قاعدة عدم ضمان الامين

قاعدة عدم ضمان الامين 

 

ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة عدم ضمان الامين إلا مع التعدي والتفريط : وفيها جهات من البحث: (الجهة) الاولى في مداركها وهي أمور: (الاول): عدم وجود السبب لضمانه، وذلك من جهة أن سبب الضمان الواقعي - أي المثل أو القيمة في غير الضمان المعاوضي والعقدي - أمور كلها ليس فيما إذا تلف مال الغير في يد الامين بدون تعد ولا تفريط، لان أحد أسباب الضمان الواقعي هو الاتلاف لقاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن والمفروض في المقام هو التلف لا الاتلاف. الثاني: هو اليد وقد بينا في الجزء الاول من هذا الكتاب في شرح قاعدة اليد (1) أن

 

(هامش)

 

*. القواعد والفوائد ج 1، ص 342، الحق المبين ص 89، مجموعة رسائل ش 18، ص 48، عناوين الاصول عنوان 65، خزائن الاحكام ش 31، دلائل السداد در قواعد فقه واجتهاد ص 68، مجموعه قواعد فقه ص 168، قواعد فقه ص 95، اصول الاستنباط بين الكتاب والسنة ص 107، القواعد ص 17، قواعد فقهى ص 61 القواعد الفقهية (فاضل اللنكراني) ج 1، ص 28، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 251، المبادى العامة للفقه الجعفري ص 284. 1 - القواعد الفقهية ، ج 1، ص 177. (*)

 

اليد التي تكون موجبة للضمان إما هي اليد المعنونة بعنوان العادية كما قيل، ومعلوم أن يد الامين - سواء كانت الامانة مالكية كعين المستأجرة، أو المرهونة عند الملتقط المرتهن، أو العارية عند المستعير وأمثال ذلك، أو كانت أمانة شرعية كاللقطة عند أيام التعريف أو المال المجهول المالك أو أموال الغيب والقصر عند الحاكم الشرعي، أو المأذون، أو المنصوب من قبله لاجل ذلك وغير ذلك مما هو مثلها - ليست يدا عادية. وإما هي يد غير المأذونة من قبل المالك أو من قبل الله تعالى كما هو الصحيح. وأيضا معلوم أن يد الامين إما مأذونة من قبل المالك - سواء كان الاستئمان لنفع المالك كما في أنحاء الاجارات، أو لنفع الامين كما في باب العارية - وإما مأذونة من قبل الله تعالى. الثالث: التغرير، كما ذكرنا وجهه في قاعدة الغرور في الجزء الاول من هذا الكتاب (1). ولا شك في أنه لا تغرير من طرف الامين للمالك بالنسبة إلى المال الذي في يده، ولو كان فهو ضامن ولا يضر بعموم هذه القاعدة لان المراد بها أن صرف تلف مال الغير عنده وفي يده لا يكون موجبا للضمان بدون التعدي والتفريط أما لو وجد سبب آخر فأجنبي عن المقام. الثاني: من وجوه عدم الضمان هو الاخبار. منها: ما في المستدرك عن أمير المؤمنين عليه السلام ليس على المؤتمن ضمان (2). ومنها: ما في الوسائل عن أبان بن عثمان، عمن حدثه، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: وسألته عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان ؟ فقال عليه السلام:

 

(هامش)

 

(1) القواعد الفقهية ج 1، ص 270. (2) مستدرك الوسائل ج 13، ص 16، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 15978. (*)

 

ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا (1). وأيضا في الوسائل عن المقنع قال: سئل الصادق عليه السلام عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله ؟ قال: نعم ولا يمين عليه (2). ومنها: أيضا في الوسائل عن قرب الاسناد: عبد الله بن جعفر، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: ليس لك أن تأتمن من خانك ولا تتهم من إئتمنت 3. وأيضا عنه عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس لك أن تتهم من قد إئتمنته 4. ومنها: الخبر المعروف بينهم: ليس على الامين إلا اليمين . وفي عدم ضمان الامين أخبار أخر في كتب الحديث في كتاب الوديعة العموم من هذا التعليق لكل أمين سواء كان أمينا من طرف المالك أو من قبل الشرع. وأما رواية مقنع فتدل على نفي الضمان بطريق أولى لانها تنفي حتى اليمين ويحكم عليه السلام بقبول قوله. وكذلك روايتا قرب الاسناد كلتاهما مفادهما النهي عن اتهام الامين. وأما الخبر المعروف الجاري على الالسنة - إذا ثبت وجوده - فدلالته واضحة لان المراد من نفي غير اليمين هو الضمان. الثالث: الاجماع فان الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - يستندون لعدم الضمان في موارد عديدة بأنه أمين ويرسلونه إرسال المسلمات من غير إنكار لاحد.

 

(هامش)

 

(1) (1) وسائل الشيعة ج 13، ص 228، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 5، وج 13، ص 237، ابواب كتاب الوديعة، باب 1، ح 8. (2) المصدر، ص 228، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 7. (3) المصدر، ص 229، أبواب كتاب الوديعة، باب 4، ح 9. (4) المصدر، ح 10. (*)

 

فكأن هذه كبرى مسلمة عند الكل وهي أن الامين لا يضمن ونحن إستشكلنا على أمثال هذه الاجماعات في هذا الكتاب فلا نعيد. الرابع: أن الامين المأذون من قبل المالك أو من قبل الشارع لنفع المالك محسن إليه وقال تعالى: (وما على المحسنين من سبيل) 1 وحيث أن كلمة سبيل في الآية الشريفة نكرة واقعة في سياق النفي يفيد العموم فكل سبيل منفي بالنسبة إلى المحسنين. ولاشك أن كون الضمان على عهدة الامين سبيل فبعد الفراغ عن كونه محسنا يكون الضمان منفيا عنه. ويمكن تقريب هذا الوجه بشكل يكون من الاحكام العقلية بان يقال: بعد ما ثبت ان الامين - بالبيان المتقدم - محسن إلى المالك ولم يكن من طرفه تعد ولا تفريط والمال هلك بسبب سماوي مع كمال التوجه في حفظه من طرف الامين فالعقل في هذه الصورة يستقبح تغريم الامين. فعدم غرم الامين وكذلك عدم ضمانه حكم عقلي. وقوله تعالى: (وما على المحسنين من سبيل) تقرير وتثبيت لذلك الحكم العقلي. ولكن هذا الوجه لا يجري في جميع الامناء والمأذونين ففي مثل العارية وان كان المستعير مأذونا من قبل المالك ولكن لا يعد محسنا إلى المالك بل تصرفه في مال المالك لاجل مصلحة نفسه لا المالك. الجهة الثانية في شرح المراد من هذه القاعدة فنقول: أما المراد من الضمان هو الضمان الواقعي أي المثل في المثليات والقيمة في

 

(هامش)

 

(1) التوبة (9): 91. (*)

 

القيميات. وان شئت قلت: إن في موارد اليد غير المأذونة - لا من قبل المالك ولا من قبل الشارع - كل مال وقع تحت اليد إعتبره الشارع في ذمة ذي اليد وفي عهدته. وهذا الامر الاعتباري ثابت في ذمته وعهدته لا يرتفع إلا بأداء نفس المال الذي أخذه مادام نفس المال موجودا وبعد تلفه أيضا ذلك الامر الاعتباري ثابت وباق في عالم الاعتبار التشريعي ولا يرتفع إلا بأداء مثله في المثليات وقيمته في القيميات. وأما وجه هذه الامور: فذكرنا جملة منها في بعض مباحث قاعدة اليد 1 وتفصيله مذكور في الفقه في كتاب الغصب وفي مسألة المقبوض بالعقد الفاسد في كتاب البيع. وأما المراد من الامين هو أن يكون مال الغير في يده باذن من المالك أو من الله من غير خيانة له بالنسبة إلى ذلك المال من فعل أو ترك يوجب تلفه أو نقصا فيه. فبهذا المعنى إن صدر منه تعد أو تفريط بالنسبة إلى ذلك المال يخرج عن كونه أمينا فعدم التعدي والتفريط مأخوذان في حقيقة الامين والاستثناء في القاعدة مستدرك لانه إذا صدر عنه التعدي أو التفريط فهو خائن وليس بأمين فانهما ضدان. فالائتمان عبارة عن تسليم ماله أو شيء آخر إليه واثقا منه بعدم خيانته في حفظه أي يثق به أنه لا يفعل فعلا يضر بذلك المال أو ذلك الشيء ومثل هذا الفعل هو التعدي. وأيضا يثق به أنه لا يترك أمرا وفعلا يكون ترك ذلك الفعل أو ذلك الامر موجبا لضياعه وتلفه أو لورود نقص عليه وهذا هو التفريط. وبناء على هذا يكون الائتمان مقابل الاتهام أي الظن بانه يخون أو خان فعلا. ويشير إلى هذا المعنى روايتا قرب الاسناد المقدم ذكرهما: ليس لك أن تتهم من قد إئتمنته .

 

(هامش)

 

(1) القواعد الفقهية ج 1، ص 177. (*)

 

و ليس لك أن تأتمن من خانك ولا تتهم من إئتمنت . فالامين هو الموثوق به عرفا في اعطاء ماله له بحيث يكون عنده محفوظا إلى أن يرده إلى صاحبه. وهذا الاعطاء قد يكون لمصلحة المالك وقد يكون لمصلحة الآخذ. فالاول كالوديعة وما يشبهها. فالوديعة عبارة عن ايداع ماله أو شيء آخر عند شخص لوثوقه به لكي يسترده فيما بعد. فالامين هو الذي يثق المودع به في ايداع ماله عنده ولذلك كانوا في الجاهلية يخاطبون نبينا صلى الله عليه وآله ب‍ الامين قبل بعثته صلى الله عليه وآله ويودعون عنده الودائع لوثوق جميع الناس به. وأما تصرفات الامين في المال الذي عنده الغير المأذون في تلك التصرفات فتكون موجبة للضمان ولو لم تكن موجبة لتلف المال بل كانت موجبة لازدياد قيمته بل و عينه من جهة خروج اليد عن كونها مأذونة فتكون من قبيل الغصب وتدخل تحت قاعدة المعروفة وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه وذلك لان الخارج عنها هي اليد المأذونة. وأما المراد من التعدي و التفريط اللذان يوجبان الضمان ثم استثنائهما عن قاعدة عدم ضمان الامين: فلم يرد دليل شرعي لهذين العنوانين كي نتكلم في مفهوم التعدي والتفريط من حيث موضوعيتهما للحكم الشرعي. بل الذي يستفاد من الادلة والموارد التي حكم الشارع فيها بالضمان كمورد صحيحة أبي ولاد 1 وغيرها هو إما خروج ذي اليد عن كونه مأذونا في ذلك الفعل

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5، ص 290، باب الرجل يكترى الدابة فيجاوز الحد...، ح 6، تهذيب الاحكام ج 7، ص (*)

 

أو الترك الذي يصدر عنه بالنسبة إلى ذلك المال فإذا كان كذلك فمقتضى قاعدة على اليد هو الضمان لان الخارج عنها هي اليد المأذونة والمفروض أنها غير مأذونة. وإما صدور فعل أو ترك من ذي اليد على مال الغير بحيث يوجب إتلاف ذلك المال فان الاتلاف سبب مستقل للضمان ولا ربط له بقاعدة على اليد. فإذا كان التعدي والتفريط سببا لخروج اليد عن كونها مأذونة أو كانا سببين لاتلاف المال فيكونان موجبين للضمان لما ذكرنا. وما ذكرنا مناسب للمعنى العرفي لهذين اللفظين وذلك لان المتفاهم العرفي من التعدي هو التجاوز ولا شك أن المؤتمن إذا تجاوز عما أذن له في فعل بالنسبة إلى ذلك المال أو ترك فيخرج عن كونه مأذونا فلو تلف ذلك المال يكون ضامنا. وهذا الامر صريح صحيحة أبي ولاد لانه إكترى البغل إلى مكان معين فتجاوز عما أذن له إلى مكان آخر ولذا حكم - عليه السلام - بضمانه لو تلف البغل. والمتفاهم العرفي من التفريط هو التضييع ولا شك في أن تضييع مال الغير عبارة أخرى عن إتلافه أو إيجاد نقص أو عيب فيه وكل ذلك من أسباب الضمان. فالافراط مثل التعدي عبارة عن التجاوز والتفريط عبارة عن التضييع. ولعل هذا المعنى هو المراد من قوله عليه السلام: الجاهل إما مفرط أو مفرط 1. أي إما متجاوز عن الحد أو مضيع. ثم إن الامانة بالمعنى الذي تقدم وهو أن يكون المال عنده باذن صاحبه أو من يكون إذنه معتبرا كاذن صاحبه من كونه وكيلا عنه أو وليا عليه. فهذا الاذن قد يكون من قبل المالك فيسمى ب‍ الامانة المالكية . والاذن من قبل

 

(هامش)

 

215، ح 943، باب الاجارات، ح 25، الاستبصار ج 3، ص 134، ح 483، باب من إكترى دابة إلى موضع فجاز ذلك الموضع...، ح 2، وسائل الشيعة ، ج 13، ص 255، أبواب الاحكام الاجارة، باب 17، ح 1، و ج 17، ص 313، أبواب الغصب، باب 7، ح 1. (1) نهج البلاغة ص 479، الحكمة 70: لا ترى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا . (*)

 

المالك قد يكون من قبل نفسه وقد يكون من قبل وكيله. فمورد الامانة المالكية جميع المعاملات التي تصدر من المالك أو وكيله الواقعة على ماله بدون نقل عين ماله إلى من يعطي ماله بيده سواء كان من جهة تمليك منفعته له ويعطى العين له لاستيفاء تلك المنفعة كباب الاجارات أو تمليك الانتفاع مجانا كباب العارية أو يعطيه للحفظ بدون تمليك منفعته أو الانتفاع به كباب الوديعة أو يعطيه لان يعامل معه بحصة من الربح كباب المضاربة أو لان يزرع فيه بحصة من الحاصل كباب المزارعة أو لان يسقيه بحصة من الثمرة كباب المساقاة أو يعطي ماله لان يحمل من مكان إلى مكان باجرة كالحمالين والمكارين. ففي جميع هذه الموارد سواء صدرت المعاملة من نفسه أو من وكيله يكون المال عند ذي اليد أمانة مالكية ولا يوجب تلفه الضمان إلا مع التعدي والتفريط. وقد يكون الاذن من قبل الشارع وان كان بدون إلتفات من قبل المالك إلى أن ماله بيد فلان وهذه أمانة شرعية كالمعاملات التي تقع على أموال الغيب والقصر بدون أن يكون فيها نقل العين وذلك كجميع ما ذكرنا في الامانة المالكية من الموارد غاية الامر أن الفرق هو أن في الامانة المالكية كان الاذن من المالك أو من وكليه وفي الامانة الشرعية من قبل الله جل شأنه. فلو آجر الحاكم الشرعي أو من يكون وكيلا أو مأذونا من قبله أموال الغيب والقصر أو أودع عند أمين أو أعار فيما إذا كان فيها مصلحة للغيب أو القصر أو أعطى أموالهم للحمالين أو المكارين أو سائر التصرفات التي يطول المقام بذكرها فتلف ذلك المال في يد المأذون من قبلهم فلا يكون من وقع في يده التلف ضامنا لانه أمين ومأذون غاية الامر أن الامانة شرعية لا مالكية. وكذلك الامر في اللقطة فان الواجد والملتقط ليس ضامنا لو تلف ما وجده في يده

 

ما دام مشغولا بالتعريف لانه مأذون في أن يكون هذا المال الذي وجده عنده إلى أن يتم التعريف سنة كاملة أو يحصل له اليأس من معرفة صاحبه فيتصدق به عن قبل صاحبه. والحاصل: أن الامين أي المأذون من قبل المالك أو الشارع في كون مال تحت يده لا يكون ضامنا لذلك المال لو تلف في يده إلا مع التعدي والتفريط بالمعنى المتقدم لما تقدم. واستشكل في عموم هذه القاعدة بموارد منها: حكمهم بالضمان في المقبوض بالسوم مع أن قبضه ووقوعه تحت يده باذن المالك. وفيه: أولا: أن هذه المسألة خلافية وقد ذهب جمع إلى عدم الضمان معللا بأنه أمانة مالكية. وثانيا: على تقدير القول بالضمان يمكن أن يقال بأنه ليس القبض هناك بعنوان الامانة بل بعنوان أن يكون عند اختيار القابض للاشتراء مضمونا عليه بالعوض المسمى. وبعبارة اخرى: أخذه وقبضه يكون بعنوان المقدمية للشراء والضمان بالعوض المسمى فهو خارج عن باب الامانات بكلا قسميه مالكية وشرعية بالتخصص لا بالتخصيص فلا تنخرم القاعدة به لانه خارج عن موضوع الامانة لان موضوعها إما الامانة المالكية أو الامانة الشرعية بالمعنى الذي تقدم وكلاهما ليسا في المقام. ومنها: حكمهم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد فانهم أجروه مجرى الغصب إلا في الاثم إن كان جاهلا بالفساد مع أن القابض مأذون من قبل المالك سواء كان المقبوض الثمن بالنسبة إلى البائع أو المثمن بالنسبة إلى المشتري.

 

وفيه: أن الاذن في القبض في المقبوض بالعقد الفاسد ليس باعتبار الاذن في قبض مال المقبوض منه بل باعتبار قبض نفس مال القابض وانه ملك بالعقد فهو خارج عن موضوع الامانات لان الامانة المالكية هو أن يأذن المالك للقابض في قبض مال المالك الآذن لا ما هو مال نفس القابض. إن قلت: إن ما نحن فيه أي باب المقبوض بالعقد الفاسد أيضا كذلك فان المال واقعا ليس للقابض بل صرف تخيل منه أو منهما إذا كان القابض أو كانا جاهلين بالفساد ولذا لو كان المالك عالما بالفساد فاذن في القبض فقد أذن في قبض ماله فيكون ماله عند القابض أمانة مالكية. قلنا: نعم الامر كما قلت فاذن المالك تعلق واقعا بمال نفس المالك لا القابض ولكن حيث أنه جاهل بالفساد يأذن بعنوان أخذ مال نفسه أي نفس القابض ومثل هذا الاذن لا تتحقق به الامانة قطعا ولا تدخل يد القابض بمثل هذا الاذن تحت عنوان يد المأذونة. ولذلك لو قدم ماله إليه باعتقاد أنه ماله أي مال القابض فاتلفه القابض يكون ضامنا لاتلافه مال الغير أي المعطي. ولا يكون مثل هذا الاذن مانعا عن تحقق الضمان. وكذلك أو قال لزيد: يا صديقي خذ هذا المال فهو لك حلال أو قال: يا صديقي أدخل دارى كل ذلك باعتقاد أنه صديقه وفي الواقع هو عدوه فليس له أن يأخذ ذلك المال أو يدخل داره باعتبار ذلك الاذن الذى منشأه الاشتباه وتخيل أنه صديقه. وإن قيل في هذا المقام: لو خاطب الشخص مثلا وقال: يا زيد أدخل دارى باعتقاد أنه صديقه يجوز له أن يدخل داره وإن لم يكن صديقه وكان صاحب الدار مشتبها في أنه صديقه لان الاذن صدر منه وإن كان مشتبها في جهة الصدور. وأما إن قال: يا صديقي أدخل ففيما لم يكن صديقا له في الواقع ليس له أن يدخل

 

لان الاذن تعلق بعنوان الصديق وهو ليس مصداقا لهذا العنوان على الفرض. وعلى كل حال في المقبوض بالعقد الفاسد ليست يد القابض يد أمانة مع جهل المعطي بالفساد فتدخل تحت قاعدة وعلى اليد ما أخذت . وليس حكمهم بالضمان هناك تخصيص لهذه القاعدة أي قاعدة عدم ضمان الامين إلا مع التعدي أو التفريط . هذا كله مضافا إلى أن إذن المعطي في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ليس بان يكون في يده بلا عوض بل الاذن مقيد بكونه في يده مع العوض غاية الامر العوض المسمى لا الضمان الواقعي. وحيث إن الشارع لم يمض العوض المسمى فيكون عليه العوض الواقعي لانه لم يقدم على الاعطاء مجانا ولم يهتك احترام ماله. وقلنا: إن إذنه بكونه في يده مقيد بكونه في يده مضمونا عليه لا مجانا، فهو أجنبي عن مسألة عدم الضمان على الامين بكلا قسميه أي الامانة المالكية والامانة الشرعية. ومنها: حكمهم بضمان المبيع إن تلف في يد البائع قبل أن يقبض المشتري بعد تحقق المعاملة ووقوعها بجميع شرائطها وأركانها وان كان بقاؤه في يد البائع باذن المالك أي المشتري. وفيه: أن هذا ليس من باب ضمان الامين بل من جهة حكم الشارع بانفساخ العقد آنا ما قبل التلف لكي يقع التلف في ملك البائع فليس من باب الضمانات وتلف ملك الغير في يده وإلا لو كان كذلك فكان مقتضاه الضمان الواقعي أي المثل أو القيمة كل واحد منهما في محله. والدليل على انفساخ العقد ورجوع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكه الاول هي الاخبار الواردة في هذا الباب وقد ذكرناها مع سائر ما قيل أو يمكن أن يقال في كونها دليلا على هذا الحكم في شرح قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من

 

مال بائعه 1. ومنها: أن المالك إذا رضى أن يكون مال المغصوب باقيا في يد الغاصب واذن له في ذلك أي في كونه أمانة فمع ذلك يكون الغاصب ضامنا لو تلف في يده. وفيه: أنه لو كان الامر كذلك وكان بهذه الصورة أي قال إنه أمانة عندك والغاصب أراد الرد وهو لم يقبل وجعله أمانة عنده. فالحق أنه لا ضمان في هذه الصورة وإلا فبصرف الرضا بالبقاء لا تخرج يده عن كونها يد الغاصب. ومنها: أنهم قالوا في باب اللقطة ومجهول المالك: إن له أن يتصدق به عن طرف مالكه ويده أمانة شرعية فمأذون من قبل الشارع ومع ذلك قالوا بالضمان إن وجد صاحبه. وفيه: أنه فرق بين أن يكون في يده أمانة ويحفظه وان يكون له أن يتصدق عن قبل مالكه. ففي الصورة الاولى لو تلف لا ضمان عليه لاجل هذه القاعدة وبل لقاعدة الاحسان لقوله تعالى (ما على المحسنين من سبيل) 2. وأما في الصورة الثانية فالاذن في التصدق عن قبل صاحبه مشروط بان يكون ضامنا له إن وجد. وبعبارة أخرى: جعل الشارع له هذا الحكم مقيد بان يكون عليه الضمان على تقدير ظهور صاحبه. هذا إن قلنا بالضمان وإلا فلا اشكال كي يجاب. ومنها: الاكل في المخمصة فانهم قالوا بانها مأذون في هذا التصرف ومع ذلك

 

(هامش)

 

(1) سيأتي في هذه المجلدة، ص 79 - 100. (2) التوبة (9): 91. (*)

 

قالوا بالضمان. وفيه: أنه لا دخل لهذه المسألة بباب الامانة وأما الاذن من قبل الشارع بالنسبة إلى مثل هذا التصرف وإن كان مسلما لكنه من أول الامر مقيد بالاتلاف بعوض لا مجانا. فهذه المسألة أجنبية عن مسألتنا. وأما الصانع والحمال والمكاري والاجير وأمثالهم من الذين مأذونون من طرف المالك أو من كان بمنزلته كوكيله أو وليه أو الذين هم مأذونون من طرف الشارع بأن يكون المال في يده فليس تلفه موجبا لضمانهم لاجل هذه القاعدة التي أثبتناها بالادلة المتقدمة. وأما إتلافهم لذلك المال فموضوع آخر غير التلف والضمان يكون لاتلافه لو قلنا به في بعض المقامات. فتلخص من مجموع ما ذكرنا من أول القاعدة إلى هاهنا أن قاعدة عدم ضمان الامين لو تلف ما في يده بدون تعد وتفريط قاعدة فقهية ثابتة بالادلة. والنقوض التي أوردوها لا يرد شيء منها عليها وان باب ضمان الاتلاف خارج عن مورد هذه القاعدة فان موردها التلف وضمان اليد كما عرفت. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة وموارد تطبيقها وان ظهرت مما ذكرناه وهو أن كل مورد يكون مال الغير بيد شخص هو مأذون من قبل مالكه أو من قبل الشرع في أن يكون ذلك المال بيده بغير تضمينه من قبل المالك أو بغير اشتراط الاذن من قبل الشارع بكونه ضامنا عند التلف.

 

وبعبارة اخرى: يكون أمينا من قبل مالكه أو من قبل الشارع، ففي مثل هذا المورد لو تلف ذلك المال في يده بدون تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه من ناحية يده. فالموارد التي لا ضمان عليه من جهة إذن المالك في كونه بيده: ككونه وكيله في أنواع المعاملات من بيع أو صلح أو إجارة أو الاخذ بالشفعة أو رهن أو أداء دين أو إعطاء قرض أو مضاربة أو مزارعة أو مساقات أو في شراء حاجة من أمور معاشه أو في شراء ملك أو دار أو بستان أو يعطي ماله للحمالين أو المكارين لحمله ونقله وكثير من الموارد الاخر التي تركناها لوضوحها بعد معرفة الضابط فيها ولان لا تطول المقام. والموارد التي لا ضمان عليه من جهة إذن الشارع: كاللقطة مدة التعريف ومجهول المالك إلى أن يحصل اليأس من معرفة صاحبه وان يتصدق به عن طرف صاحبه بعد حصول شرائط التصدق من وجود الفقير ومعرفته وتحصيل الاذن من الحاكم الشرعي إن لم يكن هو بنفسه متصفا بهذه الصفة. وكيد الحاكم الشرعي أو وكيله أو المأذون من قبله على أموال القصر والغيب. وكيد الاب أو الجد على أموال صغارهما أو كيد الوصي أو القيم من قبلهما عليهم. وكيد صاحب المال الذي تعلق به الخمس أو الزكاة إلى حصول المستحق ووجدان الفقير وإمكان الايصال بهم عرفا أو المال الذي أنقذه من الغرق أو الحرق أو أخذه من يد السارق بدون إطلاع المالك في الموارد الثلاثة. ففي هذه الموارد وكثير من الموارد الاخر من أمثالها لو تلف المال في يد الامين بلا تعد ولا تفريط فلا ضمان عليه من ناحية يده. نعم لو تحقق أحد أسباب الضمان الاخر غير اليد فهو يكون على مقتضاه والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.