قاعدة البناء على الاكثر

 21 - قاعدة البناء على الاكثر 

 

قاعدة البناء على الاكثر * ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة البناء على الاكثر عند الشك في عدد الركعات إن كان الشك في الرباعية الواجبة بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية . وفيها جهات من البحث: الجهة الاولى في مدركها وهو عبارة عن الروايات المعتبرة الواردة في هذا المقام: منها: موثقة عمار الواردة في حكم الشك عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام: كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الاكثر قال عليه السلام: فإذا انصرفت فاتم ما ظننت أنك نقصت 1. ومنها: موثقته الاخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شيء من السهو في الصلاة ؟ فقال: ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء ؟ قلت: بلى، قال عليه السلام: إذا سهوت فابن على الاكثر فإذا فرغت و سلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه

 

(هامش)

 

القواعد ص 71، المبادى العامة للفقه الجعفري ص 248. (1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 193، ح 762، باب أحكام السهو في - الصلاة...، ح 63، الاستبصار ج 1، ص 376، ح 1426، باب من شك فلا يدري صلى إثنتين أو ثلاثا، ح 4، وسائل الشيعة ج 5، ص 318، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 4. (*)

 

شيء وان ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت 1. ومنها: موثقة ثالثة عن عمار أيضا قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالاكثر، فإذا سلمت فاتم ما ظننت أنك نقصت 2. ثم إن المراد من السهو - في الموثقتين الاخيرتين - هو الشك لا السهو بمعناه الحقيقي أي النسيان وذلك أن الناسي إذا لم يلتفت إلى نسيانه لا في الصلاة ولا بعدها فلا يتوجه إليه حكم بالنسبة إلى نسيانه، وان التفت إليه فان كان في حال الصلاة والمفروض أن متعلق النسيان هو ركعات الصلاة فان كان ما أتى به ناقص فيجب أن يأتي بالباقي متصلا لا منفصلا كما في صلاة الاحتياط وظاهر هذه الروايات وان كان ما أتى به من الركعات زائدا على الفريضة فتكون الصلاة باطلة ويجب إعادتها. فالمراد بقرينة هذا الحكم - أي: قوله عليه السلام فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت إلى آخره - هو الشك، واطلاق السهو على الشك بعلاقة السببية جائز لا ضير فيه، إذا المجاز بعلاقة السببية متعارف ومعهود في اللغة. وأما كون السهو سببا للشك فأمر معلوم غني عن البيان، ودلالة الموثقات الثلاث على هذا الحكم - أي البناء على الاكثر - واضح لا يحتاج إلى التكلم فيه. الجهة الثانية في شرح مفاد هذه القاعدة وهو يتوقف على بيان أمور:

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 349، ح 1448، باب أحكام السهو، ح 36، وسائل الشيعة ج 5، ص 318، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 3. (2) الفقيه ج 1، ص 340، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 992، وسائل الشيعة ج 5، ص 317، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 1. (*)

 

 

الامر الاول: أن الشك في عدد الركعات الذي هو موضوع هذه المسألة قد تكون في النافلة وقد تكون في الفريضة. والاول خارج عن محل كلامنا لورود أدلة خاصة على نفي الشك في النافلة كقوله عليه السلام ليس في النافلة سهو 1. وقد تكلمنا في هذه القاعدة - أي قاعدة نفي الشك في النافلة - في هذا الكتاب 2، وقلنا بأنه مخير بين البناء على الاقل والبناء على الاكثر. والثاني قد يكون في الفريضة الثنائية مثل أن يكون الشك في فريضة الصبح بين الواحد والاثنين أو غيرها من الصور، وقد يكون في الثلاثية مثل أن يشك في المغرب بين الواحد أو الاثنين والثلاث أو غيرها من الصور - وقد يكون في الرباعية. وهذا على قسمين: لان الشك قد يكون قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية و قد يكون بعده. فالاول مثل أن يشك بين الاثنين والثلاث مثلا ولكن قبل إكمال السجدتين، مثل أن يكون شكه هذا في حال القيام أو في حال السجدة الاولى من الركعة التي بيده. والثانى مثل أن يكون شكه أيضا بين الاثنين والثلاث مثلا ولكن بعد إكمال السجدتين من الركعة التي بيده. وبعبارة أخرى: الشك في الفريضة الرباعية تارة يكون طرف الاقل من الشك أقل من الركعتين التامتين واخرى لا يكون كذلك بل يكون طرف الاقل هو حصول الركعتين التامتين فما زاد كالشك بين الثلاث والاربع في أي حال كان من الحالات. وأما الشك بين الاثنين فما زاد فلابد وأن يكون بعد تمامية السجدة الثانية، وإلا ليس

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 359، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر...، ح 5 و 9، تهذيب الاحكام ج 3، ص 54، ح 187، باب أحكام الجماعة وأقل الجماعة...، ح 99، وسائل الشيعة ج 5، ص 340، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 24، ح 8. (2) سيأتي في هذه المجلدة، ص 317. (*)

 

الشك بعد إكمال السجدتين. فالشك في الثنائية والثلاثية خارج عن تحت هذه القاعدة مطلقا وفي أي حال من الاحوال كان، والشك في الرباعية أيضا خارج إن كان قبل إكمال السجدتين بالمعنى الذي عرفت أي كون طرف الاقل من الشك أقل من الركعتين التامتين وذلك لما دل على بطلان الصلاة بهذه الشكوك، وتلك الادلة أخص من الموثقات فتخصص بها. فبناء على هذا لو شك في الثلاثية أو في الثنائية الواجبة - كصلاة المغرب أو الصبح، وفي السفر سواء أكانت ثنائية بالاصل أو صارت ثنائية بواسطة وجوب التقصير في السفر وكصلاة الجمعة وصلاة الكسوف بل وصلاة العيدين بناء على عدم شمول حكم النافلة لهما في عصر الغيبة وإلا تكون خارجة عن محل البحث - تكون صلاته باطلة وليست مشمولة لهذه الموثقات. والدليل على بطلانها - وتخصيص هذه الموثقات به - قوله عليه السلام في مصحح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا شككت في المغرب فاعد وإذا شككت في الفجر فأعد 1. وصحيح العلاء عن الصادق عليه السلام سألته عن الرجل يشك في الفجر ؟ قال عليه السلام: يعيد . قلت: المغرب ؟ قال عليه السلام: نعم والوتر والجمعة من غير أن أسأله 2. وقوله عليه السلام في هذه الرواية والوتر والجمعة مبني على أن يكون الوتر ثلاثة ركعات أي مجموع الشفع والوتر، وإلا لو كان الوتر عبارة عن الركعة الواحدة مقابل

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 350، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعه، ح 1، تهذيب الاحكام ج 2، ص 178، ص 714، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة، ح 15 و 24، الاستبصار ج 1، ص 365، ح 1390، باب الشك في فريضة الغداة، ح 1 و 7، وسائل الشيعة ج 5، ص 304، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 1 و 5. (2) تهذيب الاحكام ج 2، ص 180، ح 722، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه اعادة الصلاة، ح 23، وسائل الشيعة ج 5، ص 305، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 7، وص 331، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 18، ح 3. (*)

 

الشفع فتصوير الشك في عدد الركعات لا يخلو من نظر. نعم يمكن الشك فيه بمعنى الشك في وجوده وعدمه. وموثق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة ؟ فقال عليه السلام: إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها، والجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة لانها ركعتان، والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلى فعليه أن يعيد الصلاة 1. ومصحح ابن مسلم قال: سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي ولا يدري واحدة صلى أم ثنتين ؟ قال: يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم 2. ويظهر من موثق سماعة أن كون الصلاة التي وقع فيها الشك ركعتين موجب للبطلان وذلك من جهة تعليله عليه السلام إعادة الجمعة التي وقع فيها السهو - أي الشك - بقوله عليه السلام: لانها ركعتان فيستفاد حكم كل فريضة ثنائية منها سواء أكانت ثنائية بالاصل كالصبح والجمعة والعيدين وصلاة الآيات أو صارت ثنائية بواسطة السفر كالتقصير في الرباعيات في السفر. وعلى كل حال يظهر من هذه الروايات بطلان الصلاة في ثلاثة أقسام: أحدها الثنائية الواجبة. الثاني: الثلاثية الواجبة. الثالث: أن يكون الشك بين الواحدة وما زاد. وأما ما ذهب إليه الصدوق قدس سره 3 من التخيير بين الاعادة والبناء على الاقل فيما إذا

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 179، ح 720، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 21، الاستبصار ج 1، ص 366، ح 1394، باب الشك في فريضة الغداة، ح 5، وسائل الشيعة ج 5، ص 305، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 8. (2) الكافي ج 3، ص 351، باب السهو في الفجر والمغرب والجمعة، ح 2، تهذيب الاحكام ج 2، ص 179، ح 715، باب أحكام السهو في الصلاة و...، ح 16، الاستبصار ج 1، ص 365، ح 1391، باب الشك في فريضة الغداة، ح 2، وسائل الشيعة ج 5، ص 304، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 2. (3) حكى عنه العلامة في المنتهى ج 1، ص 410، وراجع: الفقيه ج 1، ص 351، باب أحكام السهو في الصلاة، ذيل ح 1024. (*)

 

شك بين الواحدة والاثنين، للجمع بين الروايات المتقدمة ورواية الحسين بن أبي العلاء عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة ؟ قال عليه السلام: يتم 1. ففيه: بأن هذا الجمع لا شاهد له وليس جمعا عرفيا كما في الخاص والعام والحاكم والمحكوم والظاهر والاظهر، ومضافا إلى أن هذه الرواية لم يعمل بها أحد، حتى أن الوحيد وصاحب الحدائق 2 - قدس سرهما - أنكرا نقل هذا القول عن الصدوق. وكذلك رواية عمار - عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة ؟ قال عليه السلام: يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة، فان كان قد صلى ركعتين كانت هذه تطوعا، وإن كان قد صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة . قلت: فصلى المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا ؟ قال عليه السلام: يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة فان كان صلى ثلاثا كانت هذه تطوعا وإن كان صلى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة 3 - لم يعمل به أحد وأعرض عنه الجميع. وخلاصة الكلام أن بطلان الصلاة في الموارد الثلاثة المذكورة اتفاقي لم ينكره أحد إلا الصدوق قدس سره فيما تقدم وقد عرفت الحال فيه. وأما الشك في الرباعية قبل إكمال السجدتين: فيدل على بطلانها هو صحيح زرارة: روى الصدوق باسناده عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السلام: كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات وفيهن القرائة وليس فيهن وهم - يعني سهو - فزاد رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا وفيهن الوهم وليس فيهن قراءة، فمن شك في الاولتين أعاد

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام، ج 2، ص 177، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 11، الاستبصار ج 1، ص 364، ح 1387، باب السهو في الركعتين الاولتين، ح 11، وسائل الشيعة ج 5، ص 303، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 20. (2) الحدائق الناضرة ج 9، ص 193. (3) تهذيب الاحكام ج 2، ص 182، ح 728، باب أحكام السهو في الصلاة و...، ح 29، وسائل الشيعة ج 5، ص 306، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 2، ح 12. (*)

 

حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في الاخيرتين عمل بالوهم 1. وأيضا روى باسناده عن عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سلمت الركعتان الاولتان سلمت الصلاة 2. وأيضا باسناده عن ابراهيم بن هاشم في نوادره عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: ليس في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو 3. وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سهوت في الاولتين فأعدهما 4. ورواية موسى بن بكر قال: سأله الفضيل عن السهو ؟ فقال: إذا شككت في الاولتين فأعد 5. هذه جملة مما يدل على بطلان الصلاة إذا كان الشك في الاولتين، وبهذا المضمون روايات كثيرة فوق حد الاستفاضة. وحاصل مفاد جميعها هو بطلان الصلاة ولزوم الاعادة مع احتمال نقص في الاولتين، بل لابد في الحكم بصحة الصلاة من حفظ الاوليين بتمامهما وكمالهما، ولازم هذا المعنى هو أن يكون الشك بعد إكمال السجدتين فالشك في الموارد الاربعة المذكورة موجب للبطلان وخارج عن مفاد أخبار البناء على الاكثر حكومة

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 1، ص 201، باب فرض الصلاة، ح 605، وسائل الشيعة ج 5، ص 299، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 1. (2) الفقيه ج 1، ص 346، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1010، وسائل الشيعة ج 5، ص 299، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 3. (3) الفقيه ج 1، ص 352، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1028، وسائل الشيعة ج 5، ص 300، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1 ح 4. (4) تهذيب الاحكام ج 2، ص 177، ح 706، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 7، الاستبصار ج 1، ص 364، ح 1383، باب السهو في الركعتين الاولتين، ح 7، وسائل الشيعة ج 5، ص 302، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 15. (5) الاستبصار ج 1، ص 364، ح 1381، باب السهو في الركعتين الاولتين، ح 4، وسائل الشيعة ج 5، ص 302، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 19. (*)

 

أو تخصيصا. ثم إنه من موارد بطلان الصلاة بالشك في عدد ركعاتها - وعدم شمول هذه القاعدة له - هو الشك بين الاثنتين والخمس أو الاكثر وان كان بعد إكمال السجدتين وذلك من جهة أنه لا طريق إلى تفريغ الذمة مما اشتغل به يقينا لا وجدانا ولا تعبدا. أما وجدانا فواضح لان المفروض أنه شاك في أن ما أتى به اثنتين أو الخمس أو الاكثر فان سلم ولم يأت بشئ فاحتمال النقيصة والزيادة كلاهما موجود وليس دليل تعبدي في البين يدل على عدم مضرية هذه الزيادة أو النقيصة على تقدير وجودهما. ولو أتى بما يحتمل نقصانه فيبقى احتمال الزيادة وليس شيء يدل على عدم مضرية هذا الاحتمال وتفريغ الذمة. وأما تعبدا فمن جهة عدم شمول روايات البناء عى الاكثر للمقام لانها واردة فيما إذا كان الاكثر صحيحا كي يكون موجبا لتفريغ الذمة. وأما إذا كان البناء على الاكثر موجبا لفساد الصلاة فهو خارج عن محط نظر هذه الاخبار. وبعبارة أخرى: هذه الروايات كلها ناظرة إلى علاج العمل وكيفية تصحيحه فلا يشمل الامر الذي يوجب بطلان العمل فليس هذا المورد مشمولا لتلك الاخبار العلاجية، أي البناء على الاكثر واتمام ما نقص منفصلا بصلاة الاحتياط. وأما أخبار البناء على اليقين فأيضا لا تشمل المقام لان الظاهر منها أيضا هو البناء على الاكثر وتتميم ما نقص بصلاة الاحتياط كي يحصل اليقين بالبرائة على كل واحد من التقديرين، وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك لانه على تقدير كونه في الواقع هو الاقل يمكن التدارك بصلاة الاحتياط وتحصيل اليقين بتفريغ الذمة، وأما على تقدير كونه هو الاكثر تكون الصلاة باطلة ولم يرد دليل بالخصوص على عدم كون الزيادة على تقدير وقوعها مضرة.

 

وأما استصحاب عدم تحقق الزيادة على المقدار المعلوم وهو الاثنتين ففيه أولا: أنه طرح الشارع إجراء الاستصحاب في باب الشك في عدد الركعات لحكمه بالبناء على الاكثر. وثانيا أن الاستصحاب لا يثبت أن ما أتمه هي الركعة الثانية حتى يتشهد فيها ولا الثاني من الركعتين التاليتين اللتين يأتي بهما بعد الاستصحاب أنها الرابعة فيأتي فيها بالتشهد الاخير إلا على القول بالاصل المثبت. مع أن صريح الاخبار أن ظرف التشهد الاول هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية في الركعة الثانية، والتشهد الثاني هو بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الرابعة فلا طريق إلى تصحيح العمل وتفريغ ما في الذمة بالاستصحاب فلابد من الاعادة. وهذا معنى كون الشك موجبا للبطلان. فظهر أن مورد الخامس من الشكوك المبطلة أيضا خارج عن عموم هذه القاعدة وعلى هذا المنوال المورد السادس والسابع من موارد الشكوك المبطلة - أي الشك بين الثلاث والست أو الازيد أو الشك بين الاربع والست أو الازيد - يكونان خارجين عن عموم هذه القاعدة أي البناء على الاكثر. أما المورد السادس فلعين ما ذكرنا في المورد الخامس حرفا بحرف. وأما المورد السابع - أي: الشك بين الاربع والست أو الازيد فقد قاسه بعضهم - وهو ابن أبي عقيل 1 - بالشك بين الاربع والخمس فقال بالصحة قياسا على الشك بين الاربع والخمس. ولكن أنت خبير بأن الصحة هناك لدليل خاص لا يشمل المقام، فان قوله عليه السلام في صحيح عبد الله بن سنان - إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي

 

(هامش)

 

(1) مختلف الشيعة ج 2، ص 390. (*)

 

السهو بعد تسليمك 1 - حكم خاص في موضوع خاص أي الشك بين الاربع و الخمس، فاسراء هذا الحكم إلى موضوع آخر - وهو الشك بين الاربع والست يشبه القياس أو هو هو. وأما كون المراد هو الشك بين ما هو تمام العدد الصحيح وما هو الزائد عليه - و ذكر الخمس في الرواية من باب أحد المصاديق - دعوى بلا بينة بل خلاف ظاهر الرواية. وأما التمسك لصحته باستصحاب عدم تحقق الزائد على الاربع فقد بينا أنه لا يثبت أن ما أتمه هي الركعة الرابعة إلا على القول بالاصل المثبت. مضافا إلى ما ذكرنا من أن الشارع لم يعتن بالاستصحاب في تعيين عدد ركعات الصلاة بل أسقطه عن الاعتبار بجعل البناء على الاكثر فيما إذا شك في أعداد الرباعية بعد إكمال الركعتين الاولتين. وأما المورد الثامن من الشكوك المبطلة - وهو أن يكون شكه بحيث لا يدري أنه كم صلى - فهو أيضا خارج عن عموم هذه الموثقات للاجماع على بطلان الصلاة ولزوم الاعادة وللروايات المعتبرة الواردة في لزوم الاعادة إذا اتفق كون شكه هكذا أي كان بحيث لا يدري أنه كم صلى واحدة أم اثنتين أم ثلاثا أم أربع. منها: رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام: إن كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة 2. هذا مضافا إلى أن مرجع هذا الشك إلى عدم حفظ الاوليين وقد تقدم أنه يبطل الصلاة عند عدم حفظهما.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 355، باب من سها في الاربع والخمس...، ح 3، تهذيب الاحكام ج 2، ص 195، ح 767، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 68، وسائل الشيعة ج 5، ص 314، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 5، ح 2، وباب 14، ح 1. (2) الكافي ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها...، ح 1، تهذيب الاحكام ج 2، ص 187، ح 744، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 45، الاستبصار ج 1، ص 373، ح 1419، باب من شك فلم يدر صلى ركعة أو اثنتين...، ح 2، وسائل الشيعة ج 5، ص 327، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 1.(*)

 

وخلاصة الكلام أن جميع الصور الثمانية التي تكون للشكوك المبطلة خارج عن عموم هذه القاعدة وذلك من جهة أن أخبار البناء على الاكثر وردت في مقام علاج الشك في عدد الركعات فإذا كان الشك غير قابل للعلاج - ولابد فيه من إعادة الصلاة أو جاء دليل خاص على بطلان الصلاة بشك - فيكون خارجا عن عموم هذه الموثقات. وقد عرفت مما ذكرنا أن الشكوك المبطلة لا تخلو من أحد هذين الامرين: إما لا يمكن العلاج فيها وإما دل دليل خاص على بطلان الصلاة بها. هذا حال الشكوك المبطلة. وأما الشكوك التي لا اعتبار بها كشك كثير الشك، وشك كل واحد من الامام والمأموم مع حفظ الآخر، والشك في النافلة، والشك في صلاة الاحتياط، فكلها خارجة عن تحت هذه القاعدة وعموم هذه الموثقات حكومة أو تخصيصا. وأما الشكوك التسعة الصحيحة فكلها مشمولة لهذه الموثقات كما سنبين فيما سيأتي إن شاء تعالى. الامر الثاني: في أنه عليه السلام بصدد علاج الشك بقوله: إذا سهوت فابن على الاكثر أو قوله: كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الاكثر فإذا انصرفت فاتم ما ظننت أنك نقصت أو غيرهما مما هو بهذا المضمون. ومعلوم أن هذا العلاج لا يتم فيما إذا كان الاكثر من طرفي الشك أو أطرافه زائدا على الاربع. فإذا كان الشك في الرباعية قبل إكمال السجدتين من الركعة الثانية تكون الصلاة باطلة لما تقدم، وتكون هذه الصورة خارجة عن عموم هذه الاخبار لما تقدم أيضا. وأما إن كان بعد تمامية الركعتين وسلامتهما، فلو كان أحد طرفي الشك أو أحد أطرافه زائدا على الاربع، فالصلاة أيضا باطلة لعدم تطرق هذا العلاج وليس

 

 

علاج آخر. نعم في خصوص الشك بين الاربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحة بالبناء على الاقل الذي هو الاربع - وسجدتي السهو للزيادة المحتملة - أو كان هذا الشك في حال القيام حتى بهدمه يرجع الشك إلى الثلاث والاربع كي لا يكون البناء على الاكثر مبطلا، وهذا يجري في كل مورد كان طرف الاكثر هو الخمس و كان في حال القيام كي يرجع بالهدم إلى الاقل من الاربع والاربع فيمكن تطرق هذا العلاج فتشمله هذه الاخبار. الامر الثالث: في صور الشك في الرباعية وهو على قسمين: مركب وبسيط. والمراد بالشك البسيط هو أن يكون للشك طرفان فقط: الاقل والاكثر، كالشك بين الاثنين والاربع، أو الثلاث والاربع. والمراد بالمركب هو أن يكون أطراف الشك أكثر من الاثنين كالشك بين الاثنين والثلاث والاربع. وفي كل واحد من القسمين - أي البسيط والمركب - إما أن لا يكون طرف الاكثر أكثر من الاربع أو يكون، والقسم الثالث هو أن يكون كلا طرفي الشك أكثر من الاربع. وان شئت قلت: تارة لا يكون كلا طرفي الشك أكثر من الاربع. واخرى يكون كلاهما أكثر من الاربع. وثالثة يكون أحد طرفيه أكثر دون الآخر. أما الاول كالشك بين الثلاث والاربع. وأما الثاني كالشك بين الخمس والست. وأما الثالث كالشك بين الاربع والخمس. فمجموع الاقسام يصير ستة: اثنان منها البسيط والمركب في نفس الرباعية بمعنى أن طرف الاكثر ليس زائدا على الاربعة، أو كلاهما - أي طرفا الشك في البسيط والمركب - في الزائد على الاربعة، أو كلاهما - أي البسيط والمركب - فيما إذا كان أحد

 

طرفي الشك في الاربعة والطرف الآخر في الزائد عليها. أما القسم الاول أي الشك البسيط في نفس الاربعة صوره ثلاث: وهي الشك بين الاثنين والثلاث، والشك بين الاثنين والاربع، والشك بين الثلاث والاربع. أما القسم الثاني أي: الشك المركب في نفس الاربعة فصورة واحدة وهي الشك بين الاثنين والثلاث والاربع. فهذه أربع صور للشك البسيط والمركب في نفس الاربعة، أي ليس طرف الاكثر زائدا على الاربعة. وأما القسم الثالث أي الشك البسيط فيما إذا كان طرفا الشك زائدا على الاربعة كالشك بين الخمس والست. وأما القسم الرابع أي الشك المركب في الزائد على الاربعة بحيث تكون أطراف الشك زائدة على الاربعة كالشك بين الخمس والست والسبع. وأما القسم الخامس أي الشك البسيط بحيث يكون أحد طرفيه في الاربعة والطرف الآخر فيما زاد عليها كالشك بين الاربع والخمس. وأما القسم السادس أي الشك المركب فيما إذا كان طرف الاقل داخلا في الاربعة وطرف الاكثر زائدا عليها، كالشك بين الثلاث والاربع والخمس أو بين الاربع والخمس والست. إذا عرفت هذا فنقول: أما حكم القسم الاول والثاني أي تلك الصور الاربع فواضح أي يجب البناء على الاكثر، وتتميم ما يحتمل نقصه بصلاة الاحتياط كما هو صريح موثقات عمار.

 

نعم هاهنا أمران يجب أن يذكر: الامر الاول: أن مقتضى قوله عليه السلام - فابن على الاكثر لو لم يكن قوله عليه السلام: فإذا سلمت فاتم ما ظننت أنك نقصت - هو المضي وعدم وجوب صلاة الاحتياط لان معنى البناء على الاكثر عدم الاعتناء باحتمال الاقل عملا بل يجب عليه أن يجعل عمله على طبق احتمال الاكثر. لست أقول إنه - أي البناء على الاكثر - أمارة ومن باب تتميم الكشف لان الشك مأخوذ في موضوعه، ومثل ذلك لا يمكن أن يكون أمارة لان مفاد الامارة إلغاء الشك، والموضوع لابد وأن يكون محفوظا حتى يأتي الحكم وتخلفه عن الموضوع خلف محال، بل ولا نقول بانه من الاصول المحرزة لان الاصل المحرز عبارة عن لزوم العمل على طبق أحد طرفي الشك عمل المتيقن به ولذلك يكون حاكما على الاصل غير المحرز لرفع موضوعه به تعبدا، وليس في أخبار الباب ما يدل على أن العمل بالاكثر والبناء عليه باعتبار أنه عمل المتيقن بالاكثر. وعلى كل حال فيكون معنى البناء على الاكثر ترتيب آثار الاكثر شرعا من حيث العمل، ومن آثار الاكثر أنه ليس عليه شيء لا صلاة الاحتياط ولا غيرها، فتشريع صلاة الاحتياط بملاحظة احتمال الاقل وتداركه ولذلك ربما يقال بأن جعل صلاة الاحتياط مرجهه إلى البناء على الاقل لا البناء على الاكثر، وقوله عليه السلام ابن على الاكثر يكون باعتبار تصحيح محل التشهد والتسليم، وإلا فبحسب أصل كمية صلاة الفريضة يكون البناء على الاقل. ولذلك قال بعضهم: إن البناء على الاكثر في الصلاة ليس مخالفا للاستصحاب، بل وجوب صلاة الاحتياط يكون نتيجة استصحاب عدم إتيان ما يحتمل عدم إتيانه، وإلا لم يكن وجه لوجوب الاتيان بصلاه الاحتياط. الامر الثاني: في أن طرف الاقل من الشك في الرباعية إذا كان الاثنتين لابد وأن

 

يكون بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية لما تقدم من دلالة الروايات على لزوم حفظ الاوليين بتمامهما وكمالهما، وان الشك في أي جزء منهما ما لم يكن دليل شرعي أو عقلي على تماميتهما مبطل للصلاة فيقع الكلام في أنه ما المدار في إكمال السجدتين ؟ هل هو الدخول في السجدة الثانية مع الاستقرار فيها أو بعد الاتيان بذكر الواجب فيها أو بعد رفع الرأس عنها ؟ ونسب الاخير إلى المشهور. ولكن الظاهر أن المدار في إكمالها هو الاتيان بالذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية وذلك من جهة أن وجود المركب بوجود تمام أجزائه فإذا وجد الجزء الاخير منه مع كونه مسبوقا بوجود سائر الاجزاء في المركب التدريجي الوجود يصدق أنه وجد بتمامه وكماله، وأما الخروج عنه فليس جزء له كما هو واضح. ومعلوم أن الركعة عبارة عن القيام والذكر الواجب فيه من القرائة أو التسبيح والركوع والسجدتين، فإذا وجد هذه الامور فقد وجد الركعة بتمامها واحتمال أن يكون رفع الرأس من السجدة الثانية أيضا جزء للركعة بعيد بل مقطوع العدم، لعدم الدليل عليه وانما هو مقدمة للدخول في الركعة التى بعدها أو للتشهد والتسليم. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: إذا عرفت هذه الامور فلنرجع إلى التكلم في الشكوك الاربعة للقسم الاول والثاني أي الشك البسيط والمركب من الشك في نفس الرباعية من دون أن يكون طرف الاكثر زائدا على الاربعة. الصورة الاولى: أي الشك بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين فهو يبنى على الثلاث على المشهور بل ادعى عليه الاجماع، بل عن الامالي: أنه من دين

 

الامامية 1. والدليل عليه هي الموثقات العمار الثلاث التي تقدمت 2. هذا هو الحكم الاول في هذا الشك والحكم الثاني هو الاتيان بصلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بعد إتمام صلاته أي بعد إتيان الرابعة والتشهد والتسليم. والدليل على وجوب صلاة الاحتياط قبل الاجماع - لما قلنا مكررا من أن الاجماع في أمثال هذه الموارد مما لها مدرك من الاخبار الصحيحة المعمول بها عند الاصحاب لا وجه له - هو ذيل الموثقات الثلاث للعمار أي قوله عليه السلام: فإذا انصرفت فاتم ما ظننت أنك نقصت ، وما هو بمضمونه في الموثقتين الاخريين، فان ذيل هذه الموثقات صريح في أن إتمام مظنون النقصان إنما هو بعد الفراغ من الصلاة والانصراف عنها فيكون بصلاة مستقل وهو الذي نسميه بصلاة الاحتياط. ثم إن هاهنا أمران: الامر الاول: إن في هذه المسألة أقوال أخر: البناء على الاقل وهو المحكي عن الصدوق محمد بن علي بن بابويه في الفقيه 3، والتخيير بين البناء على الاقل والاكثر و هو المحكي عن والده علي بن بابويه 4، والاعادة وهو المحكي عن المقنع 5. ومنشأ هذه الاقوال هو اختلاف الاخبار الواردة في هذا المقام فلنذكرها كي نرى ما هو المحصل منها، فنقول:

 

(هامش)

 

(1) أمالى الصدوق ص 513. (2) تقدم في ص 183 و 184. (3) حكى عنه في مدارك الاحكام ج 4، ص 256. (4) فقه الرضا ص 117 - 118. (5) المقنع ص 101. (*)

 

منها مصحح زرارة - أو حسنته - عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين ؟ قال: يعيد . قلت: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا ؟ قال: إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم صلى الاخرى ولا شيء عليه ويسلم 1. فربما يقال: بأن هذه الرواية دليل على قول الصدوق قدس سره أي البناء على الاقل و ذلك من جهة أن قوله عليه السلام مضى في الثالثة ثم صلى الاخرى معناه أن ما أتى به هو اثنين وهذا الذي بيده هو الثالثة ويصلى الاخرى أي الركعة الرابعة الباقية متصلة و يسلم ولا شيء عليه، لا الاعادة ولا صلاة الاحتياط، وهذا هو البناء على الاقل. وبعبارة أخرى: ظاهرها أن الركعة التي يشك في أنها الثانية أو الثالثة هي التي فرغ عنها ودخل في الثالثة، فالامر بالمضي في الثالثة وقوله عليه السلام بعد ذلك ثم صلى الاخرى - أي الرابعة - ويسلم صريح في أنه أمر بالبناء على أن الركعة المشكوكة التي فرغ عنها بالدخول في الثالثة هي الثانية وهذا هو البناء على الاقل، فيخصص بها موثقات عمار المتقدمة لانها أخص منها، والنتيجة هي قول الصدوق قدس سره أي البناء على الاقل. هذا أحد الاحتمالين في الرواية الذى موافق لما نسب إلى الصدوق وحكي أيضا عن السيد - قدس سرهما - في المسائل الناصريات 2. والاحتمال الآخر - الذي موافق لمذهب المشهور أي: البناء على الاكثر وأصر عليه صاحب الحدائق 3 واستظهره من هذه الرواية - هو أن يكون اللام في قوله إن

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 350، باب السهو في الركعتين الاولتين، ح 3، تهذيب الاحكام ج 2، ص 192، ح 759، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 60، الاستبصار ج 1، ص 375، ح 1423، باب من شك فلا يدري صلى اثنين أو ثلاثا، ح 1، وسائل الشيعة ج 5، ص 300، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 6، وباب 9، ح 1. (2) الناصريات ضمن الجوامع الفقهية، ص 237. (3) الحدائق الناضرة ج 9، ص 212. (*)

 

دخله الشك للعهد أي الشك المسؤول عنه إن عرض له بعد الدخول في الثالثة أي الركعة التي قطعا ليس أقل من الثالثة، وان كان من المحتمل أن تكون هي الرابعة. وقوله عليه السلام بعد ذلك مضى في الثالثة أي يمضي في صلاته مع بنائه على أن تلك الركعة المشكوكة المحتملة أن تكون الثانية أو تكون الثالثة هي الثالثة فتكون الركعة التي بيده هي الرابعة فيكون المراد بقوله ثم صلى الاخرى هو أن يأتي بركعة منفصلة أعني صلاة الاحتياط، وبعد أن أتم ما ظن نقصه بصلاة الاحتياط يسلم و هذا كما ترى هو البناء على الاكثر في الركعة المشكوكة. ومما يؤيد أن المراد بقوله عليه السلام ثم صلى الاخرى هي الركعة المنفصلة لا الموصولة هي كلمة ثم التي للترتيب بانفصال، وإلا لو كان المراد هي الركعة الموصولة لكان ينبغي أن يقول عليه السلام مضى في الثالثة ويصلي الاخرى بالواو لا بثم. ثم إنه على تقدير أن لا يكون هذا الاحتمال أظهر من الاحتمال الاول لكن يكون موجبا لاجمال الرواية فلا يكون دليلا على البناء على الاقل كما توهم. ولكن الانصاف أن الاحتمال الاول - أي كون الامر بالمضي في الثالثة بمعنى أنه يبنى على أن ما بيده الذي هو كان ظرف وجود الشك في أن الركعة التي خرج منه و دخل في الثالثة هل هي الثانية أو الثالثة هي الثالثة - أظهر وذلك من جهة ظهور قوله عليه السلام ثم صلى الاخرى ولا شيء عليه ويسلم في الركعة الموصولة. ويؤيد هذا الظهور وقوع يسلم بعد هذه الجملة ولو كان المراد هي الركعة المنفصلة وصلاة الاحتياط كان ينبغي أن يقدم هذه الكلمة ويقول يسلم ثم صلى الاخرى . اللهم إلا أن يقال: إن هذا التعبير منه عليه السلام إيهام إلى البناء على الاقل تقية، وفي أخبار الباب يوجد كثيرا مثل هذا الخبر مما ظاهرها يوهم البناء على الاقل وظاهر عليها أمارات التقية والتورية، وقد أشرنا إليها في بعض روايات باب الاستصحاب.

 

فقد ظهر مما ذكرنا أن هذه الرواية مجملة لا تدل على قول المشهور ولا على ما حكي عن الفقيه وعن السيد من البناء على الاقل. ومنها: رواية العلاء قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة ؟ قال عليه السلام: يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة الكتاب 1 بناء على أن المراد من البناء على اليقين هو البناء على الاقل لانه هو المتيقن. ولكن أنت خبير بأنه ينفى هذا الاحتمال قوله عليه السلام: فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة الكتاب لان هذا ظاهر في صلاة الاحتياط أولا لتعيينه عليه السلام فاتحة الكتاب في القراءة وثانيا بقرينة قوله عليه السلام فإذا فرغ تشهد لظهور هذا التشهد في التشهد الثاني أي ما هو في الركعة الرابعة، فأمره عليه السلام - بعد هذا التشهد بالقيام و صلاة ركعة بفاتحة الكتاب - صريح في صلاة الاحتياط لانه لا مورد للركعة الموصولة بعد التشهد الثاني كما هو واضح. وصلاة الاحتياط ركعة واحدة في مفروض المسألة لا يلائم إلا على البناء على الاكثر. هذا مضافا إلى أن مصطلح الاخبار هو تسمية البناء على الاكثر بالبناء على اليقين، فهذه الرواية أيضا لا تدل على البناء على الاقل كما توهم. ومنها: صحيحة عبيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا ؟ قال عليه السلام: يعيد . قلت: أليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه ؟ فقال عليه السلام: إنما ذلك في الثلاث والاربع 2. وبعد ما عرفت من الاجماع والروايات على عدم وجوب الاعادة وعدم بطلان

 

(هامش)

 

(1) وسائل الشيعة ج 5، ص 319، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 9، ح 2، قرب الاسناد ص 30، ح 99. (2) تهذيب الاحكام ج 2، ص 193، ح 760، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 61، الاستبصار ج 1، ص 375، ح 1424، باب من شك فلا يدري صلى اثنتين أو ثلاثا، ح 2، وسائل الشيعة ج 5، ص 320، ابواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 9، ح 3. (*)

 

الصلاة بالشك بين الاثنتين والثلاث إذا كان بعد إكمال السجدتين فلابد من حمل هذه الصحيحة على وقوع الشك المذكور قبل إكمال السجدتين. وأما الاستدلال للبناء على الاقل بموثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال: إذا شككت فابن على اليقين قال: قلت: هذا أصل ؟ قال: نعم 1. و بما هو بهذا المضمون من البناء على اليقين في أخبار كثيرة، فالظاهر أنه ليس المراد من البناء على اليقين البناء على القدر المتيقن الذي هو الاقل، بل المراد اليقين بالامتثال الذي هو البناء على الاكثر والاتيان بصلاة الاحتياط إتماما لما ظنه من النقصان. وقد عبر في الاخبار عن هذا بالبناء على اليقين، كما في خبر قرب الاسناد في رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة ؟ قال: يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام و صلى ركعة بفاتحة الكتاب . وأنت خبير بأن قوله عليه السلام وقام وصلى ركعة بفاتحة الكتاب المراد به صلاة الاحتياط وعدم ذكر التسليم بعد قوله عليه السلام فإذا فرغ وتشهد للنكتة التي نبهنا عليها وهي الايهام للتقية، وصلاة الاحتياط معناها البناء على الاكثر، فعبر عن البناء على الاكثر بالبناء على اليقين أي اليقين بالامتثال. والحاصل: أن هذه الطائفة من الروايات إن لم تكن دليلا على البناء على الاكثر فليست دليلا على البناء على الاقل. وأما سائر الروايات التي ظاهرها البناء على الاقل - على تقدير وجودها وعدم الاشكال في دلالتها - لابد من طرحها أو تأويلها بضرب من التأويل، لاعراض الاصحاب عنها بل انعقاد الاجماع على خلافها، إذ لم ينقل الخلاف إلا عن السيد و الصدوق - قدس سرهما - في الناصريات 2 وفي الفقيه 3، على إشكال في الاول، إذ

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 1، ص 351، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1025، وسائل الشيعة ج 5، ص 381، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 8، ح 2. (2) الناصريات ضمن الجوامع الفقهية، ص 237. (3) حكى عنهما في مدارك الاحكام ج 4، ص 256. (*)

 

المنقول عن إنتصاره موافقته للمشهور 1. وأما الصدوق فالمنقول عنه تجويز البناء على الاقل لا تعيينه مع أن المنقول عن مقنعه بطلان الصلاة ووجوب إعادتها 2. ثم إنه استدل للقول المشهور أيضا بصحيحة محمد بن مسلم قال: إنما السهو بين الثلاث والاربع وفي الاثنتين بتلك المنزلة، ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا و اعتدل شكه قال: يقوم فيتم ثم يجلس ويتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس، وان كان أكثر وهمه إلى الاربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ وسجد سجدتين ثم تشهد وسلم. وان كان أكثر و همه اثنتين نهض فصلى ركعتين وتشهد وسلم 3. ودلالتها على المطلوب - أي البناء على الاكثر - متوقف على أن يكون المراد بقوله فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا هي الركعة التي على وشك الشروع فيها ولم يشرع بعد بأن يكون جالسا ويشك في أن الركعة التي يجب أن يقوم باتيانها هل هي الثالثة أو الرابعة ؟ فيقول عليه السلام في مقام الجواب عن هذا السؤال يقوم ويتم أي يبني على أن هذه الركعة التي يريد أن يأتي بها هي الرابعة فيأتي بها بهذا العنوان ويجلس و يتشهد ويسلم، فهذا معنى قوله يقوم فيتم وبيان له. ثم يقول عليه السلام في علاج تدارك ما احتمل نقصه بعد البناء على الاكثر الذى هو الاربع في المقام ويصلي ركعتين إلى آخر ما قال عليه السلام، فيعالج الشك بركعتين من جلوس بدل ركعة من قيام، كما هو المذكور في سائر أخبار صلاة الاحتياط. ولكن الانصاف أن هذا خلاف ظاهر جملة فلم يدر ثلاثا صلى أو أربعا جدا بل ظاهرها أن ما أتى به لم يدر أنه ثلاث أو أربع ؟ فقوله عليه السلام يقوم فيتم ظاهره

 

(هامش)

 

(1) الانتصار ص 156. (2) المقنع ص 101. (3) الكافي ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 5، وسائل الشيعة ج 5، ص 321، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 4. (*)

 

البناء على الاقل أي يبني على أن ما أتى به ثلاث فيقوم فيتم أي يأتي بالرابعة، وهذا ظاهرها جدا. لكن هذا الظاهر لا يلائم مع قوله عليه السلام فيما بعد هذه الجملة ويصلي ركعتين لانه بناء على أن ما أتى به ثلاث فقام واتى بالرابعة فلا يبقى مجال لصلاة الاحتياط لعدم احتمال النقيصة بناء على هذا كي يحتاط. اللهم إلا أن يقال: إن وجوب ركعتين من جلوس في المفروض حكم تعبدي و ليس من باب تدارك ما نقص، وهو بعيد إلى الغاية. وعلى كل حال إثبات البناء على الاكثر أو الاقل بهذه الرواية مشكل جدا لاجمالها. ولكن هذا الحكم - أي البناء على الاكثر في الشك بين الاثنتين والثلاث - إجماعي ومدلول للروايات العامة التي مفادها البناء على الاكثر في أي شك في أعداد الركعات في الفريضة الرباعية إذا لم يكن البناء على الاكثر موجبا لفسادها ولبطلان الصلاة، وليس في البين ما يخصصها. وقد عرفت حال سائر الاقوال من البناء على الاقل، والقول بالتخيير، والقول بالبطلان ولزوم الاعادة. هذا مضافا إلى الادلة الخاصة أي الروايات الواردة في خصوص الشك بين الاثنتين والثلاث التي مفادها البناء على الاكثر، كحسنة زرارة التي تقدمت 1، ورواية قرب الاسناد في رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة ؟ قال: يبني على اليقين بناء على ما تقدم من أن المراد بالبناء على اليقين هو اليقين بالامتثال أي: البناء على الاكثر، وتدارك ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط. الامر الثاني: هو بيان مدرك التخيير في صلاة الاحتياط في هذه الصورة بين إتيانها

 

(هامش)

 

(1) سبق ذكره في ص 199، رقم (1). (*)

 

ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام فنقول: ذكروا لذلك وجوها: الاول: قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم: ويصلي ركعتين وأربع سجدات و هو جالس ظاهر في أن تدارك ركعة محتمل الفوت بركعتين من جلوس. وفي رواية قرب الاسناد بركعة من قيام. ومقتضى الجمع الدلالي العرفي - الذي يرفع التعارض بينهما - هو الحمل على التخيير، وهذا ليس من التخيير الذي هو مفاد أدلة التخيير في باب تعارض الخبرين حتى يتكلم فيه أنه تخيير في المسألة الاصولية أو الفرعية، بل العرف يجمع بينهما بالتخيير فيرتفع التعارض من البين. وفيه: أنه لو كانت هاتان الروايتان واردتين في مورد الشك بين الاثنتين والثلاث لكان لهذا الكلام وجه وجيه ولكن موردهما مختلف لان مورد الصحيحة هو الشك بين الثلاث والاربع ومورد رواية قرب الاسناد هو الشك بين الاثنتين والثلاث فيحتاج إلى تنقيح المناط. وهذا وجه آخر سنتكلم فيه إن شاء الله. الثاني: أن هذا الشك بعد البناء على الثلاث والقيام للركعة الرابعة مستلزم لشك آخر وهو أن هذه الركعة التي قام إليها - أعني الرابعة البنائية - يشك وجدانا أنها ثالثة أو رابعة، فكل شك بين الاثنتين والثلاث ينتهي بالأخرة إلى الشك بين الثلاث و الاربع، وحكم صلاة الاحتياط فيه - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - هو التخيير المذكور لمرسل جميل الآتي إن شاء الله، فمدرك التخيير في صلاة الاحتياط في الشك بين الاثنتين والثلاث هو نفس مدرك التخيير في الشك بين الثلاث والاربع. وفيه: أن ظاهر أدلة البناء على الاكثر هو باعتبار أول شك يحصل له، لا باعتبار الشكوك اللازمة لهذا الشك غاية الامر بشرط استقراره وعدم انقلابه إلى شك آخر.

 

وأما مسألة تتالي الشكوك الذي قاس شيخنا الاستاذ قدس سره المقام به 1 فليس من قبيل ما نحن فيه لانها من قبيل تبدل الشك الاول وانقلابه إلى شك آخر بعد زوال الشك الاول، وما نحن فيه الشك الاول موجود وهذا الشك الثاني من لوازم الشك الاول. والانصاف أن هذه المقايسة من شيخنا الاستاذ قدس سره غريب. الثالث: تنقيح المناط بمعنى العلم بأن المقصود من صلاة الاحتياط هو تدارك ما فات على تقدير فوته بعد البناء على الاكثر لكونه في الواقع هو الاقل. وقد جوز الشارع وخير المكلف بين تدارك كل ركعة بركعة من قيام مثل ما فات وبين تدارك كل ركعة بركعتين من جلوس. فإذا صرح الشارع في مورد بمثل هذا التخيير - كما أنه صرح في الشك بين الثلاث والاربع في مرسل جميل - نعلم بعدم خصوصية لذلك المورد، بل طريق تدارك ما فات أحد الامرين. ومرسل جميل عن الصادق عليه السلام هو هذا: قال فيمن لا يدري ثلاثا صلى أم أربعا و وهمه في ذلك سواء ؟ قال عليه السلام: إذا اعتدل الوهم في الثلاث والاربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء ركعتين وأربع سجدات وهو جالس 2. فبناء على هذا لا فرق في التخيير في صلاة الاحتياط بين ركعتين من جلوس و بين ركعة من قيام، بين أن يكون الشك بين الثلاث والاربع وبين أن يكون بين الاثنتين والثلاث لوحدة المناط والملاك. ولكن أنت خبير بان تنقيح المناط لا يفيد إلا في مورد القطع بالمناط والملاك و إلا لا يخرج عن كونه قياسا باطلا.

 

(هامش)

 

(1) كتاب الصلاة ج 3، ص 92. (2) الكافي ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 9، تهذيب الاحكام ج 2، ص 184، ح 734، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 35، وسائل الشيعة ج 5، ص 320، أبواب الخلل في الصلاة، باب 10، ح 2. (*)

 

الرابع: الاجماع وهو العمدة، واعتمد عليه في هذا الحكم جمع كثير. ولكن أنت خبير بأن الاجماع الاصطلاحي الذي قلنا بحجيته في الاصول هو فيما إذا لم يكن للمتفقين مستند معلوم، وأما في أمثال المقام مما ذكروا له مستندات فليس من قبيل ذلك الاجماع الذي قلنا، بل لابد من الرجوع إلى نفس المدارك وقد عرفت الحال فيها فلا ينبغي ترك الاحتياط في المقام بأن يأتي بركعة من القيام، والاحوط منه أن يجمع بينهما وأحوط من ذلك إعادة الصلاة أيضا مضافا إلى ذلك الاحتياط. والوجه في هذه الاحتياطات الثلاث واضح بعد الاحاطة على ما ذكرنا. الصورة الثانية: من الصور الاربعة التي للشك البسيط والمركب في نفس الاربعة بمعنى عدم خروج طرف الاكثر عن الاربعة أي لا يكون زائدا عليها وهي عبارة عن الشك بين الثلاث والاربع في أي حال من الحالات كان في حال القيام أو الركوع أو السجود يبني على الاكثر - أي الاربع - ويتم ويسلم بعد أن تشهد ثم يأتي بصلاة الاحتياط مخيرا بين ركعتين من جلوس وبين ركعة من قيام. أما البناء على الاكثر: فأولا لما مر من الادلة العامة كموثقات الثلاث العمار 1 الدالة على البناء على الاكثر في كل فريضة رباعية بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية فيما إذا لم يكن البناء على الاكثر موجبا للفساد والبطلان كما أنه فيما نحن فيه كذلك أي ليس موجبا للفساد والبطلان. وثانيا للاخبار الخاصة في نفس المورد أي في الشك بين الثلاث والاربع: فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس البقباق جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، وان وقع رأيك على الاربع فابن على الاربع فسلم وانصرف وان اعتدل

 

(هامش)

 

(1) سبق ذكرها في ص 183 و 184. (*)

 

وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس الحديث 1. ومنها: مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فيمن لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء ؟ قال: فقال عليه السلام: إذا اعتدل الوهم في الثلاث والاربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وإن شاء صلى ركعتين و أربع سجدات وهو جالس الحديث 2. ومنها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك، ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات 3. ومنها: مصحح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال عليه السلام: وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بام الكتاب، فان ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو، وإن ذهب وهمك إلى الاربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو 4. ومنها: حسن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن استوى وهمه في الثلاث والاربع سلم وصلي ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب وهو جالس يقصر

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 7، تهذيب الاحكام ج 2، ص 184، ح 733، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 34، وسائل الشيعة ج 5، ص 316، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 7، ح 1. (2) سبق تخريجه في ص 206، رقم (2). (3) الكافي ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 3، تهذيب الاحكام ج 2، ص 186، ح 740، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 41، الاستبصار ج 1، ص 373، ح 1416، باب من شك في اثنتين و أربعة، ح 3، وسائل الشيعة ج 5، ص 321، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 3. (4) الكافي ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 8، وسائل الشيعة ج 5، ص 321، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 5. (*)

 

في التشهد 1. ومنها: موثق أبي بصير فيمن لا يدري في الثالثة هو أم في الرابعة قال عليه السلام: فما ذهب وهمه إليه إن رأى أنه في الثالثة وفي قلبه من الرابعة شيء سلم بينه وبين نفسه ثم يصلي الركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب 2. وروايات أخر ذكرها في الوسائل في الباب الذي عقده لهذه المسألة 3 وإن شئت فراجع. فهذه الاخبار مضافا إلى الاخبار العامة دلالتها على البناء على الاكثر في هذه الصورة من الشك - أي الشك بين الثلاث والاربع واتمام ما نقص بصلاة الاحتياط - واضحة لا يحتاج إلى شرح وايضاح. نعم في صحيحة زرارة ربما يقال بانها تدل على البناء على الاقل لان قوله عليه السلام قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ظاهرها هي الركعة الموصولة فيكون عبارة عن أنه ابن على الثلاث الذي هو الاقل في المقام وقم وات بالرابعة ولا شيء عليك. ويؤيد هذا المعنى أيضا تطبيقه عليه السلام هذا الحكم على الاستصحاب بقوله ولا ينقض اليقين بالشك أي اليقين بعدم الرابعة بالشك في وجوده، بل يجب عليه أن يبني على العدم ويقوم ويأتي بالرابعة وهذا هو البناء على الاقل. ولكن أنت خبير بأن ظاهر هذه الجملة وان كان كما توهمه المتوهم ولكن ظاهر

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 2، تهذيب الاحكام ج 2، ص 185، ح 736، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 37، وسائل الشيعة ج 5، ص 321، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 7. (2) الكافي ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 1، تهذيب الاحكام ج 2، ص 185، ح 735، باب احكام السهو في الصلاة...، ح 36، وسائل الشيعة ج 5، ص 322، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10، ح 7. (3) وسائل الشيعة ج 5، ص 320، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 10. (*)

 

الجملات الآخر الست ما عدا قوله عليه السلام ولا ينقض اليقين بالشك أن المراد باليقين هو اليقين بالامتثال وهو أن يبني على الاكثر ثم يأتي بصلاة الاحتياط لتدارك ما فات على تقدير فوته منفصلا وإلا لو كان المراد هي الركعة الموصولة والتطبيق على الاستصحاب لما كان لهذه التأكيدات وجه، فمن هذه التأكيدات يستكشف أنه عليه السلام بصدد بيان البناء على الاكثر والاتيان بصلاة الاحتياط للتدارك منفصلا ولكن بصورة البناء على الاقل كي لا يكون مخالفا للتقية ولرأى الجمهور. والشاهد الآخر: أنه عليه السلام في صدر هذه الصحيحة يقول في جواب قول السائل: قلت له: من لم يدر أنه في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين ؟ قال: يركع ركعتين و أربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب 1. ولا شك في أن جوابه عليه السلام بقوله يركع ركعتين إلى آخر ظاهر بل صريح في البناء على الاكثر والاتيان بصلاة الاحتياط منفصلا وبعيد إلى الغاية أنه عليه السلام يحكم في الصدر بالبناء على الاكثر وفي الذيل بالبناء على الاقل وان كان هو في الشك بين الاثنتين والاربع وهذا في الشك بين الثلاث والاربع. ثم إن في هذه الصحيحة ناقشوا بعض المناقشات ليس مربوطا بمسألتنا وقد فصلنا الكلام فيها في كتابنا منتهى الاصول 2. وخلاصة الكلام: أن حمل الصحيحة على الركعة الموصولة بعيد وخلاف ظاهر الفقرات الست، وأما ما رجحنا في كتابنا منتهى الاصول 3 من دلالة هذه الصحيحة على حجية الاستصحاب فلا ينافي البناء على الاكثر لما ذكرنا هناك.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 351، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 3، الاستبصار ج 1، ص 373، ح 1416، باب من شك في اثنتين واربعة، ح 3، وسائل الشيعة ج 5، ص 323، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 3. (2) منتهى الاصول ج 2، ص 427. (3) المصدر. (*)

 

ثم إن في هذه الروايات في بعض فقراتها وجملها وان كان ما يقتضي شرحها والتكلم عنها ولكن أصل المطلب وما نحن بصدد إثباته حيث أنه معلوم - وبعبارة أخرى: دلالتها على كلا الامرين أي البناء على الاكثر ووجوب التدارك بصلاة الاحتياط حيث أنها واضحة - فلا يهمنا بيان سائر ما فيها والاشكالات التي أوردوها عليها والجواب عنها. نعم بقى أمر: وهو أن صلاة الاحتياط هيهنا هل الواجب هو ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس أو التخيير بينهما ؟ ظاهر العماني 1 والجعفي 2 على المحكي عنهما تعيين ركعتين من جلوس 3، كما أن المحكي عن بعض القدماء هو تعيين ركعة من قيام ولكن فتوى المشهور هو التخيير وهو الصحيح. أما أولا: فلمرسلة جميل التي تقدمت حيث يقول عليه السلام فيها: إذا اعتدل الوهم في الثلاث والاربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء ركعتين وأربع سجدات وهو جالس 4. وضعفها منجبر بعمل الاصحاب. وأما ثانيا: فمن جهة أن ظاهر موثقات عمار هو أن يكون الاحتياط بركعة من قيام

 

(هامش)

 

(1) هو الحسن بن على بن عقيل أبو محمد العماني الحذاء، من فقهاء الشيعة في ابتداء الغيبة وهو من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه. تطلب ترجمته من: رجال النجاشي: ص 35. تنقيح المقال: ج 1، ص 291. معجم رجال الحديث: ج 5، ص 22. (2) هو محمد بن احمد بن ابراهيم أبو الفضل الجعفي الكوفى ثم المصرى كان من افاضل قد ماء اصحابنا الامامية ممن ادرك الغيبتين له كتب كثيرة في الفقه وغيره منها كتاب الفاخر وكتاب تفسير معاني القران و كتاب التوحيد والايمان الى غير ذلك يروى عنه الشيخ والنجاشى بواسطتين وابن قولويه بلا واسطه. الكنى والالقاب ج 2، ص 363. تطلب ترجمته من: رجال النجاشي: ص 264، تنقيح المقال: ج 2، ص 65، معجم رجال الحديث: ج 14، ص 311. (3) حكى عنهما الشهيد في ذكرى الشيعة ص 227، مضافا، حكى عن العماني في مختلف الشيعة ج 2 ص 384 (4) تقدم تخريجه في ص 206، رقم (2). (*)

 

لان ذلك مقتضى إطلاق قوله عليه السلام: واتم ما ظننت أنك نقصت 1، وخصوصا قوله عليه السلام في موثقة الاخرى للعمار: إذا سهوت فابن على الاكثر فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت 2. فأمره عليه السلام بالقيام وصلاة الاحتياط بعد الفراغ و التسليم للصلاة الاصلية له ظهور تام في أن صلاة الاحتياط لابد وأن تكون عن قيام. وظاهر هذه الروايات الخاصة بل صريح جميعها هو كونها ركعتين من جلوس ومقتضى الجمع الدلالي العرفي بين الطائفتين وهو التخيير، مضافا إلى ادعاء الاجماع من بعض في المسألة والشهرة المحققة لانه لا مخالف من القدماء إلا العماني والجعفي. نعم الاحوط هو الاخذ في مقام العمل بركعتين من جلوس خروجا عن خلاف العماني والجعفي، ولان الروايات الواردة في نفس المسألة أغلبها - إن لم يكن جمعيها - مفادها تعيين ركعتين من جلوس. ولو احتاط بالجمع فالاحوط تقديم ركعتين من جلوس لانه بناء على تعين ركعتين من جلوس الذي احتماله ليس بعيدا فان قدم الركعة من قيام يكون فاصلا بين الصلاة الاصلية وبين صلاة الاحتياط وهذا لا يجوز. وأما القائلون بالتخيير بين البناء على الاقل والاكثر كالصدوق 3 من القدماء و بعض المتأخرين فاستدلوا بأخبار الاستصحاب، وقالوا بأن مقتضاها هو البناء على الاقل، ومقتضى موثقات عمار وهذه الاخبار الخاصة هو البناء على الاكثر فمقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين هو التخيير. ولكن أنت خبير بأن هذه الاخبار بل وموثقات عمار أخص من أخبار الاستصحاب فتخصص بها أخبار الاستصحاب، ولا موجب لرفع اليد عن ظهور

 

(هامش)

 

(1) تقدم تخريجه في ص 183 و 184. (2) تقدم تخريجه في ص 184، رقم (1). (3) حكى عنه في مختلف الشيعة ج 2، ص 384. (*)

 

كليهما بالجمع بالتخيير. وأما استدلالهم بصحيحة زرارة فقد عرفت الحال فيها وانها لا تدل على البناء على الاقل كما توهموا، وعلى تقدير دلالتها يكون من باب التقية فلا حجية لها. الصورة الثالثة: من الصور الاربع هو الشك بين الاثنتين والاربع بعد إكمال السجدتين. فأيضا المشهور هو البناء على الاكثر - أي الاربع - والاحتياط بركعتين منفصلتين عن الصلاة الاصلية قائما. ويدل على قول المشهور: أولا: موثقات عمار الثلاث المتقدمة 1. وثانيا: الاخبار الخاصة في نفس المسألة: منها: صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن رجل صلى ركعتين فلا يدرى ركعتان هي أو أربع ؟ قال عليه السلام: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب فيشهد وينصرف وليس عليه شيء 2. ومنها: صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام، قال عليه السلام: إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم، فان كنت إنما صليت ركعتين كانتا هاتان تمام الاربع وان كنت صليت الاربع كانتا هاتان نافلة 3. ومنها: صحيح زرارة الذى تقدم ذكره حيث إن في صدره: من لم يدر في أربع هو أو ثنتين وقد أحرز الثنتين ؟ قال عليه السلام: يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة

 

(هامش)

 

(1) تقدم في ص 183 و 184. (2) الاستبصار ج 1، ص 372، ح 1314، باب من شك في اثنتين وأربعة، ح 1، وسائل الشيعة ج 5، ص 324، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 6. (3) الكافي ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 8، الفقيه ج 1، ص 349، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1015، وسائل الشيعة ج 5، ص 322، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 1. (*)

 

الكتاب ويتشهد ولا شيء عليه 1. ومنها: خبر ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا ؟ قال عليه السلام: يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم فان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة و إن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الاربع، وان تكلم فليسجد سجدتي السهو 2. فهذه الاخبار الخاصة بالشك بين الاثنتين والاربع، مضافا إلى الاخبار العامة تدل دلالة واضحة في هذه الصورة على البناء على الاكثر أي الاربع وكذلك تدل على أن صلاة الاحتياط فيها ركعتين من قيام، وهذه الاخبار كلها متفق في هذا الحكم ولذلك لا خلاف بين القائلين بالبناء على الاكثر في هذه الصورة في هذا الحكم أي في أن صلاة الاحتياط هيهنا ركعتان من قيام. نعم ذهب بعض إلى البناء على الاقل ومستندهم في ذلك أخبار ربما يشعر بذلك ولكن لابد من حملها على التقية أو طرحها من جهة مخالفتها لهذه الاخبار الصحيحة الخاصة والعامة واعراض المشهور عنها بل ربما ادعى الاجماع على خلافها مضافا إلى موافقتها للعامة ولذلك أخبار البناء على الاقل يجب أن تطرح أو يؤول. وأما صحيح محمد بن مسلم - قال: سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا ؟ قال عليه السلام: يعيد الصلاة 3 فلم يفت أحد بمضمونه إلا ما حكي عن الصدوق قدس سره في المقنع 4 على كلام فيه لانه حكى عنه أيضا أنه قال: وروى أنه يسلم

 

(هامش)

 

(1) تقدم تخريجه في ص 210، رقم (1). (2) الكافي ج 3، ص 352، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 4، تهذيب الاحكام ج 2، ص 186، ح 739، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 40، الاستبصار ج 1، ص 372، ح 1315، باب من شك في اثنتين و أربعة، ح 2، وسائل الشيعة ج 5، ص 323، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 2. (3) تهذيب الاحكام ج 2، ص 186، ح 741، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 2، الاستبصار ج 1، ص 373، ح 1417، باب من شك في اثنتين وأربعة، ح 4، وسائل الشيعة ج 5، ص 324، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 11، ح 7. (4) المقنع ص 102. (*)

 

فيقوم فيصلي ركعتين 1. فلعله يقول بالتخيير بين البناء على الاكثر والاعادة، بل يمكن استظهاره من هذا الكلام بناء على ما يقال: إن نقله لرواية علامة للعمل بها. وللقول بالتخيير بين البناء على الاكثر والاعادة وجه، وهو أن البناء على الاكثر على وجه الترخيص للعلاج وتصحيح العمل تخفيفا على المكلف. وحكي ذلك عن الشهيد في الذكرى وعن العلامة أيضا 2 فإذا كان الامر كذلك فالاعادة مجزية بطريق أولى. اللهم إلا أن يقال: إن حرمة قطع العمل وابطاله مانع عن جواز الاعادة لا البناء على الاكثر. ولكن يمكن أن يقال: بأنه بناء على قول المشهور - أي البناء على الاكثر - أيضا يجب أن يسلم ويخرج من الصلاة. فهذه الرواية التي مفادها الاعادة متفقة مع روايات البناء على الاكثر في الخروج عن الصلاة غاية الامر أن مفاد روايات البناء على الاكثر هو العلاج باتمام ما نقص بصلاة الاحتياط تخفيفا على المكلف، وهذه الرواية مفادها تفريغ الذمة بالاعادة فالنتيجة هو التخيير بين الامرين، وعلى كل هذه الرواية بمعنى وجوب الاعادة تعيينا معرض عنها للجميع فلابد من تأويلها أو طرحها. الصورة الرابعة: هو الشك بين الاثنتين والثلاث والاربع بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية والصور الثلاث التي تقدمت كانت من الشك البسيط في نفس الرباعية بمعنى أن طرف الاكثر من الشك لم يكن زائدا على الاربع، وهذه الصورة تكون من الشك المركب أيضا في نفس الرباعية بالمعنى المذكور. وقد تقدم المراد من الشك المركب والبسيط ونقول:

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 1، ص 349، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1015 و 1021، و المقنع ص 102. (2) ذكرى الشيعة ص 225. (*)

 

إن هذا الشك مركب أي في الحقيقة ليس شكا واحدا بل مركب من شكين فما زاد، كما أن هذا الشك مركب من ثلاثة شكوك: الاول: بين الاثنين والاربع. والثاني: بين الاثنين والثلاث. والثالث: بين الثلاث والاربع. والحكم في هذه الصورة أيضا البناء على الاكثر - أي الاربع - وصلاة الاحتياط يقرأ ركعتين من قيام لاحتمال أن يكون الاثنين، وركعتين من جلوس لاحتمال أن يكون ثلاثا. واما احتمال أن يكون أربعا فلا يحتاج إلى تدارك لانه تام فيكون ما صلى احتياطا نافلة على هذا التقدير والاحتمالات منحصرة فيما ذكرنا. ومستند هذا الحكم - مضافا إلى ادعاء الاجماع عن الانتصار 1 والغنية 2 والروايات العامة أي الموثقات الثلاث المتقدمة للعمار 3 - الروايات الخاصة الواردة في خصوص هذه الصورة: منها: صحيح ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا ؟ قال عليه السلام: يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم، فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الاربع 4. ومنها: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم عليه السلام: قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا ؟ فقال: يصلي ركعة من قيام - على بعض نسخ الفقيه - وركعتين - على بعض نسخ الاخر - ثم يصلي ركعتين وهو جالس 5.

 

(هامش)

 

(1) الانتصار ص 156. (2) الغنية ضمن الجوامع الفقهية، ص 504. (3) تقدم ذكره في ص 183 و 184. (4) الكافي ج 3، ص 353، باب السهو في الثلاث والاربع، ح 6، تهذيب الاحكام ج 2، ص 187، ح 742، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 43، وسائل الشيعة ج 5، ص 326، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 13 ح 4. (5) الفقيه ج 1، ص 350، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1021، وسائل الشيعة ج 5، ص 325، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 13، ح 1. (*)

 

ودلالة هذه الروايات على أصل الحكم - أي البناء على الاكثر أي الاربع هاهنا - واضحة ولا خلاف فيه أيضا إلا من ابن الجنيد 1 فانه جوز البناء على الاقل وليس له دليل على هذا التخيير إلا تخيل أنه مقتضى الجمع بين الاخبار الدالة على البناء على الاقل والاخبار التي تدل على البناء على الاكثر. وأنت خبير بما في هذا الكلام وان أخبار البناء على الاقل محمولة على التقية و معرض عنها عند المشهور، بل عرفت ادعاء الاجماع عن الغنية والانتصار على خلافها في خصوص هذا المورد. فالانصاف أن أصل الحكم - أي: البناء على الاكثر وتدارك ما احتمل فوته بصلاة الاحتياط - مما لا ينبغي أن يشك فيه. نعم وقع الخلاف في كيفية صلاة الاحتياط من حيث الكمية ومن حيث الترتيب بين الركعتين قائما والركعتين جالسا. أما الاول أي الاختلاف من حيث الكمية فقد عرفت أن المشهور هو ركعتين من قيام وركعتين من جلوس. ومقابل هذا القول ما عن الصدوق 2 ووالده 3 - قدس سرهما - وقواه الشهيد قدس سره أيضا في الذكرى 4 من حيث الاعتبار ركعة من قيام بدل ركعتين. ودليلهم على هذا القول أمران: الاول: موافقته للاعتبار ومن هذه الجهة قواه الشهيد وهو أنه كما أشرنا إليه أن الاحتمالات في هذا الشك منحصرة في الثلاثة لانه إما صلى اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، فان صلى أربعا فصلاته من حيث عدد الركعات تامة لا يحتاج إلى التدارك وصلاة

 

(هامش)

 

(1) مختلف الشيعة ج 2، ص 382. (2) حكى عنه في مختلف الشيعة ج 2، ص 384. (3) فقه الرضا ص 118. (4) ذكرى الشيعة ص 226. (*)

 

الاحتياط أصلا، وإن كان ما صلى ثلاثا فيكفي في التدارك ركعة واحدة قائما و لا يحتاج إلى الاثنتين قائما بل هو مضر كما هو واضح، وان كان اثنتين فمع انضمام تلك الركعة الواحدة إلى الركعتين من جلوس يكفي في تدارك الاثنتين الفائتتين لان الركعتين من جلوس تحسبان ركعة من قيام فلا يحتاج إلى ركعتين من قيام. ولكن أنت خبير بأن هذا الاعتبار لا يقاوم تلك الادلة الدالة على وجوب ركعتين من قيام ويكون اجتهادا مقابل النص. الثاني: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بناء على أن يكون متن الرواية ركعة من قيام لا ركعتين أي بناء على إحدى نسختي الفقيه. وفيه أولا: أن اختلاف النسخة لا يوجب تعدد الرواية كي يدخل في باب تعارض الخبرين فيشمله أخبار التخيير عند فقد المرجحات أو مطلقا بناء على حمل أخبار الترجيح بالمزايا على الاستحباب أو على وجه آخر، بل كل واحد من محتملي الصدور يسقط عن الحجية للشك في موضوع الحجة. وثانيا: الظاهر من نفس كلام الفقيه هو أن عبارة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ويصلي ركعتين من قيام لا ركعة من قيام كما في بعض النسخ وذلك من جهة أنه بعد نقله هذه الصحيحة عن عبد الرحمن بن الحجاج وفيها على النسخة المخطوطة التي عندي يصلي ركعتين من قيام يروى عن علي بن حمزة رواية وعن سهل بن اليسع رواية ثم يقول بلا فصل: وقد روى أنه يصلي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس. فلو كان في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج يصلي ركعة واحدة من قيام على نقله لم يكن محل لان يقول: وقد روى أنه يصلي ركعه من قيام. فنقل هذه المرسلة يوجب الاطمئنان بأن ما في صحيحة عبد الرحمن هو ويصلي ركعتين من قيام . فيبقى مرسلة صدوق فقط وهو مع إعراض المشهور لا يصح أن تكون مستندا لفتواهم فالصحيح ما هو عليه المشهور.

 

وأما تقديم ركعتين من قيام على ركعتين من جلوس فهو ظاهر هذه الاخبار حيث أنه عليه السلام يقول فيها بعد الامر بصلاة ركعتين من قيام: ثم يصلي ركعتين من جلوس ومعلوم أن كلمة ثم يفيد الترتيب والبعدية. فما حكى من القول بالتخيير عن المرتضى في الانتصار 1 أو القول بوجوب تقديم ركعتين من جلوس كما نسب القول به إلى بعض الاصحاب، لا وجه له. وأضعف من هذين القولين القول بلزوم تقديم ركعة من ركعتي القيام دون كليهما إن كان له قائل وقد نسبه الفقيه الهمداني إلى المفيد 2 - قدس سرهما -. وذلك لان الوجه الاعتباري المتوهم - وهو أن الفائت لو كانت ركعة واحدة تكون تلك الركعة الواحدة تداركا لها ولو كانت اثنتين تكون هي والركعتين من جلوس اللتان تحسبان ركعة واحدة من قيام أو مع الركعة الواحدة الاخرى من قيام تداركا للاثنتين الفائتتين - لا يأتي هاهنا. وفيه ما لا يخفى. والذي ذكرنا من أقسام الشكوك الاربعة كان من أقسام الشك في نفس الاربعة بمعنى أن طرف الاقل والاكثر كانا من نفس الاربعة وبعد إكمال السجدة الثانية من الركعة الثانية سواء كان الشك بسيطا أو مركبا على التفسير المتقدم. فهذه الشكوك الاربعة التي تقدم ذكرها قسمان من الاقسام الستة التى قسمنا الشكوك إليها أي الشك البسيط والمركب في نفس الاربعة. وأما لو كان طرف الاكثر من الشك زائدا على الاربعة فالصور كثيرة في قسميه أي البسيط والمركب بحسب إمكان الوقوع وان كان وقوعه نادرا. وقد ذكر الشهيد الثاني في شرح الالفية 3: أن جميع صور الشك إما ثنائية أي

 

(هامش)

 

(1) الانتصار ص 156. (2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة، ص 568. (3) مقاصد العلية في شرح الالفية ص 193. (*)

 

 

للشك طرفين فقط أو ثلاثية أي: له ثلاثة أطراف أو رباعية أي له أربع أطراف. و هذه الشكوك إما في الاربعة أو بزيادة الخامسة. فالثنائية: ست صور. وهي: الاول: الشك بين الاثنتين والثلاث. والثاني: بين الاثنتين والاربع. والثالث: بين الاثنين والخمس. والرابع: بين الثلاث والاربع. والخامس: بين الثلاث والخمس. والسادس: بين الاربع والخمس. والثلاثية: أربع صور: الاول: بين الاثنتين والثلاث والاربع. الثاني: بين الاثنتين والثلاث والخمس. الثالث: بين الاثنتين والاربع والخمس الرابع: بين الثلاث والاربع والخمس فمجموعهما عشرة. والرباعية واحدة وهي بين الاثنتين والثلاث والاربع والخمس. فهذه كلها أحد عشر، وباعتبار حال عروض الشك في الركعة ينقسم إلى تسعة أقسام: الاول: بعد الاخذ في القيام. الثاني: بعد استيفائه وقبل الشروع في القراءة. الثالث: أثناء القراءة. الرابع: بعدها قبل الركوع. الخامس: بعد الانحناء وقبل رفع الرأس. السادس: بعد رفع الرأس وقبل السجود. السابع: في السجود قبل الفراغ من ذكره الواجب الثامن:

 

بعد الفراغ عن الذكر وقبل الفراغ عن نفس السجدة. التاسع: بعد الفراغ، فهذه تسعة حالات في كل ركعة يمكن عروض الشك في كل واحد منها. وحيث أن الشكوك البالغة أحد عشر التي تقدم ذكرها يمكن وقوع كل واحد منها في كل واحد من هذه الحالات التسع، فيكون مجموع صور الشك في الرباعية تسع وتسعين حاصل من ضرب أقسام الشكوك الاحد عشر في الحالات التسع. فإذا كانت السادسة أيضا طرفا للشك فيصير مجموع الشكوك ستة وعشرين لان بزيادة السادسة طرفا للشك يزيد على عدد الشكوك خمسة عشر، فبانضمامه إلى تلك الاحد عشر يصير المجموع ستة وعشرين. ومن ضرب هذا المجموع في الحالات التسع يحصل مأتين وأربع وثلاثين صورة وكلما زاد في أطراف الشك، يزيد في عدد صور الشك وربما يبلغ إلى ما لا تحصى كثرة ولكن صرف فرض لا تحقق لاغلبها في الخارج، وبعضها وان كان ممكنا وقوعه في الخارج ولكن في غاية الشذوذ والندرة. ونحن نذكر منها خصوص الشكوك الصحيحة: أقول: خمسة منهما وردت الروايات في موردها بالخصوص على صحتها، مضافا إلى الادلة العامة قد تقدم أربعة منها وذكرناها وبقي واحد منها وهو الشك بين الاربع والخمس بعد إكمال السجدتين وحكمه البناء على الاربع ثم يتشهد ويسلم ثم بعد التسليم يسجد سجدتي السهو ويسلم بعدهما. ويدل على هذا الحكم أخبار: منها: صحيح عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام: إذا كنت لم تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما 1.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 3، ص 355، باب من سهافي الاربع والخمس...، ح 3، تهذيب الاحكام ج 2، ص 195، ح (*)

 

ومنها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام أيضا: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا 1. ومنها: موثق أبي بصير عن الصادق عليه السلام أيضا قال: إذا لم تدر خمسا صليت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما 2. ومنها: صحيحة زرارة - أو حسنته - قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس، وسماهما رسول الله صلى الله عليه وآله المرغمتين 3 لانهما يرغمان الشيطان أي يغضبانه أو يرغمان أنفه. ودلالة هذه الاخبار على هذا الحكم في هذا الشك واضحة لا يحتاج إلى الشرح و البيان، فكل واحدة منها يدل على البناء على الاربع وإتمام الصلاة وبعد التسليم والفراغ عن الصلاة على وجوب الاتيان بسجدتي السهو وهو جالس. والظاهر من التقييد بكونه بعد الصلاة إتيانهما قبل أن يقوم من مكانه، وأما دلالتها على أن

 

مورد هذا الحكم بعد إكمال السجدتين هو التعبير بلفظ الماضي في قوله عليه السلام إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا ولا يصدق مضي الاربع إلا برفع الرأس عن الركعة

 

(هامش)

 

< - 767، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 68، وسائل الشيعة ج 5، ص 314، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 5، ح 2. (1) الفقيه ج 1، ص 350، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1019، تهذيب الاحكام ج 2، ص 196، ح 772، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 73، الاستبصار ج 1، ص 380، ح 1441، باب التسبيح و التشهد في سجدتي السهو، ح 1، وسائل الشيعة ج 5، ص 327، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 14، ح 4. (2) الكافي ج 3، ص 355، باب من سهافي الاربع والخمس...، ح 6، وسائل الشيعة ج 5، ص 326، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 14، ح 3. (3) الكافي ج 3، ص 354، باب من سهافى الاربع والخمس...، ح 1، وسائل الشيعة ج 5، ص 326، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 14، ح 2. (*)

 

الرابعة، وهذا واضح جدا. نعم ظاهر صحيحة زرارة أو حسنته وكذلك ظاهر صحيح الحلبي عدم اختصاص هذا الحكم بهذا الشك، بل يأتي في كل مورد احتمل الزيادة على الاربع أو النقيصة عنه فلابد من تقييدها بالادلة الخاصة الواردة في مورد كل شك بالنسبة إلى النقيصة وبأدلة البطلان بالنسبة إلى الزيادة على الخمسة. وأما الاربعة الهدمية من الشكوك الصحيحة الباقية فلم يرد فيها شيء من الروايات، وانما يستدل على صحتها بالقواعد العامة. نعم زاد شيخنا الاستاذ قدس سره صورة أخرى على الشكوك المنصوصة فيصير مجموع الشكوك المنصوصة عنده ستة وهي عبارة عن الشك بين الاربع والخمس والست بعد إكمال السجدتين 1. واستدل على صحته بمفهوم خبر زيد الشحام وفيه: سألته عن رجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال عليه السلام: إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد 2. ومفهومه أنه إذا لم يستيقن أنه صلى خمسا أو ستا فلا تجب الاعادة. وأما أن مورده الشك بعد إكمال السجدتين، فلما تقدم من التعبير بلفظ الماضي. وفيه: أن الاخذ بظاهر هذه الرواية مستلزم للقول بصحة الصلاة التي يشك فيها بين الاربع والست بدون أن يأتي بسجدتي السهو بعد التسليم وهو بعيد. وأما الشكوك الهدمية الاربعة التي قالوا فيها بهدم القيام كي يرجع إلى الشكوك المنصوصة فيعمل بها عملها وهي الشك بين الاربع والخمس حال القيام، والشك بين الثلاث والخمس حال القيام، والشك بين الثلاث والاربع والخمس حال القيام، و

 

(هامش)

 

(1) كتاب الصلاة ج 3، ص 115. (2) تهذيب الاحكام ج 2، ص 352، ح 1461، باب أحكام السهو، ح 49، وسائل الشيعة ج 5، ص 311، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 3، ج 17. (*)

 

الشك بين الخمس والست حال القيام. فهذه الاربعة وان كانت ترجع إلى الشكوك المنصوصة بعد هدم القيام فيها إلا أن الشأن في هدم القيام وانه ما الوجه فيها ؟ والظاهر أن الهدم فيها بملاحظة كون الركعة التي فيها محكومة بالزيادة، فقبل أن يدخل في الركن - كي لا تتحقق زيادة الركن وهو الركوع والقيام المتصل بالركوع الذي لا يحصل إلا بالدخول في الركوع - لو التفت إلى هذه الزيادة يجب عليه أن يهدم هذا القيام ويتم الصلاة على عدد الصحيح الذي هو الاربع. والدليل على ذلك: أنه لو علم تفصيلا بأن الركعة التي هو فيها هي الخامسة، فلو كان علمه هذا بعد الدخول في الركوع تكون صلاته هذه باطلة لزيادة ركنين: أحدهما الركوع والثانى: قيام المتصل بالركوع. وأما لو كان حصول علمه قبل الدخول في الركوع يجب هدم قيامه واتمام صلاته لزيادة هذا القيام وهو زيادة غير ركنية عن نسيان فلا تكون مضرة. فإذا كان الامر في مورد العلم الوجداني كذلك يقينا فكذلك الامر فيما إذا حكم الشارع بالزيادة لوحدة الملاك فيهما وهى زيادة الركعة التي بيده. وأما كونها محكومة بالزيادة شرعا فمن جهة أن الشك في أن ما بيده هي الخامسة مستلزم للشك في أن الركعة السابقة على هذه التي بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ؟ فهيهنا في الحقيقة شكان بالفعل: أحدهما: بالنسبة إلى ما بيده وهي بين الرابعة والخامسة. والثاني: بالنسبة إلى سابقة هذه الركعة وهي بين الثلاث والاربع. والشك الاول وإن لم يكن فيه حكم إذا كان في حال القيام، إذ ليس فيه نص، ولكن الشك الثاني أي الشك بين الثلاث والاربع من الشكوك المنصوصة ومشمول للنصوص العامة. مضافا إلى أن فيه نص خاص، ومفاد تلك النصوص العامة هو البناء على الاكثر فإذا بنى على الاكثر فقهرا ما بيده يكون خارجا عن الاربعة و

 

يكون زائدا فيجب هدمه، كما إذا علم وجدانا بانها زائدة. إذا عرفت هذا فنقول: أما بالنسبة إلى ثلاث صور من الشكوك الهدمية فالامر في كمال الوضوح، وهي الشك بين الاربع والخمس في حال القيام، والشك بين الثلاث والخمس في حال القيام، والشك بين الثلاث والاربع والخمس في حال القيام، وأما الصورة الرابعة، أي الشك بين الخمس والست في حال القيام فيعلم تفصيلا بزيادة هذا القيام سواء أكان خمسا أو ستا فيجب هدم القيام والجلوس، فيرجع شكه إلى أن ما صلى هل هو أربع أو خمس ؟ وهذا هو الشك بين الاربع والخمس بعد إكمال السجدتين وهو من الشكوك المنصوصة وحكمه البناء على الاربع وأن يسجد سجدتي السهو. وبعبارة أخرى: هاهنا شكوك فعلية موجودة قبل الهدم لا أنها تحصل بالهدم حتى تقول ما هو مجوز الهدم ؟ كي يرجع الشك إلى الشكوك المنصوصة، فليس تلك الشكوك مسببة عن الهدم ومعلولة له بل الامر بالعكس أي يكون الهدم معلولا لتلك الشكوك لانه بواسطة حكم تلك الشكوك يحكم بزيادة ذلك القيام وخروجه عن الصلاة وواقعا في وسط الصلاة فيجب هدمه. فهذه الشكوك الاربعة في الحقيقة ترجع إلى الشكوك المنصوصة. ثم لا يخفى أن ما ذكرنا من رجوع هذه الشكوك الاربعة الهدمية إلى الشكوك المنصوصة ليس معناه انقلاب الشك غير المنصوص إلى المنصوص كما يوهمه ظاهر عبارة الرجوع، بل المراد ما ذكرنا سابقا من أن الشك المنصوص موجود قبل الهدم و هو بحكمه موجب للهدم. إن قلت: إن ما ذكرت من أن البناء على الاكثر في هذه الشكوك الهدمية الاربعة بالنسبة إلى الشك السابق على هذا الشك الاخير موجب للحكم بزيادة هذه الركعة

 

الاخيرة التي بيده وبنيت جواز الهدم على هذا، هو من الاصل المثبت الذى ليس بحجة لان موضوع البناء على الاكثر هو الشك في عدد الركعات، فالخطاب متوجه إلى الشاك وهذا أي أخذ الشك في الموضوع وكون الخطاب إلى الشاك هو المراد بالاصل العملي. قلنا أولا: إنه ربما يقال بأنه ليس بأصل عملي كي يكون هذا الحكم ظاهريا بل هو حكم واقعي جعل للشاك في عدد الركعات ولذلك لو بنى على الاكثر واتى بصلاة الاحتياط ثم تبين الخطأ وان ما أتى به كان هو الاقل لا تجب الاعادة. وإن كانت هذه المقالة لا تخلو من نظر واشكال وسيأتي ما هو التحقيق في الامر الثالث. وثانيا: ليس الحكم بزيادة الركعة المشكوكة من اللوازم العقلية للبناء على الاكثر بل معنى البناء على الاربع الذي هو الاكثر في المسائل المذكورة أن ركعات الصلاة تمت وليس ما وراء هذه الركعة المبنية على كونها رابعة ركعة صلاتية، وهذه عبارة أخرى عن زيادتها لا أن زيادتها من لوازم البناء على الاكثر. وينبغى التنبيه على أمور الامر الاول: في أنه إذا كان الشك بين التمام والزيادة من الست فما فوق كالشك بين الاربع والست أو السبع بعد الاكمال فهل يمكن تصحيحه باستصحاب عدم الزيادة ويجري الاستصحاب أم لا لخلل فيه ؟ فنقول: قد يقال في تقريب عدم جريان الاستصحاب: أن الشارع ألغى جريان الاستصحاب في باب عدد الركعات. أما في الاوليين فلجهة حكمه بلزوم كون الاوليين محفوظا وسالما بقوله: إذا

 

سلمت الركعتان الاوليان سلمت الصلاة 1 وبالاستصحاب لا يمكن إثبات عنوان الحفظ والسلامة إلا بناء على القول بالاصل المثبت لان السلامة والحفظ من اللوازم العقلية لعدم الركعة المشكوكة، وأما في الاخيرتين فلعدم إعتناء الشارع بالاستصحاب وحكمه بالبناء على الاكثر على خلاف الاستصحاب. وأما في الزائد على الاخيرتين فلان الشارع لما جعل البناء على الاكثر في الاخيرتين علمنا أن احتمال الزيادة في الصلاة مضر بالصحة ولذلك الغي الاستصحاب، لان في الاستصحاب لا محالة احتمال الزيادة موجود في أي صورة من الصور، ولذا حكم بالبناء على الاكثر وسد احتمال الزيادة بهذا البناء، وسد احتمال النقيصة بصلاة الاحتياط. وحاصل الكلام: أن احتمال الزيادة والنقيصة كلاهما موجب للاعادة للشك في الامتثال وتحصيل الملاك، فمن جهة سد احتمال الزيادة سد باب الاستصحاب، وسد احتمال النقيصة بجعل صلاة الاحتياط، فمناط سد باب الاستصحاب في الاخيرتين هو بعينه موجود في جميع صور الشك فيما إذا كان أحد طرفي الشك هو احتمال الزيادة على الاربعة غاية الامر في خصوص الشك بين الاربع والخمس بعد إكمال السجدتين جاء الدليل على الصحة وعدم مضرية احتمال الزيادة في هذا المورد بالخصوص وتداركه بسجدتي السهو وأما فيما عداه فالاشكال بحاله فلابد من الاعادة إلا في بعض الصور الذى يمكن استظهار صحته من مفهوم رواية زيد الشحام وقد تقدم تفصيله 2. وفيه: أن كون مناط إلغاء الشارع للاستصحاب في الركعتين هو خصوص احتمال

 

(هامش)

 

1 - الفقيه ج 1، ص 346، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1010، وسائل الشيعة ج 5، ص 299، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 1، ح 3. 2 - تقدم في ص 223، رقم (2). (*)

 

الزيادة غير معلوم وتنقيح المناط ظنا قياس باطل عندنا. والشاهد على عدم كون المناط هو احتمال الزيادة هو أنه حكم في بعض الموارد بالبناء على الاربع مع احتمال الزيادة كما في الشك بين الاربع والخمس مع احتمال كون الركعات زائدة على الاربع وكذلك في الشك بين الاربع والخمس والست بناء على الاخذ بمفهوم خبر زيد الشحام، وأيضا فيما إذا شك في إتيان الركوع مع عدم تجاوز محله حكم بالبناء على العدم، مع أنه لو أتى به بعد هذا العدم يحتمل زيادة الركوع. ولا فرق بين زيادة الركوع وبين زيادة الركعة لو كان احتمال زيادتها مضرا، إذ لو كانت زيادة الركعة مضرة يكون باعتبار زيادة الركن أي الركوع فيها، وإلا فزيادة أجزائها غير الركنية عن غير عمد فليس بمضر قطعا وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب لانه لا أثر له إلا بناء على اعتبار الاصل المثبت وهو مما نقحنا بطلانه في كتابنا منتهى الاصول 1. بيان ذلك: أنه إما أن يستصحب رابعية هذه الركعة التي بيده - التي هي مورد الشك بين كونها رابعة أو أزيد فهذه ليست لها حالة سابقة متيقنة لانها من أول وجودها مشكوك الرباعية - واما أن يستصحب عدم وجود الزائد على الاربعة. فهذه الاستصحاب وان كان له مجرى من حيث تمامية أركانه من اليقين السابق والشك اللاحق ولكن إن كان المراد منه صرف عدم تحقق الزائد على الاربع فلا أثر له لانه ليس لعدمه أثر شرعي، وإن كان المراد منه إثبات أن ما بيده رابعة فيتشهد و يسلم فهذا مثبت لان كون ما بيده رابعة من اللوازم العقلية لعدم تحقق الزائد على الاربع. والحاصل: أنه وان يعلم بالوجدان أن الاربع لا بشرط عن وجود ركعة بعده وعدم وجودها موجود ولكن الاثر للاربع بشرط لا وانطباقه على هذه الركعة التي

 

(هامش)

 

(1) منتهى الاصول ج 2، ص 477. (*)

 

بيده مشكوك. وباستصحاب عدم الزائد على الاربع وان كان يثبت أنه أي: الرابع بشرط لا هو هذه الاخير لكنه مثبت لان كون الاخيرة كذلك من اللوازم العقلية لعدم الزائد على الاربع لا من الآثار الشرعية له كما هو واضح. فظهر مما ذكرنا بطلان الصلاة في جميع صور احتمال الزيادة على الاربع ولزوم إعادتها إلا في ما إذا جاء دليل بالخصوص على الصحة، كما أنه جاء في الشك بين الاربع والخمس بعد إكمال السجدتين، وادعى في الشك بين الاربع والخمس والست بعد إكمال السجدتين بمفهوم رواية زيد الشحام. وأما بعض صور الشك في الزيادة واحتمال السادس إذا كان الشك في حال القيام إن قلنا بصحتها فذلك من جهة هدم القيام ورجوع الشك إلى الشكوك المنصوصة كما مر تفصيلا، وليس من جهة استصحاب عدم الزائد. وقد أجاب عن هذا الاشكال شيخنا الاستاذ قدس سره بأن أجزاء الصلاة المترتبة في الوجود يجب أن يوجد الجزء التالي بعد تحقق الجزء السابق عليه وعدم وجود الجزء اللاحق، فالركعة الرابعة يجب أن توجد بعد تحقق الثالثة وعدم وجود الخامسة ولا يلزم أن تتصف الركعة بالثالثة. ففي المقام يجب التشهد والتسليم بعد إحراز وجود الرابعة وعدم وجود الخامسة، ولا يلزم أن يتصف الركعة التي بعد رفع الرأس عن سجدتها الثانية يتشهد ويسلم بكونها رابعة بل يكفي في صحة إتيان التشهد والتسليم إحراز وجود الرابعة واحراز عدم الخامسة، وفي المفروض إحراز وجود الرابعة بالواجدان وإحراز عدم الخامسة بالاصل 1 هذا ما ذكره قدس سره. ولكن ظاهر أدلة التشهد والتسليم في الرباعية هو أن يتشهد في الرابعة وهذا يقتضي أن يكون التشهد الثاني في الركعة التي أحرز أنها رابعة والتشهد الاول في

 

(هامش)

 

1 - كتاب الصلاة ج 3، ص 106. (*)

 

الركعة التي أحرز أنها الثانية ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: إذا جلست في الركعة الثانية فقل بسم الله إلى آخر ما قال عليه السلام إلى أن قال عليه السلام: فإذا جلست في الرابعة قلت بسم الله وبالله إلى آخر ما قال عليه السلام 1 فما ذكره قدس سره لا يخلو من غرابة. وأغرب منه قوله بأن استصحاب عدم الزيادة وان كان تاما من ناحية تمامية أركانه وتأثيره في صحة الصلاة التي يشك في زيادتها إلا أنه لا يجري لانصراف أدلة الاستصحاب عن أمثال هذه الموارد. الامر الثاني: في أنه يجب التروي والفحص عند الشك في عدد الركعات أم لا بل يبني على الاكثر بمحض حدوث الشك ؟ فنقول: التروي والفحص عما في خزانة النفس قد يكون من جهة استعلام حال الشك وانه يدوم أو يزول - وبعبارة أخرى: شك مستقر وثابت أم ليس له قرار و ثبات بل يزول - وقد يكون لاستعلام حال الترديد الذي في خزانة النفس وانه هل لاحد طرفي المحتمل ترجيح كي يكون ظنا أم لا حتى يكون شكا مقابل الظن والوهم. فان كان بمعنى الاول: فالظاهر عدم لزومه في الموارد التي حكم الشارع بالبناء على الاكثر وذلك من جهة أن موضوع هذا الحكم هو الشك في الركعتين الاخيرتين من الرباعية، فمتى تحقق موضوعه يتحقق ذلك الحكم نعم لابد من الصدق العرفي، ولا يبعد أن يكون التروي واجبا إذا كان بأدنى التفات والرجوع إلى خزانة النفس يتبين الحال ولعله لعدم صدق الشك حينئذ عرفا. وأما التروي بالمعنى الثاني: فالظاهر لزومه بناء على أن الظن حجة وامارة في

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 99، ح 373، باب كيفية الصلاة وصفتها..، ح 141، وسائل الشيعة ج 4، ص 989، أبواب التشهد، باب 3، ح 2. (*)

 

معرفة عدد الركعات وذلك من جهة أن الظن والشك بناء على هذا مختلفان موضوعا وحكما، أما موضوعا فواضح وأما حكما فلان حكم الشك هو البناء على الاكثر و حكم الظن هو الجري على طبق المظنون وعدم الاعتناء بالاحتمال المرجوح ولا فرق في لزوم الجري على طبق المظنون أن يكون هو الاقل أو يكون هو الاكثر. فلابد أن يفحص عما في خزانة نفسه ويفتش حتى يتبين الحال وان وظيفته هل هو البناء على الاكثر أو الجري على طبق المظنون ؟ سواء أكان هو الاقل أو الاكثر لانه لا معنى لترتب الحكم بدون معرفة الموضوع، هذا في الركعتين الاخيرتين وأما في الركعتين الاوليين حيث أن الشك فيهما مبطل. ومن المعلوم أن مبطليته ليس بمحض حدوثه بل يكون مراعى ببقائه فان زال وانقلب إلى العلم أو إلى الظن - بناء على حجية الظن في عدد الركعات حتى في الاوليين - فليست الصلاة باطلة، فالشك في زواله يكون شكا في القدرة على الاتمام، كما أنه لو علم بزواله يعلم بانه قادر على الاتمام فيمضي في صلاته، وكما أنه لو كان عالما بعدم الزوال فتكون باطلة ولا يجب الفحص بل لا معنى للفحص مع العلم في الصورتين أي في كلتا صورتي العلم بالزوال والعلم بعدم الزوال. وأما في صورة عدم العلم بكلا الامرين واحتماله للزوال وعدمه فهو شاك في أنه قادر على الاتمام أم لا وفي باب الشك في القدرة لا بد وأن يشتغل بالمأمور به و يفخص حتى يتبين الحال وهذا حكم العقل في باب الشك في القدرة. فظهر مما ذكرنا أنه فرق في لزوم التروي وعدمه بين الركعتين الاوليين والركعتين الاخيرتين، وان للتروي معنيين، وانه لازم بمقدار الصدق العرفي وهو أن لا يكون سريع الزوال بل يحتاج في الصدق العرفي إلى استقراره وان التروي بمعنى الفحص عن أن ما في خزانة نفسه هل هو ظن أو شك هو لازم إلى أن يحصل له أحد الامرين أي كونه اظن أو شكا ليرتب عليه حكمه من البناء على الاكثر أو الجري على طبق

 

المظنون كان المظنون هو الاقل أو كان هو الاكثر. الامر الثالث: في أن البناء على الاكثر حكم ظاهري موضوعه الشك في عدد الركعات في الفريضة الرباعية بعد إكمال السجدتين من الركعة الثانية وقد حققنا في مبحث الاجزاء أن الحكم الظاهري امتثاله واتيان متعلقه لا يكون مجزيا عن الواقع لو انكشف الخلاف، وان القول بالاجزاء ملازم مع القول بالتصويب، ففي المقام بعد البناء على الاكثر لو تبين الخلاف وعلم أن ما صلى كان هو الاقل فمقتضى القاعدة هو وجوب الاعادة وعدم الاعتناء بما صلى مع البناء على الاكثر. ولكن فتوى المشهور هو أنه بعد البناء على الاكثر واتمام الصلاة والاتيان بصلاة الاحتياط لا تجب الاعادة، مع أن جلهم قائلون بعدم إجزاء الامر الظاهري. والسر في ذلك: هو أن الشارع لم يكتف بصرف البناء على الاكثر بل أمر بعد الاتمام بصلاة الاحتياط لتكون تداركا لما فات على تقدير كون ما صلى هو الاقل. وبعبارة أخرى: هاهنا حكمان: أحدهما البناء على الاكثر، والثاني: وجوب الاتيان بصلاة الاحتياط وليس الثاني من مقتضيات الاول، بل مقتضى الاول هو إتمام الصلاة مع البناء على الاكثر وعدم وجوب شيء آخر عليه. فالحكم الثاني هو حكم مستقل لتتميم ما ظنه من النقص، فعدم وجوب الاعادة مستند إلى امتثال هذا الحكم أي الاتيان بصلاة الاحتياط لا إلى البناء على الاكثر ولذلك لو علم قبل الاتيان بصلاة الاحتياط أن الواقع هو الاكثر فلا تجب صلاة الاحتياط قطعا، كما أنه لو علم قبل السلام بأن ما صلى هو الاقل يجب عليه أن يأتي بالمقدار الذي يحتمل نقصه متصلة. وأما لو علم بالنقص وان ما صلى هو الاقل بعد السلام وقبل الاتيان بصلاة الاحتياط هل تجب عليه الاعادة أو له أن يكتفي بصلاة الاحتياط أو يأتي بالنقيصة متصلة ؟ لان السلام وقع في غير محله فليس بمخرج فيسجد سجدتي السهو للسلام

 

الواقع في غير محله بعد إتمام الصلاة. هذا فيما إذا لم يصدر منه بعد ذلك السلام الواقع في غير محله ما هو المنافي عمدا وسهوا وإلا يتعين عليه الاعادة. والظاهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الاخير أي لزوم الاتيان بالنقيصة متصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محله فيما إذا لم يصدر منه ما هو المنافي عمدا أو سهوا وذلك من جهة أن حكم البناء على الاكثر موضوعه الشك، فإذا زال الشك يزول حكمه ويجب عليه العمل على طبق علمه وهو كما ذكرنا عبارة عن إتيان مقدار النقيصة متصلة وسجدتي السهو للسلام الواقع في غير محله. فظهر مما ذكرنا أن الاكتفاء بصلاة الاحتياط لو انكشف الخلاف بعد البناء على الاكثر وبعد صلاة الاحتياط ليس من جهة أن امتثال الامر الظاهري مفيد للاجزاء بل يكون من جهة أن الشارع جعل صلاة الاحتياط متمما لما نقص على تقدير نقصانه، وإلا فهي نافلة. الامر الرابع: لو شك المصلي جالسا لعجزه عن القيام فلا ينبغي أن يشك في شمول عمومات البناء على الاكثر له، وانما الكلام في أنه من كان وظيفته التخيير بين ركعتين جالسا أو ركعة من قيام فهذا التخيير في حقه لا مورد له لعجزه عن أحد طرفي التخيير أي عن إتيان ركعة قائما فهل يتعين عليه الطرف الآخر - أي الركعتين من جلوس كما هو قانون باب التخيير - أو ركعة جالسا ؟ لان القيام ساقط في حقه. والظاهر هو الثاني لان المقام ليس من قبيل الواجبات التخييرية بالاصل لوجود الملاك المطلوب في كل واحد من الطرفين واستوائهما في ذلك كي يقال إن تعذر أحد الطرفين فيتعين الطرف الآخر بل المقصود الاصلي تدارك الركعة الفائتة على تقدير فوتها وتدارك تلك الركعة بشكلين: أحدهما مثلها ركعة من قيام والثاني: ركعتين من جلوس، وكان الشارع الاقدس جعل زيادة كمية الركعة في مقام التدارك بدلا عن نقصان كيفيتها. - وان شئت قلت: بدلا عن تبدل وضعها - كما أن جعله في صلاة

 

النافلة أيضا كذلك أي جعل ركعتين جالسا بدل ركعة قائما. ومعلوم أن هذا إنما يجري فيما إذا كان المبدل منه ركعة قائما وفيما نحن فيه ليس الامر كذلك لان الفائتة وما هو المبدل منه ليس إلا ركعة جالسا، فبدلها أيضا يكون مثلها ركعة واحدة جالسا ولا وجه للتعدد. نعم لو قدر على القيام قبل الاتيان بصلاة الاحتياط وبعد السلام فعليه أن يأتي بها قائما متصلة كما تقدم شرحه مفصلا. الامر الخامس: في أنه هل يجوز في الشكوك الصحيحة أن يرفع اليد عن صلاته و يستأنف من جديد أم لا بل يجب البناء على الاكثر والاتيان بصلاة الاحتياط ؟ ربما يقال بعدم جواز القطع والاستئناف لحرمة القطع. وبناء على هذا هل يمكن الفرق في حرمة القطع بين القطع حال عروض الشك و في الاثناء وبين القطع بعد التسليم أم لا ؟ أقول: أما القطع والاستئناف قبل التسليم فالظاهر عدم جوازه لادعاء الاجماع على الحرمة، وأما بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط فان قلنا إن التسليم الواقع في غير محله ليس بمخرج ولو كان في محله البنائي فيكون مثل القطع في الاثناء لانه على تقدير النقصان وكون صلاة الاحتياط جزء للصلاة الاصلي يكون بعد في الصلاة ولكن يمكن أن يقال: إن كونه قطعا مشكوك فتجري البرائة. والحاصل أن الحكم بحرمة القطع بعد التسليم مشكل جدا. وأما صحة الصلاة الاولى والثانية أو بطلانهما لو استأنف في الاثناء فالظاهر بطلان الصلاة الاولى لانه بعد استئنافها إما أن يأتي بصلاة الاحتياط أم لا، فان لم يأت فتكون الصلاة مشكوك التمام ومعلوم البطلان وأما إن أتى بصلاة الاحتياط بعد الصلاة المستأنفة فلفوات الموالات التي شرط في صحة الصلاة.

 

وأما الصلاة المستأنفة فقيل في وجه بطلانها وجوه: [ الوجه ] الاول: أنها علة لابطال الاولى وهو حرام، وعلة الحرام حرام فتكون باطلة لتعلق النهي بنفس العبادة، وقد تقرر في محله بطلان مثل هذه العبادة المنهى عن نفسها. وفيه: أن هذا مبني على مقدمتين وهما: أولا: أن يكون الابطال حراما ولو كان بعد التسليم باعتبار كون صلاة الاحتياط جزء من الصلاة. وفيه نظر واضح فلو استأنف بعد التسليم وقبل صلاة الاحتياط لا يأتي هذا الوجه. وثانيا: أن يكون الاستئناف علة تامة أو كان هو جزء الاخير من العلة التامة للحرام الذي هو الابطال. وفيه أيضا نظر لان الابطال قد يكون لعدم المقتضى للاتمام أي إرادة الاتمام فالابطال مستند إلى عدم إرادة الاتمام لا إلى وجود ضده أي الصلاة المستأنفة. الوجه الثاني: سقوط الامر عن الاجزاء التي أتى بها، وإلا يكون من قبيل طلب الحاصل فتكون الصلاة المستأنفة بالنسبة إلى تلك الاجزاء بدون الامر فلا تقع عبادة. وفيه: أن الامر بالطبيعة باق ما لم يأت بالمجموع، مضافا إلى ما قلنا من جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر. الوجه الثالث: ظهور أدلة الشكوك الصحيحة في أن وظيفة الشاك هو العمل بالوظيفة المعينة من البناء على الاكثر والاتيان بصلاة الاحتياط بعد التسليم وليس له العمل بغير هذه الوظيفة.

 

وفيه: أن مرجع هذا الوجه إلى أن التكليف الواقعي انقلب في حق الشاك من الاربعة الموصولة إلى الاربعة الملفقة من الثلاثة أو الاثنتين الموصولة وصلاة الاحتياط، وهذا لا يخلو من غرابة، إذ الوظيفة المجعولة للشاك علاج للعلم باتيان الاربعة الواقعية بلا زيادة ولا نقصان، من جهة التسهيل على المكلف الشاك لئلا يقع في كلفة الاعادة، لا أن التكليف الواقعي انقلب إلى هذه الوظيفة كما توهم. والحاصل: أن الصلاة المستأنفة خصوصا بعد السلام وقبل صلاة الاحتياط لا وجه لبطلانها، وبناء على هذا لا يبقى وجه لاتيان صلاة الاحتياط بعدها. هذا كله فيما لو استأنف قبل إتيان المنافي، أما لو استأنف بعد إتيان ما هو المنافي - سواء أكان في الاثناء أو بعد التسليم ولكن قبل صلاة الاحتياط - فلا وجه لبطلان المستأنفة بل يجب الاستئناف إن كان وجود المنافي في الاثناء، بل وكذلك إن قلنا بلزوم عدم وجود المنافي بين الصلاة المبنية وصلاة الاحتياط والوجه واضح. الامر السادس: في أنه لو غفل عن شكه واستمر في الصلاة واتمها فتبين مطابقة ما أتى به للواقع فهذا إما في موارد الشكوك الصحيحة أو في موارد الشكوك الباطلة. فان كان من قبيل الاول - فبناء على ما قلنا في الامر السابق من عدم انقلاب التكليف الواقعي إلى ما هو وظيفة الشاك غاية الامر أن هذه الوظيفة التي عينت للشاك علاج في مقام امتثال ذلك التكليف الواقعي بأنه أتى به، وفي المفروض قاطع بأنه أتى به بدون أن يعمل بوظيفة الشاك بدون أي خلل في المأتى به وبعبارة أخرى أوجد المأمور به تام الاجزاء والشرائط وفاقدا لجميع الموانع متقربا - فيسقط الامر ويحصل الامتثال القطعي. وأما إن كان من الشكوك الباطلة فمرجع الامر إلى أنه هل حدوث الشك فيها مثل حدوث الحدث أو سائر القواطع المبطل ؟ أو معنى البطلان فيها أنه لا تشملها أدلة العلاج من البناء على الاكثر وسجدتي السهو وصلاة الاحتياط ؟

 

فان كان الاول فواضح أنه لا يمكن القول بصحتها ولو انكشف بعد الاتمام أن ما أتى به تام المطابقة مع الواقع. ولكن هذا المعنى واضح الفساد نعم الذي يمكن أن يقال: إنه إذا اعتبر في صحتها الحفظ واليقين من أولها إلى آخرها، فإذا حصل الشك يفقد الشرط فتكون باطلة بمحض حدوث الشك وتجب الاعادة، وأما إن كانت جهة البطلان عدم شمول أدلة العلاج لها فتكون صحيحة في المفروض لانها صحيحة وتام الاجزاء والشرائط. وهذه الاحتمالات في مقام الثبوت. وأما في مقام الاثبات: فالظاهر أن الشكوك الباطلة على قسمين: فالثنائية والثلاثية والاوليين من الثلاثية والرباعية أعتبر فيها الحفظ واليقين في جميع الحالات ولذلك بمحض حدوث الشك ووجوده عرفا - أي بعد استقراره - تكون باطلة وحكم بالاعادة كما في صحيحة ابن أبي يعفور: إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في أثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ولا تمض على الشك 1. وأما القسم الآخر: فالظاهر أن بطلانها من جهة عدم شمول أخبار العلاج لها، كالشك بين الاربع وما فوق الست حيث أن بطلانها من جهة عدم العلاج. ففي مثل هذا القسم لا وجه للبطلان بعد تبين أنها مطابق للواقع ولا يحتاج إلى العلاج حتى تقول لا تشملها أخبار العلاج. فالحق هو التفصيل بين هذين القسمين من الشكوك الباطلة. الامر السابع: المسافر في أحد أماكن التخيير لو نوى قصرا فشك بين الاثنتين والثلاث مثلا أو أحد الشكوك الصحيحة الاخر لو كانت الصلاة رباعية فحيث أن

 

(هامش)

 

(1) - الكافي ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها..، ح 3، تهذيب الاحكام ج 2، ص 187، ح 743، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 44، الاستبصار ج 1، ص 373، ح 1418، باب من شك فلم يدر صلى ركعة أو...، ح 1، وسائل الشيعة ج 5، ص 328، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 15، ح 2. (*)

 

الشك في الصلاة الثنائية مبطل فهل له أن يعدل بعد حدوث الشك إلى الاتمام فيبني على الاكثر ويتمم صلاته ويأتي بعد أن أتم بصلاة الاحتياط فيكون قد عالج بذلك شكه وصحح صلاته أم لا وليس له ذلك ؟ وعلى تقدير أن يكون له ذلك فهل يجب عليه العدول أم لا بل يجوز فقط وهو مخير بين العدول ورفع اليد عن صلاته لبطلانه على تقدير عدم العدول ؟ فنقول: بعد الفراغ عن اشتراط العدول بأن يكون المعدول عنه صلاة صحيحة بحيث لو لا العدول وكان يتم تلك الصلاة التي يريد أن يعدل عنها لكانت تقع صحيحة. فالمسألة بناء على هذا مبنية على أن الشك في الصلوات التي يكون الشك مبطلا لها موجب للبطلان بمحض حدوثه ويكون من قبيل القواطع أم لا بل معنى مبطلية الشك عدم شمول أدلة العلاج لها ؟ فان كان من قبيل الاول فلا يبقى محل للعدول لان ما مضى من صلاته صار باطلا وليس قليلا لان ينضم إليه ركعة أخرى حتى يصير المجموع صلاة رباعية صحيحة. ولا أثر لكون صلاة القصر والاتمام حقيقة واحدة أو حقيقتين مختلفتين لان العدول ليس متوقفا على أن يكون المعدول عنه والمعدول إليه حقيقة واحدة، إذ يصح العدول من الظهر إلى العصر وكذلك العكس مع أنهما ليستا حقيقة واحدة قطعا بل حقيقتين مختلفتين. ولكن الظاهر جواز العدول لعدم كون الشك بمحض حدوثه مبطلا كالقواطع، بل مبطليته من جهة اشتراط صحة الاوليين باليقين، واستصحاب عدم الزيادة في ظرف الشك مما يقوم مقام اليقين الذي أخذ في موضوع الصحة. إن قلت: إنكم في الامر السابق بنيتم على بطلان الصلاة الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية بمحض حدوث الشك.

 

قلنا: هناك بنينا على البطلان من جهة عدم جريان أصالة عدم الزيادة في الثنائية والثلاثية للادلة الخاصة التي مفادها الاعادة، وأما هاهنا فلا مانع من جريان استصحاب عدم الزيادة لانه لسنا نثبت باستصحاب عدم الزيادة صحة الصلاة الثنائية بل نريد إثبات صحته من جهة شرطيته للعدول فقط لا صحته من حيث ترتيب آثار الصحة عليه مطلقا وسقوط أمره والممنوع بالادلة الخاصة هو المعنى الثاني من الاستصحاب لا المعنى الاول. ومع ذلك كله صحة العدول لا تخلو من نظر وتأمل. وأما الشق الثاني من المسألة: وهو أنه على تقدير صحة العدول والبناء على الاكثر هل يجب العدول أو يجوز فقط ؟ ربما يقال بوجوبه من جهة حرمة الابطال. وفيه: أن حرمة الابطال متوقف على صحة العمل في حد نفسه فيكون ابطاله حراما وهاهنا العمل في حد نفسه باطل ويريد أن يصحح العمل بالعدول فعدم العدول وتركه ليس إبطالا، بل هو عدم التصحيح مع إمكانه ولا دليل على وجوب التصحيح وعلاج الشك مع إمكانه، وأدلة وجوب العلاج أي وجوب البناء على الاكثر مع تعقيبه بصلاة الاحتياط موضوعه الشكوك الصحيحة، وهاهنا كون الشك من الشكوك الصحيحة متوقف على العدول، فكيف يمكن أن يكون وجوب العدول مستندا إلى تلك الادلة ؟ وهل هذا إلا تقدم الشيء على نفسه. فالانصاف: أن وجوب العدول لا دليل عليه. اللهم إلا أن يقال: قوله عليه السلام لا يعيد الصلاة فقيه 1 نهى عن الاعادة مع إمكان العلاج، وهاهنا حيث يمكن العلاج بالعدول فيجب.

 

(هامش)

 

(1) - تقدم تخريجه في ص 201، رقم (2). وليس هذا نص كلام الامام عليه السلام، بل يكون من كلام الراوي والسائل وليكن الامام يقرر هذا الكلام ويبينه. (*)

 

الامر الثامن: فيما إذا انقلب شكه بعد الفراغ إلى شك آخر مثلا كان في الصلاة شاكا بين الاثنتين والثلاث وبعد البناء على الثلاث واتمام الصلاة باتيان ركعة أخرى والفراغ عنها تبدل هذا الشك بشك آخر - وهو الشك بين الثلاث والاربع قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط - فليس عليه شيء أي لا يجب عليه صلاة الاحتياط أعني ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس بدل الركعة الفائتة على تقدير فوتها. وذلك من جهة أن الشك الاول زال لانه انقلب إلى شك آخر، وصرف حدوثه لا يكفي في وجوب عمل الاحتياط، وأما الشك الثاني وان كان باقيا ولكنه لا أثر له لانه شك بعد الفراغ وهو لا اعتبار به ويكون من الشكوك التي ألغى الشارع اعتبارها. ولكن وهذا الذي ذكرنا من عدم الاثر بعد الانقلاب فيما إذا لم يكن عدم العمل بالاحتياط وعدم الاعتناء بالشك موجبا للعلم بالزيادة أو النقيصة. وإلا فقاعدة الفراغ لا أثر لها مع العلم بالاخلال زيادة أو نقيصة لانها قاعدة مجعولة للشاك، وان شكه في إتيان جزء أو ركعة لا اعتبار به. وأما قاعدة لا تعاد فلا تشمل الاركان لانها داخلة في عقد المستثنى مثلا لو شك بين الاثنتين والاربع في حال الصلاة فبنى على الاربع واتم الصلاة ثم بعد الصلاة انقلب شكه إلى الاثنتين والثلاث فيعلم بالنقيصة لانه يعلم بعدم الرابعة فانه في الشك الاول وان كان يحتمل وجود الاربعة لانها أحد المحتملين ولكنه زال وفي الشك الثاني يعلم بعدمها فهذا هو العلم بالنقيصة. وأما العلم بالزيادة فكما لو شك بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث واتى بركعة واتم الصلاة وبعد الفراغ انقلب شكه إلى الاربع والخمس بعد الاكمال فيعلم بزيادة ركعة. وفي هذه الصور التي يعلم بالزيادة أو النقيصة يجب أن يعمل على طبق الشك الاخير إن كان العلم بالنقيصة، بمعنى أنه يعلم بان السلام وقع في الصلاة فليس بمخرج، فيجب أن يقوم ويأتي بالنقيصة ويأتي بسجدتي السهو للسلام في غير محله،

 

من جهة سهوه في الركعات. وأما إذا كان العلم بالزيادة بواسطة انقلاب الشك كما مثلنا له فتجب إعادة الصلاة لعدم علاج آخر، وأما الشك الاول فلا أثر له على كل حال لانه زال وانعدم، وبقاء الموضوع شرط عقلي لترتب حكمه. وأما إذا علم إجمالا بعد الانقلاب بالزيادة أو النقيصة كما إذا شك بين الثلاث والاربع في حال الصلاة فبنى على الاربع واتم الصلاة ثم بعد الفراغ انقلب شكه إلى الثلاث أو الخمس، فلا يخلو الامر حسب الشك الاخير أن ما صلى إما الثلاث - فتكون ناقصة - وإما تكون الصلاة التي صلاها خمس فتكون زائدة فيها ركعة، ولا طريق إلى العلم بالامتثال والفراغ اليقيني إلا بالاعادة فتجب. الامر التاسع: لو مات الشاك في الشكوك الصحيحة بعد أن بنى على الاكثر أو على ما هو وظيفته، كما إذا كان شاكا بين الاربع والخمس بعد إكمال السجدتين فبنى على الاربع - كما تقدم وجهه - قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط في الشق الاول، وقبل أن يأتي بسجدتي السهو في الثاني فهل يجب أن يقضي عنه الصلاة أم لا بل يجب صلاة الاحتياط في الفرض الاول وسجدتي السهو في الفرض الثاني ؟ أو يفصل بين الفرضين بأن يقضي الصلاة في الفرض الاول ويقضي عنه سجدتا السهو فقط في الفرض الثاني ؟ وكذلك الامر لو كان المنسى بعض أجزاء الركعة التي لها قضاء كالتشهد والسجدة الواحدة، فانه يجب قضاؤها دون أصل الصلاة وجوه: الاقوى: هو التفصيل بين الفرضين، ففيما إذا كان الفراغ والتسليم من جهة البناء على الاكثر وكانت الوظيفة وجوب الاتيان بصلاة الاحتياط فاللازم أن يقضي عنه أصل الصلاة لان ما أتى به - على تقدير كونه الاقل - بعض الصلاة، ويكون كما لو مات في أثناء الصلاة وحيث أن الصلاة واجب ارتباطي فإذا لم يتعقب البعض الاول ببعضها الباقي يبطل ذلك البعض الاول فيجب أن يقضي عنه مجموع الصلاة لان ما

 

أتى به بمنزلة العدم. هذا مضافا إلى تشريع القضاء في بعض الواجب الارتباطي غير معهود من الشرع ولم يرد دليل عليه. هذا بالنسبة إلى الفرض الاول وأما في الفرض الثاني فقد أتى بتمام الصلاة وسقط الامر ووجوب سجدتي السهو تكليف آخر وليس من أجزاء الصلاة فلا وجه لان يقتضي عنه أصل الصلاة والقضاء تابع لفوت الفريضة والمفروض أن الفريضة لم تفت عنه وانما الفائت هو سجدتا السهو وهو ليس من أجزاء الفريضة بل هو واجب مستقل فيجب قضائه لانه فريضة فاتت. الامر العاشر: في أن في قاعدة البناء على الاكثر حيث أن روايات الباب كانت مشتملة على حكمين: أحدهما: هو البناء على الاكثر فيما كان موجبا لصحة الصلاة ولذلك سميت مثل هذه الشكوك بالشكوك الصحيحة. والثاني: هو تتميم ما احتمل نقصانه بصلاة مستقلة منفصلة تسمى بصلاة الاحتياط. ولما كانت صلاة الاحتياط من لواحق البناء على الاكثر فالمناسبة تقتضي أن نذكر ها هنا شطرا من أحكام صلاة الاحتياط وكيفيتها وشرائطها وغير ذلك من خصوصياتها حتى تكون القاعدة تامة الفائدة. فنقول: وتوضيح هذه المسألة وبيان كيفيتها وأحكامها وشرائطها وموانعها متوقف على بيان أمور: [ الامر ] الاول: يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة من الشرائط العامة كطهارة البدن واللباس والستر والاستقبال وعدم غصبية المكان أي إباحته إلى غير ذلك من شرائطها.

 

والدليل على ذلك أنها صلاة غاية الامر مردد أمرها بين أن تقع نافلة أو متمما للصلاة الاصلية، فكل أمر دل الدليل على اعتبار وجوده أو عدمه في الصلاة من حيث صلاتيتة فهو معتبر وجودا أو عدما في صلاة الاحتياط. وحيث أن الدليل دل على اعتبار النية في الصلاة بما أنها صلاة فتكون معتبرة في صلاة الاحتياط لعين تلك الجهة أي أنها عبادة. ولا يمكن تحقق العبادة بدون قصد القربة والنية وكذلك تكبيرة الاحرام، فان الدليل دل على أن الصلاة لها افتتاح و اختتام، افتتاحها بالتكبير واختتامها بالتسليم وهذه الامور التي ذكرناها باضافة الطهارة الحدثية من شرائط طبيعة الصلاة وكل ما صح على الطبيعة صح على جميع الافراد والاصناف إلا أن يأتي دليل خاص على عدم اعتباره في فرد خاص أو صنف مخصوص. فمقتضى القاعدة الاولية وجود هذه الامور وغيرها مما اعتبر في طبيعة الصلاة في صلاة الاحتياط، وهكذا الامر بالنسبة إلى الموانع والقواطع ولا يحتاج إلى وجود دليل خاص على اعتبار الوجود أو العدم. ولكن ربما يستشكل في لزوم تكبيرة الاحرام بل في جوازها وذلك من جهة أن صلاة الاحتياط ذات احتمالين وتقديرين. فعلى تقدير عدم النقصان تقع نافلة، وعلى هذا التقدير تكون تكبيرة الاحرام لازمة لان الصلاة ولو كانت نافلة غير معهود وقوعها بدون تكبيرة الاحرام. وأما على تقدير النقصان يكون جزء للصلاة الاصلية فتكون تكبيرة الاحرام وجودها مضرا للصلاة الاصلية، فيكون أمرها من قبيل دوران الامر بين محذورين لان عدم تكبيرة الاحرام مناف مع كونها نافلة مستقلة على تقدير عدم النقصان، ووجودها مناف مع جزئيتها على تقدير النقصان لانها زيادة ركن في الصلاة. ولكن الذي يدفع هذا الاشكال أن وجوب تكبيرة الاحرام في صلاة الاحتياط

 

إجماعي، فيكون الاجماع دليلا على عدم مضرية هذه الزيادة على تقدير الجزئية أو يقال: بأنه يستكشف من هذا الاجماع أنه صلاة مستقلة حتى على تقدير النقصان، غاية الامر يحصل بها ذلك المقدار الذي فات من المصلحة بواسطة النقصان. ويمكن أن يستشهد لوجوب تكبيرة الاحرام في صلاة الاحتياط برواية زيد الشحام التي تقدمت وفيها قال عليه السلام: وان كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد 1. ثم إنه ظهر مما ذكرنا من اعتبار جميع ما اعتبر في الصلاة فيها تعين قراءة فاتحة الكتاب فيها، لانها صلاة ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. مضافا إلى ورود أخبار تدل عليها، كرواية العلاء: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة ؟ قال عليه السلام: يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة الكتاب 2. وكصحيحة الحلبي: إن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بام الكتاب . 3 وكصحيحة زرارة قال عليه السلام في ذيلها في بيان حكم من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال: يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب 4. فهذه الاخبار وغيرها مما هو مثلها تدل على وجوب قراءة فاتحة الكتاب وتعينها في صلاة الاحتياط. ثم إنه هل يجب الاخفات فيها أو يجوز الجهر بها ؟ (هامش)

 

(1) تقدم تخريجه في ص 223، رقم (2). (2) تقدم تخريجه في ص 201، رقم (1). (3) تقدم تخريجه في ص 208، رقم (4). (4) تقدم تخريجه في ص 210، رقم (1). (*)

 

وقال جماعة كما حكى عن الشهيد قدس سره 1 وغيره بالاول. ولعل مستندهم أنها على تقدير النقصان تقوم مقام الركعتين الاخيرتين والحكم فيهما الاخفات في القراءة لو اختارها دون التسبيح، فكذلك فيما يقوم مقامهما، بل في الحقيقة صلاة الاحتياط هي الاخيرتين فيما كانت ركعتين أو إحديهما فيما كان النقصان بواحد. ولكن ظاهر الاخبار أنها صلاة مستقلة منفردة يتدارك بها المقدار الفائت من مصلحة الصلاة الاصلية على تقدير النقصان. وبناء على هذا حيث أنه لم يرد دليل على وجوب الاخفات أو الجهر فمقتضى القاعدة هو التخيير، وان كان الاخفات أحوط. الامر الثاني: في أنه لا أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت فيها. أما الاولان - أي عدم الاذان والاقامة فيها - فلان أمرها دائر بين أن تكون نافلة فليس فيها الاذان والاقامة أو تكون جزءا للفريضة الاصلية ولم يشرعا في جزء الفريضة. نعم لو قلنا بأن صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلة وسبب وجوبها تدارك مصلحة الفائتة بها على تقدير النقصان فيمكن أن يقال بشمول إطلاقات أدلتهما لهذا المورد أيضا. وفيه: أنه وان ورد في موثقة سماعة لا صلاة إلا بأذان واقامة 2 ولكن لا يمكن الاخذ بهذا الاطلاق وذلك للاتفاق على عدم مشروعيتهما في غير اليومية، فلو كانت صلاة الاحتياط صلاة مستقلة ولم تكن من متممات اليومية فتشريع الاذان و الاقامة فيها غير معلوم، ومقتضى الاصل عدم جوازهما.

 

(هامش)

 

(1) الدروس ج 1، 372، البيان ص 255. (2) تهذيب الاحكام ج 2، ص 282، ح 1123، باب الاذان والاقامة، ح 25، الاستبصار ج 1، ص 300، ح 1109، باب الاذان والاقامة في صلاة المغرب...، ح 6، وسائل الشيعة ج 4، أبواب الاذان والاقامة، باب 35، ح 2. (*)

 

نعم لو كانت مع أنها صلاة مستقلة جزء لليومية وبحكمها لكانا مشروعين فيها، ولكن إثبات ذلك مشكل مع أنها لو كانت كذلك فأيضا لا يخلو عن إشكال لان الفريضة اليومية منصرفة عن مثل هذه الصلاة فالاصح أن الاذان والاقامة لم يشرعا فيها. وأما السورة والقنوت فللاتفاق على عدم وجوبهما فيها ولا استحبابهما، وأيضا لو كانا فيها واجبين أو كان خصوص السورة واجبا لكان عليه السلام ذكره في عداد الواجبات، ونصوص الباب خالية عنهما مع ذكر سائر الواجبات فيها. وأما القول بوجوب السورة بلحاظ وجوبها في سائر الصلوات الواجبة فلو قلنا بأن صلاة الاحتياط صلاة واجبة مستقلة يتدارك بها ما فات من مصلحة الفريضة، فالدليل على وجوبها في سائر الصلوات الواجبة دليل على وجوبها فيها. وفيه: أن وجوب هذه الصلاة وان كان من المسلم ولكن ليس وجوبا مستقلا كسائر الواجبات لوجود ملاك ومصلحة في نفسها، بل وجوبها باعتبار تتميم ما نقص من الفريضة الاصلية ولذلك لو تنبه في أثنائها بتمامية الفريضة الاصلية لا يجب عليها إتمامها، ويجوز بل يجب العدول إلى النافلة لانه لا موضوع بعد ذلك الالتفات لاتيانها بصفة الوجوب لان موضوعها احتمال النقص في الصلاة الاصلية. الامر الثالث: فيما إذا صدر منه ما يبطل الصلاة قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط، كما إذا صدر منه أحد القواطع فهل تبطل الصلاة ويجب إعادتها ؟ إذ لا تأثير بعد ذلك في صلاة الاحتياط، إذ بناء على أن صلاة الاحتياط متممة للنقص الذي حصل في الصلاة الاصلية فالقاطع كالحدث مثلا وقع في الاثناء فليست صلاة الاحتياط باعتبار أنها متممة للصلاة الاصلية قابلة لان تنضم إلى الصلاة الاصلية لان القاطع قطع حبل الاتصال. وبعبارة أخرى: القاطع قطع صورة الصلاتية، وبهذا الاعتبار يطلق عليه القاطع،

 

فالجزء الصوري الذي يكون المراد به الهيئة الصلاتية انعدمت بواسطة القاطع، فليست الاجزاء الباقية بعد وجود القاطع قابلا لتشكيل الهيئة الصلاتية بواسطة إنضامها إلى الاجزاء السابقة، فقهرا تبطل الصلاة ويجب إعادتها. ولكن هذا بناء على كون صلاة الاحتياط جزءا متمما للصلاة الاصلية على تقدير النقصان. وأما لو قلنا بانها صلاة مستقلة شرعت لاجل تدارك ما فات من مصلحة الصلاة الاصلية على تقدير النقصان، وهذا الامر من قبيل حكمة تشريعها، كما ورد في حكمة تشريع النوافل التي هي رواتب الفرائض اليومية أنها شرعت لاجل جبران النقص الذي ربما يقع في الفرائض الخمس بحيث يكون المجموع من الرواتب والفرائض الناقصة وافيا بمصالح الفرائض الواقعية التامة، فوقوع الحدث مثلا قبل صلاة الاحتياط وبعد الصلاة الاصلية لا يؤثر في بطلان الصلاه الاصلية لانه وقع قبلها لا في أثنائها. ولكن التحقيق: أن مقتضى الجمع بين الادلة هو أن هذه الصلاة لا مستقلة تماما ولا جزء متمم بل فيها جهة الاستقلال باعتبار قوله عليه السلام في مرسل جميل: إن شاء صلى ركعة وهو قائم وان شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس 1. وأيضا قوله عليه السلام: في صحيحة الحلبي: ثم صل ركعتين وأنت جالس 2. وفيها جهة الجزئية. وانها متمم لنقص الصلاة الاصلية لقوله عليه السلام في موثقة عمار واتمم ما ظننت أنك نقصت 3 فهي معنى متوسط بين الاستقلال والجزئية وليست أجنبية عن كليهما.

 

(هامش)

 

(1) تقدم تخريجه في ص 206، رقم (2) (2) تقدم تخريجه في ص 208، رقم (4). (3) تقدم تخريجه في ص 183 و 184. (*)

 

وبناء على هذا - من حيث أنها صلاة مستقلة وتشريعها لاجل تدارك المصلحة الفائتة على تقدير النقصان وليست جزء من الصلاة الاصلية - فالصلاة الاولية تمت بواسطة البناء على الاكثر والفراغ منها بواسطة التسليم حصل فلم يقع القاطع في أثنائها كي تبطل، والمصلحة الفائتة يتدارك فيما بعد بواسطة صلاة الاحتياط فلا يبقى وجه للبطلان والاعادة. ومن حيث أن فيها جهة كونها متمما للصلاة الاصلية تكون بحكم الجزء، فكان القاطع وقع في الاثناء فتكون فاسدة فيكون حدوث القاطع موجبا للبطلان ولزوم الاعادة. ولكن أنت خبير بان ما قلنا: إن فيه جهة الجزئية ليس المراد منه أنها جزء الصلاة الاصلية، بل المراد أنها جزء متمم لما هو ذو المصلحة فالصلاة الاصلية و صلاة الاحتياط كلاهما مجموعا دخيلان في حصول المصلحة لا أن أحدهما جزء للآخر، فوقوع الحدث بينهما لا يضر بكل واحد منهما. الامر الرابع: فيما إذا تذكر بعد الفراغ عن الصلاة الاصلية والبناء على الاكثر أن ما صلى كان كذا من الركعة وارتفع الشك وحصل له اليقين. فهذا لا يخلو حاله: إما أن يحصل له اليقين بالتمام أو بالنقصان. فان كان الاول وكان بعد الاتيان بصلاة الاحتياط فتكون صلاة الاحتياط نافلة كما هو مفاد بعض الاخبار. وان كان قبل صلاة الاحتياط فلا يجب إتيانها لان وجوبها كان باعتبار تتميم ما نقص، وبعد اليقين بالتمام وتذكره وارتفاع الشك الذي كان موضوع وجوب صلاة الاحتياط لا يبقى مورد ومحل لوجوب إتيانها. وان كان التذكر في أثناء الاحتياط فله أن يقطع ويرفع اليد عنها لتبين عدم وجوبها فلا مانع من قطعها. وله أن يتمها نافلة، فان كان الاحتياط ركعة يضم إليها

 

ركعة أخرى ويتمها نافلة. ولا يكتفي في جعلها نافلة بتلك الركعة الواحدة وذلك من جهة عدم معهودية كون صلاة النافلة ركعة واحدة في غير الوتر. اللهم إلا أن يقال: إن الدليل الذي مفاده جعل صلاة الاحتياط نافلة على تقدير كون الصلاة الاصلية تامة يشمل باطلاقه ما إذا كان صلاة الاحتياط ركعة واحدة، فيدل على صحة كون النافلة ركعة واحدة. وان كان الثاني تذكر نقصان الصلاة الاصلية فلها صور: الصورة الاولى: أن يكون تذكره بعد الاتيان بصلاة الاحتياط وكان النقص المنكشف مطابقا مع صلاة الاحتياط كما وكيفا فلا شيء عليه وقد أتى بما هو وظيفته وصحت صلاته لما تقدم من قوله عليه السلام في موثقة عمار: وان ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت 1. الصورة الثانية: هي عين الصورة الاولى لكن مع الاختلاف في الكم، مثل أن يكون النقص المنكشف ركعتين والاحتياط ركعة واحدة كما إذا شك بين الثلاث والاربع، فبعد استقرار الشك بنى على الاربع وصلى الاحتياط ركعة واحدة وبعد الفراغ عنها تذكر أن صلاته الاصلية كانت ركعتين، ففي مثل هذا المورد من المحتمل القول بانه يضيف على الاحتياط ركعة أخرى كي يتم بها النقص المنكشف. وهناك احتمالان آخران: أحدهما: كفاية صلاة الاحتياط التي أتى بها وان كانت مخالفة مع النقص المنكشف في الكم. واختار شيخنا الاستاذ قدس سره هذا الاحتمال تمسكا باطلاق قوله عليه السلام: وان ذكرت

 

(هامش)

 

(1) تقدم تخريجه في ص 184، رقم (1). (*)

 

 

أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت 1. ولكن الظاهر أنه عليه السلام في مقام أن صلاة الاحتياط لا تذهب هدرا على كل تقدير، بل إما أن تكون متمما للنقصان على تقدير النقص، وإما أن تكون نافلة على تقدير التمام. وليس في مقام بيان أنه متمم على كل حال ولا يحتاج إلى شيء آخر، فلا مجال للتمسك باطلاقه من هذه الجهة. الثاني: بطلان الصلاة ووجوب الاعادة باعتبار عدم إمكان العلاج والشك في الامتثال باتيان ركعة أخرى وتتميم ما نقص. أما عدم إمكان العلاج فمن جهة عدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص لكونها أقل منه. وأما بركعة أخرى منفصلة فليس عليه دليل، إذ صلاة الاحتياط في مورد الشك، والشك ارتفع، فلو أتى بركعة أخرى مضافا إلى صلاة الاحتياط وان كان يتم بها النقص من حيث عدد الركعات ولكن الانفصال والخروج عن الصلاة بالتسليم لا علاج له. ولا يقاس بصلاة الاحتياط، فانها وان كانت منفصلة وبعد التسليم إلا أن عيها دليل كموثقات عمار وغيرها، وتلك الادلة لا تشمل المقام لان موضوع الحكم بالاحتياط فيها هو الشك والمفروض أن الشك ارتفع فيما نحن فيه فيكون شكا في الامتثال فتجب الاعادة لتحصيل القطع بالامتثال. ومما ذكرنا ظهر لك أنه لا وجه للقول بأنه يعمل عمل المحتمل لهذا النقص المنكشف والشاك فيه مثلا في المفروض أليس أنه انكشف أن صلاتة التي صلاها كانت ركعتين والنقص بركعتين فيعمل عمل الشك بين الاثنتين والاربع أي يأتي بركعتين من قيام ويصرف النظر عن الاحتياط الذي عمل به.

 

(هامش)

 

(1) كتاب الصلاة ج 3، ص 198. (*)

 

وهو احتمال غريب لانه لم يشك مثل هذا الشك بل ليس له شك أصلا لان شكه الذى كان بين الثلاث والاربع ارتفع وليس له شك آخر فيكون حكما بلا موضوع، فالاظهر بل الارجح هو الاعادة في صورة الاختلاف في الكم. وأما إن كان اختلافهما في الكيف مثلا شك بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث واتم الصلاة ثم صلى صلاة الاحتياط ركعتين من جلوس فتذكر أن صلاته كانت اثنتين فالظاهر أنه أتى بوظيفته. وركعتين من جلوس وان كانتا مخالفتين في الكيف مع الركعة من قيام لكن الشارع جعلهما بدلا عن الركعة من قيام فحصل الامتثال وسقط الامر. هذا كله فيما إذا كان تذكره بعد صلاة الاحتياط. وأما لو كان قبلها أي تذكر النقص وانه بركعة مثلا أو بركعتين قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط فهذه الصورة الثالثة من تذكر النقص. وهنا احتمالات: الاول: وهو الصحيح أن يأتي بالنقص المتيقن وذلك من جهة وقوع السلام في غير محله فلم يخرج عن الصلاة بصرف السلام والمفروض أنه لم يأت بمناف أي أحد القواطع من الحدث أو الاستدبار أو السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة أو غيرها من القواطع وإلا فمعلوم أنه فيما إذا أتى بأحد القواطع فالصلاة باطلة وتجب إعادتها. فمقتضى القاعدة أن سلامه مثل السلام السهوي فبعد أن تذكر السهو يجب عليه أن يقوم ويأتي بالبقية. وهناك احتمالان آخران: الاول: بطلان الصلاة ووجوب إعادتها وذلك من جهة أنه خرج عن الصلاة بالتسليم وعلم بنقصان صلاته بركعة أو ركعتين والركعة مشتملة على الاركان

 

ونقيصة الركن غير مغتفر في الصلاة عمدا كانت أو سهوا. وفيه: أن نقيصة الاركان وان كانت موجبة للبطلان ولكن النقيصة لا يتحقق إلا بأحد أمرين: إما بخروجه عن الصلاة بايقاع السلام في محله أو بوجود أحد القواطع وإلا بصرف عدم وجود شرط أو جزء ركني مع بقاء محله لا يصدق النقيصة. هذا مضافا إلى ورود روايات معتبرة على أنه لو تذكر نقص صلاته بعد التسليم وقبل صدور المنافي يجب عليه أن يأتي به. منها: خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في نقصان ركعتين في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين ؟ فقال عليه السلام: يتم ما بقى من صلاته ولا شيء عليه 1. والفرق بين المقام وبين ذاك بأن مورد الرواية هو السلام باعتقاد الفراغ هناك وهيهنا بحكم الشارع غير فارق فيما هو المناط وهو كونه في غير محله. وقد شرحنا هذه المسألة أي تذكر النقص بعد السلام في المجلد الاول من هذا الكتاب في شرح قاعدة لا تعاد 2 وان شئت فراجع. وخلاصة الكلام: أن بطلان الصلاة بنقص ركعة أو ركعتين أن تذكر وانكشف له بعد التسليم قبل إتيان ما هو المبطل لا وجه له بل يجب عليه التدارك واتيان ما نقص بعنوان تتمة الصلاة لا صلاة الاحتياط. الثاني: هو أنه يجب عليه صلاة الاحتياط كما أنه لو كان شكه باقيا ولم يتذكر النقص فصلاته الاصلية مع صلاة الاحتياط موجبة للقطع بالامتثال وتوجب براءة الذمة واسقاط الامر.

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 191، ح 757، باب أحكام السهو في الصلاة...، ح 58، الاستبصار ج 1، ص 378، ح 1436، باب من تكلم في الصلاة ساهيا أو عامدا، ح 4، وسائل الشيعة ج 5، ص 309، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 3، ح 9. (2) القواعد الفقهية ج 1، ص 116. (*)

 

وهذا احتمال غريب وبعيد إلى الغاية وذلك من جهة أن صلاة الاحتياط موضوعها الشاك فإذا ارتفع الشك وتذكر النقص يخرج عن موضوع خطاب صلاة الاحتياط. وأما إذا كان تذكره للنقص في أثناء صلاة الاحتياط فهذه هي الصورة الرابعة. وفي هذه الصورة صور ربما يختلف حكمها فنقول: الاولى: أن تكون صلاة الاحتياط مطابقة مع النقص الذى تذكره كما وكيفا مثلا شك بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث ثم تذكر أن صلاته ناقصة بركعة في أثناء صلاة الاحتياط التي هي عبارة عن ركعة من قيام. فهاهنا وجب عليه إتمام صلاة الاحتياط وليس عليه شيء. والوجه واضح بعد اغتفار زيادة تكبيرة الاحرام فان المأمور به في حال الشك بعد التسليم هي الركعة الواحدة من قيام غاية الامر بزيادة التكبير وبعد تذكر النقص وانه ركعة واحدة أيضا يكون المأمور به هو نفس ما كان حال الشك فلا وجه لرفع اليد عنها وتجديدها ثانيا. الثانية: أن تكون مخالفة مع النقص الذي تذكره في الكم والكيف أو في أحدهما. فهذه الصورة الثانية تنقسم إلى ثلاث: فالاول أي المخالف في الكم والكيف كما إذا شك بين الثلاث والاربع فبنى على الاربع وشرع في صلاة الاحتياط واختار ركعتين من جلوس فتذكر في أثنائها أن النقص ركعة واحدة فصلاة الاحتياط في هذا الفرض مخالف مع النقص المذكور كما لانه ركعة واحدة وصلاة الاحتياط ركعتين وكيفا من جهة أنه من قيام وصلاة الاحتياط من جلوس. فهنا احتمالات بل أقوال ثلاث: الاول: بطلان الصلاة ولزوم الاعادة لان النقص فيها معلوم وليس له علاج ولا

 

يمكن تداركه لان التدارك إما بصلاة الاحتياط ولا يمكن بهذه التي هو فيها لمخالفتها مع النقص المعلوم كما وكيفا أو برفع اليد عن الاحتياط والصلاة قائما بمقدار النقص الذي تذكره أي يتمها لا بعنوان صلاة الاحتياط وهذا لا يمكن للفصل بين المتمم - بالكسر - والمتمم - بالفتح - أولا ولزيادة الاركان المتعددة بناء على جزئية صلاة الاحتياط للصلاة الاصلية ثانيا ومن جهة الخروج عن الصلاة بالتسليم ثالثا. وأيضا لا يمكن تداركه بصلاة احتياط أخرى مطابقا للنقص المذكور لان صلاة الاحتياط موضوعها الشك فإذا ارتفع - كما هو المفروض في المقام - لا يبقى مجال لصلاة الاحتياط مطابقة للنقص الذي تذكره مرة أخرى فلابد من الاعادة. الثاني: إتمام صلاة الاحتياط والاكتفاء بها وان كانت مخالفة للنقص المعلوم كما وكيفا لاطلاق أدلة صلاة الاحتياط. وفساد هذا الاحتمال واضح لما ذكرنا أن جابرية صلاة الاحتياط للنقص المعلوم فيما إذا كانت مطابقة للنقص المعلوم وأما إذا لم يكن كذلك فكونه جابرا مع ارتفاع الشك لا وجه له أصلا. الثالث: إدخال هذه المسألة فيمن تذكر النقص بركعة أو ركعتين بعد التسليم سهوا حيث أن في تلك المسألة دلت الاخبار على إتمام الصلاة بالمقدار الذي علم بالنقص. وقد تقدم خبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام وانه عليه السلام قال: يتم ما بقي من صلاته ولا شيء عليه 1 وقلنا هناك: إن الفرق بين المسألتين بأنه هناك - أي في مورد الرواية - صدور السلام يكون سهوا وفيما نحن فيه عمدي وبحكم الشارع ليس بفارق فيما هو مناط الحكم وهو وقوع السلام في غير محله. والارجح من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الاخير كما ظهر مما تقدم وجهه. الثالثة: أن تكون مخالفة للشك المحتمل وان كانت موافقة للنقص المعلوم كما وكيفا.

 

(هامش)

 

(1) - تقدم ذكره في ص 252، رقم (1). (*)

 

والظاهر أنه مثل الصورة الاولى من الصورة الرابعة أي يمضي في الاحتياط ولا شيء عليه إذ مادام تكون صلاة الاحتياط موافقة مع النقض المعلوم لا أثر لمخالفتها لحكم الشك المحتمل إذ الشك ارتفع وجاء مكانه القطع بالنقص فلابد من ملاحظة آثار هذا القطع الموجود لا الشك الزائل كما أنه لو كانت موافقة للشك المحتمل ولكن كانت مخالفة للنقص المعلوم لا أثر لموافقتها للشك المحتمل. الصورة الخامسة: أن يكون تذكره للنقص بين الاحتياطين وذلك كما أنه في الشك المركب كالشك بين الاثنتين والثلاث والاربع مثلا بنى على الاربع فهاهنا - كما تقدم في أحكام الشكوك الصحيحة - يجب عليه الاحتياط بصلاتين: إحديهما ركعة واحدة من قيام أو ركعتين من جلوس الثانية: ركعتين من قيام. فلو حصل له اليقين بمقدار النقص بعد أن أتى بأحد الاحتياطين دون الآخر فان كان الاحتياط الذي أتى به موافقا مع النقص المعلوم مثلا علم بأن النقص ركعة إذ تذكر أنه صلى ثلاث ركعات وهو أولا أتى بوظيفة الشك بين الثلاث والاربع أي صلى صلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس فان كان مختاره ركعة من قيام فتم عمله وليس عليه شيء قطعا. وهذا واضح جدا. وان كان مختاره ركعتين من جلوس فالظاهر أنه أيضا كذلك لان جعل ركعتين من جلوس في ظرف الشك بمنزلة ركعة من قيام ومجزيتين عنها كان مفاد الادلة. والحاصل: أنه إن كان الاحتياط الاول الذى أتى به موافقا مع النقص الذي تذكره فصلاته صحيحة ولا شيء عليه لما ذكرنا فلا نعيد. وأما إن كان مخالفا له في الكيف والكم أو الكم وحده فواضح أنه لا يجوز الاكتفاء به لزيادتها إن كان الاحتياط الاول الذي أتى به أزيد من النقص الذي تذكره أو لبقاء مقدار من النقيصة إن كان أقل. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن تكون صلاة الاحتياط الاولى جابرة للنقص المعلوم.

 

فلابد إما من صرف النظر عما أتى به من باب صلاة الاحتياط والاتيان بمقدار النقص المعلوم من باب إدخال المسألة في مسألة تذكر نقص الصلاة بركعة أو ركعتين بعد السلام الفراغ أو إعادة أصل الصلاة. وقد تقدم الكلام فيما تقدم من نظير هذه المسألة إن تذكر في أثناء الاتيان بصلاة الاحتياط إذا كان احتياطا واحدا كما في الشك البسيط. وأما إن كان مخالفا في الكيف فقط فيمكن أن يقال بالاكتفاء بذلك الاحتياط لجعله الشارع بدلا عما هو النقص الواقعي مثلا لو شك بين الاثنتين والثلاث والاربع فهنا له وظيفتان: إحديهما: وظيفة الشك بين الثلاث والاربع وهي ركعتان من جلوس. واخرى: وظيفة الشك بين الاثنتين والاربع وهي ركعتان من قيام. فلو قدم إتيان الوظيفة الاولى - أي الشك بين الثلاث والاربع - واختار ركعتين من جلوس فتذكر بعد الاتيان بهذه الوظيفة وقبل الاتيان بالوظيفة الاخرى أن صلاته التي صلاها كانت ثلاث ركعات والنقص بواحدة فحيث أن الشارع جعل ركعتين من جلوس في ظرف الشك بدلا عن الركعة من قيام وقد أتى هو بها في ظرف الشك فيكون مجزيا وليس عليه شيء. فالاختلاف في الكيف إذا أتى بها في ظرف الشك لا أثر له إذا كان مطابقا في الكم. وخلاصة ما ذكرنا في هذا الامر الرابع - أي فيما تذكر النقص وارتفع الشك الذي كان موضوعا لصلاة الاحتياط - أن تذكره وارتفاع شكه إما أن يكون قبل صلاة الاحتياط أو بعدها أو في أثنائها أو في أثناء الاحتياطين. أما الاول أي فيما إذا كان قبل صلاة الاحتياط فالاظهر هو الاتيان بالنقص المعلوم لا البطلان واعادة الصلاة ولا التدارك بصلاة الاحتياط لارتفاع موضوعها وهو الشك. وأما في الشقوق الثلاثة الاخيرة فان كان ما أتى به بعنوان الاحتياط أو دخل فيه

 

كذلك موافقا في الكم والكيف أو في الكم فقط مع النقص المعلوم فيمضي في احتياطه ولا شيء عليه وإلا فيجب إعادة صلاته. وأما موافقة صلاة الاحتياط لحكم الشك المحتمل وعدم موافقتها له فلا أثر له بعد بيان الواقع وكشفه وارتفاع الشك وحصول اليقين فالمناط كل المناط مطابقة صلاة الاحتياط للنقص المعلوم وعدم مطابقتها. ثم إنه كان جميع ما ذكرنا فيما إذا تذكر نقص الصلاة التي أتى بها وأما لو تذكر زيادتها على ما هو الفرض بركعة أو أزيد فواضح بطلانها ولزوم إعادتها لعدم علاج لزيادة الاركان وانها موجبة للبطلان عمدا كان أو سهوا. الامر الخامس: لو شك في إتيان صلاة الاحتياط بعد وجوبها وتنجزها عليه فان كان الشك بعد خروج الوقت فهذا من الشك بعد الوقت ولا اعتبار به لان حال صلاة الاحتياط حال سائر أجزاء الصلاة الاصلية فيبني على الاتيان. وأما لو كان حدوث الشك في الوقت فمقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الاتيان بها إلا فيما يكون مجرى لقاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز فإذا كان جالسا في محل الصلاة ولم يأت بما هو مناف ومبطل للصلاة حتى السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة ولم يدخل في فعل آخر فلا مورد لجريان كلتا القاعدتين. أما عدم إحراز مجرى قاعدة الفراغ فلاجل أن مجراها هو الشك في تمامية الموجود وهاهنا يكون الشك في أصل الوجود. واما قاعدة التجاوز فلاجل عدم التجاوز عن المحل الشرعي لصلاة الاحتياط بل ولا العرفي. أما لو أتى بالمنافي والمبطل أو دخل في فعل آخر فهل يكون داخلا في مجرى القاعدتين أو إحديهما أو لا ؟ فيه كلام. وتفصيله عبارة عن أنه هل يصدق الفراغ بايجاد المنافي أم لا ؟ وكذلك التجاوز ؟

 

والظاهر أن المنافي إذا كان مثل الاستدبار أو السكوت الطويل مما يكون غالبا بعد الفراغ عن الصلاة يصدق الفراغ به عرفا. وأما الدخول في فعل آخر فلا شك في صدق الفراغ معه مضافا إلى أن موضوع الحكم بعدم الاعتناء بالشك ليس هو عنوان الفراغ بل عنوان المضي والتجاوز والخروج عن الشيء والدخول في غيره وهذه العناوين تصدق قطعا مع الدخول في فعل آخر مناف للصلاة حتى مثل التعقيب. فلو كان جالسا ويشتغل بالتعقيب وقلنا بوجوب صلاة الاحتياط عقيب التسليم بلا فصل - كما هو مقتضى الجزئية على تقدير النقصان - فمع دخوله في التعقيب يصدق التجاوز عن محل صلاة الاحتياط والفراغ عنها وعن الصلاة الاصلية ومع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط باتيان صلاة الاحتياط لانه وان كانت هاتان القاعدتان حاكمتين على قاعدة الاشتغال بل وكذلك على استصحاب عدم الاتيان بها إلا أن الشأن في جريانهما فانه لا يخلو من إشكال وان رجحنا جريانهما في بعض صور المسألة خصوصا إذا حصل الشك بعد دخوله في فعل مناف للصلاة. الامر السادس: في أنه لا سهو في سهو. ويدل على هذا الحكم روايات: منها: ما عن الشيخ في الصحيح - أو الحسن - عن حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو ولا على السهو سهو ولا على الاعادة إعادة 1. ومنها: ما عن الصدوق باسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن إمام يصلي بأربع نفر أو بخمس فيسبح إثنان على أنهم صلوا ثلاثا ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا يقول هؤلاء: قوموا ويقول هؤلاء: أقعدوا

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الاحكام ج 2، ص 344، ح 1428، باب أحكام السهو، ح 16. (*)

 

والامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليهم ؟ قال عليه السلام: ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلف سهوه باتفاق منهم وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام ولا سهو في سهو الحديث 1. وعن الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه 2. فلا إشكال في هذه الجملة من حيث اعتبار السند والصدور خصوصا مع تلقيها الاصحاب بالقبول فالعمدة فهم المراد منها. فنقول: الظاهر من قوله عليه السلام: لا سهو أن السهو - أي: السهو المنفي - بمعنى الشك بقرينة نظائره في قوله عليه السلام ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو ولا سهو في سهو وليس في المغرب سهو ولا في الركعتين الاوليين في كل صلاة سهو ولا سهو في نافلة . فان كلمة السهو في جميع هذه الموارد المراد به الشك كما هو واضح وان كان في حد نفسه مع قطع النظر عن هذه القرينة فيها احتمالات ثلاث: خصوص الشك وخصوص النسيان والاعم منهما. والمراد من السهو الثاني أي: ما هو الظرف للسهو المنفي صلاة الاحتياط التي هي حكم الشك في عدد الركعات فيكون هذه الجملة نظير لا شك لكثير الشك من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فمعناه أن حكم الشك ليس في حكم الشك أي البناء على الاكثر وصلاة الاحتياط ليس في صلاة الاحتياط إذا شك في عدد ركعاتها فالسهو الاول والثاني - أي الظرف والمظروف - بمعنى واحد. ويمكن أن يكون المراد من السهو في كلا المقامين - أي الظرف والمظروف أعم من

 

(هامش)

 

الفقيه ج 1، ص 352، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 1028. (2) الكافي ج 3، ص 358، باب من شك في صلاته كلها ولم يدر زاد أو نقص..، ح 5. (*)

 

الشك والنسيان أي حكم الشك الذي هو عبارة عن صلاة الاحتياط وحكم النسيان الذي هو عبارة عن سجدتي السهو فقط في بعض الموارد ومع القضاء في البعض الآخر ليس في حكم الشك وفي حكم النسيان فيكون معناه أن الشك في عدد ركعات صلاة الاحتياط ليس فيه البناء على الاكثر وصلاة الاحتياط وكذلك في سجدتي السهو وقضاء بعض الاجزاء المنسية ليس سجدتي السهو ولا قضاء إذا نسى شيئا منها. ولكن هذا المعنى لا يناسب مع وحدة السياق فالظاهر تعين المعنى الاول وإلا فبحسب الاحتمال تكون الاحتمالات تسعة حاصلة من ضرب ثلاثة احتمالات للسهو المظروف في ثلاثة احتمالات السهو الذي هو ظرف ويكون مدخولا لحرف الجر سواء كان هو في كما في بعض الروايات أو على كما في البعض الآخر. ولا يتوهم أن المراد من السهو الاول وان كان هو حكم الشك أي البناء على الاكثر وصلاة الاحتياط لانه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ولكن لا دليل على أن يكون المراد من السهو الثاني الذي هو ظرف للسهو الاول أيضا حكم الشك وذلك لعدم جريان دليل الاول - الذي هو عبارة عن نفي الحكم بلسان نفي الموضع - فيه لانه هناك ليس مقام نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فانه لا نفي هناك أصلا لانفي الحكم ولا نفي الموضوع وذلك من جهة أنه لا يمكن أن يكون المراد منه نفس الشك لانه حينئذ يكون المعنى: ليس حكم الشك في الشك. اللهم إلا أن يكون متعلق الشك هو عدد ركعات صلاة الاحتياط فيكون نفس المعنى وكر على ما فر. ثم إن حكم الشك وان لم يكن منحصرا بالبناء على الاكثر ولا متعلقة منحصر بعدد الركعات بل قد يتعلق بأفعال الصلاة أي إتيان إجزائها وشرائطها وترك موانعها وقواطعها كما أن حكمه قد يكون إبطال الصلاة التي وقع فيها الشك كالفريضة الثنائية والثلاثية والاوليين من الرباعية وقد يكون عدم الاعتناء بالشك والمضي في المشكوك كالشك في النافلة وبعد الفراغ وبعد الوقت ولكن ظهور نفي حكم الشك بنفي

 

موضوعه وان كان بواسطة غلبة الوجود وانس الذهن في نفي البناء على الاكثر ونفي صلاة الاحتياط التي من آثار البناء على الاكثر لا يمكن أن ينكر. الامر السابع: لو شك في عدد ركعاتها فهل عليه البناء على الاكثر أو لا يجري هذا الحكم في حقه ؟ وقد عرفت في الامر السابق أن قوله عليه السلام: لا سهو في سهو ظاهر في أن حكم الشك الذي هو البناء على الاكثر ليس في السهو أي فيما هو مسبب عن السهو أي صلاة الاحتياط فالبناء على الاكثر لا وجه له لحكومة هذه الجملة على عمومات البناء على الاكثر على فرض شمولها لصلاة الاحتياط. فيبقى الكلام حينئذ في أنه هل يبنى على الاقل لاستصحاب عدم الزائد عليه ؟ أو الاستصحاب ألغاه الشارع في باب عدد الركعات فيكون أصل الصلاة باطلة لعدم إمكان العلاج فتجب الاعادة لقاعدة الاشتغال ؟ والظاهر عدم مانع من جريان الاستصحاب فيجب البناء على الاقل. ولكن الاحتياط بالاعادة لا ينبغي تركه لاحتمال إلغاء الشارع اعتبار الاستصحاب في باب عدد الركعات في الفرائض اليومية. الامر الثامن: لو نسى صلاة الاحتياط وشرع في صلاة أخرى فتذكرها في أثنائها فهل يجب عليه العدول إليها فيما لم يجز عن محل العدول ؟ أو يجب قطعها والشروع في صلاة الاحتياط ؟ أو يشرع في صلاة الاحتياط بدون قطع تلك الصلاة بمعنى أنه بعد صلاة الاحتياط يبنى على ما كان من صلاته ؟ أو يتم ما فيها ثم يشرع في صلاة الاحتياط ؟ وجوه واحتمالات: أقول: إن الصلاة التي دخل فيها بعد أن نسى الاحتياط إما مرتبة على الصلاة التي وجب الاحتياط لاجل الشك فيها واما لا وعلى التقدير الثاني إما فريضة أو نافلة وعلى جميع التقادير إما جاز عن محل العدول أم لا.

 

والمراد من التجاوز عن محل العدول كون ركعات ما صلى في الصلاة الثانية أزيد من صلاة الاحتياط مثلا صلاة الاحتياط ركعتين وهو تذكر نسيان صلاة الاحتياط بعد أن دخل في الثالثة واتى بالركوع فلا يمكن العدول فإذا أمكن العدول وقلنا بأن العدول موافق للقاعدة فيجب العدول. وأما إن قلنا بعدم كونه على القاعدة أو لا يمكن العدول وقلنا بفورية الاحتياط وعدم جواز تأخيره فان قلنا بجواز الصلاة في الصلاة وانها على القاعدة فيشرع في صلاة الاحتياط في أثناء تلك الصلاة ثم بعد أن فرغ عن صلاة الاحتياط يبني على تلك الصلاة ويتمها وإلا فيقطع تلك الصلاة ويشرع في صلاة الاحتياط ثم بعد إتمامها يستأنف تلك الصلاة واما إن كانت تلك الصلاة نافلة فلا محذور في القطع على كل حال. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.