قاعدة نفي السبيل

قاعدة نفي السبيل 

 

للكافرين على المسلمين ومن القواعد الفقهية، التي عمل بها الأصحاب، وطبقوها على موارد كثيرة في مختلف أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام، القاعدة المعروفة المشهورة، أي (نفي السبيل للكافرين على المسلمين وبهذه القاعدة تمسك شيخنا الأعظم (قدس سره) في عدم صحة بيع العبد المسلم على الكافر (1). وفيها جهات من البحث: (الجهة) الأولى في مستندها وهو أمور الأول: قوله تعالى: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (2)). والظاهر من معنى الآية الشريفة أن الله تبارك وتعالى لم يجعل ولن يجعل في عالم

 

(هامش)

 

الحق المبين) ص 92، (عناوين الأصول) عنوان 49، (خزائن الأحكام) العدد 22، (اصول الاستنباط بين الكتاب والسنة) ص 127، (القواعد) ص 299، (قواعد فقهيه) ص 224، (القواعد الفقهية) (فاضل اللنكرانى) ج 1، ص 244، (قاعده نفى سبيل در حقوق اسلامي) مهدى شاملو احمدى، ماجستير مدرسه الشهيد مطهري العالية. (1) (المكاسب) ص 158. (2) النساء (4): 141. (*)

 

 

التشريع حكما يكون موجبا لكونه سبيلا وسلطانا للكافرين على المؤمنين. وتشريع جواز بيع عبد المسلم من الكافر ونفوذه وصحته، موجب لسلطنة الكافر على المسلم، منفي بهذه الآية، وكذلك إجارته وإعارته له. ونذكر إن شاء الله تعالى تطبيق هذه القاعدة على مواردها مفصلا ولا شك في أن ظاهر الآية الشريفة لو كان في مقام التشريع هو الذي ذكرنا، ويكون المراد من الجعل المنفي فيها هو الجعل التشريعي لا التكويني، فتكون قاعدة حاكمة على الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية. مثلا الأدلة الأولية مفادها ولاية كل أب أو جد من طرف الأب على أولاده الصغار، أبناء كانوا أو بناتا، ومفاد هذه الآية - بناء على المعنى المذكور - نفي الولاية إذا كان الأب أو الجد من طرف الأب كافرا، والإبن أو البنت كانا مسلمين، وهكذا في سائر موارد تطبيق الآية، فتكون هذه قاعدة حاكمة بالحكومة الواقعية على الأدلة الأولية، مساقها في ذلك مساق حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (1) وقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج (2)). هذا، ولكن ربما يقال - بقرينة قوله تعالى قبله (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) - إن المراد من السبيل هي الحجة في يوم القيامة، أي لا حجة للكافرين على المؤمنين يوم القيامة، بل تكون الحجة للمؤمنين عليهم في ذلك اليوم. ويؤيد هذا المعنى ما رواه الطبري في تفسيره، عن ابن ركيع، بإسناده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال رجل: يا أمير المؤمنين، أرأيت قول الله (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون ؟ قال له علي عليه السلام: (ادنه ادنه) ثم قال (ع) (فالله يحكم بينهم يوم القيامة (ولن يجعل

 

(هامش)

 

(1) (الفقيه) ج 4، ص 334، باب ميراث أهل الملل، ح 5718، (وسائل الشيعة) ج 17، ص 376، أبواب موانع الإرث، باب 1، ح 10. (2) الحج (22): 78. (*)

 

الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) يوم القيامة) وروي أيضا عن آخرين عن علي أمير المؤمنين مثله وروي أيضا بإسناده عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) قال: ذاك يوم القيامة، وأما السبيل في هذا الموضع فالحجة، وروي أيضا عن السدي أنه الحجة (1). ولكن أنت خبير أن تفسير الإمام عليه السلام ببعض مصاديق ما هو المتفاهم العرفي من اللفظ لا ينافي عموم المراد، ولا يقتضي الخروج عما هو ظاهر اللفظ، بل يكون الظهور باقيا على حجييته فيؤخذ بظاهر اللفظ الذى هو عبارة عن نفي غلبة الكافر على المؤمن، سواء أكان بالحجة يوم القيامة، أو في الدنيا بالنسبة الى عالم التشريع. نعم تفسيره عليه السلام بالحجة في يوم القيامة حيث أنه في مقام أنه ليس المراد من نفي السبيل نفي القهر والغلبة الخارجية التكوينية، فتكون تلك الغلبة خارجة عن عموم نفي السبيل، وخروج مثل هذه الغلبة عن العموم أمر واضح محسوس في الخارج، فقد قال الله تبارك وتعالى في قضية إنكسار المسلمين في غزوة أحد: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس (2)). والحاصل: أن الإمام عليه السلام بصدد بيان أن هذا العموم ليس عقليا كي لا يكون قابلا للتخصيص، وأن الغلبة الخارجية خارجة عن تحت العموم. ثم إنه (ع) بين بعض مصاديق المراد الذي هو قريب إلى فهمهم، وهو الغلبة بالبرهان والحجة في يوم القيامة. هذا كله فيما إذا كان المراد من السبيل المنفي هي الغلبة، وأما بناء على ما إستظهرنا من أن المراد منه الحكم الشرعي والغلبة في عالم التشريع - فلا إشكال حتى يحتاج إلى

 

(هامش)

 

(1) (جامع البيان في تفسير القران) ج 5، ص 214. (2) آل عمران (3): 140. (*)

 

جواب. ولا ينافي تفسيره - عليه السلام بالحجة في يوم القيامة ما استظهرناه، لأنه تفسير لا ظاهر الكلام، وللقرآن سبعة أبطن. مضافا إلى أن كل هذه الأمور - أي الغلبة في عالم تشريع الأحكام، والغلبة بالحجة والبرهان في يوم القيامة، والغلبة التكوينية الخارجية كلها - من مصاديق مفهوم الغلبة والسبيل حقيقة وبالحمل الشائع، وإن كان الظاهر كما استظهرناه أن المراد بالجعل المنفي هو الجعل التشريعي لا التكويني. الثاني: قوله عليه السلام: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يورثون). والخبر مشهور معروف، ذكره في الفقيه عن النبي (ص) في المجلد الرابع في باب ميراث أهل الملل (1)، فعمدة الكلام دلالته، وإلا فمن حيث السند موثوق الصدور عن النبي (ص) لاشتهاره بين الفقهاء وعملهم به. والظاهر من هذا الحديث الشريف بقرينه ظاهر الحال أنه في مقام التشريع، وأن الإسلام يكون موجبا لعلو المسلم على غيره في مقام تشريع أحكامه وبالنسبة إلى تلك الأحكام. وبعبارة أخرى: لا يمكن أن يكون الحكم الإسلامي وتشريعه سببا وموجبا لعلو الكافر على المسلم، ففي هذا الحديث الشريف جملتان: إحداهما موجبة، والأخرى سالبة، ومفاد الجملة الأولى الموجبة هو أن الأحكام المجعولة في الإسلام فيما يرجع إلى الأمور التي بين المسلمين والكفار روعي فيها علو جانب المسلمين على الكفار، ومفاد الجملة السالبة عدم علو الكافر على المسلمين من ناحية تلك الأحكام المجعولة. ومما ذكرنا ظهر جواب أن علو الإسلام لادخل له بعلو المسلمين، إذ معنى علو

 

(هامش) * (1) (الفقيه) ج 4، ص 334، باب ميراث أهل الملل، ح 5719. (*)

 

الإسلام إزدياد شوكته وإنتشاره في أنحاء الأرض، إذ بناء على ما استظهرناه من الحديث الشريف - من أن معنى الجملة الأولى الموجبة أي: الإسلام يعلو هو أن أحكام الإسلام توجب علو المسلم على الكافر في الأمور الواقعة بينهما من المعاملات، وغيرها كالولايات والمعاهدات والأنكحة، ولا توجب علو الكافر على المسلم، فليس في الإسلام حكم يكون موجبا لعلو الكافر على المسلم - لا يبقى مجال ووقع لهذا الكلام، ويكون علو الإسلام عبارة أخرى عن علو المسلمين. وحاصل الكلام: أنه بعد الفراغ عن أنه صلى الله عليه وآله وسلم في مقام التشريع لا الإخبار عن أمر خارجي - وهو أن الإسلام له علو وشرف لأنه موجب للنجاة وسعادة الدنيا والآخرة - ولا شك في أن الظاهر من هذا الكلام في هذا المقام أن الإسلام وهذا الدين والشرع يعلو بالمتدينين بهذا الدين على غيرهم، ولا يكون موجبا لعلو الكفار على المتدينين بهذا الدين. الثالث: هو الإجماع المحصل القطعي على أنه ليس هناك حكم مجعول في الإسلام يكون موجبا لتسلط الكافر على المسلم، بل جميع الأحكام المجعولة فيه روعي فيها علو المسلمين على غيرهم، كمسألة عدم جواز تزويج المؤمنة للكافر، وعدم جواز بيع العبد المسلم على الكافر، وعدم صحة جعل الكافر واليا ووليا على المسلم، وأمثال ذلك. ولكن أنت خبير بأن الاتفاق على هذا الأمر أي عدم كون الأحكام الشرعية موجبة لعلو الكافر على المسلم - وإن كان في الجملة مسلما، ولكن كونه من الإجماع المصطلح - عند الأصولي الذي أثبتنا حجيته - في غاية الإشكال بل معلوم العدم، لأن الظاهر أن المتفقين يعتمدون على هذه الأدلة المذكورة. وقد حققنا في الأصول أن مثل هذا الإجماع لا يوجب الحدس القطعي برأي الإمام عليه السلام، وليس مثل هذا الاتفاق مسببا عن رأيه ورضاه (ع) حتى يستكشف من

 

وجوده وجود سببه، بل هو مسبب من الاستظهار من هذه الأدلة، فلا بد وأن يراجع الفقيه إلى نفس هذه الأدلة وأنها هل تدل على هذه القاعدة أم لا ؟ الرابع: مناسبة الحكم والموضوع، بمعنى أن شرف الإسلام وعزته مقتض بل علة تامة لأن لا يجعل في أحكامه وشرائعه ما يوجب ذل المسلم وهوانه، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) (1) فكيف يمكن أن يجعل الله حكما ويشرعه يكون سببا لعلو الكفار على المسلمين، ويلزم المسلم على الامتثال بذلك الحكم ؟ فيكون الكفار هم الأعزة، ويكون المسلمون هم الأذلة الصاغرون، مع أنه تبارك وتعالى حصر العزة لنفسه، ولرسوله، وللمؤمنين في الآية الشريفة التي تقدم ذكرها. والإنصاف أن الفقيه يقطع بعد التأمل فيما ذكرناه بعدم إمكان جعل مثل ذلك الحكم الذي يكون سببا لهوان المسلم وذله بالنسبة إلى الكافر الذي لا احترام له، وهو كالأنعام بل أضل سبيلا. وليس هذا الكلام من باب استخراج الحكم الشرعي بالظن والتخمين كي يكون مشمولا للأدلة الناهية عن العمل بالظن والقول بغير علم والافتراء على الله، بل هو من قبيل تنقيح المناط القطعي بل يكون استظهارا من الأدلة اللفظية القطعية كما تقدم شرحه. وعندي أن هذا الوجه أحسن الوجوه للاستدلال على هذه القاعدة، لأنه مما يركن النفس إليه ويطمئن الفقيه به. نعم ربما يكون هناك مصلحة أهم للإسلام أو المسلمين يكون سببا لجعل حكم يكون موجبا لعلو الكافر على المسلم في بعض الأحيان، كما أنه ربما يجعل حكما يكون موجبا لافناء جماعة من المسلمين، كما في مورد تترس الكفار بالمسلمين، والمسألة مذكورة في كتاب الجهاد مشروحا مفصلا، وسنذكر إن شاء الله تعالى بعض موارد الاستثناء عن هذه القاعدة لمصلحة وملاك أهم.

 

(هامش)

 

(1) المنافقون (63): 8 (*)

 

الجهة الثانية في يان مضمون هذه القاعدة ومفادها، وما هو المراد منها أقول: المراد من هذه القاعدة - كما تقدم شرحه في الجهة الأولى في مقام الاستدلال عليها - هو أنه لم يجعل الله تبارك وتعالى في التشريع الإسلامي حكما يكون من ناحية ذلك الحكم سبيلا وعلوا للكافر على المسلم، ففيما حكينا ونقلنا عن الفقيه من قوله (ص) (والكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يورثون) دلالة صريحة على عدم الاعتناء بشأنهم، وتنزيلهم منزلة الأموات في عدم استحقاقهم الإرث من المورث المسلم، فعلى فرض ثبوت هذه القاعدة بتلك الأدلة المذكورة تكون حاكمة على العمومات الأولية واطلاقاتها. فقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (1) أو سائر آيات الإرث مثلا عام يشمل الوارث الكافر والمسلم، وهذه القاعدة حاكمة على تلك العمومات، لما ذكرنا من قوله (ص) وجعلهم بمنزلة الموتي، فتكون نتيجة هذه الحكومة تخصيص الإرث بالوارث المسلم وحرمان الكافر، وعلى هذا فقس في موارد سائر العمومات والإطلاقات. الجهة الثالثة في ذكر جملة من موارد تطبيق هذه القاعدة فمنها: عدم جواز تملكه - أي الكافر للمسلم بأي نحو من أنحاء التملك الاختياري، سواء أكان بالشراء، أو كان بالصلح، أو بالهبة، أو بأي ناقل شرعي،

 

(هامش)

 

(1) النساء (4): 11. (*)

 

وذلك من جهة أنه على تقدير ثبوت هذه القاعدة فما ذكر أي عدم جواز انتقال العبد المسلم إلى الكافر، يكون من أوضح مصاديق هذه القاعدة، لأنه أي سبيل وعلو يكون أعظم من كون المسلم عبدا مملوكا للكافر لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه ؟ ولذلك لو تملك بالملك القهري - كالإرث فيما إذا كان المورث أيضا كافرا، أو أسلم في ملك الكافر - يجبر على البيع ولا يقر يده عليه، بل يباع عليه، ولا يعتنى بمولاه، كما هو صريح ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد كافر أسلم وهو في ملك مولاه الكافر: في المرسل عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (ع): (إن أمير المؤمنين (ع) أتي بعبد ذمي قد أسلم، فقال (ع) (اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده) (1). وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) في هذا المقام - من معارضة هذه القاعدة بعموم أدلة صحة البيع، ووجوب الوفاء بالعقود، وحل أكل المال بالتجارة عن تراض، وعموم (الناس مسلطون على أموالهم) (2) فيدفع بما ذكرنا في الجهة الثانية من حكومة هذه القاعدة على العمومات الأولية وإطلاقاتها، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جعلهم بمنزلة الموتى في قوله (ص): (والكفار بمنزلة الموتى)، فالكفار خارجون عن تحت تلك العمومات والإطلاقات خروجا تعبديا، وهذا معنى حكومة القاعدة عليها. وسائر المناقشات التي أوردها في هذا المقام واضح الدفع، ولذلك تركنا ذكرها والإيراد عليها.

 

(هامش)

 

(1) (الكافي) ج 7، ص 432، باب النوادر (من كتاب القضاء والأحكام)، ح 19، (تهذيب الأحكام) ج 6، ص 287، ح 795، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 12، ص 282، ابواب عقد البيع وشروطه، باب 28، ح 1. وفي الكافي والتهذيب: (أتي بعبد لذمي قد أسلم) (2) (المكاسب) ص 159. (*)

 

فما قربه من تفسير السبيل بما لا يشمل الملكية - بأن يراد منه السلطنة، فيحكم بتحقق الملك وعدم تحقق السلطنة، بل يكون محجورا عليه مجبورا على بيعه - لا يخلو من خلل، لما تقدم منا من أن نفس المملوكية للكافر سبيل له عليه، وإن كان محجورا عن التصرف فيه ومجبورا على بيعه. نعم ظاهر قوله عليه السلام (اذهبوا فبيعوه من المسلمين ولا تقروه عنده) أن ما هو المنفي استقرار الملك لا أصل الملك، وإلا لا معنى لدفع الثمن إليه، أي إلى مولاه الكافر بعد بيعه، بل لا معنى لبيعه، لأنه لا بيع إلا في ملك. اللهم إلا أن يقال: إن الكافر مالك لماليته لا لنفس العبد، نظير ما قيل في إرث الزوجة بالنسبة إلى الأبنية الموجودة في دار زوجها الميت: وبناء على هذا المعنى لا يبقى إشكال في شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه، أو الأمة المسلمة التي تنعتق عليه، لأن الملكية المتعقبة بالإنعتاق فورا ليست ملكية مستقرة حتى تكون منفية، ولا يحتاج إلى التكلف والقول بأن المراد من السبيل المنفي هي السلطنة لا الملكية. لأن مرادهم إن كان أن الملكية التي حجر على المالك من التصرف في المملوك ليست سبيلا للكافر على العبد المسلم، وتكون خارجة عن تحت هذا المفهوم، وليست مصداقا له. فهذا هو الذي بينا فساده وقلنا إن نفس الملكية أعظم سبيل مضافا إلى أنه على فرض تسليم أنها ليست من مصاديق السبيل - لأن المراد من السبيل هي السلطنة - فلا يمكن إنكار كونها علوا منفيا بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم). وان كان مرادهم أن مثل هذه الملكية خارجة عن تحت السبيل المنفي في الآية حكما، لا موضوعا كي يكون تخصيصا لا أن يكون تخصصا، كما أنه كذلك في الفرض الأول.

 

ففيه: أن هذا التخصيص المنافى لأصالة العموم يحتاج إلى دليل مفقود في المقام. والإنصاف أن القدر المتيقن من الخروج عن عموم الآية تخصيصا أو تخصصا وكذلك عن عموم الحديث الشريف، هو خصوص الملكية غير المستقرة، لا مطلق الملكية التي حجر على مالكها. ثم إنه لا يتوهم أن أمره (عليه السلام) بيبع العبد الذمي الذى أسلم عند مولاه الكافر من المسلمين يدل على عدم سقوط الملكية المستقرة، وإلا كان ينعتق على مولاه الكافر، فلم يكن مجال لبيعه وإعطاء ثمنه له، لأنك قد عرفت أن هذا المقدار من الملكية الموقتة - أي بقاء إلى زمان تحقق البيع - قد خرج عن تحت العموم تخصيصا، والمخصص هو هذه الرواية، أي رواية حماد بن عيسى، فلا يبقى إشكال في البين. ثم إنه بعد ما عرفت ما ذكرنا يظهر لك أنه لا فرق في شمول الآية والحديث الشريف بين أنواع الانتقالات بالأسباب الاختيارية إلى الكافر، فكما لا يجوز بيعه منه كذلك لا يجوز سائر الانتقالات الاختيارية بأى سبب كان، من النواقل الشرعية الاختيارية من صلح أو هبة أو وصية أو غيرها. وأيضا ظهر لك مما ذكرنا أنه لا مجال لاستصحاب الصحة فيما إذا كان كفر المشترى مسبوقا بالإسلام، أو إسلام العبد كان مسبوقا بالكفر، لأنه مضافا إلى أن هذا الاستصحاب استصحاب تعليقي - وقد بينا عدم صحة استصحاب التعليقي في كتابنا (منتهى الأصول) (1) - لا مورد للاستصحاب ولو لم يكن من الاستصحاب التعليقي، لعدم مجال لجريان الاستصحاب الذي هو أصل عملي وإن كان تنزيليا، لوجود الأمارة على خلافه، وهي الآية والرواية. وأما على تقدير عدم دلالة الآية والرواية على فساد البيع، أو الشك فيها، فأيضا لا مجال لاستصحاب الصحة، لحكومة أدلة عمومات صحة العقود وإطلاقاتها على هذا

 

(هامش)

 

(1) (منتهى الأصول) ج 2، ص 463. (*)

 

الاستصحاب. بقي الكلام في أنه هل يجوز إجارة العبد المسلم، أو أمة المسلمة على الكافر، أو لا تصح ؟ فيه أقوال: قول بعدم الجواز مطلقا، وقول بالجواز مطلقا. وقول بالتفصيل بين أن يكون وقوع الإجارة على الذمة فلا تصح - وإلى هذا ذهب جامع المقاصد (1) والمسالك (2) - وبين أن يكون وقوعها على العمل الخارجي فلا تصح. وهناك تفصيل بين الحر والعبد، فتصح في الأول دون الثاني. وحكى هذا التفصيل عن الدروس (3). ومنشأ هذه التفاصيل والأقوال هو صدق العلو والسبيل في بعض الصور دون بعض. ولكن أنت خبير بأن هذه الوجوه والأقوال في هذه المسألة كلها ليس كما ينبغي. أما القول الأول: فلأنه ربما تكون إجارة العبد المسلم للخدمة عند الكافر موجبا لسلطنة الكافر عليه، ولا شك في أن سلطنة الكافر عليه سبيل وعلو عليه بالمعنى الذي ذكرنا للسبيل والعلو، فلا يمكن القول بصحتها مطلقا. كما أن القول الثاني - أي: بطلانها مطلقا - أيضا لا وجه له، كما أن الكافر لو

 

(هامش)

 

(1) (جامع المقاصد) ج 4، ص 63. (2) (مسالك الأفهام) ج 3، ص 167 (3) (الدروس) ج 3، ص 199، كتاب البيع، في شرائط المتعاقدين، درس (239). (*)

 

استأجره للتعلم عنده فليس هناك علو أو سبيل للمستأجر الكافر على المسلم قطعا. وصرف استحقاقه التعليم عليه بواسطة عقد الإجارة ليس علوا عليه قطعا، وإلا ينسد باب جملة من المعاملات بين الكافر وبين المسلم إن لم نقل بانسداد أبواب جميعها، بل ربما يكون بعض الإجارات الواقعة بينهما عزا وعلوا للمسلم عليه كما هو واضح. كما أن القول الثالث، أي التفصيل بين الوقوع على الذمة فتصح، والوقوع على العمل الخارجي فلا تصح، من جهة أن اشتغال ذمة المسلم للكافر علو وسبيل له على المسلم. ففيه: أنه ليس كل اشتغال ذمة علو وسبيل من الذى اشتغلت الذمة له على من اشتغلت ذمته، بل ربما يكون بالعكس، كما ذكرنا في مسألة الإجارة على التعليم. هذا، مضافا إلى القطع بوقوع معاملات بين المسلمين وبين الكفار مع اشتغال ذمة المسلمين لهم من زمان صاحب الشريعة (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى زماننا هذا، بل ربما كان يقع مثل هذه المعاملة بين نفسه (ص) وبينهم. وأما القول الرابع: أي التفصيل بين الحر والعبد وإن كان له وجه، من جهة أن العبد مملوك ويقع تحت اليد، فبعد أن استأجره الكافر من مولاه وتسلمه للعمل عنده خصوصا إذا كان للخدمة بل يكون خادما عنده - فلا شك في صدق السبيل والعلو لأن معنى اليد هي السيطرة والسلطنة الخارجية على الشيء ولو كان غاصبا، فضلا عما إذا كانت يده عليه بحق. ولكن أنت خبير بأن هذا المعنى لا يختص بإجارة العبد، بل ربما تحصل السيطرة والسلطنة العرفية وإن لم يكن عبدا، كما لو آجر الولي الطفل غير البالغ على الكافر، خصوصا إذا كان للخدمة عنده. بل ربما يحصل هذا المعنى - أي السيطرة الخارجية - ولو كان حرا بالغا، كما لو كانت الحرة امرأة استأجرها الكافر لأن تكون خادمة في

 

بيته. هذا، مضافا إلى أنه ليس المناط في عدم الجواز سيطرة الكافر على المسلم، بل المناط كل المناط في عدم صحه الإجارة هو حصول العلو والسبيل للكافر على المسلم. ولا شك في أن في بعض الموارد يحصل العلو والسبيل للكافر على المسلم، سواء أكان الأجير حرا أو عبدا، كما لو كان المسلم خادما أو خادمة عنده وكذلك أيضا لا شك في عدم حصول هذين الأمرين مطلقا، أي سواء أكان الأجير حرا أو عبدا، كما أنه لو استأجر الكافر مسلما لتعليم نفسه أو أولاده، أو طبيبا مسلما لمعالجة نفسه أو مرضاه، بل ربما يكون في بعض الموارد عزا وعلوا للمسلم الأجير عليه. فلابد وأن ينظر إلى موارد الاجارات وأنه هل يحصل من كون المسلم أجيرا للكافر ذلا وهوانا له بحيث يكون الكافر علوا عليه من ناحية هذه الأجارة أم لا ؟ ففي الأول لا تصح الإجارة دون الثاني. ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، ولا بين أن يكون وقوع الإجارة على ما في الذمة أو على العمل الخارجي. وأما الإعارة، فحيث أنه لا بد وأن يكون المعار مملوكا، فالتفصيل الذي كان في الإجارة - بين الحر والعبد - لا مجال هاهنا. وكذلك التفصيل الذي كان في الإجارة بين أن يكون واقعا على الذمة أو واقعا على العمل الخارجي، لعدم اشتغال ذمة المعير بشئ. وعلى كل فالحق في إعارة العبد المسلم للكافر - أيضا مثل الإجارة - هو أنه لو كانت مستلزمة لذل المسلم وهوانا بالنسبة إلى الكافر، أو كانت موجبة لعلو الكافر فلا تصح، كما أنه لو أعاره عبده المسلم أو أمته المسلمة ليكون خادما أو خادمة في بيته، أو شغل آخر من الأشغال الذي يكون موجبا لعلو الكافر عليه.

 

وأما لو لم يكن كذلك، بل ربما كانت موجبة لعز المسلم وعلوه على الكافر، كما أنه لو أعار عبده المسلم لتعليمه، أو معالجته، أو معالجة مرضاه فلا إشكال فيه، وتكون من هذه الجهة حال الإعارة حال الإجارة نعم الإشكال الذي ذكرناه في الإجارة - من أن الأجير إذا كان عبدا فيقع تحت يد الكافر وسيطرته فيكون علوا للكافر على المسلم - يأتي هيهنا أيضا، ولكن الجواب هو الذي ذكرنا في الاجارة. نعم ذكروا أن العارية تسليط المستعير على العين المملوكة للانتفاع بها، فتكون نتيجتها علو المستعير على تلك العين، وسبيل للكافر عليها إذا كانت عين المستعارة عبدا مسلما أو أمة مسلمة. وأما الارتهان عنده، فقد منع عنه في القواعد (1) والإيضا (2) مطلقا، وجوز بعض مطلقا، وفصل الشيخ الأعظم (قدس سره) بين أن يكون العبد المسلم المرهون عند مسلم حسب رضاء الطرفين، وبين أن يكون تحت يد الكافر فجوز في الأول، ومنع في الثاني (3). ولكن الظاهر هو الجواز مطلقا: لما ذكرنا في إجارة وإعارته بأن صرف كونه تحت يد الكافر ليس علوا وسبيلا للكافر عليه، بل صرف وثيقة لا ستيفاء دينه منه عند عدم أداء الراهن، والمباشر للبيع ليس هو الكافركي يكون هذا سبيلا عليه، بل هو المالك أو الحاكم عند امتناعه. وأما الاستيداع عنده، فالظاهر عدم الإشكال فيه، لأن صرف تسليطه على حفظه ليس علوا وسبيلا عليه. اللهم إلا أن يقال: إن تسلطه عليه بكونه في مكان خاص وعدم خروجه عنه

 

(هامش)

 

(1) (قواعد الأحكام) ج 1، ص 158. (2) (ايضاح الفوائد) ج 2، ص 11. (3) (المكاسب) ص 159. (*)

 

مثلا - وان كان هذا التسلط بجعل المالك المسلم - يكون علوا وسبيلا عليه. وأما وقف العبد المسلم على الكافر، فقد يقال بأن حال الوقف حال الأجارة فيما ذكرنا من الأقوال، من المنع مطلقا، والجواز كذلك، والتفصيل الذي ذكرنا. واخترنا من المنع فيما يوجب الذل والهوان وعلو الكافر وسبيله على المسلم، والجواز فيماعدا ذلك. ولكن الظاهر أنه بناء على القول يكون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم فلا تصح مطلقا، لأن نفس كون المسلم ملكا للكافر علو للكافر عليه، وأي علو أعظم من كونه مالكا والمسلم مملوكا له، وقد تقدم هذا الكلام. نعم لو قلنا بعدم كون عين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم فلا بأس بما اخترناه من التفصيل، كما أنه لو وقف عبده المسلم على تعليم أقاربه الكفار أو معالجة مرضاهم فلامنع وأما لو وقف على خدمتهم بأن يكون خادما أو خادمة في بيتهم مثلا فلا يجوز. ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من موارد الجواز والمنع بين فرق المسلمين ممن يقرون ويعترفون بنبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن كلما جاء به من الأحكام الشرعية حق. وبعبارة أخرى: الإسلام والإيمان هوشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والاعتراف بوجوب الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبهذا تحقن الدماء، وعيها جرت المواريث وجاز النكاح. ويدل على هذا ما رواه حمران بن أعين - كما في الكافي - عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول: (الإيمان ما استقر في القلب، وأفضى به إلى الله عز وجل، وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان، إلى أن قال: فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل

 

والأحكام وغير ذلك ؟ فقال: لا، هما يجريان في ذلك مجرى واحد) الحديث (1). ولا يخفى أن ما ذكره في هذا الحديث من الفرق بين المؤمن والمسلم لا يدل على عدم اتحادهما، بل المراد من الإيمان الذي وصفه عليه السلام بما ذكره من الاستقرار في القلب، والعمل بالطاعة لله عز وجل، والتسليم لأمره هو أعلى مراتب الإيمان والإسلام، ولا شك في أنه كان للإسلام والإيمان في زمان نزول هذه الآية معنى واحد، وفي كثير من الموارد من القرآن العظيم استعملا بمعنى واحد، فالمؤمن في قوله تعالى: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (2) يشمل جميع فرق المسلمين. وأما عموم هذا الحكم لأطفال الكفار والمسلمين، بمعنى أن بيع عبد المسلم من أطفال الكفار أو بيع طفل المسلم الذي هو عبد من الكفار هل يجوز أم لا ؟ الظاهر هو الشمول من الطرفين، أي لا يجوز بيع أطفال المسلمين الذين هم عبيد من الكفار، ولو كان المشتري الكافر طفلا، لوحدة الملاك والمناط ولو قلنا بعدم شمول لفظة (الكافرين) و (المؤمنين) لأطفال الطرفين، مع أنه لا وجه للقول بعدم الشمول، لأنه أي فرق في نظر العرف بين من كان عمره أقل بساعة عن حد البلوغ وبين من لا يكون. اللهم إلا أن يدعي أن الشارع استعمل لفظ (المسلم) فيمن كان بالغا وأظهر الاعتقاد بما ذكرنا، ولفظ (الكافر) في البالغ غير المعتقد. ولكن أنت خبير بأن هذه الادعاء لا يخلو من غرابة. ثم إنهم استثنوا من عدم جواز بيع العبد المسلم على الكافر موارد: منها: فيما إذا كان الشراء سببا للانعتاق، أي كان العبد أو الأمة ممن ينعتق على المشتري الكافر، لكونه من أقاربه الذين شرع هذا الحكم في حقهم.

 

(هامش)

 

(1) (الكافي) ج 2، ص 26، باب ان الإيمان يشرك الإسلام و... ح 5 (2) النساء (4): 141. (*)

 

ولكن أنت خبير أن خروج هذا المورد عن تحت عموم الآية والحديث الشريف بالتخصص لا بالتخصيص، ويكون خروجا موضوعيا، لما ذكرنا من أن المراد من السبيل نفي الملكية المستقرة، فالملكية غير المستقرة التي هي موضوع للانعتاق لقوله عليه السلام (إذا ملكوا اعتقوا)، أو قوله (ع) (إذا ملكن اعتقن) (1). ولا شك في أن نسبة الحكم والموضوع كنسبة العلة والمعلول التقدم والتأخر بينهما رتبي، وإلا فحسب الزمان لابد وأن يكونا متحدين، فمثل هذه الملكية لا يعد سبيلا وتكون خارجة عن مفهوم السبيل بل العلو قطعا. ولا يتوهم أن الشيء لا يمكن أن يكون علة انعدام نفسه، فكيف صارت الملكية سببا للانعتاق ؟ وذلك من جهة ما قلنا إن الملكية موضوع للانعتاق، بمعنى أن الشارع حكم على ما صار ملكا له بالانعتاق، ولعله هذا هو المراد من قولهم بالملكية آنا ما، وإن كان لا يخلو عن مسامحة ما. فبناء على ما ذكرنا لا يبقى مجال لعد هذا المورد من موارد الاستثناء. ومنها: من أقر بحرية مسلم ثم اشتراه، وأنه يؤخذ بإقراره ويصير حرا ظاهرا، وإن كان بحسب الواقع عبدا. نعم يرد هاهنا إشكال، وهو العلم بفساد البيع إما لكونه حرا، وإما لكفر المشتري. اللهم إلا أن يقال: إنه على تقدير كونه واقعا عبدا فالبيع صحيح وليس كفر المشتري مانعا عن صحة مثل هذا البيع، لعدم صدق السبيل مع الأخذ بإقراره وصيرورته حرا ولو ظاهرا.

 

(هامش)

 

(1) (تهذيب الأحكام) ج 8، ص 243، ح 877، باب العتق وأحكامه، ح 110، (وسائل الشيعة) ج 13، ص 29، أبواب بيع الحيوان باب 4، ح 1. (*)

 

منها: فيما إذا قال الكافر لمالك العبد المسلم: أعتق عبدك عنى، لأنه لا يمكن العتق عن الكافر إلا بالدخول في ملكه، إذ لا عتق إلا في ملك. فالبناء على صحه عتق عبده المسلم عن قبل الكافر - كما هو المشهور - وتوقف العتق عن قبل شخص على كون ذلك الشخص مالكا، لابد وأن يقال باستثناء هذا المورد أيضا عن عموم عدم جواز بيع العبد المسلم على الكافر. ولكن أنت خبير بأن هذا أيضا يرجع إلى ملكية غير المستقرة، لأنه بانشاء العتق يجعله ملكا للكافر ويعتق عن قبله، فالعتق عن قبل الكافر بالدلالة المطابقة، وجعله مالكا بالالتزام. وقد عرفت أن خروج الملكية غير المستقرة عن تحت هذه القاعدة يكون بالتخصيص لا بالتخصص، فلا مورد للاستثناء. ومنها: فيما إذا اشترط البائع العبد المسلم على الكافر عتقه. فقال في الدروس (1) والروضة (2) بالاستثناء عن عموم الآية والرواية. ولكن أنت خبير بأن صرف الشرط لا يوجب الخروج عن تحت عموم السبيل، وإلا فبدون الشرط أيضا يجب أن يبيعه من مسلم بل يباع عليه. والحق في المقام أنه إن كان الشرط بنحو شرط النتيجة فخارج عن العموم، لأنه بمحض البيع على الكافر تقع النتيجة ويصير حرا، فليس إلا من الملكية غير المستقرة، وقد عرفت خروجه عن تحت العموم بالتخصص. ومنها: أي من الأمور المترتبة على هذه القاعدة ومن موارد تطبيقها عدم ثبوت الولاية للكافر على المسلم وأن يكون له تحكم عليه، فلا يجوز جعله قيما على صغار المسلمين وسفهائهم، بل ومجانينهم، وكما لو كان الميت المسلم له أولاد كفار، فليس لهم الولاية في تجهيزه ودفنه وكفنه، فلا تتوقف هذه الأمور على إذنهم، بل يكون الأمر

 

(هامش)

 

(1) (الدروس) ج 3، ص 199، كتاب البيع، في شرائط المتعاقدين، درس (239). (2) الروضة البهية) ج 3، ص 244 (*)

 

راجعا إلى سائر المسلمين. كل ذلك لأجل نفي السبيل للكافرين على المؤمنين في الآية الشريفة، ولا شك في أن الولاية والتأمر والتحكم على المسلمين سبيل وعلو من الكفار عليهم فمنفي بالآية والرواية. ومنها: عدم توقف صحة نذرالولد المسلم على إذن أبيه الكافر، بناء على توقف صحة نذر الولد على اذن الوالد المسلم، وعدم تمكن الوالد الكافر من حل نذر ولده المسلم، وإن قلنا بأن للوالد المسلم حل نذر ولده: وذلك من جهة أن تمكنه من حل نذره أو توقف صحة نذره على إذن والده الكافر سبيل للكافر على المسلم. ومنها: عدم جواز جعله متوليا على الوقف الذي راجع الى المسلمين، كالمدارس الدينية التى وقف على طلاب العلوم الدينية، فكون الكافر متوليا عليها يرجع إلى أن دخول الطلاب فيها وبقإهم فيها يكون بإذن ذلك الكافر المتولي، وفي أي وقت له حق أن يخرج الطالب عن المدرسة. وكذلك كون الكافر متوليا على المستشفى الذي يكون وقفا على مرضى المسلمين، ومعلوم أن جعل الكافر متوليا على ذلك المستشفى أو تلك المدارس يرجع إلى أن يكون له السبيل على المسلمين، فلا يجوز بحيث يكون الخروج والدخول فيها بإذن ذلك المتولي سبيل للكافر على المسلم وعلو له عليه، المنفيان بالآية والرواية. وهكذا الحال والكلام في المدارس التى توقف على أولاد المسلمين لتربيتهم وتعليمهم، بل الكليات كذلك، فلا يجوز جعل الكافر عميدا لها. فالمراد من عدم الجواز في هذه الموارد عدم الصحة، لا الحرمة التكليفية فقط: لأن جعل الصحة من طرف الشارع في هذه الموارد يلزم منه السبيل والعلو للكافر على المسلم، وقد بينا في معنى الآية أن ظاهرها عدم تشريع الشارع حكما يلزم من ذلك التشريع والجعل سبيل للكافر على المسلم. ومنها: عدم ثبوت حق الشفعة والأخذ بها للكافر فيما إذا كان المشتري مسلما

 

ولو كان البائع كافرا، وذلك من جهة أن جعل هذا الحق له يلزم منه أن يكون للكافر حق انتزاع ملكه، أي المشتري المسلم من يده قهرا عليه ورغما على أنفه، فهذا الجعل يلزم منه السبيل والعلو للكافر على المسلم، فمنفي بالآية والرواية. ولا فرق في لزوم هذا الأمر بين أن يكون البائع مسلما أو كافرا: لأن الشفيع يتلقى الملك من المشتري، ولا علاقة له بالبائع أصلا. ومنها: أن نكاح الكافر تبطل بإسلامها إن لم يسلم الزوج الكافر في العدة، إذ بقاء الزوجية مع كفر الزوج يرجع إلى علو الكافر على الزوجة المسلمة وأن يكون له سبيل عليها، لأن (الرجال قوامون على النساء) (1). وقد قال بعض المفسرين في شأن نزول هذه الآية: إنها نزلت في سعد بن الربيع بن عمرو، وكان من النقباء وفي امرأته حيبة بنت زيد بن أبي وقاص، وهما من الأنصار، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معهاإلى النبي (ص) فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي (ص): (لتقتص من زوجها وانصرفت) فقال النبي (ص): (ارجعوا، هذا جبرئيل أتاني وأنزل. هذه الآية) فقال النبي (ص) (أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير) ورفع القصاص. ولكن أنت خبير بأن هذا النقل لا يخلو عن إشكال، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يفتي بغير ما أراد الله، وعلى كل حال تدل الآية على علو الرجال على النساء، وعليهن أن ينهين بنهيهن، ولا يخالفن أزواجهن فيما إذا أرادوا منهن البضع. وقد روى الطبري في تفسيره روايات عن أشخاص متعددة في تفسير هذه الآية الشريفة، كلها يظهر منها أن الرجل له حق تأديب زوجته، حتى أنه حكي عن الزهري أنه كان يقول: ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس، فمثل هذه السلطة التي موضوعها الزوجية لا يمكن أن يكون مجعولا للكافر، فيدور الأمر بين أن

 

(هامش)

 

(1) النساء (4): 34. (*)

 

يخصص إحدى هاتين الآيتين، ولا مخصص في البين وكلتيهما آبيتان عن التخصيص، فلا بد وأن يقال بارتفاع منشأ هذه السلطة حدوثا وبقاء، أي حدوث الزوجية بينهما ابتداء واستدامة. ومنها: عدم اعتبار التقاطة الطفل المحكوم بإسلامه، لعدم مجئ ذلك الطفل تحت يده، فتكون يده عليه شبه اليد العادية، لأن الإسلام لا يعلى عليه (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (1)). ومنها: عدم جعل حق القصاص للكافر على المسلم، مثلا لو قتل مسلم مسلما عمدا وكان للمسلم المقتول ولدا كافرا، سواء أكان وحده أو معه أولاد مسلمين، فإذا كان غيره وارث مسلم فيختص ذلك الوارث المسلم بحق القصاص، وإن لم يكن وارث آخر وكان وحده يسقط حق القصاص بالمرة، أو يرجع أمره إلى الحاكم. هذه جملة من الموارد التي تنطبق هذه القاعدة عليها، والفقيه المتتبع يجد موارد كثيرة تركنا ذكرها، والعمدة تنقيح هذه الكبرى من حيث مفادها وتحصيل الدليل لإثباتها، وإلا فبعد تمامية هذين الأمرين لا يستصعب على الفقيه المتتبع تعيين مواردها وتطبيقها عليها. والحمد لله أولا وآخرا.

 

(هامش)

 

(1) (جامع البيان في تفسير القران) ج 5، ص 37. (*)