 

1 ـ الكشي والخطابية

    إنّ الكشي أحد الرجاليين الذي عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع ، ووضع كتابه في الرجال على أساس الروايات المروية عن أئمة أهل البيت في حقّ الرواة ، فقال ما هذا نصّه :

    1 ـ روى أبو أُسامة قال : قال رجل لاَبي عبد اللّه (عليه السّلام) : أُوَخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال : « خطابية؟! انّ جبرئيل أنزلها على رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين سقط القرص ».

    2 ـ كتب أبو عبد اللّه إلى أبي الخطاب : « بلغني أنّك تزعم أنّالزنا رجل ، وأنّ الخمر رجل ، وأنّ الصلاة رجل ، والصيام رجل ، والفواحش رجل ، وليس هو كما تقول ، أنا أصل الحقّ وفروع الحقّ طاعة اللّه ، وعدونا أصل الشر وفروعهم الفواحش ، وكيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع؟ »

    3 ـ قيل للاِمام الصادق (عليه السّلام) روي عنكم أنّ الخمر والميسر والاَنصاب والاَزلام رجال ، فقال : « ما كان اللّه عزّ وجلّ ليخاطب خلقه بمالا يعلمون ».

    4 ـ روى أبو بصير قال : قال لي أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : « يا أبا محمد : أبرأ ممّن يزعم انّا أرباب » قلت : برىَ اللّه منه ، فقال : « أبرأ ممّن زعم أنّا أنبياء » قلت : برىَ اللّه منه.

    5 ـ روى عبد الصمد بن بشير عن مصادف قال : ما لبّى القوم الذين لبّوا بالكوفة ـ أي قالوا : لبيك جعفر ، وهوَلاء هم الغلاة في هـ دخلت علي أبي عبد اللّه (عليه السّلام) فأخبرته بذلك ، فخرّ ساجداً ودق جوَجوَه بالاَرض وبكى ـ إلى أن قال : ـ فندمت على إخباري إيّاه ، فقلت : جعلت فداك وما عليك أنت من ذا ، فقال :

 

________________________________________

(35)

« إنّ عيسى لو سكت عمّا قالت النصارى فيه لكان حقاً على اللّه أن يصم سمعه ويعمي بصره ، ولو سكت عمّا قال فيّ أبو الخطاب لكان حقاً على اللّه أن يصم سمعي ويعمي بصري ».

    6 ـ روى علي بن حسان عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد اللّه ، قال : ذكر عنده جعفر بن واقد ونفر من أصحاب أبي الخطاب فقيل انّه صار إلى ببروذ ، وقال فيهم وهو الذي في السماء إله وفي الاَرض إله قال هو الاِمام ، فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : « لا واللّه لا يأويني وإياه سقف بيت أبداً ، هم شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، واللّه ما صغر عظمة اللّه تصغيرهم شيئاً قط ، وانّ عزيراً جال في صدره ما قالت اليهود فمحا اللّه اسمه من النبوة ».

    7 ـ روى الحسن الوشاء عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « من قال بأنّنا أنبياء اللّه ، فعليه لعنة اللّه ».

    8 ـ روى ابن مسكان عمّن حدّثه عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : سمعته يقول : « لعن اللّه من قال فينا مالا نقوله في أنفسنا ، ولعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا ».

    9 ـ عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال : قلت لاَبي عبد اللّه : إنّ قوماً يزعمون انّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآناً : يا أيّها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إنّي بما تعملون عليم ، قال : « يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هوَلاء براء ، برىَ اللّه منهم ورسوله ما هوَلاء على ديني ودين آبائي ». (1)

    فلما نهض أبو الخطاب بدعوته الفاسدة ، ووصلت إلى مسامع عامل الخليفة دعا عيسى بن موسى للقضاء عليها واجتثاث جذورها.

________________________________________

    1 ـ الروايات مأخوذة من رجال الكشي : 246 ـ 260 ، موَسسة الاَعلمي ، بيروت. ولاحظ الوسائل ، الجزء 3 الباب 18 من أبواب المواقيت ، فقد جاءت فيه روايات تذم عمل أبي الخطاب وتحذر الشيعة من اتباعه.

________________________________________

(36)

    10 ـ كان سالم من أصحاب أبي الخطاب ، وكان في المسجد يوم بعث عيسى ابن موسى بن علي بن عبد اللّه بن العباس ـ وكان عامل المنصور على الكوفة ـ إلى أبي الخطاب لمّا بلغه انّهم أظهروا الاِباحات ، ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب ، وانّهم يجتمعون في المسجد ولزموا الاَساطين يرون الناس انّهم قد لزموها للعبادة ، وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً لم يفلت منهم إلاّ رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم ، فلمّا جنّه الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب بأبي خديجة. (1)

    هذه نصوص عشرة توقفك على جلية الحال ، وانّ الحركة الباطنية أُسست بيد الخطابية ، وسيظهر انّ أتباع أبي زينب تحولوا فيما بعد إلى جانب محمد بن إسماعيل ووجدوه مرتعاً خصباً ، عندها تألّق نجم ابن إسماعيل بعد انتمائهم له.

    هذه الروايات التي رواها الكشي تعرب عن وجود القول بالاِلوهية والمقامات الغيبية للاَئمّة حتى انّ الحلول في الاَئمّة كان من نتاج أفكار أبي زينب وأصحابه في أواسط القرن الثاني ، حتّى طردهم الاِمام الصادق ولعنهم وتبرّأ منهم ، ونهى أصحابه عن مخالطتهم.

 

2 ـ الاَشعري والخطابية

    وليس الكشي ممّن انفرد في نقل تلك العقائد ، فقد نسبها إليهم الاَشعري أيضاً في « مقالات الاِسلاميين » وذكر ما هذا نصه :

    الخطابية على خمس فرق : كلّهم يزعمون انّ الاَئمة أنبياء محدَّثون ، ورسل اللّه وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان : واحد ناطق والآخر صامت ، فالناطق محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، والصامت علي بن أبي طالب ، فهم في الاَرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق ، يعلمون ما كان ، و ما هو كائن ، وزعموا أنّ أبا الخطاب

________________________________________

    1 ـ رجال الكشي : 301.وقد اقتصرنا من الكثير بالقليل ، ومن أراد التفصيل فليرجع إليه.

________________________________________

(37)

نبي ، وانّ أُولئك الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب ، وقالوا : الاَئمة آلهة ، وقالوا في أنفسهم مثل ذلك ، وقالوا : ولد الحسين أبناء اللّه وأحباوَه ، ثمّ قالوا ذلك في أنفسهم ، وتأوّلوا قول اللّه تعالى : « فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ » (1) قالوا : فهو آدم ونحن ولده ، وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنّه إله ، وزعموا أنّ جعفر بن محمد إلههم أيضاً إلاّ أنّ أبا الخطاب أعظم منه ، وأعظم من عليّ ، وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة ، وهم يتديّنون بشهادة الزور لموافقيهم.

    والفرقة الثانية من « الخطابية » : وهي الفرقة السابعة من الغالية يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له « معمر » وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب ، وزعموا أنّ الدنيا لا تفنى ، وانّ الجنّة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية ، وانّ النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك ، وقالوا بالتناسخ ، وانّهم لا يموتون ، ولكن يرفعون بأبدانهم إلى الملكوت ، وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم ، واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ، ودانوا بترك الصلاة ، وهم يُسمّون « المعمرية » ويقال انّهم يسمّون « العمومية ».

    والفرقة الثالثة من « الخطابية » : وهي الثامنة من الغالية يقال لهم « البزيغية » أصحاب « بزيغ بن موسى » يزعمون أنّ جعفر بن محمد هو اللّه ، وأنّه ليس بالذي يرون ، وأنّه تشبّه للناس بهذه الصورة ، وزعموا أنّ كلّ ما يحدث في قلوبهم وحي ، وأنّ كلّ موَمن يوحى إليه وتأوّلوا في ذلك قوله تعالى : « وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّبِإِذْنِ اللّهِ » (2) أي بوحي من اللّه ، وقوله : « وَ أَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ » . (3) « إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوارِيّين » (4) وزعموا أنّ منهم من هو خير من جبريل وميكائيل

________________________________________

    1 ـ ص : 72.

    2 ـ آل عمران : 145.

    3 ـ النحل : 68.

    4 ـ المائدة : 111.

________________________________________

(38)

ومحمد ، وزعموا أنّه لا يموتُ منهم أحد ، وأنّ أحدهم إذا بلغت عبادَته رُفع إلى الملكوت ، وادّعوا معاينة أمواتهم ، وزعموا أنّهم يرونَهم بكرة وعشية.

    والفرقة الرابعة من « الخطابية » : وهي التاسعة من الغالية يقال لهم « العميرية » أصحاب « عمير بن بيان العجلي » وهذه الفرقة تكذِّب من قال منهم انّهم لا يموتون ، ويزعمون أنّهم يموتون ، ولا يزال خلف منهم في الاَرض أئمّة أنبياء ، وعبدوا جعفراً كما عبده « اليعمريون » ، وزعموا أنّه ربهم ، وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ، ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر ، فأخذ يزيد بن عمر ابن هبيرة ، « عمير بن البيان » فقتله في الكناسة ، وحبس بعضهم.

    والفرقة الخامسة من « الخطابية » : وهي العاشرة من الغالية يقال لهم « المفضلية » لاَنّ رئيسهم كان صيرفياً يقال له « المفضّل » يقولون بربوبية جعفر ، كما قال غيرهم من أصناف الخطابية ، وانتحلوا النبوة والرسالة وإنّما خالفوا في البراءة من « أبي الخطاب » لاَنّ جعفراً أظهر البراءة منه. (1)

 

3 ـ النوبختي والخطابية

    وقد ذكر النوبختي فرقهم ، وأضاف : إنّ الخطابية هم الذين خرجوا في حياة أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليمها السّلام فحاربوا عيسى بن موسى بن محمد بن عبد اللّه بن العباس ، وكان عاملاً على الكوفة ، فبلغه عنهم أنّهم أظهروا الاِباحات ، ودعوا إلى نبوة أبي الخطاب ، وأنّهم مجتمعون في مسجد الكوفة ، فبعث إليه فحاربوه وامتنعوا عليه ، وكانوا سبعين رجلاً ، فقتلهم جميعاً ، فلم يفلت منهم إلاّ رجل واحد أصابته جراحات فعدّ في القتلى ، فتخلّص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقّب بأبي خديجة وكان يزعم أنّه مات فرجع ، فحاربوا عيسى محاربة شديدة بالحجارة والقصب والسكاكين ، لاَنّهم جعلوا القصب مكان الرماح.

________________________________________

    1 ـ الاَشعري : مقالات الاِسلاميين : 10 ـ 13.

________________________________________

(39)

    وقد كان أبو الخطاب قال لهم : قاتلوهم فإنّ قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح والسيوف ، ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم لا تضرّكم ولا تخلّ فيكم ، فقدّمهم عشرة عشرة للمحاربة ، فلمّا قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً ، قالوا له : ما ترى ما يحل بنا من القوم وما نرى قصبنا يعمل فيهم ولا يُوَثر ، وقد عمل سلاحهم فينا وقُتل من ترى منهم ، فذكر لهم ما رواه العامة أنّه قال لهم : إن كان قد بدا للّه فيكم فما ذنبي ، وقال لهم ما رواه الشيعة : يا قوم قد بُليتم وامتحنتم وأُذن في قتلكم ، فقاتلوا على دينكم وأحسابكم ، ولا تعطوا بلدتكم ، فتذلّوا مع أنّكم لا تتخلصون من القتل فموتوا كراماً ، فقاتلوا حتى قُتلوا عن آخرهم ، وأُسر أبوالخطاب فأُتي به عيسى بن موسى فقتله في دار الرزق على شاطىَ الفرات ، وصلب مع جماعة منهم ، ثمّ أمر بإحراقه فأُحرقوا ، وبعث بروَوسهم إلى المنصور فصلبها على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام ، ثمّ أُحرقت. (1)

 

4 ـ الطبري والحركات الباطنية

    يظهر ممّا رواه الطبري في تاريخه وابن الجوزي في منتظمه تفشّي هذا النوع من الاِلحاد عند غير الخطابية أيضاً ، وإليك نص ابن الجوزي في هذا المقام :

    خروج الراوندية ، وهم قوم من أهل خراسان كانوا على رأي أبي مسلم ، إلاّ أنّهم يقولون بتناسخ الاَرواح ، ويدّعون أنّ روح آدم (عليه السّلام) في عثمان بن نهيك ، وأنّ ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور ، وأنّالهيثم بن معاوية جبرائيل.

    وهوَلاء طائفة من الباطنية يسمّون السبعية يقولون : الاَرضون سبع ، والسماوات سبع ، والاَُسبوع سبعة يدل على أنّ دور الاَئمّة يتم بسبعة. فعدوا : العباس ، ثمّ ابنه عبد اللّه ، ثمّابنه علي ، ثمّمحمد بن علي ، ثمّإبراهيم ، ثمّالسفاح ،

________________________________________

    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 69 ـ 70.

________________________________________

(40)

ثمّالمنصور ، فقالوا : هو السابع. وكانوا يطوفون حول قصر المنصور ويقولون : هذا قصر ربنا.

    فأرسل المنصور ، فحبس منهم مائتين ـ وكانوا ستمائة ـ فغضب أصحابهم الباقون ودخلوا السجن ، فأخرجوهم وقصدوا نحو المنصور ، فتنادى الناس ، وغلقت أبواب المدينة ، وخرج المنصور ماشياً ولم يكن عنده دابة ، فمن ذلك الوقت ارتبط فرساً ، فسمى : فرس النوبة ، يكون معه في قصره ، فأتى بدابة فركبها وجاء معن بن زائدة فرمى بنفسه وقال : أُنشدك اللّه يا أمير الموَمنين إلاّ رجعت ، فإنّي أخاف عليك. فلم يقبل وخرج ، فاجتمع إليه الناس ، وجاء عثمان بن نهيك فكلّمهم ، فرموه بنشابة وكانت سبب هلاكه ، ثمّ حمل الناس عليهم فقتلوهم ، وكان ذلك في المدينة الهاشمية بالكوفة في سنة إحدى وأربعين. (1)

 

تحول الخطابية إلى الاِسماعيلية

    إنّ الخطابية بعد قتل زعيمهم توجهوا إلى محمد بن إسماعيل ، وقد كان بعض الضالين يوَم والده إسماعيل بن جعفر ، ولكن الاِمام الصادق (عليه السّلام) آيسه من إضلاله.

    روى الكشي عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه يقول للمفضل بن عمر الجعفي : « يا كافر ، يا مشرك مالك ولاِبني » ـ يعني : إسماعيل بن جعفر ـ وكان منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطابية ، ثمّ رجع عنه. (2)

    والذي يدل على أنّ المذهب الاِسماعيلي نشأ وترعرع في أحضان الخطابية ، وإن لم يتبنى كل ما تبنّته الخطابية ، هي النصوص التاريخية التي سنتلوها عليك واحداً تلو الآخر :

________________________________________

    1 ـ ابن الجوزي : المنتظم : 8/29 ـ 30 ، تاريخ الطبري : 6/147 ـ 148.

    2 ـ الكشي : الرجال : 321 برقم 581 ، في ترجمة المفضل بن عمر.

(41)

    1 ـ قال النوبختي : ثمّخرج ـ بعد قتل أبي الخطاب ـ من قال بمقالته من أهل الكوفةو غيرهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد قتل أبي الخطاب ، فقالوا بإمامته وأقاموا عليها.

    و صنوف الغالية افترقوا بعده على مقالات كثيرة ، إلى أن قال : فقالت فرقة منهم إنّ روح جعفر بن محمد جعلت في أبي الخطاب ، ثمّ تحوّلت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد بن إسماعيل بن جعفر وتشعبت منهم فرقة من المباركية ممّن قال بهذه المقالة تسمّى القرامطة. (1)

    2 ـ إنّ تقسيم الاِمام إلى صامت وناطق من صميم عقائد الاِسماعيلية ، ونرى نفس ذلك التقسيم لدى الخطابية ، وقد مر تصريح الاَشعري بذلك حينما قال :

    منهم رسولان : واحد ناطق ، والآخر صامت؛ فالناطق محمد ، والصامت علي ابن أبي طالب. (2)

    و يذكر ذلك التقسيم أيضاً البغدادي عند ذكره للخطابية حيث قال :

    وأتباعه كانوا يقولون ينبغي أن يكون في كلّ وقت إمام ناطق وآخر ساكت ، والاَئمّة يكونون آلهة ، ويعرفون الغيب ، ويقولون انّ علياً في وقت النبي صامتاً ، وكان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ناطقاً ، ثمّ صار علي بعده ناطقاً. وهكذا يقولون في الاَئمة بعد أن انتهى الاَمر إلى جعفر ، وكان أبو الخطاب في وقته إماماً صامتاً وصار بعده ناطقاً. (3)

    3 ـ قال المقريزي : إنّ أتباع أبي الخطاب متفقون على أنّ الاَئمّة مثل علي وأولاده كلّهم أنبياء ، وإنّه لابدّ من رسولين لكلّ أُمّة أحدهما ناطق والآخر صامت ،

________________________________________

    1 ـ النوبختي : فرق الشيعة : 71.

    2 ـ مقالات الاِسلاميين : 10.

    3 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 247 ـ 248.

________________________________________

(42)

فكان محمد ناطقاً وعلي صامتاً ، وإنّ جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) كان نبياً ، ثمّ انتقلت النبوة إلى أبي الخطاب. (1)

    4 ـ قد وقفت على ما نقلناه عن الكشي من أنّ الخطابية كانت توَوّل الآيات إلى مفاهيم غير مفهومة من ظواهر الآيات ، حتى أنّه أوّل الخمر والميسر والاَنصاب والاَزلام بأنّها رجال ، فلما بلغ التأويل إلى الاِمام الصادق (عليه السّلام) فقال رداً عليه : « ما كان اللّه عزّوجلّ ليخاطب خلقه بمالا يعلمون ». (2)

    ومن الواضح أنّ الاِسماعيلية وضعت لكلّ ظاهر باطناً ، واتخذت من التأويل ركناً أساسياً لها.

    كما وذكر الشهرستاني والمقريزي شيئاً من تأويلات الخطابية. (3)

    قال الشهرستاني : زعم أبو الخطاب أنّ الاَئمّة أنبياء ثمّ آلهة ، وقال بإلهية جعفر بن محمد وإلهية آبائه وهم أبناء اللّه وأحباوَه. وا لاِلهية نور في النبوة ، والنبوة نور في الاِمامة ، ولا يخلو العالم من هذه الآثار والاَنوار. وزعم أنّ جعفراً هو الاِله في زمانه ، وليس هو المحسوس الذي يرونه ، ولكن لما نزل إلى هذا العالم لبس تلك الصورة فرآه الناس فيها ، ولما وقف عيسى بن موسى صاحب المنصور على خبث دعوته ، قتله بسبخة الكوفة. (4)

    وقد عرفت أيضاً شيئاً من تأويلاتهم في كلام الكشي.

    و من خلال استعراض تلك النصوص نخرج بهذه النتيجة انّ حقيقة التطرّف المشاهد في المذهب الاِسماعيلي طرأت عليه من قبل أصحاب أبي الخطاب الذين استغلوا إمامة محمد بن إسماعيل لبث آرائهم.

________________________________________

    1 ـ المقريزي : الخطط : 2/352.

    2 ـ الكشي : ترجمة ابن الخطاب ، برقم 135.

    3 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/159؛ المقريزي : الخطط : 2/252.

    4 ـ الشهرستاني : الملل والنحل : 1/159؛ المقريزي : الخطط : 2/252.

________________________________________

(43)

    إنّ للمذهب الاِسماعيلي دعائم ثلاث :

    الاَوّل : التمسك بالتأويل ، والقول بأنّ لكلّ ظاهر باطناً.

    الثاني : أخذ الفلسفة اليونانية ، بأبعادها المختلفة في الاِلهيات والطبيعيات والفلكيات سناداً وعماداً للمذهب كما سيظهر.

    الثالث : الغلو في حقّ أئمّتهم وتزويدهم بصلاحيات واختصاصات واسعة لا دليل عليها من العقل ولا الشرع. (1)

    فخرجنا بهذه النتيجة : انّ الاِسماعيلية كانت فرقة واحدة ، فانشقت إلى : قرامطة ودروز ، وبهرة ، ونزارية وسيوافيك تفصيلها في الفصول الآتية.

________________________________________

    1 ـ تقدّم الكلام في ذلك تفصيلاً في الفصل الاَوّل.

________________________________________

(44)

________________________________________

(45)

الفصل الرابع

عبد اللّه بن ميمون القداح

إسماعيلي أو اثنا عشري ؟

 

________________________________________

(46)

________________________________________

(47)

إنّ عبد اللّه بن ميمون القدّاح (190 ـ 270 هـ) من أقطاب الدعوة الاِسماعيلية ، و سيوافيك نصوص الرجاليين في حقّه ، غير انّا نركز في هذا المقام على أنّ عبد اللّه بن ميمون الاِسماعيلي غير عبد اللّه بن ميمون الاثني عشري ، فهما شخصان ، لا شخص واحد ، فنقول :

    إنّ عبد اللّه بن ميمون القداح أحد رواة الشيعة ، المعروفين بالوثاقة ، وقد روى زهاء ستين رواية عن أئمة أهل البيت في مختلف الاَبواب الفقهية ، فتارة عن الصادق (عليه السّلام) مباشرة ، وأُخرى عن الباقر وعلي بن أبي طالب بالواسطة ، ولم نر في كتب الرجال الشيعية أي غموض في سيرته إلاّالشيء اليسير من اتهامه بالتزيّد.

    وأمّا أبوه فقد صحب أئمّة ثلاثة هم : زين العابدين علي بن الحسين عليمها السّلام و الاِمام الباقر محمد بن علي عليمها السّلام والاِمام الصادق جعفر بن محمد عليمها السّلام ، ولم يذكر له توثيق.

    هذا من جانب ومن جانب آخر يحدّثنا كتّاب المقالات انّ عبد اللّه بن ميمون القداح وأبوه قد انضما إلى الحركة الباطنية وتحرّكا في رقعة كبيرة من العالم الاِسلامي بين الكوفة والمغرب.

    كلُّ ذلك ممّا يجعل الباحث في حيرة من أمرهما ، ولكن الحقّ انّما ذكرته كتب الرجال عن شخصية عبد اللّه بن ميمون وأبيه تختلف ماهويَّة عمّا ذكره أصحاب المقالات له ولاَبيه ، وإنّما حصل الخلط للاشتراك في التسمية ، ولا يتجلّى ذلك بوضوح إلاّبعد الوقوف على نصوص كلّ منها.

    إنّ مقارنة النصوص لدليل واضح على تعدد المسمّيين ولنذكر نصوص الرجاليين من الشيعة أوّلاً.

 

________________________________________

(48)

عبد اللّه بن ميمون الاِمامي في كتب الرجال

    قال البرقي في فصل أصحاب الاِمام الصادق (عليه السّلام) : عبد اللّه بن ميمون القداح ، مولى بني مخزوم ، كان يبري القداح. (1)

    وقال الكشي : عبد اللّه بن ميمون القداح المكي ، قال حدثني حمدويه ، عن أيّوب بن نوح ، عن جعفر بن يحيى ، عن أبي خالد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : « يا ابن ميمون كم أنتم بمكة؟ » قلت : نحن أربعة ، قال : « أما إنّكم نور في ظلمات الاَرض ». (2)

    وقال النجاشي : عبد اللّه بن ميمون بن الاَسود القداح مولى بني مخزوم يبري القداح ، روى أبوه عن : أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليمها السّلام ، وروى هو عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) ، وكان ثقة. له كتب ، منها : كتاب « مبعث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخباره » ، وكتاب « صفة الجنة والنار » ثمّ ذكر سنده إلى كتبه. (3)

    وقال الشيخ الطوسي : عبد اللّه بن ميمون القداح له كتاب ، ثمّ ذكر سنده إلى كتابه. (4)

    وقال الشيخ أيضاً : عبد اللّه بن ميمون القداح المكي ، كان يبري القداح ، مولى بني مخزوم. (5)

    وذكر أباه في أصحاب علي بن الحسين عليمها السّلام (6) وذكره أيضاً في

________________________________________

    1 ـ رجال البرقي : 22 ، طبعة جامعة طهران.

    2 ـ الكشي : الرجال : برقم 124 ، وقد أتى بنفس النص تحت رقم 247.

    3 ـ النجاشي : الرجال : برقم555.

    4 ـ الطوسي : الفهرست : 129برقم 443.

    5 ـ الفهرست : أصحاب الاِمام الصادق ، باب العين برقم 40.

    6 ـ الرجال : أصحاب علي بن الحسين ، باب الميم ، برقم 10.

________________________________________

(49)

أصحاب الاِمام الباقر ، وقال : ميمون القداح مولى بني مخزوم مكي. (1)

    هذا ما في كتب الشيعة ، وأمّا الكتب الرجالية لاَهل السنة ، فقد ذكره ابن حجر في « تهذيب التهذيب » وقال : عبد اللّه بن ميمون بن داود القداح المخزومي ، مولاهم المكي.

    روى عن : جعفر بن محمد ، وإسماعيل بن أُميّة ، ويحيى بن الاَنصاري ، وعثمان بن الاَسود وغيرهم. (2)

    وقال في « تقريب التهذيب » : عبد اللّه بن ميمون بن داود القداح المخزومي ، المكي ، متروك من الثامنة. (3)

    و تتلخّص مواصفاته التي ذكرت في الكتب الرجالية بالاَُمور التالية :

    الاَوّل : اسمه ونسبه : وهو عبد اللّه بن ميمون بن الاَسود أو ابن داود.

    الثاني : الوطن : فهو مكي من بني مخزوم ، وقد عرفت عن الكشي انّأبا جعفر الباقر (عليه السّلام) قال له : يابن ميمون كم أنتم بمكة؟

    الثالث : الولاء : انّه مخزومي ولاءً كما قال النجاشي : مولى بني مخزوم.و مثله الشيخ في الفهرست.

    الرابع : العصر : فقد عاصر والده الاَئمّة الثلاثة : زين العابدين ، ومحمد الباقر ، وجعفر الصادق (عليهم السّلام).

    وأمّا الولد فقد عاصر الاِمامين : الباقر والصادق عليمها السّلام و روى عنهما ، كما في رواية الكشي انّأبا جعفر ، قال : « يابن ميمون كم أنتم بمكة؟ ».

________________________________________

    1 ـ المصدر السابق : أصحاب الاِمام الباقر ، باب الجيم ، برقم 13.

    2 ـ ابن حجر : تهذيب التهذيب : 6/49 ، وقد سمّى جدّه « داود » ، خلافاً للنجاشي حيث سمّاه « الاَسود ».

    3 ـ ابن حجر : تقريب التهذيب : 1/455 ، برقم 679.

________________________________________

(50)

    وما في رجال النجاشي من أنّه روى عن أبي عبد اللّه محمول على كثرة رواياته عن أبي عبد اللّه وقلّته عن أبي جعفر ، وإلاّ فقد عرفت نقل الكشي روايته عن أبي جعفر مباشرة إلاّ أن يقال بسقوط الواسطة عن قلم الكشي.

    وبما أنّالوالد صحب الاَئمة الثلاثة :

    1 ـ الاِمام زين العابدين (عليه السّلام) (م 94).

    2 ـ الاِمام الباقر (عليه السّلام) (م 114).

    3 ـ الاِمام الصادق (عليه السّلام) (م 148).

    و الولد صحب الاِمام الباقر والصادق عليمها السّلام فقط ، ولم يرو شيئاً عن الاِمام الكاظم (عليه السّلام) ، وطبيعة الحال تقتضي أنّالوالد توفي في حياة الاِمام الصادق (عليه السّلام) وتوفي الولد أواخر إمامته أو بعدها بقليل.

    و يوَيد ذلك : انّ أبا عبد اللّه البرقي والد صاحب المحاسن ، وأحمد بن محمد بن عيسى الاَشعري كلاهما (1) ممّن لقيا الرضا (عليه السّلام) مع أنّهما يرويان عن عبداللّه بن ميمون بواسطة جعفر بن محمد بن عبيد اللّه ، فيكون عبد اللّه ، متأخراً عن جعفر ومعاصراً لتلامذة الاِمام الصادق.

    الخامس : وجه التلقيب : فقدلقّب بـ « القداح » ، لاَنّه كان يبري القداح.

 

عبد اللّه بن ميمون الاِسماعيلي

    و إليك بيان ما يذكره أصحاب المقالات والموَرّخون حوله :

    1 ـ قال البغدادي في « الفرق بين الفرق » :

    قال أصحاب المقالات إنّ الذين أسّسوا دعوة الباطنية جماعة : منهم

________________________________________

    1 ـ لاحظ رجال النجاشي : برقم 555 ، وفهرست الشيخ ، أصحاب الاِمام الصادق ، باب العين ، برقم 40.

(51)

« ميمون بن ديصان » المعروف بالقداح ، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق ، وكان من الاَهواز ، ومنهم : محمد بن الحسين الملقب بدندان ، اجتمعوا كلّهم مع ميمون ابن ديصان في سجن والي العراق ، فأسّسوا في ذلك السجن مذاهب الباطنية ، ثمّظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بدندان ، وابتدأ بالدعوة في ناحية توز.

    فدخل في دينه جماعة من أكراد الجبل مع أهل الجبل المعروف بالبدين ، ثمّ رحل ميمون بن ديصان إلى ناحية المغرب وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب وزعم أنّه من نسله ، فلمّا دخل في دعوته قوم من غلاة الرفض والحُلُولية منهم ادّعى انّه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فقبل الاَغبياء ذلك منه على جهل منهم بأنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب عند علماء الاَنساب. (1)

    2 ـ قال ابن النديم : إنّ عبد اللّه بن ميمون ـ ويعرف ميمون بالقداح ـ وكان من أهل قوزح العباس بقرب مدينة الاَهواز ، وأبوه ميمون الذي تنسب إليه الفرقة الميمونية التي أظهرت اتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الذي دعا إلى إلهية علي بن أبي طالب ، وكان ميمون وابنه ديصانيين ، وادّعى عبد اللّه انّه نبي مدة طويلة ، وكان يظهر الشعابيذ ، ويذكر انّالاَرض تطوى له فيمضي إلى أين أحب في أقرب مدة ، وكان يخبر بالاَحداث الكائنات في البلدان الشاسعة ، وكان له مرتبون في مواضع يرغبهم ويحسن إليهم ويعاونونه على نواميسه ومعهم طيور يطلقونها من المواضع المتفرقة إلى الموضع الذي فيه بيت عبد اللّه ، فيخبر من حضره بما يكون فيتمَوّه ذلك عليهم.

    إلى أن قال : وصار إلى البصرة فنزل على قوم من أولاد عقيل بن أبي طالب ، فكبس هناك ، فهرب إلى سلمية بقرب حمص.

________________________________________

    1 ـ البغدادي : الفرق بين الفرق : 282.

________________________________________

(52)

    إلى أن قال : قد كان قبل بني القداح قريب ممّن يتعصب للمجوس ودولتها ، وكان ممّن واطأ عبد اللّه أمره رجل يعرف بمحمد بن الحسين ويلقب بزيدان من ناحية الكرخ من كتاب أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، وكان هذا الرجل متفلسفاً ، حاذقاً بعلم النجوم ، شعوبياً ، شديد الغيض من دولة الاِسلام. (1)

    3 ـ قال ابن الاَثير : فلما يئس أعداء الاِسلام من استئصاله بالقوة أخذوا في وضع الاَحاديث الكاذبة وتشكيك ضعفة العقول في دينهم بأُمور قد ضبطها المحدّثون وأفسدوا الصحيح بالتأويل. فكان أوّل من فعل ذلك : أبو الخطاب محمد بن أبي زينب مولى بني أسد ، وأبو شاكر بن ديصان صاحب كتاب الميزان في نصرة الزندقة وغيرهما ، فألقوا إلى من وثقوا به انّلكل شيء من العبادات باطناً ، وانّاللّه تعالى لم يوجب على أوليائه ومن عرف الاَئمّة والاَبواب صلاة ولا زكاة ولا غير ذلك ولا حرم عليهم شيئاً وأباحوا لهم نكاح الاَُمّهات والاَخوات ، وإنّما هذه قيود للعامة ساقطة عن الخاصة.

    وكانوا يظهرون التشيّع لآل النبي ليستروا أمرهم ويستميلوا العامة ، وتفرّق أصحابهم في البلاد ، وأظهروا الزهد والعبادة يغرون الناس بذلك وهم على خلافه ، فقتل أبو الخطاب وجماعة من أصحابه بالكوفة.

    إلى أن قال : ونشأ لابن ديصان (أبو شاكر ميمون بن ديصان) ابن يقال له عبد اللّه القداح علّمه الحيل وأطلعه على أسرار هذه النحلة فحذق وتقدم ، إلى أن قال : وإنّما لقب القداح لاَنّه كان يعالج العيون ويقدحها ، فلمّا توفي القداح (عبد اللّه) قام بعده ابنه أحمد مقامه ، إلى آخر ما ذكر. (2)

    وإليك مواصفات الرجل حسب ما ذكره البغدادي ، وغيره من الموَرّخين فهي تختلف عمّا تعرفت عليه في الاَوّل.

________________________________________

    1 ـ ابن النديم : الفهرست : 278 ـ 281 ، نقله عن أبي عبد اللّه بن الرزام وتبرأ من صدق ما نقله وكذبه.

    2 ـ الجزري : الكامل : 8/27 ـ 29.

________________________________________

(53)

    الاَوّل : اسمه ونسبه : عبد اللّه بن ميمون بن ديصان.

    الثاني : الوطن : كان من الاَهواز أو من الكوفة ، فانّمحمد بن أبي زينب وأتباعه كانوا كوفيين. (1)

    الثالث : الولاء : كان مولىً لجعفر بن محمد الصادق ، والظاهر انّ مراده هو حبه له.

    الرابع : العصر : فالرجل حسب ما يذكره البغدادي ممّن ذهب لناحية المغرب وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب هذا من جانب ، ومن جانب نرى أنّالاَئمّة الاِسماعيلية توجهوا إلى المغرب في أواسط القرن الثالث ، لاَنّ الاِمام المستور الحسين بن أحمد (219 ـ 265 هـ) التقى بالنجف الاَشرف بالداعي أبي قاسم حسن بن فرح بن حوشب وعلي بن الفضل فأثر فيهما وأحضرهما إلى سلمية ، ثم جهّزهما بعد ذلك إلى اليمن ، وفي عهده تمّإرسال أبي عبد اللّه الشيعي إلى المغرب. (2)

    فيعلم من خلالها أنّ التمهيد لبسط نفوذهم في المغرب بدأ في أواسط القرن الثالث وانّميمون بن ديصان الوالد قصدها في تلك الآونة وقد أرّخ الكاتب الاِسماعيلي مصطفى غالب في تقديمه لكتاب كنز الولد انّ عبد اللّه بن ميمون القداح ولد سنة 190 وتوفي سنة 270 هـ (3) فأين هو من عبد اللّه بن ميمون المعدود من أصحاب الباقر والصادقعليمها السّلام ، الذي توفي في أواسط القرن الثاني؟!

    الخامس : وجه التلقيب : انّه كان يقدح العيون.

    أضف إلى ذلك انّه من البعيد أن يروي المشايخ الكبار ، كجعفر بن محمد الاَشعري ، والحسن بن علي بن فضال ، وأحمد بن إسحاق بن سعد ، وحمّاد بن عيسى ، وعبد اللّه بن المغيرة عمّن خدم الاِسماعيلية وتآمر على الاِمامية الاثني

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل : 8/30.

    (2) 2 الجزري : الكامل : 8/28.

    3 ـ كنز الولد : 19 ، المقدّمة.

________________________________________

(54)

عشرية ، ولو افترضنا انّهم أخذوا منه الرواية حين استقامته ، لصرّحوا به.

    و ممن حقّق هذا الاَمر تفصيلاً صاحب أعيان الشيعة ، فلاحظ. (1)

    لعب عبد اللّه بن ميمون القدّاح دوراً هاماً في نشر أفكار الخطابية وبثّها في أتباع محمد بن إسماعيل ، وكان حلقة وصل بين الخطابية والاِسماعيلية ، وأخيراً التحق بالاِمام محمد بن إسماعيل وصار من دعاته ، وكلّ الآفات التي أصابت العقيدة الاِسماعيلية تعود إليه وإلى زميله محمد بن الحسين الملقب بـ « دندان ».

    و يشهد كثير من النصوص التاريخية على ذلك ، نكتفي منها بالقليل.

    يقول ابن الاَثير : يأس أعداء الاِسلام من استئصاله بالقوة فأخذوا في وضع الاَحاديث الكاذبة وتشكيك ضعفة العقول في دينهم بأُمور قد ضبطها المحدّثون ، وأفسدوا الصحيح بالتأويل والطعن عليه.

    فكان أوّل من فعل ذلك أبو الخطاب محمد بن أبي زينب مولى بني أسد ، وأبو شاكر ميمون بن ديصان صاحب كتاب « الميزان » فألقوا إلى من وثقوا به انَّ لكل شيء من العبادات باطناً ، وانّ اللّه تعالى لم يوجب على أوليائه ولا من عرف الاَئمّة والاَبواب ، صلاة ولا زكاة ولا غير ذلك ، ولا حرّم عليهم شيئاً وأباحوا لهم نكاح الاَُمّهات والاَخوات ، وإنّما هذه قيود للعامة ساقطة عن الخاصّة.

    وكانوا يظهرون التشيع لآل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليستروا أمرهم ويستميلوا العامة ، وتفرّق أصحابهم في البلاد ، فقتل أبو الخطاب وجماعة من أصحابه بالكوفة.

    ونشأ لابن ديصان ابن يقال له عبد اللّه القدّاح ، علّمه الحيل وأطلعه على أسرار هذه النحلة. وكان بنواحي كرخ واصفهان رجل يعرف بمحمد بن الحسين ويلقب بـ « دندان » فسار إليه القدّاح وعرّفه من ذلك مازاد به محلّه. (2)

________________________________________

    1 ـ الاَمين : أعيان الشيعة : 8/84 ، و في الذيل : انّالترجمة ممّا لم يكتبها الموَلف وإنّما استدركها الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

    2 ـ ابن الاَثير : الكامل : 8/28 ـ 29 ، حوادث عام 296.

________________________________________

(55)

    و من طالع تاريخ الاِسماعيلية و كتبهم يقف على أنّ لاَبي عبد اللّه بن ميمون القدّاح وربيبه القدح المعلّى في صياغة العقيدة الاِسماعيلية.

    فقد خرجنا بهذه النتيجة انّالخطابية وعلى حسب تعبير النوبختي « المباركيّة » هم جذور الاِسماعيلية وانّ ميمون بن ديصان ، ثمّ ابنه عبد اللّه بن ميمون القداح ، وزميله المعروف بـ « دندان » هم حلقة الوصل بين الفرقتين.

 

ما روي عن عبد اللّه بن ميمون الاِمامى في الجوامع الحديثية

    إنّ لعبد اللّه بن ميمون بن الاَسود المخزومي روايات في مختلف الاَبواب قد نقلها أصحاب الكتب الاَربعة في جوامعهم وهي تناهز 49 حديثاً ، وليس في رواياته أيّ شذوذ إلاّ في رواية واحدة. والتمعّن فيها يوقف الاِنسان على أنّه كان فقيهاً متقناً في النقل. وإليك ما وقفنا عليه :

    1 ـ روى عبد اللّه بن ميمون ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : « جاء رجل من الاَنصار إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا رسول اللّه أُحب أن تشهد لي على نحل نحلتها ابني ، قال : مالك ولد سواه؟ قال : نعم ، قال : فنحلتها كما نحلته؟ قال : لا ، قال : فانّا معاشر الاَنبياء لا نشهد على الجنف ». (1)

    2 ـ روى عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليمها السّلام قال : « كان أصحاب رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتبوك يعبّون الماء ، فقال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : اشربوا في أيديكم ، فإنّها من خير آنيتكم ». (2)

    3 ـ روى عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه (عليه السّلام) ، قال : « الركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب ». (3)

________________________________________

    1 ـ الفقيه : 3/40 ، الحديث 134.

    2 ـ الفقيه : 3/223 ، الحديث 1036.

    3 ـ الفقيه : 3/242 ، الحديث 1146.

________________________________________

(56)

    4 ـ روى عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال : « قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : الصبي والصبي ، والصبي والصبية ، والصبية والصبية يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين ». (1)

    5 ـ روى عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) قال : « أُتي أمير الموَمنين (عليه السّلام) برجل قد ضرب رجلاً حتى انتقص من بصره ، فدعا برجال من أسنانه ثمّ أراهم شيئاً ، فنظر ما انتقص من بصره ، فأعطاه دية ما انتقص من بصره ». (2)

    6 ـ عن عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه (عليه السّلام) انّالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : « الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام ». (3)

    7 ـ عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه (عليه السّلام) قال : « قال الفضل بن العباس : أُهدي إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بغلة أهداها له كسرى أو قيصر ، فركبها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بجلّمن شعر وأردفني خلفه ، ثمّقال لي : يا غلام احفظ اللّه يحفظك ، واحفظ اللّه تجده أمامك ، تعرّف إلى اللّه عزّوجلّ في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل اللّه ، وإذا استعنت فاستعن باللّه عزّ وجلّ ، فقد مضى القلم بما هو كائن ، فلوجهد الناس أن ينفعوك بأمرٍ لم يكتبه اللّه لك لم يقدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بأمرٍ لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل ، فإن لم تستطع ، فاصبر ، فإنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، واعلم أنّالصبر مع النصر ، وأنّ الفرج مع الكرب ، وأنّمع العسر يسراً ، انّ مع العسر يسراً ». (4)

________________________________________

    1 ـ الفقيه : 3/276 ، الحديث 1310.

    2 ـ الفقيه : 4/97 ، الحديث 321.

    3 ـ الكافي : 4/51 ، الحديث 10.

    4 ـ الفقيه : 4/296 ، الحديث 896.

________________________________________

(57)

    8 ـ علي بن حاتم ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن عمرو ، عن علي بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد ، عن علي بن الحسين ، عن أمير الموَمنين (عليهم السّلام) : « اللّهمّ إنّك أعلنت سبيلاً من سبلك فجعلت فيه رضاك ، وندبت إليه أولياءك وجعلته أشرف سبلك عندك ثواباً ، وأكرمهم لديك مآباً وأحبها إليك مسلكاً ، ثمّ اشتريت فيه من الموَمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيلك فيقتلون ويُقتلون وعداً عليك حقّاً ، فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه ، ثمّوفى لك ببيعه الذي بايعك عليه ، غير ناكث ، ولا ناقض عهداً ، ولا مبدل تبديلاً ، إلاّ استنجازاً لموعودك ، واستيجاباً لمحبتك ، وتقرباً به إليك ، فصلّ على محمد وآله واجعله خاتمة عملي ، وارزقني فيه لك وبك مشهداً توجب لي به الرضا ، وتحط عني به الخطايا ، اجعلني في الاَحياء المرزوقين بأيدي العداة العصاة تحت لواء الحق وراية الهدى ، ماض على نصرتهم قدماً غير مولٍّ دبراً ، ولا محدث شكاً ، وأعوذ بك عند ذلك من الذنب المحبط للاَعمال ». (1)

    9 ـ عن الحسن بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه (عليه السّلام) قال : « كان رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ الموَذنون ». (2)

    10 ـ محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن علي ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليمها السّلام قال : « كان المقام لازقاً بالبيت فحولّه عمر ». (3)

    11 ـ الحسن بن علي الكرخي ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن

________________________________________

    1 ـ التهذيب : 3/81 ، الحديث 237.

    2 ـ التهذيب : 3/244 ، الحديث 663.

    3 ـ التهذيب : 5/454 ، الحديث 1586.

________________________________________

(58)

ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه عليمها السّلام : « كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستهدي من ماء زمزم وهو بالمدينة ». (1)

    12 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « دخل أمير الموَمنين صلوات اللّه عليه المسجد ، فإذا هو برجل على باب المسجد ، كئيب حزين ، فقال له أمير الموَمنين (عليه السّلام) مالك؟ قال : يا أمير الموَمنين أُصبت بأبي وأُمي وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت ، فقال له أمير الموَمنين (عليه السّلام) : عليك بتقوى اللّه والصبر تقدم عليه غداً؛ والصبر في الاَُمور بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الاَُمور فسدت الاَُمور ». (2)

    13 ـ عن حماد ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليمها السّلام قال : « زكاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبيب ، أو صاع من شعير ، أو صاع من إقط عن كلّإنسان حرّ أو عبد ، صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج ». (3)

    14 ـ عن حماد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) أنّعلياً صلوات اللّه عليه كان يقول إذا أصبح : « سبحان اللّه الملك القدُّوس ـ ثلاثاً ـ اللّهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك ، ومن تحويل عافيتك ، ومن فجأة نقمتك ، ومن درك الشقاء ، ومن شرّما سبق في الليل ، اللّهمّ إنّي أسألك بعزّة ملكك ، وشدّة قوّتك ، وبعظيم سلطانك ، وبقدرتك على خلقك » ، ثمّسل حاجتك. (4)

    15 ـ عن حماد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن جعفر ، عن أبيه

________________________________________

    1 ـ التهذيب : 5/471 ، الحديث 1657.

    2 ـ الكافي : 2/90 ، الحديث 9.

    3 ـ التهذيب : 4/75 ، الحديث 211.

    4 ـ الكافي : 2/527 ، الحديث 16.

________________________________________

(59)

عليمها السّلام قال : « المحرمة لا تتنقّب ، لاَنّ إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه ». (1)

    16 ـ عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن ميمون ، قال : سمعت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) يقول : « إنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقف بعرفات ، فلمّا همّت الشمس أن تغيب قبل أن تندفع ، قال : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر ، ومن تشتّت الاَمر ، ومن شر ما يحدث بالليل والنهار ، أمسى ظلمي مستجيراً بعفوك ، وأمسى خوفي مستجيراً بأمانك ، وأمسى ذلّي مستجيراً بعزِّك ، وأمسى وجهي الفاني مستجيراً بوجهك الباقي ، يا خير من سئل ، ويا أجود من أعطى جلّلني برحمتك ، وألبسني عافيتك ، واصرف عني شرّ جميع خلقك ».(2)

    17 ـ عن حماد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوماً إذا نسي ، انّرسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء ، فقال لهم : تعالوا غداً أُحدّثكم ولم يستثن ، فاحتبس جبرئيل (عليه السّلام) عنه أربعين يوماً ثمّأتاه وقال : « وَلا تَقُولَنَّ لشايْءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً * إِلاّ أَنْ يشاء اللّه واذْكُرْ ربّك إِذا نَسِيتَ » (3). (4)

    18 ـ عن حماد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليمها السّلام قال : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء والاحتلام والحجامة ، وقد احتجم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو صائم ، و كان لا يرى بأساً بالكحل للصائم ». (5)

    19 ـ عن حماد بن عيسى ، عن عبد اللّه بن ميمون ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : « للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوماً إذا نسي ». (6)

________________________________________

    1 ـ الكافي : 4/345 ، الحديث 7؛ الفقيه : 2/219 ، الحديث 1009.

    2 ـ الكافي : 4/464 ، الحديث 5.

    3 ـ الكهف : 23 ـ 24.

    4 ـ الفقيه : 3/229 ، الحديث 1081.

    5 ـ التهذيب : 4/260 ، الحديث 775.

    6 ـ التهذيب : 8/281 ، الحديث 1029.

________________________________________

(60)

    20 ـ عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « كان أمير الموَمنين صلوات اللّه عليه يقول : اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الاحتلام ، ومن سوء الاَحلام ، وأن يلعب بي الشيطان في اليقظة والمنام ». (1)

    21 ـ علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن الحسن بن الجهم ، عن عبد اللّه بن ميمون ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليمها السّلام قال : « قال علي (عليه السّلام) : إذا طلّق الرجل المرأة فهو أحقّ بها ما لم تغتسل من الثالثة ». (2)

    22 ـ روى عبد اللّه بن ميمون باسناده قال : قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « إذا ضللتم الطريق فتيامنوا ». (3)

    23 ـ محمد بن أحمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون قال : أُتي علي (عليه السّلام) بأسير يوم صفين فبايعه ، فقال علي (عليه السّلام) : « لا أقتلك انّي أخاف اللّه ربّالعالمين ، فخلّ ـ ى سبيله ، وأعطى سلبه الذي جاء به ». (4)

    24 ـ عن ابن فضال ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « حرّمت الجنة على الديّوث ». (5)

    25 ـ عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « قال يعقوب لابنه : يا بني لا تزن ، فإنّ الطائر لو زنا لتناثر ريشه ». (6)

________________________________________

    1 ـ الكافي : 2/536 ، الحديث 5.

    2 ـ التهذيب : 8/125 ، الحديث 432.

    3 ـ الفقيه : 2/197 ، الحديث 896.

    4 ـ التهذيب : 6/153 ، الحديث 269.

    5 ـ الكافي : 5/537 ، الحديث 8 ، باب الغيرة.

    6 ـ الكافي : 5/542 ، الحديث 8 ، باب الزاني؛ الفقيه : 4/13 ، الحديث 13.

(61)

    26 ـ عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا شرب اللبن قال : اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه ». (1)

    27 ـ عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه (عليه السّلام) قال : « قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم ، ونهى أن يتنعل الرجل وهو قائم ». (2)

    28 ـ عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السّلام) ، قال : « انكسفت الشمس في زمن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فصلّى بالناس ركعتين ، فطوّل حتى غشي على بعض القوم ممّن كان وراءه من طول القيام ». (3)

    29 ـ عن جعفر بن محمد ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه عليمها السّلام أنّ علياً (عليه السّلام) كان يقول : « من فاته صيام الثلاثة أيام في الحج ، وهي قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة فليصم أيام التشريق ، فقد أذن له ». (4)

    30 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح؛ وعلي ابن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك اللّه به طريقاً إلى الجنة ، وانّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به ، وانّه يستغفر لطالب العلم مَنْ في السماء ومن في الاَرض حتى الحوت في البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، و إنّ العلماء ورثة الاَنبياء ، إنّالاَنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ». (5)

________________________________________

    1 ـ الكافي : 6/336 ، الحديث 3.

    2 ـ التهذيب : 3/255 ، الحديث 709.

    3 ـ التهذيب : 3/293 ، الحديث 885.

    4 ـ التهذيب : 5/229 ، الحديث 778.

    5 ـ الكافي : 1/34 ، الحديث 1.

________________________________________

(62)

    31 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : قال : « إنّ هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة ». (1)

    32 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) عن آبائه (عليهم السّلام) قال : « جاء رجل إلى رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا رسول اللّه ما العلم؟ قال : الانصات ، قال : ثمّ مه؟ قال : الاستماع ، قال : ثمّ مه؟ قال : الحفظ ، قال : ثمّمه ؟ قال : العمل به ، قال : ثمّمه يا رسول اللّه؟ قال : نشره ». (2)

    33 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « كان أمير الموَمنين صلوات اللّه عليه يقول : أفضل العبادة العفاف ». (3)

    34 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « قال أمير الموَمنين (عليه السّلام) : الموَمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يوَلف ». (4)

    35 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « من أطعم موَمناًحتّى يشبعه لم يدر أحدٌ من خلق اللّه ماله من الاَجر في الآخرة ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلاّ اللّه ربّ العالمين ، ثم ّقال : من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان ، ثم ّتلا قول اللّه عزّوجلّ « أَوْ إِطْعامٌ في يَومٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَة » (5) ». (6)

________________________________________

    1 ـ الكافي : 1/40 ، الحديث 3.

    2 ـ الكافي : 1/48 ، الحديث 4.

    3 ـ الكافي : 2/79 ، الحديث 3.

    4 ـ الكافي : 2/102 ، الحديث 17.

    5 ـ البلد : 14 ـ 16.

    6 ـ الكافي : 2/201 ، الحديث 6.

________________________________________

(63)

    36 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك ، قال : قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : لولا أن أشقّ على أُمتي لاَمرتهم بالسواك مع كلّ صلاة ». (1)

    37 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) قال : « كان أمير الموَمنين (عليه السّلام) إذا حضر أحداً من أهل بيته الموت ، قال له : لا إله إلاّ اللّه العلي العظيم ، سبحان اللّه ربّالسماوات السبع وربّ الاَرضين السبع وما بينهما وربّ العرش العظيم ، والحمد للّه ربّالعالمين فإذا قالها المريض ، قال : اذهب فليس عليك بأس ». (2)

    38 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه (عليهم السّلام) قال : « صنائع المعروف تقي مصارع السوء ». (3)

    39 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيهعليمها السّلام : أنّعلياً صلوات اللّه عليه قال لرجل كبير لم يحجّ قطّ : « إن شئت أن تجهّز رجلاً ، ثمّأبعثه أن يحجّ عنك ». (4)

    40 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر (عليه السّلام) : أنّ علياً (عليه السّلام) كان لا يرى بأساً بعقد الثوب إذا قصر ، ثمّ يصلّى فيه وإن كان محرماً. (5)

    41 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه عن آبائه (عليهم السّلام) قال : « قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما استفاد امروَ مسلم فائدة بعد الاِسلام

________________________________________

    1 ـ الكافي : 3/22 ، الحديث 1.

    2 ـ الكافي : 3/124 ، الحديث 7.

    3 ـ الكافي : 4/28 ، الحديث 1.

    4 ـ الكافي : 4/272 ، الحديث 1.

    5 ـ الكافي : 4/347 ، الحديث 3.

________________________________________

(64)

أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله ». (1)

    42 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّهبن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) : إنّ علي بن الحسين عليمها السّلام كان يتزوّج وهو يتعرق عرقاً يأكل ما يزيد على أن يقول : الحمد للّه وصلّى اللّه على محمد وآله ، ويستغفر اللّه عزّ وجلّ ، وقد زوّجناك على شرط اللّه ، ثمّ قال علي بن الحسين عليمها السّلام : إذا حمد اللّه فقد خطب. (2)

    43 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السّلام) قال : « كان بالمدينة رجلان يسمّى أحدهما هيت والآخر مانع ، فقالا لرجل ورسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يسمع : إذا افتتحتم الطائف إن شاء اللّه فعليك بابنة غيلان الثقفية ، فإنّها شموع بخلاء مبتلة هيفاء شنباء ، إذا جلست تثنّت ، وإذا تكلّمت غنت ، تقبل بأربع وتدبر بثمان بين رجليها مثل القدح ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : لا أريكما من أُولي الاربة من الرجال ، فأمر بهما رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فغرّب بهما إلى مكان يقال له : العرايا ، وكانا يتسوّفان في كلّ جمعة ». (3)

    44 ـ عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه عليمها السّلام قال : « للزاني ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أمّا التي في الدنيا : فيذهب بنور الوجه ، ويورث الفقر ، ويعجّل الفناء ؛ وأمّا التي في الآخرة : فسخط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار ». (4)

    45.عن الحسن بن عليّ ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : « الدعاء كهف الاِجابة ، كما أنّ السحاب كهف المطر ». (5)

________________________________________

    1 ـ الكافي : 5/327 ، الحديث 1 ؛ التهذيب : 7/240 ، الحديث 1047.

    2 ـ الكافي : 5/368 ، الحديث 2.

    3 ـ الكافي : 5/523 ، الحديث 3.

    4 ـ الكافي : 5/541 ، الحديث 3؛ الفقيه : 3/375 ، الحديث 1774.

    5 ـ الكافي : 2/471 ، الحديث 1.

________________________________________

(65)

    46 ـ عن الحسن بن علي ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السّلام) قال : « سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام ». (1)

    47 ـ عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه ، عن آبائه ، عن علي (عليهم السّلام) : انّه كان إذا خرج من الخلاء قال : « الحمد للّه الذي رزقني لذّته ، وأبقى قوته في جسدي ، وأخرج عني أذاه يا لها من نعمة ». (2)

    48 ـ عن محمد بن الحسن بن أبي الجهم ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيهعليمها السّلام قال : « جاء قنبر مولى علي (عليه السّلام) بفطرة إليه قال : فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم قال : فقال له رجل : يا أمير الموَمنين إنّهذا لهو البخل تختم على طعامك!! قال : فضحك علي (عليه السّلام) قال : ثمّ قال : أو غير ذلك؟ لا أحب أن يدخل بطني شيء إلاّ شيء أعرف سبيله ، قال : ثمّ كسر الخاتم ، فأخرج منه سويقاً ، فجعل منه في قدح فأعطاه إياه ، فأخذ القدح فلمّا أراد أن يشرب قال :

    بسم اللّه اللّهمّلك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فتقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم ». (3)

    49.عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : « قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : إنّ أعجل الخير ثواباً صلة الرحم ». (4)

    إنّ حامل تلك الدرر اللامعة وراويها ، أجلّ من أن يكون موصوفاً بما وصف به عبد اللّه بن ميمون الاِسماعيلي في كتب الملل والنحل أو في سائر المعاجم.

________________________________________

    1 ـ التهذيب : 2/195 ، الحديث768.

    2 ـ التهذيب : 1/29 ، الحديث 77؛و ص 351 ، الحديث 1039.

    3 ـ التهذيب : 4/200 ، الحديث 578.

    4 ـ الكافي : 2/152 ، الحديث 15.

________________________________________

(66)

________________________________________

(67)

الفصل الخامس

في

الاَئمة المستورين

 

________________________________________

(68)

________________________________________

(69)

يرجع نشوء الاِسماعيلية وتكوّنهم ، إلى القول بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) و استمرارها في عقبه ، فهو الاِمام الاَوّل ، وقد تلته أئمّة :

    1 ـ إسماعيل بن جعفر.

    2 ـ محمد بن إسماعيل.

    3 ـ عبد اللّه بن محمد.

    4 ـ أحمد بن عبد اللّه.

    5 ـ الحسين بن أحمد.

    6 ـ عبيد اللّه المهدي بن الحسين ، موَسس الدولة الفاطمية في المغرب.

    7 ـ محمد القائم.

    8 ـ إسماعيل بن محمد المنصور.

    9 ـ معد بن إسماعيل « المعز ».

    10 ـ نزار بن معد « العزيز ».

    11 ـ الحسن بن نزار « الحاكم ».

    12 ـ علي بن الحسن « الظاهر ».

    13 ـ معد بن علي المستنصر.

    وهوَلاء هم الاَئمّة المتّفق عليهم بين الفرق الاِسماعيلية الثلاث : المستعلية ، والنزارية الموَمنية ، والنزارية القاسمية (الآغاخانية).

 

________________________________________

(70)

    ثمّ اختلفوا إلى فرقتين ، فذهبت المستعلية إلى أنّ الاِمام القائم بالاَمر بعد المستنصر عبارة عن كلّ من :

    1 ـ أحمد المستعلي.

    2 ـ الآمر بأحكام اللّه.

    3 ـ الطيّب بن الآمر.

    ثمّ جاء دور الستر فلا إمام ظاهر.

    لكن النزارية بكلا فريقيها قالوا باستمرار الاِمامة بعد المستنصر ، وقالوا : إنّ الاِمامَ القائم بالاَمر عبارة عن كلِّ من :

    1 ـ نزار بن معد.

    2 ـ حسن بن معد (جلال الدين).

    3.محمد بن حسن(علاء الدين).

    4 ـ محمود بن محمد (ركن الدين).

    5 ـ محمد بن محمود (شمس الدين).

    ثمّ افترقت النزارية إلى فرقتين :

    الف : النزارية الموَمنية.

    ب : النزارية القاسمية الآغاخانية.

    فكلّ ساقوا الاِمامة بعد شمس الدين ، بشكل خاص لا يلتقيان أبداً إلى العصر الحاضر. وستوافيك أسماوَهم.

    و سنقوم بترجمة الاَئمّة المتّفق عليهم بين جميع الفرق ، الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة عشر إماماً آخرهم المستنصر.وقد عقدنا لبيانه فصلين مستقلين ، أحدهما في الاَئمّة المستورين ، والثاني في المتظاهرين بالاِمامة.

(71)

الاِمام الاَوّل (1)

إسماعيل بن جعفر الصادق

(110 ـ 145 هـ)

    إنّ إسماعيل هو الاِمام الاَوّل والموَسِّس للمذهب ، فوالده الاِمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وُلِد الاِمام الصادق عام 80 هـ على قول و83 على قول آخر وتوفي عام 148 هـ ، وهو من عظماء أهل البيت (عليهم السّلام) وساداتهم ، ذو علوم جَمّة ، وعبادة موفورة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ... إلى غير ذلك من فضائل ومآثر يقصر عنها القلمُ والبيان؛ وقد أنجب (عليه السّلام) عشرة أولاد ، هم إسماعيل ويليه عبد اللّه ، وموسى الكاظم ، وإسحاق ، ومحمد ، والعباس وعلي ، وأمّا الاِناث ، فأكبرهنّ أُمّ فروة ، ثمّ أسماء ، وفاطمة.

    لقد تزوج (عليه السّلام) فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين ، فأنجب منها إسماعيل وعبد اللّه وأُمّ فروة.

    وكان إسماعيل أكبر الاِخوة وكان أبو عبد اللّه (عليه السّلام) شديد المحبة له والبر به والاِشفاق عليه ، مات في حياة أبيه (عليه السّلام) « بالعريض » ، وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة ، حتى دفن بالبقيع (2)

________________________________________

    1 ـ المبدأ في عدّ الاَئمة للاِسماعيليّة ، هو موَسس الفرقة ـ حسب زعمهم ـ وإن كان هو الاِمام السابع عندهم ثمّ إنّ الاَقوال في ميلاد ووفاة إسماعيل كثيرة وما ذكرناه أحد الاَقوال.

    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 284.

________________________________________

(72)

    ولذلك كان من اللازم استعراض سيرته وسيرة بعض أولاده ممن كان لهم دور في نشوء هذه الفرقة فنقول :

    عنونه الشيخ في أصحاب رجال الصادق (عليه السّلام) و اقتصر على اسمه واسم آبائه ، وقال : إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، المدني. (1)

    وقال ابن عنبة : وأمّا إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) ويكنى أبا محمد ، وأُمّه فاطمة بنت الحسين الاَثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ويعرف بإسماعيل الاَعرج ، وكان أكبر ولد أبيه ، وأحبَّهم إليه ، كان يحبُه حباً شديداً ، وتوفي في حياة أبيه « بالعريض » ، فحمل على رقاب الرجال إلى البقيع ، فدفن به سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، قبل وفاة الصادق (عليه السّلام) بعشرين سنة ، كذا قال أبو القاسم ابن خداع نسّابة المصريين. (2)

    وقال ابن خلدون : تُوفّي قبل أبيه ، وكان أبو جعفر المنصور طلبه ، فشهد له عامل المدينة بأنّه مات. (3)

    قال المفيد : لمّا توفي إسماعيل جزع أبو عبد اللّه عليه جزعاً شديداً ، وحزن عليه حزناً عظيماً ، وتقدّم سريرَه بغير حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الاَرض قبلَ دفنه مراراً ، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه. (4)

    لم نقف في حياة إسماعيل على شيء سوى ما نقله ابن أبي الحديد حيث قال : كان القاسم بن محمد بن طلحة (5) يلقّب « أبا بعرة » ، ولي شرطة الكوفة ،

________________________________________

    1 ـ الطوسي : الرجال : 149 برقم 81.

    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 233 ، ولعلَّ العشرين في العبارة مصحف خمس عشرة لاَنّ الفاصل الزمني بين الوفاتين لا يتجاوز هذا المقدار على جميع الاَقوال لاَنّها في حقّه مختلفة فانّه مضافاً إلى ما ذكره من أنّه توفي عام 138 وقيل توفي عام 143.

    3 ـ تاريخ ابن خلدون : 4/39.

    4 ـ المفيد : الاِرشاد : 284.

    5 ـ هو طلحة بن عبيد اللّه التيمي المقتول بالجمل سنة 36 هـ .

________________________________________

(73)

لعيسى ابن موسى العباسي ـ فكلَّم إسماعيل بن جعفر الصادق بكلام خرجا فيه إلى المنافرة.

    فقال القاسم : لم يزل فضلنا وإحساننا سابغاً عليكم يا بني هاشم ، وعلى بني عبد مناف كافة.

    فقال إسماعيل : أيّ فضل وإحسان أسديتموه إلى بني عبد مناف؟! أغضب أبوك جدي بقوله : « ليموتن محمد ولنجولنّ بين خلاخيل نسائه ، كما جال بين خلاخيل نسائنا » ، فأنزل اللّه تعالى مراغمة لاَبيك : « وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُوَذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً » (1) ومنع ابن عمك أُمّي من حقّها في فدك ، وغيرها من ميراث أبيها ، وأجلب أبوكَ على عثمان ، وحصره حتى قُتِل ، ونكثَ بيعة علىٍّ ، وشام السيف في وجهه ، وأفسد قلوبَ المسلمين عليه ، فإن كان لبني عبد مناف قوم غير هوَلاء ، أسديتم إليهم إحساناً ، فعرّفني من هم ، جعلت فداك؟! (2)

    و روى الكشي بسنده عن عنبسة العابد : كنت مع جعفر بن محمد بباب الخليفة أبي جعفر بالحيرة ، حين أُتي ببسّام ، وإسماعيل بن جعفر بن محمد ، فأُدخلا على أبي جعفر (3) فأُخرج بسّام مقتولاً ، وأُخرِج إسماعيل بن جعفر بن محمد ، قال : فرفع جعفر رأسه إليه ، قال : أفعلتها يا فاسق ، أبشر بالنار. (4)

    قلت : الضمير في « إليه » يرجع إلى المنصور من باب خطاب الغائبين بما يقتضيه الحال.

    والحديث يدل على أنّه وشي عليهما لدى المنصور فطلبهما ، فقتل بسّاماً

________________________________________

    1 ـ الاَحزاب : 53.

    2 ـ ابن أبي الحديد : شرح النهج : 9/323.

    3 ـ هو أبو جعفر المنصور الدوانيقي.

    4 ـ الكشي : الرجال : ترجمة بسام بن عبد اللّه الصيرفي برقم 121.

________________________________________

(74)

وأطلق إسماعيل.و لعلّه ثبتت براءته مما نسب إليه.

    و روى الكشي أيضاً في ترجمة عبد اللّه بن شريك العامري ، عن أبي خديجة الجمّال ، قال : سمعت أبا عبد اللّه ، يقول : إنّي سألت اللّه في إسماعيل أن يُبقيه بعدي فأبى ، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أُخرى ، انّه يكون أوّل منشور في عشرة من أصحابه ، ومنهم عبد اللّه بن شريك وهو صاحب لوائه. (1)

    و الحديث يدل على انّ الاِمام الصادق (عليه السّلام) كان يحبّه كثيراً ، و لعلّ إسماعيل مرض ، فدعا أبوه اللّه تعالى أن يشفيه ولكن اللّه قدّر موته ، كما يدل على وثاقته أيضاً.

    ويظهر ممّا رواه الكشي في ترجمة المفضل بن مزيد ، أخي شعيب الكاتب ، أنّه كان مأموراً بدفع جوائز إلى بني هاشم ، وكان أسماءُ أصحاب الجوائز مكتوباً في كتابٍ ، ناولَ الكتابَ للاِمام الصادق (عليه السّلام) فلما رآه قال : ما أرى لاِسماعيل هاهنا شيئاً ، فأجاب المفضل : هذا الذي خرج إلينا. (2)

    ومن راجع الكتب الحديثية يرى أنّ هناك روايات يظهر منها جلالة منزلة إسماعيل ، عند والده نذكر منها ما يلي :

 

1 ـ الاِمام الصادق (عليه السّلام) يستأجر من يحجّ عن إسماعيل :

    روى الكليني بسنده ، عن عبد اللّه بن سنان ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين ديناراً يحجّ بها عن إسماعيل ، ولم يترك شيئاً من العمرةِ إلى الحجّ إلاّ اشترط عليه أن يسعى في وادي مُحسِّر ، ثمّ قال : يا هذا ، إذا أنت فعلتَ هذا كانَ لاِسماعيل حجة بما أنفق من ماله ، وكانت لك تسْع بما أتعبَت من بدنك. (3)

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 190 ، برقم 97.

    2 ـ الكشي : الرجال : 320 ، برقم 237.

    3 ـ الوسائل : الجزء 8 ، الباب 1 من أبواب النيابة في الحجّ ، الحديث 1.

________________________________________

(75)

2 ـ الاِمام ينصحه من الائتمان بالفاسق :

    روى الكليني بسنده ، عن حريز بن عبد اللّه السجستاني ، قال : كانت لاِسماعيل بن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرجَ إلى اليمن ، فقال إسماعيل : يا أبت إنّ فلاناً يريد الخروج إلى اليمن ، وعندي كذا وكذا ديناراً ، أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟ فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : يا بُنيّ أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس ، فقال : يا بُنيّ لا تفعل.

    فعصى إسماعيلُ أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ، ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل وقضى أنّ أبا عبد اللّه (عليه السّلام) حجّ وحجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ، ويقول : اللهمّ أجرني واخلف عليّفلحقه أبو عبد اللّه (عليه السّلام) فهمزه بيده من خلفه ، فقال له : مَهْ يا بني فلا واللّه مالك على اللّه (هذا) حجة ولا لك أن يأجرك ولا يُخلف عليك ، وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته ، فقال إسماعيل : يا أبت إنّ ـ ي لم أره يشرب الخمر ، إنّما سمعت الناس يقولون.

    فقال : يا بُني إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : « يُوَْمِنُ بِاللّهِ ويُوَْمِنُ للمُوَمِنين » (1) يقول : يصدِّق اللّه ويصدق للموَمنين فإذا شهد عندك الموَمنون فصدِّقهم ولا تأتمن شارب الخمر ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : « وَلا تُوَتُوا السفهاءَ أَموالَكُم » (2) فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟! إنّ شارب الخمر لا يُزوَّج إذا خَطِب ، ولا يُشفَّع إذا شَفَع ، ولا يُوَتمن على أمانة ، فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه ، على اللّه أن يأجره ولا يخلف عليه. (3)

________________________________________

    1 ـ التوبة : 61.

    2 ـ النساء : 5.

    3 ـ الكافي : 5/299.

________________________________________

(76)

قلة رواياته

    لم نجد في الجوامع الحديثية شيئاً يروى عنه ، إلاّ الحديثين التاليين ، ولعلّ قصر عمره وموته في حياة والده صارا سبباً لقلة الرواية عنه ، وإليك ما وقفنا عليه من رواياته :

    1 ـ روى الكليني بسنده ، عن أبي أيّوب الخزاز ، قال : سألت إسماعيل بن جعفر ، متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ، قال : قلتُ : ويجوز أمره؟ قال : فقال : إنّ رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين ، وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته. (1)

    2 ـ روى الشيخ الطوسي ، عن داود بن فرقد ، عن إسماعيل بن جعفر ، قال : اختصم رجلان إلى داود (عليه السّلام) في بقرة فجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، وجاء هذا ببيّنة على أنّها له ، قال : فدخل داود (عليه السّلام) المحرابَ فقال : يا رب إنّه قد أعياني أن أحكم بين هذين ، فكُن أنتَ الذي تحكم ، فأوحى اللّه عزّوجلّ إليه اخرج فخذ البقرة من الذي في يده ، فادفعها إلى الآخر ، واضرب عنقه ، قال : فضجت بنو إسرائيل من ذلك ، وقالوا : جاء هذا ببينّة وجاء هذا ببيّنة ، وكان أحقّهما بإعطائها الذي في يديه ، فأخذها منه ، وضرب عنقه ، فأعطاها هذا ... قال : فدخل داود (عليه السّلام) المحرابَ فقال : يا ربّ قد ضجَّتْ بنو إسرائيل ممّا حكمتُ ، فأوحى إليه ربُّه أنّ الذي كانت البقرة في يده لقي أب الآخر فقتله وأخذ البقرة منه ، إذا جاءك مثل هذا فاحكم بينهم بما ترى ولا تسألني أن أحكم حتى الحساب. (2)

________________________________________

    1 ـ الكافي : 7/388.

    2 ـ التهذيب : 6/287 ، الحديث 797.

________________________________________

(77)

وفاته

    قد عرفت أنّ ابن عنبة ذكر أنّه توفي عام (133 هـ) ، وقال صاحب تهذيب الكمال : إسماعيل إمام مات وهو صغير ، ولم يروَعنه شيء من الحديث. (1)

    و أرّخ الزركلي في الاَعلام وفاته سنة (143 هـ) ولعله تبع صاحب دائرة المعارف الاِسلامية حيث قال : توفي إسماعيل في المدينة سنة (143 هـ) أي قبل وفاة أبيه بخمسة أعوام. (2)

    و القول الثاني أقرب للصواب ، لاَنّه لو كان توفي سنة (133 هـ) لكانت وفاته قبل وفاة أبيه بخمسة عشر عاماً ، وهذا المقدار من الفاصل الزمني ، يوجب انقطاع الناس عنه ، ونسيانهم له عند وفاة أبيه.

    وقال عارف تامر السوري من كُتّاب الاِسماعيلية : إنّإسماعيل ولد سنة 101 في المدينة المنورة ، وادّعى والده الصادق أنّه مات سنة 138 هـ بموجب محضر أشهد عليه عامل الخليفة المنصور العباسي. (3)

 

استشهاد الاِمام الصادق (عليه السّلام) على موته :

    كان الاِمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الاِمامة لم تُكْتب لاِسماعيل ، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الذين كتبت لهم الخلافة والاِمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الاَعظم.

    و من الدواعي التي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشك في نفوس

________________________________________

    1 ـ الاَعلام : 1/311 ، نقلاً عن تهذيب الكمال.

    2 ـ الزركلي : الاَعلام : 1/311.

    3 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 180.

________________________________________

(78)

الشيعة في ذلك اليوم ، هو ما اشتهر من أنّ الاِمامة للولد الاَكبر. وكان إسماعيل أكبرَ أولاده فكانت أماني الشيعة معقودة علي هـ حسب الضابطة ـ صحّت أم لم تصح ، ولاَجل ذلك تركزت جهود الاِمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهةو انّ الاِمامة لغيره ، فتراه تارة ينصَّ على ذلك ، بقوله وكلامه ، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل ، وأنّه قد انتقل إلى رحمة اللّه ، ولن يصلحَ للقيادة والاِمامة.

    وإليك نماذج توَيد النهج الثاني الذي انتهجه الاِمام (عليه السّلام) لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة ، وأمّا القسم الاَوّل أي النصوص على إمامة أخيه فموكولة إلى محلّها (1)

    1 ـ روى النعماني عن زرارة بن أعين ، أنّه قال : دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السّلام) و عند يمينه سيّدُ ولده موسى (عليه السّلام) ، وقُدّامه مرقد مغطى ، فقال لي : « يا زرارة ، جئني بداود بن كثير الرقي ، وحمران ، وأبي بصير ». ودخل عليه المفضل بن عمر ، فخرجت فأحضرت مَنْ أمرني بإحضاره ، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثرَ واحد ، حتى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً.

    فلمّا حشد المجلس قال : « يا داودُ إكشف لي عن وجه إسماعيل » ، فكشف عن وجهه فقال أبو عبد اللّه (عليه السّلام) : « يا داود أحيٌّ هو أم ميت؟ » قال داود : يا مولايَ هو ميّت ، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل ، حتى أتى على آخر مَن في المجلس ، و انتهى عليهم بأسرهم وكلٌّ يقول : هو ميّت يا مولاي ، فقال : « اللهمّ اشهد » ، ثمّ أمر بغَسْله وحنوطه ، وادراجه في أثوابه.

    فلمّا فرغ منه قال للمفضل : « يا مفضّل احسر عن وجهه » ، فحسَر عن وجهه ، فقال : « أحيٌّ هو أم ميّت؟ » فقال : ميّت ، قال : « اللهم اشهد عليهم » ؛ ثمّحُمِل إلى قبره ، فلما وضع في لَحده قال : « يا مفضل اكشف عن وجهه » وقال

________________________________________

    1 ـ سوف يأتي شيء منه عند عرض الفطحيّة فلاحظ.

________________________________________

(79)

للجماعة : « أحيٌّ هو أم ميت؟ » قلنا له : ميت فقال : « اللهمّ اشهد ، واشهدوا ، فإنّه سيرتاب المبطلون ، يريدون إطفاء نور اللّه بأفواههم ـ ثم أومأ إلى موسى ـ واللّه متم نوره ولو كره المشركون » ، ثم حثونا عليه التراب ثمّ أعاد علينا القول ، فقال : « الميّت ، المحنَّط ، المكفَّن ، المدفون في هذا اللحد من هو؟ » قلنا : إسماعيل ، قال : « اللهم اشهد » ، ثمّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) و قال : « هو حقّ ، والحقّ منه ، إلى أن يرث اللّه الاَرض ومن عليها ». (1)

    2 ـ روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي كهمس ، قال : حضرتُ موتَ إسماعيل وأبو عبد اللّه (عليه السّلام) جالس عنده فلمّا حضره الموت ، شدّ لحييه وغمّضه ، وغطّى عليه المِلْحَفة ، ثمّ أمر بتهيئته ، فلمّا فرغ من أمره ، دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه. (2)

    3 ـ روى الصدوق بسنده عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل ورأيت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) وقد سجد سجدة فأطال السجود ، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه ، ثمّ سجد سجدة أُخرى أطول من الاَُولى ثمّ رفع رأسه ، وقد حضره الموت فغمّضه وربط لحيته ، وغطّى عليه الملحفة ، ثمّقام ، ورأيتُ وجهه وقد دخل منه شيء اللّه أعلم به ، ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة ثمّ خرج علينا مدهِناً ، مكتَحلاً ، عليه ثياب غير ثيابه التي كانت عليه ، ووجهه غير الذي دخل به ، فأمر ونهى في أمره ، حتى إذا فرغ ، دعا بكفنه ، فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ اللّه. (3)

    و هذه الروايات و خاصّة ما نقلناه عن أبي خديجة الجمّال حاكية عن جلالة إسماعيل ، ويوَكّدها تقبيل الاِمام له بعد موته مراراً.

________________________________________

    1 ـ النعماني : الغيبة : 327 ، الحديث 8 ، ولاحظ بحار الاَنوار : 48/21.

    2 ـ الوسائل : الجزء 2 ، الباب 29 من أبواب التكفين ، الحديث 1.

    3 ـ الوسائل : الجزء 2 ، الباب 29 من أبواب التكفين ، الحديث 2.

________________________________________

(80)

    نعم هناك روايات تدل على ذمّه ذكرها الكشي في ترجمة عدّة ، مثل إبراهيم ابن أبي سمال ، وعبد الرحمان بن سيابة ، والفيض المختار ، وقد ناقش السيد الخوئي ، اسنادها فلاحظ. (1)

    وقد أخطأ الكاتب الاِسماعيلي ، مصطفى غالب السوري في فهم رأي الشيعة في معرض كتابته عن إمامه ، حيث قال :

    غير أنّ موَرّخي الشيعة ، والسنة ، يذهبون في إسماعيل مذهباً مختلفاً كلّ الاختلاف عمّا يقوله الاِسماعيلية. فيقولون : إنّ إسماعيل لم يكن يصلح للاِمامة ، كونه كان يشربُ الخمر ، وأنّه كان من أصدقاء أبي الخطاب الملْحِد الذي تبّ ـ رأ منه الاِمام الصادق ، وأنّ الصادق أظهر فرحه لموت ابنه إسماعيل ، وعلى هذه الصورة اضطربت الروايات ، واختلفت الاَقاويل في أمر إسماعيل ، فأصبح أكثر الباحثين لا يدرون حقيقة أمره ، ولا سيّما أنّه الاِمام الذي تنسب إليه الحركة الاِسماعيلية التي قامت بدورٍ هامٍّ في تاريخ العالم الاِسلامي منذ ظهورها. (2)

    قد عرفت عقيدة الشيعة الاِماميّة في حقّ إسماعيل وانّهم ـ عن بكرة أبيهم ـ يذكرون إسماعيل بخير ، اقتداء بإمامهم الصادق (عليه السّلام) وأنّ رميه بشرب الخمر من صنيع أعداء أهل البيت (عليهم السّلام) حيث كانوا لا يتمكّنون من رمي أئمة الشيعة بالسفاسف فيوجهونها إلى أولادهم المظلومين المضطهدين.

 

هل كان عمل الاِمام تغطية لستره؟

    إنّ الاِسماعيلية تدّعي أنّ ما قام به الاِمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية ، لستره عن أعين العباسيين ، الذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم

________________________________________

    1 ـ السيد الخوئي : معجم رجال الحديث : 3/124 ـ 127 ، برقم 1307.

    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسلامية : 16.

(81)

التي اعتبرتها الدولة العباسية منافية لقوانينها. والمعروف انّه توجه إلى « سلَمية » ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة ، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستراً بقية حياته.

    مات في البصرة سنة 143 هـ ـ ، وكان أخوه موسى بن جعفر « الكاظم » حجاباً عليه ، أمّا ولي عهده محمد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. (1)

    وعلى ما ذكره القائل ـ خلافاً لاَكثر الاِسماعيلية ـ فقد مات في حياة أبيه ، فكيف يكون إماماً بعد أبيه وهو رهين التراب؟!

 

اسطورة حياته بعد رحيل أبيه

    غير أنّ بعضهم يجازفون في القول ، ويدعون أمراً خارقاً للعادة ، ويقولون : والاَمر الهام في قضية إسماعيل وإمامته ، هو أنّه عاش بعد أبيه ، وأثبت هذا الخبر كثيرون من الموَلفين المعاصرين له مما يدل على أنّ إسماعيل بقى بعد أبيه اثنتي عشرة سنة.

    ولقد حكى أنّ إسماعيل حين ترك المدينة سرّاً ، رُئي ثانية في البصرة ، حيث بلغ رفعة ، بما أظهر من مقدرة نادرة بشفاء المرضى والمعلولين ، وخشية من اكتشاف الاَمر ، ترك البصرة ورحل إلى سوريا واستقر فيها ، ولكن ليس بطمأنينة تامّة حيث حالما سمع الخليفة « المنصور » الذي كان يحكم الجزيرة العربية ، بوجود إسماعيل ، أمر واليه في دمشق بإرساله إسماعيل تحت الحراسة إلى بلاطه ، ولكنَّ الوالي لم يكن يحترم الاِمام إسماعيل فحسب ، بل كان من أتباعه ، وبناء عليه ولينقذ الوالي سيده الروحي ، نصح الاِمام أن يترك سوريا لعدّة أيّام ، وما أن ابتعد

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 180.

________________________________________

(82)

الاِمام عن سوريا ، حتى أعلن الوالي التفتيش الدقيق عنه ، وكتب للخليفة أنّه لم يجد لاِسماعيل أثراً في أيّ مكان. (1)

    أقول : ما ذكره انّ كثيراً من الموَلفين المعاصرين لاِسماعيل أثبتوا حياته بعد وفاة أبيه ، شيء لم يدعمه بالدليل ، فَمَنْ هوَلاء الموَلّفون المعاصرون الذين أثبتوا حياته بعد الاِمام الصادق ، وما هي كتبهم؟! نعم أوعز الكاتب في الهامش إلى عمدة الطالب ، وتقدم نصُّهُ (2) وليس فيه أيُّ إشارة إلى ذلك ، فضلاً عن إشارته إلى كثيرٍ من الموَلفين المعاصرين للاِمام إسماعيل ، هكذا تحرّف الحقائق بيد العابثين اللاعبين بتاريخ أُمتنا المجيدة ، أو بيد سماسرة الاَهواء فيبيحون الكذب لدعم المذهب.

    وقد اعترف بهذه الحقيقة الكاتب الاِسماعيلي عامر تامر حيث قال : هناك أقوال كثيرة لموَرخين يوَكدون فيها أنّه مات في عهد والده ، وأنّ قصة ظهوره في البصرة أُسطورة لا تقوم على حقيقة ، ومهما يكن من أمر فالاِسماعيليون اشتهروا بالتخفّي والاستتار ، والمحافظة على أئمّتهم. لذلك ليس بعيداً أن تكون الرواية الاَُولى صحيحة. (3)

    إنّ تفسير قصة وفاة إسماعيل بالتمويه والتغطية فكره ورثها الجُدُد من الاِسماعيلين عن أسلافهم ، قال مصطفى غالب : « ولكن أغلب موَرّخي الاِسماعيلية يقولون : إنّ قصة وفاة إسماعيل في حياة أبيه كانت قصة أرادَ بها الاِمام جعفر الصادق التمويه والتغطية على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور ، الذي كان يُطارد أئمة الشيعة في كلّمكان ، وتحت كلّ شمس ، فخاف جعفر الصادق على ابنه وخليفته إسماعيل ، فادّعى موته وأتى بشهود كتبوا المحضر إلى الخليفة

________________________________________

    1 ـ أ.س. بيكلي : مدخل إلى تاريخ الاِسماعيلية : 20.

    2 ـ مرّ نصّه ص 72.

    3 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 180 ـ 181.

________________________________________

(83)

العباسي ، الذي أظهر سروراً وارتياحاً لوفاة إسماعيل الذي كان إليه أمر إمامة الشيعة ، ثمّ شُوهِد إسماعيل بعد ذلك في البصرة ، وفي بعض البلدان الفارسية. وعلى هذا الاَساس لم تسقط الاِمامة عن إسماعيل بالموت قبل أبيه لاَنّه مات بعد أبيه. (1)

    ويقول في موضع آخر : ورأينا الاَخير في هذا الموضوع بعد أن اطّلعنا على جميع ما كتب حول إمامة إسماعيل ، نقول : بأنّالاِمام جعفر الصادق قد شعر بالاَخطار التي تهدِّد حياة ابنه الاِمام إسماعيل ، بعد أن نصّ عليه ، وأصبح وليّاً للعهد ، فأمره أن يستتر وكان ذلك عام 145 هـ ، خشية نقمة الخلفاء العباسيين وتدبّر الاَمر بأن كتب محضراً بوفاته ، وشهد عليه عامل المنصور ، الذي كان بدوره من الاِسماعيلين.

    و فوراً توجه إسماعيل إلى سلمية ، ومنها إلى دمشق ، وعلم المنصور بذلك ، فكتب إلى عامله أن يلقي القبض على الاِمام إسماعيل ، ولكن عامله المذكور كان قد اعتنق المذهب الاِسماعيلي ، فعرض الكتاب على الاِمام إسماعيل ، الذي ترك البلاد نحو العراق حيث شوهد بالبصرة عام 151 هـ ، وقد مرّ على مقعد فشفاه بإذن اللّه ، ولبث الاِمام إسماعيل عدّة سنوات يتنقل سرّاً بين أتباعه ، حتى توفي بالبصرة عام 158 هـ .

    ويوَكد كتاب دستور المنجمين أنّ إسماعيل هو أوّل إمام مستور وكان بدء ستره سنة 145 هـ ولم يمت إلاّ بعد سبع (2) سنين ». (3)

    ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال ، ولم يكن الاِمام الصادق (عليه السّلام) ولا

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 16 ترى أنّالموَرخ الاَوّل الاِسماعيلي يذكر موته في حياة أبيه وهذا يوَكد على موته بعده ، فما هو الحق؟ وما هو المتوقع من مذهب حجر أساسه الريب والشك؟!!

    2 ـ فيكون وفاته على هذا عام 151 ، لا عام 158 كما ذكره قبل سطر.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 142 ـ 143.

________________________________________

(84)

أصحابه الاَجلاّء ، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السرية ، حتى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس ، وهوبعدُ حيّ يُرزق ، ولم يكن عامل الخليفة بالمدينة المنورة بليداً ، يكتفي بالتنويه ، حتى يتسلَّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العباسية.

    والعجب أنّ الكاتب يذكر في كلامه الثاني أنّعامل الخليفة في المدينة كان بدوره من الاِسماعيليين ، مع أنّه لم يكن في ذلك اليوم أثر للاِسماعيلية : « وكانت الاِمامة لاَبيه الاِمام الصادق (عليه السّلام) فكيف يكون في حياة الصادق (عليه السّلام) من الاِسماعيلية؟! وأعجب منه أنّه يعتمد في إثبات معتقده بدستور المنجمين ، ثمّ يذكر له مصدراً في التعليقة بالشكل التالي « بلوشيه 57 ـ 58 دى خويه 203 ».

    إنّ عقيدة إسلامية مبنيّة على تنبّوَ المنجمين ـ وما أكثر أخطائهم ـ عقيدةٌمنهارةٌ وفاشلة.

    و لو أنّ هوَلاء التجأوا في تصحيح إمامة ابنه ، محمد بن إسماعيل إلى القول بعدم بطلان إمامة إسماعيل بموته في حياة والده ، ولمّا توفي الاِمام الصادق تسلّم عبد اللّه بن إسماعيل الاِمامة من والده ، لكان أرجح من اللجوء إلى بعض الاَساطير التي لا قيمة علمية لها في مجالات البحوث التاريخية والعقائدية المبتنية على أُسس علمية دقيقة.

    والحقّ أنّه توفي أيام حياة أبيه ، بشهادة الاَخبار المتضافرة التي تعرفت عليها ، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمالها؟! وستر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يعلن بها موته فانّه منهج وأُسلوب السياسيين المخادعين ، المعروفين بالتخطيط والموَامرة ، ومن يريد تفسير فعلَ الاِمام عن هذا الطريق فهو من هوَلاء الجماعة « وكلّ إناء بالذي فيه ينضح ». وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

 

________________________________________

(85)

    والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لاِسماعيل ولا لولده الاِمام الثاني ، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولده ، بشهادة أنّ المهدي العباسي الذي تسلم عرش الخلافة بعد المنص ـ ور العباسي 158 ـ 169 هـ كان متشدداً على أصحاب الاَهواء والفرق ، وكتب له ابن المفضل صنوف الفرق صنفاً صنفاً ، ثمّ قرأ الكتاب على الناس ، فقال يونس : قد سمعت الكتاب يقرأ على الناس على باب الذهب بالمدينة ، ومرّة أُخرى بمدينة الوضاح ، فقال : إنّ ابن المفضل صنف لهم صنوف الفرق فرقة فرقة حتى قال في كتابه : وفرقة يقال لهم الزرارية ، وفرقة يقال لهم العمارية أصحاب عمار الساباطي ، وفرقة يقال لهم اليعفورية ، ومنهم فرقة أصحاب سليمان الاَقطع ، وفرقة يقال لهم الجواليقية. قال يونس : ولم يذكر يومئذ هشام بن الحكم ولا أصحابه. (1)

    ترى انّه يذكر جميع الفرق المزعومة للشيعة ، حتى يذكر العمارية المنسوبة إلى عمار الساباطي الذي لم يكن له يوم ذاك أيّ تابع إلاّ كونه فطحياً موَمناً بإمامة عبد اللّه الاَفطح ، ولا يذكر الاِسماعيلية ؟! فلو كانت لاِسماعيل دعوة سرية أيّام المنصور ، ثمّ لابنه محمد ، حيث كانا ينتقلان من بلد إلى بلد ، كان من المحتّم مجيء اسمه في قائمة أصحاب الاَهواء. كلّ ذلك يدلّ على أنّ المذهب قد نشأ بعد لاَي من الدهر.

    إلى هنا تمّ البحث في الاِمام الاَوّل ، وكانت حصيلته هي :

    أنّ الرجل كان رجلاً ثقة ، محبوباً للوالد ، وتُوفي في حياة والده وهو عنه راض ، ولم تكن له أيُّ دعوةٍ للاِمامة ، ولم تظْهر أيَّ دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العباسي الذي تُوفي عام 169 هـ ، وقد مضى على وفاة الاِمام الصادق (عليه السّلام) إحدى وعشرون سنة.

 

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 227.

________________________________________

(86)

الاِمام الثاني

محمد بن إسماعيل

(132 ـ 193 هـ)

    محمد بن إسماعيل ، هو الاِمام الثاني للاِسماعيلية ، قال ابن عنبة : أعقب إسماعيل من محمد وعلي ابني إسماعيل ، أمّا محمد بن إسماعيل فقال شيخ الشرف العبيدلي : هو إمام الميمونية وقبره ببغداد.

    ويصفه الكاتب الاِسماعيلي أنّه ولد سنة 141 في المدينة عندما توفي والده الاِمام إسماعيل ، اضطر لترك المدينة خوفاً من مراقبة الرشيد العباسي ، الذي استطاع بنشاطه من إخماد كافة الثورات والدعوات الاِمامية ، فذهب إلى الكوفة ، ومنها إلى فرغانة ، ثمّ إلى نيسابور ، عمل على نشر دعوته بنشاط في الجزيرة العربية ، وفي كافة البلدان الاِسلامية ، وقد استطاع التموية على الخلفاء العباسيين والاِفلات من قبضتهم ، وهم المهدي والهادي والرشيد.

    إزداد تستراً بعد أن أعطى الرشيدُ أمراً بالقبض عليه ، ثمّ إنّه رَحَل إلى الريّ ومنها إلى نهاوند ، وفيها عقد زواجه على ابنة أميرها أبي المنصور بن جوشن ، وبعد ذلك توجه إلى « تدْمُر » في سوريا حيث جعلها مركزاً لاِقامته ونشر دعوته ، وجّه الرشيد جيشاً لاِلقاء القبض عليه عندما كان في نهاوند ، ولكن أتباعه تمكنوا من الانتصار على الجيش المذكور وردّوه خائباً.

    يقال أنّه هو الذي أرسل الداعيين : الحلواني وأبا سفيان إلى المغرب ، تُوفِي

 

________________________________________

(87)

في مدينة « تَدْمر » و دفن في جبل واقع إلى الشمال الغربي منها ، ويعرف حتى الآن بضريح محمد بن علي ، وفاته سنة 193 هـ .

    يقال إنّ حجته هو ميمون القداح ، والحقيقة أنّ الاِمام محمد بن إسماعيل هو نفسه كان يحمل لقبي ميمون والقداح.

    ترك عدداً من الاَولاد ومنهم عبد اللّه الذي كان وليّاً للعهد. (1)

    أقول : للقارىَ الكريم أن ينظر إلى كلمات ذلك الكاتب بنظر الشك والريبة ، ويتفحّص عن مآخذ كلامه ومصادر نقله ، فإنّ ما وقفنا عليه في السير والآثار لا يدعم كلامه ، وذلك للاَسباب التالية :

    1 ـ إنّ شيخ الشرف العبيدلي قال : إنّه توفي ببغداد ، وقبره هناك ، والكاتب يذكر أنّه توفي بـ « تدمر » بسوريا ، وقبره هناك ، وله ضريح معروف بضريح « محمد بن علي » ولكن من أينَ علم انّه ضريح محمد بن إسماعيل؟! وأنّه حُرِّفَ اسم والده.

    2 ـ الروايات المتضافرة من الفريقين تشهد على أنّه كانت بينه وبين الرشيد صلة وكان موقفه منه ، موقف العين ، وقد أخبره بما يجري في أوساط العلويين ، من جمع الاَموال للثورة ، والدعوة إلى الاِمامة.و من هذه الروايات التي وقفنا عليها :

    روى ابن عنبة ، عن أبي القاسم بن إسماعيل نسابة المصريين ، أنّ موسى الكاظم (عليه السّلام) كان يخاف ابن أخيه محمد بن إسماعيل ، ويبرّه ، وهو لا يترك السعي به إلى السلطان من بني العباس.

    وقال أبو نصر البخاري : كان محمد بن إسماعيل بن الصادق (عليه السّلام) مع موسى الكاظم (عليه السّلام) يكتب له السر إلى شيعته في الآفاق. فلما ورد الرشيد الحجاز ، سعى (2)

    محمد بن إسماعيل بعمه إلى الرشيد. فقال : أعلمتَ أنّفي الاَرض خليفتين

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 181.

    2 ـ ذكر الشيخ المفيد أنّ الساعي بعمه الكاظم (عليه السّلام) إلى الرشيد هو علي بن إسماعيل لا أخوه محمد. وذكر قصة السعاية أُنظر (الاِرشاد) باب ذكر السبب في وفاته (عليه السّلام).

________________________________________

(88)

يجبى إليهما الخراج؟ فقال الرشيد : ويلك أنا ومن؟ قال : موسى بن جعفر. وأظهر أسرارَه فقبض الرشيد على موسى الكاظم (عليه السّلام) و حبسه ، وكان سبب هلاكه ، وحظى محمد بن إسماعيل عند الرشيد ، وخرج معه إلى العراق ، ومات ببغداد ، ودعا عليه موسى بن جعفر عليمها السّلام بدعاء استجابه اللّه تعالى فيه وفي أولاده ، ولمّا لِيْمَ (1) موسى بن جعفر عليمها السّلام في صلة محمد بن إسماعيل والاتصال مع سعيه به. قال : إنّي حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الرحم إذا قُطِعتَ فوَصَلْتَ ثمّ قُطِعَتْ فَوصلت ثمّ قُطِعْتَ فوصلتَ ثمُ قُطِعَت قطعها اللّه تعالى ، وإنّما أردتُ أن يقطع اللّه رحمه من رحمي. (2)

    هذا ما رواه ابن عنبة من طرق أهل السنّة ، كما رواه محدّثوا الشيعة ونأتي بنصّ أفضلهم وأوسعهم اطلاعاً ، أعني : الشيخ الكليني المتوفى عام 329 هـ في الكافي.

    روى الكليني بسند صحيح (3) عن علي بن جعفر قال : جاءني محمد بن إسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب ، ونحن يومئذ بمكة ، فقال : يا عمُّ إنّي أُريد بغداد ، وقد أحببتُ أن أُودِّعَ عمي أبا الحسن ـ يعني موسى بن جعفر (عليه السّلام) ـ وأحببت أن تذهبَمعي إليه ، فخرجتُ معه نحو أخي ، وهو في داره التي بالحوبة ، وذلك بعد المغرب بقليل ، فضربت البابَ فأجابني أخي ، فقال : مَنْ هذا؟ فقلت : علي ، فقال : هو ذا أُخرِجُ ـ وكان بطيء الوضوء ـ فقلت : العجل ، قال : واعجل فخرج وعليه ازار ممشّق (4) قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة الباب ، فقال عليّ بن جعفر : فانكببتُ عليه فقبّلتُ رأسه ، وقلت : قد جئتك في أمر إن تره صواباً

________________________________________

    1 ـ فعل ماضي مجهول من اللوم.

    2 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 233.

    3 ـ رواه عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى العبيدي ، عن موسى بن القاسم البجلي و هو نجل معاوية بن وهب البجلي ، عن علي بن جعفر ، والرواة ثقات والرواية صحيحة.

    4 ـ أي مصبوغ بالمشق وهو الطين الاَحمر.

________________________________________

(89)

فاللّه وفق له ، وإن يكن غير ذلك ، فما أكثر ما نخطىَ ، قال : وما هو؟ قلتُ : هذا ابن أخيك يريد أن يودعك ويخرجَ إلى بغداد ، فقال لي : أُدعه ، فدعوتُه وكان متنحيّاً ، فدنا منه فقبّل رأسه.

    وقال : جعلت فداك أوصني فقال : أُوصيك أن تتقي اللّه في دمي ، فقال مجيباًله : من أرادك بسوء فعل اللّه به ، وجعل يدعو على من يريده بسوء ، ثمّ عاد فقبّل رأسه ، فقال : يا عمُّ أوصني ، فقال : أُوصيك أن تتقي اللّه في دمي ، فقال : من أرادك بسوء فَعَلَ اللّه به وفعل ، ثمّ عاد فقبّل رأسه ، ثمّ قال : يا عم أوصني ، فقال : أُوصيك أن تتقي اللّه في دمي ، فدعا على من أراده بسوء ، ثمّتنحّى عنه ، ومضيت معه ، فقال لي أخي : يا عليّ مكانَك فقمتُ مكاني فدخل منزله ، ثمّدعاني فدخلتُ إليه ، فتناول صرّة فيها مائة دينار فأعطانيها. وقال : قل لابن أخيك يستعين بها على سفره ، قال عليّ : فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ، ثمّ ناولني مائة أُخرى وقال : أعطه أيضاً ، ثمّناولني صرة أُخرى وقال : أعطه أيضاً.

    فقلت : جعلت فداك ، إذا كنتَتخاف منه مثلَ الذي ذكرتَ ، فلِمَ تعينه على نفسك؟ فقال : إذا وصلتُه وقطعني قطع اللّه أجله ، ثمّتناول مخدَّه أدم ، فيها ثلاثة آلاف درهم وضح (1) وقال : أعطه هذه أيضاً قال : فخرجت إليه فأعطيته المائة الاَُولى ففرح بها فرحاً شديداً ودعا لعمِّه ، ثمّ أعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتى ظننت انّه سيرجع ولا يخرج ، ثمّ أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسلّم عليه بالخلافة ، وقال : ما ظننتُ أنّفي الاَرض خليفتين ، حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يُسلَّم عليه بالخلافة ، فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم فرماه اللّه بالذبحة (2) فما نظر منها إلى درهم ولا مسّه. (3)

________________________________________

    1 ـ الوضح : الدرهم الصحيح. لسان العرب : 2/635 ، مادة « وضح ».

    2 ـ الذبحة : وجع في الحلق ، أو دم يخنق فيقتل. لسان العرب : 2/438 ، مادة « ذبح ».

    3 ـ الكليني : الكافي : 1/485 ـ 486.

________________________________________

(90)

    روى الكشي في رجاله ، عن أبي جعفر محمد بن قولويه القمي ، قال : حدثني بعض المشايخ ، عن علي بن جعفر بن محمد عليمها السّلام ، قال : جاءني محمد بن إسماعيل ابن جعفر يسألني أن أسأل أبا لحسن موسى (عليه السّلام) ، أن يأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن يرضى عنه ويوصيه بوصيّة ، قال : فتجنّبت حتى دخل المتوضّى ... فلمّا خرج قلت له : إنّابن أخيك محمد بن إسماعيل ، يسألك أن تأذن له في الخروج إلى العراق ، وأن توصيه. فأذن له (عليه السّلام) ، فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمد بن إسماعيل ، وقال : يا عم أحبَّ أن توصيني. فقال : « أُوصيك أن تتقي اللّه في دمي ». فقال : لعن اللّه من يسعى في دمك. ثمّ قال : يا عم أوصني ، فقال : « أُوصيك أن تتقي اللّه في دمي ». قال : ثمّ ناوله أبو الحسن (عليه السّلام) صرة فيها مائة وخمسون ديناراً ، فقبضها محمد ، ثمّ ناوله أُخرى فيها مائة وخمسون ديناراً ، فقبضها ، ثمّ أعطاه صرة أُخرى فيها مائة وخمسون ديناراً ، فقبضها ثمّ أمر له بألف وخمسمائة درهم كانت عنده. فقلتُ له في ذلك : استكثرته؟ فقال : « هذا ليكون أوكد لحجّتي إذا قطعني ووصلتُه ». قال : فخرج إلى العراق ، فلمّا ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون وقال للحاجب : قل لاَمير الموَمنين إنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب. فقال الحاجب : انزل أوّلاً وغيّر ثياب طريقك وَ عُدْ لاَُدخلك إليه بغير إذن فقد نام أمير الموَمنين في هذا الوقت. فقال : أعلم أمير الموَمنين انّي حضرتُ ولم تأذن لي ، فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله ، فدخل قال : يا أمير الموَمنين خليفتان في الاَرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج. فقال : واللّه؟! فقال : واللّه. فقال : واللّه؟! قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلمّا قبضها وحمل إلى منزله أخذته الريحة في جوف ليلته ، فمات ، وحول من الغد المال الذي حمل إليه. (1)

________________________________________

    1 ـ الكشي : الرجال : 226 ، في ترجمة هشام بن الحكم.

(91)

    و رواه ابن شهر آشوب في مناقبه. (1)

    فلو صحّ ما ذكراه فكيف تكون له ثورة أيام الرشيد وهو يتعامل معه ، معاملة العيون والجواسيس ، أو السعاة والوشاة.

    نعم نقل أبو الفرج الاصفهاني نفس القصة وتبعه الشيخ المفيد (2) ولكن الساعي في كليهما هو علي بن إسماعيل أخو محمد بن إسماعيل ، لكن السند قاصر ، لاَنّ الاصفهاني يرويه عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة المتوفى عام 332 هـ ، عن شيخه : يحيى بن الحسن العلوي (3) والرواية مرسلة إذ لا يتمكن ابن عقدة من نقل القصة بواسطة واحدة ، كيف والاِمام الكاظم قد أُخذ في آخر السبعينات بعد المائة ، وتوفي عام 183 هـ (4) ولاَجل الاِيماء إلى الاِرسال أضاف المفيد بعد إنهاء السند قولَه عن مشايخهم : فما نقله الكليني بسند صحيح هو المعتبر.

 

    وما ذكره : « وجّه الرشيد جيشاً لاِلقاء القبض عليه عندما كان في نهاوند ... » لم أقف على مصدره ولقد تصفّحت حياة الرشيد (170 ـ 193 هـ) في تاريخ الطبري ، ومروج الذهب للمسعودي ، وكامل الجزري ، فلم أجد فيها شيئاً من الحرب المزعومة وانتصار محمد بن إسماعيل على جيش الرشيد.

    نعم نقل الجزري في حوادث سنة 312 هـ : انه ظهر في الكوفة رجل ادّعى انّه « محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو رئيس الاِسماعيلية ، وجمع جمعاً عظيماً من الاَعراب وأهل السواد واستفحل أمره في شوال ، فسيّر إليه جيش من بغداد ، فقاتلوه وظفروا به وانهزم ،

________________________________________

    1 ـ ابن شهر آشوب : المناقب : 4/326 ، قريباً مما نقله الكليني والكشي.

    2 ـ المفيد : الاِرشاد : 298.

    3 ـ في إرشاد المفيد : أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى عن مشايخهم.

    4 ـ الجزري : الكامل : 6/164 ، لاحظ حوادث سنة 183 هـ .

________________________________________

(92)

وقتل كثير من أصحابه. (1)

    قال مصطفى غالب : ويعتبر الاِمام محمد بن إسماعيل أوّل الاَئمة المستورين ، و الناطق السابع ومتم الدور ، لاَنّ إمامته كانت بداية دور جديد في تاريخ الدعوة الاِسماعيلية ، فقام بنسخ الشريعة التي سبقته ، وبذلك جمع بين النطق والاِمامة ، ورفع التكاليف الظاهرة للشريعة ، ونادى بالتأويل ، واهتم بالباطن ، ولذلك قال فيه الداعي إدريس : « وإنّما خص محمد بن إسماعيل بذلك لانتظامه في سلك مقامات دور الستر ، لاَنّك إذا عددت آدم ووصيه وأئمّة دوره ، كان خاتمهم الناطق ، وهو نوح (عليه السّلام) وإذا عددت عيسى ووصيه قائمة دوره ، كان محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّممتسلماً لمراتبهم ، وهو الناطق خاتم للنطقاء ، وكان وصيّه (عليه السّلام) بالفضل منفرداً به ، وإذا عددت الاَئمّة في دوره كان محمد بن إسماعيل سابعهم ، وللسابع قوّة على من تقدّمه ، فلذلك صار ناطقاً وخاتماً للاَُسبوع ، وقائماً وهو ناسخ شريعة صاحب الدور السادس ، ببيان معانيها وإظهار باطنها المبطن فيها. (2)

    ولولا انّه فسّ ـ ر نسخ الشريعة ببيان معانيها وإظهار باطنها المبطن فيها ، كان المتبادر منه أنّه كان صاحب شريعة ودين حديث وهو كما ترى.

    ثمّ إنّ ظاهر كلامه انّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان خاتماً للدور الثاني ، وانّ الدور الثالث يبتدأ بوصي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علي أمير الموَمنين (عليه السّلام) و بما انّهم لا يعدّون الحسن بن علي في أئمتهم ، يكون محمد بن إسماعيل هو سابع الاَئمّة وأفضلهم.

    إنّ ما ذكره اعتبارات وتخيّلات لم يقم عليها دليل ، فما هو الدليل القاطع العقلي أو النقلي على هذا الدور ، وإنّ كلّ سابع ، خاتم له.

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل : 8/157.

    2 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 148.

________________________________________

(93)

الاِمام الثالث

عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل

(179 ـ 212 هـ)

    ولد في بلدة نيسابور عام 179 هـ من ألقابه : المستور ، والرضي ، والناصر ، والعطار ، وعبد اللّه الاَكبر ، كان كثير التنقل بين نهاوند والاَهواز وطبرستان.

    عرف أنّه كان معاصراً للرشيد ، وقد أدرك عصر المأمون. سمّى جميع دعاته باسمه حتى لا يعرف.عندما خرج من فرغانة إلى الديلم ، وكان يصحبه أخوه حسين. وفي الديلم تزوّج فتاة علوية وولد له منها أحمد.

    و ألّف في سلمية رسائل « إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء ».

    توفي سنة 212 هـ ، ودفن في سلمية (1) وضريحه يعرف بالاِمام إسماعيل. (2)

    إنّ من يدرس كتاب رسائل « إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء » يقف على أنّه أثر لجنة علمية لا تأليف شاب لم يتجاوز عمره الثلاثين إلاّ قليلاً.

    إنّ هذا الكتاب أُلّف في القرن الرابع الهجري ، وقد قامت بتأليفه جماعة ، وكان أبو حيان التوحيدي على معرفة بأحوال أحد أفرادها ، وقد وصفه لصمصام الدولة الذي ولي الاَمر في سنة 372 هـ . (3)

________________________________________

    1 ـ بليدة بالشام من أعمال حمص.

    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 182.

    3 ـ ابن الاَثير : الكامل في التاريخ : 9/22.

________________________________________

(94)

    ففي مقدمة المحقّق : تألّفتْ هذه الجماعة في القرن الرابع الهجري ، وكان موطنها البصرة ، ولها فرع في بغداد ، ولم يعرف من أشخاصها سوى خمسة يتغشاهم الغموض والشك ... فقيل إنّ أحدهم هوأبو سليمان محمد بن معشر البستي المعروف بالمقدسي ، والآخر أبو الحسن علي بن هارون الزنجاني ، ثمّ أبو أحمد المهرجاني ، فأبو الحسن العوفي ، فزيد بن رفاعة ، ويوَخذ من كلام لاَبي حيّان التوحيدي أثبته أحمد زكي باشا في مقدمته لرسائل الاِخوان انّ زيد بن رفاعة كان متهماً بمذهبه ، وانّ الوزير صمصام الدولة بن عضد الدولة سأله عنه. (1)

________________________________________

    1 ـ رسائل إخوان الصفا وخلاّن الوفاء : 5 ، المقدمة.

________________________________________

(95)

الاِمام الرابع

أحمد بن عبد اللّه

(198 ـ 265 هـ)

    عرّفه الكاتب عارف تامر بقوله : ولد في سلمية سنة 198 هـ ، واتخذ من هذه المدينة مقراً له ومركزاً لتوزيع الدعاة ونشر التعاليم في المناطق الاَُخرى. كان على جانب كبير من العلم ، وإليه تنسب رسالة الجامعة لاِخوان الصفاء وخلاّن الوفاء.

    ولد له ولدان هما : الحسن وسعيد.

    كان يتنقل بين الديلم والكوفة ، وغيرهما في سبيل التجارة. والحقيقة أنّ ذلك لم يكن إلاّ في سبيل نشر الدعاية والاَفكار الاِسماعيلية. لقبه الوفي.

    عاصر المأمون واشترك في إثارة الناس عليه ، إلى أن يقول : كان يقضي فصل الشتاء في سلَمية ، والصيف في مصياف. نشاط الدعاة في عصره بلغ الاَوج خاصة في المجال العلمي.

    مات في مصياف سنة 265 هـ عن 67 عاماً ، ودفن فيها في جبل مشهد. (1)

    و يقول الموَرّخ المعاصر : ولقد تعرض الاِمام أثناء وجوده في السلَمية لمضايقات الخلفاء العباسيين المستمرة ، لذلك وجد بأنّ السلَمية لم تعد مكاناً صالحاً له ، فغادرها سرّاً إلى الري حيث استقر فيها مدّة طويلة عمل خلالها لنشر دعوته على نطاق واسع ، فاعتنقها أكثر الملوك والاَُمراء ، وقدّموا جميع إمكانياتهم

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 182.

________________________________________

(96)

لمساعدة الدعاة في سبيل نشرها وتعميمها في جميع الاَقطار الشرقية ، والجدير بالذكر انّ أكثر الحكام والولاة في العهد العباسي كانوا يتظاهرون بنقمتهم على الاِسماعيلية ، بينما كانوا يدينون بعقائدها في الباطن وينصرون الدعاة ، ويعملون سراً على تقوية الدعوة وإنجاحها. (1)

    وقد ذكر عارف تامر انّ لقبه هوالوفي في حين أنّ مصطفى غالب قد لقبه بمحمد التقي ، والظاهر انّهما لقبين لشخص واحد.

    ولا يذهب عليك ما في كلامه من المبالغة من اعتناق أكثر الحكام والولاة لعقائد الاِسماعيلية ، فإنّالموَرّخين المعاصرين (2) قد اعتادا على المبالغة في الثناء وانتشار الدعوة من دون أن يذكرا لكلامهما مصدراً.

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 167.

    2 ـ عارف تامر ، مصطفى غالب ، والثاني أكثر مبالغة.

________________________________________

(97)

الاِمام الخامس

الحسين بن أحمد

(219 ـ 289 هـ)

    ولد في مصياف سنة 219 هـ ، كان مركز إقامته في سلمية. اشتهر بثروته المالية الطائلة.

    من ألقابه : المرتضى ، والمقتدى ، والزكي ، والهادي ، والتقي.

    لخص رسالة الجامعة برسالة موجزة سمّاها جامعة الجامعة.

    كان على علاقات طيبة مع الهاشميين القاطنين في سلمية ، التقى بالنجف الاَشرف بالداعي أبي قاسم حسن بن فرح بن حوشب (منصور اليمن) وعلي بن الفضل حيث كانا يدعوان للحسن العسكري الاثني عشري فأثّر فيهما وأحضرهما إلى سلمية ، ثمّ جهزهما بعد ذلك إلى اليمن.

    وفي عهده تم إرسال أبي عبد اللّه الشيعي (1) (2) إلى المغرب.

    في عصره دبَّ الوهن إلى الدولة العباسية وأحدقت بها الثورات والاضطرابات ، تولى ابن طولون في عهده شوَون مصر وأوكل إليه تنظيم بلاد الشام أيضاً. كانت الاَموال الطائلة تحمل إليه من كافة الجهات حتى من آذربيجان.

________________________________________

    1 ـ والقرائن تشهد انّالمراد منه ، هو عبد اللّه بن ميمون القداح.

    2 ـ وصار بعد ذلك داعية عبيد اللّه المهدي الاِمام السادس ، وسيوافيك تفصيله في ترجمة « عبيد اللّه ».

________________________________________

(98)

    مات في سلمية ودفن في مقام جده عبد اللّه بن محمد وكان ذلك سنة 265. (1)

    ما ذكره من أنّه توفي عام 265 هـ غير صحيح ، لاَنّه عام وفاة والده ولعلّه تصحيف سنة 289 هـ . وقد أرّخ ميلاده ووفاته موَلف تاريخ الدعوة الاِسماعيلية كما ذكرنا وقال : وعهد بالاِمامة من بعده لابنه محمد المهدي (2) وقال له : إنّك ستهاجر بعدي هجرة وتلقى محناً شديدة. (3)

    قد سبق وأن ذكرنا أنّ محمد بن إسماعيل ـ أي الاِمام الثاني ـ أرسل الداعيين : الحلواني وأبا سفيان إلى المغرب ، ولكن لم يحددا تاريخ البعث ، فبما انّ محمد بن إسماعيل استلم الاِمامة ـ حسب رأي الاِسماعيلية ـ عام 158 هـ وتوفي عام 193 هـ ، فيكون إرسالهما بين الحدين.

    كان الداعيان مهتمين بالتبليغ والدعوة في أيام الاَئمّة الثلاثة إلى أن استلم الاِمام الحسين بن أحمد زمام الاِمامة ، ووقف بأنّ الدعوة في المغرب تتقدم باستمرار ، فحينئذٍ طلب من الداعية الكبير أبي عبد اللّه الحسين أحمد بن محمد بن زكريا الشيعي ـ الذي كان يدعو الناس إلى المذهب الاِسماعيلي في البصرة ـ الذهاب إلى اليمن ويدرس هناك على ابن حوشب ويطيعه ويقتدي به ، ثمّ يذهب بعد فراغه من الدراسة ، إلى المغرب قاصداً بلدة « كتامة ».

    توجه أبو عبد اللّه إلى اليمن حيث شهد مجالس ابن حوشب وأصبح من كبار أصحابه ، فلمّا أتى خبر وفاة الحلواني وأبي سفيان دعاة المغرب إلى ابن حوشب قال لاَبي عبد اللّه الشيعي : إنّأرض كتامة من المغرب قد حرثها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا وليس لها غيرك ، فبادر فانّها موطّأة ممهّدة لك.

________________________________________

    1 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 183.

    2 ـ عبيد اللّه المهدي.

    3 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 171.و لم يذكر مصدراً لكلامه.

________________________________________

(99)

    فخرج أبو عبد اللّه إلى مكة وأعطاه ابن حوشب مالاً وسيّر معه عبد اللّه بن أبي ملاحف ، فلمّا قدم أبو عبد اللّه مكة سأل عن حجاج كتامة ، فأرشِد إليهم ، فاجتمع بهم ، ولم يُعرِّفهم قصدَه ، وجلس قريباً منهم ، فسمعهم يتحدثون بفضائل أهل البيت ، فأظهر استحسان ذلك ، وحدّثهم بمالم يعلموه ، فلمّا أراد القيام سألوه أن يأذن لهم في زيارته والانبساط معه ، فأذن لهم في ذلك ، فسألوه أين مقصده ، فقال : أُريد مصر ، ففرِحوا بصحبته.

    وكان من روَساء الكتاميين بمكة رجل اسمه « حُريث الجُميلي » ، وآخر اسمه موسى بن مكاد فرحلوا وهو لا يخبرهم بغرضه ، وأظهر لهم العبادة والزهد ، فازدادوا فيه رغبة وخدموه ، وكان يسألهم عن بلادهم وأحوالهم وقبائلهم وعن طاعتهم لسلطان إفريقية ، فقالوا : ما له علينا طاعة ، وبيننا وبينه عشرة أيام ، قال : أفتحملون السلاح؟ قالوا : هو شغلنا ، ولم يزل يتعرّف أحوالهم حتى وصلوا إلى مصر ، فلمّا أراد وداعهم قالوا له : أي شيء تطلب بمصر؟ قال : أطلب التعليم بها (1) قالوا : إذا كنت تقصد هذا فبلادنا أنفع لك ، ونحن أعرف بحقك ، ولم يزالوا به حتى أجابهم إلى المسير معهم بعد الخضوع والسوَال ، فسار معهم.

    فلما قاربوا بلادَهم لقيهم رجال من الشيعة فأخبروهم بخبره ، فرغبُوا في نزوله عندهم واقترعوا فيمن يضيِّفه منهم ، ثمّ رحلوا حتى وصلوا إلى أرض كتامة منتصف شهر ربيع الاَوّل سنة ثمانين ومائتين ، فسأله قوم منهم أن ينزل عندهم حتى يقاتلوا دونه ، فقال لهم : أين يكون فج الاَخيار؟ فتعجبوا من ذلك ولم يكونوا ذكروه له ، فقالوا له : عند بني سليان ، فقال : إليه نقصد ، ثمّ نأتي كلّ قوم منكم في ديارهم ونزورهم في بيوتهم ، فأرضى بذلك الجميع.

    و سار إلى جبل يقال له إنكجان ، وفيه فج الاَخيار ، فقال : هذا فج الاَخيار ، وما سمي إلاّ بكم ولقد جاء في الآثار : انّللمهدي هجرة تنبو عن الاَوطان ، ينصره

________________________________________

    1 ـ يريد تعليم مذهب أهل البيت (عليهم السّلام).

________________________________________

(100)

فيها الاَخيار من أهل ذلك الزمان ، قوم مشتق اسمهم من الكتمان ، فإنّهم كتامة وبخروجكم من هذا الفج يسمّى فجُ الاَخيار.

    ثمّ إنّه قال للكتاميين : أنا صاحب البدر الذي ذكر لكم أبوسفيان والحلواني ، فازدادت محبتهم له وتعظيمهم لاَمره. ثمّ إنّ الحسن بن هارون وهو من أكابر كتامة ، فأخذ أبا عبد اللّه إليه ، ودافع عنه ، ومضيا إلى مدينة ناصرون فأتته القبائل من كلّ مكان وعظم شأنه ، وصارت الرئاسة للحسن بن هارون ، فاستقام له أمر البربر وعامة كتامة. ثمّ كان الاَمر على ذلك حتى توفي الاِمام الحسين بن أحمد عام 289 هـ وعهد بالاِمامة من بعده لابنه محمد المهدي ، وقال له : إنّك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة ، وتلقى محناً شديدة ، فلمّا قام عبيد اللّه بعد أبيه انتشرت دعوته ، وأرسل إليه أبو عبد اللّه الشيعي رجالاً من كتامة من المغرب ليخبروه بما فتح اللّه عليه وانّهم ينتظرونه. وهذا ما سنذكره في سيرة الاِمام التالي الاِمام عبيد اللّه المهدي. (1)

    هوَلاء هم الاَئمّة المستورون عند الاِسماعيلية ، والذي يدلّ على ذلك أنّ القاضي النعمان وصفهم بالاستتار ، وجعل مبدأ الظهور قيام عبد اللّه الاِمام المهدي باللّه ، وإليك أبياته في أُرجوزته يقول :

واشتدت المحنة بعد جعفرٍوكان قد أقام بعضَ ولدهفجعل الاَمر له في سترلخوفه عليه من أعدائه                 فانصرف الاَمر إلى التسترمقامَه لمّا رأى من جَلدِهفلم يكن قالوا بذاك يدريإلاّ ثقاتُ محضِ أوليائِه

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل : 8/31 ـ 37؛ تاريخ ابن خلدون : 4/40 ـ 44 ، و أيضاًص 261. وقد لخصنا القصة وحذفنا ما ليس له صلة بالموضوع كالحروب التي خاضها أبو عبد اللّه الشيعي.

(101)

وأهلُه الذين قد كانوا معهلمّا مضى كلّهم لصلبهقد دخلوا في جملة الرعيةو كلهم له دعاة تسرييعرفهم في كل عصر وزمنوالاهم ، وكلُّ أوليائهمولم يكن يمنعني من ذكرهمو ليس لي بأن أقول جهراًوهم على الجملة كانوا استتروابل دخلوا في جملة السوادحتى إذا انتهى الكتاب أجلهبمنّه مفتاحَ قفل الدين                فقام بالاَمر ، وقاموا أربعةمستترين بعده بحسبهلشدة المحنة والرزيةودعوة في الناس كانت تجريوكل حين وأوان ، كلُّ مَنيعلم ما علم من أسمائهمإلاّ احتفاظي بمصون سرهم (1)ما كان قد أَُُدّي إليّ سرّاًو لم يكونوا إذ تولّوا ظهروالخوفهم من سطوة الاَعاديوصار أمر اللّه فيمن جعلهأيّده بالنصر والتمكين (2)

    و ممّا ينبغي إلفات القارىَ إليه انّ القاضي في كتابه « الاَُرجوزة المختارة » وإن ذكر في المقام استتار الاَئمة بعد رحيل الاِمام الصادق وهو يوافق عقيدة الاِسماعيلية ، لكنّه في مقام الرد والنقد ، رد على جميع الفرق الشيعية ماعدا الاِمامية الاثني عشرية ، فقد رد على مقالات الحريرية ، الراوندية ، الحصينية ، الزيدية ، الجارودية ، البترية ، المغيرية ، الكيسانية ، الكربية ، البيانية ، المختارية ، الحارثية ،

________________________________________

    1 ـ لوصحّ ما ذكره يجب على سائر الدعاة سلوك مسلكه وعدم التنويه بأسمائهم ، لكن المشهور خلافه ، ولعلّ الاختلاف في أسمائهم وسائر خصوصياتهم دفعه إلى هذا الاعتذار.

    2 ـ القاضي النعمان : الاَرجوزة المختارة : 191 ـ 192 ، والاَُرجوزة تبحث عن قضية الاِمامة منذ وفاة الرسول ، إلى عصره ، والظاهر أنّه ألّفها في عهد الخليفة الفاطمي الثاني القائم بأمر اللّه وكان حكمه من سنة 322 إلى 334 كما استظهر محقّق الكتاب.

________________________________________

(102)

العباسية ، الرزامية. و لم يردّ على الاِمامية بشيء فلو لم يكن المذهب الاثنا عشري مرضيّاً عنده لما فاته التعرض عليه ، كيف وهو من أعظم فرق الشيعة؟!

    وهذا يدل على أنّ الموَلف كان إمامياً اثني عشرياً ـ حسب رأي المحدّث النوري ـ ، ويعيش في حال التقية في عصر الخليفة الفاطمي المعزّ بدين اللّه في القاهرة ويجاريه ، وقد ألف دعائم الاِسلام ، الذي اعتمدت عليه الاِسماعيلية والاثنا عشرية ، وإنّما المهم هو كتاب « تأويل الدعائم » الذي انفرد المذهب الاِسماعيلي في الاعتماد عليه.ولعلّه كان هناك مبرر لتأليف هذا الكتاب وما ماثله واللّه العالم.

    و مع ذلك سيوافيك ما يخالف هذا الرأي في الفصل الثالث عشر ضمن ترجمة أبي حنيفة النعمان.

    إلى هنا تمت ترجمة سيرة الاَئمّة المستورين ، فلوجعلنا إسماعيل بن جعفر أوّل الاَئمّة ، فالاَئمّة المستورون خمسة وهم :

    1 ـ إسماعيل بن جعفر ، وقد عرفت أنّه لم تكن له أيّة دعوة ، وإنّما ذكرناه في هذه القائمة مجاراة للقوم.

    2 ـ محمد بن إسماعيل ، ولم تثبت عندنا له دعوة ، بل كان يتعاطى مع هارون الرشيد على ما عرفت.

    3 ـ عبد اللّه بن إسماعيل ، المعروف بالوفي.

    4 ـ الاِمام أحمد بن عبد اللّه ، المعروف بالتقي.

    5 ـ الحسين بن أحمد ، المعروف بالرضي.

    وعلى هذا فالاِمام السادس أعني عبيد اللّه المهدي ـ الذي خرج عن كهف الاستتار ، وأسّس دولة إسماعيلية بإفريقية ـ هو ابن الاِمام السابق ، أعني : الحسين بن أحمد ، وعلى ذلك جرى موَرخو الاِسماعيلية فيذكرونه ابناً للاِمام السابق ، ومع

 

________________________________________

(103)

ذلك ففي نسبه خلاف كما سيوافيك تفصيله.

    تتمة

    الموجود في كتب أنساب الطالبيين أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق لم يعقّب إلاّ من رجلين ، ولم يتعرّضوا لعبد اللّه بن محمد ، فضلاً عن أحمد بن عبد اللّه وولده الحسين.

    قال الرازي : ولمحمد بن إسماعيل هذا من الاَولاد المعقبين اثنان : إسماعيل الثاني ، وجعفر الاَكبر السلامي. (1)

    وقال أبو طالب الاَزوَرقاني : وعقّب محمد من رجلين : جعفر الاَكبر السلامي ، وإسماعيل الثاني. (2)

    وقال ابن عنبة : وأعقب محمد بن إسماعيل من رجلين : إسماعيل الثاني ، وجعفر الشاعر « السلامي ». (3)

    نعم ذكر الشهرستاني : انّ ثلاثة من أولاد محمد بن إسماعيل بقوا مستورين لا وقوف لاَحد عليهم : الرضي ، والوفي ، والتقي « قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيل » (4) ثمّ ظهر المهدي بالمغرب وبنى المهدية. (5)

    ولكن ما ذكره الشهرستاني رأي تفرّد به.

    ولذلك نرى أنّ بعض علماء الاَنساب جعل أئمّة الاِسماعيلية على الترتيب التالي :

________________________________________

    1 ـ الرازي : الشجرة المباركة : 101.

    2 ـ أبو طالب الاَزورقاني : الفخري في انساب الطالبيين : 23.

    3 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 234.

    4 ـ الكهف : 22.

    5 ـ الرازي : الشجرة المباركة : 103.

________________________________________

(104)

    1 ـ إسماعيل بن الاِمام جعفر الصادق.

    2 ـ محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، المعروف بالمكتوم.

    3 ـ ابنه : جعفر بن محمد السلامي ، المعروف بالمصدق.

    4 ـ ابنه : محمد بن جعفر ، المعروف بالحبيب. (1)

    5 ـ ابنه : عبيد اللّه المهدي ابن محمد الحبيب ، وعليه يكون المهدي الاِمام الخامس.

    وفي بعض الروايات انّه ابن جعفر بن الحسن بن الحسن ، بن محمد بن جعفر الشاعر السلامي بن محمد بن إسماعيل. (2)

________________________________________

    1 ـ ابن عنبة : عمدة الطالب : 235 ـ 236.

    2 ـ أُنظر تراجم محمد المكتوم ، جعفر المصدق ، محمد الحبيب في الاَعلام : 6/34 ، 2/126 ، 6/70 نقلاً عن اتعاظ الحنفاء بأخبار الاَئمة الفاطميين الخلفاء.

________________________________________

(105)

الفصل السادس

في

الاَئمة الظاهرين

 

________________________________________

(106)

________________________________________

(107)

الاِمام السادس

عبيد اللّه المهدي

(260 ـ 322 هـ)

    الاِمام عبيد اللّه الملقب بالمهدي ، هو موَسس الدولة الاِسماعيلية في المغرب.

    ولد بسلمية التي هي بلدة بالشام من اعمال حمص عام 260 ـ 259 ودعي له بالخلافة على منابر : رقادة ، والقيروان ، يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة 289 هـ ، فخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العباس ، وبنى البلدة المعروفة بـ « المهدية » وتوفي بها عام 322 هـ .

    إذا سبرنا التاريخ نجد أنّ الموَرخين ، وأصحاب المعاجم ، لا يمسّون إسماعيل ولا الاَئمّة الذين تلوه بكلمة مشينة ، وإنّما يذكرونهم كسائر الفرق فلهم مالهم وعليهم ما عليهم ، فلما وصل الاَمر إلى عبيد اللّه الذي أسس دولة شيعية في المغرب و تعاقب على حكمها خلفاء تمكنوا من إرساء دعائمها وتقوية مرتكزاتها ، ثارت ثائرة السنّة المعاندين ، وأخذوا يصبّون عليهم قوارع الكلم ، ويرمونهم بأفظع النسب والتهم ، ممّا يندى لها الجبين ، والذي دعاهم لذلك أمران :

    الاَوّل : عداوَهم السياسي ، فهوَلاء الخلفاء أخرجوا المغرب ومصر والشامات من قبضة الخليفة ببغداد ، مما حرض البلاط العباسي ووعاظ الخلفاء على سبّهم والطعن في نسبهم ، وانّ نسب عبد اللّه المهدي لا يصل إلى آل علي ، بل إلى مجوسي أو يهودي.

 

________________________________________

(108)

    الثاني : بغضهم للشيعة ، فلقد قام الخلفاء الفاطميون بتأسيس دولة إسلامية شيعية ، لاَوّل مرة في أقصاع كبيرة من الاَرض وأشاعوا فيها التشيع ، وحب أهل البيت ، وأمروا بإدخال « حي على خير العمل » في الاَذان ، وترك بعض البدع ، كإقامة صلاة التراويح جماعة وغيرها ، ممّا حدا بالمتعصبين من أهل السنّة كالذهبي ، ومن لف لف هـ الذي كان لا يقيم للاَشاعرة من أهل العقائد ولا لغير الحنابلة من أهل الفقه وزناً ولا قيمة ، فكيف للشيعة المنزهة للّه سبحانه عن الجسم ولوازم هـ أن يسبّهم ويتّهمهم بتهم رخيصة ، وانّهم من عناصر يهودية قلبوا الاِسلام ظهراً لبطن.

    فما نرى في كتب التاريخ والمعاجم حول نسب عبيد اللّه المهدي ، ك ـ « وفيات الاَعيان » لابن خلكان ، وسير أعلام النبلاء للذهبي وغيرهما لا يمكن الاعتماد عليها والوثوق بها ، لاَنّها وليدة أجواء العداء السياسي ، والاختلاف المذهبي ، اللّذين يعميان ويصمان.

    نعم هناك من رد تلك التهم المشينة من الموَرخين برحابة صدر كابن خلدون في مقدمته ، والمقريزي في خططه.

    يقول ابن خلدون : أوّلهم عبيد اللّه المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق (1) بن محمد المكتوم بن (2) جعفر الصادق ، ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم ، وشهد فيه أعلام الاَئمّة ، وقد مرّ ذكرهم. فإنّ كتاب المعتضد

________________________________________

    1 ـ هو جعفر الاَكبر السلامي ، ولد محمد بن إسماعيل ابن الاِمام الصادق (عليه السّلام) و ربما يعبر عنه بالمصدق ليتميز عن جدّه الاِمام الصادق (عليه السّلام).

    2 ـ سقط عن الطبع : ابن إسماعيل بن جعفر الصادق ، أُنظر عمدة الطالب : 235 ، وقد ذكر ابن خلدون نفسه في مكان آخر نسبه وقال : لما توفّي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الاِمام عهد إلى ابنه عبيد اللّه وقال : أنت المهدي ... التاريخ 4/44.

________________________________________

(109)

إلى ابن الاَغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه ، لمّا سار إلى المغرب ، شاهد بصحة نسبه ، وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك. والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع وهي ما علمت ، و قد كان نسبهم ببغداد منكراً عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة ، فتلون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنّها شهادة على النفي ، مع أنّ طبيعة الوجود في الانقياد إليهم ، وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحّة نسبهم.

    وأمّا من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمونَ القدح وغيره ، فكفاه ذلك إثماً و سفسفة. (1)

    ثمّ إنّ تقي الدين المقريزي بعد ما نقل أقوال المخالفين في حقّ عبيد اللّه المهدي ـ حيث إنّهم وصفوه تارة بأنّه ابن مجوسي ، وأُخرى أنّه ابن يهودي ـ أخذ بالقضاء العادل وقال :

    وهذه أقوال إن أنصفت تبيّن لك أنّها موضوعة ، فإنّبني علي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عن هـ قد كانوا إذ ذاك على غاية من وفور العدد وجلالة القدر عند الشيعة ، فما الحامل لشيعتهم على الاِعراض عنهم والدعاء لابن مجوسيّ أو لابن يهودي؟! فهذا ممّا لا يفعله أحد ولو بلغ الغاية في الجهل والسخف ، وإنّما جاء ذلك من قبل ضَعَفة خلفاء بني العباس عندما غصوا بمكان الفاطميّين ، فإنّهم كانوا قد اتصلت دولتهم نحواً من مائتين وسبعين سنة ، وملِكوا من بني العباس بلاد المغرب ومصر والشام وديارَ بكر والحرمين واليمن ، وخطب لهم ببغداد نحو أربعين خطبة وعجزت عساكر بني العباس عن مقاومتهم.

    فلاذت حينئذٍ بتنفير الكافة عنهم بإشاعة الطعن في نسبهم ، وبث ذلك عنهم خلفاوَهم وأعجب به أولياوَهم وأُمراء دولتهم الذين كانوا يحاربون عساكر الفاطميين كي يدفعوا بذلك عن أنفسهم وسلطانهم معرّة العجز عن مقاومتهم ،

________________________________________

    1 ـ ابن خلدون : التاريخ : 4/40.

________________________________________

(110)

و دفعهم عمّا غُلِبُوا عليه من ديار مصر ، والشام والحرمين حتى اشتهر ذلك ببغداد ، وأسجل القضاة بنفيهم من نسب العلويين ، وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة منهم الشريفان الرضي والمرتضى (1) وأبو حامد الاسفرائيني والقدوري في عدّة وافرة عندما جمعوا لذلك في سنة اثنتين وأربعمائة أيام القادر.

    وكانت شهادة القوم في ذلك على السماع لما اشتهر ، وعرف بين الناس ببغداد وأهلها من شيعة بني العباس ، الطاعنون في هذا النسب ، والمتطيّرون من بني علي ابن أبي طالب ، الفاعلون فيهم منذ ابتداء دولتهم الاَفاعيل القبيحة ، فنقل الاَخباريون وأهل التاريخ ذلك كما سمعوه ، ورووه حسب ما تلقوه من غير تدبّر ، والحقّ من وراء هذا.

    وكفاك بكتاب المعتضد من خلائف بني العباس حجة ، فإنّه كتب في شأن عبيد اللّه إلى ابن الاَغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة (2) بالقبض على عبيد اللّه ، فتفطّن ـ أعزك اللّ هـ لصحّة هذا الشاهد ، فإنّ المعتضد لولا صحّة نسب عبيد اللّه عنده ما كتب لمن ذكرنا بالقبض عليه ، إذ القوم حينئذٍ لا يَدْعون لِدعيّ البتة ولا يذعنون له بوجه ، وإنّما ينقادون لمن كان علوّياً ، فخاف ممّا وقع ، ولو كان عنده من الاَدعياء ، لما مرّ له بفكر ولا خافه على ضيعة من ضياع الاَرض.

    وإنّما كان القوم ، أعني : بني علي بن أبي طالب ، تحتَ ترقّب الخوف من بني العباس لتطلّبهم لهم في كلّ وقت ، وقصدهم إيّاهم دائماً بأنواع من العقاب ، فصاروا ما بين طريد شريد ، وبين خائف يترقّب ، ومع ذلك فإنّ لشيعتهم الكثيرة المنتشرة في أقطارهم من المحبة لهم ، والاِقبال عليهم مالا مزيد عليه ، وتكرّر قيام

________________________________________

    1 ـ سيوافيك كلام الرضي الذي نقله ابن أبي الحديد في شرحه.

    2 ـ سجلماسة مدينة انشئت سنة 140 هـ ، وتقع في محلة تافيلات اليوم في طرف صحراء المغرب على بعد حوالي 325 كلم إلى الجنوب الشرقي لمدينة فاس ، عمرها بربر مكناسة ، ولمّا تولاّها اليسع بن سمغون المكناسي أحاطها بسور وبنى بها عدّة مصانع و قصور ، وقد استمر عمران هذه المدينة إلى القرن العاشر الهجري. (دولة التشيع في بلاد المغرب : 109).

(111)

الرجال منهم مرّة بعد مرّة والطلب عليهم من ورائهم ، فلاذوا بالاختفاء ولم يكادوا يُعْرفُون ، حتى تسمّى محمد بن إسماعيل الاِمام جدُ عبيد اللّه المهدي بالمكتوم ، سمّ ـ اه بذلك الشيعة عند اتّفاقهم على إخفائه ، حذراً من المتغلّبين عليهم ، وكانت الشيعة فرقاً.

    فمنهم من كان يذهب إلى أنّ الاِمام من ولد جعفر الصادق هو إسماعيل ابنه ، وهوَلاء يعرفون من بين فرق الشيعة بالاِسماعيلية من أجل انّهم يرون أنّ الاِمام من بعد جعفر ابنه إسماعيل ، وانّ الاِمام بعد إسماعيل بن جعفر الصادق هو ابنه محمد المكتوم ، وبعد ابنه محمد المكتوم ، ابنه جعفر الصادق (1) ومن بعد جعفر الصادق ، ابنه محمد الحبيب ، وكانوا أهل غلو في دعاويهم في هوَلاء الاَئمّة.

    وكان محمد بن جعفر هذا يوَمل ظهوره وانّه يصير له دولة ، وكان باليمن من أهل هذا المذهب كثير بعدن وبإفريقية وفي كتامة و نفره ، تلقوا ذلك من عهد جعفر الصادق ، فقدم على محمد (الحبيب) بن جعفر والد عبيد اللّه رجل من شيعته باليمن فبعث معه الحسن بن حوشب في سنة ثمان وستين ومائتين ، فأظهرا أمرهما باليمن ، وأشهرا الدعوة في سنة سبعين ، وصار لابن حوشب دولة بصنعاء ، وبثّ الدعاة بأقطار الاَرض ، وكان من جملة دعاته أبو عبد اللّه الشيعي ، فسيّره إلى المغرب فلقي كتامة ودعاهم ، فلمّا مات محمد (الحبيب) بن جعفر عهد لابنه عبيد اللّه فطلبه المكتفي العباسي وكان يسكن عسكر مكرم ، فسار إلى الشام ، ثمّ سار إلى المغرب فكان من أمره ما كان ، وكانت رجال هذه الدولة الذين قاموا ببلاد المغرب وديار مصر أربعة عشر رجلاً.

    هذه خلاصة أخبارهم في أنسابهم ، فتفطّن ولا تغتر بزخرف القول الذي لفّقوه من الطعن فيهم ، واللّه يهدي من يشاء. (2)

________________________________________

    1 ـ كان التعبير بالمصدَّق.

    2 ـ المقريزي : الخطط : 1/348 ـ 349.

________________________________________

(112)

    ولا يظن القارىَ الكريم انّ الكاتب بصدد الدفاع عن عقيدتهم وأُصولهم ، وما اقترفوه من الاَعمال الشنيعة كسائر الخلفاء وا لملوك ، وإنّما الهدف إيقاف القارىَ على بَخس حملة الاَقلام لحق هوَلاء ، ولو كان لآل البيت حرية ولم يكن لهم اضطهاد لما التجأوا إلى ترك أوطانهم والهجرة إلى أقاصي البلاد هرباً ممّا يحيط بهم من الاَخطار.

    ونعم ما قال العزيز باللّه أحد الخلفاء الفاطميين :

نحن بنو المصطفى ذوو مَحنعجيبة في الاَيام محنَتنايفرح هذا الورى بعيدهم              أوّلنا مبتلى وخاتمنايجرعها في الحياة كاظمناطرّاً وأعيادنا مآتمنا (1)

    إنّ الباطل إذا خلص من شائبة الحق ، لا يمكن أن يدوم 272 سنة حاكماً ، 208 أعوام منها على مصر ، وعلى مساحات شاسعة من المغرب والشام والعراق ، فلم تكن الدعوة إلحادية ، ولا مجوسية ، ولا يهودية ، بل دعوة إسلامية على نهج آل البيت ، لكنّهم ضلّوا في الطريق ، فأخذوا ببعض وتركوا بعضاً.

    أضف إلى ذلك انّ الناس بايعوا الحاكم باللّه الاِمام الحادي عشر وهو ابن خمس وستين سنة ممّا يدلّل على أنّ قلوب الاَُمّة كانت تهوي إليهم لمّا شاهدوا بأمّ أعينهم من إشاعة للعدل وعمران للبلاد ، وبسط للثقافة وأمن للطرق.

    وأمّا ما نسب المقريزي إلى الشريف الرضي من أنّه وافق القوم في نفي انتسابهم إلى البيت العلوي فيصفه ابن أبي الحديد ويقول :

    « ذكر أبو الحسن الصابي وابنه غرس النعمة محمد في تاريخهما : أنّ القادر باللّه عقد مجلساً أحضر فيه الطاهر أبا أحمد الموسوي ، وابنه أبا القاسم المرتضى وجماعةمن القضاة والشهود والفقهاء ، وأبرز إليهم أبيات الرضي أبي الحسن التي

________________________________________

    1 ـ الذهبي : سير الاَعلام : 15/167 ـ 168.وسيوافيك أيضاً في ترجمته ، فانتظر.

________________________________________

(113)

أوّلها :

ما مقامي على الهَوان وعنديو إباء مُحلِّقٌ بي عن الضيأي عذر له إلى المجد إن ذأحمل الضيمَ في بلاد الاَعاديمن أبوه أبي ، ومولاه مولالفَّ عِرقي بِعِرْقِه سيدا النا             مِقْول صارِم وأنف حَمِيّــم كما زاغَ طائر وحشيّل غلام في غمده المشرفيّو بمصر الخليفةُ العلويي إذا ضامني البعيدُ القصيّس جميعاً محمد وعليّ

    وقال القادر للنقيب أبي أحمد : قل لولدك محمد : أيَّ هوان قد أقام عليه عندنا؟! أيّ ضيم لقي من جهتنا؟! وأي ذُلّ أصابه في مملكتنا؟! وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه؟! أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟! ألم نولِّه النقابة؟! ألم نولِّه المظالم؟! ألم نستخلفه على الحرمين والحجاز ، وجعلناه أمير الحجيج؟! فهل كان يحصل له من صاحب مصر أكثر من هذا؟! ما نظنّه كان يكون لو حصل عنده إلاّ واحداً من أبناء الطالبيين بمصر.

    فقال النقيب أبو أحمد : أمّا هذا الشعر فممّا لم نسمعه منه ، ولا رأيناه بخطه ، ولا يبعد أن يكون بعضُ أعدائه نَحله إيّاه ، وعزاه إليه.

    فقال القادر : إن كان كذلك ، فلتكتب الآن محضراً يتضمن القدح في أنساب ولاة مصر ، ويكتُب محمد خطَه فيه. فكتب محضراً بذلك ، شهد فيه جميع من حضر المجلس ، منهم النقيب أبو أحمد ، وابنه المرتضى ، وحمل المحضر إلى الرضي ليكتب خطّه فيه ، حَمَله أبوه وأخوه ، فامتنع من سطر خطه ، وقال : لا أكتب وأخاف دعاة صاحب مصر ، وأنكر الشعر ، وكتب خطه وأقسم فيه أنّه ليس بشعره ، وأنّه لا يعرفه. فأجبره أبوه على أن يكتب خطّه في المحضر ، فلم يفعل ، وقال : أخاف دعاة المصريين وغيلت هـ م لي فانّهم معروفون بذلك ، فقال أبوه :

 

________________________________________

(114)

يا عجباه ، أتخاف من بينك وبينه ستمائة فرسخ ، ولا تخاف من بينك وبينه مائة ذراع؟! وحلف ألاّ يكلّمه ، وكذلك المرتضى ، فعلا ذلك تقية وخوفاً من القادر ، وتسكيناً له.

    و لمّا انتهى الاَمر إلى القادر سكتَ على سوءٍ أضمره ، وبعد ذلك بأيام صرفه عن النقابة ، وولاّها محمد بن عمر النهر السايسي. (1)

 

ذهاب عبيد اللّه إلى إفريقية

    لمّا تمكن أبو عبد اللّه واستقر أمره مهّد الطريق لاِمامة عبيد اللّه المهدي ، فبعثَ برجال من كتامة إلى سلمية في أرض الشام ، فقدِموا على عبيد اللّه وأخبروه بما فتح اللّه عليه ، وكان قد اشتهر هناك انّالخليفة المكتفي طلبه ، فخرج من سلَمية فارّاً ومعه ابنه أبوالقاسم نزّار ، ومعهما أهلهما فأقاما بمصر مستقرين ، ثمّسار إلى طرابلس وقد سبقَ خبره إلى « زيادة اللّه » فسار إلى قسطيلية فقدم كتاب « زيادة اللّه » ابن الاَغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد اللّه وقد فاتهم ، فلم يدركوه ، فرحل إلى سجلماسة وأقام بها ، فوافى عامله على سجلماسة كتاب زيادة اللّه ، بالقبض على عبيد اللّه فلم يجد بداً من أن قبض عليه وسجنه. فلمّا دخل شهر رمضان سار أبو عبد اللّه من رقادة في جيوش عظيمة يريد سجلماسة ، فحاربه اليسع يوماً كاملاً إلى الليل ثمّ فر عاملها في خاصته ، فدخل أبو عبد اللّه من الغد إلى البلد وأخرج عبيد اللّه وابنه ومشى في ركابهما بجميع روَساء القبائل ، وهو يقول للناس : هذا مولاكم ، وهو يبكي من شدة الفرح حتى وصل بهما إلى فسطاط وأقاما فيها أربعين يوماً ، ثمّ سار إلى إفريقية في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ونزل برقادة ، وقسّم على وجوه كتامة أعمال إفريقية. (2)

________________________________________

    1 ـ شرح نهج البلاغة : 1/37 ـ 39.

    (2)2 ـ المقريزي : الخطط المقريزية : 1/350 ، دار صادر؛ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 2/192.

________________________________________

(115)

    ولكن العجب انّ عبيد اللّه جزى أبا عبد اللّه الشيعي جزاء السنمار ، وذلك انّ المهدي لما استقامت له البلاد ، ودانت له العباد ، وباشر الاَُمور بنفسه وكف يد أبي عبد اللّه ويد أخيه أبي العباس ، داخل أبا العباس الحسد وعظم عليه الفطام عن الاَمر والنهي والاَخذ والعطاء ، فأقبل يزري على المهدي في مجلس أخيه ويتكلّم فيه وأخوه ينهاه ولا يرضى فعله فلا يزيده ذلك إلاّلجاجاً ، ولم يزل حتى أثّر في قلب أخيه وكلّ ذلك يصل إلى المهدي وهو يتغافل ، ثمّ صار أبوالعباس يقول : إنّ هذا ليس الذي كنّا نعتقد طاعتَه وندعو إليه ، لاَنّ المهدي يختم بالحجة ويأتي بالآيات الباهرة ، فأخذ قوله بقلوب كثير من الناس ، منهم إنسان في كتامة يقال له شيخ المشايخ ، فواجه المهدي بذلك وقال : إن كنت المهدي ، فأظهر لنا آية فقد شككنا فيك ، فقتله ، فخافه أبو عبد اللّه و علم أنّ المهدي قد تغيّر عليه واتّفق هو وأخوه ومن معهما على الاجتماع عند أبي زاكي وعزموا على قتل المهدي ، واجتمع معهم قبائل كتامة إلاّقليلاً منهم وكان معهم رجل يظهر أنّه منهم وينقل ما يجري إلى المهدي.

    فلمّا وقف المهديّ على أمرهم حاربهم وأمر رجالاً معه أن يرصدوا أبا عبد اللّه وأخاه أبا العباس ويقتلوهما. (1)

    ولكن الاِسماعيلية تنكر ذلك ، وتقول : وهذه الاَقوال لا يقرّها المنطق ، ولا يمكن أن يصدّقها العقل ، فلو كان أبو عبد اللّه الشيعي يبغي الخلافة لنفسه لكان باستطاعته أن يحصل عليها قبل قدوم الاِمام محمد المهدي إلى إفريقية عندما كانت جيوشه يربو عددها على المائة ألف مقاتل بينما كان الاِمام المهدي في الرملة بطريقه إليه.

    ثمّ يقول : إنّ أبا عبد اللّه الشيعي قضى آخر أيّامه بقرب الاِمام مخلِصاً له

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل في التاريخ : 8/50 ـ 53 ، دار صادر.

________________________________________

(116)

حتّى أدركته الوفاة ، فدفن باحتفال مهيب وصلّى عليه الاِمام المهدي. (1)

    ولكن فات الكاتب أنّ أبا عبد اللّه الشيعي وإن كان لا يبغي الخلافة لنفسه لفقدانه الرصيد الشعبي ، ومع ذلك كان يتطلع للمشاركة في الاَُمور ، وقد حال المهدي دون ذلك ، فعند ذلك ثارت ثائرته. وتآمر على إمامه.

    ثمّ إنّ هناك نكتة أُخرى هامة وهي أنّالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبر عن خروج المهدي في آخر الزمان ، وانّه يملك الشرق والغرب ، ويجري القسط والعدل بين الناس ، فاتخذ المهدي هذا الخبر الذائع الصيت ذريعة لاستقطاب الناس حوله ، وقد سمّى نفسه محمّداً ، ولقب نفسه بالمهدي فتقمّص أوصاف المهدي الذي أخبر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ليتخذها وسيلة لتحقيق مآربه وانّه مفترض الطاعة.

    وقد مات عبيد اللّه في ليلة الثلاثاء منتصف شهر ربيع الاَوّل سنة 322 هـ بالمهدية في القيروان عن ثلاث وستين سنة ، وكانت خلافته أربعاً وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً ، وقام بعده ابنه.

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 183.

________________________________________

(117)

الاِمام السابع

القائم بأمر اللّه

(280 ـ 334 هـ)

    ولد الاِمام القائم بأمر اللّه ، ابن الاِمام عبيد اللّه المهدي ، في محرم سنة 280 هجرية « بالسلَمية » ، وارتحل مع أبيه الاِمام محمد المهدي إلى المغرب ، وعَهد إليه بالاِمامة من بعده حسب الاَُصول الاِسماعيلية ، فاقتفى إثر أبيه وخطا خطاه ، ونهج نهجه ، وعمل جاهداً على تعزيز وازدهار الدعوة الاِسماعيلية ، وتعميمها في جميع البلدان والاَقاليم ، ووجّه اهتمامَه الزائد لتنظيم وتقويةَ البحرية الاِسماعيلية ، فشكل اسطولاً عظيماً ، تمكن بواسطته من قهر العصابات البحرية المالطية ، التي كانت تأتي بأعمال القرصنة لغزو البلاد الاِسماعيلية ، وقيامهم بأعمال النهب والسلب والتخريب.و احتلَّ الاسطول الاِسماعيلي « جنوه » و « لونبارتي » و « غرناطة » وغيرها من البلاد الايطالية التي كانت خاضعة لحكم الروم ، كما فتح الاِسماعيلية جزيرة « صقليا ». (1)

    يقول المقريزي : كان اسمه بالمشرق عبد الرحمان فتسمى في بلاد المغرب بمحمد ، فلما فرغ من جميع ما يريده وتمكّن ، أظهر موتَ أبيه ، واستقلّ بالاَمر وله سبع وأربعون سنة ، وتبع سيرة أبيه ، وثار عليه جماعة فظفر بهم ، وبثَّ جيوشَه في البرّ والبحر فسبَوا وغَنِمُوا من بلد « جنوه » وبعث جيشاً إلى مصر فملكوا

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 184.

________________________________________

(118)

الاسكندرية ، والاخشيد يومئذٍ أمير مصر ، فلما كان في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة خرج عليه أبو يزيد مخلد بن كندار النكاري الخارجي بإفريقية ، واشتدّت شوكتُه وكثرت أتباعه ، وهزمَجيوشَ القائم غير مرة ، وكان مذهبه تكفير أهل الملّة ، وإراقة دمائهم ديانة ، فملك « باجه » وحرّقها ، وقتل الاَطفال ، وسبى النسوان ، ثمّملك القيروان ، فاضطرب القائم ، وخاف الناس ، وهمّوا بالنقلة من « زويلة » وقوى أمر أبي يزيد ونازل المهدية وحصر القائم بها ، وكاد أن يغلب عليها ، فلما بلغ المصلّى حيث أشار المهدي أنّه يصل ، هزمه أصحاب القائم وقتلوا كثيراً من أصحابه ، وكانت له قصص وأنباء ، إلى أن مات القائم لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، عن أربع وخمسين سنة وتسعة أشهر ، ولم يرق منبراً ، ولا ركب دابّة لصيدٍ مدّة خلافته حتى مات ، وصلى مرّةً على جنازةٍ ، وصلى بالناس العيدَ مرة واحدة ، وكانت مدّة خلافته اثنتي عشرة سنة وستة أشهر وأيّاماً ، و ترك أبا الظاهر إسماعيل ، وأبا عبد اللّه جعفر أو حمزة ، وعدنان ، وعدّة أُخر ، وقام من بعده ابنه. (1)

    يقول الجزري في حوادث سنة (334) : وفي هذه السنة توفي القائم بأمر اللّه ، أبو القاسم محمد بن عبد اللّه المهدي العلوي صاحب إفريقية ، لثلاث عشرة مضت من شوال ، وقام بالاَمر بعده ابنه إسماعيل ، وتلقّب المنصور باللّه ، وكتم موته (2) خوفاً أن يعلم بذلك أبو يزيد ، وهو بالقرب منه على « سوسة » وأبقى الاَُمور على حالها ، ولم يتسمّ بالخليفة ، ولم يغير السكّة ، ولا الخطبة ، ولا البنود ، وبقي على ذلك إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد ، فلما فرغ منه أظهر موته ، وتسمّى بالخلافة ، وعمل آلات الحرب والمراكب ، وكان شهماً شجاعاً ، وضبط الملك والبلاد. (3)

________________________________________

    1 ـ المقريزي : كتاب الخطط المقريزية : 351 ، دار صادر.

    2 ـ كسيرة أبيه في حقّ المهدي.

    3 ـ الجزري : الكامل في التاريخ : 8/455 ، دار صادر.

________________________________________

(119)

    وقد ذكره الذهبي السلفي وبالغ في ذمه ، وسلك في ترجمته نفس ما سلكه في ترجمة أبيه ، ولاَجل ذلك تركنا النقل عنه ، ومن أراد الوقوف عليه فليرجع إلى كتابه. (1)

________________________________________

    1 ـ الذهبي : سير أعلام النبلاء : 15/151 ، موَسسة الرسالة.

________________________________________

(120)

الاِمام الثامن

الاِمام المنصور باللّه

(303 ـ 346 هـ)

    ولد الاِمام المنصور باللّه ، إسماعيل بن الاِمام القائم بـ « المهدية » في أوّل جمادى الآخرة سنة 303 هـ ، وقيل : ولد بالقيروان سنة 302 هـ ، تسلّم شوَون الاِمامة بعد وفاة أبيه سنة 334 هـ ، وكان سياسيّاً عظيماً ، ومحارباً قديراً ، وخطيباً من أفصح الخطباء وأبلغهم. (1)

    وقال المقريزي : جدّ في حرب أبي يزيد حتى ظفر به وحمل إليه فمات من جراحات كانت به ، سلخ المحرّم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ولم يزل المنصور إلى أن مات سلخ شوال سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة عن إحدى وأربعين سنة وخمسة أشهر ، وكانت مدّة خلافته ثمان سنين وقيل سبع سنين وعشرة أيّام ، وقد اختلف في تاريخ ولادته فقيل : ولد أوّل ليلة من جمادى الآخرة سنة 303 هـ بالمهدية ، وقيل : بل ولد في سنة اثنتين وقيل : سنة إحدى وثلاثمائة ، وكان خطيباً بليغاً يرتجل الخطبة لوقته شجاعاً عاقلاً ، وقام من بعده ابنه. (2)

    يقول الموَرخ المعاصر : وما زال أبو يزيد هارباً والجيوش تلاحقه حتى التجأ إلى جبل البربر ، وجمع خلقاً كثيراً لمقابلة جيش الاِمام المنصور ، ولكنّه هزم ،

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 189.

    2 ـ المقريزي : الخطط : 1/351 ، دار صادر.

(121)

فأدركه أحد الاَُمراء الاِسماعيليين وقبض عليه وساقه إلى الاِمام المنصور ، وكان ذلك سنة 336 هجرية ، فقتله وأمر الاِمام أن تبنى مدينة « المنصورية » تيمّناً بذلك الانتصار العظيم ، ثمّ عاد الاِمام إلى المهدية في شهر رمضان عام 336 هجرية ، فعهد بالاِمامة من بعده لولده المعز لدين اللّه ، وتوفي يوم الاَحد في الثالث والعشرين من شوال سنة 346هجرية ، ودفن جسده الطاهر في مدينة المنصورة ، وقيل كانت وفاته سنة 343 هجرية ودفن بالمهدية. (1)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 190.

________________________________________

(122)

الاِمام التاسع

المعزّ لدين اللّه

موَسس الدولة الفاطمية في مصر

(319 ـ 365 هـ)

    وهو أوّل خليفة فاطمي ملك مصر وخرج إليها ، وكان مغرىً بالنجوم ويعمل بأقوال المنجمين ، وكان المعز عالماً ، فاضلاً ، جواداً ، شجاعاً ، جارياً على منهاج أبيه في حسن السيرة ، وإنصاف الرعية ، وستر ما يدعون إليه إلاّ عن الخاصة ، ثمّ أظهره وأمر الدعاة بإظهاره إلاّ أنّه لم يخرج فيه إلى حد يذم به. (1)

    يقول المقريزي : المعز لدين اللّه أبو تميم ، « معد » ولد للنصف من رمضان سنة 319 هـ فانقاد إليه البربر وأحسن إليهم ، فعظم أمره واختص من مواليه ، « بجوهر » وكنّاه بأبي الحسين ، وأعلى قدره ، وسيّره في رتبة الوزارة ، وعقدَ له على جيش كثيف ، فدوّخ المغرب ، وافتتح مدناً ، وقهر عدّة أكابر وأسّ ـ رهم ، حتى أتى البحر المحيط الذي لا عمارة بعده ، ثمّ قدم غانماً مظفراً ، فعظم قدرُه عند المعزّ ، ولما وصل الخبر إلى المعز بموت كافور الاِخشيدي صاحب مصر أخذ في تجهيز جوهر بالعساكر إلى أخذ ديار مصر حتى تهيأ أمره ، وبرز للمسير ، فلمّا ثبتت قدم جوهر بمصر ، عزم المعز على المسير إلى مصر أجال فكره فيمن يخلفه في بلاد المغرب ، فوقع اختياره على « يوسف بن زيري الصنهاجي » ، وقال له : تأهب

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل في التاريخ : 8/664.

________________________________________

(123)

لخلافة المغرب ، فأكبر ذلك وقال : يا مولانا أنت وآباوَك الاَئمة من ولد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما صفا لكم المغرب فكيف يصفو لي وأنا صنهاجيّ بربريّ؟! قتلتني يا مولانا بغير سيف ولا رمح. فما زال به المعز حتى أجاب.

    فلمّا ملك جوهرُ مصر بادر حسن بن جعفر الحسني بالدعاء للمعز في مكة ، وبعث إلى « جوهر » بالخبر ، فسيّر إلى المعزّ يعرّفه بإقامة الدعوة له بمكة ، فأنفذ إليه بتقليده الحرم وأعماله ، وسار المعز بعساكره من المغرب حتى نزل بالجيزة ، فعقد له جوهر جسراً جديداً عند المختار بالجزيرة ، فسار إليه وقد زيّنت له مدينة الفسطاط فلم يشقها ، ودخل إلى القاهرة بجميع أولاده وإخوته وسائر أولاد عبيد اللّه المهدي ، وذلك لسبع خلون من رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة ، فعندما دخل القصر صلّى ركعتين ، وأمر فكتب في سائر مدن مصر : خير الناس بعد رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمير الموَمنين علي بن أبي طالب ، وأثبت اسم المعزّ لدين اللّه واسم أبيه عبد اللّه الاَمير ، وجلس في القصر على سرير الذهب ، وصلّى بالناس صلاة عيد الفطر في المصلّى ، وركب لفتح خليج مصر يوم الوفاء وعمل عيد غدير خم. وقدمت القرامطة إلى مصر فسير إليهم الجيوش وهزموهم ، ومازال إلى أن توفي من علة اعتلّها بعد دخوله إلى القاهرة بسنتين وسبعةأشهر وعشرة أيّام وعمره خمس وأربعون سنة وستة أشهر تقريباً ، فإنّ مولده بالمهدية في حادي عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وثلاثمائة (1) ووفاته بالقاهرة لاَربع عشرة خلت من ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة ، وكانت مدّة خلافته بالمغرب وديار مصر ثلاثاً وعشرين سنة وعشرة أيّام وهو أوّل الخلفاء الفاطميين بمصر وإليه تنسب القاهرة المعزية ، لاَنّ عبده « جوهراً » القائد بناها حسب ما رسم له.

    وكان المعز عالماً ، فاضلاً ، جواداً ، أحسن السيرة منصفاً للرعية ، مغرماً بالنجوم ، أُقيمت له الدعوة بالمغرب كله وديار مصر والشام والحرمين وبعض

________________________________________

    1 ـ وقد أرخ ميلاده عارف تامر ب ـ 347 وهو خطأ واضح.

________________________________________

(124)

اعمال العراق ، وقام من بعده ابنه العزيز باللّه أبو منصور نزار. (1)

    يقول ابن خلكان : وكان المعز عاقلاً ، حازماً ، سرياً ، أديباً ، حسن النظر في النجامة ، وينسب إليه من الشعر قوله :

للّه ما صنعت بناأمضي وأقضي في النفوولقد تعبت ببينكم                 تلك المحاجر في المعاجرس من الخناجر في الحناجرتعب المهاجر في الهواجر

    و ينسب إليه أيضاً :

اطلع الحسن من جبينك شمساو كأن الجمال خاف على الور             فوق ورد في وجنتيك اطلاد جفافاً فمد بالشعر ظلا

    و هو معنى غريب بديع. (2)

    و يقول في موضع آخر : ملك المعز أبو تميم معد بن المنصور العبيدي الديار ا لمصرية على يد القائد جوهر ، وجاء المعزّ بعد ذلك من إفريقية ، وكان يُطعن في نسبه ، فلمّا قرب من البلد وخرج الناس للقائه ، اجتمع به جماعة من الاَشراف ، فقال له من بينهم ابن طباطبا : إلى من ينتسب مولانا؟ فقال له المعزّ : سنعقد مجلساً ونجمعكم ونسرد عليكم نسبنا. فلمّا استقر المعز بالقصر جمع الناس في مجلس عام وجلس لهم ، و قال : هل بقي من روَسائكم أحد؟ فقالوا : لم يبق معتبر ، فسلّ عند ذلك نصف سيفه وقال : هذا نسبي ، ونثر عليهم ذهباً كثيراً ،

________________________________________

    1 ـ وفيات الاَعيان : 5/224. المقريزي : كتاب الخطط المقريزية : 1/352 ـ 354 ، دار صادر. ومن الغريب أنّ المقريزي ذكر ولادة المعز سنة 317 تارة وأُخرى بسنة 319 ، وقد اعتمدنا في تعيين سنة ولادته على نقل ابن خلكان.

    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/228.

________________________________________

(125)

وقال : هذا حسبي ، فقالوا جميعاً : سمعنا وأطعنا. (1)

    لا شكّ انّ عصر المعز لدين اللّه من العصور الذهبية للاِسماعيلية حيث أصبحت مصر داراً للخلافة ، وأصبح الاِمام المعز أوّل خليفة فاطمي فيها ، فعمل على ترقية العلوم والثقافة ، وأمر ببناء الجامع الاَزهر ، وجعله داراً للعلوم ومنهلاً للثقافة والفكر ، وشجّع العلماء ، وخصّص لهم المبالغ الطائلة ، فوفدوا عليه من كلّقطر حيث وجدوا المساعدات.

    كما أشرف بنفسه على تأليف الكتب على غرار المذهب الاِسماعيلي ، فتقدمت الثقافة الاِسماعيلية تقدماً باهراً ، وازدهر في عصره فقهاء وشعراء وفلاسفة يشار إليهم بالبنان.

    فمن فقهاء عصره : القاضي النعمان بن محمد بن منصور التميمي المغربي موَلف كتاب « دعائم الاِسلام » ، توفي بالقاهرة في 29 من جمادى الثانية سنة 363 هـ ، وصلّى عليه الاِمام المعز لدين اللّه.

    خدم المهدي باللّه موَسس الدولة الفاطمية تسع سنوات ، ثمّ ولي قضاء طرابلس في عهد القائم بأمر اللّه الخليفة الثاني للفاطميين ، وفي عهد الخليفة الثالث المنصور باللّه عين قاضياً للمنصورية ، ووصل إلى أعلى المراتب في عهد المعز لدين اللّه الخليفة الرابع الفاطمي إذ رفعه إلى مرتبة قاضي القضاة وداعي الدعاة.

    وقد نشر كتابه لاَوّل مرّة في مستدرك الوسائل للمحدّث النوري (1254 ـ 1320 هـ) مبعّضاً وموزعاً أحاديثه على أبواب الكتب الفقهية كما تم طبعه مستقلاً بتحقيق آصف بن علي أصغر فيضي في مصر عام 1374 هـ ، وطبع ثالثاً على الاَُفست في بيروت عام 1383 هـ .

________________________________________

    1 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 3/81.

________________________________________

(126)

    ومن شعراء عصره ابن هانىَ الاَندلسي ، وهو محمد بن هانىَ الاَندلسي من قرية اشبيلية ، ولد عام 320 هـ ولقب بأبي القاسم ، ولما اتهم بمذهب الاِسماعيلية غادر الاَندلس نازلاً إلى المغرب ، واتصل بأميره ، فبالغ في إكرامه وأحسن إليه ، ولما وصل خبره إلى المعز طلبه من أمير المغرب ، فأقام عنده حتى ارتحل الاِمام المعز إلى مصر فلحق به فيها.

    كان ابن هانىَ من فحول الشعراء ، ولكن قصائده تحكي عن غلوه في حقّ الاَئمّة الاِسماعيلية حيث تفوح منها رائحة الاِلحاد ، وقد أعطى لهم ما للخالق من الاَوصاف ، وإليك مقتطفات من أشعاره :

    قال :

ما شئتَ لا ماشاءت الاَقدارُوكانّما أنت النبي محمّدأنت الذي كانت تبشّرنا بههذا إمام المتقين و من بههذا الذي ترجى النجاة بحبِّههذا الذي تجدي شفاعته غداً                   فاحكم فأنتَالواحدُ القهّاروكأنّما أنصارك الاَنصارفي كتبها الاَحبارُ والاَخبارقد دوخ الطغيان والكفارو به يُحطُ الاِصر والاَوزارحقاً وتخمد أن تراه النارُ (1)

    إنّ بيته الاَوّل ينم عن غلوّه غلواً يكسي صفة الخالق على المخلوق.

    و من العجب أنّ الموَرّخ الاِسماعيلي المعاصر حاول تصحيح الاَشعار ، ودفع الفاسد بالاَفسد ، حيث قال في تعليقته : إنّ العقيدة الاِسماعيلية تنزّه الخالق عن الصفات كالعالم والقادر والصانع و ... ، فإنّ إطلاق الصفات عليه يوجب الكثرة في ذاته عندهم ، وهم يروون عن الاِمام الباقر محمد بن علي زين العابدين

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 209.

________________________________________

(127)

قوله : « إنّ اللّه عالم على المعنى انّه يوَتي العلم من يشاء لا على معنى انّ العلم قائم بذاته ، وانّه تعالى قادر على معنى أنّ القدرة قائمة بذاتها ».

    ولمّا كان الاِمام قائماً مقام الاَمر والكلمة في هذا العالم فجميع صفات الباري واقفة عليه ، ومن هنا نجد انّ إطلاق كلمة الواحد القهار على المعز إنّما هي حسب الاعتقاد. (1)

    عزب عن هذا المسكين أوّلاً : انّ إطلاق الصفات عليه سبحانه لا توجب الكثرة في ذاته عند المحقّقين ، وذلك لاَنّ الاَوصاف وإن كانت مختلفة مفهوماً لكنّها متحدة وجوداً ، فذاته نفس العلم والقدرة والحياة ، لا انّكلّ واحدة من هذه الصفات تمثل جزءاً من ذاته.

    وثانياً : انّه لوصحّ ما ذكره من التفسير في العالم والقادر بمعنى أنّه سبحانه يعطي العلم والقدرة لا يصحّ ذلك في الواحد القهار ، إذ معناه عندئذ انّ الاِمام يهب الوحدة والقهر من يشاء لكي يصحّ إطلاقها على الاِمام ، ولا شكّ انّ في ما جاء به الشاعر غلواً واضحاً ، عصمنا اللّه من غلو الغالين وإبطاء التالين.

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 209 الهامش.

________________________________________

(128)

الاِمام العاشر

العزيز باللّه

(344 ـ 386 هـ) (1)

    نزار بن معد ، العزيز باللّه ، ولي العهد بمصر يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر سنة 365 هـ ، واستقل بالاَمر بعد وفاة أبيه ، وكان يوم الجمعة حادي عشر الشهرالمذكور وسُتِرتْ وفاة أبيه وسُلّم عليه بالخلافة ، وكان شجاعاً ، حسن العفو عند المقدرة ، ذكره أبو منصور الثعالبي في كتاب « يتيمة الدهر » وأورد له شعراً قاله في بعض الاَعياد ، وقد وافق موت بعض أولاده وعقد عليه المآتم وهو :

نحن بنو المصطفى ذوو محنعجيبة في الاَنام محنتنايفرح هذا الورى بعيدهم              يجرعها في الحياة كاظمناأوّلنا مبتلى وخاتمناطرّاً وأعيادنا مآتمنا

>    و فتحت له حُمْص وحماة وشَيْزَر ، وحلب ، والموصل ، وخطب له باليمن ولم يزل في سلطانه وعظم شأنه إلى أن خرج إلى بلبيس متوجهاً إلى الشام ، فابتدأت به العلّة في العشر الاَخير من رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، ولم يزل مرضه يزيد حتى توفي في مسلخ الحمّ ـ ام في الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر رمضان

________________________________________

    1 ـ وقد أرّخ عارف تامر تاريخ وفاته 368 وهو خطأ.

________________________________________

(129)

سنة ست وثمانين و ثلاثمائة. (1) بمدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة.

    وذكر ابن خلكان انّ تاريخ وفاته في الثامن والعشرين من شهر رمضان ، في حين انّالمقريزي ذكره في الثامن والعشرين من رجب مع توافقهما في سنة وفاته.

    قال ابن الاَثير : في هذه السنة توفي العزيز أبو منصور نزار ابن المعز أبي تميم معد العلوي ، صاحب مصر لليلتين بقيتا من رمضان وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر ونصف ، بمدينة بلبيس ، وكان برز إليها لغزو الروم ، فلحقه عدة أمراض ، منها : النقرس ، والحصا ، والقولنج ، فاتصلت به إلى الشامات.

    وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً ، ومولده بالمهدية من إفريقية. (2)

    قال الذهبي : وكان كريماً ، شجاعاً ، صفوحاً ، أسمر ، أصهب الشعر ، أعين ، أشهل ، بعيد ما بين المنكبين ، حسن الاَخلاق ، قريباً من الرعية ، مغرى بالصيد ، ويكثر من صيد السباع ، ولا يوَثر سفك الدماء.

    وفي سنة 367 هـ جرت وقعات بين المصريين وهفتكين الاَمير ، وقتل خلق ، وضرب المثل بشجاعة هفتكين وهزم الجيوش ، وفرّ منه جوهر القائد ، فسار لحربه صاحب مصر العزيز بنفسه ، فالتقوا بالرملة ، وكان « هفتكين » على فرس أدهم يجول في الناس ، فبعث إليه العزيز رسولاً يقول : أزعجتني وأحوجتني لمباشرة الحرب ، وأنا طالب للصلح ، وأهب لك الشام كلّه.

    قال : فات الاَمر ، ووقعت الحرب ، فحمل العزيز بنفسه عليه في الاَبطال ، فانهزم هفتكين ومن معه من القرامطة ، واستحرَّ بهم القتل.

    وفي سنة 377 هـ تهيأ العزيز لغزو الروم فأُحرقت مراكبه ، فغضب وقتل

________________________________________

    1 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/371 ـ 374.

    2 ـ ابن الاَثير : الكامل في التاريخ : 9/116.

________________________________________

(130)

مائتي نفس اتهمهم ، ثمّ وصلت رسل طاغية الروم بهديّة ، تطلب الهدنة ، فأجاب بشرط أن لا يبقى في مملكتهم أسير ، وبأن يخطبوا للعزيز بقسطنطينية في جامعها ، وعقدت سبعة أعوام. (1)

________________________________________

    1 ـ الذهبي : سير أعلام النبلاء : 15/167 ـ 172.

(131)

الاِمام الحادي عشر

الحاكم بأمر اللّه

(375 ـ 411 هـ)

    هو منصور بن نزار (1) ولد يوم الخميس لاَربع ليال بقين من شهر ربيع الاَوّل سنة 375 هـ ، وبويع في اليوم الذي توفي فيه والده أي سنة 368 هـ ، وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام وهو من الشخصيات القليلة التي لم تتجلّ شخصيته بوضوح ، وقام بأعمال إصلاحية زعم مناوئوه انّها من البدع.

    يقول الجزري : وبنى الجامع براشدة ، وأخرج إلى الجوامع والمساجد ، من الآلات ، والمصاحف ، والستور والحصر ما لم ير الناس مثله ، وحمل أهل الذمة على الاِسلام ، أو المسير إلى مأمنهم ، أو لبس الغيار ، فأسلم كثير منهم ، ثمّ كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه ، ويقول له : إنّني أُريد العود إلى ديني ، فيأذن له.

    أظن انّ إدخال الحصر إلى المساجد ، لاَجل أنّالمسجود عليه في مذهب الشيعة يجب أن يكون إمّا أرضاً ، أو ما أنبتته الاَرض ، فبما أنّ المساجد كانت مفروشة فحمل الحصر على ذلك.

    و يقول أيضاً : ثمّ أمر في سنة 399 هـ بترك صلاة التراويح ، فاجتمع الناس بالجامع العتيق ، وصلّى بهم إمام جميع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم يصل أحد

________________________________________

    1 ـ وأسماه في « الاِمامة في الاِسلام » بـ « الحسن بن نزار » ولكن في الخطط ، وتاريخ الدعوة الاِسماعيلية حسب ما أثبتناه.

________________________________________

(132)

التراويح إلى سنة 408 هـ . (1)

    أقول : لقد قام الخليفةبمهمته ، فإنّ صلاة التراويح كانت تقام في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و الخليفة الاَوّل بغير جماعة ، وإنّما أُقيمت جماعة في عصر الخليفة الثاني ، واصفاً إيّاهابالبدعة الحسنة ، ولمّا تسلّم الاِمام أمير الموَمنين علي (عليه السّلام) زمام الخلافة نهى الناس عن إقامتها جماعة ، فلمّا رأى إصرار الناس على إقامتها جماعة تركهم وما يهوون.

    وأمّا رميه بتهمة قتل الاِمام بعد انقضاء شهر رمضان ، فما لا يقبله العقل ، إذ كان في وسع الخليفة منعه من إقامتها أوّل الشهر فأي مصلحة كانت تكمن في استمهاله إلى آخر الشهر واكتسابه مكانة في القلوب ثمّ قتله؟!

    يقول المقريزي : جامع الحاكم بني خارج باب الفتوح أحد أبواب القاهرة ، وأوّل من أسّسه أمير الموَمنين العزيز باللّه ، نزار بن المعز لدين اللّه معد ، وخطب فيه وصلّى بالناس الجمعة ، ثمّ أكمله ابنه الحاكم بأمر اللّه ، فلمّا وسّع أمير الجيوش بدر الجمالي القاهرة ، وجعل أبوابها حيث هي اليوم صار جامعُ الحاكم داخل القاهرة. (2)

    و ينقل أيضاً انّ الحاكم بأمر اللّه أمر في سنة 393 هـ أن يتم بناء الجامع الذي كان الوزير يعقوب بن كاس بدأ في بنيانه عند باب الفتوح ، فقدّر للنفقة عليه أربعون ألف دينار ، فابتدأ بالعمل فيه وفي صفر سنة إحدى وأربعمائة زيد في منارة جامع باب الفتوح وعمل لها أركاناً ، طول كلّ ركن مائة ذراع.

    و في سنة 403 هـ أمر الحاكم بأمر اللّه بعمل تقدير ما يحتاج إليه جامع باب الفتوح من الحصر والقناديل والسلاسل ، فكان تكسير ما ذرع للحصر 36 ألف ذراع ، فبلغت النفقة على ذلك خمسة آلاف دينار.

________________________________________

    1 ـ الجزري : الكامل في التاريخ : 9/316 ـ 317.

    2 ـ المقريزي : الخطط : 2/277.

________________________________________

(133)

    وتم بناء الجامع الجديد بباب الفتوح ، وعلّق على سائر أبوابه ستور ديبقية عملت له ، وعلّق فيه تنانير فضة عدّتها أربع وكثير من قناديل فضة ، وفرش جميعه بالحصر التي عملت له ، ونصب فيه المنبر ، وتكامل فرشه وتعليقه ، وأذن في ليلة الجمعة سادس شهر رمضان سنة ثلاث وأربعمائة لمن بات في الجامع الاَزهر أن يمضوا إليه ، فمضوا وصار الناس طول ليلتهم يمشون من كلّواحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم ولا اعتراض من أحد من عسس القصر ، ولا أصحاب الطوف إلى الصبح ، وصلّى فيه الحاكم بأمر اللّه بالناس صلاة الجمعة ، وهي أوّل صلاة أُقيمت فيه بعد فراغه. (1)

    ما ذكرنا من محاسن أعماله قد أخفاها أعداوَه ، وبدل ذلك فقد نالوا منه وأكثروا في ذمّه وذكر مساوىَ أعماله ، حتى تجد انّ الذهبي قد بالغ في ذمّه ووصفه بقوله : « العبيدي ، المصري ، الرافضي بل الاِسماعيلي الزنديق المدّعي الربوبية ».

    ثمّ يقول في موضع آخر : وكان شيطاناً مريداً ، جباراً عنيداً ، كثير التلوّن ، سفاكاً للدماء ، خبيث النحلة ، عظيم المكر ، جواداً ممدحاً ، له شأن عجيب ونبأ غريب ، كان فرعون زمانه ، يخترع كلّ وقت أحكاماً يلزم الرعية بها إلى آخر ما ذكر. (2)

    و على أيّ حال فهو من الشخصيات القلقة التي تجمع بين محاسن الاَعمال ومساوئها.

    ولولا انّ الحاكم كان من الشيعة لما وجد الذهبي السلفي في نفسه مبرراً لصب هذه التقريعات.

    وقد اكتفينا بذلك في ترجمته ، لاَنّ فيها أُموراً متناقضة ومتضادة لا يمكن الاِذعان بصحّة واحد منها.

________________________________________

    1 ـ المقريزي : الخطط : 2/277 ، دار صادر.

    2 ـ الذهبي : سير أعلام النبلاء : 15/174.

________________________________________

(134)

انشقاق الاِسماعيلية

    كانت الاِسماعيلية فرقة واحدة ، غير انّه طرأ عليهم الانشقاق ، فقال قوم منهم : بإلوهية الحاكم وغيبته ، وهم المعروفون اليوم بـ « الدروز » ، يقطنون لبنان.

    فالدروز إسماعيلية محرّفة ، وسيوافيك البحث عن هذه الفرقة وعقائدها في باب خاصّ ، وهي أكثر غموضاً من سابقتها ، فهم يمسكون بكتبهم ووثائقهم عن الآخرين.

    يقول الموَرخ المعاصر : وفي سنة 408 استدعى الحاكم كبير دعاته ، وأحد المقربين إليه الموثوق بهم سيدنا « الحمزة بن علي » الفارسي الملقب بـ « الدرزي » وأمره أن يذهب إلى بلاد الشام ليتسلم رئاسة الدعوة الاِسماعيلية فيها ، ويجعل مقره « وادي التيم » ، لاَنّ الاَخبار التي وردت إلى بيت الدعوة تفيد بأنّ إسماعيلية وادي التيم تسيطر عليهم التفرقة والاختلافات الداخلية ، حول تولّي رئاسة الدعوة هناك ولقبه الاِمام بـ « السند الهادي ».

    تمكّن الدرزي في وقت قليل من السيطرة على الموقف في وادي التيم وإعادة الهدوء والسكينة في البلاد ، وعمل جاهداً لتوسيع وانتشار الدعوة الاِسماعيلية في تلك البلاد.

    لبث الدرزي رئيساً للدعوة الاِسماعيلية وكبيراً لدعاتها في بلاد الشام حتى أُعلنت وفاة الاِمام الحاكم وولاية ابنه الطاهر.

    لم يعترف الدرزي بوفاة الاِمام الحاكم ، مدّعياً بأنّ وفاته لم تكن سوى نوع من الغيبة لتخليص أنفس مريدي الاِمام من الاَدران ، وبقي متمسكاً بإمامة الحاكم ومنتظراً عودته من تلك الغيبة ، وبذلك أعلن انفصاله عن الاِسماعيلية التي لا تعتقد بالغيبة ، وتقول بفناء الجسم وبقاء سر الاِمامة بالروح ، فينتقل بموجب النص إلى إمام آخر وهو المنصوص عليه من قبل الاِمام المتوفى ، وسميت الفرقة

 

________________________________________

(135)

التي تبعت الدرزي بالدرزية نسبة إليه.

    وهكذا يتبين للقارىَ الكريم بأنّ الدرزية والاِسماعيلية عقيدتان من أصل واحد. (1)

    وأمّا عن مصير الحاكم فمجمل القول فيه انّه فُقد في سنة 411 هـ ، ولم يعلم مصيره ، وحامت حول كيفية اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر.

    يقول الذهبي : وثمّ اليوم طائفة من طغام الاِسماعيلية الذين يحلفون بغيبة الحاكم ، وما يعتقدون إلاّ بأنّه باق ، وانّه سيظهر (2)

________________________________________

    1 ـ مصطفى غالب : تاريخ الدعوة الاِسماعيلية : 238 ـ 239.

    2 ـ الذهبي : سير أعلام النبلاء : 15/108 ، ابن الاَثير : الكامل في التاريخ : 9/11.

________________________________________

(136)

الاِمام الثاني عشر

الظاهر لاِعزاز دين اللّه

علي بن منصور (1)

(395 ـ 427 هـ)

    هو علي بن منصور ، ولد ليلة الاَربعاء من شهر رمضان سنة ثلاثمائة وخمس وتسعين ، وبويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً يقول ابن خلكان : كانت ولايته بعد فقد أبيه بمدّة ، لاَنّ أباه فقد في السابع والعشرين من شوال سنة 411 هـ ، وكان الناس يرجون ظهورَه ويتبعون آثاره إلى أن تحقّقوا عدمه ، فأقام ولده المذكور في يوم النحر من السنة المذكورة. (2)

    وقد أطنب المقريزي في سيرته وذكر حوادث حياته.

    يقول المقريزي : مات الظاهر في النصف من شعبان سنة 427 هـ عن اثنين وثلاثين سنة إلاّ أيّاماً ، وكانت مدّة خلافته 15 سنة وثمانيةأشهر. (3)

    وذكر الذهبي فتنة القرامطة عام 413 هـ فنقل عن محمد بن علي بن عبد الرحمان العلوي الكوفي انّه قال : لما صليت الجمعة والركب بعدُبمنى ، قام رجل ،

________________________________________

    1 ـ سماه عارف تامر علي بن الحسن ، وفي المقريزي وتاريخ الدعوة كما أثبتناه.

    2 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 3/407 ، دار صادر.

    3 ـ المقريزي : الخطط : 1/355.

________________________________________

(137)

فضرب الحجر الاَسود بدبّوس ثلاثاً ، وقال : إلى متى يُعبد الحجر فيمنعني محمد ممّا أفعله؟ فإنّي اليوم أهدم هذا البيت ، فاتقاه الناس ، وكاد يفلت ، وكان أشقر ، أحمر ، جسيماً ، تام القامة ، وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن ينصروه ، فاحتسب رجل ، فوجأه بخنجر ، وتكاثروا عليه ، فأُحرق ، وقتل جماعة من أصحابه وثارت الفتنة ، فقتل نحو العشرين ونهب المصريون وقيل : أخذ أربعة من أصحابه ، فأقرّوا بأنّهم مائة تبايعوا على ذلك ، فضربت أعناق الاَربعة ، وتهشّم وجه الحجر ، وتساقط منه شظايا وخرج مُكْسَرُه أسمر إلى صفرة. (1)

    ويقال انّ الظاهر شنّ على الدروز حرباً محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطمية الاَصيلة ، مدة خلافته كانت ستة عشر عاماً ... لم تنته هجمات الصليبيين عن الاَراضي والثغور العائدة للدولة الفاطمية ، وقّع هدنة مع الروم. (2)

________________________________________

    1 ـ الذهبي : سير أعلام النبلاء : 15/185 ـ 186 ، موَسسة الرسالة.

    2 ـ عارف تامر : الاِمامة في الاِسلام : 189.

________________________________________

(138)

الاِمام الثالث عشر

المستنصر باللّه

(420 ـ 487 هـ)

(1)    هو معد بن علي ، ولد يوم الثلاثاء في الثالث عشر من شهر جمادى الآخر سنة 420 هـ ، وبويع بالخلافة يوم الاَحد في منتصف شهر شعبان سنة 427 هـ ، وكان له من العمر سبعة أعوام ، وقد ظل في الحكم ستين عاماً ، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الاِسلامية.

    يقول ابن خلكان : وجرى على أيامه مالم يجر على أيام أحد من أهل بيته ممّن تقدّمه ولا تأخره ، منها :

    1 ـ قضية أبي الحارث أرسلان البساسيري ، فإنّه لمّا عظم أمره وكبر شأنه ببغداد ، قطع خطبة الاِمام القائم وخطب للمستنصر المذكور ، وذلك في سنة خمسين وأربعمائة ، ودعا له على منابرها مدّة سنة.

    2 ـ انّه ثار في أيّامه علي بن محمد الصليحي وملك بلاد اليمن ، ودعا للمستنصر على منابرها بعد الخطبة.

    3 ـ انّه أقام في الاَمر ستين سنة ، وهذا أمر لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس.

________________________________________

    1 ـ أرّخ كل من الكاتبين عارف تامر ومصطفى غالب تاريخ ولادته420 هـ .

________________________________________

(139)

    4 ـ انّه ولي العهد وهو ابن سبع سنين.

    5 ـ انّ دعوتهم لم تزل قائمة بالمغرب منذ قام جدهم المهدي إلى أيام المعز ، ولمّا توجه المعز إلى مصر واستخلف بلكين بن زيري كانت الخطبة في تلك النواحي جارية على عادتها لهذا البيت إلى أن قطعها المعز بن باديس في أيام المستنصر ، وذلك في سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.

    6 ـ أنّه حدث في أيّامه الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف (عليه السّلام) حتى قيل انّه بيع رغيف واحد بخمسين ديناراً ، وكان المستنصر في هذه الشدة يركب وحده ، وكلّمن معه من الخواص مترجّلون ليس لهم دواب يركبونها ، و كانوا إذا مشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع ، وكان المستنصر يستعير من ابن هبة صاحب ديوان الانشاء بغلته ليركبها صاحب مظلته ، وآخر الاَمر توجهت أُم المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع ، وتفرّق أهل مصر في البلاد وتشتتوا. (1)

    وذكر الذهبي تفاصيل حياته بحسب السنين التي مرت عليه. (2)

    و لقي المستنصر شدائداً وأهوالاً ، وانفتقت عليه الفتوق بديار مصر أخرج فيها أمواله وذخائره إلى أن بقي لا يملك غير سجادته التي يجلس عليها ، وهو مع هذا صابر غير خاشع. (3)

    وقد توفي في الثامن عشر من ذي الحجة ، ودامت خلافته ستين سنة وأربعة أشهر.

    إلى هنا تمت ترجمة الاَئمّة الثلاثة عشر الذين اتّفقت كلمة الاِسماعيلية على إمامتهم وخلافتهم ، ولم يشذ عنهم سوى الدروز الذين انشقوا عن

________________________________________

    1 ـ ابن خلكان : وفيات الاَعيان : 5/229 ـ 230 ، دار صادر.

    2 ـ الذهبي : سير أعلام النبلاء : 1/186 ـ 196.

    3 ـ الجزري : الكامل : 10/237.

________________________________________

(140)

الاِسماعيلية في عهد خلافة الحاكم بأمر اللّه ، وصار وفاة المستنصر باللّه سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الاِسماعيلية بين : مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي ابن المستنصر باللّه ، ونزارية تقول بإمامة نزار ابن المستنصر.

    فالمستعلية هم المعروفون في هذه الاَيام بالبُهرة ، وقد انقسموا إلى : سليمانية وداودية؛ كما أنّ النزاريين هم القائلون بإمامة نزار ابن المستنصر ، وانقسموا إلى : موَمنية وقاسمية. وقد اتّفقت الطائفتان الاَخيرتان في بعض الاَئمة ، واختلفت في البعض الآخر ، وسيوافيك تفصيل الجميع.

(141)