قاعدة الإلزام

 32 - قاعدة الإلزام  

 

قاعدة الالزام (*) ومن القواعد المشهورة في فقه الامامية قاعدة الزام المخالفين بما الزموا به انفسهم وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في مدركها وهو امران الاول: اجماع الامامية - رضوان الله تعالى عليهم اجمعين - على صحة هذه القاعدة وقد تقدم منا مرارا في هذا الكتاب ان هذه الاجماعات - مع وجود المدرك للمسألة من الروايات أو سائر الادلة - ليس من الاجماع المصطلح في الاصول الذى بنينا على حجيته وكشفه عن راي المعصوم (ع). الثاني: الروايات: فمنها: قوله (ع) في التهذيب باسناده عن على بن ابي حمزة عن ابى الحسن (ع):

 

(هامش)

 

: (*): خزائن الاحكام العدد 12، دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد ص 32، مجموعه قواعد فقه ص 174، القواعد ص 59، قواعد فقه ج 1، ص 136، قواعد الفقه ص 27، قواعد فقهية ص 241، القواعد الفقهية (فاضل اللنكراني) ج 1، ص 167، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 159. (*).

 

الزموهم بما الزموا به أنفسهم وتزوجوهن ولا بأس بذلك (1). ومنها: ما عن عبد الله بن محرز قال قلت لابي عبد الله (ع) رجل ترك ابنته واخته لابيه وامه فقال (ع): المال كله لابنته وليس للاخت من الاب والام شيء . فقلت: إنا قد احتجنا إلى هذا والميت رجل من هؤلاء الناس واخته مؤمنة عارفة قال (ع): فخذ لها النصف خذوا منهم ما يأخذون منكم في سنتهم واحكامهم . قال ابن أذينة: فذكرت ذلك لزرارة فقال ان على ما جاء به ابن محرز لنورا (2). ومنها: ما عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع) قال: سألته عن الاحكام ؟ قال (ع): يجوز على اهل كل ذي دين ما يستحلون (3). وهناك روايات اخر خصوصا في مسالة جواز تزويج المطلقة على غير السنة، يقول (ع) في بعضها اختلعها (4) وفى البعض الاخر ابنها (5) وفى بعضها من دان

 

(هامش)

 

: 1 - تهذيب الاحكام ج 8، ص 58، ح 190، باب أحكام الطلاق، ح 109، الستبصار ج 3، ص 292، ح 1032، باب أن المخالف إذا طلق امرأته ثلاثا...، ح 6، وسائل الشيعة ج 15، ص 321، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 5. 2 - الكافي ج 7، ص 100، باب ميراث الإخوة والاخوات مع الولد، ح 2، تهذيب الاحكام ج 9، ص 321، ح 1153، باب ميراث الإخوة والاجداد، ح 9، وسائل الشيعة ج 17، ص 484، ابواب ميراث الإخوة و الاجداد، باب 4، ح 1. 3 - تهذيب الاحكام ج 9، ص 322، ح 1155، باب ميراث الإخوة والاجداد، ح 11، الاستبصار ج 4، ص 148، ح 554، باب إن الاخوة والاخوات على اختلاف...، ح 10، وسائل الشيعة ج 17، ص 484، ابواب ميراث الإخوة والاجداد، باب 4، ح 4. 4 - تهذيب الاحكام ج 8، ص 57، ح 186، باب أحكام الطلاق، ح 105، الاستبصار ج 3، ص 291، ح 1027، باب إن المخالف إذا طلق امرأته...، ح 1، وسائل الشيعة ج 15، ص 320، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 1. 5 - عيون أخبار الرضا (ع) ج 1، ص 310، ح 74، معاني الاخبار ص 263، وسائل الشيعة ج 15، ص 322، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 11. (*)

 

بدين لزمته احكامهم (1) وفى بعضها ان المرأة لا تترك بغير زوج (2). تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها لان فيما ذكرنا غنى وكفاية، والعمدة هو فهم المراد من قوله (ع): الزموهم بما الزموا به انفسهم لان المراد من هذه القاعدة هو مفاد هذه الجملة وما هو الظاهر منها. فنقول: اما سند الرواية المشتملة على هذه الجملة فلا ينبغى البحث عنه لكمال الوثوق بصدورها عنهم (ع) وتكررها في جملة من الموارد كمورد اخذ المال منهم بالتعصيب وايضا في مورد تزويج الزوجة المطلقة على غير السنة وغير ذلك مما تقدم. فالانصاف انه إذا ادعى احد القطع بصدور هذا الكلام عنهم (ع) ليس مجازفا فيما يدعيه. واما ظاهر هذه الجملة ومعناها فهو عبارة عن ان المخالفين كل ما يرون انفسهم ملزمين به من ناحية احكامهم الدينية ويعتقدون انه عليهم، سواء كان ذلك الشيء من الماليات أو الحقوق أو كان الاعتبارياث الاخر كحصول الطلاق مثلا أو غيره وان لم يكن ذلك ثابتا في احكامكم الدينية فالزموهم بذلك مثلا إذا يرون انفسهم ضامنين للمبيع إذا تلف عند المشتري وكان الخيار لذلك المشتري فالزموهم بذلك أي: يكون الثمن لكم ويكون التلف عليه وان كنتم لا تقولون بذلك وتقولون بان الخيار لما كان للمشتري كما انه كذلك في خيار الحيوان بناء على اختصاصه بالمشتري أو من جهة كون المبيع حيوانا دون الثمن فالخيار للمشتري فقط دون البائع فالتلف يقع في

 

(هامش)

 

: 1 - المصدر. 2 - تهذيب الاحكام ج 8، ص 58، ح 189، باب أحكام الطلاق، ح 108، الاستبصار ج 3، ص 292، ح 1030، باب المخالف إذا طلق امرأته...، ح 4، وسائل الشيعة ج 15، ص 320، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 4. (*)

 

ملك من لا خيار له فلا بد للبايع ان يرد الثمن إلى المشتري. فإذا بعتم حيوانا من احد هؤلاء وتلف عنده بعد قبضه فالزموه بضمان المسمى وان كان في زمان خياره وانتم لا تقولون به لقاعدة التلف في زمن [ الخيار ] من مال من لا خيار له وفى المفروض من لا خيار له هو البايع فبمقتضى تلك القاعدة يكون ضمان المبيع التالف على البايع فيجب على البايع رد الثمن إلى ذلك المشتري. ولكن حيث انهم يلزمون انفسهم بان التلف وقع في ملك المشتري فالزموهم بذلك ولا تردوا إليهم الثمن. وفى بعض اخبار هذا الباب تعليل هذا الحكم بانه خذوا منهم كما انهم يأخذون منكم بمعنى ان البايع لو كان واحد منهم لكان لا يرد اليكم الثمن فانتم ايضا لا تردوا إليه الثمن وعاملوا معهم معاملة المثل. واما قول ابى جعفر (ع) في رواية محمد بن مسلم عنه قال (ع): يجوز على اهل كل ذي دين ما يستحلون فظاهره ان اصحاب كل دين اي المتدينين به الملتزمين باحكامه ينفذ عليهم ما يستحلون، مثلا إذا كانوا يستحلون اكل اقرباء الميت - اي العصبة - نصف المال من تركة الميت فينفذ هذا الحكم عليهم اي: إذا كانت العصبة منا أي من اهل الولاية فيجوز له ان يأخذ منهم نصف تركة الميت كما كان هذا صريح رواية عبد الله بن محرز حين ما قال ابن محرز له (ع): ان الميت رجل من هولاء الناس واخته مؤمنة عارفة قال (ع): خد لها النصف خذوا منهم كما يأخذون منكم . الجهة الثانية في بيان شرح مفاد هذه القاعدة وسعة دلالتها وشمولها للموارد فنقول: في كل مورد يلتزم المخالف بمقتضى مذهبه بورود ضرر عليه سواء كان

 

ذلك الضرر ماليا أو ذهاب حق منه عبده أو عتق عبده أو فراق زوجته ووقوع طلاقه أو ضمانه لمال تالف أو كون حق الاخذ بالشفعة لشريك أو شركة غيره في ميراثه ففى جميع تلك الموارد للموافق الزام المخالف وان لم يكن ورود ذلك الضرر حقا عند الموافق بل ينكره ولا يعترف به حسب مذهبه وما يدين به. فلو كان المخالف حسب مذهبه يرى نفسه ضامنا المال تالف باحد اسباب الضمان عنده وليس ذلك السبب سببا للضمان عند الموافق كموارد ضمان ما لم يجب أو ضمان العارية غير المضمونة، مثلا لو تلف عند المستعير المخالف ما استعاره وهو مما يمكن اخفاؤه كالثياب - مثلا - ففى بعض المذاهب - وهو مذهب المالكية - القول بضمان التالف فإذا كان المستعير منهم يرى نفسه ملزما بضمان ذلك التالف والموافق المعير لا يرى لماله التالف ضمانا لان العارية - التى غير الذهب والفضة - ما لم يشترط ليس فيه ضمان وان كان مما يمكن اخفائه ولكن مع ذلك له ان يلزم المستعير المخالف ويأخذ منه ضمان ماله التالف بهذه القاعدة أي: قاعدة الالزام لقوله (ع): الزموهم بما الزموا به انفسهم ولقوله (ع): خذوا منهم كما يأخذون منكم . وكذلك لو حلف المخالف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك بان قال مثلا زوجتي طالق أو عبدي حر أو جميع ما املك أو بعضه المعين صدقة ان فعلت كذا أو ان لم افعل كذا فهذا الحلف من اسباب الطلاق والعتاق والصدقة عند المخالف ولكن لا اثر له عندنا اصلا فيرون صحة مثل هذا الطلاق وباقي المذكورات فيجوز الزامهم بما الزموا به انفسهم وتزويج تلك المرأة المطلقة بمثل ذلك الطلاق واخذ ذلك المال من باب الصدقة وان كان نادما من حلفه وايضا ترتيب اثار الحرية على مثل ذلك العبد كل ذلك لاجل هذه القاعدة أي: قاعدة الالزام. وخلاصة الكلام في المقام ان ظاهر قوله (ع): الزموهم بما الزموا به انفسهم هو صحة الزامهم بما يدينون به وان كان ما يدينون به مما لا نقول بصحته، بل محل

 

جريان هذه القاعدة هو فيما إذا لا نقول بصحة ما يدينون به، والا فان قلنا نحن ايضا بصحته وكان مما ندين به ايضا فليس موردا لقاعدة الالزام بل يكون حينئذ ترتيب الاثر عليه كترتيب الاثر على سائر الاحكام الشرعية. فقاعدة الالزام تشبه الاحكام الثانوية أو هي منها على احد الوجهين الذين نذكرهما ان شاء الله تعالى لان الحكم الاولي عدم جواز تزويج المرأة المطلقة التى طلاقها باطل فجوازه فيما إذا كان زوجها يدين بصحة هذا الطلاق يكون من قبيل الاحكام الثانوية وهكذا الحال في سائر الموارد التى تجري فيها هذه القاعدة. مثلا بعد الفراغ عن ان القول بالتعصيب باطل عندنا فاخذ العصبة - أي: اقرباء الميت كاخته واخيه - ميراث بنته يكون اخذ مال الغير بدون اذنه ورضاه ولا شك في حرمة ذلك بعنوانه الاولي فحكمهم عليهم السلام بجواز اخذه - إذا كان المأخوذ منهم ممن يدينون باستحقاق العصبية وشركتهم مع البنت فيما إذا كان الآخذ اي: العصبة ممن لا يدين بجواز الاخذ وبالاستحقاق - يكون شبيها بالاحكام الثانوية أو هو منها. ثم ان الظاهر من قوله (ع): الزموهم ان مرجع ضمير الجمع هم المسلمون من سائر الطوائف غير الطائفة الامامية الاثني عشرية ولا يشمل ارباب سائر الاديان والملل، فلو ان ذميا طلق زوجته بطلاق غير صحيح عندنا ولكنه صحيح عندهم فلا تشمله هذه القاعدة بناء على ما ذكرنا من ان مرجع الضمير هم المسلمون من سائر الطوائف. اللهم الا ان يتمسك بغير هذه الرواية التي مدرك هذه القاعدة مثل قوله (ع) الذي تقدم ذكره يجوز على اهل كل ذي دين ما يستحلون (1) ولكنه لا يخلو من تأمل ونظر

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم تخريجه في ص 180، رقم (3) (*).

 

أو يتمسك بقوله (ع) في موثق عبد الرحمن البصري عن ابي عبد الله عليه السلام قال قلت له: امرأة طلقت على غير السنة، فقال (ع) تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير تزويج (1) فإذا كان بقائها بدون تزويج علة لجواز تزويجها فهذه العلة في مورد الكافر ايضا موجودة لان كون ما ذكر علة تامة وملاكا تاما للحكم غير معلوم بل معلوم العدم، لانه من قبيل حكمة الحكم. والضابط في الفرق بين ما هو علة الحكم وبين ما هو حكمته هو ان العلة لا تكون الا فيما إذا كان من الممكن القاؤها إلى الطرف بصورة كبرى كلية بحيث تكون هي موضوع الحكم كقوله (ع) لا تشرب الخمر لانه مسكر فيصح ان يقول لا تشرب المسكر. وأما فيما إذا لا يمكن ذلك كقوله (ع): يجب على المطلقة المدخولة ان تعتد بثلاثة أقراء لعدم تداخل المياه واختلاط الانساب فهو من قبيل حكمة الحكم ولا اطراد فيه كما انه لو علمنا انها عقيمة ولا تحبل فمع ذلك يجب عليها ان تعتد. واما ان هذا لا يمكن ان يكون موضوعا، فلان موضوع الحكم لا بد وان يكون قابلا للتشخيص وان يعرفه المكلف، والا يكون الحكم على مثل ذلك الموضوع - الذي ليس قابلا لان يعرفه المكلف ولان يشخصه - لغوا ومعلوم ان اختلاط المياه وتداخل الانساب ليس قابلا لان يعرفه المكلف وفى المفروض من الواضح الجلي انه لا يعلم ان هذه المرأة - المطلقة بالطلاق على غير السنة أو طلاق الكافر الباطل - تبقى بلا تزويج لانه من الممكن بل الغالب هو ان يتزوجها من يقول ويدين بصحة هذا الطلاق من ابناء دينها ومذهبها.

 

(هامش)

 

: 1 - تهذيب الاحكام ج 8، ص 58، ح 188، باب أحكام الطلاق، ح 107، الاستبصار ج 3، ص 291، ح 1029، باب المخالف إذا طلق...، ح 3، وسائل الشيعة ج 15، ص 320، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 3. (*).

 

وايضا ظاهر قوله (ع) الزمواهم ان المخاطب بهذا الخطاب هم الطائفة الامامية الاثني عشرية فلا يشمل المخالفين بعضهم بالنسبة إلى بعض ان كانت طائفة منهم ترى صحة معاملة وترى الاخرى فسادها فيلزم احديهما الاخرى بما يدين وان كان في نظرهم عدم صحة تلك المعاملة. مثلا لو أعار من لا يدين بمذهب مالك مالكيا ما يمكن اخفائه كثوب حيث يمكن وضعه في صندوق واخفائه فتلف، فمذهب المستعير ان التلف في مثل هذه العارية موجب للضمان، ومذهب المعير انه ليس في هذا التلف ضمان فهل يمكن الزام المعير للمستعير باخذ الضمان منه بهذه القاعدة ام لا ؟ الظاهر هو العدم لما ذكرنا من ان المخاطب هم الطائفة الامامية، ولا يشمل الحديث سائر الطوائف. اللهم الا ان يقال ان هذا الحديث وان كان لا يشمل الزام المخالف للمخالف وان كان

 

ما يريد الزامه به مخالفا لما يدين به فضلا عما إذا كان موافقا معه لما ذكرنا ان ظاهر الحديث ان ضمير الخطاب المقدر في قوله (ع): الزموهم مرجعه الطائفة الامامية. ولكن هناك روايات آخر مفادها عام ولا يختص بالامامية مثل رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال: يجوز على اهل كل ذي دين ما يستحلون (1). فبناء على ما استظهرنا منها من ان ظاهرها عبارة عن نفوذ كل ما يستحلون عليهم، فلو كان احد المخالفين يعتقد فساد المعاملة التي وقعت بينهما والآخر يعتقد صحتها ومضت على تلك المعاملة اعوام فالذي يعتقد فساد المعاملة يعتقد ان نتاج ما حصل في يده ومنافعه ملك لطرفه لفساد المعاملة، فلو انتجت مثلا هذه البقرة أو هذه الفرس بقرات أو أفراس فحيث يعتقد بفساد هده المعاملة - اجتهادا أو تقليدا –

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم تخريجه في ص 180، رقم (3). (*).

 

يرى ويعتقد ان هذه البقرات أو الافراس ملك لصاحب البقرة أو الفرس قبل وقوع هذه المعاملة - فيستحلها له فينفذ عليه ذلك ويجوز لذلك الآخر ان يأخذها منه وان كان معتقدا بصحة هذه المعاملة وان هذه المذكورات ليس له. وكذلك بالنسبة إلى المنافع فلو اشترى دارا مثلا من زيد وسكن فيها سنين وهو يرى ويعتقد فساد هذه المعاملة فعليه اجرة تلك الدار التي سكن فيها سنين ويجوز للمخالف الاخر اي: البايع ان يأخذ منه اجرة تلك السنين وان كان معتقدا صحة هذه المعاملة وان هذه الدار ليست له. وعلى كل تقدير لو قلنا بصحة الزام المخالف للمخالف فيما يلزم به نفسه فهذا خارج عن مفاد قاعدة الالزام بل يكون له مدرك اخر وهو قوله (ع) يجوز على اهل كل ذي دين ما يستحلون . ثم ان ما ذكرنا من إمكان القول بصحة الزام المخالف للمخالف - مستندا إلى رواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) وهو قوله (ع) يجوز على اهل كل ذي دين ما يستحلون - مبني على ان يكونا مختلفين في المذهب بحيث يكون المراد من الدين المذهب، فإذا استحل شيئا في مذهبه يصح ان يقال يستحلة في دينه، فلا يشمل مورد اختلاف المجتهدين في مذهب الامامية لان لهما مذهب واحد وهو مذهب اهل البيت عليهم السلام لا ان فتوى هذا المجتهد دين ومذهب له وفتوى ذلك الاخر دين ومذهب للآخر. نعم يكون احدهما مخطئا والاخر مصابا ان كان الفتويان متناقضين. كما ان تطبيقه على اختلاف المذاهب الاربعة ايضا لا يخلو عن اشكال لانه هناك ايضا ليس الا اختلاف فتوى المجتهدين. وحاصل الكلام ان رواية محمد بن مسلم لا يستفاد منها حتى الزام المخالف للمخالف بل ولا الموافق للمخالف لان دين الكل واحد وهو الاسلام، فالمراد من قوله (ع) اهل كل ذي دين هي الاديان المقابلة للاسلام، فقاعدة الالزام تستفاد من

 

قوله (ع) الزموهم بما الزموا به انفسهم وقوله (ع) خذوا منهم كما يأخذون منكم وما يكون بمضمونهما. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة منها: مسألة التعصيب وهو توريث ما فضل عن السهام من كان من العصبة اي قوم الانسان الذين يتعصبون له والمراد هاهنا اقرباء الميت وهم الاب والابن ومن يتدلى بهما إلى الميت، فلو كانت للميت بنت واحدة واخ مثلا أو عم فللبنت النصف وبناء على القول بعدم التعصيب وبطلانه كما هو كذلك عند الامامية يكون باقي التركة أي: النصف الاخر ايضا للبنت ولكن ردا لا فرضا. وعلى القول بالتعصيب - أي: اعطاء ما زاد على الفرض لاقرباء الميت أي: ابنه وابيه والمتقرب بهما إليه وعدم الرد إلى صاحب الفرض وهى البنت في المفروض - يعطى باقي التركة أي النصف الاخر لاخ الميت في المفروض، وهكذا لو كانت له بنت وعم، فعلى مذهب الامامية يعطى جميع المال للبنت نصفه فرضا ونصفه الاخر ردا، وعلى قول المخالفين يعطى نصف المال للبنت فرضا ولا رد وباقي المال يعطى للعم. ولو كانت للميت بنتان فصاعدا وكان له اخ أو عم أو ابن اخ أو ابن عم فعلى القول بعدم التعصيب فلهما أو لهن الثلثان فرضا والباقي ايضا لهما أو لهن ردا والعصبة بفيها التراب كما في الرواية (1) واما على القول بالتعصيب فالباقي للعصبة أي: الاخ والجد اي اب الاب - والعم واولادهما وابن الابن على الترتيب المقرر في الارث. وبعد ما عرفت ما قلنا فان كان من هو من العصبة اماميا اثنى عشريا ولا يقول

 

(هامش)

 

: 1 - وسائل الشيعة ج 17، ص 431، ابواب موجبات الارث، باب 8. (*)

 

بالتعصيب بل يقول بوجوب اعطاء الباقي أي: ما زاد على الفرض ايضا إلى ذوي الفروض فمع انه يعتقد عدم استحقاقه - وكون التركة كلها لذوي الفروض فرضا وردا - يجوز له الاخذ ويصير ملكا له بالاخذ لاجل دلالة هذه القاعدة اي قاعدة الالزام على جواز الاخذ وفروع الاخذ بالتعصيب كثيرة. والضابط الكلي هو انه في كل مورد يورثونه المخالفون بحسب مذهبهم ولكن هو حيث انه امامي لا يعتقد استحقاقه لذلك الميراث لانه ليس من مذهبه فهذه القاعدة تجوز اخذه منهم والزامهم بما هو مذهبهم. ومنها: مسألة الطلاق على غير السنة أي: الطلاق الذي فاقد لاحد الشرائط المعتبرة في صحته سواء أكان من شرائط المطلق ككونه عاقلا بالغا مختارا أو المطلقة ككونها طاهرة من الحيض والنفاس مع حضور الزوج ومع كونها مدخولة وحائلا وايضا من شرائط صحة طلاقها ان لا يقربها زوجها في ذلك الطهر الذي يقع الطلاق فيه، وايضا من شرائط صحة الطلاق ان يكون بحضور شاهدين عدلين. فإذا كان الطلاق فاقدا لاحد هذه الشرائط أو اكثر يكون باطلا عند فقهاء الامامية، وكذلك الطلاق الثلاث من غير رجعة بينها يكون باطلا عند الامامية الاثني عشرية، فإذا طلق المخالف زوجته ولم يكن الطلاق واجدا لجميع هذه الشرائط فيكون ذلك الطلاق باطلا عندنا وتكون الزوجة باقية على زوجيتها، ولكن مع ذلك كله لو كان الزوج اي المطلق المذكور يعتقد صحة ذلك الطلاق حسب مذهبه فللامامي الاثني عشري ان يلزمه بما الزمه به نفسه اي يلزمه بصحة ذلك الطلاق الباطل ويرتب عليه اثار الصحة بهذه القاعدة ويتزوج بها. ان قلت: بناء على ما ذكرت من بطلان ذلك الطلاق وبقاء تلك الزوجة على زوجيتها لذلك الزوج المطلق فاذنه بل امره عليه السلام بتزويج تلك المرأة في ما رواه علي بن ابي حمزة في قوله (ع) بعد ان قال: ايتزوجها الرجل ؟ فقال (ع): الزموهم من ذلك ما

 

الزموه انفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك (1) يكون معناه ومرجعه إلى انه عليه السلام امر بتزويج ذات البعل وهنا في غاية الاستعباد بل لا يجوز ان يتفوه به. قلنا: ان مرجع امره عليه السلام بتزويج مثل تلك المرأة إلى خروجها عن الزوجية بنفس العقد الواقع عليها ممن لا يعتقد بصحة ذلك الطلاق فيكون من قبيل وطي ذي الخيار للامة التي باعها وكان للبائع الخيار فيتحقق الفسخ بنفس الوطي وحيث ان الفسخ يحصل بنفس الوطي فيكون الوطي علة لحصول الملكية اي: رجوع ملكية الامة إلى البائع، والعلة والمعلول متحدان زمانا، والتقدم والتأخر بينهما رتبي فقط، فيكون الوطي والملكية في زمان واحد فهذا الوطي ليس وطيا في غير ملك كي يكون حراما لقوله تعالى الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم (2). وفيما نحن فيه نقول حيث ان عقد القائل ببطلان ذلك الطلاق علة لخروجها عن الزوجية، فالعقد وعدم الزوجية يكونان في زمان واحد، لانهما علة ومعلول - كما ذكرنا - فلم يقع العقد على زوجة الغير. ان قلت: من اي سبب صار العقد علة لخروجها عن الزوجية ؟ نقول: من قوله (ع) - الزموهم ومن قوله (ع) تزوجوهن نستكشف ذلك بعد القطع بانه (ع) لا يأمر بتزويج امرأة ذات بعل وبعد القطع بان هذا الطلاق باطل، فلا يمكن الجمع بين هذه الامور الا بان يقال بان الزوجية للمطلق باقية إلى زمان عقد الصادر من الذي يعتقد ببطلان ذلك الطلاق، فبعقده عليها تصير خلية بالنسبة إلى زوجها الذي طلقها وتصير زوجة للذي عقد عليها. واما حديث حكومة قوله (ع) الزموهم أو قوله (ع) تزوجوهن فلا يرفع هذا الاشكال اصلا، وذلك من جهة ان الحكومة - على ادلة اشتراط الطلاق

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم تخريجه في ص 180، رقم (1). 2 - المؤمنون (23): 6. (*).

 

بالشرائط المذكورة في باب الطلاق - معناها صحة هذا الطلاق، وهذا مخالف للضرورة في مذهب الشيعة حيث ان الفقهاء كلهم متفقون على بطلان هذا الطلاق ولم يقل احد منهم بصحته ولو بالعنوان الثانوي أي: بعنوان انه الطلاق الصادر عن المخالفين. وايضا مخالف للاخبار الصريحة في انه اياكم وتزويج المطلقات ثلاثا في مجلس واحد فانهن ذوات ازواج (1). وحاصل الكلام انه في العناوين الثانوية جعل الشارع لفعل واحد من حيث الماهية حكمين واقعيين مختلفين، غاية الامر بعنوانين احدهما هو العنوان الاولي للشئ والثاني هو العنوان الثانوي مثل اكل لحم الميتة الذي هو بعنوانه الاولي حرام واقعا وبعنوانه الثانوي - مثل ان يكون الاكل عن اضطرار أو اكراه أو غير ذلك هو حلال واقعا فيرجع الامر فيما نحن فيه إلى ان الشارع جعل للطلاق حكمين إذا كان صادرا عن الشيعة يكون صحته مشروطا بتلك الشرائط وإذا كان صادرا من المخالف فليس مشروطا بتلك الشرائط. وبعبارة اخرى الطلاق الفاقد للشرائط المعتبرة فيه إذا كان المطلق من الشيعة يكون فاسدا وإذا كان من مخالفيهم يكون صحيحا وهذا كلام لا يمكن الالتزام به. اما اولا فلاستنكارهم (ع) لصحة مثل هذا الطلاق واستدلالهم على بطلانه بالكتاب العزيز عليهم وهذا لا يناسب مع كون طلاقهم على غير السنة طلاقا صحيحا شرعيا. وثانيا: ما رواه في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام ان رجلا من اصحابه سأله عن رجل من العامة طلق امرأته لغير عدة وذكر انه رغب في تزويجها،

 

(هامش)

 

: 1 - الفقيه ج 3، ص 406، ح 4418، باب ما حل من النكاح، تهذيب الاحكام ج 8، ص 56، ح 183، باب أحكام الطلاق، ح 102، الاستبصار ج 3، ص 289، ح 1022، باب من طلق امرأته...، ح 16، وسائل الشيعة ج 15، ص 316، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 29، ح 20. (*).

 

قال (ع): انظر إذا رأيته فقل له: طلقت فلانة ؟ إذا علمت انها طاهرة في طهر لم يمسها فيه فإذا قال نعم فقد صارت تطليقة فدعها حتى تنقضي عدتها من ذلك الوقت ثم تزوجها ان شئت فقد بانت منه بتطليقة بائنة ولكن معك رجلان حين تسئله ليكون الطلاق بشاهدين عدلين (1). وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في فساد الطلاق على غير السنة وان كان فيها اشكال من جهة اخرى وهى مخالفتها لقاعدة الالزام، ولكن يمكن ان يقال انها محمولة على الاستحباب من هذه الجهة. ناك وه روايات رواها في الوسائل تدل على ان المطلقة ثلاثا باقية على زوجيتها لزوجها المطلق (2). وخلاصة الكلام: ان القول بصحة الطلاق الثلاث من غير رجعة بينها فيما إذا كان المطلق ممن يقول بصحة مثل هذا الطلاق - اي: كان من مخالفينا بحيث يكون هاهنا موضوعين احدهما موضوع للصحة وهو الطلاق الصادر ممن يعتقد بصحة مثل هذا الطلاق، والثاني موضوع للبطلان وهو الطلاق الصادر ممن يقول ببطلان مثل هذا الطلاق فالصحة والفساد يكونان منوطين بالقول بالصحة والفساد - عجيب. وبعد الاحاطة على ما ذكرنا تعرف ان مقتضى الجمع بين الادلة هو ما ذكرناه من ان الطلاق الثلاث من غير رجعة بينها سواء كان بلفظ واحد أو بتكرار الطلاق ثلاثا من غير رجعة بينها لا يقع الثلاث بل لا يقع حتى واحد منها وان كان من هذه الجهة الاخيرة محل خلاف بيننا. وكذلك يكون الطلاق فاسدا إذا كان فاقدا لسائر شرائط الصحة وان كان

 

(هامش)

 

: 1 - دعائم الاسلام ج 2، ص 263، ح 1002، مستدرك الوسائل ج 15، ص 304، ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه، باب 23، ح 1. 2 - وسائل الشيعة ج 15، ص 311، ابواب مقدمات الطلاق، باب 29. (*).

 

المطلق ممن يقول بصحته وتكون الزوجية باقية على زوجيتها والقول بصحة مثل هذا الطلاق مما يأباه المذهب وان كان صادرا ممن يعتقد بصحة مثل هذا الطلاق. وايضا لا شك في انهم (ع) امروا بصحة تزويج مثل هذه المطلقة مع عدم امكان ان يسند إليهم (ع) القول بصحة تزويج المزوجة والتى هي زوجة الغير، فلا بد من القول بان تلك المطلقة باقية على زوجيتها للمطلق ولكن بنفس العقد الواقع عليها من الذى يعتقد بطلان ذلك الطلاق يخرج عن كونها زوجة للمطلق فذلك العقد يكون طلاقا بالنسبة إلى الزوج الاول ونكاحا بالنسبة إلى الثاني. وهذا في مقام الثبوت ممكن لما ذكرنا من انه من قبيل وقف ذي الخيار أو عتقه لمن باعه في زمان خياره، فعقد الوقف وكذلك ايقاع العتق يكون فسخا واخراجا عن ملك المبتاع ووقفا أو عتقا ايضا في زمان واحد وليس احدهما متقدما على الآخر بحسب الزمان اصلا نعم التقدم والتاخر بينهما انما هو بحسب الرتبة وفيما نحن فيه ايضا كذلك الخروج عن الزوجية للزوج الاول وصيرورتها زوجة للثاني في زمان واحد فلم يقع العقد على زوجة الغير كما ربما يتوهم. هذا في مقام الثبوت واما في مقام الاثبات فامرهم عليهم السلام بتزويجهم، أو اخذ المال في مورد التعصيب أو المعاملات الفاسدة والضمانات غير الصحيحة مع ان لهم الولاية العامة - يدل على انهم عليهم السلام جعلوا نفس العقد عليهن طلاقا لهن وتزويجا للزوج الثاني. وبناء على ما ذكرنا يكون العقد واقعا على إمرأة خلية، لان زمان حصول زوجيتها للثاني مع زمان عدم زوجيتها للاول واحد، لانهما معلولان لعلة واحدة وهو العقد الواقع عليها. وعلى هذا الاساس بنينا صحة الامر الترتبي بالنسبة إلى الضدين بان قلنا ان عصيان الاهم الذي هو شرط فعلية الامر بالمهم مع نفس الامر بالمهم وامتثاله ايضا

 

الثلاثة في زمان واحد والتفصيل في محله في كتابنا منتهى الاصول (1) وقد اطلنا الكلام لرفع شبهة ربما تقع في بعض الاذهان. واما القول بالاباحة فلا اساس له اصلا، إذ هذا القائل لو يقول بفساد مثل ذلك الطلاق فنسبة اباحة وطي الزوجة الباقية على زوجيتها للاول إلى الامام (ع) مع علم الواطي بانها زوجة الغير - عجيب وقلنا ينبغي ان لا يتفوه بذلك احد، وان كان يقول بصحة هذا الطلاق فتكون هي زوجته حقيقة فالاباحة المجردة لا معنى لها. ويتفرع على ما ذكرنا ان المخالف لو استبصر بعد ان طلق زوجته بالطلاق الفاقد لشرائط صحة الطلاق ولم يعقد عليها غيره ممن يجوز له العقد عليها فله ان يرجع إلى زوجته المطلقة بدون الاحتياج إلى عقد جديد، لانها زوجته ولم تبن منه ولم تخرج عن زوجيتها، لما قلنا من ان الخروج بنفس العقد. فما دام كان مخالفا حيث انه يعتقد صحة طلاقه وكان مخطئا في اعتقاده هذا فلو كان يرجع إليها، فاما كان متجريا متهتكا غير مبال بارتكاب حرمات الله، كما إذا اخطأ في اعتقاده واشتبه عليه فقارب زوجته باعتقاد انها زوجة الغير، أو كان مرتكبا للحرام الواقعي بناء على ان الشارع نزل هذا الطلاق الفاسد بالنسبة إلى نفس المطلق في حكم الطلاق الواقعي من حيث حرمة مباشرته ومقاربته معها. وأما إذا استبصر فلا معنى لان يكون متجريا لعلمه بفساد الطلاق وبقائها على زوجيتها له على المبنى المذكور واما بناء على تنزيل هذا الطلاق الفاسد منزلة الطلاق الصحيح من حيث اثر حرمة وطيها وسائر انتفاعات الزوجية بالنسبة إليه، فهذا كان فيما إذا كان مخالفا وما دام انه معتقد بصحته كما هو ظاهر قوله (ع) في رواية عبد الله بن طاوس عن ابى عبد الله (ع): انه من دان بدين قوم لزمته احكامهم (2).

 

(هامش)

 

: 1 - منتهى الاصول ج 1، ص 336. 2 - عيون أخبار الرضا (ع) ج 1، ص 310، ح 74، معاني الاخبار ص 263، وسائل الشيعة ج 15، (*).

 

وايضا ظاهر قول مولانا الرضا (ع) في رواية هيثم بن ابى مسروق حيث ذكر عنده بعض العلويين فقال (ع) اما انه مقيم على حرام قلت جعلت فداك كيف وهي امرأته قال (ع) لانه قد طلقها قلت: كيف طلقها ؟ قال (ع): طلقها وذلك دينه. فحرمت عليه (1). فهاتان الروايتان وما هو نظيرهما علق الحرمة ولزوم التزامه باحكام دين بما إذا كان معنونا بعنوان انه دان بدين قوم أو عنوان ذلك دينه فإذا زال هذا العنوان عنه بواسطة استبصاره يزول مع زواله حكمه ايضا لان ظاهر اخذ كل عنوان في موضوع حكم ان لذلك العنوان دخل في الحكم حدوثا وبقاء لا حدوثا فقط، ولعمري هذا واضح جدا ولا ينبغي ان يشك فيه. فبناء على هذا لو استبصر قبل ان يعقد عليها شخص اخر له ان يرجع إليها. وأما انه إذا عقد عليها من يجوز له ذلك فلا يبقى مورد للرجوع إليها ألبتة لما قلنا ان العقد بمنزله الطلاق ويوجب خروجها عن حبالة الزوج المطلق. ومنها: انه لو تزوج الشيعي بامرأة من المخالفين بدون حضور شاهدين على العقد، فلو مات هذا الشيعي بعد الدخول بها فيجوز لورثة الميت ان كانوا من الشيعة منعها من الارث ومن مهرها ايضا. وعن كل ما تستحق المرأة على زوجها من ناحية كونها زوجة لذلك الميت لانها ترى هذا العقد فاسدا بناء على ما هو من مذهبها من بطلان النكاح بغير حضور شاهدين كما نقول نحن في الطلاق فمذهبهم على العكس من مذهبنا فالامامية قائلون بلزوم شاهدين عدلين في الطلاق دون النكاح، ومخالفوهم يقولون بلزومهما في النكاح دون الطلاق.

 

(هامش)

 

. ص 322، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 11. 1 - تهذيب الاحكام ج 8، ص 58، ح 187، باب أحكام الطلاق، ح 106، الاستبصار ج 3، ص 291، ح 1028، باب إن المخالف إذا طلق امرأته...، ح 12، وسائل الشيعة ج 15، ص 320، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 30، ح 3. (*).

 

 

ومنها: ان المخالف لو طلق زوجته مكرها على ذلك فحيث ان طلاق المكره عند ابى حنيفة وجمع اخر صحيح ونافذ على ما نقل عنهم (1) فيجوز للشيعي ان يرتب اثار الصحة على هذا الطلاق - وان لم يكن عنده صحيحا - بقاعدة الالزام فيتزوج بها بعد انقضاء عدتها. وكذلك الامر في كل مورد يكون مذهبهم صحة الطلاق مع عدم صحته عند الامامية، فيجوز للامامي الاثني عشري ترتيب اثار الصحة على ذلك الطلاق الفاسد في مذهبه ان كان صحيحا في مذهب المخالف، كما إذا حلف بالطلاق ان فعل الامر الفلاني أو ان لم يفعل فهذا الطلاق عندنا باطل لكن عندهم صحيح، فيجوز ان يرتب عليه اثار الصحة بقاعدة الالزام. وخلاصة الكلام ان موارد قاعدة الالزام في ابواب النكاح والطلاق كثيرة، والضابط الكلي هو ان كل نكاح أو طلاق كان فاسدا حسب مذهب الامامية وكان صحيحا عندهم فيجوز للامامي ترتيب اثار الصحة عليه بهذه القاعدة ان كان في صحته ضرر على المخالف، لان الالزام لا معنى له الا فيما إذا كان الملزم به ضررا عليه. وكذلك العكس اي كل نكاح أو طلاق كان صحيحا حسب مذهب الامامية وكان فاسدا عندهم يجوز للامامي ترتيب اثار الفساد عليه إذا كان اثار الفساد ضررا عليه، وذلك لما ذكرنا من عدم صدق الالزام عرفا الا مع كون الملزم به ضررا عليه. وايضا يدل على ما ذكرنا من لزوم كون الاثار ضررا عليه قوله (ع) في بعض روايات القاعدة خذوا منهم كما يأخذون منكم (2) فبناء على ما ذكرنا لو عقد المخالف

 

(هامش)

 

1 - بدائع الصنائع ج 3، ص 100، اللباب ج 2، ص 226، شرح العناية على الهداية ج 3، ص 39، شرح فتح القدير ج 3، ص 39، تبيين الحقائق ج 2، ص 194، حاشية إعانة الطالبين ج 4، ص 5، فتح الباري ج 9، ص 390، المغني لابن قدامة ج 8، ص 260، الشرح الكبير 8، ص 243، المجموع ج 17، ص 67، ونقله عنه من أصحابنا الشيخ في الخلاف ج 4، ص 478. 2 - سبق تخريجه في ص 180، رقم (2). (*).

 

 

على المطلقة اليائسة قبل انقضاء عدتها فهذا العقد عندنا صحيح لان اليائسة عندنا لا عدة لها وعندهم فاسد لقولهم بوجوب العدة عليها، فيجوز للامامي ترتيب اثار الفساد على هذا العقد - وان كان في مذهبه صحيح - بهذه القاعدة فله ان يتزوج بها بدون ان يطلقها الزوج المخالف. وكذلك الامر لو تزوج المخالف بنت الاخ أو بنت الاخت على عمتها في الاول وعلى خالتها في الثاني برضاء العمة في الاول وبرضاء الخالة في الثاني فهذا العقد عند الامامية صحيح، لكن المنقول عنهم عدم صحته وفساده، فانهم لا يجوزون الجمع بين العمة وبنت الاخ ولا بين الخالة وبنت الاخت ولو برضاء العمة في الاول وبرضاء الخالة في الثاني، فيجوز للامامي ترتيب اثار الفساد على عقد بنت الاخ وبنت الاخت - ان كان العقد عليهما متأخرا عن العقد على العمة أو الخالة - بان يعقد عليهما بدون ان يطلقهما الزوج المخالف. ومما ذكرنا ظهر لك حال طلاق السكران وطلاق الحائض مع حضور الزوج والطلاق في الطهر الذي قاربها وجامعها فيه، ففي جميع ذلك يكون الطلاق فاسدا على مذهبنا ويكون صحيحا عند فقهائهم جميعا أو في بعض مذاهبهم، فيجوز الزامهم بصحة الطلاق في الموارد المذكورة وان كان فاسدا عندنا، كل ذلك لاجل شمول قاعدة الالزام لهذه الموارد المذكورة وامثالها مما لم نذكرها. ومنها: لو طلق المخالف امرأته معلقا على امر محتمل الحصول أو متيقن الحصول فالاول كما لو قال امرأتي فلانة طالق لو قدم زيد من سفره هذا غدا مثلا أو مطلقا ثم جاء في ذلك الوقت المعين في الاول أو مطلقا في الثاني. وبعبارة اخرى: حصل المعلق عليه المحتمل الوقوع فهذا الطلاق عندنا فاسد اجماعا لمكان التعليق وصحيح عندهم، فيجوز ترتيب اثار الصحة على هذا الطلاق - الفاسد عندنا - بقاعدة الالزام. واما في الصورة الثانية اي لو كان طلاقه معلقا على امر معلوم الحصول كما لو

 

قال لامرأته: انت طالق لو طلعت الشمس أو غربت مثلا فمن يقول بصحة مثل هذا الطلاق من فقهائنا فلا اشكال في انه يجوز له ترتيب اثار الصحة على مثل هذا الطلاق، لانه رأيه وفتواه سواء أكانت قاعدة الالزام في البين أو لم تكن. واما من يقول بفساده لاجل الاجماع على بطلان التعليق في العقود وفي الايقاعات - التي منها الطلاق - بطريق اولى فله ترتيب اثار الصحة على هذا الطلاق بقاعدة الالزام لانهم قائلون بصحة الطلاق المعلق على امر محتمل الوقوع أو متعين الوقوع فيما إذا حصل المعلق عليه. ومنها: ابواب الضمانات سواء أكان الضمان ضمانا واقعيا أو كان هو ضمان المسمى كباب المعاوضات. والضابط الكلي هاهنا هو انه في كل مورد كان الضمان على المخالف - سواء أكان ضمان المسمى أو الضمان الواقعي - باعتقاده وان لم يكن عليه ضمان حسب مذهب فقهاء اهل البيت، فيجوز الزامه بذلك الضمان - الذي يعتقد به حسب مذهبه - بقاعدة الالزام وهذا المعنى اي: كون الضمان عليه اعم من الواقعي والمسمى حسب مذهبه يختلف سببه عندهم، فقد يكون سبب الضمان عليه صحة المعالمة عندهم، وقد يكون فساد المعاملة موجبا لذلك، وقد يكون فعل موجبا للضمان عندهم وليس موجبا عندنا. وعلى كل واحد من التقديرين لا بد في اجراء قاعدة الالزام ان يقول فقهائنا بعدم الضمان والا لا معنى لاجراء القاعدة كما ذكرنا ذلك مفصلا فلا نعيد. وموارد هذا القسم كثيرة في اغلب ابواب المعاملات والضمانات بقسميه اي المسمى والواقعي نذكر جملة منها.

 

احدها: ما تقدم منا (1) من انه لو باع حيوانا من المخالف وقبضه المشتري المذكور فتلف في يده قبل انقضاء ثلثة ايام اي: وقع التلف في زمان خيار المشتري فيكون الضمان عندنا على البايع الامامي لقاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له وفي الفرض من لا خيار له هو البايع فيكون الضمان عليه حسب مذهبه. ولكن المخالفين قائلون بان الضمان على المشتري لانه بعد ان قبض المبيع - كما هو المفروض ينتقل الضمان من البايع إلى المشتري بواسطة القبض لانهم لا يعتبرون قاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له دليلا يعتمد عليه ويركن إليه. وبناء على هذا للبايع الشيعي ان لا يرد إليه الثمن بقاعدة الالزام وان كان بحسب مذهبه يجب عليه رد الثمن، بناء على احد القولين أو قيمة المبيع ان كان قيميا ومثله ان كان مثليا على القول الاخر. ثانيها: ما تقدم ايضا من انه لو اعار للمخالف ما يمكن اختفاءه مع انه ليس من الذهب والفضة وايضا ليس بدرهم ولا دينار ولم يشترط ايضا عليه الضمان فعلى مذهب المعير الشيعي ليس في مثل هذه العارية ضمان إذا تلف المعار، ولكنهم في بعض مذاهبهم يقولون بالضمان، فإذا كان المستعير من اهل ذلك المذهب للمعير الشيعي الزامه بالضمان إذا تلف بهذه القاعدة وان كان مذهبه عدم الضمان. ثالثها: لو باع شيئا من المخالف وكان المخالف حنفيا ولم يشترطا خيارا لهما أو لخصوص المشتري الحنفي، فلو فسخ ذلك المشتري وما بعد في المحلس ولم يتفرقا فللبايع الشيعي الزامه ببقاء المعاملة وعدم صحة هذا الفسخ وعدم تأثيره في انحلال العقد، وذلك من جهة ان مذهب ذلك المشتري انه لا خيار في المجلس الا بالشرط فإذا لم يكن شرط الخيار في المجلس فلا خيار وان كان هذا خلاف مذهب البايع لان

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم ذكره في ص 182. (*).

 

الشيعة متفقون على ثبوت خيار المجلس لقوله صلى الله عليه وآله البيعان بالخيار ما لم يفترقا (1). وكذلك الامر ايضا لو كان المشتري مالكيا لان مذهبهم انه لا خيار في المجلس اصلا ويقولون ان الحديث الشريف المتقدم، وان كان روايته صحيحة، الا ان عمل اهل المدينة كان على خلافه وعملهم مقدم على الحديث وان كان صحيحا، لانه في حكم المتواتر الموجب للقطع بخلاف الحديث فانه وان كان صحيحا لكنه خبر احاد يفيد الظن فالاول مقدم عليه انتهى. ولا يخفى ان كلامهم هذا صرف ادعاء بلا بينة ولا برهان. رابعها: لو باع الشيعي للمخالف ما اشتراه قبل ان يقبضه عن المالك الاول فهذا البيع صحيح عند فقهاء الامامية، غاية الامر يقول بعضهم بالكراهة في خصوص ما إذا كان المبيع مما يكال أو يوزن، وقول شاذ بالتحريم إذا كان ذلك المبيع الذي لم يقبضه طعاما، ولكن هذا البيع - أي: بيع ما اشتراه قبل ان يقبضه - باطل عند الشافعي فلو باع الشيعي من احد من الشافعية مثل هذا المبيع اي: ما اشتراه قبل ان يقبضه فندم يجوز له ان يلزم المخالف بما هو طبق مذهبه من فساد المعاملة ويسترجع المبيع وان كان مذهب البايع صحة هذه المعاملة. وكذلك الامر لو كان المشتري حنفيا وكان المبيع - الذي لم يقبضه عن المالك الاول وباعه قبل ان يقبضه من الاعيان المنقولة فان الحنفية يقولون بفساد بيع الاعيان المنقولة قبل ان يقبضها (2) سواء باعها لمن اشتراها منه أو لغيره، فالبيع الثاني باطل وفاسد. واما البيع الاول فيبقى على صحته. خامسها: لو باع حرا وعبدا صفقة واحدة لحنفي فعندنا البيع بالنسبة إلى الحر

 

(هامش)

 

: 1 - الكافي ج 5، ص 170، باب الشرط والخيار في البيع، ح 6، تهذيب الاحكام ج 7، ص 20، ح 85، باب عقود البيع، ح 2، الاستبصار ج 3، ص 72، ح 240، باب أن الافتراق بالابدان...، ح 2، وسائل الشيعة ج 12، ص 346، ابواب الخيار، باب 1، ج 3. 2 - الفقه على المذاهب الاربعة ج 2، ص 234 (*).

 

باطل وبالنسبة إلى العبد صحيح، ولكن عند ابى حنيفة ابطل في الجميع، فللبائع الزام ذلك المشتري بالبطلان في الجميع إذا ندم من بيع عبده وان كان صحيحا عند البايع بالنسبة إلى العبد، وكذلك الامر بعينه فيما إذا كان بعض الصفقة الواحدة مالا وبعضها ليس بمال، كما إذا باع خمرا أو خلا أو شاة وخنزيرا. سادسها: لو باع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها لبن والمشتري كان شافعيا، فعندنا هذا البيع جائز وعند الشافعية باطل، فإذا ندم البايع من بيعه هذا يجوز له الزام المشتري بالبطلان بقاعدة الالزام. فهذه الموارد التي ذكرناها من موارد الخلاف بين فقهائنا وفقهاء مخالفينا في كتاب البيع موارد قليلة من الموارد الكثيرة التي ذكرها الاصحاب ربما يزيد عددها على المئات. السابع: ذكر الشيخ (قده) في الخلاف ان الراهن إذا شرط ان يكون الرهن عند عدل صح هذا الشرط (1). ثم ذكر بعد هذا الفرع فرعا اخر وهو: ان العدل في مقام أداء دين المرتهن لا يجوز له ان يبيع الرهن الا بثمن مثله حالا، فلا يجوز ان يبيعه نسيئة ولا باقل من ثمن مثله. ونسب إلى ابي حنيفة (2) انه قال: يجوز له أن يبيعه نسيئة وباقل من ثمن المثل، حتى انه لو باع ضيعة تساوي مأة الف دينار بدانق إلى ثلاثين سنة نسيئة جاز ذلك. وبناء على هذه الفتوى الغريبة من ابي حنيفة لو كان الراهن حنفيا فيجوز الزامه بصحة هذا البيع بهذه القاعدة وان كان غير صحيح عندنا. وايضا نسب الشيخ (قده) إلى ابي حنيفة ان الرهن مضمون باقل الامرين (3) والظاهر

 

(هامش)

 

: 1 - الخلاف ج 3، ص 242، المسألة 40، وص 244، المسألة 44. 2 - المبسوط للسرخسي ج 21، ص 84، الفتاوى الهندية ج 5، ص 443، بدائع الصنائع ج 6، ص 149، تبيين الحقائق ج 6، ص 81، المغني لابن قدامة ج 4، ص 426، الشرح الكبير ج 4، ص 452، 3 - الخلاف ج 3، ص 245، المسألة 46. (*).

 

ان مراده بالامرين أي: الدين وقيمة العين المرهونة، والصحيح عندنا لا ضمان في الرهن الا مع التعدي والتفريط، لانه من قسم الامانة المالكية، وقد بينا عدم الضمان بدون التعدي والتفريط في الامانات ملطقا في احدى قواعد هذا الكتاب فلو كان المرتهن حنفيا وتلف عنده الرهن بدون تعد ولا تفريط يجوز الزامه باخذ اقل الامرين منه بهذه القاعدة وان كان لا يجوز عندنا ولا ضمان. وايضا نسب الشيخ (قده) إلى ابي حنيفة ان العدل لو باع الرهن لاداء الدين وقبض الثمن فلو تلف الثمن بعد القبض يسقط من الدين بمقدار الثمن (1). وبعبارة اخرى: يكون ثمن الرهن في ضمان المرتهن، وهذا وان كان غير صحيح عندنا، لان المرتهن ما لم يقبض دينه لا وجه لسقوط دينه ولكن المرتهن ان كان حنفيا يجوز الزامه بسقوط دينه بهده القاعدة. وايضا نسب الشيخ (قده) إلى ابي حنيفة ان منفعة الرهن لا للراهن ولا للمرتهن، مثلا لو رهن دارا فليس ان يسكنها الراهن أو يوجرها، ولا يجوز ايضا للمرتهن ان يسكنها أو يوجرها (2) وحاصل كلامه ان منفعة الرهن لا يملكه الراهن ولا المرتهن، وأما نمائه المنفصل فيدخل في الرهن فيكون رهنا مثل اصله. وهذه الفتوى وان كانت غير صحيحة عندنا، لان منافع الشيء تابعة لاصله، وكل من كان مالكا للاصل يكون مالكا للمنفعة والنماء متصلة كانت النماء ام منفصلة، ولكن لو كان الراهن حنفيا يجوز الزامه بدخول النماء المنفصل في الرهن، فلو رهن بقرة مثلا فولدت عجلا يكون ذلك العجل ايضا مثل امه رهنا. وهناك فروع كثيرة في كتاب الرهن تكون من موارد قاعدة الالزام تركنا ذكرها خوفا من للتطويل.

 

(هامش)

 

: 1 - الخلاف ج 3، ص 245، المسألة 47. 2 - الخلاف ج 3، ص 251، المسألة 58. (*).

 

الثامن: إذا كان هناك اثنان، احدهما راكب على دابة والآخر آخذ بلجامها فتنازعا في تلك الدابة ولم تكن لاحدهما بينة على ما يدعيه من ملكية تمام الدابة أو امارة اخرى أو دليل آخر، ولو كان اصلا عمليا كالاستصحاب فتجعل بينهما نصفين عملا بقاعدة العدل والانصاف، أو لكون يد كل واحد منهما على تلك الدابة، حيث انها ليست يدا مستقلة على التمام فتكون عند العرف والعقلاء بمنزلة اليد التامة المستقلة على النصف إذا كانا اثنين وعلى الثلث ان كانوا ثلاثة وهكذا بالنسبة إلى عدد الشركاء قلة وكثرة، فبكثرة الشركاء ينقص الكسر، وبقلتهم يتصاعد حتى يصل إلى النصف فيما إذا كان الشريك - في كونه ايضا ذا اليد - واحدا أو من جهة التصالح القهري، هذا ما عندنا. وباقي الفقهاء من مخالفينا قالوا يحكم بانها للراكب، فلو كان الراكب منا يجوز له الزام آخذ الجام بذلك ان كان منهم. التاسع: قال الشيخ (قده) في الخلاف لو اتلف شخص مال اخر وكان من القيميات، كما انه لو اتلف شاة له مثلا وكانت قيمتها ثلاث دنانير فاقر بأنه اتلفها وصالحه على اقل من قيمتها الواقعية أو على اكثر منها فهذا الصلح باطل، لانه يكون من الرباء المحرم المبطل للمعاملة (1). وهذا بناء على جريان حكم الرباء في الصلح مثل البيع مع كون ما في الذمة بعد التلف قيمة التالف لا عينه بوجودها الاعتياري، كما ربما يكون هذا ظاهر قوله صلى الله عليه وآله: وعلى اليد ما اخذت حتى تؤديه (2). وهو ما اخترناه واما كونه من الرباء فمن جهة انه بعد ان اتلف مال الغير وكان من القيميات

 

(هامش)

 

: 1 - الخلاف ج 2، ص 177. 2 - السنن الكبرى ج 6، ص 90، كنز العمال ج 10، ص 360، ش 29811، مستدرك الوسائل ج 14، ص 437، باب 6، ح 17216 وج 17، ص 88، باب 1، ح 20819. (*).

 

تشتغل ذمته بقيمة ذلك المال، فالمصالحة تقع بين قيمة ذلك المال التي على عهدته وبين ما يتصالحان به، وحيث ان المفروض ان القيمة اقل منه أو اكثر، فيكون من الرباء فلا يجوز وقال أبو حنيفة: يجوز، فلو كان طرف المصالحة حنفيا وكانت تلك المصالحة على ضرره يجوز للاخر الذي يخالفه في المذهب الزامه بذلك بهذه القاعدة. العاشر: النافع تضمن بالغصب عندنا سواء أكانت المنافع مستوفاة أو غير مستوفاة، فلو غصب دارا وسكنها أو آجرها فكما انه ضامن لاصل الدار كذلك ضامن للمنافع التى استوفاه بالسكنى فيها أو بان آجرها، بل الحق كما قلنا انه يضمن المنافع وان لم يستوفاه ولتحقيق هذه المسألة مقام اخر. وقال أبو حنيفة ان الغاصب لا يضمن المنافع اصلا وان استوفاها فضلا عما إذا لم يستوفها، ويقول ايضا إذا غصب ارضا فزرعها ببذره كانت الغلة له ولا اجرة عليه الا ان تنقص الارض بذلك، فيكون عليه جبران ما نقص. وكذلك قال: ان آجر مثلا دارا أو دكانا غصبهما فالاجرة لذلك الغاصب ان اخذها ويملكها دون مالكهما، هذا ما حكاه الشيخ (قده) عنه في الخلاف (1)، فبناء على هذا لو كان المغصوب منه حنفيا يمكن الزامه بهذه القاعدة ولا يعطى اجرة ملكه أو املاكه التى استوفاها الغاصب وان كانت لسنين متعددة. الحادي عشر: لا يصح ضمان المجهول عندنا، فان كان الذى يريد ان يضمن عن شخص لشخص اخر وكان مقدار دين المضمون عنه مجهولا ويحتمل ان يكون واحدا ويحتمل ان يكون الفا - فلا يصح مثل هذا الضمان وان كان واحبا أي: كان الدين محققا فعلا. وبعبارة اخرى: لم يكن من قبيل ضمان ما لم يجب بل كان بضمان ما وجب عليه واشتغلت ذمته به، بكذا لا يصح ضمان ما لم يجب وان كان المقدار معلوما، مثلا يقول

 

(هامش)

 

: 1 - الخلاف ج 3، ص 402، المسألة 11. (*).

 

للبزاز: اعط هذا مقدار عشرين دينارا بالدين وانا ضامن، أو يقول: ان اخذ هذا الرجل منك بالدين عشرين دينارا فانا ضامن. وهذا يسمى اصطلاح الفقهاء بضمان ما لم يجب، لانه بعد لم يجب عليه شيء، لانه لا دين فعلا في البين كى يكون ادائه عليه واجبا أو يكون فعلا ذمته مشغولة به، وعلى كل حال لا يصح ضمان ما لم يجب وان كان مقداره معلوم. وقال أبو حنيفة ومالك: يصح مثل هذا الضمان (1)، فإذا كان الضامن مالكيا أو حنفيا وضمن ما لم يجب أو ما ليس بمعلوم فيجوز الزامهما بهذه القاعدة وان كان غير صحيح عندنا. الثاني عشر: شركة الابدان عندنا باطلة، وهي ان يشترك العاملان أو اكثر سواء أكانا متفقي الصنعة والمهنة - كالحدادين أو النجارين - أو مختلفي الصنعة والمهنة كما إذا كان احدهما نجارا والاخر خبازا على ان كل ما يحصل من كسبهما لهما أو كسبهم لهم يكون مشتركا بينهما أو بينهم بالسوية أو بالاختلاف حسب شرطهم. وقال أبو حنفية يجوز ذلك (2)، فإذا كان احد الشريكين في شركة الابدان حنفيا ويكون صحة هذه الشركة - بعد ان عملا مدة - مضرة له ونافعا للطرف الاخر الذي مذهبه بطلان هذه الشركة يجوز لهذا الاخير الزامه للآخر بصحة هذه الشركة بهذه القاعدة وان كانت في مذهبه باطلة. الثالث عشر: لا شفعة عند اكثر فقهائنا في المنقولات وكل ما يمكن تحويله بحسب المتعارف من مكان إلى مكان اخر كالاثواب والفروش والحبوبات والحيوانات.

 

(هامش)

 

: 1 - المجموع ج 14، ص 19، فتح العزيز ج 10، ص 370، بداية المجتهد ج 2، ص 294، البحر الزخار ج 6، ص 76. 2 - اللباب ج 2، ص 75 - 76، النتف ج 1، ص 535، المبسوط ج 11، ص 154، و 216، المغني لابن قدامة ج 5، ص 111، الشرح الكبير ج 5، ص 185، المحلى ج 8، ص 123، بداية المجتهد ج 2، ص 252، سبل السلام ج 3، ص 893، فتح العزيز ج 10، ص 414، البحر الزخار ج 5، ص 94. (*).

 

ومنها: السفن وقال مالك: إذا باع سهمه من السفينة المشتركة يجوز لشريكه الاخر الزامه بالاخذ بالشفعة منه بهذه القاعدة وان كان هو لا يقول بها (1). الرابع عشر: لا تثبت الشفعة بالجوار عندنا وقال أبو حنيفة وبعض اخر من الفقهاء للجار حق الاخذ بالشفعة (2) ولكن في طول الشريك لا في عرضه، بمعنى: ان الشريك لو ترك ولم يأخذ فالجار احق من غيره، فإذا كان المشتري حنفيا، أو ممن يقول بحق الشفعة للجار من سائر الفقهاء، فللجار الزامه بهذه القاعدة ان كان منا وان لم يكن هذا الحق من مذهبنا. وما ذكرنا في موارد هذه القاعدة قليل من كثير مما لم نذكرها، لان استقصاء جميع موارد الخلاف يحتاج إلى تأليف مجلدات كبيرة، خصوصا إذا كان مع ادلة الطرفين، وهو الذي يسمى الان بالفقه المقارن، وقد كتب شيخ الطائفة (قده) كتابا في موارد الخلاف سماه الخلاف ، والحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا.

 

(هامش)

 

: 1 - بداية المجتهد ج 2، ص 245، بدائع الصنائع ج 5، ص 12، شرح القدير ج 7، ص 405، تبيين الحقائق ج 5، ص 252، فتح العزيز ج 11، ص 364. 2 - المبسوط للسرخسي ج 14، ص 94، بدائع الصنائع ج 5، ص 8، المجموع ج 14، ص 303، المغني البن قدامة ج 5، ص 461، الشرح الكبير ج 5، ص 466، البحر الزخار ج 5، ص 8، نيل الاوطار ج 6، ص 81. (*).