قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به

1 - قاعدة من ملك 

 

قاعدة من ملك ومن القواعد الفقهية القاعدة المشهورة المعروفة المتداولة في ألسنة الفقهاء ويتمسكون بها في موارد عديدة من المسائل الفقهية وهي قاعدة (من ملك شيئا ملك الإقرار به). وفيها جهات من البحث: (الجهة) الأولى في أنها على فرض تماميتها هل هي من المسائل الفقهية وقواعدها، أو من المسائل الأصولية وقد بينا في موارد متعددة في كتابنا (منتهى الأصول) الفرق بين القاعدة الفقهية والمسألة الأصولية، وأن المناط في كون المسألة أصولية وقوعها كبرى في قياس يستنتج منه حكم كلي فرعي إلهي (1) وحيث أن هذه القاعدة ليست كذلك، ولا تقع كبرى في قياس الاستنباط، بل هي بنفسها حكم كلي فرعي تنطبق على مواردها الجزئية الكثيرة في أبواب مختلفة كنفوذ إقراره في بيعه وشرائه وهبته وصلحه وعاريته وإجارته وتزويجه وطلاقه

 

(هامش)

 

(الحق المبين (ص 99 - 100، (خزائن الأحكام) ش 48، (الرسائل الفقهية) (الشيخ الانصاري) ص 179، (مناط الأحكام) ص 20، (مجموعه رسائل) العدد 22، (القواعد) ص 293، (قواعد فقهيه) ص 9، (القواعد الفقهية) (فاضل اللنكراني) ج 1، ص 199، (القواعد الفقهية) (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 401. 1 (منتهى الاصول) ج 1، ص 5 - 6 (*)

 

وعتقه وسائر عقوده وإيقاعاته ومعاملاته، فحال هذه القاعدة حال سائر القواعد الفقهية التي بعد أن أفتى الفقيه بمضمونها واستنبطها من أدلتها يكون المجتهد والمقلد في مقام تطبيقها على حد سواء، فتكون كقاعدتي الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة وغير تلك من القواعد الفقهية الكثيرة. نعم في بعض الأحيان تشخيص الموضوع وتعيينه بيد الفقيه والمجتهد ولا يمكن للعامي والمقلد تشخيصه وتعيينه، ولا حظ له في ذلك أصلا مثل أن الصبى المميز مالك وقادر على الوقف وأن يتصدق وأن يوصي فإذا أفتى المجتهد - بصحة صدور هذه الأمور عن الصبي المذكور، وأقر الصبي المذكور بأحد هذه الأمور أو بجميعها، فللمقلد والعامي حينئذ تطبيق هذه القاعدة والحكم بصدور الأمور المذكورة صحيحة عن الصبي المذكور، بأن يقول الصبي مالك للأمر الفلاني حسب فتوى الفقيه، وكل من ملك شيئا ملك الاقرار به، وهذا أيضا حسب فتوى الفقيه، فيكون إقراره بالوقف أو الصدقة أو الوصية مثلا نافذ وجائز وهذا هو الفرق بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية. وأما الفرق بين القاعدة الفقهية ومسألتها: هو أن القاعدة الفقهية موضوعها أوسع من موضوع المسألة، بأن تكون المسائل المتعددة الفقهية مندرجة تحت تلك القاعدة الفقهية، ويمكن تطبيق تلك القاعدة على جميع تلك المسائل، مثلا هذه القاعدة - التي الآن محل الكلام - مندرجة تحتها مسائل كثيرة فقهية في أبواب مختلفة من مسائل أبواب المعاملات، وتنطبق على جميع تلك المسائل كما تقدم الإشارة إليها. والقواعد الفقهية في هذا الأمر - أي: في سعة دائرة انطباقها على المسائل المختلفة المتشتتة في أبواب الفقه وضيقها - مختلفة جدا. فأصالة الصحة في فعل الغير أو في فعل نفسه بناء على كونها غير قاعدة الفراغ، أو قاعدة الفراغ مثلا وسيعة جدا، وتجري في أبواب العبادات من الطهارات الثلاث

 

والصلاة والصوم والحج وفي أبواب المعاملات، أي في جميع العقود والإيقاعات فقد ظهر لك من جميع ما ذكرنا الفرق بين القاعدة الفقهية وبين المسألة الأصولية وبين القاعدة الفقهية ومسألتها. الجهة الثانية في الفرق بين هذه القاعدة وقاعدة (إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ، أو جائز) وهو أن مفاد هذه القاعدة أوسع وأشمل من قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ أو جائز، لأن مورد الاقرار في تلك القاعدة - أي المقربه - لابد وأن يكون على ضرر المقر، أما إذا كان على نفعه فغير جائز قطعا من جهة إقراره نعم يمكن أن يكون لنفوذه وجوازه جهة أخرى غير جهة نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم وبعبارة أخرى: موضوع حكم الشارع بالجواز والنفوذ في تلك القاعدة هو الإقرار الخاص - أي الإقرار على ضرر نفسه - لا مطلق الإقرار ولو كان له نفع فيه وأما في هذه القاعدة فعام، سواء أكان له أو عليه، وأيضا تشمل هذه القاعدة إقرار الصبي فيما له أن يفعله، كتصرفه في ما ملكه بالوقف أو الصدقة أو الوصية به، بخلاف قاعدة (إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ) فإنها لا تشمله، لانصراف العقلاء فيها إلى البالغين، ولذلك لو أقر الصبي - بما هو ضرر عليه فيما ليس له أن يفعله وبتصرف فيه ولا يملكه كالبيع وهبة ماله لغيره - لا ينفذ في حقه، ويكون ذلك الإقرار في حكم العدم فلا وجه لا حتمال أن يكون مفاد كلتا القاعدتين واحدا، حتى يكون النص الوارد في قاعدة إقرار العقلاء دليلا على هذه القاعدة أيضا.

 

واعترض على هذا الفرق الأخير أستاذنا المحقق العراقي (قدس سره) بعدم انصراف العقلاء في تلك القاعدة إلى البالغين، إذ لا فرق في نظر العرف بين من يكون عمره أقل من خمسة عشر سنة - بمقدار يسير كيوم بل كساعة، وبين من يكون عمره هذا المقدار تماما بدون نقيضة. فالجملة - بحسب المتفاهم العرفي تشمل كلتا الصورتين، أي التام وغير التام إذا كان النقص قليلا، وبعدم القول بالفصل يتم المطلوب وأما ادعاء الإجماع - على عدم شموله لغير البالغين - ففيه: أن القدر المتيقن منه على تقدير ثبوته وكونه من الإجماع المصطلح - أي: ما هو كاشف عن رأي المعصومين (ع) هو فيما إذا كان تصرفه ممنوعا، وأما في الأشياء التي شرع له جواز التصرف - كالمذكورات أي: الوصية والوقف والصدقة - فلا إجماع في البين، بمعنى أنه ليس اتفاق على عدم نفوذ إقراره على نفسه وأما ما يتوهم - من أن عموم كونه مسلوب العبارة خصص بجواز هذه التصرفات الثلاث، وأما إقراره بوقوع هذه التصرفات فهو باق تحت عموم العام، فليس بنافذ - ففيه: أنه لو صح هذا فحال قاعدة من ملك أيضا من هذه الجهة حال قاعدة الإقرار لابد وأن يخصص، انتهى ما ذكره أستادنا المحقق (قدس سره) في هذا المقام. ولكن أنت خبير بأنه لا شك في أن المتفاهم العرفي من هذه الجملة أي: جملة (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) هو خصوص البالغين، لا الأعم منهم ومن غيرهم. وأما ما ذكره (قدس سره) - من عدم الفرق في نظر العرف بين البالغ وغيره ممن كان عمره أقل منه بقليل كاليوم والساعة، ففيه أن العرف يفهم من هذه الجملة خصوص البالغين، وأما تطبيق هذا المفهوم على المصداق فليس بنظر العرف، فإذا حدد الشارع هذا المفهوم فيكون تطبيق هذا المفهوم على مصاديقه بالدقة، والا فهذا الإشكال متحد الورود على جميع المفاهيم المحددة من قبل الشارع، كمفهوم الكر والمسافة وسائر الأوزان والمقادير. فالعرف لا يفرق بين ما هو من مصاديق المفهوم المحدد من قبل

 

الشرع حقيقة وبالدقة، وبين ما هو أقل منه بقليل ولذلك لو انقطع الدم في الحيض قبل الثلاثة ولو بساعة، أو نوى الاقامة عشرة أيام إلا ساعة فليس ولا يتحقق حيض ولا إقامة مع أن العرف لا يرى الفرق في إطلاق الثلاثة العشرة أيام في الثاني بين التام والناقص بقليل. وفي كلامه (قدس سره) مواضع أخر للنظر تركناها خوفا من التطويل. والحاصل أن القول بوحدة القاعدتين بعيد عن الصواب. الجهة الثالثة في الدليل على هذه القاعدة الأول: ما أفاده أستادنا المحقق قدس سره) من ثبوت الملازمة بين السلطنة على ثبوت الشيء والسلطنة على إثباته، بمعنى أن القدرة على وجود الشيء واقعا ملازم مع القدرة على إيصاله إلى مرتبة الإظهار والإثبات، مثلا لو كانت له السلطنة على بيع داره، أو وقفه، أو هبته، أوغير ذلك من التصرفات فلابد وأن تكون له السلطنة على إثبات هذا العمل والفعل. وهذا الكلام بظاهره واضح الإشكال، لأنه لو كان المراد من السلطنة على إثباته - بحيث أنه يكون ثابتا في مرحلة الظاهر بمحض اظهاره وإقراره، كي يترتب عليه جميع آثار وجود ذلك الشيء، سواء أكان له أو عليه أو لغيره أو على ذلك الغير، فهذا دعوى بلا بينة ولا برهان، إذ ربما يكون الانسان قادرا على شيء أي فعل وعمل - ولكن ليس قادرا على إثبات ذلك الشيء بمحض إخباره وإقراره، والا كان إخبار كل مخبر عن صدور فعل يكون حجة على وجود ذلك الفعل وذلك العمل وإن أنكره من يتعلق به العمل، مثل إنه لو استأجر البناء على أن يبني له الحائط أو شيئا آخر في داره أو في مكان آخر، أو استأجر الخياط على أن يخيط له كذا، فأخبر بوقوع ذلك البناء

 

أو تلك الخياطة تكون أخبار البناء أو الخياط حجة، مع أنه ليس كذلك قطعا. ولكن يمكن أن يقال: أن المراد من الملازمة بين السلطنة على ايجاد الشيء والسلطنة على إثباته هو أن الشارع إن جعل سلطانا على أمر، كما أنه جعل الحاكم الشرعي سلطانا على نصب القيم مثلا على القصر، أو على جعل المتولي للوقف الذي لم يجعل الواقف له متول، فجعله الحاكم سلطانا على هذه الأمور ملازم مع جعل إخباره عن هذه الأمور وإقراره بها حجة على إثباتها، فكل عمل وفعل تحت سلطنته شرعا - لا تكوينا فقط - يكون إقراره بوقوعه حجة، سواء أكان له أو عليه أو لغيره أو على ذلك الغير. وفيه: أن هذه دعوى بلا برهان أيضا من جهة عدم لزوم لغوية الجعل الأول، أي كونه سلطانا على تلك الأمور من دون كون إخباره عن وقوعها حجة - كما ربما يتوهم - لا مكان الاشهاد على صدورها منه حتى في مثل الرجوع إلى زوجته المطلقة رجعة في العدة، فيشهد عدلين على أنه رجع إليها في العدة نعم لو كان قوله: رجعت إليها في حال عدم انقضاء العدة انشاء - لا إخبارا عن صدور الفعل عنه - فهو بنفسه رجوع قولي، ويترتب عليه الأثر. ويمكن أيضا أن يكون من قبيل إثبات الرجوع بإقراره ومن مصاديق هذه القاعدة وليس الجعل الثاني - أي: جعل إقراره حجة على وقوع ذلك الأمر الذي له السلطنة على ايقاعه - من لوازم الجعل الأول، حتى يكون الدليل الذي يدل على سلطنته على ايقاع ذلك الأمر يدل بالدلالة الالتزامية على سلطنته شرعا على إثباته، فيكون إخباره عن وقوعه حجة على وقوعه لأنه لا ملازمة بينهما، لاعقلا ولا شرعا ولا عرفا. أما عدم الملازمة عقلا وشرعا فواضح، وأما عرفا فمن جهة أن العرف لا يفهم

 

من قوله (ع) (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (1) أن إخبار الزوج بطلاق زوجته حجة على وقوعه. الثاني: الإجماع، وتقريبه أن هذه القضية الكلية، أي قولهم (من ملك شيئا ملك الإقرار به) كأنها من القضايا المسلمة عندهم، ويستدلون بها على فتاويهم كما يستدلون بالآية والرواية المعتبرة وقد صرح العلامة (قدس سره) في التذكرة بسماع دعوى المسلم أن أمن الحربي في زمان يملك أمانه وهو قبل الأسر، وادعى الإجماع على سماع هذه الدعوى. (2) ولا شك في أن هذا الاجماع الذي ادعاه العلامة (قدس سره) إجماع على مورد من موارد هذه القاعدة، ولا يثبت به الكلية المذكورة، ولكنه يدل على أن هذه القضية في الجملة إجماعي وأنت إذا تتبعت كلمات القوم ترى أن جل الأكابر والمحققين تمسكوا بهذه الكلية في موارد جزئية، كأنها دليل معتبر عندهم، وأرسلوها إرسال المسلمات كأنها آية أو رواية. وقد ذكر جملة من تلك الموارد شيخنا الأنصاري (قدس سره) في ملحقات المكاسب (3) في مقام شرح هذه القاعدة، فراجع.... ولا يخفى أن مرادنا من تمسكهم بهذه الكلية في الموارد الجزئية، أي في غير ما إذا كان على نفسه، وإلا فيما إذا كان الإقرار على نفسه فذلك نافذ يقينا، بدليل معتبر وهو قوله (ع) (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (4) من دون احتياج إلى هذه القاعدة أصلا.

 

(هامش)

 

(1) عوالي اللئالي) ج 1، ص 234، ح 137، (سنن ابن ماجه) ج 1 ص 673 ح 2081، باب طلاق العبد

(2) (تذكرة الفقهاء) ج 1، ص 416.

(3) (المكاسب) ص 368

(4) (وسائل الشيعة) ج 16، ص 111، أبواب الإقرار، باب 3 ح 2، (عوالي اللئالي) ج 1، ص 223، ح 104، ج 2، ص 257، ح 5 (*)

 

وعمدة الكلام في إثبات هذه القاعدة والكلية هو فيما إذا كان إقراره وإخباره بوقوع ما يملك شرعا إيقاعه في غير موارد الإقرار على النفس مما كان له، أو لغيره، أو على غيره. وما أحسن ما أفاد شيخنا الأعظم (قدس سره) في هذا المقام بقوله ولكن الإنصاف أن القضية المذكورة في الجملة إجماعية، بمعنى أنه ما من أحد من الأصحاب ممن وصل إلينا كلامهم إلا وقد عمل بهذه القضية في بعض الموارد، بحيث نعلم أنه لا مستند سواها، فإن من ذكرنا خلافهم إنما خالفوا في بعض موارد القضية، وعملوا بها في مورد آخر هى انت (1) ثم يذكر بعض موارد خلاف بعضهم، وموارد عمل ذلك البعض بهذه القاعدة. ثم إنه لا يخفى أن خلاف بعضهم في بعض المصاديق لا يضر بتحقق الإجماع على اعتبار هذه القاعدة، لأن معنى الإجماع على اعتبار دليل وقاعدة هو أن يستند الجميع إلى ذلك الدليل وتلك القاعدة ولو في مورد واحد، لا أنهم لا يختلفون ولو كان في واحد من صغرياته وموارده، ولذلك قالوا: لو تحقق الإجماع على عنوان مطلق، يتمسك بإطلاق ذلك العنوان لمورد الشك، ولو كان ذلك المورد محل الخلاف. وذلك من جهة أن اعتبار القضية الكلية إذا ثبت بدليل - وإن كان ذلك الدليل هو الإجماع - يطبق على جميع الموارد وإن كان بعضها محل خلاف. الجهة الرابعة في بيان ما هو المراد من هذه القاعدة وهذه القضية الكلية ؟ أي ما هو الظاهر منها حسب متفاهم العرف حتى يستكشف المراد. فنقول: لا شك في أن مفهوم (الشيء) عام، يشمل الأعيان والأفعال، وهذه

 

(هامش)

 

(1) (المكاسب) ص 370. (*)

 

القضية الكلية الشرطية مركبة من جملتين: إحديهما شرط، والأخرى جزاء، والقضية الشرطية المتكفلة لبيان الحكم الشرعي يكون الشرط موضوعا للجزاء. فمعنى (من استطاع يجب عليه الحج) أن المستطيع يجب عليه الحج، فالجملة الأولى من هذه الكلية - أي من ملك شيئا - موضوع للجملة الثانية، فيرجع مفاد هذه الكلية، إلى أن المالك لشئ، سواء أكان ذلك الشيء عينا من الأعيان الخارجية، أو فعلا من الأفعال - مالك للإقرار به. ولكن حيث أن نفس العين الخارجي ليست قابلة لتعلق الإقرار بها إلا باعتبار تعلق فعل من أفعاله بها، فيرجع معنى هذه الكلية إلى أن المالك لفعل من الأفعال يملك الإقرار بذلك الفعل، وظاهر كون الإنسان مالكا لفعل - حيث أنه في مقام التشريع هو أن يكون سلطانا على ذلك الفعل شرعا، أي كان له شرعا إيجاده وإيقاعه، لا صرف القدرة التكوينية. مثلا لو كان شرعا مالكا لبيع مال - أو شرائه أو هبته أو وقفه أو عتقه أو غير ما ذكر من انحاء التصرفات أو تزويج امرأة أو طلاقها، أو أي تصرف كان مشروعا له أي كان مجعولا له من طرف الشارع - متعلقا بأي عين من الأعيان، أو لم يكن متعلقا بعين أصلا، ففي جميع ذلك يملك الاقرار به، سواء أكان له هذه السلطنة أولا وبالذات، أو كانت آتية من قبل موكله أو من جهة ولا يته. فلو سلمنا وجود الدليل على اعتبار هذه الجملة وهذه الكلية لكان يجب الأخذ بهذا الظاهر، وتطبيقه على جميع موارده، لا أن يأتي في مورد من موارده دليل من إجماع أو غيره على التخصيص وعدم نفوذ إقراره. وحيث أن العمدة في دليلها الإجماع فلابد وأن يلاحظ معقد الإجماع هل هو مطلق الأفعال التي يملكها، سواء أكان له أو عليه. وكذلك بالنسبة إلى الآثار التي لذلك الفعل لغيره، سواء أكان له أو عليه، أو مخصوص نفوذه بالنسبة إلى الآثار التي لنفسه لا لغيره ؟

 

وبعد، إن قبل باختصاصه بالنسبة إلى نفسه، فهل مطلق بالنسبة إلى ماله أو عليه أو مخصوص نفوذ إقراره بما عليه، لا بماله ؟ والإنصاف أن كلمات الفقهاء وعباراتهم في هذا المقام مختلفة جدا، والذي يظهر من مجموع كلماتهم وعباراتهم في مختلف أبواب الفقه أنه لا اختصاص له بخصوص الآثار التي له بالنسبة إلى نفسه، وتكون عليه لا له حتى يكون مفاد هذه القاعدة مفاد قاعدة (إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ، أو جائز) فإنهم متفقون على سماع إقرار الولي الإجباري فيما يملكه ولو كان على ضرر المولى عليه. ثم إن ما ذكرنا - من نفوذ إقراره حتى وإن كان بالنسبة إلى ضرر الغير - هو فيما إذا كان ذلك الأثر الذي ضرر على الغير أثرا لنفس فعله، من دون مدخلية فعل شخص آخر في ترتيب ذلك الأثر، وإلا فهو مالك لإقرار فعل نفسه الذي يملكه، لا لفعل غيره. فإذا كان موضوع الأثر. مركبا من فعل نفسه وفعل غيره، فبإقراره لفعل نفسه لا يثبت الأثر ومما ذكرنا ظهر الفرق بين العقود والايقاعات، فإذا كان مالكا لإ يقاع كطلاق أو عتق أو غيرهما، فبإقراره يثبت وقوع ذلك الإيقاع. وأما إن كان مالكا لعقد من بيع أو هبة أو اجارة أو غير ذلك من العقود، فبإقراره لصدور ذلك العنوان لا يثبت ذلك العنوان بالنسبة إلى الجزء الآخر الذي يملكه غيره. الجهة الخامسة في أن نفوذ إقراره بالنسبة إلى فعل يملكه شرعا مشروط بأن يكون مالكا حال الإقرار وفي زمانه، أو يكفي كونه مالكا في زمان وقوع الفعل ولو لم يكن مالكا لذلك الفعل في زمان الاقرار ؟ مثلا بعد أن بلغ الصبي يقر من كان وليا عليه بأنه باع ماله الفلاني بكذا، أو اشترى له بكذا في الزمن الذي كان وليا عليه، أو بعد انقضاء العدة

 

يقر بالرجوع في زمان العدة وهكذا في سائر الموارد مما يشاكل هذين المثلين. والفروع الفقهية المترتبة على هذا الأمر كثيرة، ويترتب عليها نتائج مهمة، مثلا يقر وكيل شخص بعد عزله بصدور أفعال فيها ضرر على موكله، حين وكالته عنه في تلك الأفعال، وكذلك مثلا يقر ولي البنت بعد كبرها وصيرورتها مالكة أمرها بتزويجها من شخص معين في حال صغرها وكونها مولى عليها. ومرجع هذه الجهة الخامسة إلى أنه هل المراد من معقد الإجماع في هذه المسألة هو مالكيته للفعل على تقدير وجوده - بمعنى أنه لو فرضنا كونه صادقا في إقراره هذا، كان صدور الفعل عن سلطنة شرعية عليه - أو أن المراد من مالكيته لهذا الفعل الذي أقر بصدوره عنه هو أنه لو لم يكن صادرا إلى حين الاقرار تكون له السلطنة في تلك الحال على إيجاده ؟ فبناء على احتمال الأول يكفي كونه مالكا حين وقوع الفعل الذي يدعي وقوعه في ذلك الحين، وأما بناء على احتمال الثاني فلابد من كونه مالكا وقادرا وسلطانا على إيجاد الفعل حال إقراره ولا شك في أن المتيقن من مورد انعقاد الإجماع - على تقدير تحققه كما رجحنا ذلك - هو الاحتمال الثاني. وأما الأول فلا مجال لإثباته بالإجماع وليس دليل لفظي من آية، أو رواية معتبرة حتى يتمسك بإطلاقها. نعم ربما يتوهم جريان استصحاب بقاء السلطنة التي كانت له حال وقوع الفعل الذي يقر بوقوعه - في الزمان المتقدم وفي ذلك الزمان ولكن أنت خبير بأن موضوع تلك السلطنة المتيقنة هو القادر والمالك لإيجاد الفعل في زمان إقراره، والموضوع بهذا المعنى تبدل يقينا، لأنه في المقام ليس قادرا شرعا على إيجاد ذلك الفعل حال الإقرار، كما هو المفروض. ولا يتوهم أن مالكية إيجاد الفعل شرعا في القضية المتيقنة، وعدمها في المشكوكة

 

ليست من مقومات الموضوع في نظر العرف، فوحدة القضيتين بحسب الموضوع - التي شرط في جريان الاستصحاب - محفوظة عرفا. وقد حقق في محله أن المناط في الاتحاد بين القضيتين هو النظر العرفي وذلك من جهة أن العرف بمناسبة الحكم والموضوع يرون القدرة على إيجاد الفعل شرعا حال إقراره وفي زمانه من مقومات موضوع السلطنة على الإقرار بوقوعه، فلا يبقى مجال لجريان هذا الاستصحاب. فالنتيجة: أن هذه القاعدة لا تجري، ولا يكون إقراره نافذا إلا فيما إذا كان قادرا لإ يجاد الفعل حال إقراره فبناء على هذا لا ينفذ إقراره على الموكل بعد عزله أو انعزاله ولو كان زمان وقوع الفعل الذي أقربه قبل عزله أو انعزاله، وكذا في سائر الفروع وباقي المقامات، كما لو أقر بالرجوع في العدة بعد انقضائها، أو أقر الولي بعقد الصغيرة في صغرها بعد بلوغها، وصيرورتها مالكة أمرها.