قاعدة الإسلام يجب ما قبله

16 - قاعدة الاشتراك 

 

قاعدة الاشتراك * ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة اشتراك المكلفين في الحكم رجالا ونساء إلى قيام يوم القيامة أي ما دام بقاء هذه الشريعة المقدسة. وبعبارة أخرى: إذا ثبت حكم لاحد المكلفين أو لطائفة منهم - سواء كان ثبوته بخطاب لفظي أو دليل لبي من إجماع أو غيره - فيكون شاملا لجميع المكلفين في جميع الازمنة إلى قيام يوم القيامة إلا أن تكون مأخوذا في الموضوع خصوصية وقيد لا ينطبق إلا على شخص خاص أو طائفة خاصة أو في زمان خاص كزمان حضور الامام عليه السلام مثلا وفي هذه القاعدة جهات من البحث: الجهة الاولى في مداركها وهي أمور: الاول: الاستصحاب بضميمة عدم القول بالفصل بين الحاضرين في زمان التكليف بمعنى أن الشارع إذا أمر شخصا أو طائفة بفعل من الافعال أو نهى عن إرتكاب أمر

 

(هامش)

 

الاصول الاصلية والقواعد الشرعية ص 310، عناوين الاصول عنوان 1، اصول الاستنباط بين الكتاب والسنة ص 115، القواعد ص 41، قواعد فقهي ص 227، القواعد الفقهية (فاضل اللنكراني) ص 295، قواعد الفقيه ش 32، ص 61. (*)

 

كذلك فجميع الموجودين في ذلك الزمان محكومون بذلك الحكم. فإذا قال الراوي السائل عن الامام عليه السلام: نسيت أن في ثوبي أو بدني نجاسة وبعد الفراغ ذكرت ذلك ؟ فقال عليه السلام: إغسل ثوبك أو بدنك واعد الصلاة، نعلم بان جميع الموجودين في زمان جواب الامام عليه السلام محكومون بهذا الحكم وليس مختصا بنفس السائل. فإذا تبين اتحاد الموجودين في زمان صدور ذلك الحكم بالقطع واليقين الوجداني فان حصل شك في بقاء ذلك الحكم في الازمنة المتأخرة وبالنسبة إلى الموجودين بعد ذلك الزمان يستصحب فيثبت بقاؤه تعبدا وبحكم الشارع. وفيه: أولا: أن الخطاب إذا كان متوجها إلى شخص خاص أو طائفة مخصوصة فمن أين نعلم باتحاد الموجودين في هذا الحكم وهو أول الكلام ومصادرة على المطلوب. وثانيا: إذا علمنا اتحاد الموجودين في ذلك الحكم مع من توجه إليه الخطاب فنعلم باتحاد الجميع أي سواء كانوا موجودين أو معدومين لانه لا خصوصية لوجودهم في ذلك الزمان فلا يبقى مجال ومورد للاستصحاب لان موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء وأما مع القطع بالبقاء فلا موضوع له حتى يجري. وثالثا: أدلة اللفظية على بقاء أحكام هذه الشريعة إلى قيام يوم القيامة حاكمة على هذا الاستصحاب. الثاني: الاتفاق القطعي من الاصحاب على اشتراك الجميع في جميع الاعصار والامصار في الحكم المتوجه إلى بعض آحاد المكلفين فانهم - رضوان الله تعالى عليهم - يستدلون من الصدر الاول وأول زمان تأليف الفقه في كتبهم - ككتب ابن الجنيد وابن أبي عقيل القديمين إلى زماننا هذا على الحكم الشرعي لكل واحد من آحاد المكلفين وفي أي زمان كانوا بالخطابات الخاصة المتوجهة إلى شخص خاص

 

كقوله عليه السلام لزرارة أو محمد بن مسلم أو غيرهما في مورد خاص: إغسل أو أعد الصلاة وأمثال ذلك. والانصاف أنه يستكشف من هذا كشفا قطعيا بأنه كان من المسلم المقطوع عندهم اتحاد جميع المكلفين في جميع الاحكام إلا أن يكون موضوع ذلك الحكم مقيدا بقيد حاصل في البعض دون البعض كقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1 فان موضوع وجوب الحج قيد بقيد وهو أن يكون الشخص مستطيعا فمن لم يكن كذلك لا يجب عليه الحج ولكن بعد وجود موضوعه أي الانسان العاقل البالغ الحر المستطيع يشترك في هذا الحكم جميع أفراد هذا الموضوع ومصاديقه في أي عصر ومن أي مصر كانوا. فليس المراد من الاشتراك إلا أن كل من ينطبق عليه عنوان موضوع الحكم فهو محكوم بذلك الحكم وإلا فكيف يمكن أن يقال: إن من لا يكون من مصاديق موضوع الحكم يثبت له هذا الحكم ؟ وهل هذا إلا خلف ومناقضة ؟ ! ومثل هذا الاتفاق القطعي كاشف قطعي عن اتحاد حكم الجميع عندهم عليهم السلام. ولذلك ترى لم يناقش أحد في استدلالهم بالقضايا والخطابات الشخصية لحكم الجميع بل تلقوه بالقبول. نعم ربما يناقشون في أدلتهم من جهات أخر كما هو المتعارف في الابحاث الفقهية. الثالث: إرتكاز عامة المسلمين حتى العوام بأن حكم الله في هذه الواقعة واحد للجميع. ولذلك ترى أن أحدهم لو سئل عن الامام عليه السلام أو عن مقلده حكما شرعيا لموضوع أو لفعل من الافعال وسمع ذلك الحكم غيره ممن هو مثله لا يتأمل ولا يتردد في ثبوته في حقه ولا يحتمل أن يكون حكم الله في حق ذلك السائل غير حكم الله

 

(هامش)

 

(1) آل عمران (3): 97. (*)

 

في حقه فهذا المعنى أي وحدة التكليف واشتراكه بين جميع المكلفين شيء مرتكز في أذهان جميعهم ولا يمكن ذلك إلا بوصوله إليهم من مبدأ الوحي والرسالة ثم من هؤلاء إلى من بعدهم وهكذا إلى زماننا. ولعل إلى هذا ينظر كلام بعض المحققين حيث يقول: والقول بأن الكون في زمان النبي صلى الله عليه وآله دخيل في اتحاد الصنف الذي هو شرط شمول الخطابات هدم لاساس الشريعة وذلك من جهة أن الاحكام إن كانت مخصوصة بالحاضرين في مجلس النبي صلى الله عليه وآله المخاطبين أو مطلق الموجودين في ذلك الزمان فقط فانتهى أمر الدين - العياذ بالله - وتكون الناس بعد ذلك كالبهائم والمجانين. وهذا أمر باطل بالضرورة لانه يوجب هدم أساس الدين. فادعاء الضرورة على اشتراك الجميع في التكاليف لا بعد فيه بل هو كذلك. وهذا لا ينافي اختصاص بعض التكاليف ببعض الطوائف دون بعض بل ببعض الاشخاص دون سائرين لان المراد من الاشتراك عدم اختصاص التكليف بمن توجه الخطاب إليه كما أشرنا إلى ذلك وقلنا: إن قوله عليه السلام لزرارة أو محمد بن مسلم مثلا أعد أو اغسل أو لا يعيد مثلا ليس من جهة اختصاص ذلك الحكم بهما وأمثالهما من الرواة ونقلة الاحاديث بل توجيه الخطاب إليهما أو إلى غيرهما من باب أنهم من مصاديق طبيعة المكلفين ويبينون حكم المسألة بهذه الصورة. وهذا لا ينافي كون موضوع الحكم - أي المكلف - مقيدا ببعض القيود أو متصفا ببعض الصفات أو كونه من طائفة خاصة من الطوائف أو كونه من النساء أو من الرجال وأمثال هذه الاختلافات بل لابد منها لعدم كون الاحكام جزافية بل تابعة للمصالح والمفاسد التي في متعلقاتها وموضوعاتها. والموضوعات والمتعلقات تختلف من حيث المصلحة والمفسدة باعتبار اختلاف قيودها وأوصافها وحالاتها كالحرية والرقية والاستطاعة وعدمها والسفر والحضر

 

وغير ذلك من العوارض والحالات الطارئة على المكلفين. فباعتبار وجود صفة الاستطاعة مثلا يكون صدور الحج من المكلف له مصلحة ملزمة فهذه الصفة توجب وجوب الحج على المكلف فلابد من تقييد الموضوع بهذا القيد ولذلك قيد وجوب الحج في الآية الشريفة بهذا القيد وقال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1. وخلاصة الكلام في المقام أن اختلاف الاحكام بالنسبة إلى المكلفين باختلاف القيود والصفات والحالات الطارئة على الموضوعات من أوضح الواضحات. فليس المراد من قاعدة الاشتراك أن جميع المكلفين سواء كانوا واجدين لقيود موضوع الحكم أم لم يكونوا واجدين حكمهم سواء لان بطلان هذا الكلام ضروري. بل المراد أن الحكم الذي رتب على موضوع يشمل جميع من هو ينطبق عليه الموضوع ؟ أم مختص بمن توجه إليه الخطاب ؟ أو بمن يكون موجودا في زمان الخطاب ؟ وكذلك القضايا الشخصية التي يسأل الراوي الفلاني عن حكمها هل يكون جواب الامام عليه السلام مختصا بنفس السائل ؟ أو يكون عاما لكل من ينطبق عليه موضوع الحكم الذي صدر عنه عليه السلام في مقام الجواب ؟ وبعبارة أخرى: يكون الخطاب إلى السائل بعنوان أنه أحد مصاديق موضوع الحكم لا بعنوانه الشخصي. الرابع: الاخبار الواردة في هذا الباب الدالة على أن حكم الله تعالى مشترك بين الكل وخصوصية الاشخاص - أي العوارض المشخصة لهم - لا دخل لها في كونهم موضوعا للاحكام ككونه ابن فلان أو لونه كذا أو من الطائفة الفلانية وأمثال ذلك. وبعبارة اخرى: الدين الاسلامي عبارة عن مجموع الاحكام المكتوبة في الكتب الفقهية من الطهارات إلى الديات التي أساسها في القرآن الكريم مع شرح وايضاح

 

(هامش)

 

(1) آل عمران (3): 97. (*)

 

وبيان من الاحاديث النبوية أو التفاسير التي صدرت عن الائمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. وهذه الاحكام لم يجعل لشخص خاص أو لطائفة خاصة بل مجعولة لكافة المسلمين بل لجميع ولد آدم من زمان بعثته صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة وليس مخصوصا بزمان دون زمان. وهذا لا ينافي اختصاص النبي صلى الله عليه وآله ببعض الاحكام لان الاحكام - كما قلنا - تابعة للمصالح والمفاسد وذلك الوجود المقدس لامتيازه عن سائر البشر وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال صار موضوعا للاحكام الخاصة به صلى الله عليه وآله. بل يمكن أن يقال: إن تلك الاحكام الخاصة أيضا ليس موضوعها شخص النبي صلى الله عليه وآله بل لعنوان كلي وهو من بلغ إلى هذه المرتبة من الكمال غاية الامر أن الكلي منحصر في الفرد إذ غيره صلى الله عليه وآله لم يصل إلى هذه المرتبة ولن يصل إلى آخر الدهر. وهاهنا تحقيق دقيق في معنى الخاتمية وانها ليست قابلة للتعدد، ليس المقام مقام ذكره. وعلى كل حال كان كلامنا في ذكر الاخبار التي تدل على اشتراك الاحكام بين جميع المكلفين وعدم اختصاصها بالمخاطبين أو الموجودين في زمان الخطاب: فمنها: ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القسم بن يزيد الزبيدي عن أبي عمرو الزهري عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل في كتاب الجهاد في باب من يجوز له جمع العساكر والخروج بها إلى الجهاد قال عليه السلام فيه بعد كلام طويل في شرائط من يتصدى لجمع العساكر للجهاد: لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون من أداء الفرائض عما يسأل عنه

 

الاولون ويحاسبون عما به يحاسبون 1. وظهور هذه الجملات والكلمات في اشتراك جميع المكلفين من الاولين والآخرين في أحكام الله وفرائضه واضح لان كلمة الاولين والآخرين جمع معرف بالالف واللام يفيد العموم فمعنى الحديث عبارة عن أن كل واحد من الاولين سواء في حكم الله عزوجل مع كل واحد من الآخرين وجميع الفرائض عليهم - أي على جميع الاولين والآخرين - واحدة. وهذا أفصح وأوضح عبارة لاتحاد حكم جميع الامة من الاولين والآخرين. نعم المراد من الاتحاد أو الاشتراك اشتراك من كان من مصاديق موضوع الحكم كما تقدم شرحه. والظاهر أن هذا مراد من اعتبر في الاشتراك اتحاد الصنف. ومنها: النبوي المشهور، قال صلى الله عليه وآله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة 2. فان ظاهر هذه الجملة أن حكمي الذي هو حكم الله على أحدكم حكمي على الجميع بمعنى أنه ما أخص أحدا بالحكم بل كلكم في حكمي سواء. هذا هو المتفاهم العرفي والظاهر من هذا الحديث الشريف، ولا شك في حجية ظواهر الالفاظ والجمل فيدل هذا الحديث المبارك على المطلوب وهو المطلوب. ومنها: قوله عليه السلام في الخبر المشهور: حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة 3. تقريب الاستدلال بهذه الرواية أن بقاء الحلال والحرام إلى آخر الازمنة من حياة

 

(هامش)

 

(1) وسائل الشيعة ج 11، ص 23، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب 9، ح 1. (2) بحار الانوار ج 2، ص 272، باب ما يمكن ان يستنبط من الايات والاخبار...، ح 4، وج 80، ص 199، باب آداب الاستنجاء والاستبراء، ح 4. (3) الكافي ج 1، ص 58، باب البدع والرأي والمقائيس، ح 19، وج 2، ص 17، باب الشرائع، ح 2، وسائل الشيعة ج 18، ص 124، أبواب صفات القاضي، باب 12، ح 47. (*)

 

البشر معناه أن الناس في جميع الازمنة سواء في أن حلاله على أهل الزمان المتقدم حلال على أهل الزمان المتأخر وكذلك حرامه صلى الله عليه وآله. فإذا كان مفاد الرواية وظاهرها اتحاد أهالي أزمنة المتأخرة مع أهالي أزمنة المتقدمة في الحكم فتدل على اتحاد أهالي الزمان الواحد في الحكم بطريق أولى إذ مرجع مفاد الرواية إلى أن خصوصيات الشخصية لافراد المكلفين ليست دخيلة فيما هو الموضوع بعد اتحادهم في الصنف بالمعنى الذي تقدم. وأما احتمال أن يكون مفاد الرواية هو الاتحاد في خصوص الحلية والحرمة لا في جميع الاحكام فعجيب إذ الحلال والحرام كناية عن مطلق الاحكام مضافا إلى أن مآل جميع الاحكام ومرجعها إلى الحلال والحرام لان الواجب تركه حرام وفعله حلال بالمعنى الاعم كما أن المستحب والمكروه فعلهما وتركهما حلال بالمعنى الاعم كما أن الحلال بالمعنى الاخص أيضا كذلك مثل المستحب والمكروه. فالحلال والحرام يستوعبان جميع الاحكام التكليفية كما أن الاحكام الوضعية أيضا تنتهي من حيث العمل إلى الحلال والحرام بالمعنى الذي ذكرنا لهما فافهم. ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: فليبلغ الشاهد الغائب 1. ولا شك في دلالة هذا الحديث الشريف على اشتراك الغائبين مع الحاضرين وإلا لو كان الحكم خاصا بالحاضرين لما كان وجه لتبليغهم لانه كان من تبليغ حكم غيرهم إليهم فلابد وان يكون الحكم مشتركا بينهم حتى يأمر صلى الله عليه وآله وسلم الحاضرين بتبليغه إلى الغائبين. وأما احتمال أن يكون مخصوصا بجماعة خاصة من الغائبين مع الحاضرين لا عموم الغائبين.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 1 ص 187، باب فرض طاعة الائمة، ح 10، وج 1، ص 291، باب ما نص الله عزوجل على الائمة عليهم السلام واحدا فواحدا، ح 6، تهذيب الاحكام ج 4، ص 143، ح 399، باب الزيادات، ح 21، وسائل الشيعة ج 5، ص 435، أبواب صلاة الجماعة، باب 36، ح 9. (*)

 

يدفعه: أن ظاهر هذا الكلام هو الامر بتبليغ الحكم إلى عموم الغائبين بل وحتى المعدومين في ذلك الزمان الذين يوجدون فيما بعد فضلا عن الغائبين الموجودين في أماكن مختلفة ومن بلاد متعددة بعيدة أو قريبة. والحاصل: أن المتفاهم العرفي من أمثال هذه العبارة أن الحاضر والغائب بل الموجود فعلا ومن يوجد فيما بعد سواء وهو المطلوب. ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصلوا الرحم 1. وهذا الحديث نص في العموم ولكن ربما يستشكل بانه لا يدل إلا على اشتراك الامة جميعا في هذا الحكم فقط أي وجوب أو استحباب صلة الرحم وأما الاشتراك في سائر الاحكام فساكت عنه. أللهم إلا أن يقال: لا خصوصية لصلة الرحم من بين سائر الفرائض أو يقال: هذا اللسان - أي لسان الوصية إلى الامة في حكم من الاحكام - هو لسان اشتراك الامة في الاحكام الشرعية وكلهم في ذلك سواء. ويمكن أن يستدل للمطلب ببعض الآيات مثل قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) 2 ومثل قوله تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) 3، وكذلك بكثير من الروايات الواردة من أخذ معالم الدين من يونس بن عبد الرحمن 4 وزكريا بن آدم 5 وأمثالهما من الثقات وارجاعهم الناس إلى هؤلاء من الرواة ونقلة الحديث ولا شك في أن هؤلاء لم يتعلموا من الامام عليه السلام في كل موضوع إلا حكما واحدا متعلقا بالجميع وكانوا يذكرون ذلك

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 2، ص 151، باب صلة الرحم، ح 5. (2) النساء (4): 11. (3) التوبة (9): 122. (4) وسائل الشيعة ج 18، ص 107، أبواب صفات القاضي، باب 11، ح 33، 34 و 35. (5) وسائل الشيعة ج 18، ص 106، أبواب صفات القاضي، باب 11، ح 27. (*)

 

الحكم الواحد لكل من يسأل عن ذلك الموضوع أو عن تلك الواقعة ومع ذلك أرجع الامام عيله السلام جمع الشيعة إليهم في أخذ أحكامهم الشرعية. وهذه الروايات يمكن إدعاء القطع بصدور بعضها منهم عليهم السلام فما نسب إلى بعض المحققين من ادعاء تواتر الاخبار على الاشتراك بالمعنى الذي هو الآن محل الكلام ليس بكل البعيد بل المتتبع يجد ذلك من ملاحظة جميع الاخبار الواردة في هذا الباب. الخامس: وهو الوجه الوجيه وما هو التحقيق عندنا: أن جعل الاحكام من الازل على الموضوعات المقدرة الوجود على نحو القضايا الحقيقية وليس من قبيل القضايا الخارجية حتى يكون تسريته إلى غير الحاضرين في مجلس الخطاب أو غير الموجودين في ذلك الزمان بدليل الاشتراك بل شموله للحاضرين والغائبين والموجودين والمعدومين على نسق واحد. وهذا هو شأن القضية الحقيقية الكلية سواء كان إخبارا أو إنشاء فإذا قلت: كل إنسان ضاحك بالقوة لا فرق في شمول هذا الحكم لافراد الانسان بين من كان قبلا موجودا من زمان آدم عليه السلام أو فعلا يكون موجودا أو من يوجد بعد إلى انقضاء زمان حياة البشر ونفخ الصور ويوم البعث والنشور. فكذلك في القضية الحقيقية الانشائية فقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1 الذي في قوة أن يقال بصورة الجملة الخبرية: كل إنسان مستطيع يجب عليه الحج يشمل الموجودين والمعدومين في عرض واحد لان الحكم أي وجوب الحج ثابت على كل انسان مستطيع بمعنى أن كل شخص إذا وجد في الخارج وكان مصداقا للانسان المستطيع يكون الحج واجبا عليه فالحكم على الطبيعة السارية إلى جميع الافراد. وبعبارة أخرى: حيث أن الله تعالى عالم في الازل بوجود المصلحة الملزمة في الفعل

 

(هامش)

 

(1) آل عمران (3): 97. (*)

 

الفلاني الصادر من شخص متصف بكذا وكذا - وهذا العلم علة لجعل الوجوب المتعلق بذلك الفعل على ذلك الشخص المتصف بكذا وكذا - فلا محالة يحصل الجعل فيكون الفعل الكذائي واجبا على كل شخص كان مصداقا لذلك العنوان مع القيود المأخوذة فيه ونسبة الحكم إلى جميع المصاديق في عرض واحد ولو كان بين أفراد ذلك الموضوع تقدم وتأخر بحسب الوجود. فأفراد الانسان المستطيع وان لم تكن بحسب الوجود في عرض واحد بل كان بينها تقدم وتأخر بل وان كان بينها علية ومعلولية ولكن مع ذلك كله شمول الحكم للجميع في عرض واحد لان الحكم على نفس الطبيعة المقدرة الوجود ولا نظر له بالنسبة إلى الافراد الموجودة فعلا في الخارج. ومعلوم أن نسبة الطبيعة إلى أفراد الموجودة فعلا والتي كانت موجودة في الماضي والافراد التي يوجد فيما بعد على حد سواء فإذا كان موضوع الحكم تلك الطبيعة السارية المقدرة الوجود فقهرا يشمل الحكم جميع الافراد الذي يكون من مصاديق ذلك العنوان الذي أخذ موضوعا في القضية الحقيقية في عرض واحد. فلا يبقى محل ومجال لدليل الاشتراك. وفي الحقيقة هذا الوجه الخامس يوجب هدم هذه القاعدة ولا يبقى معه احتياج إلى تلك القاعدة. الجهة الثانية في المراد من هذه القاعدة فنقول: قد تبين من تضاعيف ما ذكرناه في الجهة الاولى أنه ما المراد منها ولكن مع ذلك نقول: إن المراد منها: أن الحكم المتوجه إلى شخص أو طائفة خاصة بحيث أن دليل ذلك الحكم لا يشمل غير ذلك الشخص أو غير تلك الطائفة فدليل الاشتراك

 

يوجب إثباته لكل من كان مصداقا لما أخذ موضوعا لذلك الحكم أي كان متحد الصنف مع ذلك الشخص أو تلك الطائفة فيما إذا توجه الخطاب إليهما. مثلا: يسأل الراوي عن الامام عليه السلام أن فلانا صلى وبعد الفراغ علم أنه صلى في النجس نسيانا لا جهلا ؟ فيقول عليه السلام: يعيد صلاته 1 فهذا الحكم حسب الدليل لذلك الشخص الذي سأل الراوي عن فعله ولكن بدليل الاشتراك يثبت لكل من كان مصداقا لذلك العنوان أي علم بعد الفراغ أنه صلى في النجس نسيانا وهكذا الامر في سائر الاحكام. وكذلك يسأل الراوي مثلا أن رجلا شرب الخمر فيبصق فاصاب ثوبي ؟ قال عليه السلام: لا بأس . وأمثال ذلك كثيرة في جميع أبواب الفقه من أن مورد الحكم شخص خاص أو طائفة خاصة فلشمول الحكم للسائرين لابد من التمسك بدليل الاشتراك. وهذا فيما إذا لم نقل بان جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية وإلا فلا حاجة في تلك الموارد إلى التمسك بدليل الاشتراك بل شمول الحكم لجميع من ينطبق عليه عنوان الموضوع في عرض واحد وبمناط واحد وهو ورود الحكم على الطبيعة المرسلة السارية إلى جميع وجوداتها. ففي جميع تلك الموارد التي توجه الخطاب إلى شخص خاص أو طائفة خاصة يكون من باب أنه أحد مصاديق العام الذي هو موضوع الحكم في الحقيقة لا أنه بخصوصه موضوع كي يحتاج ثبوته لغيره ممن هو مثله إلى دليل الاشتراك. ولذلك قلنا إن الوجه الخامس الذي هو المعتمد عندنا يوجب هدم أساس دليل الاشتراك إذ دليل الاشتراك في مورد اختصاص الحكم من حيث دلالة دليله بنفس المورد وجعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية معناه أن الحكم عام يشمل المورد و ما هو مثله في عرض واحد فلا يبقى محل ومجال لاعمال دليل الاشتراك بل لا

 

(هامش)

 

(1) راجع: وسائل الشيعة ج 2، 1062، أبواب النجاسات، باب 42. (*)

 

موضوع له. الجهة الثالثة في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: موارد تطبيقها كثيرة جذا من أول أبواب الفقه - أي من كتاب الطهارات - إلى كتاب الديات فما من مسألة إلا ويكون مورد الدليل مختصا بشخص أو بطائفة فيحتاج إثبات ذلك الحكم للآخرين إلى دليل الاشتراك. مثلا: في أول كتاب الطهارة في فصل المياه وأقسامها وأول مسألة من هذا الفصل وهو أن الماء الراكد القليل غير البالغ كرا ينفعل بملاقات النجس أو المتنجس وان بلغ كرا فلا. فأدلة هذه المسألة عبارة عن أجوبة الامام عليه السلام عن أسئلة عن أشخاص في موارد خاصة فاثبات ذلك لاشخاص آخرين يحتاج إلى دليل الاشتراك. وأيضا في مسألة تغير الماء بالنجاسة ونجاسته وعدم جواز التوضئ به - وأما لو لم يتغير وغلب على النجس يجوز التوضئ به - الدليل عليه رواية حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب 1. فترى أنه عليه السلام جوز الوضوء والشرب لذلك الشخص الخاص كما أن في مورد التغير نهى ذلك الشخص عن الوضوء والشرب فلابد من إثبات الحكم للآخرين من التمسك بدليل الاشتراك.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 4، باب الماء الذي تكون فيه قلة والماء... ، ح 3 تهذيب الاحكام ج 1، ص 216، ح 625، باب المياه واحكامها وما يجوز التظهر به وما لا يجوز، ح 8، الاستبصار ج 1، ص 12، ح 19، باب حكم الماء الكثير إذا تغير أحد أوصافه، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 102، أبواب الماء المطلق، باب 3، ح 1. (*)

 

وأما إذا قلنا إن هذا الحكم - أي جواز التوضئ والشرب من الماء غير المتغير وعدم جوازهما من الماء المتغير - مجعول على نهج القضايا الحقيقية فشموله لذلك الشخص المخاطب وآخرين في عرض واحد فلا يبقى موضوع لدليل الاشتراك. وفي مسأله عدم تنجس ماء المطر بملاقات البول واختلاطه به حين ينزل المطر روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك 1. فاسراء هذا الحكم إلى غير ذلك الرجل يحتاج إلى قاعدة الاشتراك لو لم نقل بجعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية. وما ذكرنا كان من باب النموذج وإلا فالاستقصاء في موارد تطبيق هذه القاعدة معناه أن نذكر أغلب دورة الفقه مع مداركها من الروايات إذ كما ذكرنا في جميع أبواب الفقه من الطهارات إلى الديات أغلب مسائلها من هذا القبيل. وهم ودفع أما الاول: هو أن هذه القاعدة ليس لها إطراد وانخرمت في مواضع عديدة: منها: مسألة الجهر والاخفات فالمرأة والرجل مختلفان في هذه الحكم في الصلوات الجهرية ولا اشتراك بينهما لانه فيها يتعين على الرجل الجهر وعلى المرأة الاخفات. وفي مسألة الوضوء يتعين على الرجل صب الماء ابتداء على ظهر اليد استحبابا وعلى المرأة بالعكس لما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 12، باب اختلاط ماء المطر بالبول... ح 1، تهذيب الاحكام ج 1، ص 411، 1295، باب المياه وأحكامها، ح 14، وسائل الشيعة ج 1، ص 109، أبواب الماء المطلق، باب 6، ح 4. (*)

 

الرجال بظاهر الذراع 1. وفي الستر في الصلاة يجب على الرجل ستر العورتين فقط أي القبل والدبر وعلى المرأة ستر تمام البدن ما عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين. وأيضا هما مختلفان فيجوز لبس الذهب والحرير في الصلاة وفي غيرها للمرأة ولا يجوزان مطلقا لا في الصلاة ولا في غيرها للرجل. وأيضا هما مختلفان في كيفية القعود في الصلاة كما هو مذكور في الكتب الفقهية. وأيضا هما مختلفان في حال الاحرام فيجوز لبس المخيط للمرأة دون الرجل. وأيضا هما مختلفان في الجهاد وصلاة الجمعة فيجبان على الرجل مع وجود شرائطهما ولا يجبان على المرأة مطلقا. وأيضا هما مختلفان بالنسبة إلى قبول التوبة إذا ارتد كل واحد منهما عن فطرة فتوبة الرجل لا تقبل من الجهات الثلاث - أي من جهة لزوم قتله وتقسيم أمواله على الورثة وابانة زوجته - وأما توبة المرأة فتقبل. وكذلك مختلفان في حكم الزنا فعلى الرجل الجز والتغريب مدة عام وليس على المرأة شيء من هذين. وأيضا هما مختلفان في أن الرجل يجوز إمامته للنساء والمرأة لا يجوز إمامتها للرجال. وأيضا يحرم التظليل حال الاحرام على الرجل دون المرأة. وخلاصة الكلام أن الفرق بين الرجل والمرأة في الاحكام الشرعية وعدم اشتراكهما كثير واستقصاء الجميع مما يطول المقام ولا أثر له والمقصود من ذكر ما

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 28، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل، ح 6، تهذيب الاحكام ج 1، ص 76، ح 193، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه، ح 42، وسائل الشيعة ج 1، ص 328، أبواب الوضوء باب 40، ح 1. (*)

 

ذكرنا من الموارد هو النقض على اطراد هذه القاعدة وانخرامها بهذه الموارد ويكفي لاثبات ذلك ما ذكرنا. وأما الثاني أي دفع هذا الوهم: أن خروج هذه الموارد عن تحت هذه القاعدة ليس من باب التخصيص وانخرامها بل من قبيل التخصص فلا يضر باطراد القاعدة ولا يوجب انخرامها. بيان ذلك: أن المراد من قاعدة الاشتراك ليس أن حكم كل واحد من أفراد البشر متحد مع السائرين متصفا بأي صفة كانت وفي أي حال من الاحوال كان لان هذا باطل بالضرورة إذ لا شك في أن حكم المسافر الافطار والتقصير بخلاف غير المسافر وهكذا حكم المضطر إلى أكل الميتة مثلا أو المكره إليه الجواز واقعا - كما هو نص القرآن في المضطر - ولكن لا يجوز لغيرهما وحرام وهكذا حكم المستطيع وغير المستطيع فالاول يجب عليه الحج دون الثاني وهكذا حكم الفقير والغني في وجوب زكاة الفطرة مثلا. وخلاصة الكلام: أن اختلاف الاحكام باختلاف حالات المكلفين - من العسر واليسر والسفر والحضر والضرر وعدمه والحرج وعدمه والاضطرار وعدمه والاكراه وعدمه والحيض والاستحاضة وعدمهما والجنابة وعدمها إلى غير ذلك من الاختلافات الكثيرة - مما لا يمكن أن ينكر ومن القطعيات بل من الضروريات. بل المراد أنه في مورد اتحاد الصنف بالمعنى الذي ذكرنا له أي فيما إذا كان موضوع الحكم المذكور في القضية ينطبق على من هو مورد الحكم رجلا كان أو امرأة واحدا كان أو متعددا أو كان طائفة وعلى غير المورد من الآخرين ففي مثل هذا الحكم المورد وغير المورد يشتركان. كما أنه في أغلب الاحكام يسأل الراوي عن حكم موضوع فيقول مثلا: رجل أو امرأة شك في عدد ركعات صلاته فيقول عليه السلام مثلا: يبني على الاكثر فليس موضوع

 

وجوب على الاكثر هو ذلك الرجل أو تلك المرأة بل الموضوع هو الشاك في عدد الركعات وذكر الرجل أو المرأة واحدا كان أو متعددا لبيان مصداق القضية الواقعة فحينئذ احتمال اختصاص هذا الحكم بذلك المورد - أي بذلك الرجل أو بتلك المرأة - مدفوع بقاعدة الاشتراك. وأين هذا مما جعل الشارع موضوع حكمه خصوص الرجل أو خصوص المرأة وكيف يمكن أن يدعي عاقل أن الحكم مع أن موضوعه خصوص الرجل مثلا ومع ذلك هو مشترك بين الرجل والمرأة. وهل هذا إلا تخلف الحكم عن موضوعه وهو محال. وما الفرق بين أن يكون اختلاف موضوع الحكم بالذكورة والانوثة وبين أن يكون اختلافهما بالاستطاعة وعدمها أو بالسفر والحضر أو بغير ذلك من العناوين الكثيرة التي توجب اختلاف الاحكام. وحاصل الكلام: أن القيود المأخوذة في جانب موضوع الحكم يوجب عدم اتحاد الصنف ويكون خارجا عن موضوع قاعدة الاشتراك بالتخصص لا بالتخصيص فلا يكون موجبا لعدم اطراد القاعدة فظهر أن موارد النقوض المذكورة في اختلاف الرجل والمرأة كلها خارجة عن موضوع القاعدة ولا يكون نقضا عليها. ثم إن هاهنا كلام في الخنثى المشكل هل له حكم النساء أو ما هو المخصوص بالرجال أو ليس له شيء منهما ؟ فنقول: إن الخنثى على قسمين: مشكل وغير المشكل. والثاني عبارة عمن يحكم عليه بانه من الرجال بواسطة الامارات التي جعلها الشارع أمارة التشخيص أو يحكم عليها بانها من النساء أيضا بواسطة الامارات التي جعلها الشارع أمارة كونها مرأة فهذا ليس بمشكل لانه بالتشخيص بواسطة الامارات يرتفع الاشكال. فهذا القسم لا إشكال فيه لانه ملحق بذلك القسم الذي حكم عليه أنه منهم فيكون من ذلك القسم فان كان ملحقا بالرجال بواسطة الامارات فعليه أن يجهر

 

 

ففك القيد عن الظبي المقيد عادة سبب لان يشرد ويتلف ولو بلحوقه إلى البرية فيصير حاله حال سائر الظباء الموجودة في البر فاعتبار الملكية فيها لغو. وهكذا فتح القفص من الطائر الوحشي وهكذا فك القيد عن العبد المجنون يوجب شروده وهو يوجب تلفه عادة ولم يتوسط بين فعله والتلف في الموارد الثلاثة فعل فاعل عاقل متعمد عن اختيار لان الدابة والطائر حال عدم عقلهما معلوم والثالث - أي المجنون - كون فعله عن عقل خلاف الفرض. نعم لو كان العبد المقيد الذي فك القيد عنه عاقلا فلا ضمان لانه توسط بين فعله - أي فك القيد عنه وتلفه - فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار فيكون هو بنفسه مباشرا لاتلاف نفسه وذلك مثل أن فك القيد عنه فالقى نفسه عن عمد واختيار عن السطح فمات. ومنها: أيضا في الشرائع لو فتح بابا على مال فسرق أو أزال القيد عن عبد عاقل فابق ذا لو دل السارق على مال فسرق فلا ضمان في الجميع 1 لان في جميع هذه الصور توسط بين فعله والتلف فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار فهو المباشر في الاتلاف ومعه لا يسند التلف إلى السبب البعيد. نعم هو بفتح الباب إن كان ملتفتا إلى أنه يمكن أن يوجب السرقة وبدون إذن صاحب الباب وكذلك بالنسبة إلى إزالة القيد يكون آثما وكذلك في دلالته للسارق آثم قطعا للاعانة على الاثم إن دله بقصد أن يسرق. وحكى في الجواهر عن العلامة في الارشاد القول بالضمان فيما لو دل السارق. 2 والظاهر أنه متفرد في هذا القول ولم يوافقه أحد فيه. ثم إن صاحب الجواهر ذكرها هنا فرعا 3 وهو أنه لو وجدت في البئر المذكورة –

 

(هامش)

 

(1) الشرائع ج 3، ص 238. (2) جواهر الكلام ج 37، ص 68. (3) المصدر. (*)

 

أي البئر التي حفرها في الطريق أو في ملك غيره عدوانا وبدون إذن صاحبه - جثة حيوان ميت لا يعلم أن سبب موته هل هو وقوعه فيها كي يكون حافر البئر ضامنا له أو ألقيت ميتة فيها حتى لا يكون ضمان في البين ؟ وحيث أن الضمان موضوعه موته وتلفه بسبب وقوعه فيها فإذا شك فيه يكون مجرى أصالة البرائه عن الضمان، واستصحاب حياته إلى زمان وقوعه مثبت. وأما لو علم بان سبب الموت وقوعه فيها ولكن يحتمل أن يكون بدفع شخص عن عمد واختيار بحيث يكون موجبا لسقوط الضمان عن ذي السبب وذلك لتوسط فعل فاعل عاقل عن عمد واختيار بين ذلك السبب والتلف فالضمان يكون على المباشر المختار لا على ذي السبب. فربما يتوهم كون الضمان على ذي السبب بتوهم أصالة عدم دفع أحد له. ولكن أنت خبير بانه مثبت لان لازم عدم دفع أحد عقلا هو وقوع التلف والتردي بفعل ذي السبب خاصة. إلا أن يقال: إن موضوع الضمان مركب من كون موته بوقوعه فيها مع عدم دفع أحد فأحد جزئي الموضوع وهو الوقوع في البئر بالوجدان على الفرض والجزء الآخر أي عدم دفع أحد بالاصل فتأمل. ومنها: ما قال في الشرائع أيضا: ولو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ضمن إذا لم يكن يحبسه إلا الوكاء كما لو سال منه ما ألان الارض تحته فاندفع ما فيه ضمن بلا خلاف لان فعله سبب مستقل للاتلاف. أما لو فتح رأس الظرف فقلبته الريح أو طائر أو ذاب بالشمس ففي الضمان تردد والاشبه أنه لا يضمن لان الريح والشمس كالمباشر فيبطل حكم السبب. 1 أقول: أما الاول أي إزالة الوكاء الذي هو عبارة عن الرباط الذي يشد به رأس القربة أو غيرها فالظاهر أنه من الاتلاف مباشرة فخارج عن محل الكلام لان فك

 

(هامش)

 

(1) الشرائع ج 3، ص 238. (*)

 

الرباط عن القربة بحيث يكون موجبا لاسالة ما فيها من دهن أو لبن أو دبس أو غيره من المايعات يكون من قبيل المسبب التوليدي كالالقاء في النار والاحراق. ففك الرباط بعنوانه الاولي فك رباط وبعنوانه الثانوي هو إسالة المايع الذي في تلك القربة. وان أنكرت ذلك فلا أقل من أنه من باب العلة التامة والمعلول. هذا فيما إذا كان سيلان ما في الظرف مترتبا على إزالة الوكاء كما هو المفروض. وإلا لو لم يكن كذلك بل كان سيلان ما فيه متوقفا على أمر آخر زائدا على إزالة الوكاء كان يقلبه الريح أو طائر أو على إذابة الشمس له. فهو الشق الآخر الذي ذكره وقال فيه بعدم الضمان معللا بان الريح والشمس كالمباشر فيبطل السبب. وان كان هذا الكلام أيضا محل تأمل بل إشكال لما ذكرنا وتقدم بان كل فعل صدر من فاعل عاقل مختار وكان عادة سببا لوقوع التلف ولم يتوسط بين ذلك السبب والتلف فعل فاعل عاقل مختار وان توسط أمر آخر وعلة أخرى كالريح والطائر والشمس فيكون الضمان على ذي السبب. ولا يبطل حكم السبب إلا بتوسيط فعل فاعل عاقل مختار. فتلخص مما ذكرنا أن الضمان في مسألة إزالة الوكاء يكون من باب الاتلاف بالمباشرة وليس من قبيل الضمان بالتسبيب. وأما في مسألة فتح رأس الظرف واسالة ما فيه من المايع بواسطة إذابة الشمس لما فيه يكون من باب التسبيب. نعم لو لم يكن فتح رأس الظرف سببا لوقوع التلف عادة وانما وقع التلف من باب الاتفاق كما أنه فتح رأس الظرف في الغرفة ومن باب الاتفاق دخل فيها طائر وقلبتها فلا ضمان في هذه الصورة كما أن في صورة تقليب الريح أيضا كذلك لو لم يكن الظرف في مهب الريح وعلى خلاف المتعارف والعادة هبت ريح وقلبته فأيضا لا ضمان لما ذكرنا من أن في الضمان بالتسبيب لا بد وان يكون فعل ذي السبب سببا لوقوع التلف بحسب العادة لا بصرف الاتفاق.

 

وأما مسألة إلانة الارض تحته لا سالة الماء منه بواسطة إزالة الوكاء فهذا من قبيل المعلول فان كان إزالة الوكاء علة لاسالة الماء منه واسالة الماء منه علة لا لانة الارض تحته وإلانة الارض تحته علة لانقلابه وتلف ما فيه فبايجاد السبب الاول تترتب عليه الاسباب الطولية ويكون حالها حال السبب الاول فيمكن أن يقال إن هذا أيضا من الاتلاف مباشرة. ومنها: أيضا ما هو في الشرائع قال قدس سره ولو أرسل في ملكه ماء فأغرق مال غيره أو أجج نارا فاحرقته لم يضمن ما لم يتجاوز قدر حاجته إختيارا مع علمه أو غلبة ظنه إن ذلك موجب للتعدي إلى الاضرار 1. وفي هذه المسألة صور: إحديها: هذه التي ذكرها في الشرائع. الثانية: عين هذه الصورة إلا أنها مع التجاوز عن قدر الحاجة. الثالثة: أن لا يكون له علم ولا غلبة الظن بالتعدي إلى الاضرار مع عدم التجاوز عن قدر الحاجة. الرابعة: فيما إذا تجاوز عن قدر الحاجة ولكن لا علم له ولا ظن بالتعدي. الخامسة: عين هذه الصورة الرابعة ولكن مع العلم بعدم التعدي. السادسة: عين هذه الصورة الخامسة ولكن مع عدم التجاوز عن قدر الحاجة. وفي جميع هذه الصور الست المفروض وقوع التلف وإلا لم يكن محل للبحث في أنه يضمن أو لا يضمن. أقول: أقوال الفقهاء المحققين والاساطين في هذه المسألة مختلفة جدا فليس في المسألة إجماع على الضمان ولا على عدمه فنتكلم فيما هو مقتضى القواعد

 

(هامش)

 

(1) الشرائع ج 3، ص 237. (*)

 

الاولية فنقول: أما الصورة الاولى التي ذكرها في الشرائع فمع علمه بالاضرار وان فعله هذا يكون سببا لتلف مال الغير فلا وجه لتخيل عدم الضمان بصرف إذن الشارع في هذه الفعل لان الاذن الشرعي لا يرفع الآثار الوضعية فلو أذن الشارع في أكل الميتة من باب الاضطرار فلا يرفع هذا الاذن نجاستها. بل يمكن أن يقال: إن هذه الصورة من مصاديق الاتلاف مباشرة وليس من التسبيب لانه إذا علم أنه يترتب على فعله هذا غرق مال الغير أو إحتراقه أو جفاف شجر الجار القريب من النار التي أججها ولو كانت النار في ملكه فهو من مصاديق الاتلاف بالمباشرة حقيقة. هذا مع أن كونه مأذونا في إرسال الماء في ملكه أو تأجيج النار فيه في هذه الصورة كلام بيناه في قاعدة لاضرر. وأما القول بان قاعدة الاتلاف لم ترد بهذه الالفاظ في رواية من من طرقنا وان اشتهرت في الالسنة والافواه فليست دليلا لفظيا كي نتمسك باطلاقها كما ذكره صاحب الجواهر. 1 ففيه أنه بينا في صدر البحث عن هذه القاعدة وقلنا إننا وان لم نجد رواية بهذه الالفاظ لا من طرقنا ولا من طرق الجمهور، ولكن مضمون هذه القاعدة مروية بالسنة مختلفة فتكون من القواعد المصطادة من الموارد المختلفة من الروايات مضافا إلى كونها بهذه الالفاظ من المسلمات بين الخاصة والعامة ولا يزال يستدل الفقهاء عموما بهذه القاعدة على الضمان في الموارد الجزئية المشكوكة. فلو سلمنا أن مدركها الاجماع فقط يكون معقده مطلق فيكون حالها حال الدليل اللفظي فيتمسك باطلاقها.

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 37، ص 60. (*)

 

والانصاف أن هذه الفتوى من مثل المحقق قدس سره شيخ الفقهاء لا يخلو من غرابة وان أسند هذا القول في المسالك إلى العلامة في القواعد والارشاد أيضا 1. وأما الصورة الثانية فتكون سببا للضمان بطريق أولي ولا يحتاج إلى التوضيح والبيان. وأما الصورة الثالثة أي فيما لا يعلم بالتعدي ولا يظن ولم يتجاوز قدر الحاجة فهذه الصورة على قسمين: فتارة ترتب التلف على هذا الفعل ليس غالبيا وبحسب العادة وانما قد يقع اتفاقا لعارض كما أنه من باب الاتفاق هبت ريح بخلاف العادة والمتعارف فاثرت النار في مال الجار. فالظاهر عدم الضمان في هذه الصورة لا لانه مأذون في هذا الفعل لما ذكرنا من أن الاذن لا يرفع الضمان بل لما اشترطنا من أن الضمان لا يكون إلا فيما إذا كان الفعل الصادر عن ذي السبب سببا في الاغلب وبحسب العادة. واخرى يكون غالبيا وبحسب العادة فالظاهر أنه يضمن لان فعله سبب غالبي لوقوع التلف كما أنه في يوم هبوب الريح لو أجج نارا ولكن لم يحصل له علم ولاظن بالتعدي إلى الاضرار بالجار لغفلته أو بلاهته مع أن التعدي في مثل ذلك اليوم لم يكن اتفاقيا بل كان أمرا عاديا متعارفا ففعله هذا سبب عادي للتلف ولم يتوسط بينه وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار الذي هو الضابط في استناد التلف إلى السبب. وأما الصورة الرابعة فيضمن بطريق أولي لان المفروض أنه تجاوز عن قدر الحاجة.

 

(هامش)

 

(1) مسالك الافهام ص 257. (*)

 

وأما الصورة الخامسة فعمدة الوجه في القول بعدم الضمان فيها هو العلم بعدم التعدي. ولكن هذا العلم ليس له أثر لانه على الفرض أوجد سبب التلف الذي هو سبب الضمان ولكن باعتقاد أنه لا يتلف وقد تبين خطأ اعتقاده وانه جهل مركب فما ذكرنا من الضابط في استناد التلف إلى فعله تحقق فيكون ضامنا. واما الصورة السادسة وهي أن لا يتجاوز قدر الحاجة مع علمه بعدم التعدي فإذا كان وقوع التلف اتفاقيا وليس فعله سببا غالبيا لوقوع التلف فلا يضمن لما بينا من اشتراط الضمان بكون فعل ذي السبب سببا غالبيا وإذ ليس فليس. وأما لو كان سببا غالبيا وهو علم بعدم التعدي لغفلته أو بلاهته فيضمن لما ذكرنا في القسم الثاني من الصورة الثالثة. ومنها: ما في التذكرة من أنه: لو فتح القفص أو حل قيد الفرس أو العبد المجنون فبقيا واقفين فجاء إنسان ونفرهما فذهبا فالضمان على منفرهما لان سببه أخص فاختص الضمان به كالدافع والحافر. 1 ولعل مراده بقوله: لان سببه أخص أن فعل المنفر لا ينفك عن فرارهما بخلاف فتح القفص بالنسبة إلى الطائر وحل القيد بالنسبة إلى الفرس والعبد المجنون فانه يمكن أن لا يتعقب بفرار الطائر في فتح القفص وأن لا يتعقب بفرار الفرس والعبد المجنون بالنسبة إلى حل قيدهما فكأنه أراد بذلك أن النفر جزء الاخير من العلة التامة لفرارهما. وأما فتح القفص بالنسبة إلى الطائر الواقف بعد الفتح وكذلك حل القيد بالنسبة إلى الفرس والعبد المجنون الواقفين بعد حل القيد من قبيل المعد. ولا شك في أن استناد المسبب إلى العلة التامة أو الجزء الاخير منها أولي من استناده إلى المعد كما أن في مسألة الحافر والدافع يكون الامر كذلك أيضا فالاستناد

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2، ص 375. (*)

 

إلى الدافع الذي هو الجزء الاخير من علة التلف أولى من استناده إلى المعد الذي هو حفر الحافر. هذا ما قاله في التذكرة مع ما فسرنا به كلامه قدس سره. ولكن أنت عرفت مما ذكرنا في مقدمة هذه الفروع أن من شرائط كون الضمان على السبب هو أن لا يتوسط بين فعل ذي السبب وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار وإلا ينسب إلى ذلك الفاعل لا إلى السبب وذلك واضح جدا. وفيما نحن فيه وقع ذلك التوسط بين السبب الذي هو عبارة عن فتح القفص وعن حل القيد وبين الفرار فعل الفاعل العاقل المختار وهو تنفير ذلك الانسان فينسب الفرار إليه لا إلى فتح القفص أو حل القيد. ومنها: أيضا ما في التذكرة من أنه: لو حل رباط سفينة فذهبت أو غرقت بالحل ضمن لانه سبب في الاتلاف سواء كان يعقب فعله أو تراخى. 1 ونظير هذا الفرع تقدم من أنه لو فك القيد عن الدابة فشردت أو عن العبد المجنون فابق وقلنا: يستفاد من الروايات قاعدة كلية. وهي أن كل فعل صدر عن الفاعل العاقل المختار وكان سببا لتلف شيء ولم يتوسط بينه وبين المسبب - أي التلف - فعل فاعل عاقل مختار فيكون التلف مستندا إلى ذي السبب والضمان عليه. فبناء على هذا حيث أن حل رباط السفينة يكون سببا لذهابها إلى عرض البحر فيوجب غرقها أو ضياعها. فبمقتضى تلك القاعدة يكون الضمان على الذي حل الرباط ولا فرق بين حدوث حادث آخر كهبوب الرياح الشديدة والعواصف الموجبة لغرقها وبين عدم حدوث حادث آخر يوجب ذلك وذلك لما بينا من الضابط في الاستناد إلى السبب فانه حاصل ولا يفرق في كلا المقامين. نعم لو لم يكن هذا الفعل - أي حل رباط السفينة –

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 375. (*)

 

سببا للغرق أو الضياع في العادة بل حدث عاصفة شديدة من باب الاتفاق فيمكن أن يقال بعدم الضمان في مثل هذه الصورة وقد تقدم جميع ذلك. ومنها: ما ذكر في التذكرة أيضا من أنه لو وثبت هرة حال فتح القفص ودخلته وقتلت الطائر لزمه الضمان لان الفتح يشتمل على إغراء الهرة كما في تنفير الطائر 1. والتشبيه بالتنفير لا يخلو من تأمل لان التنفير في حال انفتاح القفص من قبيل العلة التامة بالنسبة إلى طيرانه وفراره بخلاف فتح القفص فيما إذا لم تكن هرة هناك ولكن من باب الاتفاق وجدت هرة حال الفتح. اللهم إلا أن يقال: إن فرض المسألة في صورة وجود الهرة هناك قبل الفتح وهي بحيث لا مانع من و ثوبها على الطائر إلا انسداد باب القفص فيكون التشبيه في محله. وأما الضمان: ففي المفروض على فاتح القفص على كل حال لما ذكرنا من الضابط. إلا أن يقال: إن فتح باب القفص ليس سببا غالبيا لو ثوب الهرة. وجوابه: أن المفروض حضور الهرة حال فتح القفص وفي مثل هذه الصورة سببية الفتح لوثوبها واتلاف الطائر غالبي. ومنها: أيضا ما في التذكرة من أنه لو كان شعير في جراب وبجنبه حمار ففتح فاتح رأسه فأكله الحمار في الحال لزمه الضمان. 2 وهذا الفرع من جميع الجهات التي ذكرناها مثل الفرع السابق فلا نعيد. ولا أرى وجها لذكره بعد ذكر الفرع السابق كما لا أرى وجها لتقييد قوله: فأكله الحمار بكلمة في الحال إلا تخيل أنه لو لم يكن أكله في الحال فليس الاكل مستندا إلى فتح رأسه وإنما هو مستند إلى التفات الحمار بعد غفلته عنه أو إلى حدوث اشتهائه وهو غريب.

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2، ص 375. (2) المصدر. (*)

 

ومنها: ما ذكره في التذكرة أيضا وهو أنه: لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة فاتفق أن افترسه سبع فلا ضمان عليه. 1 وذلك أن النقل إلى المضيعة ليس مثل النقل إلى المسبعة لان النقل إلى المسبعة - أي محل السباع - سبب غالبي لافتراسه. وأما النقل إلى المضيعة فليس سببا غالبيا ولو افترسه السبع كان من باب الاتفاق وقد إشترطنا في السبب الموجب للضمان أن يكون سببا غالبيا للتلف لان المضيعة عبارة عن محل الضياع وعدم الاعتناء بشأن من يسكنه وان تهمل شؤونه. ومنها: ما ذكره في جامع المقاصد من أنه لو منع المالك من إمساك دابته المرسلة حيث يتوقع تلفها مع بقائها مرسلة. كما أنه لو أرسلت في الليل في برية ولا تكون تلك الدابة من الحيوانات القوية التي تقدر على حفظ نفسها من السباع أو لم تكن الارض مأمونة من الاخطار فحينئذ يكون إمساك المالك سببا لبقائها مرسلة وبقاؤها مرسلة ربما ينتهي إلى افتراسها أو تلفها من جهة أخرى. 2 هذه جملة مما ذكره أساطين الفن من فروع الضمان بالتسبيب سواء لم يكن إتلاف بالمباشرة في البين أصلا أو كان ولكن كان ضعيفا. ولكن كل هذه الفروع كانت فيما إذا كان السبب واحدا. أما إذا تعدد السبب سواء كانا إثنين أو أكثر فاما يكونان وجدا في عرض واحد وإما مترتبان في الوجود. أما الاول: فهما أو كلهم إن كانو أكثر من إثنين يشتركون في الضمان وذلك كما أنه لو حفر جماعة بئرا في الطريق فوقع فيها دابة أو مال آخر لان اختصاص بعضهم بالضمان دون بعض ترجيح بلا مرجح. وأما الثاني: أي فيما إذا كانا مترتبين في الوجود فحوالة الضمان على أولهما وجودا وذلك لان مع وجود أولهما تحقق ما هو سبب الضمان ولا يرفع حكمه - أي كونه سببا

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2، ص 376. (2) جامع المقاصد ج 6، ص 219. (*)

 

للضمان - إلا بتوسيط فعل فاعل عاقل مختار بينه وبين التلف والمفروض أنه ليس في المقام. فلو حفر أحدهما بئرا في الطريق أو في ملك غيره بدون إذنه ورضاه، فوضع بعد ذلك شخص آخر حجرا في حافة تلك البئر فعثرت دابة بواسطة ذلك الحجر ووقعت في تلك البئر فالضمان على الحافر لما ذكرنا من الضابط. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

 

16 - قاعدة الاشتراك 

 

قاعدة الاشتراك * ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة اشتراك المكلفين في الحكم رجالا ونساء إلى قيام يوم القيامة أي ما دام بقاء هذه الشريعة المقدسة. وبعبارة أخرى: إذا ثبت حكم لاحد المكلفين أو لطائفة منهم - سواء كان ثبوته بخطاب لفظي أو دليل لبي من إجماع أو غيره - فيكون شاملا لجميع المكلفين في جميع الازمنة إلى قيام يوم القيامة إلا أن تكون مأخوذا في الموضوع خصوصية وقيد لا ينطبق إلا على شخص خاص أو طائفة خاصة أو في زمان خاص كزمان حضور الامام عليه السلام مثلا وفي هذه القاعدة جهات من البحث: الجهة الاولى في مداركها وهي أمور: الاول: الاستصحاب بضميمة عدم القول بالفصل بين الحاضرين في زمان التكليف بمعنى أن الشارع إذا أمر شخصا أو طائفة بفعل من الافعال أو نهى عن إرتكاب أمر

 

(هامش)

 

الاصول الاصلية والقواعد الشرعية ص 310، عناوين الاصول عنوان 1، اصول الاستنباط بين الكتاب والسنة ص 115، القواعد ص 41، قواعد فقهي ص 227، القواعد الفقهية (فاضل اللنكراني) ص 295، قواعد الفقيه ش 32، ص 61. (*)

 

كذلك فجميع الموجودين في ذلك الزمان محكومون بذلك الحكم. فإذا قال الراوي السائل عن الامام عليه السلام: نسيت أن في ثوبي أو بدني نجاسة وبعد الفراغ ذكرت ذلك ؟ فقال عليه السلام: إغسل ثوبك أو بدنك واعد الصلاة، نعلم بان جميع الموجودين في زمان جواب الامام عليه السلام محكومون بهذا الحكم وليس مختصا بنفس السائل. فإذا تبين اتحاد الموجودين في زمان صدور ذلك الحكم بالقطع واليقين الوجداني فان حصل شك في بقاء ذلك الحكم في الازمنة المتأخرة وبالنسبة إلى الموجودين بعد ذلك الزمان يستصحب فيثبت بقاؤه تعبدا وبحكم الشارع. وفيه: أولا: أن الخطاب إذا كان متوجها إلى شخص خاص أو طائفة مخصوصة فمن أين نعلم باتحاد الموجودين في هذا الحكم وهو أول الكلام ومصادرة على المطلوب. وثانيا: إذا علمنا اتحاد الموجودين في ذلك الحكم مع من توجه إليه الخطاب فنعلم باتحاد الجميع أي سواء كانوا موجودين أو معدومين لانه لا خصوصية لوجودهم في ذلك الزمان فلا يبقى مجال ومورد للاستصحاب لان موضوع الاستصحاب هو الشك في البقاء وأما مع القطع بالبقاء فلا موضوع له حتى يجري. وثالثا: أدلة اللفظية على بقاء أحكام هذه الشريعة إلى قيام يوم القيامة حاكمة على هذا الاستصحاب. الثاني: الاتفاق القطعي من الاصحاب على اشتراك الجميع في جميع الاعصار والامصار في الحكم المتوجه إلى بعض آحاد المكلفين فانهم - رضوان الله تعالى عليهم - يستدلون من الصدر الاول وأول زمان تأليف الفقه في كتبهم - ككتب ابن الجنيد وابن أبي عقيل القديمين إلى زماننا هذا على الحكم الشرعي لكل واحد من آحاد المكلفين وفي أي زمان كانوا بالخطابات الخاصة المتوجهة إلى شخص خاص

 

كقوله عليه السلام لزرارة أو محمد بن مسلم أو غيرهما في مورد خاص: إغسل أو أعد الصلاة وأمثال ذلك. والانصاف أنه يستكشف من هذا كشفا قطعيا بأنه كان من المسلم المقطوع عندهم اتحاد جميع المكلفين في جميع الاحكام إلا أن يكون موضوع ذلك الحكم مقيدا بقيد حاصل في البعض دون البعض كقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1 فان موضوع وجوب الحج قيد بقيد وهو أن يكون الشخص مستطيعا فمن لم يكن كذلك لا يجب عليه الحج ولكن بعد وجود موضوعه أي الانسان العاقل البالغ الحر المستطيع يشترك في هذا الحكم جميع أفراد هذا الموضوع ومصاديقه في أي عصر ومن أي مصر كانوا. فليس المراد من الاشتراك إلا أن كل من ينطبق عليه عنوان موضوع الحكم فهو محكوم بذلك الحكم وإلا فكيف يمكن أن يقال: إن من لا يكون من مصاديق موضوع الحكم يثبت له هذا الحكم ؟ وهل هذا إلا خلف ومناقضة ؟ ! ومثل هذا الاتفاق القطعي كاشف قطعي عن اتحاد حكم الجميع عندهم عليهم السلام. ولذلك ترى لم يناقش أحد في استدلالهم بالقضايا والخطابات الشخصية لحكم الجميع بل تلقوه بالقبول. نعم ربما يناقشون في أدلتهم من جهات أخر كما هو المتعارف في الابحاث الفقهية. الثالث: إرتكاز عامة المسلمين حتى العوام بأن حكم الله في هذه الواقعة واحد للجميع. ولذلك ترى أن أحدهم لو سئل عن الامام عليه السلام أو عن مقلده حكما شرعيا لموضوع أو لفعل من الافعال وسمع ذلك الحكم غيره ممن هو مثله لا يتأمل ولا يتردد في ثبوته في حقه ولا يحتمل أن يكون حكم الله في حق ذلك السائل غير حكم الله

 

(هامش)

 

(1) آل عمران (3): 97. (*)

 

في حقه فهذا المعنى أي وحدة التكليف واشتراكه بين جميع المكلفين شيء مرتكز في أذهان جميعهم ولا يمكن ذلك إلا بوصوله إليهم من مبدأ الوحي والرسالة ثم من هؤلاء إلى من بعدهم وهكذا إلى زماننا. ولعل إلى هذا ينظر كلام بعض المحققين حيث يقول: والقول بأن الكون في زمان النبي صلى الله عليه وآله دخيل في اتحاد الصنف الذي هو شرط شمول الخطابات هدم لاساس الشريعة وذلك من جهة أن الاحكام إن كانت مخصوصة بالحاضرين في مجلس النبي صلى الله عليه وآله المخاطبين أو مطلق الموجودين في ذلك الزمان فقط فانتهى أمر الدين - العياذ بالله - وتكون الناس بعد ذلك كالبهائم والمجانين. وهذا أمر باطل بالضرورة لانه يوجب هدم أساس الدين. فادعاء الضرورة على اشتراك الجميع في التكاليف لا بعد فيه بل هو كذلك. وهذا لا ينافي اختصاص بعض التكاليف ببعض الطوائف دون بعض بل ببعض الاشخاص دون سائرين لان المراد من الاشتراك عدم اختصاص التكليف بمن توجه الخطاب إليه كما أشرنا إلى ذلك وقلنا: إن قوله عليه السلام لزرارة أو محمد بن مسلم مثلا أعد أو اغسل أو لا يعيد مثلا ليس من جهة اختصاص ذلك الحكم بهما وأمثالهما من الرواة ونقلة الاحاديث بل توجيه الخطاب إليهما أو إلى غيرهما من باب أنهم من مصاديق طبيعة المكلفين ويبينون حكم المسألة بهذه الصورة. وهذا لا ينافي كون موضوع الحكم - أي المكلف - مقيدا ببعض القيود أو متصفا ببعض الصفات أو كونه من طائفة خاصة من الطوائف أو كونه من النساء أو من الرجال وأمثال هذه الاختلافات بل لابد منها لعدم كون الاحكام جزافية بل تابعة للمصالح والمفاسد التي في متعلقاتها وموضوعاتها. والموضوعات والمتعلقات تختلف من حيث المصلحة والمفسدة باعتبار اختلاف قيودها وأوصافها وحالاتها كالحرية والرقية والاستطاعة وعدمها والسفر والحضر

 

وغير ذلك من العوارض والحالات الطارئة على المكلفين. فباعتبار وجود صفة الاستطاعة مثلا يكون صدور الحج من المكلف له مصلحة ملزمة فهذه الصفة توجب وجوب الحج على المكلف فلابد من تقييد الموضوع بهذا القيد ولذلك قيد وجوب الحج في الآية الشريفة بهذا القيد وقال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1. وخلاصة الكلام في المقام أن اختلاف الاحكام بالنسبة إلى المكلفين باختلاف القيود والصفات والحالات الطارئة على الموضوعات من أوضح الواضحات. فليس المراد من قاعدة الاشتراك أن جميع المكلفين سواء كانوا واجدين لقيود موضوع الحكم أم لم يكونوا واجدين حكمهم سواء لان بطلان هذا الكلام ضروري. بل المراد أن الحكم الذي رتب على موضوع يشمل جميع من هو ينطبق عليه الموضوع ؟ أم مختص بمن توجه إليه الخطاب ؟ أو بمن يكون موجودا في زمان الخطاب ؟ وكذلك القضايا الشخصية التي يسأل الراوي الفلاني عن حكمها هل يكون جواب الامام عليه السلام مختصا بنفس السائل ؟ أو يكون عاما لكل من ينطبق عليه موضوع الحكم الذي صدر عنه عليه السلام في مقام الجواب ؟ وبعبارة أخرى: يكون الخطاب إلى السائل بعنوان أنه أحد مصاديق موضوع الحكم لا بعنوانه الشخصي. الرابع: الاخبار الواردة في هذا الباب الدالة على أن حكم الله تعالى مشترك بين الكل وخصوصية الاشخاص - أي العوارض المشخصة لهم - لا دخل لها في كونهم موضوعا للاحكام ككونه ابن فلان أو لونه كذا أو من الطائفة الفلانية وأمثال ذلك. وبعبارة اخرى: الدين الاسلامي عبارة عن مجموع الاحكام المكتوبة في الكتب الفقهية من الطهارات إلى الديات التي أساسها في القرآن الكريم مع شرح وايضاح

 

(هامش)

 

(1) آل عمران (3): 97. (*)

 

وبيان من الاحاديث النبوية أو التفاسير التي صدرت عن الائمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. وهذه الاحكام لم يجعل لشخص خاص أو لطائفة خاصة بل مجعولة لكافة المسلمين بل لجميع ولد آدم من زمان بعثته صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة وليس مخصوصا بزمان دون زمان. وهذا لا ينافي اختصاص النبي صلى الله عليه وآله ببعض الاحكام لان الاحكام - كما قلنا - تابعة للمصالح والمفاسد وذلك الوجود المقدس لامتيازه عن سائر البشر وبلوغه إلى أعلى مراتب الكمال صار موضوعا للاحكام الخاصة به صلى الله عليه وآله. بل يمكن أن يقال: إن تلك الاحكام الخاصة أيضا ليس موضوعها شخص النبي صلى الله عليه وآله بل لعنوان كلي وهو من بلغ إلى هذه المرتبة من الكمال غاية الامر أن الكلي منحصر في الفرد إذ غيره صلى الله عليه وآله لم يصل إلى هذه المرتبة ولن يصل إلى آخر الدهر. وهاهنا تحقيق دقيق في معنى الخاتمية وانها ليست قابلة للتعدد، ليس المقام مقام ذكره. وعلى كل حال كان كلامنا في ذكر الاخبار التي تدل على اشتراك الاحكام بين جميع المكلفين وعدم اختصاصها بالمخاطبين أو الموجودين في زمان الخطاب: فمنها: ما رواه في الوسائل عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بكر بن صالح عن القسم بن يزيد الزبيدي عن أبي عمرو الزهري عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل في كتاب الجهاد في باب من يجوز له جمع العساكر والخروج بها إلى الجهاد قال عليه السلام فيه بعد كلام طويل في شرائط من يتصدى لجمع العساكر للجهاد: لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون من أداء الفرائض عما يسأل عنه

 

الاولون ويحاسبون عما به يحاسبون 1. وظهور هذه الجملات والكلمات في اشتراك جميع المكلفين من الاولين والآخرين في أحكام الله وفرائضه واضح لان كلمة الاولين والآخرين جمع معرف بالالف واللام يفيد العموم فمعنى الحديث عبارة عن أن كل واحد من الاولين سواء في حكم الله عزوجل مع كل واحد من الآخرين وجميع الفرائض عليهم - أي على جميع الاولين والآخرين - واحدة. وهذا أفصح وأوضح عبارة لاتحاد حكم جميع الامة من الاولين والآخرين. نعم المراد من الاتحاد أو الاشتراك اشتراك من كان من مصاديق موضوع الحكم كما تقدم شرحه. والظاهر أن هذا مراد من اعتبر في الاشتراك اتحاد الصنف. ومنها: النبوي المشهور، قال صلى الله عليه وآله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة 2. فان ظاهر هذه الجملة أن حكمي الذي هو حكم الله على أحدكم حكمي على الجميع بمعنى أنه ما أخص أحدا بالحكم بل كلكم في حكمي سواء. هذا هو المتفاهم العرفي والظاهر من هذا الحديث الشريف، ولا شك في حجية ظواهر الالفاظ والجمل فيدل هذا الحديث المبارك على المطلوب وهو المطلوب. ومنها: قوله عليه السلام في الخبر المشهور: حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة 3. تقريب الاستدلال بهذه الرواية أن بقاء الحلال والحرام إلى آخر الازمنة من حياة

 

(هامش)

 

(1) وسائل الشيعة ج 11، ص 23، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب 9، ح 1. (2) بحار الانوار ج 2، ص 272، باب ما يمكن ان يستنبط من الايات والاخبار...، ح 4، وج 80، ص 199، باب آداب الاستنجاء والاستبراء، ح 4. (3) الكافي ج 1، ص 58، باب البدع والرأي والمقائيس، ح 19، وج 2، ص 17، باب الشرائع، ح 2، وسائل الشيعة ج 18، ص 124، أبواب صفات القاضي، باب 12، ح 47. (*)

 

البشر معناه أن الناس في جميع الازمنة سواء في أن حلاله على أهل الزمان المتقدم حلال على أهل الزمان المتأخر وكذلك حرامه صلى الله عليه وآله. فإذا كان مفاد الرواية وظاهرها اتحاد أهالي أزمنة المتأخرة مع أهالي أزمنة المتقدمة في الحكم فتدل على اتحاد أهالي الزمان الواحد في الحكم بطريق أولى إذ مرجع مفاد الرواية إلى أن خصوصيات الشخصية لافراد المكلفين ليست دخيلة فيما هو الموضوع بعد اتحادهم في الصنف بالمعنى الذي تقدم. وأما احتمال أن يكون مفاد الرواية هو الاتحاد في خصوص الحلية والحرمة لا في جميع الاحكام فعجيب إذ الحلال والحرام كناية عن مطلق الاحكام مضافا إلى أن مآل جميع الاحكام ومرجعها إلى الحلال والحرام لان الواجب تركه حرام وفعله حلال بالمعنى الاعم كما أن المستحب والمكروه فعلهما وتركهما حلال بالمعنى الاعم كما أن الحلال بالمعنى الاخص أيضا كذلك مثل المستحب والمكروه. فالحلال والحرام يستوعبان جميع الاحكام التكليفية كما أن الاحكام الوضعية أيضا تنتهي من حيث العمل إلى الحلال والحرام بالمعنى الذي ذكرنا لهما فافهم. ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: فليبلغ الشاهد الغائب 1. ولا شك في دلالة هذا الحديث الشريف على اشتراك الغائبين مع الحاضرين وإلا لو كان الحكم خاصا بالحاضرين لما كان وجه لتبليغهم لانه كان من تبليغ حكم غيرهم إليهم فلابد وان يكون الحكم مشتركا بينهم حتى يأمر صلى الله عليه وآله وسلم الحاضرين بتبليغه إلى الغائبين. وأما احتمال أن يكون مخصوصا بجماعة خاصة من الغائبين مع الحاضرين لا عموم الغائبين.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 1 ص 187، باب فرض طاعة الائمة، ح 10، وج 1، ص 291، باب ما نص الله عزوجل على الائمة عليهم السلام واحدا فواحدا، ح 6، تهذيب الاحكام ج 4، ص 143، ح 399، باب الزيادات، ح 21، وسائل الشيعة ج 5، ص 435، أبواب صلاة الجماعة، باب 36، ح 9. (*)

 

يدفعه: أن ظاهر هذا الكلام هو الامر بتبليغ الحكم إلى عموم الغائبين بل وحتى المعدومين في ذلك الزمان الذين يوجدون فيما بعد فضلا عن الغائبين الموجودين في أماكن مختلفة ومن بلاد متعددة بعيدة أو قريبة. والحاصل: أن المتفاهم العرفي من أمثال هذه العبارة أن الحاضر والغائب بل الموجود فعلا ومن يوجد فيما بعد سواء وهو المطلوب. ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصلوا الرحم 1. وهذا الحديث نص في العموم ولكن ربما يستشكل بانه لا يدل إلا على اشتراك الامة جميعا في هذا الحكم فقط أي وجوب أو استحباب صلة الرحم وأما الاشتراك في سائر الاحكام فساكت عنه. أللهم إلا أن يقال: لا خصوصية لصلة الرحم من بين سائر الفرائض أو يقال: هذا اللسان - أي لسان الوصية إلى الامة في حكم من الاحكام - هو لسان اشتراك الامة في الاحكام الشرعية وكلهم في ذلك سواء. ويمكن أن يستدل للمطلب ببعض الآيات مثل قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) 2 ومثل قوله تعالى: (فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) 3، وكذلك بكثير من الروايات الواردة من أخذ معالم الدين من يونس بن عبد الرحمن 4 وزكريا بن آدم 5 وأمثالهما من الثقات وارجاعهم الناس إلى هؤلاء من الرواة ونقلة الحديث ولا شك في أن هؤلاء لم يتعلموا من الامام عليه السلام في كل موضوع إلا حكما واحدا متعلقا بالجميع وكانوا يذكرون ذلك

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 2، ص 151، باب صلة الرحم، ح 5. (2) النساء (4): 11. (3) التوبة (9): 122. (4) وسائل الشيعة ج 18، ص 107، أبواب صفات القاضي، باب 11، ح 33، 34 و 35. (5) وسائل الشيعة ج 18، ص 106، أبواب صفات القاضي، باب 11، ح 27. (*)

 

الحكم الواحد لكل من يسأل عن ذلك الموضوع أو عن تلك الواقعة ومع ذلك أرجع الامام عيله السلام جمع الشيعة إليهم في أخذ أحكامهم الشرعية. وهذه الروايات يمكن إدعاء القطع بصدور بعضها منهم عليهم السلام فما نسب إلى بعض المحققين من ادعاء تواتر الاخبار على الاشتراك بالمعنى الذي هو الآن محل الكلام ليس بكل البعيد بل المتتبع يجد ذلك من ملاحظة جميع الاخبار الواردة في هذا الباب. الخامس: وهو الوجه الوجيه وما هو التحقيق عندنا: أن جعل الاحكام من الازل على الموضوعات المقدرة الوجود على نحو القضايا الحقيقية وليس من قبيل القضايا الخارجية حتى يكون تسريته إلى غير الحاضرين في مجلس الخطاب أو غير الموجودين في ذلك الزمان بدليل الاشتراك بل شموله للحاضرين والغائبين والموجودين والمعدومين على نسق واحد. وهذا هو شأن القضية الحقيقية الكلية سواء كان إخبارا أو إنشاء فإذا قلت: كل إنسان ضاحك بالقوة لا فرق في شمول هذا الحكم لافراد الانسان بين من كان قبلا موجودا من زمان آدم عليه السلام أو فعلا يكون موجودا أو من يوجد بعد إلى انقضاء زمان حياة البشر ونفخ الصور ويوم البعث والنشور. فكذلك في القضية الحقيقية الانشائية فقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) 1 الذي في قوة أن يقال بصورة الجملة الخبرية: كل إنسان مستطيع يجب عليه الحج يشمل الموجودين والمعدومين في عرض واحد لان الحكم أي وجوب الحج ثابت على كل انسان مستطيع بمعنى أن كل شخص إذا وجد في الخارج وكان مصداقا للانسان المستطيع يكون الحج واجبا عليه فالحكم على الطبيعة السارية إلى جميع الافراد. وبعبارة أخرى: حيث أن الله تعالى عالم في الازل بوجود المصلحة الملزمة في الفعل

 

(هامش)

 

(1) آل عمران (3): 97. (*)

 

الفلاني الصادر من شخص متصف بكذا وكذا - وهذا العلم علة لجعل الوجوب المتعلق بذلك الفعل على ذلك الشخص المتصف بكذا وكذا - فلا محالة يحصل الجعل فيكون الفعل الكذائي واجبا على كل شخص كان مصداقا لذلك العنوان مع القيود المأخوذة فيه ونسبة الحكم إلى جميع المصاديق في عرض واحد ولو كان بين أفراد ذلك الموضوع تقدم وتأخر بحسب الوجود. فأفراد الانسان المستطيع وان لم تكن بحسب الوجود في عرض واحد بل كان بينها تقدم وتأخر بل وان كان بينها علية ومعلولية ولكن مع ذلك كله شمول الحكم للجميع في عرض واحد لان الحكم على نفس الطبيعة المقدرة الوجود ولا نظر له بالنسبة إلى الافراد الموجودة فعلا في الخارج. ومعلوم أن نسبة الطبيعة إلى أفراد الموجودة فعلا والتي كانت موجودة في الماضي والافراد التي يوجد فيما بعد على حد سواء فإذا كان موضوع الحكم تلك الطبيعة السارية المقدرة الوجود فقهرا يشمل الحكم جميع الافراد الذي يكون من مصاديق ذلك العنوان الذي أخذ موضوعا في القضية الحقيقية في عرض واحد. فلا يبقى محل ومجال لدليل الاشتراك. وفي الحقيقة هذا الوجه الخامس يوجب هدم هذه القاعدة ولا يبقى معه احتياج إلى تلك القاعدة. الجهة الثانية في المراد من هذه القاعدة فنقول: قد تبين من تضاعيف ما ذكرناه في الجهة الاولى أنه ما المراد منها ولكن مع ذلك نقول: إن المراد منها: أن الحكم المتوجه إلى شخص أو طائفة خاصة بحيث أن دليل ذلك الحكم لا يشمل غير ذلك الشخص أو غير تلك الطائفة فدليل الاشتراك

 

يوجب إثباته لكل من كان مصداقا لما أخذ موضوعا لذلك الحكم أي كان متحد الصنف مع ذلك الشخص أو تلك الطائفة فيما إذا توجه الخطاب إليهما. مثلا: يسأل الراوي عن الامام عليه السلام أن فلانا صلى وبعد الفراغ علم أنه صلى في النجس نسيانا لا جهلا ؟ فيقول عليه السلام: يعيد صلاته 1 فهذا الحكم حسب الدليل لذلك الشخص الذي سأل الراوي عن فعله ولكن بدليل الاشتراك يثبت لكل من كان مصداقا لذلك العنوان أي علم بعد الفراغ أنه صلى في النجس نسيانا وهكذا الامر في سائر الاحكام. وكذلك يسأل الراوي مثلا أن رجلا شرب الخمر فيبصق فاصاب ثوبي ؟ قال عليه السلام: لا بأس . وأمثال ذلك كثيرة في جميع أبواب الفقه من أن مورد الحكم شخص خاص أو طائفة خاصة فلشمول الحكم للسائرين لابد من التمسك بدليل الاشتراك. وهذا فيما إذا لم نقل بان جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية وإلا فلا حاجة في تلك الموارد إلى التمسك بدليل الاشتراك بل شمول الحكم لجميع من ينطبق عليه عنوان الموضوع في عرض واحد وبمناط واحد وهو ورود الحكم على الطبيعة المرسلة السارية إلى جميع وجوداتها. ففي جميع تلك الموارد التي توجه الخطاب إلى شخص خاص أو طائفة خاصة يكون من باب أنه أحد مصاديق العام الذي هو موضوع الحكم في الحقيقة لا أنه بخصوصه موضوع كي يحتاج ثبوته لغيره ممن هو مثله إلى دليل الاشتراك. ولذلك قلنا إن الوجه الخامس الذي هو المعتمد عندنا يوجب هدم أساس دليل الاشتراك إذ دليل الاشتراك في مورد اختصاص الحكم من حيث دلالة دليله بنفس المورد وجعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية معناه أن الحكم عام يشمل المورد و ما هو مثله في عرض واحد فلا يبقى محل ومجال لاعمال دليل الاشتراك بل لا

 

(هامش)

 

(1) راجع: وسائل الشيعة ج 2، 1062، أبواب النجاسات، باب 42. (*)

 

موضوع له. الجهة الثالثة في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: موارد تطبيقها كثيرة جذا من أول أبواب الفقه - أي من كتاب الطهارات - إلى كتاب الديات فما من مسألة إلا ويكون مورد الدليل مختصا بشخص أو بطائفة فيحتاج إثبات ذلك الحكم للآخرين إلى دليل الاشتراك. مثلا: في أول كتاب الطهارة في فصل المياه وأقسامها وأول مسألة من هذا الفصل وهو أن الماء الراكد القليل غير البالغ كرا ينفعل بملاقات النجس أو المتنجس وان بلغ كرا فلا. فأدلة هذه المسألة عبارة عن أجوبة الامام عليه السلام عن أسئلة عن أشخاص في موارد خاصة فاثبات ذلك لاشخاص آخرين يحتاج إلى دليل الاشتراك. وأيضا في مسألة تغير الماء بالنجاسة ونجاسته وعدم جواز التوضئ به - وأما لو لم يتغير وغلب على النجس يجوز التوضئ به - الدليل عليه رواية حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب 1. فترى أنه عليه السلام جوز الوضوء والشرب لذلك الشخص الخاص كما أن في مورد التغير نهى ذلك الشخص عن الوضوء والشرب فلابد من إثبات الحكم للآخرين من التمسك بدليل الاشتراك.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 4، باب الماء الذي تكون فيه قلة والماء... ، ح 3 تهذيب الاحكام ج 1، ص 216، ح 625، باب المياه واحكامها وما يجوز التظهر به وما لا يجوز، ح 8، الاستبصار ج 1، ص 12، ح 19، باب حكم الماء الكثير إذا تغير أحد أوصافه، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 102، أبواب الماء المطلق، باب 3، ح 1. (*)

 

وأما إذا قلنا إن هذا الحكم - أي جواز التوضئ والشرب من الماء غير المتغير وعدم جوازهما من الماء المتغير - مجعول على نهج القضايا الحقيقية فشموله لذلك الشخص المخاطب وآخرين في عرض واحد فلا يبقى موضوع لدليل الاشتراك. وفي مسأله عدم تنجس ماء المطر بملاقات البول واختلاطه به حين ينزل المطر روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في ميزابين سالا أحدهما بول والآخر ماء المطر فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضره ذلك 1. فاسراء هذا الحكم إلى غير ذلك الرجل يحتاج إلى قاعدة الاشتراك لو لم نقل بجعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية. وما ذكرنا كان من باب النموذج وإلا فالاستقصاء في موارد تطبيق هذه القاعدة معناه أن نذكر أغلب دورة الفقه مع مداركها من الروايات إذ كما ذكرنا في جميع أبواب الفقه من الطهارات إلى الديات أغلب مسائلها من هذا القبيل. وهم ودفع أما الاول: هو أن هذه القاعدة ليس لها إطراد وانخرمت في مواضع عديدة: منها: مسألة الجهر والاخفات فالمرأة والرجل مختلفان في هذه الحكم في الصلوات الجهرية ولا اشتراك بينهما لانه فيها يتعين على الرجل الجهر وعلى المرأة الاخفات. وفي مسألة الوضوء يتعين على الرجل صب الماء ابتداء على ظهر اليد استحبابا وعلى المرأة بالعكس لما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: فرض الله على النساء في الوضوء للصلاة أن يبدأن بباطن أذرعهن وفي

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 12، باب اختلاط ماء المطر بالبول... ح 1، تهذيب الاحكام ج 1، ص 411، 1295، باب المياه وأحكامها، ح 14، وسائل الشيعة ج 1، ص 109، أبواب الماء المطلق، باب 6، ح 4. (*)

 

الرجال بظاهر الذراع 1. وفي الستر في الصلاة يجب على الرجل ستر العورتين فقط أي القبل والدبر وعلى المرأة ستر تمام البدن ما عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين. وأيضا هما مختلفان فيجوز لبس الذهب والحرير في الصلاة وفي غيرها للمرأة ولا يجوزان مطلقا لا في الصلاة ولا في غيرها للرجل. وأيضا هما مختلفان في كيفية القعود في الصلاة كما هو مذكور في الكتب الفقهية. وأيضا هما مختلفان في حال الاحرام فيجوز لبس المخيط للمرأة دون الرجل. وأيضا هما مختلفان في الجهاد وصلاة الجمعة فيجبان على الرجل مع وجود شرائطهما ولا يجبان على المرأة مطلقا. وأيضا هما مختلفان بالنسبة إلى قبول التوبة إذا ارتد كل واحد منهما عن فطرة فتوبة الرجل لا تقبل من الجهات الثلاث - أي من جهة لزوم قتله وتقسيم أمواله على الورثة وابانة زوجته - وأما توبة المرأة فتقبل. وكذلك مختلفان في حكم الزنا فعلى الرجل الجز والتغريب مدة عام وليس على المرأة شيء من هذين. وأيضا هما مختلفان في أن الرجل يجوز إمامته للنساء والمرأة لا يجوز إمامتها للرجال. وأيضا يحرم التظليل حال الاحرام على الرجل دون المرأة. وخلاصة الكلام أن الفرق بين الرجل والمرأة في الاحكام الشرعية وعدم اشتراكهما كثير واستقصاء الجميع مما يطول المقام ولا أثر له والمقصود من ذكر ما

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 28، باب حد الوجه الذي يغسل والذراعين وكيف يغسل، ح 6، تهذيب الاحكام ج 1، ص 76، ح 193، باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه، ح 42، وسائل الشيعة ج 1، ص 328، أبواب الوضوء باب 40، ح 1. (*)

 

ذكرنا من الموارد هو النقض على اطراد هذه القاعدة وانخرامها بهذه الموارد ويكفي لاثبات ذلك ما ذكرنا. وأما الثاني أي دفع هذا الوهم: أن خروج هذه الموارد عن تحت هذه القاعدة ليس من باب التخصيص وانخرامها بل من قبيل التخصص فلا يضر باطراد القاعدة ولا يوجب انخرامها. بيان ذلك: أن المراد من قاعدة الاشتراك ليس أن حكم كل واحد من أفراد البشر متحد مع السائرين متصفا بأي صفة كانت وفي أي حال من الاحوال كان لان هذا باطل بالضرورة إذ لا شك في أن حكم المسافر الافطار والتقصير بخلاف غير المسافر وهكذا حكم المضطر إلى أكل الميتة مثلا أو المكره إليه الجواز واقعا - كما هو نص القرآن في المضطر - ولكن لا يجوز لغيرهما وحرام وهكذا حكم المستطيع وغير المستطيع فالاول يجب عليه الحج دون الثاني وهكذا حكم الفقير والغني في وجوب زكاة الفطرة مثلا. وخلاصة الكلام: أن اختلاف الاحكام باختلاف حالات المكلفين - من العسر واليسر والسفر والحضر والضرر وعدمه والحرج وعدمه والاضطرار وعدمه والاكراه وعدمه والحيض والاستحاضة وعدمهما والجنابة وعدمها إلى غير ذلك من الاختلافات الكثيرة - مما لا يمكن أن ينكر ومن القطعيات بل من الضروريات. بل المراد أنه في مورد اتحاد الصنف بالمعنى الذي ذكرنا له أي فيما إذا كان موضوع الحكم المذكور في القضية ينطبق على من هو مورد الحكم رجلا كان أو امرأة واحدا كان أو متعددا أو كان طائفة وعلى غير المورد من الآخرين ففي مثل هذا الحكم المورد وغير المورد يشتركان. كما أنه في أغلب الاحكام يسأل الراوي عن حكم موضوع فيقول مثلا: رجل أو امرأة شك في عدد ركعات صلاته فيقول عليه السلام مثلا: يبني على الاكثر فليس موضوع

 

وجوب على الاكثر هو ذلك الرجل أو تلك المرأة بل الموضوع هو الشاك في عدد الركعات وذكر الرجل أو المرأة واحدا كان أو متعددا لبيان مصداق القضية الواقعة فحينئذ احتمال اختصاص هذا الحكم بذلك المورد - أي بذلك الرجل أو بتلك المرأة - مدفوع بقاعدة الاشتراك. وأين هذا مما جعل الشارع موضوع حكمه خصوص الرجل أو خصوص المرأة وكيف يمكن أن يدعي عاقل أن الحكم مع أن موضوعه خصوص الرجل مثلا ومع ذلك هو مشترك بين الرجل والمرأة. وهل هذا إلا تخلف الحكم عن موضوعه وهو محال. وما الفرق بين أن يكون اختلاف موضوع الحكم بالذكورة والانوثة وبين أن يكون اختلافهما بالاستطاعة وعدمها أو بالسفر والحضر أو بغير ذلك من العناوين الكثيرة التي توجب اختلاف الاحكام. وحاصل الكلام: أن القيود المأخوذة في جانب موضوع الحكم يوجب عدم اتحاد الصنف ويكون خارجا عن موضوع قاعدة الاشتراك بالتخصص لا بالتخصيص فلا يكون موجبا لعدم اطراد القاعدة فظهر أن موارد النقوض المذكورة في اختلاف الرجل والمرأة كلها خارجة عن موضوع القاعدة ولا يكون نقضا عليها. ثم إن هاهنا كلام في الخنثى المشكل هل له حكم النساء أو ما هو المخصوص بالرجال أو ليس له شيء منهما ؟ فنقول: إن الخنثى على قسمين: مشكل وغير المشكل. والثاني عبارة عمن يحكم عليه بانه من الرجال بواسطة الامارات التي جعلها الشارع أمارة التشخيص أو يحكم عليها بانها من النساء أيضا بواسطة الامارات التي جعلها الشارع أمارة كونها مرأة فهذا ليس بمشكل لانه بالتشخيص بواسطة الامارات يرتفع الاشكال. فهذا القسم لا إشكال فيه لانه ملحق بذلك القسم الذي حكم عليه أنه منهم فيكون من ذلك القسم فان كان ملحقا بالرجال بواسطة الامارات فعليه أن يجهر

 

 

في الصلوات الجهرية وهكذا بالنسبة إلى سائر الاحكام المختصة بالرجال وان كانت ملحقة بواسطة تلك الامارات بالنساء فعليها أن تخفت في صلاتها وهكذا في سائر الاحكام المختصة بالنساء. وأما الاول: أي المشكل الذي لا يحكم بانه رجل وكذلك لا يحكم عليه بانه امرأة لفقد أمارات الطرفين أو لتعارضها ففيه كلام وهو أنه إما أن نقول بان الاشكال إنما هو في مقام الاثبات وإلا ففي مقام الثبوت فلا إشكال إذ هو إما في الواقع رجل أو إمرأة وانما اشتبه الامر لفقد الامارة على تشخيصها أو لتعارضها وتساقطها وذلك من جهة أن أفراد الانسان وطبيعة البشر لا تخلو ا من أحد هذين: إما رجل أو امرأة وليس طبيعة أخرى وصنف ثالث في البين. والدليل على ذلك قوله تعالى: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) 1 وقوله تعالى: (خلق الزوجين الذكر والانثى) 2 والظاهر من الآيتين حصر الموهوب والمخلوق فيهما. ومن جملة ما يؤيد أنه ليس طبيعة ثالثة بل إما ذكر أو أنثى قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) 3 ولو كان هناك طبيعة ثالثة فيرجع إلى أن الله تبارك وتعالى أهمل قسما وصنفا من الاولاد ولم يبين حكمه مع أن صدر الآية أي قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم يدل على أن الوصية من قبل الله على عموم الاولاد فان جمع المضاف يفيد العموم فاهمال قسم من الاولاد في كمال الاستبعاد. ثم إن وجود خنثى المشكل مبني على فقد الامارات أو تعارضها كما ذكرنا ولكن ورد في الاخبار المروية عنهم عليهم السلام أمارتان: إحديهما خروج البول من أي واحد من (هامش)

 

(1) الشورى (42): 49. (2) النجم (53): 45. (3) النساء (4): 11. (*)

 

الفرجين. ثم على تقدير خروجه من كليهما ينظر إلى أن الاول خروجا منه أي واحد منهما فيحكم بالذكورية على تقدير خروجه من فرج الرجال وبالانوثة على تقدير خروجه من فرج النساء وعلى تقدير خروجه من كليهما ينظر إلى الاول خروجا منه أي واحد منهما فان كان فرج الرجال فرجل وان كان فرج النساء فامرأة. وعلى تقدير مقارنتها في الخروج والانقطاع فيعد أضلاعه في الايمن والايسر فان نقص الايسر فرجل وان لم ينقص فامرأة. وبناء على هذه الروايات لا يبقى خنثى مشكل لان هذه الامارات مترتبة ودائرة بين النفي والاثبات فلا يتصور فقد جميع هذه الامارات بحيث لا يكون أحدها ولا معارضها لان هذه الامارات مترتبة ليست في عرض واحد كي يقع بينهما التعارض. أللهم إلا أن يقال: لو كان البول يخرج من فرج النساء ولكن أضلاع طرف الايسر أنقص بواحد من الطرف الايمن فيقع التعارض بين الامارتين. فمقتضى الاولى أنها امرأة ومقتضى الثانية أنه رجل ولكن هذا مبني على عدم ترتب الامارات وهو خلاف ظاهر الروايات. أما إن قلنا بأنه يمكن أن لا يكون رجلا ولا إمرأة فحينئذ ليس علم إجمالي في البين بانه إما رجل واما امرأة فليس مكلفا بما يختص بكل واحد منهما فتجري البرائة عن الاثنين إلا فيما لا يمكن ارتفاعهما كالجهر والاخفات فقهرا في هذا القسم يكون مخيرا بينهما. وأما بناء على الاول أي بناء على العلم الاجمالي فيجب عليه الاحتياط بالجمع بينهما أي العمل على وفق تكليف النساء تارة وعلى طبق تكليف الرجال مرة أخرى. وقد عرفت أنه في مقام الثبوت إما رجل أو امرأة وليس هناك قسم آخر أي طبيعة ثالثة في البين فالعلم الاجمالي محقق ويجب الاحتياط. هذا فيما إذا لم نقل بالرجوع إلى الامارات وإلا لا يبقى شك واعضال كي تصل

 

النوبة إلى العلم الاجمالي والعمل بالاحتياط بل الامارات تعين أنه رجل أو امرأة فيلحقه حكم ما عينته من كونه رجلا أو امرأة. ولكن التحقيق أن الاخبار الواردة في مسألة الخنثى طائفتان: الاولى: أنه يورث على الفرج الذي يبول منه فان بال منهما فمن حيث سبق البول وان جاء منهما دفعة فيورث على ما انقطع أخيرا وان تساويا في الشروع والانقطاع يعطي نصف ميراث الرجل ونصف ميراث المرأة. وذلك مثل رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المولود يولد له ما للرجال وله ما للنساء ؟ قال: يورث من حيث يبول من حيث سبق بوله فان خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث فان كانا سواء ورث ميراث الرجال وميراث النساء 1. ورواية اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: الخنثي يورث من حيث يبول فان بال منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث منه فان مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل 2. ومعلوم أن المراد من قوله عليه السلام ورث ميراث الرجال وميراث النساء في رواية هشام ليس تمام ميراث الرجال وتمام ميراث النساء بحيث يكون إرثه كارث اثنين: أحدهما رجل والاخرى امرأة من حيث إشتماله لامرين أي الذكورة والانوثة (وذلك) من جهة أن الارث للاشخاص باعتبار كون كل واحد منهم مذكرا أو مؤنثا والخنثى شخص واحد لا شخصين فالمراد أنه يرث نصف مجموع الارثين وهو فتوى المشهور

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 7، ص 157، باب ميراث الخنثى، ح 3، تهذيب الاحكام ج 9، ص 354، ح 1269، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 3، وسائل الشيعة ج 17، ص 574، أبواب ميراث الخنثى، باب 2، ح 1. (2) الفقيه ج 4، ص 326، باب ميراث الخنثى، ح 5701، تهذيب الاحكام ج 9، ص 354، ح 1270، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 4، وسائل الشيعة ج 17، ص 575، أبواب ميراث الخنثى، باب 2، ح 2. (*)

 

في إرث الخنثى بعد تساوي المبالين خروجا وانقطاعا. وأيضا هذا المعنى صريح رواية إسحاق بن عمار حيث يقول عليه السلام: فان مات ولم يبل - أي عند فقد الامارة على التعيين - فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل والمراد بالعقل هو الميراث وان كان في الاصل الدية. وأيضا هذا المعنى موافق لقاعدة العدل والانصاف بعد فقد أمارات التمييز والتعيين كما في سائر الموارد من العلم الاجمالي في الماليات. الثانية: بعد تساوي المبال من جميع الجهات - أي شروعا وانقطاعا - يعد أضلاعه فان كان الطرف الايسر أنقص من الطرف الايمن فهو رجل وإلا فامرأة. ولكن المشهور أعرضوا عن هذه الرواية ولم يعملوا بها فالمتعين هو الاخذ بقول المشهور من توريثه بالمبال وعند تساوي المبالين من جميع تلك الجهات المذكورة في الرواية يعطي نصف مجموع حق الرجل وحق المرأة. وقال بعضهم بالقرعة بعد الاعتبار بالمبال وتساويهما من تلك الجهات المذكورة في الروايات. ولكن أنت خبير بان القرعة أمارة في مورد العلم الاجمالي في الشبهة الموضوعية إذا كانت الشبهة من المعضلات لما حققنا في شرح قاعدة القرعة في الجزء الاول من هذا الكتاب من أن القرعة أمارة حيث لا دليل لحل المشكلة وكان من المعضلات. 1 فما ذكره الشيخ قدس سره في الخلاف من العمل بالقرعة مدعيا عليه الاجماع والاخبار 2 لا وجه له. أما عدم الاجماع فلذهاب المشهور إلى خلافه لما قلنا أنهم يقولون عند تساوي المبالين أخذا وانقطاعا أن له نصف حق الرجل ونصف حق المرأة. وأما الاخبار فلا تدل إلا على أمارية القرعة في المعضلات من الشبهات

 

(هامش)

 

(1) القواعد الفقهية ج 1، ص 65. (2) الخلاف ج 4، ص 106، كتاب الفرائض، مسالة 116. (*)

 

الموضوعية المقرونة بالعلم الاجمالي ومع وجود الروايات المعتبرة المعمول بها عند المشهور كرواية هشام بن سالم ورواية إسحاق بن عمار اللتين تقدمتا على أنه يرث عند تساوي المبالين نصف حق الرجل ونصف حق المرأة فلا يبقى إعضال وإشكال حتى تصل النوبة إلى القرعة ففي مثل هذا المورد لا مجال للعمل بالقرعة. نعم هيهنا قول آخر للمفيد والمرتضى - قدس سرهما - والحلي في السرائر وهو عد أضلاعه فان كان الطرف الايسر أقل من الطرف الآخر فرجل وإلا فامرأة 1. وبه رواية حاكية قضاء أمير المؤمنين عليه السلام بذلك 2 ولكن الرواية ضعيفة والمشهور أعرضوا عن العمل بها. فالمعتمد هو القول المشهور وان احتجوا هؤلاء بالاجماع ولكن ادعاء الاجماع مع مخالفة المشهور لا يخلو من غرابة. وما استشكل على هذا القول بعدم إمكان تميز الاضلاع غالبا بحيث تطمئن النفس به خصوصا في السمين كما في الجواهر 3 أغرب. فخلاصة الكلام: أن الاخبار الواردة في باب ميراث الخنثى مفاد بعضها: أن الخنثى يرث على المبال وساكت عما إذا تساوى المبالان من حيث الشروع والانقطاع بل ساكت عما إذا خرج البول من كليهما. وذلك كرواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام التي ينقلها عنه في الكافي قال: سئل عن مولود ولد له قبل وذكر كيف يورث ؟ قال عليه السلام: إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر وان كان يبول من القبل فله ميراث الانثى 4. ورواها الشيخ باسناده عن الفضل بن شاذان مثله 5.

 

(هامش)

 

(1) السرائر ج 3، ص 279، 280. (2) تهذيب الاحكام ج 9، ص 354، ح 1271، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 5، وسائل الشيعة ج 17، ص 575، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، باب 2، ح 3. (3) جواهر الكلام ج 39، ص 284. (4) الكافي ج 7، ص 156، باب ميراث الخنثى، ح 1. (5) تهذيب الاحكام ج 9، ص 353، ح 1267، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 1. (*)

 

وأيضا روى الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يورث الخنثى من حيث يبول 1. وعن الكافي أيضا عن طلحة بن زيد مثله. 2 ولا يخفى أن هذا القسم من الروايات التي ساكتة عن صورة الجريان عن الاثنين مع تساوي المبالين من حيث الاخذ والانقطاع أو اختلافهما، لا تعارض الروايات التي تبين حكم صورة تساويهما أو اختلافهما من حيث الاخذ والانقطاع مع الجريان عن الاثنين ومفاد بعضها بيان حكم صورة الاختلاف في الشروع والانقطاع وانه يورث باسبقهما فان كانا متساويين في الشروع فبأبعدهما انقطاعا. مثل ما رواه الكليني في رواية أخرى عن أبي عبد الله في المولود له ما للرجال وله ما للنساء يبول منهما جميعا ؟ قال عليه السلام: من أيهما سبق قيل: فان خرج منهما جميعا قال عليه السلام: فمن أيهما استدر قيل فان استدرا جميعا ؟ قال عليه السلام: فمن أبعدهما 3. ومفاد بعضها في صورة التساوي في المبال من جميع الجهات المذكورة هو عد الاضلاع فان نقص طرف الايسر عن الايمن بواحدة فيعطى نصيب الرجل وإلا فنصيب المرأة. وذلك مثل رواية رواها في التهذيب 4 والفقيه 5 في قضية مجئ خنثى إلى شريح القاضي وبيان حاله له والرواية طويلة مذكورة في الوافي نقلا عن التهذيب والفقيه وموضع الحاجة منها أنه بعد مراجعة شريح إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام: على بدينار الخصى - وكان معدلا - وبامرأتين فاوتي بهم فقال عليه السلام لهم: خذوا هذه المرأه

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 9، ص 353، ح 1268، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 2. (2) الكافي ج 7، ص 156، باب ميراث الخنثى، ح 2. (3) الكافي ج 7، ص 157، باب ميراث الخنثى، ح 5. (4) تهذيب الاحكام ج 9، ص 354، ح 1271، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره من الناس، ح 5. (5) الفقيه ج 4، ص 327، باب ميراث الخنثى، ح 5704. (*)

 

إن كانت امرأة فادخلوا بيتا وألبسوها نقابا وجردوها من ثيابها وعدوا أضلاعها ففعلوا ثم خرجوا إليه فقالوا له: عدد الجنب الايمن إثنا عشر ضلعا والجنب الايسر أحد عشر ضلعا فقال علي عليه السلام: الله أكبر إئتوني بحجام فأخذ من شعرها فأعطاها رداء وحذاء وألحقها بالرجال 1. ومفاد بعضها أنه بعد تساوي المبالين يعطى نصف نصيب الرجل ونصف نصيب المرأة. وذلك مثل رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: المولود يولد له ما للرجال وله ما للنساء ؟ قال: يورث من حيث يبول من حيث سبق بوله فان خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث فان كانا سواء ورث ميراث الرجال وميراث النساء 2. ورواية إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام: إن عليا عليه السلام كان يقول: الخنثى يورث من حيث يبول فان بال منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث منه فان مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل 3. وهذان القسمان الاخيران بينهما تعارض وقد ذكرنا أنه يجب الاخذ بهذه الطائفة الاخيرة أي روايات التي مفادها أن له نصف نصيب الرجل ونصف نصيب المرأة لعمل المشهور بها واعراضهم عن الطائفة الاولى أي التي يأمر فيها بعد الاضلاع وجعل نقصانها في الطرف الايسر أمارة الذكورية والرجولية وان كانت تلك الروايات مروية بطرق متعددة حاكية لقضاء أمير المؤمين عليه السلام في تلك الواقعة العجبيبة. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

 

(هامش)

 

(1) الوافى ج 2، ص 141، أبواب المواريث، باب ميراث الخنثى ومن يشكل أمره. (2) سبق تخريجه في ص 72، رقم (1). (3) سبق تخريجه في ص 72، رقم (2). (*)