(قاعدة الدين مقضى (1

62 - قاعدة الدين مقضى 

 

قاعدة الدين مقضى ومن جملة القواعد المشهورة في الفقه قاعدة الدين مقضي . وفيه جهات من البحث: الجهة الأولى في مدرك القاعدة وهو أمور: الأول: الروايات الواردة في هذا الباب: منها: الحديث الشريف النبوي، قال صلى الله عليه وآله في خطبته عام حجة الوداع: العارية مؤداة، والزعيم غارم، والدين مقضي 1 وهذه الجمل الثلاث وإن كانت بصورة الجملة الخبرية، لكنها حيث هي واقعة في مقام إنشاء الحكم الشرعي تدل على الوجوب، وقد ثبت في الاصول أن الجمل الخبرية الواقعة في مقام الإنشاء دلالتها على الوجوب آكد من الجمل الانشائية كصيغ الأمر والنهي، فمعنى الحديث الشريف: أنه يجب أداء العارية، ويجب أن يغرم

 

(هامش)

 

(1) سنن الترمذي ج 3 ص 565 ح 1265، كتاب البيوع، باب 39 ما جاء في ان العارية مؤداة، سنن ابي داود ج 3 ص 296 ح 3565، باب 88 في تضمين العارية، صحيح ابن ماجة ج 2 ص 801 كتاب الصدقات، باب 5 العارية، عوالي اللئالي ج 3 ص 252، باب الوديعة، ح 8 (*)

 

الزعيم - أي الكفيل والضامن - ما ضمنه وكفله، ويجب أن يقضي المديون دينه. ومنه: الروايات الواردة عن طريق أهل بيت العصمة، كرواية علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله إلا الدين، لا كفارة له إلا أداؤه، أو يقضى صاحبه، أو يعفو الذي له الحق 1. وكرواية أبي ثمامة قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: إني أريد أن ألازم مكة والمدينة وعلي دين. فقال: ارجع إلى مؤدى دينك وانظر أن تلقى الله عز وجل وليس عليك دين، فإن المؤمن لا يخون 2. وروى الصدوق في الفقيه بإسناده عن بشار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه إلا الدين، فإن كفارته قضاؤه 3. وأيضا روى الصدوق في الفقيه بإسناده عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا وفي نيته أن لا يؤديه، فذلك اللص العادي 4. والأخبار بهذا المضمون كثيرة.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 94 باب الدين ح 6، تهذيب الأحكام ج 6 ص 184 ح 380، في الديون وأحكامها، ح 5، علل الشرائع ص 528، باب العلة التي من اجلها يكره الدين، ح 4، الخصال ص 12، كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عز وجل...، ح 42، وسائل الشيعة ج 13 ص 83 أبواب الدين والقرض، باب 4 ح 1. (2) الكافي ج 5 ص 94 باب الدين ح 9، الفقيه ج 3 ص 183، ح 3686 باب الدين والقرض ح 8 علل الشرائع ص 528، باب العلة التي من أجلها يكره الدين، ح 7، تهذيب الأحكام ج 6 ص 184، ح 382، في الديون وأحكامها، ح 7، وسائل الشيعة ج 13 ص 83، أبواب الدين والقرض، باب 4 ح 2. (3) الفقيه ج 3 ص 183، ح 3688 باب الدين والقرض، ح 10، وسائل الشيعة ج 13 ص 85، أبواب الدين والقرض، باب 4 ح 5. (4) الفقيه ج 3 ص 183 ح 3689 باب الدين والقرض ح 11، وسائل الشيعة ج 13 ص 86، أبواب الدين والقرض باب 5 ح 5. (*)

 

الثاني: حكم العقل بأن من اشتغلت ذمته بمال الغير يجب عليه تفريغ ذمته عن عهدة ذلك المال. الثالث: الإجماع، بل ينبغي أن يعد هذا من ضروريات الدين، فلا يحتاج إلى ذكر الآيات والأخبار على لزوم ذلك وأن المماطلة في أداء حق الناس حرام، حتى ورد في حديث المناهي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ومن مطل على ذي حق حقه وهو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار 1. وحتى ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لي الواجد يحل عقوبته وعرضه 2. الجهة الثانية في المراد من هذه القاعدة أقول: المراد منها وتفسيرها هو أن المراد بالدين هو مال أو حق في ذمة المديون، وأسبابه كثيرة، منها: لو اشترى شيئا بمال كلي في ذمته أو استأجر بمال كذلك أو اقترض كذلك فيكون ذلك المال الكلي الذي في ذمته لغيره دينا، وذلك الغير صاحب الدين أو صاحب الحق. وقد يقال للأول أي من عليه الحق المديون أو المدين بفتح الميم، وللثاني أي من له الحق أو صاحب الحق الدائن أو المدين بضم الميم. ومن أسباب ثبوت الدين على ذمة الشخص القرض، وذلك بأنه اقترض مالا من آخر بعوض واقعي، فيكون ذلك العوض مثلا كان أو قيمة في ذمته ودينا عليه. فالدين أي اشتغال الذمة بمال كلي للغير قد يحصل بالقرض، وقد يحصل

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 4 ص 16 ح 4968، مناهي النبي صلى الله عليه وآله، ح 1، وسائل الشيعة ج 13 ص 89، أبواب الدين و القرض، باب 8 ح 2. (2) أمالي الطوسي ج 2 ص 134، وسائل الشيعة ج 13، ص 90، أبواب الدين والقرض، باب 8 ح 4. (*)

 

بأسباب أخرى من أسباب الضمانات. وقد صار بناء الفقهاء على ذكر الدين الحاصل بأسباب أخرى غير القرض في نفس باب المسبب، كما أنهم يذكرون الدين الحاصل للبائع في باب السلم في نفس ذلك الباب. والمهم هاهنا الان عندنا ذكر الدين وأحكامه، وذكر القرض وأحكامه وشرائطه. فهاهنا مقصدان: المقصد الأول في الدين المطلق بأي سبب كان قد عرفت أن الدين عبارة عن ثبوت حق أو مال كلي في ذمة الشخص بأحد أسباب الضمان، سواء كان ضمان المسمى، أو الضمان الواقعي مثلا أو قيمة، كما هو مذكور تفصيلا في أبواب الضمانات والعقود المعاوضية. وفروع الدين وأحكامه كثيرة، نذكر جملة منها: الفرع الأول: هل يجوز بيع الدين بأقل منه نقدا أم لا؟ مثلا لو كان له على شخص عشرة دنانير مؤجلا، أو وزنة من الحنطة كذلك، هل يجوز أن يبيعهما بأقل منهما نقدا وبلا أجل، فيبيع عشرة المؤجلة بثمانية نقدا، والوزنة بمقدار أقل منها نقدا أم لا؟ الظاهر عدم الإشكال إن لم يكن مستلزما للربا، بأن لا يكون من متحدي الجنسين، أو لا يكون من المكيل والموزون. وذلك لان الدين ملك لصاحب الدين في ذمة المديون، فله أن يبيع باي قيمة شاء ما لم يستلزم محرما آخر كالرب

 

وأمثالها، أو لا يكون إعانة على الاثم على التفصيل المذكور في محله. نعم هناك بعض الروايات وردت بأنه لو اشترى الدين بالاقل فليس له مطالبة المديون بأكثر مما أعطى للدائن ثمنا، كرواية محمد بن فضيل عن الرضا عليه السلام قال: قلت للرضا عليه السلام: رجل اشترى دينا على رجل، ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له: دفعا إلي ما لفلان عليك فقد اشتريته منه. قال: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين وبرئ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه 1. وأيضا محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت أب جعفر عليه السلام عن رجل كان له على رجل دين، فجاءه رجل فاشتراه منه بعوض، ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال: اعطني ما لفلان عليك فإني قد اشتريته منه، كيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: يرد الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين 2. والروايتان ضعيفتان في حد أنفسهما، مع أن الأصحاب أيضا لم يعملوا بهما كي يكون، جابرا لضعفهما، فيطرحان أو يأولان بحيث ل يكونان مخالفين للقواعد المقررة في الفقه. وإلا فمقتضى القواعد أن المشتري عن صاحب الدين يملك الدين بمحض وقوع البيع صحيحا وجامعا للشرائط، والناس مسلطون على أموالهم، فلا يبقى وجه لعدم نفوذ البيع. فما ذهب إليه الشيخ وابن البراج 3 - من أن صاحب الدين إذا باعه بأقل منه لم

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 100 باب بيع الدين ح 3 تهذيب الأحكام ج 6 ص 191 ح 410 ، في الديون و أحكامها ح 35، وسائل الشيعة ج 13 ص 100 أبواب الدين والقرض، باب 15 ح 3. (2) الكافي ج 5 ص 100 باب بيع الدين ح 2، تهذيب الأحكام ج 6 ص 189 ح 410 في الديون و أحكامها ح 26، وسائل الشيعة ج 13 ص 99 أبواب الدين والقرض باب 15 ح 2. (3) الشيخ في النهاية ص 311 وقول ابن البراج لم نعثر عليه في كتبه، وحكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة ج 5 ص 389، الديون، مسألة 6. (*)

 

يلزم المديون أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بذله - لا وجه له، فالأقوى مع صحة البيع وسلامته من الربا وعدم الاخلال بسائر شرائطه لزوم دفع جميع الدين، لأنه بالشراء صار ملكا له. ومضافا إلى أن رواية أبي حمزة لاظهور لها في عدم تساوي الثمن الذي يعطيه المشتري لصاحب الدين مع الدين، لأنه يقول فيه فاشتراه منه بعرض ومن الممكن أن يكون العروض الذي اشترى به الدين مساويا معه في القيمة أو يكون أزيد. فرع: يجوز للمسلم أن يستوفي دينه من الذمي من ثمن ما لا يصح تملكه للمسلم كالخمر والخنزير، وذلك لان الشارع أقرهم على معاملاتهم بينهم في أمثال هذه الأشياء، وحكم بصحة تلك المعاملات ظاهرا، فيكون ثمن تلك الأشياء التي أسقط الشارع ماليتها ملكا ظاهريا لهم، وحكم بترتيب آثار الملكية لهم على أثمان هذه الأمور. وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه، ولا ينافيه تكليف الكفار بالفروع، لان هذا حكم ظاهري مثل ترتيب آثار الطهارة على المشكوك وإن كان نجسا واقعا، وعدم رفع اليد عن نجاسته الواقعية. وقد رودت على صحة أخذ ثمن هذه الأمور من الذمي استيفاء لدينه روايات: منها: ما رواه داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له على رجل دراهم، فباع خنازيرا وخمرا وهو ينظر فقضاه. قال عليه السلام: لا بأس، أما للمقضى فحلال، وأم للبائع فحرام 1.

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 195 ح 429، في الديون وأحكامها، ح 54، وسائل الشيعة ج 13 ص 116، أبواب الدين والقرض، باب 28 ح 1. (*)

 

ومنها: صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم، فيبيع بها خمرا أو خنزيرا، ثم يقضيني منها، فقال: لا بأس أو قال: خذه 1. ومنها: خبر الخثعمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لنا عليه الدين، فيبيع الخمر والخنازير فيقضيانه. فقال: لا بأس به، ليس عليك من ذلك شيء 2. ومنها خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له على الرجل مال، فيبيع بين يديه خمرا أو خنازيرا يأخذ ثمنه. قال عليه السلام: لا بأس 3. ثم إن هذه الأخبار وإن كانت مطلقة من حيث البائع، ولم يقيد فيها البائع بكونه ذميا، لكنها تنصرف إلى ذلك ولها ظهور عرفي في أن البائع من غير المسلمين، لان بيع الخمر والخنزير حيث أنه حرام عندهم فلا يبيعونهما على رؤوس الاشهاد، خصوصا الخنزير ليس بيعه من عادات المسلمين، فلابد من كون المراد من البائع في هذه الروايات تقييد وانصرافا هو الذمي، لان المسلم لا يرى نفسه مالكا لثمن الخمر والخنزير، ويعلم بعدم فراغ ذمته بذلك الثمن، وتبقى مشغولة بذلك الدين، فلا يقدم حسب دينه وشريعته على مثل هذا الأمر، أي الأداء مع كونه لغوا لا أثر له ولا فائدة فيه. فما ذكره الشيخ في المبسوط 4 وابن إدريس في السرائر، 5 والمحقق في

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 232 باب بيع العصير والخمر، ح 11 وسائل الشيعة ج 12 ص 171، أبواب ما يكتسب به باب 60 ح 3. (2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 137 ح 607 باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة...، ح 78 وسائل الشيعة ج 12 ص 171 أبواب ما يكتسب به، باب 60 ح 4. (3) تهذيب الأحكام ج 7 ص 137 ح 607 باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة...، ح 79 وسائل الشيعة ج 12 ص 172 ح 22410، أبواب ما يكتسب به باب 60 ح 5. (4) المبسوط ج2، ص223. (5)السرائر ج 2 ص 43 وكذلك ج 2 ص 329 في الأمور التي يجوز بيعه(*)

 

الشرائع، 1 والعلامة في التذكرة والقواعد والتحرير والمختلف 2 من تقييد البائع بكونه ذميا وإلا لو كان مسلما فلا يجوز للمسلم الدائن أخذه ولا يحصل الأداء، هو الصحيح. وإشكال المحقق السبزواري في الكفاية 3 بأن مقتضى إطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين كون البائع مسلما أو ذميا أو غيرهما، لا يخلو من نظر بل عن إشكال. وأم الاستشهاد لكون المراد من البائع هو خصوص الذمي - كما يظهر من صاحب الجواهر 4 - بتقييده بذلك في السؤال في رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لي على رجل ذمي دراهم، فيبيع الخمر والخنزير وأنا حاضر فيحل لي أخذها؟ فقال: إنما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك 5، غير وجيه، لان كون السؤال عن مورد خاص في بعض الأحيان لا يضر بإطلاق المطلق، ولا يوجب صرفه إلى ذلك المورد، وإلى هذ ينظر قولهم العبرة بعموم الجواب لا بخصوصية المورد . وهذا واضح جدا. فرع: الدين لا يصير ملكا للدائن بتعيين المديون فقط، بل لابد من قبض الدائن، وذلك لان ما في ذمة المديون كلي، والخصوصيات الفردية باقية على ملك المديون، ولا تخرج عن ملكه إل بإعطاء الفرد بعنوان الوفاء مع قبض الدائن، فيصير ذلك الفرد بأجمعه من الطبيعة الكلية مع الخصوصية المنضمة إليها ملكا للدائن، وإلا

 

(هامش)

 

(1) الشرائع ج 2 ص 69. (2) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 4، قواعد الفقهاء ج 1 ص 156، تحرير الأحكام ج 1 ص 200، مختلف الشيعة ج 5 ص 278، المتاجر، بيع الغرر والمجازفة، مسألة: 248. (3) كفاية الأحكام ص 104، كتاب الدين، في الأحكام المتعلقة بالدين، المسألة الثانية. (4) جواهر الكلام ج 25 ص 51. (5) الكافي ج 5 ص 232، باب بيع العصير والخمر، ح 10، وسائل الشيعة ج 12 ص 171 أبواب م يكتسب به باب 60 ح 1. (*)

 

لا يكون وفاء، فبعد القبض تتحقق الملكية ويترتب على هذا آثار: منها: أنه لو وقع التلف على ذلك الفرد الذي عينه المديون للوفاء قبل أن يقبضه الدائن يكون من مال المديون. ومنها: أنه لا تصح للدائن المضاربة معه قبل أن يقبض، لأنه ليس ملكه بل ملكه كلي في ذمة المديون. ولا ينطبق على هذا الفرد الخارجي إلا بعد إعطاء المديون له بعنوان الوفاء وقبض الدائن. وأيضا لما رواه الإمام الباقر عليه السلام عن مولان أمير المؤمنين عليه السلام في رجل يكون له مال على رجل يتقاضاه، فلا يكون عنده م يقضيه فيقول له: هو عندك مضاربة، فقال عليه السلام: لا يصلح حتى يقبضه منه 1. وبناء على هذا تكون مضاربة فاسدة، فلو اتجربه المديون المالك وربح يكون تمام الربح له، لأنه ماله والعمل أيضا له، فليس للدائن حق في هذا الربح لكونه أجنبيا عن هذ المال. وهذا العمل ولو كان العامل غير المديون، بل كان شخصا عينه الدائن للعمل، فجميع الربح للدائن وعليه أجرة العامل لكون العامل وكيلا في القبض عن طرف الدائن، فبقبضه يصير ملكا للدائن. وحيث أنه مأذون في التجارة به من طرف الدائن فيستحق الأجرة على عمله وإن كانت المضاربة فاسدة، لوقوعها على ما لم يكن ملك المضارب، وإنما صار ملكا له بعد وقوع المضاربة حال الاشتغال بالعمل، لأنه في تلك الحالة تحقق القبض الذي هو شرط في حصول الملك. فرع: الدين إما حال أو مؤجل.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 240 باب ضمان المضاربة وماله من الربح وما عليه من الوضعية، ح 4، وفيه: عن الصادق عليه السلام، تهذيب الأحكام ج 6 ص 195 ح 428، في الديون وأحكامها ح 53، وكذلك ج 7، ص 192، ح 848، في الشركة والمضاربة، ح 34، وفيه: عن الصادق عليه السلام عن أبيه، وسائل الشيعة ج 13، ص 178، في أحكام المضاربة باب 5 ح 1، وفيه: عن الصادق عليه لسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام. (*)

 

والمراد من الأول: هو أن لا يكون وجوب أدائه موقتا بوقت، بل بمقتضى اشتغال ذمته للدائن من غير تقييد في أدائه بوقت معين يجب عليه الأداء في أي وقت طولب إن كان موسرا، فللدائن حق المطالبة في أي وقت شاء إن كان موسرا. والمراد من الثاني: أن يكون وجوب أدائه موقتا بوقت خاص معين، بحيث لو طالب الدائن قبل ذلك الوقت لا يجب على المديون إجابته وإن كان موسرا. وما ذكرنا في بيان القسمين كان من توضيح الواضحات، لوضوح المفهومين عند العرف وعدم خفاء فيهما. والعمدة في المقام هو أن الدين الحال أو المؤجل الذي حل أجله إذا كان المديون بصدد أدائه ليس للدائن الامتناع عن أخذه وقبوله. والوجه واضح، لان اشتغال ذمته لغيره ثقل عليه بل ذل له، فله حق تفريغها، كما أن لذلك الآخر حق تحصيل ماله، فليس للمديون حق الامتناع إن طولب الأداء، ولا للدائن حق الرد وعدم القبول إن كان موسرا وصار بصدد الأداء. وإن رد ولم يقبل يجبره الحاكم على القبول، وإن لم يقدر الحاكم على ذلك أحضره الحاكم عنده ومكنه منه تفرغ ذمته. ولو تلف بعد ذلك لا يضمنه المديون لصدق الأداء على م فعل، ولم يوجد الحاكم يعزله عن ماله ويضعه عند أمين إلى أن يقبل أو عدول المؤمنين، وإن تلف بعد ذلك لا ضمان على أحد. نعم في الدين المؤجل إن صار المديون بصدد الأداء، فلا بأس بالقوم بعدم إيجاب القبول، خصوصا إذا كان لعدم القبول مصلحة له. فرع: لا تصح قسمة الدين، فلو اقتسما ما في الذمم فتلف قسمة أحدهما أو بعضها واستوفى الآخر، فالمستوفى لكليهما والتالف منهم.

 

ومرجع هذا الكلام إلى أن الشركة بينهما ثابتة وباقية إلى زمان قبض الدين، وحصوله في يد الدائن أو وكيله، فلو لم يحصل ولم يمكن استيفاؤه، فالخسارة عليهما. وهذا الحكم مقتضى القواعد الأولية بناء على عدم تأثير القسمة قبل حصول الدين في يد الشريكين، أو يد من هو بمنزلتهما، كوليهما أو وكيلهما. وتدل عليه روايات: منها: الصحيح عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهم ومنه متفرق عنهما، فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما وما كان غائبا عنهما، فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا واستوفى الآخر عليه أن يرد على صاحبه؟ قال: نعم م يذهب بماله 1. ومنها: ما في التهذيب، موثقة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجلين بينهما مال، منه دين ومنه عين، فاقتسما العين والدين، فتوى الذي كان لاحدهما من الدين أو بعضه، وخرج الذي للآخر أيرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله 2. ومنها: ما في التهذيب عن أبي حمزة قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجلين بينهما مال، منه بأيديهما ومنه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، وأحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر؟ قال: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب بماله 3.

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 3 ص 35 ح 3275، باب الصلح ح 9، تهذيب الأحكام ج 6 ص 207 ح 477، باب الصلح بين النار، ح 8 وسائل الشيعة ج 13 ص 116 أبواب الدين والقرض باب 29 ح 1. (2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 186 ح 821، باب الشركة والمضاربة، ح 7، وسائل الشيعة ج 13 ص 180، في أحكام الشركة باب 6 ح 2. (3) تهذيب الأحكام ج 7 ص 185 ح 818 باب الشركة والمضاربة، ح 4، وسائل الشيعة ج 13 ص 179، في أحكام الشركة، باب 6 ح 1. (*)

 

ومنها: ما في الفقيه والتهذيب عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام في رجلين بينهما مال منه بأيديهما، ومنه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما واحتال كل واحد منهما بنصيبه، فقبض أحدهما ولم يقبض الآخر، فقال: ما قبض أحدهما فهو بينهما وما ذهب فهو بينهم 1. ولا ريب في أن مفاد هذه الروايات هو أن تقسيم الدين قبل الحصول في أيد الدائنين لا أثر له، بل كل قطعة من قطعات الدين بعد حصولها في يد الدائنين يصير ملكا مشتركا بينهم، فحينئذ إذا اقتسمو يختص كل واحد منهم بنصيبه وحصته. وهذا هو المشهور بين الأصحاب، وذهب إليه الشيخ في النهاية والخلاف 2 والمبسوط 3، والجواهر للقاضي 4، والوسيلة لابن حمزة 5، والغنية لابن زهرة 6، والسرائر لابن إدريس 7، والتنقيح للفاضل المقداد 8، وعن مفتاح الكرامة: وهو ظاهر أكثر الباقين 9. وأيضا حكى عن جامع الشرائع 10 والشرائع 11 والنافع 12 والتذكرة 13 في

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 3 ص 97 ح 3406 باب الحوالة، ح 1، تهذيب الأحكام ج 6 ص 212 ح 500 في الحوالات، ح 5 وج 6 ص 195 ح 430، في الديوان وأحكامها، ح 55، وسائل الشيعة ج 13 ص 159، كتاب الضمان، باب 13 ح 1. (2) النهاية ص 308، الخلاف ج 3 ص 336، كتاب الشركة، مسألة: 15. (3) النهاية ص 308، الخلاف ج 3 ص 336، كتاب الشركة، مسألة 15، المبسوط ج 2 ص 358، كتاب الشركة. (4) جواهر الفقه ص 73 باب مسائل تتعلق بالشركة، مسألة 275. (5) الوسيلة ص 263. (6) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 534. (7) السرائر ج 2 ص 402. (8) التنقيح الرائع ج 2 ص 158. (9) مفتاح الكرامة ج 5 ص 24. (10) الجامع للشرائع ص 285. (11) شرائع الإسلام ج 2 ص 69. (12) المختصر النافع ص 136. (13) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 4، وج 2، ص 225، في أحكام الشركة. (*)

 

موضعين، والإرشاد 1 والدروس 2 واللمعة 3 وحواشي الكتاب، وحكاه في المختلف عن أبي علي وأبي الصلاح التقي 4، وفي إيضاح النافع: أنه أظهر 5، وفي الغنية: الإجماع عليه 6، وفي الكفاية: إن المعروف بين الأصحاب أنه لا تصح قسمة الدين 7، وفي الروضة 8 ومجمع البرهان 9 وفي الرياض 10: تارة: أنه الأشهر، وأخرى: أن الشهرة عظيمة. والإنصاف أن ما ذكره في الرياض أن الشهرة عظيمة صحيح لاشك فيه، مضافا إلى ما ذكرن من عدم صحة التقسيم إلا بعد حصول الملكية أو بعد تعينها، و لاشك في عدم حصول ملكية هذا الفرد الخارجي إلا بعد القبض، فقبل القبض لا أثر للتقسيم. ولذلك كان في الروايات أن التلف بينهما وما استوفى أحدهما يرد حصة الآخر إليه، وما يذهب بماله - أي أي شيء يذهب بماله - لان التقسيم قبل القبض لا أثر له 11. وظهر من جميع ما ذكرن أن كلام الاردبيلي قدس سره وإشكاله على هذا الحكم بأن الشهرة غير حجة، وليس في الروايات ما يدل عليه إلا رواية غياث وهي ليست بمعتبرة 12، ليس لاوجيه، لأنه أو: ليست الرواية في هذا الموضوع منحصرا برواية

 

(هامش)

 

(1) ارشاد الاذهان ج 1 ص 390. (2) الدروس ج 3 ص 134. (3) اللمعة الدمشقية ص 134 و 135. (4) مختلف الشيعة ج 6 ص 199، في الشركة، مسألة: 147. (5) إيضاح النافع حكاه عنه مفتاح الكرامة ج 5 ص 24. (6) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 534. (7) كفاية الأحكام ص 104، أحكام الدين، المسألة الثالثة. (8) الروضة البهية ج 4 ص 18 و 19. (9) مجمع البرهان ج 9 ص 92 و 93. (10) رياض المسائل ج 1 ص 580. (11) تقدم ص 193، هامش 2 و 3. (12) مجمع البرهان ج 9 ص 93. (*)

 

غياث كما عرفت، وثانيا: الحكم ليس على خلاف القاعدة كما بيناه وعرفت، وثالثا: على فرض كون ضعف في سند الرواية ينجبر بهذه الشهرة العضيمة التي انعقدت على العمل به. فالأظهر كما ذهب إليه المشهور عدم صحة تقسيم الدين قبل حصوله في يد الشريكين، فم استوفى أحدهما كان بينهما وما تلف عليهما وكان منهما. وقال في المسالك: الحلية في تصحيح ذلك أن يحيل كل منهما صاحبه بحصته التي يريد اعطاءها صاحبه ويقبل الآخر بناء على صحة الحوالة ممن ليس في ذمته دين، ولو فرض سبق دين له فلا إشكال في الصحة، ولو اصطلحا على ما في الذمم بعضها ببعض فقد قرب في الدروس صحته، وهو حسن. انتهى ما في المسالك 1. وما ذكره في اختصاص ما استوفى كل واحد منهما بنفسه احتيال جيد، وإن لم يكن له دخل فيما هو محل البحث، أي صحة تقسيم الدين. فرع: الدين المؤجل بعد حلول أجله يجوز بيعه على من هو عليه وعلى غيره، لأنه ملك للدائن قابل للنقل بعوض، سواء كان المنقول إليه هو نفس المديون أو غيره. نعم يشترط في صحة بيع الدين أن لا يكون الثمن دينارا، وإلا فباطل من جهة نهيه صلى الله عليه وآله عن بيع الدين بالدين. روى في فروع الكافي والتهذيب عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يباع الدين بالدين 2. وأيضا يشترط أن لا يكون المبيع دينا مؤجلا والثمن أيضا كذلك، فإنه يكون

 

(هامش)

 

(1) مسالك الإفهام ج 1 ص 177. حكى عن الدروس الدروس ج 3 ص 314. (2) الكافي ج 5 ص 100 باب بيع الدين ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 189 ح 400، في الديون و أحكامها ح 25 وسائل الشيعة ج 13 ص 99 أبواب الدين والقرض باب 15 ح 1. (*)

 

من بيع الكالي بالكالي الباطل. وأما لو كان الدين حالا، أو كان الثمن نقدا فل إشكال فيه، وما ذهب إليه ابن إدريس 1 من بطلان بيع الدين مطلقا على غير من هو عليه لادليل عليه. وخلاصة الكلام: أن بيع الدين على من هو عليه، أو على غير من هو عليه في حد نفسه لاإشكال فيه، إلا أن يستلزم البطلان من جهة أخرى، مثل أن يصير ربويا، أو يكون من قبيل الكالي بالكالي المنهيان، أو يكون من بيع الدين بالدين الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلا بحسب القواعد لا مانع منه. هذا كله في الدين الحال الذي حل أجله، أو لم يكن مؤجلا من الأصل، وأما المؤجل الذي لم يحل أجله ففيه قولان، والظاهر فيه الجواز، لعدم مانع في البين. نعم لا يجوز للمشتري مطالبته قبل حلول أجله، لان المفروض أنه اشترى المؤجل فلا يملكه إلا مؤجلا. وحال المشتري بعد الشراء يصير حال البائع، فكما أن البائع لم يكن له المطالبة قبل حلول الأجل، فكذلك المشتري الذي تلقى الملك منه. نعم لو اشترى المشتري نسيئة يأتي إشكال الكالي بالكالي، ولو اشترى بالدين يأتي إشكال بيع الدين بالدين، أي نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عنه. وأما لو اشترى بالثمن النقد فلا إشكال فيه أصلا. ثم إنه لا يخفى أن ظاهر قوله إنه لا يجوز بيع الدين بالدين 2، هو أن يكون كلاهما - أي الثمن والمثمن - مؤجلين، وإلا لو كان أحدهما أو كلاهما حالين فلا يشمله الحديث الشريف. هكذا قال بعضهم، ولكنه لا يخلو من نظر بل من إشكال.

 

(هامش)

 

(1) السرائر ج 2 ص 38. (2) الكافي ج 5 ص 100 باب بيع الدين، ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 189 ح 400، في الديون وأحكامها، ح 25، وسائل الشيعة ج 13 ص 99، أبواب الدين والقرض، باب 15 ح 1. (*)

 

فرع: قال في التذكرة: لو استدانت الزوجة النفقة الواجبة وجب على الزوج دفع عوضه، لأنه في الحقيقة دين عليه 1، فإذا كانت النفقة دينا عليه فكأنه هو بنفسه استدان، فيجب أداء دينه. أما كونه دينا عليه فمن جهة أن نفقة الزوجة ليس من قبيل نفقة الاقارب كي يكون حكما تكليفيا فقط، فإذا عصى ولم يعط أو صار القريب الواجب النفقة ضيفا لا يبقى ذمته مشغولة له بمقدار نفقته، بخلاف الزوجة فإنها تملك على عهدة الزوج مقدار نفقتها صرفت أو لم تصرف. هذا، مظافا إلى ما رواه السكوني عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: المرأة تستدين على زوجها وهو غائب، فقال: يقضي عنها ما استدانت بالمعروف 2. فرع: ويجب الغرم على قضاء الدين، ويدل عليه النص والإجماع: أما النص فلقوله عليه السلام في رواية عبد الغفار الجازي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل مات وعليه دين؟ قال: إن كان أتى على يديه من غير فساد له يؤأخذه الله إذا علم من نيته إلا من كان لا يريد أن يؤدي عن أمانته فهو بمنزلة السارق 3. ولما رواه ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من استدان

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 3. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 194 ح 426، في الديون وأحكامها، ح 51. (3) الكافي ج 5 ص 99 باب الرجل يأخذ الدين وهو لا ينوي قضاءه، ح 1، تهذيب الأحكام ج 6، ص 191، ح 411، في الديون وأحكامها، ح 36، وسائل الشيعة ج 13 ص 85، أبواب الدين والقرض، باب 5، ح 1. (*)

 

دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق 1. ولما رواه أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا وفي نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي 2. وأما الإجماع فلم يخالف أحد فيه، بل حكي عن المسالك أن ذلك من أحكام الإيمان 3. فرع: المعسر - أي الذي لا يتمكن من أداء الدين إلا ببيع حوائجه الضرورية، من مسكنه وملبسه وسائر حوائجه التي يحتاج إليها في معيشته، وبعبارة أخرى التي هي من مستثنيات الدين - لا يحل مطالبته ولاحبسه، ويجوز له إنكار الدين بل الحلف على العدم إن خشي الحبس مع الاعتراف، ولكن يجب عليه أن يوري وينوي القضاء مع المكنة. وهذه الأمور التي ذكرناها إجماعية، مضافا إلى ورود روايات في بعضها. أم وجوب التورية فللاحتراز عن الكذب المحرم. أما جواز الحلف على العدم فهو لدفع الضرر عن نفسه، وقد أجيز في الشرع ما هو أعظم من الحلف الكاذب لدفع الضرر، خصوصا إذا كان مع التورية، فإنه حينئذ ليس بكاذب، غاية الأمر أنه أخفى الواقع الذي أراد. وهذا ليس فيه كثير مفسدة إذا كان لمصلحة.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 99 باب الرجل يأخذ الدين وهو لا ينوى قضاءه، ح 2، وسائل الشيعة ج 13 ص 86 أبواب الدين والقرض، باب 5 ح 2. (2) الفقيه ج 3 ص 183، ح 3689، كتاب المعيشة، الدين والقرض، ح 11، وسائل الشيعة ج 13 ص 86 أبواب الدين والقرض باب 5 ح 5. (3) مسالك الإفهام ج 1 ص 177. (*)

 

فرع: ويجب على المديون السعي في أداء دينه إن كان حالا، أو بعد حلوله إن كان مؤجل وطولب. والوجه واضح، لان ذمته مشغولة بحق الغير فيجب عليه تفريغ ذمته وأداء حق الغير عقلا وشرعا. وإذا توقف الأداء على التكسب اللائق بحاله يجب عليه، كما صرح به جمع من أعاظم الفقهاء ويظهر أيضا من كلام بعض آخر. وأنكر وجوب التكسب بعض آخر كم حكي عن الإرشاد 1 وغاية المرام 2 والكفاية 3، ولكن الظاهر وجوبه لمن شغله التكسب. وليس فيه تكلف كثير، خصوصا إذا كان من أرباب الصنائع وعليه دين و كبر ويعطي مصارفه ابنه مثلا، فترك الاشتغال بتلك الصنعة لكبره وعدم احتياجه، فمثل هذا الشخص يجب عليه الاشتغال لأداء دينه. وأما لو كان عالما وفقيها ذاشرف ووجاهة عند الناس، وركب عليه الدين للاحتياج في مصارف عياله، فالقول بوجوب كسبه ولو لم يكن غير لائق بحاله - مثل أن يشتغل بصيرورته أجيرا في أداء العبادات عن الميت مثلا كالصلاة والصوم والحج وغيرها - لا يخلو من نظر وتأمل، لأنه مأمور بأداء دينه إن لم يكن معسرا وقادرا وليس مأمورا بإيجاد القدرة وتحصيلها وجعل نفسه موسرا، إلا أن يكون التكسب له من الطرق العقلائية المتعارفة لأداء ديونه، فحينئذ الدليل على وجوب السعي في قضاء الدين يكون دليلا على تكسبه. والقدر المتيقن لمورد وجوب التكسب لمن ليس مشغولا به فعلا هو الذي كان

 

(هامش)

 

(1) إرشاد الاذهان ج 1 ص 400. (2) حكى قول غاية المرام في مفتاح الكرامة ج 5 ص 6. (3) كفاية الأحكام ص 111. (*)

 

كاسبا وترك الكسب لكبر أو لضعف ولكن ليس عاجزا عنه، بل تركه لأجل تحمل الغير مصارفه وعدم احتياجه إلى الشغل. وعلى كل حال يجب على المديون عند حلول الدين ومطالبة الدائن السعي في أداء دينه بكل وسيلة يمكنه وقادر عليها، ما لم يصل إلى حد العسر والتكلف الكثير، وما لم يصل إلى وقوعه في شدة وحزازة ومنقصة. ومن هاهنا استثنى الفقهاء عن لزوم بيع ما عنده من الامتعة والأراضي والعقار وكل شيء يمكن بيعه أداء دينه أشياء سموها بمستثنيات الدين، كالدار التي يسكنها، أو الملابس التي يلبسها، وغير ذلك مما هو من هذا القبيل. وفي خصوص الدار التي يسكنها وردت روايات تدل على أنها لاتباع للدين، ولكن يظهر من التعليمات الواردة فيها أن عدم جواز بيعها ليس لخصوصية فيها، بل من جهة أنه لا يبقى بلا مأوى وأن الإنسان لا يمكن أن يعيش بغير مأوى، ولذا عبر عليه السلام عن الدار بظل رأسه، وكرر هذا القول أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه 1، فالمقصود من هذه الروايات أن لا يضيق الدائن على المديون بحيث يقع في شدة أو حزازة أو ذلة ومنقصة. وبناء على هذا لا اختصاص في المستثنيات بالدار التي يسكن فيها، والجارية التي تخدمه، والدابة التي يركبها، بل يشمل جميع م يحتاج إليها في معيشته من الالبسة الشتوية في الشتاء، والصيفية في الصيف، وآلات الطبخ وأدواته، والظروف التي يحتاج إليها، والاغطية والفرش والبسط وأدوات الشاي كالقوري والاستكان والنعلبكي والكتلي أو السماور لنفسه أو لاضيافه، بل الكتب العلمية اللائقة بحاله أو اللازمة لتدريسه أو لقراءته في طلب العلم، خصوصا الكتب الدينية ككتب الفقه

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 97 باب قضاء الدين، ح 8 وج 5 ص 237 باب الرهن ح 21، تهذيب الأحكام ج 6 ص 187 ح 390، في الديون وأحكامها ح 15، وج 7 ص 170 ح 754 في الرهون ح 11، وسائل الشيعة ج 13 ص 94 و 95 أبواب الدين والقرض باب 11 ح 3 و 4. (*)

 

والحديث والتفاسير، وككتب الكلام التي صنفت للجواب عن شبهات المستشكلين وللهداية والإرشاد إلى طريق الصواب والحق. فبناء على هذا لو كان عنده بقدر احتياجه من الكتب الوقفية التي هو من الموقوف عليهم، وعنده من الكتب القيمة التي ملكها، لا بأس بأن يقال: يجب عليه بيع ما يملك منها ورفع احتياجه بالكتب الموقوفة، وكذلك الأمر في دار سكناه لو كان له دار وقف يمكن أن يسكن فيها بلامزاحمة أحد له، فيجب عليه أن يبيع م هو ملك له ويؤدي به دينه، فإذا راجعت الأخبار ترى أنه عليه السلام بصدد بيان عدم جواز التضيق والتشديد على المديون. وأما الروايات الواردة: فمنها: ما في الكافي والعلل والتهذيب والإستبصار عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لاتباع الدار ولا الجارية في الدين، ذلك أنه لابد للرجل من ظل يسكنه، وخادم يخدمه 1. ومنها: ما في الكافي والفقيه والتهذيب عن بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن علي دينا - وأظنه قال: لايتام - وأخاف إن بعت ضيعتي بقيت ومالي شيء؟ فقال: لاتبع ضيعتك ولكن اعطه بعضا وأمسك بعض 2. ومنها: ما في الكافي والتهذيب والإستبصار عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لي على رجل دينا، وقد أراد أن يبيع

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 96، باب قضاء الدين ح 3 تهذيب الأحكام ج 6 ص 186 ح 3 87، في الديون و أحكامها ح 12 الاستبصار ج 3 ص 6 ح 12، كتاب الديون، باب أنه لاتباع الدار ولا الجارية في الدين، ح 1 وسائل الشيعة ج 13 ص 94، أبواب الدين والقرض باب 11 ح 1. (2) الكافي ج 5 ص 96 باب قضاء الدين ح 4، الفقيه ج 3 ص 184 ح 3693 الدين والقرض ح 15 تهذيب الأحكام ج 6 ص 186 ح 388 في الديون وأحكامها ح 13، وسائل الشيعة ج 13 ص 94، أبواب الدين والقرض باب 11 ح 2. (*)

 

داره فيقضيني قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه 1. ومنها: ما في الكافي والتهذيب عن إبراهيم بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت رجل لي عليه دراهم وكانت داره رهنا فأردت أن أبيعها؟ قال: أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه 2. ومنها ما في الفقيه والتهذيب عن محمد بن أبي عمير، قال حدثني ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين أرفعها، فلا حاجة لي فيها وإني لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم وم يدخل ملكي منها درهم واحد 3. وغيرها من الروايات المعتبرة. فقوله عليه السلام في رواية الحلبي: لاتباع الدار ولا الجارية للدين، ذلك أنه لابد للرجل من ظل يسكنه وخادم يخدمه بيان أن ما يحتاجه في معيشته لا يباع في الدين. وهذا التعليل عام ليس منحصرا بالدار والخادم، بل الاحتياج إلى كثير من الأشياء أزيد وأشد من الاحتياج إلى الخادم، فإن الإنسان يمكن أن يخدم نفسه، أو تخدمه زوجته، أو أحد أقربائه ولكن بدون الكتاب لا يمكن أن يستنبط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 97 باب قضاء الدين ح 8، تهذيب الأحكام ج 6 ص 187 ح 390 في الديون و أحكامها ح 15، الاستبصار ج 3 ص 6 ح 13 كتاب الديون، باب أنه لاتباع الدار ولا الجارية في الدين، ح 2 وسائل الشيعة ج 13 ص 94 أبواب الدين والقرض باب 11 ح 3. (2) الكافي ج 5 ص 237 باب الرهن ح 21، تهذيب الأحكام ج 7 ص 170 ح 754، في الرهون، ح 11 وسائل الشيعة ج 13 ص 95 أبواب الدين والقرض باب 11 ح 4. (3) الفقيه ج 3 ص 190 ح 3715، الدين والقرض ح 37، تهذيب الأحكام ج 6 ص 198 ح 441 في الديون وأحكامها ح 66، وسائل الشيعة ج 13 ص 95 أبواب الدين والقرض باب 11 ح 5. (*)

 

نعم لوازم الحياة والمعيشة لها درجات متفاوتة، والمستثنى منها ما هو لائق ومناسب لحال هذا الشخص في حال إفلاسه لا في حال ثرائه، وذلك لان المناسب واللائق بحاله بحسب الحوادث الواردة عليه والاحوال الطارئة له تختلف جدا، فالشخص الواحد في حال ثرائه وسعة غنائه يختلف مع نفسه في حال إفلاسه من حيث سعة الدار وضيقها، ومن حيث امتعة الدار وفرشه ووسائله وبسطه وظروفه وأكله وشربه وألبسته وألبسة أهله وخدامه ومركوبه وكتبه العلمية وقرآنه وكتب أدعيته وأغطيته وآلات طبخه وحمامه. وخلاصة الكلام: أن التاجر الذي يقدر ثروته بالملايين أو البلايين في حال الثروة والرخاء، له شأن من جميع هذه الجهات التي ذكرناها ليس له ذلك الشأن في حال انكساره وإفلاسه، فلابد من مراعاة هذه الجهة في مقام الاستثناء. فرع: لو كان ما يلزم أن يباع من أمواله لأجل أداء دينه لايشترونه إلا بأقل من قيمته كثيرا، ويرجى ترقيه ووصوله إلى ما هو المتعارف من قيمته، فلا بأس بأن يقال بإبقائه إلى أن يصل إلى قيمته المتعارفة، خصوصا إذا كان بيعه بتلك القيمة النازلة يعد عند العرف تضييعا للمال. فرع: صحة بيع شيء متوقف على كون ذلك الشيء ملكا للبائع، أو كان البائع مأذونا من قبل المالك بأن يكون وكيلا عنه، أو وليا عليه، أو كان مأذونا من قبل المولى عليه كما إذا كان مأذونا من قبل الحاكم الشرعي، أو صدر إذن من قبل الله جل جلاله، كل ذلك لأنه لأبيع إلا في ملك. فبناء على هذا المستحق للخمس والزكاة لا يصح بيع حصته من الخمس والزكاة قبل أن يقبض، لتوقف ملكه على القبض كما في السرائر والتذكرة والتحرير

 

والدروس وجامع المقاصد 1. وكذلك أرزاق السلطان لا يجوز بيعها قبل أن يقبضها، لتوقف الملك على القبض كما في المقنعة والنهاية والوسيلة والسرائر والتذكرة والتحرير والدروس وجامع المقاصد 2. فرع: ما قلنا إن دار المديون من مستثنيات الدين، هذا فيم إذا كان المديون حيا، وأما إذا مات فيجب بيعه لأداء دينه وإن كان ذاعيال وأطفال ليس لهم مأوى غير ذلك المنزل، لان الدار لا تنتقل إليهم أصلا كما هو أحد القولين في الدين المستوعب، أو ينتقل متعلقا لحق الغير. فعلى كل حال أداء الدين يقدم ولا يبقى للورثة طلقا. فرع: ما قلنا في المستثنيات من الدين معناه أنه لا يجبر المديون على البيع للوفاء بالدين، وأما لو باع باختياره لأجل غرض آخر فيجب عليه أداء دينه بم أخذ من قيمتها، وذلك لعدم إتيان التعليل والنص في قيمتها. نعم فيما إذا كان للمديون دار واسعة زائدا على احتياجه أو شأنه، وحكم عليه بالتبديل بدار أخرى ليست بتلك السعة، فإذا باعها لا يؤخذ منه جميع الثمن، بل يبقى عنده مقدار ما يشتري به دار أخرى يليق بحاله ورافع لاحتياجه. والوجه واضح.

 

(هامش)

 

(1) السرائر ج 2 ص 57، تذكرة الفقهاء ج 2 ص 4، تحرير الأحكام ج 1 ص 201، الدروس ج 3 ص 314، جامع المقاصد ج 5 ص 19. (2) المقنعة ص 614، النهاية ص 311، الوسيلة ص 251، السرائر ج 2 ص 56، تذكرة الفقهاء ج 2، ص 4 تحرير الأحكام ج 1 ص 201 الدروس ج 3 ص 314، جامع المقاصد ج 5 ص 9. (*)

 

فرع: من كان عليه دين وغاب عنه صاحب الدين غيبة منقطعة، لاخبر عنه ولا يعرف مكانه، ولا أحد يعرف عنه شيئا، ولا يدري المديون أنه حي أو ميت، ولا يعرف له ولي أو وكيل، يجب على المديون أن يبقى ناويا قضاء ذلك الدين بأحد الوجوه الشرعية التي سنذكره. وهذا الحكم إجماعي، مضافا إلى حكم العقل بوجوب تفريغ ذمته بالأداء إليه، أو إلى من هو في حكم الأداء إليه شرعا. ولصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه ولا على ولي له ولا يدري بأي أرض هو؟ قال: لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أن نيته الأداء 1. ولرواية معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كان له على رجل حق، ففقد ولا يدرى أهو حي أم ميت، ولا يعرف له وارث ولانسب ولابلد؟ قال: اطلبه . قال: إن ذلك قد طال، فأصدق به؟ قال: اطلبه 2. ولرواية هشام بن سالم قال: سأل حفص الاعور أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده جالس قال: إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه، وله عندنا دراهم وليس له وارث؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: تدفع إلى المساكين. ثم قال: رأيك فيه . ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد الله عليه السلام: تطلب وارثا، فإن وجدت وارثا وإلا فهو كسبيل مالك. ثم قال: ما عسى أن يصنع بها. ثم قال: توصى بها، فإن جاء طالبها وإلا فهي كسبيل مالك 3.

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 188 ح 395، في الديون وأحكامها، ح 20، وسائل الشيعة ج 13 ص 109، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 22 ح 1. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 188، ح 396، في الديون وأحكامها، ح 21، وسائل الشيعة ج 13 ص 110، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 22 ح 2. (3) تهذيب الأحكام ج 7 ص 177، ح 781 في الرهون، ح 38، وسائل الشيعة ج 13 ص 110 كتاب = (*)

 

وقال الشيخ في النهاية: ومن وجب عليه دين وغاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها، وجب عليه أن ينوي قضاءه ويعزل ماله من ملكه، فإن حضرته الوفاة أوصى به إلى من يثق به، فإن مات من له الدين سلمه إلى ورثته، فإن لم يعرف له وارثا اجتهد في طلبه، فإن لم يظفر به تصدق عنه وليس عليه شيء 1 انتهى. والإنصاف أن عبارة النهاية أجمع عبارة في هذا الباب، فإنها أوفق بالقواعد الكلية وما ورد في هذه المسألة من الروايات. وأما قوله عليه السلام في رواية هشام بن سالم بعد سؤال حفص الاعور وتكراره السؤال ثلاث مرات وإلا فهو كسبيل مالك حيث علق هذا الحكم على عدم وجدان الوارث، وجعل عدم الوجدان بعد الطلب أمارة على عدمه واقعا، ومعلوم أن في فرض عدمه واقعا يكون للإمام عليه السلام، وليس من مجهول المالك كي يكون حكمه التصديق، فكأنه عليه السلام حيث أنه في تلك الصورة ملكه وهبه له وقال: وإلا فهو كسبيل مالك ثم قال ثاني: توصى بها فإن جاء طالبها وإلا فهي كسبيل مالك أي وهبهاله. وأما القول بالعزل عن ملكه من جهة التحفظ على الدين، لان الأهل والاقارب كلهم يعرفون بأن هذا المال ليس لمورثهم بل للدائن الغائب، فيكون أبعد عن الضياع والتلف، وإلا فليس على وجوب العزل دليل. وأما وجوب التسليم إلى الحاكم فلا وجه له، من جهة أنه على تقدير موت الدائن الغائب وعدم وارث له يكون للإمام عليه السلام، فيكون مصرفه مصرف سهم الإمام فيصرفه فيه، غاية الأمر بإذن المجتهد. وأما لو لم يعلم بأن له وارثا أم لا، فإن قلنا في مورد عدم العلم بالوارث

 

(هامش)

 

= التجارة، أبواب الدين والقرض، باب 22 ح 3. (1) النهاية ص 307. (*)

 

خصوصا بعد الطلب أيضا له عليه السلام فيكون مصرفه مصرف سهم الإمام، وأما لو لم نقل بذلك - كما هو الظاهر من الأدلة- فيجب الطلب إلا مع اليأس، فحينئذ يكون من مجهول المالك الذي يجب التصدق به عن قبل صاحبه مع الضمان أو بدونه على القولين في المسألة. فرع: الدين المؤجل يحل بالموت. وهذا الحكم مخصوص بما إذا كان الميت مديونا، وأما إذا كان دائنا فلا. وبعبارة أخرى، موت من عليه الدين المؤجل موجب لحلول دينه لا موت الدائن، فلو مات زيد وكان عليه دين مؤجل يجب أن يؤدي بعد سنة مثلا، يحل ويؤخذ من تركته حال موته كسائر ديونه المعجلة، وأما لو كان زيد المفروض مثلا له دين على عمرو عليه أن يؤدي لزيد بعد سنة فمات زيد، فلا يحل ذلك الدين، بل على عمرو أن يؤدي لزيد بعد سنة فمات زيد، فلا يحل ذلك الدين، بل على عمرو أن يودي لورثة زيد بعد حلول أجله، أي بعد سنة من مضي موت زيد في المفروض. ولعل السر في ذلك أن الميت لا تبقى له ذمة، فإذا مات فلابد إما من القول بسقوط الدين - وهو لاوجه له قطعا - وإما أن نقول باشتغال ذمة الورثة، بأن يكون عليهم أن يؤدوا في المفروض بعد سنة، وهذا معناه اشتغال ذمتهم بلا سبب ويكون ظلما وتعديا عليهم، خصوصا إذا لم يكن له مال بإزائه. وإما أن يقال بأنه يصير حالا ويؤخذ من تركته فعلا، وإلا فالشقان الآخران - أي بقاء التركة بلا تقسيم - ضرر على الورثة، والتقسيم فعلا وعدم الانتظار لحلول الدين موجب لضرر الدائن وضياع الدين، فلابد من القول بحلول الدين والأخذ من التركة فعلا، وهو المطلوب. وأما هذا الوجه والتعليل فلا يأتي في موت الدائن بالنسبة إلى الدين المؤجل،

 

لان الدائن إذا مات ينتقل إليهم الدين المؤجل، فيكون حالهم حال مورثهم يستوفون بعد حلول أجل الدين، ولا يلزم محذور في البين. ولعل هذا هو الوجه في تفصيلهم في حلول الدين المؤجل بين موت المديون وموت الدائن، وإلا فالأخبار الواردة في هذا الباب لم تفرق بين أن يكون الميت له الدين أو عليه الدين، بل مفادها صيرورة الدين حال بالموت مطلقا، كان الدين له أو عليه. منها: ما رواه أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام، إذا مات الرجل حل ماله و ما عليه من الدين 1. ومنها: ما رواه حسين بن سعيد قال، سألته عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى، ثم مات المستقرض أيحل مال القارض عند موت المستقرض منه أو للورثة من الأجل مثل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض 2. ومنها: ما رواه السكوني عن جعفر، عن أبيه عليهم السلام أنه قال: إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حل الدين 3. ومنه: عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهم السلام مثله 4.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 99 باب أنه إذا مات الرجل حل دينه، ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 190 ح 407، في الديون وأحكامها، ح 32، وسائل الشيعة ج 13 ص 97، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض، باب 12 ح 1. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 190 ح 409، في الديون وأحكامها، ح 34، وسائل الشيعة ج 13 ص 97 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 12 ح 2. (3) الفقيه ج 3 ص 188 ح 3709 الدين والقرض ح 31 تهذيب الأحكام ج 6 ص 190 ح 408، في الديون وأحكامها، ح 33 وسائل الشيعة ج 13 ص 97، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 12 ح 3،. (4) الفقيه ج 3 ص 188 ح 3709، الدين والقرض ح 31 تهذيب الأحكام ج 6 ص 190، ح 480، في = (*)

 

ومنها: مرسلة الصدوق قال: وقال الصادق عليه السلام: إذا مات الميت حل ماله وم عليه 1. فمقتضى رواية أبي بصير ومرسلة الصدوق عدم الفرق في حلول الدين المؤجل بالموت بين أن يكون الدين له أو عليه، ولكن الفقهاء فرقوا. قال شيخنا الشهيد في الدروس: تحل الديون المؤجلة بموت الغريم، ولو مات المدين لم يحل إلا على رواية أبي بصير واختاره الشيخ والقاضي والحلبي 2. وفي هامش الوافي: إذا مات المديون حل عليه بلا إشكال 3. وليس أخبار هذا الكتاب منقحة من جهة الإسناد، وإذا مات الدائن لم يحل ماله بل يجب على الورثة الصبر إلى الأجل. وقال بعض علمائنا يحل كما في هذه الرواية وهي مرسلة. وروى في المختلف عن السيد المرتضى قدس سره في المسألة الأولى - أعني موت المديون أيضا - أنه قال: لاأعرف إلى الان لاصحابنا نصا معينا فأحكيه، وفقهاء الامصار كلهم يذهبون إلى أن الدين المؤجل يصير حالا بموت من عليه الدين، ويقوى في نفسي ما ذهب إليه الفقهاء انتهى 4. وخلاصة الكلام: أنه ليس على أنه بموت الدائن أيضا يصير الدين المؤجل معجلا، إلا رواية أبي بصير ومرسلة الصدوق.

 

(هامش)

 

= الديون وأحكامها، ح 33، وسائل الشيعة ج 13 ص 97، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض، باب 12 ح 3. (1) الفقيه ج 3 ص 189 ح 3710، الداين والقرض، ح 32 وسائل الشيعة ج 13 ص 97، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض باب 12 ح 4. (2) الدروس ج 3 ص 313 الدين في المؤجل وأحكامه، الشيخ في النهاية ص 310 كتاب الديون، باب قضاء الدين عن الميت، القاضي، نقله عنه في مختلف الشيعة ج 5 ص 400 كتاب الديون، مسألة 16، الحلبي في الكافي في الفقه ص 333 القرض والدين. (3) الوافي ج 18 ص 807 باب أنه إذا مات الرجل حل دينه، هامش (3). (4) مختلف الشيعة ج 5 ص 400 كتاب الديون مسألة 16 المسائل الناصرية ضمن الجوامع الفقهية ص 260 و 261، المسألة: 201. (*)

 

وأما المرسلة فمن المحتمل القريب أن تكون هي رواية أبي بصير أرسلها الصدوق قدس سره، وأما رواية أبي بصير فتسقط عن الحجية بإعراض المشهور عنها، بل ادعي الإجماع على خلافها. وعلى كل حال يجب أن يفرق بين أن يكون الميت هو المديون فيحل الدين بموته، وبين أن يكون هو الدائن فلا يحل، وبناء على هذا لو كان صداق الزوجة مؤجلا فمات الزوج يحل الدين ويؤخذ حال الموت عن التركة، ولو ماتت الزوجة ليس لورثتها مطالبة الصداق فعلا، بل لابد لهم الصبر إلى حلول الأجل الذي عيناه للصداق، وليس لهم حق المطالبة قبل ذلك. فرع: لا يجوز تأجيل الدين الحال بزيادة، وأيضا لا يجوز زيادة أجل المؤجل بزيادة، للزوم الربا، ولكن يمكن تصحيحه بشكل لا يلزم منه الربا، وهو أن يبيع المديون ما يساوي عشرين بعشرة، ويشترط عليه في ضمن هذا العقد تأخير الدين وأن ل يطالبه قبل يوم كذا، فبهذه الحلية الشرعية تحصل النتيجة وما يريد، وهو تأجيل الدين للحال، أو الزيادة في أجل المؤجل. ويمكن أيضا تحصيل هذه النتيجة بأن يبيع الدائن م يساوي عشرة بعشرين للمديون على أن يلتزم في ضمن هذه المعاملة ويشترط على نفسه تأخير المطالبة إلى زمان كذا. فتحصل النتيجة وهو تأجيل الحال أو الزيادة في أجل المؤجل من دون لزوم ربا في البين. فرع: ثمن كفن الميت مقدم على دينه، أي إذا مات ولم يكن تركته بمقدار كفنه ودينه بل يفي باحدهما، فالكفن مقدم على أداء الدين، لما رواه إسماعيل ابن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أول ما يبدأ به من

 

المال الكفن، ثم الدين، ثم الوصية، ثم الميراث 1. ولما روى زرارة قال: سألت أب عبد الله عليه السلام عن رجل مات وعليه دين بقدر كفنه؟ قال: يكفن بما ترك إلا أن يتجر عليه إنسان فيكفنه ويقضي بما ترك دينه 2. فرع: المشهور كراهة نزول صاحب الدين على المديون، وادعى في الغنية 3 الإجماع عليه، وقد صرح بالكراهة في القواعد والنهاية والتذكرة والسرائر 4، وقال في القواعد: فإن فعل فلا يقيم أكثر من ثلاثة أيام 5، وحكى ذلك أيضا عن النهاية والسرائر وجامع الشرائع والتذكرة والتحرير والدروس وجامع المقاصد والمفاتيح 6، لما رواه سماعة قال: سألته عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه دين أيأكل من طعامه؟ قال: نعم يأكل من طعامه ثلاثة أيام، ثم ل يأكل بعد ذلك شيئ 7. والنهي عن الأكل بعد ثلاثة أيام محمول على الكراهة الشديدة، وقال في القواعد بعد قوله فلا يقيم أكثر من ثلاثة أيام : وينبغي احتساب ما يهديه إليه مما

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 188 ح 398، في الديون وأحكامها، ح 23، وسائل الشيعة ج 13 ص 98 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 13 ح 2. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 187، ح 391 في الديون وأحكامها ح 16، وسائل الشيعة ج 13 ص 98 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 13 ح 1. (3) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 529 كتاب البيع، في القرض. (4) قواعد الأحكام ج 1، ص 155 النهاية ص 305، تذكرة الفقهاء ج 2 ص 2 السرائر ج 2 ص 31 (5) قواعد الأحكام ج 1 ص 155. (6) النهاية ص 305 السرائر ج 2 ص 31 جامع الشرائع ص 283، تذكرة الفقهاء ج 2 ص 2 تحرير الأحكام ج 1 ص 199 الدروس ج 3 ص 310 جامع المقاصد ج 5 ص 9 مفاتيح الشرائع ج 3 ص 134. (7) الكافي ج 5 ص 102 باب النزول على الغريم ح 2 الفقيه ج 3 ص 188 ح 3705 الدين والقرض، ح 27 تهذيب الأحكام ج 6 ص 204 ح 463 في القرض وأحكامه ح 17 وسائل الشيعة ج 13 ص 102 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 18 ح 3. (*)

 

لاتجر له به عادة من الدين 1، لما رواه غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا أتى عليا عليه السلام فقال: إن لي على رجل دينا فأهدى إلي هدية. فقال: احسبه من دينك عليه 2. وهاهنا تفصيل حسن عن الباقر عليه السلام، رواه هذيل بن حيان - أخي جعفر بن حيان الصيرفي - قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام إني دفعت إلى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما أنفق وأحج منه وأتصدق، وقد سألت من قبلن فذكروا أن ذلك فاسد لا يحل وأنا أحب أن انتهي إلى قولك؟ فقال لي: أكان يصلك قبل أن تدفع إليه مالك؟ قلت: نعم. قال: خذ منه ما يعطيك فكل منه واشرب وحج وتصدق، فإذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمد عليه السلام أفتاني بهذ 3. والظاهر أن م حكينا عن القواعد من قوله مما لاتجر له به عادة فيه إشارة إلى هذا المعنى، أي الفرق بين الهدايا التي كانت العادة جارية بها ولو لم يكن دين في البين، وبين ما لم تكن العادة جارية بها قبلا وقد أتى بها من قبل الدين. ونظير هذه الهدايا التي تعطى للحاكم، فإن كانت مما كانت العادة جارية بها قبل أن يتصدى للحكم، أو قبل أن يكون للمهدي دعوى مع أحد كي يحتاج إلى المراجعة إلى الحاكم، أو بعد أحدهما، ففي الأول لاإشكال، ولكن في الثاني الإنصاف أنه مورد التهمة.

 

(هامش)

 

(1) قواعد الأحكام ج 1 ص 155 كتاب الدين المطلب الأول. (2) الكافي ج 5 ص 103 باب هدية الغريم، ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 190 ح 404 في الديون و أحكامها، ح 29 الاستبصار ج 3 ص 9 ح 23 باب القرض لجر المنفعة، ح 3 وسائل الشيعة ج 13، ص 103 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 1. (3) الكافي ج 5 ص 103 باب هدية الغريم ح 2 الفقيه ج 3 ص 187 ح 3704 الدين والقرض ح 26 تهذيب الأحكام ج 6 ص 202 ح 454 في القرض وأحكامه ح 8 الاستبصار ج 3 ص 10 ح 25 باب القرض لجر المنفعة، ح 5 وسائل الشيعة ج 13 ص 103 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 2. (*)

 

فرع: يكره لمن يستقضي دينه المبالغة في الاستقضاء، لما رواه حماد بن عثمان، قال: دخل رجل على أبي عبد الله عليه السلام، فشكى إليه رجلا من أصحابه فلم يلبث أن جاء المشكو، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك؟ فقال: يشكوني أني استقضيت منه حقي. قال فجلس أبو عبد الله عليه السلام مغضبا ثم قال: كأنك إذ استقضيت حقك لم تسئ، أرأيتك ما حكى الله عز وجل فقال: (ويخافون سوء الحساب) 1. أترى أنهم خافوا الله أن يجوز عليهم، والله ما خافوا إلا الاستقضاء، فسماه الله عز وجل سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء 2. فرع: قال في القواعد: ولو التجأ المديون إلى الحرم لم تجز مطالبته 3. والظاهر من هذه العبارة هو أن المديون لو تحصن بالحرم لكي لا يؤخذ منه الدين بالقوة لا يجوز مطالبته والتضييق عليه كما في التذكرة والسرائر وجامع المقاصد والتحرير والدروس 4. وقال في النهاية: إذا رأى صاحب الدين المديون في الحرم لم تجز مطالبته ولا ملازمته 5. وحكي أيضا ذلك عن علي بن بابويه قال: إذا كان لك على رجل حق فوجدته بمكة أو في الحرم فلا تطالبه ولاتسلم عليه فتفزعه، إلا أن تكون أعطيته

 

(هامش)

 

(1) الرعد 13: 21. (2) الكافي ج 5 ص 100 باب في آداب اقتضاء الدين ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 194 ح 425، في الديون وأحكامها، ح 50 وسائل الشيعة ج 13 ص 100 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض، باب 16 ح 1. (3) قواعد الأحكام ج 1 ص 155. (4) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 2 السرائر ج 2 ص 31 جامع المقاصد ج 5 ص 10 تحرير الأحكام ج 1 ص 199 الدروس ج 3 ص 311. (5) النهاية ص 305. (*)

 

حقك في الحرم فلا بأس أن تطالبه في الحرم 1. ومدرك هذه المسألة ما رواه سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقاضاه؟ قال: قال: لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم 2. ولكن ظاهر رواية سماعة هو تحريم المطالبة والملازمة، لان النهي ظاهر في التحريم. نعم لو كان في المسألة إجماع على عدم التحريم فلابد حينئذ من الحمل على الكراهة. وأما التفصيل الذي حكي عن ابن بابويه بين أن يكون الدائن أعطاه في الحرم فيجوز المطالبة عنه إن لم يكن معسرا وكان موسرا مليا، وبين أن يكون وقع في خارج الحرم فالتجأ إلى الحرم لأجل الفرار عن الأداء، ففي الأول يجوز المطالبة، ولا يجوز في الثاني. فهذه الفتوى من ابن بابويه عين ما في الفقه الرضوي 3، فهو مأخوذ من ذلك، والصدوقان اعتمدا عليه وكثيرا ما يفتون بعين عبارة ذلك الكتاب، وهذا أحد الوجوه التي أوجب الاعتماد على ذلك الكتاب، حيث أن هذين العظيمين عملا به. وعلى أي حال فتوى الشيخ بالحرمة في النهاية ليست مستندة إلى الفقه الرضوي كي يكون فيه هذ التفصيل، بل الظاهر أن مدركه رواية سماعة حيث أنه عليه السلام نهى عن المطالبة في الحرم. ويمكن أن يكون من الأحكام الخاصة بالحرم. وما ذهب إليه الشيخ في النهاية من تحريم مطالبة الدين في الحرم 4 صرح به

 

(هامش)

 

(1) حكاه عنه في مختلف الشيعة ج 5 ص 387 كتاب الديون وتوابعها، مسألة: 4. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 194 ح 423، في الديون وأحكامها ح 48 وسائل الشيعة ج 13 ص 115 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 26 ح 1. (3) فقه الرضا عليه السلام ص 253، 36 باب التجارات والبيوع والمكاسب. (4) النهاية ص 305. (*)

 

ابن إدريس في السرائر وأبو الصلاح 1 إلا أنهما أضافا إلى الحرم مسجد النبي صلى الله عليه وآله ومشاهد الأئمة عليهم السلام، فقول العلامة 2 بالكراهة خلاف الظاهر ل يصار إليه إلا بقرينة أو إجماع على عدم الحرمة، وكلاهما مفقودان في المقام. فالإنصاف أن الأحوط - لو لم نقل بأنه الأقوى - هو ترك المطالبة والملازمة في الحرم مطلقا. ولا غرو في ذلك، فإن للحرم أحكاما خاصة كثيرة، فتأمل. فرع: لو دفع المديون عروضا عما في ذمته بعد أن حل الدين من غير أن يساعر ذلك المتاع مع الدائن، ثم بعد مضي أشهر أرادا أن يحاسبا ما بينهما وقيمة المتاع تغير بالزيادة أو النقصان من وقت الدفع مع وقت المحاسبة، فهل يحسبه بقيمة يوم الدفع، أو قيمة يوم الحساب؟ الظاهر اعتبار قيمة يوم الدفع، لان المفروض أن دينه حل، وهو - أي المديون - يعطي العروض بعنوان وفاء دينه عوضا عما في ذمته، والدائن يملكه حال القبض بماله المالية عوض عما يطلبه من المديون، فيكون الوفاء وفراغ ذمته باعتبار مالية ذلك الوقت وقيمته في ذلك الزمان. ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب - في الصحيح - عن محمد بن الحسن الصفار، قال: كتبت إليه - الضمير يرجع إلى أبي محمد عليه السلام - في رجل كان له على رجل مال، فلما حل عليه المال أعطاه بها طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم يقاطعه على السعر، فلما كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام أو الزعفران أو القطن أو نقص، بأي السعرين يحسبه لصاحب الدين، سعر يومه الذي أعطاه وحل ماله عليه، أو السعر الذي بعد شهرين أو ثلاثة يوم حاسبه؟ فوقع عليه السلام: ليس له إلا على حسب

 

(هامش)

 

(1) السرائر ج 2 ص 31 الكافي في الفقه ص 331. (2) مختلف الشيعة ج 5 ص 388 كتاب الديون وتوابعها، مسألة: 4. (*)

 

سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء الله قال: وكتبت إليه: الرجل استأجر أجير ليعمل له بناء أو غيره من الأعمال وجعل يعطيه طعاما أو قطنا وغيرهما، ثم تغير الطعام والقطن عن سعره الذي أعطاه إلى نقصان أو زيادة، أيحسب له بسعره يوم أعطاه، أو بسعره يوم حاسبه؟ فوقع عليه السلام: يحسب له سعر يوم شارطه فيه إن شاء الله 1. فرع: لو قتل المديون عمدا وليس له مال يؤدون به دينه، فيعطى دينه من ديته فيم إذا رضي القاتل بإعطاء الدية وصالحه الوارث على أخذ الدية فيؤدي دينه من ديته، لأنه أحق بديته من غيره، لان الدية عوض أعز شيء عنده وهو روحه وحياته. لا كلام في هذ. قال الشيخ في نهايته: لم يكن لأوليائه القود إلا بعد تضمين الدين عن ديانه، فإن لم يفعلوا فليس لهم القتل، لأنه تضييع لحق الميت 2. ونسب هذا القول في الدروس 3 إلى المشهور، ونسب أيضا إلى أبي الصلاح وإلى ابن البراج 4. وخلاصة الكلام: أن قتل العمد ابتداء يوجب حق القصاص لأولياء المقتول، قال الله تبارك وتعالى: (ومن قتل مظلوم فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) 5. ولكن الورثة مخيرون بين القتل وأخذ الدية إن حضر القاتل على أداء الدية،

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 196، ح 432، في الديون وأحكامها ح 57، وسائل الشيعة ج 12 ص 402، كتاب التجارة أبواب أحكام العقود باب 26 ح 5. (2) النهاية ص 309 كتاب الديون باب قضاء الدين عن الميت. (3) الدروس ج 3 ص 313، كتاب الدين، في المؤجل وأحكامه. (4) الكافي في الفقه ص 332 حكى قول ابن البراج العلامة في مختلف الشيعة ج 5 ص 398، الديون، مسألة: 15. (5) الإسراء 17: 33. (*)

 

ولكن في هذا المورد - أي فيما إذا كان المقتول مديونا ولا مال له يفي بدينه - فهل يجوز للورثة اختيار القود لكونهم مخيرون بينه وبين أخذ الدية، أو يتعين أخذ الدية كي يؤدي بها دين الميت؟ والراجح هو تعين أخذ الدية لئلا يضيع حق الميت. ويدل عليه أيضا الرواية الواردة في التهذيب والفقيه عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهبوا أولياؤه دية القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمن الدين للغرماء وإلا فل 1. ورواية صفوان بن يحيى، عن يحيى الارزق، عن أبي الحسن عليه السلام في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا، فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم قلت: وهو لم يترك شيئا. قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه 2. ولكن هذه الرواية الأخيرة - أي رواية صفوان بن يحيى - أشكل على دلالتها على هذه المسألة على محل النزاع، أولا بأنه من المحتمل أن يكون القتل المذكور فيها قتل خطاء، ول خلاف في أنه يعطى دين الميت من ديته، ومحل الكلام هاهنا في أنه في قتل العمد هل يجوز لأولياء الميت القود كي لا تكون دية في البين فيؤدي منها دين الميت، أم ل يجوز بل يتعين عليهم أخذ الدية كي لا يضيع حق الميت. وثانيا: السؤال في هذه الرواية عن أمر واقع، وهو أن الأولياء وأهل الميت المقتول أخذوا الدية فهل عليهم قضاء الدين من تلك الدية أو لا، لان الميت المقتول

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 4 ص 159 و 160 ح 5362 باب الرجل يقتل وعليه دين ح 1 تهذيب الأحكام ج 6، ص 312 ح 861 في باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح 68 وسائل الشيعة ج 13 ص 112، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 24 ح 2. (2) الكافي ج 7 ص 25 كتاب الوصايا باب من أوصى وعليه دين ح 6 تهذيب الأحكام ج 6 ص 192 ح 416 في الديون وأحكامها ح 41 وج 9 ص 167 ح 681 في الإقرار في المرض ح 27 وسائل الشيعة ج 13 ص 111 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 24 ح 1. (*)

 

لم يترك شيئا كي يتعلق به وجوب أداء الدين منه، فأجاب عليه السلام بأن نفس ما أخذو يتعلق به الدين. فالإنصاف: أن هذه الرواية أجنبية عن محل البحث. اللهم إلا أن يقال: إن العدول عن القود إلى أخذ الدية من المقدمات الوجودية للواجب الذي هو أداء الدين، فهذه الرواية تدل بالالتزام على وجوب عدول الأولياء عن القود إلى أخذ الدية وأداء الدين، وهو عين محل النزاع. ولكن فيه: أن وجود المال وأخذ الدية من مقدمات الوجوب لا الوجود، فالواجب بالنسبة إليه مشروط، فتحصيلها ليس واجبا الا أن يأتي دليل على وجوبها، ولا يكون من باب وجوب المقدمة والكلام ومحل البحث الآن وجود ذلك الدليل وعدمه. وعلى كل حال رواية أبي بصير وسائر ما ورد تكفي في محل البحث والنزاع. وأم الإشكال على رواية أبي بصير بضعف السند - كما حكي عن شيخنا الشهيد قدس سره في كتابه نكت الإرشاد 1 - فلا أثر له بعد ما بينا مرارا أن المدار في حجية الأخبار هو الوثوق بصدورها، لا وثاقة الراوي فقط أو عدالته، ولاشك في أن الشهرة العلمية أو الفتوائية خصوصا بين القدماء مما يوجب الوثوق أزيد من وثاقة الراوي، خصوصا إذا كانت الرواية التي عمل بها الأصحاب مروية في أحد الكتب المعتبرة التي هي معتمدة عند الأصحاب، أو كانت في جميعها. وأما الإشكال على هذا الحكم بأن استحقاق الدية بعد موت المقتول عمدا لأنه من قبيل الموضوع لاستحقاق الدية، والميت بعد - تحقق الموت ليس قابلا لان يتملك، والمفروض أن هذا الميت لم يملك شيئا حال حياته ولم يترك شيئا، ووقت استحقاق الدية الذي هو بعد حصول الموت عرفت أنه ليس قابلا للتملك كي يؤدي

 

(هامش)

 

(1) غاية المراد ص 364. (*)

 

منه دينه. ففيه: أنه بعد ما دل الدليل على لزوم أداء دين المقتول عمدا من ديته وأنه ليس للأولياء القود ويجب عليهم أخذ الدية وأن يقضوا ديته منه، لا يبقى مجال لهذ الكلام، لأنه أمر ممكن دل الدليل عليه. وأما ادعاء أنه غير ممكن ومحال فساقط ل ينبغي أن يصغى إليه. أما أولا - فلان الملكية اعتبار عقلائي أمضاها الشارع في موارد كثيرة من موارد اعتبارهم، فلا مانع من اعتبارها للميت. وأما قولهم بأنه بحكم مال الميت في بعض الموارد ولا يقولون أنه ماله، فمن جهة أن الميت لا يمكن أن يتصرف فيه التصرفات المتوقفة على الحياة، فيتوهمون عدم إمكان الملكية لعدم إمكان تلك التصرفات، ومن طرف آخر يرون أن الشارع رتب آثار الملكية للميت فيقولون إنه بحكم مال الميت، وإلا ففي الحقيقة ماله ولكن الشارع نفى عنه بعض آثار الملكية وأثبت بعض الآثار، وله ذلك في عالم التشريع، لان الموضوع من اعتباراته تأسيسا أو إمضاء، والآثار أيضا تشريعية. وثانيا: على فرض عدم إمكان حصول الملكية للميت، أي مانع في أن يحكم الشارع على الأولياء بعدم جواز القود لهم في المفروض، ووجوب أخذ الدية التي تصير ملكهم ثم الإيجاب عليهم أن يقضوا دين ميتهم من تلك الدية، كما هو ظاهر قوله عليه السلام في رواية أبي بصير بل يؤدوا دينه التي صالح عليها أولياءه فإنه أحق بدينه من غيره 1. ثم أن الاستدلال على هذا الحكم بالإجماع كما هو صريح الغنية 2 لا وجه له،

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 4 ص 112 باب القود ومبلغ الدية ح 27 وسائل الشيعة ج 19 ص 92 أبواب القصاص في النفس باب 59 ح 2. (2) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 530. (*)

 

لما عرفت مكررا من أن الاستدلال بالإجماع مع وجود الرواية المعتبرة لا وجه له، وخلاف ما بينا في الاصول في باب حجية الإجماع 1. فظهر مما ذكرنا أن من قتل عمد وعليه دين ولا مال له لا يجوز لأولياء الدم القود أو العفو إلا أن يضمنوا الدين، وإن أخذوا الدية وصالحوا عليها يجب عليهم أن يقضوا دين المقتول مما أخذوا من القاتل بعنوان الدية، لأنه أحق بها من غيره. فرع: قال في الغنية: ويكره استحلاف الغريم المنكر، لان في ذلك تضييعا للحق وتعريضا لليمين الكاذبة، ومتى حلف لم يجز لصاحب الدين إذا ظفر بشيء من ماله أن يأخذ بمقدار حقه، ويجوز له ذلك إذا لم يحلف إلا أن يكون ما ظفر به وديعة عنده، فإنه لا يجوز له أخذ شيء منها بغير إذنه على حال بدليل الإجماع الماضي ذكره، ويخص الوديعة عموم قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدو الأمانات إلى أهلها) 2 و 3. وما ذكره في هذه الأسطر يشتمل على أربع فروع: الأول: كراهة الاستحلاف، لما ذكره من أنه موجب لتضييع الحق والتعريض لليمين الكاذبة، وهو تعليل حسن. الثاني: أن المديون المنكر متى حلف فلا يجوز المقاصة عن ماله لو ظفر به. الثالث: جواز المقاصة لو لم يحلف. الرابع: عدم جواز المقاصة ولو لم يحلف إن كان م ظفر به وديعة المديون عنده.

 

(هامش)

 

(1) منتهى الاصول ج 2 ص 86. (2) النساء 4: 58. (3) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 530. (*)

 

والمهم في المقام - أي في الغريم المنكر لو لم تكن بينة للدائن على الدين وحلف الغريم - هو مسألة عدم جواز المقاصة وأنه أي شيء مدركه؟ فنقول: أولا: دعوى الإجماع المحقق في المسألة من جماعة، ودعوى عدم الخلاف من بعض آخر. الثاني: الروايات الواردة في هذا المقام: منها: رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر لحقه واستحلف فحلف لا حق له عليه وذهبت اليمين بحق المدعي فلا حق له . قلت: وإن كانت له عليه بينة عادلة؟ قال: نعم وإن أقام بعد م استحلفه خمسين قسامة ما كان له، وكان اليمين قد أبطل كل ما ادعاه قبله مما استحلفه عليه 1. ومنها: رواية خضر النخعي، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا، وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه 2. ومنها: رواية عبد الله بن وضاح قال: كان بيني وبين رجل من اليهود معاملة فخانني بألف درهم، فقدمته إلى الوالي فأحلفته فحلف، وقد علمت أنه حلف يمينا

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 7 ص 417 باب أن من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 231 ح 565 في كيفية الحكم والقضاء ح 16 وسائل الشيعة ج 18 ص 178 كتاب القضاء، أبوابه كيفية الحكم وأحكام الدعوى باب 9 ح 1. (2) الكافي ج 7 ص 418 باب أن من رضى باليمين مخلف له...، ح 2 الفقيه ج 3 ص 185 ح 3695. كتاب المعيشة، الدين والقرض ح 17 تهذيب الأحكام ج 6 ص 231 ح 566 في كيفية الحكم و القضاء، ح 17 وسائل الشيعة ج 18 ص 179 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى باب 10 ح 1. (*)

 

فأجرة، فوقع له بعد ذلك عندي أرباح ودراهم كثيرة فأردت أن أقتص الألف درهم التي كانت لي عنده وأحلف عليها، فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبرته أني قد أحلفته فحلف وقد وقع له عندي مال، فإن أمرتني أن أخذ منه الألف درهم التي حلف عليها فعلت. فكتب: لا تأخذ منه شيئا، إن كان ظلمك فلا تظلمه، ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، ولكنك رضيت بيمينه، وقد ذهبت اليمين بما فيها، فلم أخذ منه شيئ وانتهيت إلى كتاب أبي الحسن عليه لسلام 1. ولا شبهة في دلالة هذه الروايات على عدم جواز التقاص بعد استحلاف الدائن غريمه المنكر للدين وهو حلف. وهناك روايات أخرى تدل على جواز التقاص حتى بعد حلف المديون على عدم الدين، ولكنه محمولة على الحلف بدون استحلاف الدائن وبدون رضائه بذلك. نعم وردت روايات تدل على أن الغريم المنكر للدين بعد حلفه على عدم كونه مديونا لو رجع بعد مدة عن إنكاره واعترف بالدين وجاء إلى الدائن وأتى بالدين الذي كان عليه مع ربحه في هذه المدة، فيجوز له أخذ مقدار الدين الذي كان عليه مع نصف أرباحه. منها: ما عن الفقيه بإسناده عن مسمع أبي سيار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت استودعت رجلا مال فجحد دينه وحلف لي عليه، ثم إنه جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي أودعته إياه، فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة ألاف درهم ربحتها فهي لك مع مالك واجعلني في حل. فأخذت منه المال وأبيت أن أخذ الربح منه، ودفعت المال الذي كنت استودعته وأبيت أخذه حتى استطلع رأيك فما ترى؟ فقال عليه السلام: خذ نصف الربح وأعطه النصف وحلله، فإن هذا رجل تائب والله يحب

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 7 ص 430 باب النوادر من كتاب القضاء والأحكام ح 14 تهذيب الأحكام ج 6 ص 289 ح 802 في باب من الزيادات في القضايا والأحكام ح 9 وسائل الشيعة ج 18 ص 180 كتاب القضاء أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى باب 10 ح 2. (*)

 

التوابين 1. ومنها: ما في الفقه الرضوي قال عليه السلام: وإذا أعطيت رجلا مال فجحدك وحلف عليه ثم أتاك بالمال بعد مدة وبما ربح فيه وندم على ما كان منه فخذ منه رأس مالك ونصف الربح ورد عليه نصف الربح، هذا رجل تائب 2. ثم أعلم أن المعاملات التي صدرت من هذا المديون المنكر إما بعين مال صاحب الدين فتكون باطلة وتكون الأرباح لملاكهم الأولية، إلا أن يقال بأن إجازة الدائن يصحح جميع تلك المعاملات، فيكون جميع الربح لهذا الدائن، فيكون رد النصف إلى المديون المنكر عطية وهبة من هذ الدائن إلى ذلك المديون. وإن كانت المعاملات واقعة بما في الذمة، فيكون تمام الأرباح لذلك المديون المنكر، فهو يعطي للدائن إما بداعي أن يحلله عما فرط، وإم بتوهم أن هذه الأرباح لصاحب المال، أي الدائن. وأما كون المعاملات من قبيل المضاربة ويكون نصفه - أي الربح - للعامل ونصفه لصاحب المال، فبعيد، لأنه لا مضاربة في البين، بل المنكر كان يعامل بعنوان أنه ملكه، ولكن وفقه الله للتوبة وإرجاع المال إلى صاحبه. وأما إعطاء الأرباح ورده إليه، فمن جهة تخيل أن الأرباح تابعة للمال، فإذا كان المال لشخص فتكون أرباحه أيضا لذلك الشخص. فلأجل هذا التخيل يأتي بالأرباح إلى الدائن. وإما قوله عليه السلام يأخذ النصف ورد النصف الآخر إلى ذلك المديون المنكر للإرفاق لتوبته فيحلله بالنصف ولا يأخذ التمام منه، فيكون معاملتهما شبيهة

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 3 ص 305 ح 4091 كتاب المعيشة باب الوديعة ح 5 وسائل الشيعة ج 13 ص 235، كتاب الوديعة باب 10 ح 1. (2) فقه الإمام الرضا عليه السلام ص 252، 36 باب التجارات والبيوع والمكاسب. (*)

 

بالمضاربة الصحيحة، وإلا فمن المعلوم أنه ليس بمضاربة. قلنا: يستفاد مما ذكره في الغنية هاهنا أربع فروع، والمهم منها هو عدم جواز مقاصة الدائن لو استحلف الغريم المنكر للدين فحلف على عدم الدين، وقد بينا تفصيله ومدركه 1. والثاني: كراهة الاستحلاف، وهو بين وجهه بأنه تضييع للحق وتعريض لليمين الكاذبة. والثالث: جواز المقاصة في صورة عدم حلف الغريم إما لعدم استحلافه له وإما لعدم حضوره للحلف واستنكافه عنه، ونفس استنكافه مع عدم رده اليمين إلى الدائن أيضا حجة لدينه ومثبت له. والدليل على جواز المقاصة في هذه الصورة هو التصريح في بعض الأخبار المتقدمة بجواز التقاص إن لم يحلف 2، وذلك من جهة أن مقتضى الأصل الأولي هو جواز التقاص، لأنه استيفاء حق، لان الاستيفاء إما بإعطاء المديون وأخذه وإما بالتقاص، والمفروض امتناع الأول في المقام لعدم حضوره لذلك وإنكاره للدين، فيتعين الوجه الآخر وهو التقاص. وأما احتمال سقوط حقه لعدم إمكان استيفائه إلا بالتقاص الذي لا دليل عليه فلا ينبغي أن يتوهم، وقد عرفت وجود الدليل على جواز التقاص في هذه الصورة، لأنه مقتضى القواعد الأولية، مضافا إلى ما ذكرنا من دلالة الروايات عليه، فمنها قوله عليه السلام فيما رواه عبد الله بن وضاح وقد تقدم: ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذ من تحت يدك، ولكنك وفيت بيمينه وقد ذهبت اليمين بما فيه 3.

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 222. (2) تقدم ص 222، هامش 2. (3) تقدم ص 223، هامش 1. (*)

 

وأيضا قال عليه السلام في رواية خضر النخعي: إن استحلفه فليس له أن يأخذ شيئا وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه 1. وقال عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور: إذ رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه واستحلف فحلف لا حق له عليه وذهبت اليمين بحق المدعي، فلا حق له 2. وخلاصة الكلام أن في هذه الروايات علق الإمام عليه السلام نفي الحق وعدم جواز التقاص على رضائه بالحلف واستحلافه للمنكر ووقوع الحلف، فإذ اجتمعت هذه الأمور فلا يبقى للمدعي حق كي يكون له حق استيفائه بالتقاص، وقد كرر عليه السلام أن اليمين هي التي ذهبت بالحق، فإذا لم تكن يمين في البين فالحق باق فيجوز التقاص. نعم هنا كلام آخر، وهو أن التقاص هل يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي أو لا، وله مقام آخر. الرابع: عدم جواز المقاصة إن كان المال الذي وقع تحت يده وديعة من الغريم المنكر للدين عنده، وإن لم يكن استحلاف وحلف في البين، وذلك من جهة أن التقاص وإن كان عبارة عن استيفاء الحق وإذا لم يكن استحلاف وحلف فالحق باق، ولكن الشارع منع عن التصرف في المال الذي هو وديعة عند الشخص بأي نحو من أنحاء التصرف إلا إرجاعه إلى صاحبه وإيصاله إليه، فقد ورد منع التقاص فيما رواه ابن أبي عمير عن ابن أخي الفضيل بن يسار قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام ودخلت امرأة وكنت أقرب القوم إليها فقالت لي: أسأله. فقلت: عماذا؟ فقالت: إن ابني مات وترك مالا كان في يد أخي، فأتلفه ثم أفاد مالا فأودعنيه فلي أن أخذ منه بقدر ما أتلف من شيء؟ فأخبرته بذلك فقال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أد الأمانة إلى من

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 222 هامش 2. (2) تقدم ص 222 هامش 1. (*)

 

ائتمنك ولا تخن من خانك 1. هذا مضافا إلى التشديدات الواردة في وجوب رد الأمانة، وأنه يجب ولو كان المستأمن ناصبيا خبيثا ولو كان قاتل أمير المؤمنين أو الحسين عليهم السلام، في الوسائل في كتاب الوديعة 2. هذا ولكن وردت رواية أخرى تعارض هذه الرواية، عن أبي العباس البقباق أن شهابا ما رآه في رجل ذهب له بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم، قال أبو العباس: فقلت له: خذها مكان الألف الذي أخذ منك، فأبى شهاب، قال: فدخل شهاب على أبي عبد الله عليه السلام فذكر له ذلك فقال: أما أن فأحب أن تأخذ وتحلف 3. ولكن المشهور أعرضوا عن هذه الرواية وعملوا بالرواية الأولى، أي رواية ابن أبي عمير عن فضيل بن يسار، فيجب الأخذ بها وترك هذه الرواية، بل يظهر عن الغنية 4 أن العمل بالرواية الأولى - أي رواية ابن أبي عمير عن الفضيل بن يسار - إجماعي، إذ يدعي الإجماع على الفروع الأربعة التي ذكرناها ومرت عليه تفصيلا. فافهم وتأمل. ثم إنهم ذكروا ما يستحب على الدائن وعلى المديون، ونحن نذكر جملة منها: فمنها: أنه يستحب على الدائن الإرفاق بالمديون في الاقتضاء والمطالبة، وأن يسامحه في الأمور التي هي قابلة للمسامحة، وقد ورد بذلك روايات.

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 348 ح 981، في المكاسب، أحاديث التقاص، ح 102 وسائل الشيعة ج 12 ص 202 كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به باب 83 ح 3. (2) الكافي ج 5 ص 133، كتاب المعيشة باب أداء الأمانة ح 4 وج 8 ص 293، تعبير منافات ح 448 وسائل الشيعة ج 13 ص 221 و 222 في أحكام الوديعة باب 2 ح 2 و 4. (3) تهذيب الأحكام ج 6 ص 347 ح 979 في المكاسب، أحاديث التقاص ح 100 الاستبصار ج 3 ص 53 ح 174 باب من له على غيره مال فيجده...، ح 8 وسائل الشيعة ج 12 ص 202 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به باب 83 ح 2. (4) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 530. (*)

 

ومنها: أنه يستحب على الدائن إمهال المديون وعدم التضييق عليه. ومنها: استحباب الإشهاد على الدين، روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من ذهب حقه على غير بينة لم يؤجر 1. ومنها: أنه يستحب ترك الاستدانة مع الاستغناء منها بل فعله مكروه. ومنها: أنه يستحب أداء دين الأبوين، وبعد موتها يتأكد الاستحباب. وقد ذكر في الوسائل في كتاب الدين الأخبار الدالة على استحباب هذه الأمور وكراهة البعض الآخر فعليك بمراجعتها 2. فرع: تبرأ ذمة الميت بضمان شخص قابل لان يكون ضامنا، وقد ورد بذلك أخبار 3، وهذا بناء على ما هو الحق عندنا من أن حقيقة الضمان نقل ما في ذمة إلى ذمة أخرى في غاية الوضوح. نعم في رواية عبد الله بن سنان قيد براءة ذمة الميت برضاء الغرماء بذلك الضمان 4. فرع: ظاهر الأخبار أنه يجب على الإمام قضاء الدين عن المؤمن المعسر من الزكاة من سهم الغارمين إذا كان قد أنفق م استدانة في طاعة أو مباح، وأما لو

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 298 كتاب المعيشة باب من أدان ماله بغير بينة ح 3 وسائل الشيعة ج 13 ص 93 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 10، ح 2. (2) وسائل الشيعة ج 13 ص 117 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 30 ح 1 و 2. (3) تهذيب الأحكام ج 6 ص 188 ح 397 في الديون وأحكامها ح 22 وسائل الشيعة ج 13 ص 99 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 14 ح 2. (4) الكافي ج 5 ص 99 كتاب المعيشة باب أنه إذا مات الرجل حل دينه ح 2 تهذيب الأحكام ج 6 ص 187 ح 392 في الديون وأحكامها ح 17 وسائل الشيعة ج 13 ص 98 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 14 ح 1. (*)

 

أنفقه في معصية فلا شيء له عليه. عن محمد بن سليمان، عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد، قال: سأل الرضا عليه السلام رجل وأنا أسمع فقال له: جعلت فداك إن الله جل وعز يقول (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) 1 أخبرني عن هذه النظرة التي ذكره الله عز وجل في كتابه، لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لابد له من أن ينتظر، وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله وليس له غلة ينتظر إدراكها، ولا دين ينتظر محله، ولا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل، فإن كان أنفقه في معصية الله عز وجل فلا شيء له على الإمام . قلت: فما لهذا الرجل الذي أئتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أم في معصيته؟ قال: يسعى له في ماله، فيرده عليه وهو صاغر 2. وما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلى مهور النساء 3. فرع: إذا أقام الدائن على الغائب بأنه مديون له بكذا يقضى عنه من ماله إجماعا ولكن بالكفلاء، ويكون الغائب على حجته إذا رجع ولم يقبل وأنكر الدين. ووجه هذه الأمور الثلاثة واضح: أما الأول - أي قضاء الدين عنه من ماله - لحجية البينة التي قامت على أنه

 

(هامش)

 

(1) البقرة 2: 280 (2) الكافي ج 5 ص 93، كتاب المعيشة باب الدين ح 5 تهذيب الأحكام ج 6 ص 185 ح 385 في الديون وأحكامها ح 10 وسائل الشيعة ج 13 ص 91 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 9 ح 3. (3) الكافي ج 5 ص 94 كتاب المعيشة باب الدين ح 7 تهذيب الأحكام ج 6 ص 184 ح 379 في الديون وأحكامها ح 4 وسائل الشيعة ج 13 ص 92 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 9 ح 4. (*)

 

مديون، فيكون بمنزلة العلم بدينه. وأما الثاني - وهو كونه بالكفلاء - فلأنه من الممكن أنه بعد حضوره تكون حجة على أنه قضى هذا الدين، فلا يتلف حقه وماله مع وجود الكفيل. وأما الثالث - أي كون الغائب على حجته لو حضر - فمن جهة عدم وجه لسقوط حجته عن الاعتبار، لأنه لو كان حاضرا وقت إقامة الدائن البينة على أنه مديون كان له جرح الشهود أو إتيانه بحجة حاكمة على البينة، وبعد حضوره ذلك الوجه باق بعينه. هذا، مضافا إلى ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغائب يقضى عنه إذا قامت البينة عليه، ويقضى عنه وهو غائب، ويكون الغائب على حجته إذا قدم، ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن ملي 1. فرع: لا يبطل الحق ولا يذهب من البين بتأخير المطالبة وتركها وإن كان إلى مدة طويلة. وهذا الحكم مضافا إلى أنه إجماعي لاوجه لذهابه، لان تأخير المطالبة ليس من المسقطات، فالحق باق وإن طالت مدة عدم المطالبة. نعم قال الصدوق في المقنع: من ترك دارا، أو عقارا، أو أرضا في يد غيره فلم يتكلم ولم يطالب ولم يخاصم في ذلك عشر سنين فلا حق له 2.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 102 كتاب المعيشة باب إذا التوى الذي عليه الدين على الغرماء ح 2 تهذيب الأحكام ج 6 ص 191 ح 413 في الديون وأحكامها ح 38. (2) المقنع ص 123. (*)

 

واستدل له في المختلف 1 برواية يونس المروية في الكافي والتهذيب عن العبد الصالح عليه السلام قال: قال: إن الأرض لله عز وجل جعل وقفا على عباده، فمن عطل أرض ثلاث سنين متوالية بغير سبب أو علة أخرجت من يده ودفعت إلى غيره، ومن ترك مطالبة حق له عشر سنين فلا حق له 2. وروى أيضا في الكافي والتهذيب عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أخذت منه أرض ثم مكثت ثلاث سنين لم يطلبها لا يحل له بعد ثلاث سنين أن يطلبه 3. وأيضا في الكافي والتهذيب عن علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن دار كانت لأمرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن في البحر وماتت المرأة فادعت ابنتها أن أمها كان صيرت هذه الدار لها، فباعت أشقاص منها، وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن، ويتخوف من أن لا تحل له شراؤها وليس يعرف للابن خبر، فقال لي: ومنذ كم غاب؟ فقلت: منذ سنين كثيرة. قال: ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشتري . فقلت له: فإذا انتظر به غيبة عشر سنين حل شراؤها؟ قال: نعم 4. أقول: أما رواية يونس الأولى في خصوص الأرض فالظاهر أنها راجعة إلى الأراضي الخراجية فليس فيها كثير إشكال، وأما ذيلها، أي قوله عليه السلام ومن ترك مطالبة حق له عشر سنين فلا حق له فالظاهر منه أنه عليه السلام جعل ترك المطالبة في

 

(هامش)

 

(1) مختلف الشيعة ج 5 ص 414، الديون، القرض، مسألة: 32 (2) الكافي ج 5 ص 297 كتاب المعيشة باب نادر ح 1 تهذيب الأحكام ج 7 ص 232 ح 1015 في باب من الزيادات ح 35 وسائل الشيعة ج 17 ص 345 أبواب إحياء الموات باب 17 ح 1. (3) الكافي ج 5 ص 297 كتاب المعيشة باب نادر ح 2 تهذيب الأحكام ج 7 ص 233 ح 1016 في باب من الزيادات ح 36 وسائل الشيعة ج 17 ص 345 أبواب إحياء الموات باب 17 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 154 كتاب المواريث باب ميراث المفقود ح 6 تهذيب الأحكام ج 9 ص 390 ح 1391، كتاب الفرائض والمواريث، في ميراث المفقود ح 8. (*)

 

هذه المدة أمارة لإسقاط حقه وإبراء ذمة من عليه الحق، فلا إشكال في البين. وأم رواية علي بن مهزيار، فالظاهر أنه جعل غيبة عشر سنين أمارة موت الابن فلا إشكال أيضا فيها. وخلاصة الكلام: أن هذه الأخبار لا تدل على أنه لو كان له دين في ذمة شخص، أو كان له مال عند شخص من دار أو عقار أو متاع أو عروض أخر ولم يطالبه عشر سنين يسقط حقه وليس له أن يطلبه بعد ذلك، مضافا إلى أنها على فرض دلالتها عليه قد أعرض جمهور الفقهاء قدس سره عن العمل بها، ولاشك في أن هذه فتوى شاذة صدرت عن ابن بابويه رضوان الله تعالى عليه في رسالته 1. وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين عليه السلام: الحق جديد وإن طالت عليه الأيام، والباطل مخذول وإن نصره أقوام 2. فرع: الظاهر جواز الاشتراط في القرض أن يؤدى المديون دينه في بلد آخر غير البلد الذي يستدين فيه، لان هذا شرط سائغ فتشمله عمومات أدلة وجوب الوفاء بالشرط وأن المؤمنين عند شروطهم. وعن التذكرة 3 الإجماع على صحة هذا الشرط لان الشرط الذي لا يجوز في القرض هو أن يوجب جر النفع للمقرض، وهاهنا ربما يوجب ضررا على المقرض، فلا إشكال من هذه الجهة. وبصحته وردت روايات:

 

(هامش)

 

(1) حكى فتواه العلامة في مختلف الشيعة ج 5 ص 413، الديون / القرض، مسألة 32 المقنع ص 123. (2) وسائل الشيعة ج 17 ص 345 أبواب إحياء الموات باب 17 ح 3، ولم نعثر عليه في كتاب نهج البلاغة المطبوع. (3) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 6. (*)

 

منها: صحيحة أبي الصباح، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يبعث بمال إلى أرض، فقال الذي يريد أن يبعث به: أقرضنيه وأنا أوفيك إذا قدمت الأرض، قال: لا بأس 1. ومنها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليهم السلام، ويعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض أخرى ويشترط ذلك، قال: لا بأس 2. ومنها: ما روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا بأس أن يأخذ الرجل الدراهم بمكة ويكتب لهم سفاتج أن يعطوها بالكوفة 3. ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: يدفع إلى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن يدفعها بأرض أخرى سودا بوزنها واشترط عليه ذلك قال: لا بأس 4. ومنها: ما في الكافي والتهذيب عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض أخرى ويشترط عليه ذلك، قال: لا بأس 5.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 256 كتاب المعيشة باب الرجل يعطي الدراهم ثم يأخذها ببلد آخر، ح 3 تهذيب الأحكام ج 6 ص 203 ح 458 في القرض وأحكامه ح 12 وسائل الشيعة ج 12 ص 480 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 14 ح 2. (2) الكافي ج 5 ص 255 كتاب المعيشة باب الرجل يعطي الدراهم ثم يأخذها ببلد آخر ح 1 وسائل الشيعة ج 12 ص 480 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 14 ح 1. (3) الكافي ج 5 ص 256 كتاب المعيشة باب الرجل يعطي الدراهم ثم يأخذها ببلد آخر ح 2 وسائل الشيعة ج 12 ص 481 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 14 ح 2. (4) تهذيب الأحكام ج 7 ص 110 ح 473 في بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك وما يجوز فيه و مالا يجوز ح 79 وسائل الشيعة ج 12 ص 481 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 14 ح 5. (5) الكافي ج 5 ص 255 باب الرجل يعطي الدراهم ثم يأخذها ببلد آخر ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 203 ح 459 في القرض وأحكامه، ح 13 وسائل الشيعة ج 12 ص 481 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 14 ح 6. (*)

 

ومنها: ما في الفقيه عن أبان بن عثمان أنه قال - يعني أبا عبد الله عليه السلام - في الرجل يسلف الرجل الدراهم ينقدها إياه بأرض أخرى؟ قال: لا بأس به 1. ومنه: ما في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلف الرجل الدراهم ينقدها إياه بأرض أخرى والدراهم عددا؟ قال: لا بأس 2. وغيرها من الروايات المعتبرة. ولاشك في دلالة هذه الروايات على صحة هذا الشرط ونفوذه، مثل دلالة عمومات أدلة نفوذ الشروط ووجوب الوفاء بها على نفوذه وصحته. إنم الكلام في أن العمل بهذا الشرط لازم ولا يجوز عدم الاعتناء به وفرضه كالعدم، أو ل بل شرط جائز يجوز العمل به ويجوز عدم الاعتناء به أيضا كسائر الشروط الابتدائية التي ليست في ضمن العقد اللازم. وهذا مبني على أن الشروط الواقعة في ضمن العقود الجائزة لا يجب الوفاء بها، بعد الفراغ من أن عقد القرض ليس من العقود اللازمة. فبعد تمامية هاتين المقدمتين لا مناص إلا من القول بأن هذا الشرط - أي شرط أداء المقترض دينه في بلد آخر في ضمن عقد القرض - جائز لا يجب الوفاء به، وإلا يلزم زيادة الفرع أي الشرط على الأصل أي نفس عقد القرض، بمعنى أن الأصل - أي نفس عقد القرض - يكون جائزا، والشرط الواقع في ضمنه يكون لازما، وهذا لا يخلو من غرابة. وأما في مسألة جواز عقد القرض أو لزومه سنتكلم عما قريب

 

(هامش)

 

(1) الفقيه ج 3 ص 261 ح 3941 كتاب المعيشة السلف في الطعام والحيوان ح 8 وسائل الشيعة ج 12 ص 481 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 14 ح 4. (2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 110 ح 472 في بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك وما يجوز فيه و مالا يجوز، ح 78 وسائل الشيعة ج 12 ص 481 كتاب التجارة، أبواب الصرف باب 14 ح 7. (*)

 

إن شاء الله تعالى. فرع: قال بعضهم: اشتهر القول بين جماعة من الأصحاب بأن من قتل مؤمنا ظلما ينتقل ما في ذمة المقتول إلى ذمة القاتل، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الديون التي في ذمة المقتول ديونه المالية وحقوق الآدميين، أو كان من الحقوق الإلهية. ونسب في الحدائق هذا القول إلى شيخنا الشهيد قدس سره 1. وعلى كل حال لم نجد دليلا على هذا القول يعتمد عليه. نعم روى الصدوق رحمه الله في عقاب الأعمال بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام قال: من قتل مؤمنا أثبت الله على قاتله جميع الذنوب، وبرء المقتول منه 2. ولكن هذا في حق الله فقط، وأما في الماليات فروى في الكافي عن الوليد ابن صبيح قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام يدعي على المعلى بن خنيس دينا، فقال: ذهب بحقي. فقال أبو عبد الله عليه السلام: ذهب بحقك الذي قتله 3. ولكن في دلالة كلتا الروايتين على المطلوب تأمل. هذا آخر ما كتبناه في الدين المطلق. المقصد الثاني في القرض الذي هو أحد أسباب الدين واشتغال الذمة وأحسن ما قيل في تعريفه: أنه عبارة عن تمليك مال بعوضه الواقعي، إن كان من المثليات فبمثله، وإن كان من القيميات فبقيمته.

 

(هامش)

 

(1) الحدائق الناصرة ج 20 ص 213. (2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ج 2 ص 328، عقاب من قتل نفسا متعمدا ح 9. (3) الكافي ج 5 ص 94 كتاب المعيشة، باب الدين ح 8. (*)

 

ولا ريب في استحبابه وأن الشارع ندب إليه وأكد، بل لا يبعد كونه من الضروريات، وهو حسن عقلا وشرعا. وقد ورد في كتاب الله العزيز: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسن فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون) 1. وفي ثواب الأعمال عن محمد بن حباب القماط، عن شيخ كان عندنا قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لان أقرض قرضا أحب إلى من أن أتصدق بمثله 2. وكان يقول: من أقرض قرضا وضرب له أجلا فلم يؤت به عند ذلك الأجل، كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كل يوم 3. وأيضا في ثواب الأعمال عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أقرض مؤمنا قرض ينظر به ميسورة كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه 4. وفي عقاب الأعمال عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث قال: ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوي وطور سينا حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب، ومن شكى إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عز وجل عليه

 

(هامش)

 

(1) البقرة 2: 245. (2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ج 1 ص 167 ثواب من أقرض المؤمن، ح 4 وسائل الشيعة ج 13، ص 87 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 6 ح 1. (3) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ج 1 ص 167 ثواب من أقرض المؤمن ح 4 وسائل الشيعة ج 13 ص 87 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 6 ح 1. (4) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ج 1 ص 166 ثواب من أقرض المؤمن ح 1 وسائل الشيعة ج 13، ص 87 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 6 ح 3. (*)

 

الجنة يوم يجزي المحسنين 1. وفي الامالي في خبر المناهي: من احتاج إليه أخوه المسلم في قرض وهو يقدر عليه ولم يفعل، حرم الله عليه ريح الجنة 2 . إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في فضل القرض وأنه أفضل من الصدقة. وروى في الهداية عن الصادق عليه السلام: مكتوب على باب الجنة: الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر 3. فرع: قد عرفت أن حقيقة القرض هو تمليك مال لشخص آخر أو أشخاص آخرين بعوضه الواقعي من المثل في المثليات، والقيمة في القيميات. ولا فرق بين هذه العبارة وقول جماعة أنه عبارة عن التمليك بالضمان، لان معنى الضمان هو أيضا يرجع إلى هذا المعنى، فإذ قال: من أتلف مال الغير فهو له ضامن، أي هذا التالف في عهدته ولا يتخلص إلا بأدائه بالمثل، أو القيمة بعد تعذر أداء نفسه بالتلف، وفي الحقيقة أداء نفس الشيء وإن كان يصدق على رده إلى صاحبه ومنه قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) 4 ولكن فيما لا يمكن رده لتلف أو جهة أخرى، فأداؤه عرفا بالمثل إن كان مثليا، وبالقيمة إن كان قيميا. وحيث أن المقصود من القرض هو أن يرفع به المقترض حاجته، وهذا ملازم

 

(هامش)

 

(1) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ج 2 ص 341 باب يجمع عقوبات الأعمال وسائل الشيعة ج 13 ص 88 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 6 ح 5. (2) الصدوق في الامالي ج 516 المجلس السادس والستون. (3) الصدوق في الهداية ص 44. (4) النساء 4: 58. (*)

 

عرفا مع تلفه، فأداؤه غالبا لا يمكن برده، بل مقصود المقرض هو أن يرفع المقترض به حاجته ثم يؤديه، لا أنه يذهب بالمرة، وإلا فهو يدخل في الهبات لا القرض الذي هو من المعاوضات، والأداء حينئذ لا يمكن برد عينه لإتلافها في قضاء حوائجه، فيكون أداؤه بالمثل أو القيمة كل واحد منهما في محله. فعند العرف حقيقة القرض هو تمليك مال ل مجانا وإلا يصير هبة، ولا بعوض مسمى وإلا يصير بيعا، بل بعوض واقعي من المثل أو القيمة أو بالضمان، وهو أيضا عبارة عن عوضه الواقعي، أي المثل في المثليات والقيمة في القيميات. ولهذا قالوا: إنه لا يجب على المقترض رد العين وإن كانت موجودة، بل له أن يعطي المثل أو القيمة كل في محله. وإذا عرفت هذا فنقول: يجب إنشاء هذا المعنى كي يتحقق القرض، فالمقترض ينشىء تمليك المال المطلوب للمقترض بعوضه الواقعي، والمقترض يقبل ما أنشأه المقرض، فيتحقق القرض، فالقرض أيضا كسائر عناوين المعاملات متوقف على إيجاب من طرف المقرض وقبول من طرف المقترض. ولا شك في وقوع هذا المعنى بالإيجاب والقبول القولي، غاية الأمر بالألفاظ الصريحة الصحيحة، كما هو الحال في سائر العقود والمعاملات، وأصرح لفظ في هذا الباب هو لفظ أقرضتك الشيء الفلاني ، ولا يحتاج إلى أن يقول بعوضه الواقعي لان مادة القرض معناه العرفي هو هذا المعنى. وإنم الكلام في وقوعه بالإنشاء الفعلي الذي يسمى بالمعاطاة أم لا؟ والظاهر وقوعه كذلك وصدق القرض عليه، بل السيرة المستمرة في البلاد والأسواق هو إنشاؤه بفعله، مثلا إذ يطلب القرض من شخص ويريد المقرض أن يعطيه يأتي بما طلب ويعطيه من دون التكلم في هذ الموضوع، ويصدق عليه القرض في هذا الموضوع، ويشمله إطلاق قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله

 

قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون) 1، فيكون قرض عرفيا أمضاه الشارع. وهذا معنى الصحة، فينتج أن القرض كما أنه يقع ويصح ويترتب عليه الأثر إذا وقع بالقول واللفظ كذلك يقع بالفعل والمعاطاة، ويترتب عليه آثار القرض وأحكامه. وأما مسألة اللزوم والجواز، فهذا البحث لا يأتي في القرض، لان القرض جائز على كل حال، سواء كان إنشاؤه بالقول أو بالفعل. وهذا البحث كان يثمر في العقود اللازمة إذا كان إنشاؤها بالقول، وأما إذا كان بالفعل كالبيع المعاطاتي فيقع البحث في أنه هل هو لازم أو جائز. وأما اللزوم في القرض فلا معنى له، إذ اللزوم عبارة عن أن المتعاقدين يقفان عند التزام كل واحد منهما للآخر ولا يرجعان عما التزما به. وإن شئت قلت: كل واحد منهما يلتزم للآخر بالبقاء عند هذه المعاوضة التي وقعت بينهم والعقد والعهد الذي حصلت لهما، وهذا هو اللزوم الحقي، أي لكل واحد منهما حق على الآخر، وهو أنه يجب عليه أن يبقى على التزامه للآخر من غير تراجع عنه. وهذا هو معنى قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) 2 أي كل واحد من المكلفين يجب أن يفي بعهده وعقده، ول يجوز له الرجوع عما التزم به للآخر، لان هذا حق الآخر عليه. ولذلك لو رفع الاثنان يدهما عن حقهما فقهرا ينحل العقد، لان وقوف كل أحد من المتعاملين عند التزامه من باب مراعاة حق ذلك الآخر، فإذا رفض الاثنان حقهما فلا يبقى شيء يكون موجبا للزوم بقائه عند التزامه. وهذا معنى الإقالة، ففي الحقيقة مرجع الإقالة إلى رد كل واحد منهما الالتزام

 

(هامش)

 

(1) البقرة 2: 245. (2) المائدة 5: 1. (*)

 

الذي التزم به طرفه له إلى صاحبه، فيكون نتيجته سقوط كلا الحقين. ومرجع هذا إلى انحلال العقد والعهد، فانحلال العقد بالإقالة لا يحتاج إلى دليل على صحة الإقالة، بل هو مقتضى نفس القواعد الأولية. فإذا عرفت معنى اللزوم في أبواب العقود والمعاوضات، فتعرف أن إتيان اللزوم في باب الهبة والقرض لا يخلو عن غموض، لعدم تصوير التزامين للطرفين كل واحد من الالتزامين يكون حقا للآخر بحيث يكون أمر إبقائه أو إسقاطه بيد الآخر، لان معنى عقد القرض كما عرفت - تمليكه المال للمقترض بعوضه الواقعي الذي قد يعبر عنه بالتمليك بالضمان، ومعنى عقد الهبة هو تمليكه له مجان وبلا عوض في مقابل ما يملكه، وفي الهبة المعوضة أيضا ليس العوض في مقابل ما يملكه بل يملكه مجانا وبلا عوض، بل غاية ما يكون فيه اشتراط هبة مقابل هبته فلا يلتزم المتهب بشيء في قبال تمليك ما ملكه الواهب - أي العين الموهوبة. فباب القرض والهبة لا محل فيهما للزوم بذلك المعنى الذي ذكرنا له، يمكن أن يحكم فيهما باللزوم بمعنى آخر، وهو عدم جواز الرجوع إلى ما أخرج عن ملكه وأدخل في ملك غيره، كما حكم بذلك في باب الصدقة وقال: الراجع إلى صدقته كالراجع إلى قيئه. ولكن هذا يحتاج إلى ورود دليل عليه، وحيث لا دليل على ذلك في باب القرض بأنه لا يجوز له الرجوع إلى ما ملك، فمقتضى القاعدة هو جوازه. فرع: لا يجوز شرط الزيادة في القرض، سواء كان من جنس المال الذي أقرضه، مثل أن أقرضه عشرة دراهم باثني عشر درهما مثلا، أو منا من الحنطة بمن وربع من، أو من غير جنسه، كما إذا أقرضه عشرة دراهم بمثله وبزيادة ربع وقية من الشاي مثلا، أو كانت الزيادة عملا، كما إذا أقرضه مائة درهم مثلا بمثله بإضافة خياطة ثوبه، أو بناء حائطه، أو شيئا آخر من الأعمال النافعة للمقرض، أو كانت

 

منفعة من المنافع، كما أنه لو أقرضه مائة دينار بمثله بزيادة أن ينتفع من داره المعدة للإيجار سكنى سنة، وأمثالها من منافع الأعيان. ولا فرق في عدم جواز الزيادة فيما اقترض بين أن يكون المال الذي يقترضه من الأجناس الربوية - أي كان من المكيل والموزون - أو لم يكن منها، بل كان من المعدود، فلا يجوز إقراض عدة من البيض أو الجواز أو البرتقال - بناء على أنه من المعدود - بأزيد من العدد الذي أقرضه، ول بزيادة أخرى وإن كانت من غير جنس ما اقترضه. وهذا هو الفرق بين الربا في القرض وبين الربا في سائر المعاملات والمعاوضات، فالربا في باب القرض أوسع من الربا في سائر المعاملات والمعاوضات، ففي سائر المعاملات والمعاوضات، لا يأتي الربا إلا فيما يكال أو يوزن، وأما في القرض فيأتي في الجميع، سواء كان من المكيل والموزون، أو كان من المعدود كالبيض والجوز. والدليل على عدم جواز الزيادة فيه مطلقا أو في خصوص ما إذ شرط، هو إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين، لأنها ربا، فتكون المنهية في الكتاب المبين والتنزيل من رب العالمين. وقد روى عنه صلى الله عليه وآله: كل قرض يجر منفعة فهو حرام 1. وأيضا يدل عليه روايات: منها: ما في قرب الإسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: وسألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل

 

(هامش)

 

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 350، باب كل قرض جر منفعة فهو ربا، وفيه: كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الرب ابن حجر في المطالب العالية ج 1 ص 411 ح 1373 باب الزجر عن القرض إذا جر منفعة، وفيه: كل قرض جر منفعة فهو رب الصنعاني في سبل السلام ج 3 ص 872، القرض، وفيه: كما في المطالب. (*)

 

أو أكثر؟ قال عليه السلام: هذا الربا المحض 1. منها: ما في الكافي والتهذيب قال خالد بن الحجاج: سألته عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عددا فقضاها مائة وزنا؟ قال: لا بأس ما لم يشترط قال: وقال: جاء الربا من قبل الشروط، إنما يفسده الشروط 2. ومنها: ما في الفقيه والتهذيب والإستبصار، موثقة إسحاق بن عمار، قال: قلت: لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل الذي يكون له عند الرجل المال قرضا، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة، أيحل ذلك؟ قال: لا بأس إذا لم يكن يشترط 3. ومنها: م في الكافي والفقيه والتهذيب، حسن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا، ثم يعطي سودا وقد عرفت أنها أثقل مما أخذ، وتطيب به نفسه أن يجعل له فضلها؟ فقال: لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط، ولو وهبه له كلها صلح 4. ومنها: ما في الكافي والتهذيب، صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا

 

(هامش)

 

(1) قرب الإسناد ص 265 ح 1055، ما يحل من البيوع، وسائل الشيعة ج 13 ص 108 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 18. (2) الكافي ج 5 ص 244 كتاب المعيشة، باب الصروف ح 1 تهذيب الأحكام ج 7 ص 112 ح 483، في بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك وما يجوز منه وما لا يجوز ح 89 وسائل الشيعة ج 12 ص 476، كتاب التجارة أبواب الصرف باب 12، ح 1. (3) الفقيه ج 3 ص 284 ح 4027 كتاب المعيشة باب الربا ح 37 تهذيب الأحكام ج 6 ص 205. ح 267، في القرض وأحكامه ح 21 الاستبصار ج 3 ص 10 ح 28 في القرض لجر المنفعة، ح 8 وسائل الشيعة ج 13 ص 106 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 13. (4) الكافي ج 5 ص 253 كتاب المعيشة، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها ح 1 الفقيه ج 3 ص 284، ح 4025، كتاب المعيشة باب الربا ح 35 تهذيب الأحكام ج 7 ص 109 ح 470 في بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك..، ح 76 وسائل الشيعة ج 12 ص 476، كتاب التجارة أبواب الصرف باب 12 ح 2. (*)

 

أقرضت الدراهم ثم أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط 1. ومنها ما في التهذيب، صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أقرض رجلا ورقا فل يشترط إلا مثلها، فإن جوزي أجود منها فليقبل، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقة 2. وأما الروايات التي وردت على أن خير القرض هو الذي يجر المنفعة، كرواية محمد بن عبده قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القرض يجر المنفعة؟ فقال: خير القرض ما يجر المنفعة 3. ومنها: ما في الكافي عن أبي عمير، عن بشر بن سلمة وغير واحد، عمن أخبرهم عن أبي جعفر عليه السلام قال: خير القرض م جر منفعة 4. وغيرهما مما ظاهرها شمول إطلاقها لما جر القرض المنفعة ولو كان بسبب الشرط فلا بأس، فيقيد إطلاقها بالروايات المتقدمة التي فصلت بين أن تكون بالشرط فيكون الشرط والقرض كلاهما باطلان، وبين أن لا يكون بالشرط فلا بأس في أخذ الزيادة. وأما الروايات التي مفادها البأس في أخذ الزيادة مطلقا، سواء شرط أو لم يشترط، فقد عرفت أنها تقيد بمورد شرط الزيادة.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 254 كتاب المعيشة، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها، ح 3 تهذيب الأحكام ج 6 ص 201 ح 449 في القرض وأحكامه، ح 3 وسائل الشيعة ج 12 ص 477 كتاب التجارة أبواب الصرف باب 12 ح 3. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 203 ح 457 في القرض وأحكامه ح 11 وسائل الشيعة ج 13 ص 106 ، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 11. (3) الكافي ج 5 ص 255 كتاب المعيشة، باب القرض يجر المنفعة، ح 2 تهذيب الأحكام ج 6، ص 202 ح 453 في القرض وأحكامه، ح 7 وسائل الشيعة ج 13 ص 104 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 5. (4) الكافي ج 5 ص 255 كتاب المعيشة، باب القرض يجر المنفعة، ح 3 وسائل الشيعة ج 13 ص 105 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 6. (*)

 

وخلاصة الكلام: أن الروايات الواردة في هذا الباب ثلاث طوائف: الأولى: هي المانعة عن الزيادة مطلقا، سواء شرط أم لا، كالنبوي المتقدم: كل قرض يجر المنفعة فهو حرام 1. الثانية: هي المفصلة المانعة عنها إذا اشترط، وهي كثيرة. الثالثة هي المرخصة فيها مطلقا، كقوله عليه السلام في روايات متعددة خير القرض ما يجر المنفعة والروايات المفصلة يقيد بها كلا الاطلاقين في طرفي الجواز والمنع. فالنتيجة هو الحكم بالجواز إذا لم يشترط الزيادة وعدم الجواز فيما إذا اشترط. وأما حمل الاطلاقات الناهية - أي التي مفادها عدم الجواز مطلقا - على الكراهة كما يظهر من بعض كتب الشيخ قدس سره 2، فخلاف ظاهر الروايات. فالمتعين حمل الاطلاقات المانعة على مورد الاشتراط، والاطلاقات المجوزة على مورد عدم الاشتراط. ثم إنه بعد ما ظهر مم ذكرنا أن اشتراط الزيادة في القرض لا يجوز، وحمل المطلقات الناهية عن الزيادة على ذلك، فلا شبهة في حرمة نفس الزيادة، وأنها لا تصير ملكا للمقرض، وأنها من الرب المحرم، فهل المال المقترض أيضا لا يجوز للمقترض التصرف فيه كما أنه لا يجوز للمقترض التصرف في الزيادة ويكون حراما عليه، أو لا بل الحرمة مختصة بالزيادة، ونفس القرض بالنسبة إلى مال المقترض معاملة صحيحة لاإشكال فيه، فيجوز للمقترض التصرف فيما اقترض ويحرم عليه إعطاء الزيادة، بل صرف الاشتراط حرام وإن لم يعط، وبعد ذلك يجب عليه الاستغفار من هذا الذنب - أي الاشتراط - لأنه أقدم على المحرم، أي المعاملة الربوية.

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 241، هامش 1. (2) الخلاف ج 3 ص 174، مسألة: 286. (*)

 

نعم لو تاب ورد الزيادة أو لم يأخذ فله رأس ماله كما هو صريح الآية الشريفة، أو جواز التصرف في المقترض مبني على أن الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد فيكون التصرف حراما، لأنه حينئذ يكون المال المقترض مقبوضا بالعقد الفاسد، وهو جار مجرى الغصب كما حقق في محله. وأما إن قلنا بأن الشرط الفاسد ليس بمفسد - كما هو المختار عندن - فالقرض صحيح، ويجوز تصرف المقترض في المال المقترض وإن فعل حراما بالاشتراط، ول تشتغل ذمته بتلك الزيادة. الظاهر من الأدلة والإجماعات هو بطلان هذه المعاملة، أي القرض المشترط فيه الزيادة، وإن قلنا بأن الشرط الفاسد ليس يفسد للعقد، كما هو المختار عندنا. وقد أفردنا لذلك قاعدة في المجلد الرابع من هذا الكتاب وأثبتنا هناك عدم كونه مفسدا، وذلك لان المعاملة تصير بهذا الاشتراط ربوية، وقد ثبت من الشرع بالآيات والروايات والإجماعات، بل الضرورة بطلان المعاملة الربوية، فما ذكره المحدث البحراني 1 أنه ليس في شيء من نصوصنا ما يدل على فساد العقد فعجيب. وأما ما قاله: إن أقصى ما فيها هو النهي عن اشتراط الزيادة، والحديث النبوي كل قرض يجر المنفعة فهو حرام ليس من طرقنا. ففيه: أولا كما عرفت أن دليل حرمة القرض المشتمل على شرط الزيادة ليس منحصرا بذلك الحديث الشريف. وثانيا: أن ضعف سنده منجبر بعمل الأصحاب وشهرته عملا، بل جماعة ادعى الإجماع عليه كما في السرائر والمختلف والغنية 2.

 

(هامش)

 

(1) الحدائق الناصرة ج 20 ص 117. (2) السرائر ج 2 ص 62 مختلف الشيعة ج 5 ص 408، الفصل الثاني: في القرض، مسألة: 24، الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 529. (*)

 

فرع: قال في الشرائع: لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة جاز 1. أقول: الزيادة في العين هو أن يكون كمية المثل في المثلي وكمية القيمة في القيمي في مقام أداء الدين أزيد من مقدار الدين، والزيادة في الصفة هو أن يكون ما يؤدي به الدين أجود من نفس الدين - أي المال المقترض - أو صفة أخرى مما يوجب كثرة الرغبة إليه. مثلا أقرضه حنطة أو أرزا من القسم الردئ، فالمقترض يؤدي دينه من القسم الجيد منها، أو المراد بالتبرع هو أن لا يكون بالاشتراط بحيث يكون ملزما بتلك الزيادة حسب التزامه. والدليل على ذلك مضافا إلى حكم العقل بحسنه وإلى الإجماعات، هو الأخبار والروايات الواردة في هذا الباب: منها: ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا، فيعطيه الشيء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه، فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه؟ قال عليه السلام: لا بأس بذلك ما لم يكن شرط 2. ومنها: ما رواه هذيل بن حيان، أخي جعفر بن حيان الصيرفي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني دفعت إلى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما أنفق وأحج منه وأتصدق، وقد سألت من قبلنا فذكروا أن ذلك فاسد لا يحل، وأنا أحب أن أنتهي إلى قولك فما تقول؟ فقال لي: أكان يصلك قبل أن تدفع إليه مالك؟ قلت: نعم. قال: خذ منه ما يعطيك فكل منه واشرب وحج وتصدق، فإذا قدمت العراق فقل: جعفر بن محمد

 

(هامش)

 

(1) شرائع الإسلام ج 2 ص 67. (2) الكافي ج 5 ص 103 كتاب المعيشة باب هدية الغريم، ح 3 تهذيب الأحكام ج 6 ص 191، ح 414 في الديون وأحكامها ح 39 وسائل الشيعة ج 13 ص 103 كتاب التجارة أبواب الدين و القرض باب 19 ح 3. (*)

 

أفتاني بهذ 1. ومنها: ما رواه محمد بن مسلم، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن، إما خادمة، وأما آنية، وإما ثيابا، فيحتاج إلى شيء من منفعة فيستأذن فيه فيأذن له؟ قال: إذا طابت نفسه فلا بأس . قلت: إن من عندنا يروون أن كل قرض يجر منفعة فهو فاسد؟ فقال: أو ليس خير القرض م جر منفعة 2. ومنها: ما رواه محمد بن عبدة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القرض يجر المنفعة؟ فقال: خير القرض الذي يجر المنفعة 3. وقد تقدم توجيه هذه الجملة أنه فيما إذا كان بغير شرط، وإلا فلا يجوز، فيكون دليلا في المقام، وهو أنه لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة جاز. ومنها: ما رواه يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينار، ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينار؟ قال: لا يصلح إذا كان قرضا يجر شيئا فلا يصلح . قال: وسألته عن رجل يأتي حريفه وخليطه فيستقرض منه الدنانير فيقرضه ولو لا أن يخالطه ويحارفه ويصيب عليه لم يقرضه؟ فقال عليه السلام: إن كان معروفا بينهما فلا بأس، وإن كان إنما يقرضه من أجل أنه يصيب عليه فلا يصلح 4.

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 213 هامش 3. (2) الكافي ج 5 ص 255 كتاب المعيشة باب القرض يجر المنفعة ح 1 تهذيب الأحكام ج 6 ص 201 ح 452 في القرض وأحكامه ح 6 وسائل الشيعة ج 13 ص 104 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 4. (3) تقدم ص 243 هامش 4. (4) تهذيب الأحكام ج 6 ص 204 ح 462 في القرض وأحكامه ح 16 الاستبصار ج 13 ص 10 ح 27 في القرض لجر المنعفة ح 7 وسائل الشيعة ج 13 ص 105 كتاب التجارة أبواب الدين و القرض باب 19 ح 9. (*)

 

ولابد من حمل قوله لا يصلح على مورد الشرط، وقد تقدم. ويقول صاحب الوسائل: إن الشيخ تارة حمله على الكراهة، وأخرى على الشرط 1 انتهى. أقول حمله على الشرط أقرب وأظهر. ومنها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر، فيقولون له أقرضنا دنانير فإنا نجد من يبيع لن غيرك ولكنا نخصك بأحمالنا من أجل أنك تقرضنا. فقال: لا بأس به، إنما يأخذ دنانير مثل دنانيره، وليس بثوب أن لبسه كسر ثمنه ولا دابة إن ركبها كسرها، وإنما هو معروف يصنعه إليهم 2. ومنها: ما رواه جميل بن دراج، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أصلحك الله إنا نخالط نفرا من أهل السواد فنقرضهم القرض ويصرفون إلينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر ولنا في ذلك منفعة، قال: فقال: لا بأس، ولا أعلمه الا قال: ولو لا ما يصرفون إلينا من غلاتهم لم نقرضهم. قال: لا بأس 3. ومنها: ما رواه إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة، فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة، أيحل ذلك؟ قال: لا بأس إذا لم يكن بشرط 4.

 

(هامش)

 

(1) وسائل الشيعة ج 13 ص 105 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 9 في ذيل الحديث. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 203 ح 461 في القرض وأحكامه ح 15 وسائل الشيعة ج 13 ص 105، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 10. (3) الفقيه ج 3 ص 283 ح 4024 كتاب المعيشة باب الربا، ح 34 تهذيب الأحكام ج 6 ص 204، ح 466 في القرض وأحكام ح 20 وسائل الشيعة ج 13 ص 106 كتاب التجارة أبواب الدين و القرض باب 19 ح 12. (4) تقدم ص 242، هامش 3. (*)

 

ومنها: ما رواه إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته عن رجل يرهن العبد، أو الثوب، أو الحلي أو المتاع من متاع البيت فيقول صاحب الرهن للمرتهن: أنت في حل من لبس هذا الثوب فألبس الثوب وانتفع بالمتاع واستخدم الخادم؟ قال: هو له حلال إذا أحله، وما أحب له أن يفعل 1. ومنها: ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكم شرط 2. أقول: لاريب في دلالة هذه الروايات على أن المقترض أو الذي يريد أن يقترض لو تبرع بإعطاء شيء للمقرض، يجوز ذلك له، ولا يضر بصحة القرض أصلا. نعم كان في بعض هذه الروايات على كراهة أخذه، كما كان في رواية إسحاق بن عمار قوله عليه السلام: هو له حلال إذا أحله وما أحب أن يفعل ، وفي بعض آخر: إنه يأخذ ولكن يحسبه من دينه ، كما أنه قال في رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا أتى عليا عليه السلام فقال: إن لي على رجل دينا فأهدى إلي هدية؟ قال عليه السلام: احسبه من دينك عليه 3. فرع: ولو شرط رد المكسرة عوض الصحيحة، أو الأنقص عوض التام، أو تأخير القضاء فهل يلغو الشرط ويصح القرض كما اختاره العلامة في القواعد والتذكرة 4 والشهيد في الدروس 5، أو يبطل القرض لان مبناه على المماثلة، فشرط

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 205 ح 468 في القرض وأحكامه ح 22 وسائل الشيعة ج 13 ص 107، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 19 ح 15. (2) تهذيب الأحكام ج 6 ص 201 ح 449 في القرض وأحكامه ح 22 وسائل الشيعة ج 13 ص 108، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 20 ح 1. (3) تقدم ص 213، هامش 2. (4) قواعد الأحكام ج 1 ص 156 تذكرة الفقهاء ج 2 ص 6. (5) الدروس ج 3 ص 319 في القرض. (*)

 

الناقص عوض التام، أو المكسر عوض الصحيح، وإن لم يكن من شرط الزيادة ولا يوجب كون القرض سببا لجر المنفعة، ولكن مثل هذا الشرط خلاف حقيقة القرض - كما تقدم - التي هو التمليك بالضمان الواقعي، بمعنى اشتغال ذمة المقترض بالمثل في المثلي والقيمة في القيمي، فكون المكسر عوض الصحيح أو الأنقص عوض التام أو تأخير القضاء؟ كلها خلاف مقتضى عقد القرض، فهذه الشروط بأقسامها الثلاثة باطلة لا أثر لها. ولعل هذا مراد العلامة حيث يقول: إن الشرط يلغو 1. وبعد أن فرضنا أن الشرط الفاسد لا يفسد المعاملة التي وقع الشرط في ضمنها فالقرض صحيح ويلغو الشرط كما ذهب إليه العلامة. وأما اشتراط تأخير القضاء فهو أيضا خلاف مقتضى العقد فيكون فاسدا، ففي جميع هذه الشروط الثلاثة الحق هو ما ذهب إليه العلامة لا ملزم في البين، بل كما تقدم سابق يجوز للمقرض مطالبة المثل أو القيمة. هذا كله فيما إذا شرط رد المكسر عوض الصحيح، أما لو شرط رد الصحيح عوض المكسر فلا ريب في أنه من شرط الزيادة ويكون باطلا كم تقدم. نعم هاهنا وردت رواية، وهي صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة، ويأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة به نفسه؟ قال: لا بأس به وذكر ذلك عن علي عليه السلام 2. وتمسك من قال بصحة هذ الشرط - أي شرط رد الصحيح عوض المكسر -

 

(هامش)

 

(1) قواعد الأحكام ج 1 ص 156. (2) الكافي ج 5 ص 254 كتاب المعيشة باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها، ح 4 الفقيه ج 3 ص 285 ح 4031، كتاب المعيشة باب الربا ح 41 وسائل الشيعة ج 12 ص 477، كتاب التجارة، أبواب الصرف باب 12 ح 5 تهذيب الأحكام ج 6 ص 201 ح 450، في القرض وأحكامه، ح 4. (*)

 

كالشيخ وأبي الصلاح وابني البراج وحمزة 1 بهذه الرواية، ولكن الإنصاف عدم دلالة هذه الرواية على الاشتراط، بل ظاهرها أنه يقرض الدارهم الغلة، والمقترض يعطي قرضه من طيبة نفسه بالدراهم الطازجية، وليس حديث الاشتراط في البين أصلا، فمفاد هذه الرواية أجنبي عن محل البحث، فالحق هو بطلان القرض إذا كان بشرط أن يعطي الطازج عوض الغلة، أو الصحيح عوض المكسر. فرع: كل مال يضبط وصفه الذي تختلف القيمة باختلافه وأيض يمكن ضبط قدره، مثل الحنطة والشعير كيلا أو وزنا أو عددا مثل الجوز والبيض يجوز إقراضه. وشرط إمكان ضبط وصفه وقدره وزنا أو كيلا أو عددا من جهة معرفة المال المقترض كي يكون في مقام الأداء يعرف المقرض والمقترض أنه أي الدين - مثلي أو قيمي، وبأي وصف هو إن كان مثليا، وبأي قيمة هو إن كان من القيميات، بل لا فرق بين المثلي والقيمي في لزوم معرفة الأوصاف التي لها دخل في المالية، وكذلك في مقداره وكميته، إذ معرفة كلاهما بمعرفتهما كي يؤدي المقترض ذلك المثل أو تلك القيمة، فصحة الإقراض مشروطة بمعرفة وصف المال المقترض وقدره وزنا أو كيلا أو عددا، وإلا لو لم يعرف الوصف الذي تختلف القيمة باختلافه، لا المقرض يدري أي شيء يطلب من المقترض، ول المقترض يدري أي شيء عليه أن يؤدي إلى المقرض. وخلاصة الكلام: أن الفقهاء قررو ضابطا لما يصح أن يقرض، وهو أن كل ما يضبط وصفه وقدره كيلا أو وزنا في المكيل والموزون، أو عددا في المعدود يصح إقراضه.

 

(هامش)

 

(1) الشيخ في النهاية ص 312 أبو الصلاح في الكافي في الفقه ص 331 ابن حمزة في الوسيلة ص 273 وحكى قول ابن البراج العلامة في مختلف الشيعة ج 5 ص 407، الفصل الثاني: في القرض، مسألة: 24. (*)

 

ويظهر من الجواهر 1 عدم الخلاف في هذا الضابط، فهذه الكلية - أي كل ما يضبط وصفه وقدره يصح إقراضه إجماعي، وإنما الكلام في عكسه، أي كل مالا يضبط وصفه وقدره لا يصح إقراضه فهل هذه أيضا من المسلمات أو لا؟ الظاهر أنه لا دليل على الكلية الثانية، لا الإجماع ولا غيره، فإطلاقات أدلة القرض وأنه أفضل من الصدقة تشمله وإن لم يكن وصفه أو قدره مضبوطا. وبعضهم قال إن الضابط في صحة الإقراض في شيء جريان السلم فيه، فكل شيء يجري فيه السلم يصح إقراضه. وقد ذكروا في باب السلم شروطا لصحة السلم وجريانه منها ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة وتقدير المبيع ذي الكيل والوزن بمقداره. والمقصود من هذه الشروط حيث أن المبيع ليس بموجود ويشتريه سلفا تعيينه كي يكون في مقام الأخذ والأداء لا يكون شك وترديد في انطباق ذلك الكلي الذي في ذمة البائع على الخارج، وذلك لأنه بعد ما تعين أن ما في البائع المقدار الفلاني من جنس كذا بأوصاف كذا، لا يبقى شك وترديد في مقام الانطباق على الخارج، وكذلك في المقام بعد أن عرف أن عقد القرض وقع على جنس كذا، وعلى تقدير كذا وزنا أو كيلا أو عددا، لا يبقى ترديد في الانطباق في مقام أخذ المقرض وأداء المقترض ما في ذمته. فالقرض والسلف من هذه الجهة من واد واحد، لما قلنا إن حقيقة القرض هو التمليك بالضمان، بمعنى أن في المثليات يأتي في ذمة المقترض المثل جنسا ووصفا وقدرا، فلابد من معرفتها وضبطها كم هو كذلك في السلف. فبناء على هذا يجوز الدين في كل ما هو مثلي، لأنه يمكن معرفته بالأوصاف. وأيضا مقداره بالكيل والوزن والعد، فمثل الحنطة والشعير وسائر الحبوبات كالعدس

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 25 ص 14. (*)

 

والحمص والماش والأرز يصح فيه الدين كيلا ووزنا، والذهب والفضة وزنا، لان تقديرهم في المتعارف بالوزن وبالكيل. مضافا إلى أنه ليس من المتعارف ربما يكون اختلاف بين ما اقترضه وبين ما يؤديه باعتبار اختلاف القطعات منهما، فتختلف الفرج التي بينها، فيضرر أحدهما، ولذلك يتعين في مثل هذه الأمور بالوزن لا بالكيل، وكذلك في كثير من المخاضير مثل الشلغم والجزر والبطيخ والبصل والثوم، فاختلاف قطعاتها توجب عدم صحة تقديرها بالكيل، بل لابد من تقديرها بالوزن. ذلك من جهة أنه لابد من أن يكون م تشتغل ذمة المقترض به مساويا في المقدار مع ما أخذ من المقرض، ولا يمكن في المذكورات إحراز ذلك إلا بالوزن، ففي الفواكه غالبا التساوي في المقدار لا يحصل ول يعرف إلا بالوزن، كالعنب والمشمش والتفاح. نعم ربما يتعارف في بعض البلاد معرفة التساوي في المقدار في بعض الفواكه بالعد كالبرتقال والنارنج، ومع ذلك الأحوط لو لم يكن الأقوى لزوم تقدير جميع الفواكه والمركبات بالوزن، لاختلافها بالصغر والكبر في الحجم الذي له دخل في المالية بما لا يتسامح فيه. نعم في الجواز وإن كان اختلاف أيضا من حيث الحجم ولكن العرف يتسامح فيه، وكذلك الاختلاف في البيض من حيث الاختلاف في الحجم كان يتسامح فيه سابقا قبل وجود هذه الدجاجات الجديدة بتوسط المكائن الجديدة، ولكن الظاهر أن الاختلافات الموجودة الآن من حيث كونه من الدجاج الأهلي أو من تلك الدجاجات التي راجعة إلى الاختلاف في الوصف، أو من حيث الصغر والكبر التي ترجع إلى الاختلاف في المقدار لا يتسامح فيها، ولذلك السعر عند العرف يختلف فيها، فلابد من تعيين المقدار ومعرفته بالوزن.

 

ومن جملة ما صار محل الكلام أن تقديره بالعد والوزن جميعا أو بخصوص الوزن هو الخبز، فقال في الشرائع: والخبز وزنا وعددا 1. وخالف بعض الفقهاء من المخالفين فأنكرو تقديره بالعد. وقال الشيخ في المبسوط: يجوز وزنا وعددا ومن أنكر من الفقهاء فقد خالف الإجماع 2. ويظهر من الشهيد قدس سره في الدروس 3 عدم جواز تقديره بالعد إذ علم بالتفاوت. وعلى كل حال ورد روايتان تدلان على جواز تقدير الخبز بالعد: الأولى: عن صباح بن سيابة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن عبد الله ابن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال: إنا نستقرض الخبز من الجيران، فنرد أصغر منه أو أكبر؟ فقال عليه السلام: نحن نستقرض الجوز الستين والسبعين عددا، فيكون فيه الكبيرة والصغيرة فلا بأس 4. الثانية: عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: استقرض الرغيف من الجيران ونأخذ كبيرا ونعطي صغيرا، ونأخذ صغيرا ونعطي كبير؟ قال عليه السلام: لا بأس 5. ورواية أخرى في أصل جواز استقراض الخبز من دون التعرض للاختلاف بين ما يؤخذ وبين ما يعطي، وهي رواية غياث، عن جعفر، عن أبيه عليهم السلام قال عليه السلام: لا بأس باستقراض الخبز 6.

 

(هامش)

 

(1) شرائع الإسلام ج 2 ص 68. (2) المبسوط ج 2 ص 161. (3) الدروس ج 3 ص 321. (4) الفقيه ج 3 ص 188 ح 3707 كتاب المعيشة باب الدين والقرض ح 29 وسائل الشيعة ج 13، ص 109 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 21 ح 1. (5) تهذيب الأحكام ج 7 ص 162 ح 719 باب التلقي والحكرة ح 24 وسائل الشيعة ج 13 ص 109، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 21 ح 2. (6) تهذيب الأحكام ج 7 ص 238 ح 1041 في باب من الزيادات ح 61 وسائل الشيعة ج 13، (*)

 

ودلالة هاتين الروايتين على جواز استقراض الخبز حتى مع التفاوت وزنا بين ما يأخذ المقترض وبين ما يؤدي وإن كان مما لا ينكر، ولكن تنصرفان إلى ما إذا كان التفاوت بينهما مما يتسامح العرف فيه، كالتفاوت التي بين أفراد الجوز، فإن الناس لا يعتنون بذلك التفاوت اليسير، فالحق في الخبز أن يقال: إن التفاوت بين القرض إن كان قليل كالجوز والبيض في الدجاج الأهلية، فيجوز القرض فيه عددا، وإلا لو كان التفاوت كثير لا يتسامحون فيه، فلا يجوز، بل يجب أن يكون بالوزن. فرع: بعد ما علمت أن القرض يوجب الاشتغال في المثلي بالمثل وفي القيمي بالقيمة، أقول: الضابط في كون المال مثلي عند الأكثر كالشيخ وابن زهرة وابن إدريس والمحقق والعلامة 1 وغيرهم هو أن يكون أجزاؤه متساوية في القيمة، مثلا لو كان هناك مَن مِنَ الحنطة بدينارين، نرى أن نصف ذلك المقدار يكون قيمته نصف قيمة المجموع، أي نصف المن بدينار، وكذلك ربعه بربع قيمة المجموع أي نصف دينار وهكذا. وعند بعض آخر المثلي ما يجوز فيه السلم، أي كان واجدا لشرائط صحة السلم فيه. وقال الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره في بيان الضابط في المثلي والميز بينه وبين القيمي: أن المثلي عبارة عما لا يتفاوت أفراد نوعه أو صنفه، ولا يتميز كل فرد عن الآخر بحيث لو اختلطا أو امتزجا وكانا من مالكين تحصل الشركة القهرية، وذلك كما أنه لو اختلط مَن مِن الحنطة لشخص مع من آخر من ذلك الصنف لشخص آخر، أو مَن مِن الأرز لشخص مع من آخر من ذلك الصنف لشخص آخر، تحصل الشركة

 

(هامش)

 

= ص 109 ح 23850 كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 21 ح 3. (1) الشيخ في المبسوط ج 3 ص 59 وابن زهرة في الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 537 وابن إدريس في السرائر ج 2 ص 480 والمحقق في شرائع الإسلام ج 2 ص 68 والعلامة في قواعد الأحكام ج 1 ص 203. (*)

 

بين المالكين في ذلك المختلط قهرا، لعدم الامتياز بين المالين بحيث يقال هذا لفلان وهذا لفلان 1. ثم إن الأصحاب ذكروا تعريفات أخر للمثلي، فعن السرائر أنه ما تماثلت أجزاؤه وتقاربت صفاته 2، وعن الدروس والروضة: أنه المتساوي الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات 3، وقال في المسالك والكفاية: أنه أقرب التعريفات إلى السلامة 4، وعن غاية المراد: ما تساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية 5. ولكن أنت خبير بأن هذه التعريفات ليست تعريفات حقيقية وجامعة ومانعة، وربما يكون المعروف في نظر العرف أعرف من بعضها، فتكون فاقدة لكلا شرطي التعريف الحقيقي، وهما تساويهما في الصدق وكون المعروف أجلى. وزاد شيخنا الأستاذ قدس سره قيودا أربعة على تعريف المشهور الذي هو أجود التعاريف: الأول: أن يكون تساوي الصفات والآثار بحسب الخلقة الإلهية، لا بصنع مخلوق. فيخرج بهذا القيد التساوي الذي يحصل بين أفراد نوع واحد، أو صنف واحد بتوسط المكائن والفابريقات الجديدة، كما هو الحال في هذه الإعصار في أغلب ما يحتاج إليه الإنسان في عيشه من أثاث البيت. وأدوات طبخه، وأدوات المنزل من ظروفه وأوانيه وفرشه وأدوات طبخه، حتى الكتب العلمية وكتب الأدعية، بل القرائين المقدسة، فإنه كلها أو جلها من صنع المكائن ومتساوية في الصفات التي لها دخل في زيادة القيمة وقلتها من حيث جنس كاغذها أو جنس

 

(هامش)

 

(1) كتاب المكاسب ص 105. (2) لم نعثر عليه في السرائر، وحكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب ص 106، في تعريف المثلي والقيمي. (3) الدروس ج 3 ص 113 الروضة البهية ج 7 ص 36. (4) مسالك الإفهام ج 2 ص 208 كفاية الأحكام ص 257. (5) غاية المراد ص 136. (*)

 

حروف طبعها. والإنصاف: أن الأفراد التي من صنع المكائن من أي نوع كان، ومن أي صنف كان تماثلها وعدم الميز بينها من حيث الصفات النوعية أو الخصوصيات الصنفية أقوى وأشد بكثير من التساوي بين أفراد نوع واحد أو صنف واحد مما هو من المخلوقات الإلهية. فالتساوي بين استكان واستكان، أو كتاب وكتاب، أو ظرف وظرف، أو سائر الأدوات والأمتعة مما صنع في مكينة واحدة على شكل واحد ومنهج واحد أشد وأقوى من التساوي بين أبعاض بعض الحبوب التي انعقد الإجماع على أنها من المثليات فلا وجه لإنكار كونها من المثليات. وسنذكر وجه عدم جواز الإنكار إن شاء الله تعالى، وقد ذكرنا الوجه مفصلا في قاعدة وعلى اليد ما أخذت في المجلد الرابع من هذا الكتاب. الثاني: أن لا يتغير بالبقاء ولا يفسد، كما هو الحال في بعض الفواكه والمخاضير مم يفسد ليومه. والدليل الذي أقامه على اعتبار هذا القيد أيضا لا يخلو من ضعف، فهل يمكن أن يقال إذا أتلف مقدارا من العنب الذي كان في هذه السلة، أو الرطب الذي كان في هذه السلة، فيعطى لمالكهما من نفس تينك السلتين من صنف ذلك العنب ومن صنف ذلك الرطب عين ذلك المقدار أنه ما أدى ما أتلف، لأنه لا يبقى ويتغير، فهذا التقييد أعجب من التقييد الأول. الثالث: أن يكون المماثل كثيرا مبذولا، لا أن يكون قليلا نادر الوجود، خصوصا إذا كان مالكه لا يبيعه إلا بسعر غالي. وهذا الوجه صحيح لما سنذكره. الرابع: أن يكون تماثل الصفات موجبا لتماثل القيمة وتساويها، أي قيمة التالف

 

وقيمة هذا الذي يريد أن يؤدي به التالف ويدفعه إلى مالك من وقع التلف على ماله. وهذا القيد لا يخلو من وجه، لما سنذكره إن شاء الله تعالى. والتحقيق في هذا المقام هو أن الضمان مطلقا - سواء كان سببه الاقتراض، أو اليد غير المأذونة من قبل المالك، أو من هو بمنزلة المالك، أو كان إتلاف مال الغير، أو كان غير ذلك من الأسباب المعروفة المعلومة - عبارة عن اشتغال الذمة بمال الغير وحقه، فيجب عليه أداؤه ورده إلى صاحبه بحيث يكون ما يؤدي ويفرغ به ذمته عرفا هو عين ما في عهدته ويقال هو هو. وحيث أن في مورد التلف لا يمكن رد ذلك الذي كان تحت يده الغير مأذونة أو الغاصبة، فلابد أن يكون الهوهوية بين ما يرد ويؤدي وبين ما كان تحت يده هو هوية عرفية ل حقيقية، فلابد أن يكونا متساويين في صفاتهما النوعية والصنفية التي لها مدخلية في القيمة باختلافها، وذلك من جهة أن عمدة النظر في أبواب الضمان إلى حفظ مالية مال المضمون له بعد تعذر رد عين ماله، أو عدم امكانه لتلفه. والقرض حيث أن بناء الطرفين المتعاملين - أي المقرض والمقترض - على استهلاك المال الذي يقترضه فمن أول الأمر بناؤهما على رد ما هو عوض ما أخذ، وإن كان يلزم أن يصدق عليه رد ما أخذه، بحيث يقال عرفا إنه هو، ويكون بين ما أخذ وما يرد الهوهوية العرفية، فلابد وأن يكونا متحدين في المهية النوعية والصفات الصنفية التي لها دخل في المالية. وأما الخصوصيات الشخصية فتلفت بتلف الشخص ولا يمكن ردها. ففي كل مورد وقع التلف على المقبوض الذي في ضمان القابض يجب عليه رد ما قبض، ولكن حيث لا يمكن رد عين ما قبض لتلفه أو من جهة بناء الطرفين على استهلاكه وقضاء حاجته به، فلابد أن يرد ما هو أقرب إلى التالف بعد حفظ ماليته أن يكونا متحدين في المهية النوعية والصفات الصنفية، وكل ماله دخل في

 

ماليته كي يحتفظ المقبوض منه على مالية ماله. وهذا ما يسمى بالمثل، حيث أنه مثل المقبوض في المهية والصفات المصنفة، وأما الخصوصيات الشخصية فقد فاتت ولا يمكن تداركها. نعم إذا لم يكن أداء المقبوض بحيث يقال هو هو ولو عرفا - أي لا يمكن حفظ جهاته النوعية والصنفية - فقهرا تصل النوبة إلى حفظ جهته المالية فقط التي هي العمدة في أبواب الضمان، وهذا يسمى بالقيمي. فالضابط في باب المثلي والقيمي هو أنه إن كان للمقبوض الذي فيه الضمان على القابض ما يماثله في المهية النوعية والصفات الصنفية مع حفظ ماليته فهو مثلي، ومع وجوده يجب على الضامن دفعه في مقام الأداء، وإن لم يكن ما هو كذلك فهو قيمي، ويجب دفع قيمة المقبوض. نعم يشترط فيما يكون مثلي أن يكون ذلك كثير الوجود ولا يكون نادر الوجود، خصوصا إذا كان لا يبيعه مالكه إل بسعر غال، لان هذا في حكم العدم وكان العرف لا يراه موجودا فيرى أن رده لا يمكن عادة، وما لا يمكن رده عادة لا يستقر في عهدة لأنه يرى الاعتبار في العهدة لغو. وكذلك يشترط أن يكون تماثل الصفات موجبا لتماثل قيمتها، كي يكون مالية مال المقبوض محفوظا، التي قلنا إن العمدة هي في أبواب الضمانات. وخلاصة الكلام: أنه لم يرد نص في بيان المراد من المثلي والقيمي، ولم يعلق الحكم في لسان الشرع على المثلي والقيمي، وإنما مفاد أدلة الضمان ليس إلا رد ما أخذه وما كانت عهدته مشغولا به. وهذا الذي قال الفقهاء بأن الرد في المثلي بالمثل وفي القيمي بالقيمة هو حسب مقتضى القواعد الأولية. نعم إذا ثبت في مورد إجماع على أنه يجب أن يرد القيمة فيما بين أنه مثلي أو بالعكس، يجب إتباعه لحجيته، وإلا يجب الأخذ بالضابط الذي ذكرناه، لأنه

 

مقتضى القواعد الأولية. فرع: لاشك في ثبوت المثل في الذمة في المثلي لأنه أقرب إلى التالف، وواجد لمالية التالف، واشتراكه معه في المهية النوعية والصفات الصنفية التي لها دخل في تماثل الماليتين. وإنما الكلام في القيمي وأنه هل تتعين القيمة، أو للمقترض أن يعطي في مقام الأداء مثله على فرض وجوده ولو كان من باب الاتفاق؟ ثم إنه على تقدير إعطاء القيمة تعيينا أو تخييرا هل في ذمته قيمة يوم الأخذ، أو قيمة يوم الأداء بعد المطالبة؟ فهاهنا أمران: الأول: أن القيمة التي تتعلق بعهدته وتستقر في ذمته هي قيمة يوم أخذ المال المقترض، أو قيمة يوم الأداء بعد المطالبة إذا اختلفت القيمتان. الثاني: أنه له إعطاء المثل في القيمي بحيث يكون للمقرض مطالبة خصوص القيمة وعدم قبول المثل أم لا؟ فنقول: أما الأول: فالظاهر أن الذي يتعلق بعهدته هو قيمة يوم التسليم وأخذ المال المقترض، إذ بالأخذ وتسليم المقرض للمقترض يحصل الملك، والمفروض أنه ليس مجانا بل بعوض، فلابد أن يكون حصول الملك للمقترض ودخوله في ملكه بعوض في ظرف اشتغال ذمته بذلك العوض هي القيمة، فلابد أن يكون قيمة ذلك الوقت. وهذ واضح جد.

 

وأما الثاني: فقال في الشرائع: ولو قيل يثبت مثله في الذمة أيضا كان حسنا 1، لعدم الشبهة في أن المثل إذا وجد لشيء ففي جعله عوضا وبدلا أولى من قيمته، لان إعطاء القيمة يوجب تدارك مالية التالف فقط، وفي إعطاء المثل مضافا إلى تدارك المالية يتدارك به الجهات النوعية والصنفية أيضا. ولكن ربما ينافي ذلك الإجماع على أن أداء ما في العهدة في القيميات بالقيمة وفي المثليات بالمثل، والتفصيل قاطع للشركة. اللهم إلا أن يقال، إن معقد الإجماع المدعى في المقام هو جواز إعطاء القيمة في القيميات لا تعينه. ولكن هذا خلاف ظاهر ما قالوا. نعم روى الجماعة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أخذ قصعة امرأة كسرت قصعة أخرى، وحكم بضمان عائشة إناء حفصة وطعامها بمثلهما، وأنه استقرض بكرا ورد بازلا تارة واستقرض أخرى بكرا فأمر برد مثله 2. فمن هذه المذكورات يظهر جواز إعطاء المثل في القيميات في مقام، وذلك لان الطعام والإناء والقصعة والبكر والبازل كلها من القيميات، ومع ذلك رد رسول الله صلى الله عليه وآله في مقام مثل ما اقترض، أو أمر بإعطاء المثل، كما في قضية عائشة وحفصة على ما سمعت من حكمه صلى الله عليه وآله بضمان عائشة مثل الطعام والإناء. اللهم إلا أن يقال: بضعف سند هذه الروايات وعدم حجيتها. وما قلنا من جواز إعطاء المثل في مقام الأداء في القيميات مبني على جواز إقراض القيميات، وإلا فلا يبقى محل ومجال لهذ الكلام. وقد تقدم ثبوت الإجماع على جواز إقراض كل ما يصح ضبطه من حيث

 

(هامش)

 

(1) شرائع الإسلام ج 2 ص 68، المقصد الخامس: في القرض، الثاني: ما يصح إقراضه. (2) السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 21 باب من أجاز السلم في الحيوان...، وكذلك ج 6 ص 96 باب رد قيمته إن كان من ذوات القيم... (*)

 

أوصافه التي تختلف باختلافها وقدره ويجري فيه السلف. وقال في التذكرة: الأموال إم من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم، فالأول يجوز إقراضه إجماعا، وأما الثاني فإن كان مما يجوز فيه السلم جاز إقراضه أيضا على المشهور، بل ادعى جماعة الإجماع على الجواز، وإن لم يكن مما جاز فيه السلم ففيه قولان 1. فرع: يجوز إقراض الجواري واللئالي بناء على أن ضمانهما بالقيمة، لان المتعذر فيهما هو المثل بحيث يكون مضبوطا، وأما القيمة فيمكن ضبطها، خصوصا بالمراجعة إلى أهلها من تجار الجواهر في اللئالي، والنخاسين في الجواري، فهؤلاء يعرفون قيمتها، فالبياعون للئالي يعرفون قيمة اللؤلؤ، والنخاسون يعرفون قيمة الجواري، فيمكن ضبط قيمتهما بالمراجعة إليهم والسؤال عنهما، فبناء على اشتغال ذمة المقترض بقيمتهما لاإشكال في إمكان ضبط قيمتهما، فلا يبقى مانع عن جواز اقتراضهما. وحكي عن المبسوط 2 وبعض آخر عدم الجواز، ولكن مقتضى اطلاقات أدلة القرض هو الجواز. وأما ادعاء الإجماع على لزوم إمكان ضبط أوصاف مال المقترض ومقداره كيلا أو وزنا أو عدا، وهذا لا يمكن في الجواري واللئالي. ففيه: أن هذا الشرط على تقدير عدم امكانه في الجواري واللئالي مختص بما إذا كان الضمان واشتغال الذمة بالمثل، فيجب وجود هذا الشرط لسهولة تطبيق ما في الذمة على الخارج في مقام الأداء. وأما لو لم يكن ما في العهدة هو المثل، بل

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 5. (2) المبسوط ج 2 ص 161. (*)

 

كان اشتغال الذمة بالقيمة، فطريق ضبط القيمة في كمال الوضوح والسهولة، وهو ما ذكرن من المراجعة إلى النخاسين حال اقتراض الجواري، وإلى بياعي اللؤلؤ حال اقتراض اللئالي، فتنضبط القيمة ولا يبقى إشكال في البين. فالأظهر ما ذهب إليه المشهور، بل ادعى الإجماع في التذكرة والمسالك والكفاية عليه هو الجواز 1. وقال الشيخ في المبسوط: لا أعرف نصا لأصحابنا في جواز إقراض الجواري ولا في المنع، والأصل جوازه، وعموم الأخبار يقتضي جوازه 2. وما ذكره الشيخ كلام حسن. فرع: المشهور أن المقترض يملك القرض بالقبض، بل ادعى عليه الإجماع في الغنية والسرائر، بل وفي التذكرة وجمع آخر من الأساطين 3. ولكن التحقيق: أنه يملكه بالعقد بمقتضى القاعدة كسائر العقود المعاوضية لو لا الإجماع، وجواز القبض وصحته من آثار كون المقترض مالكا بالعقد. نعم في بعض العقود تحصل الملكية بالقبض كالهبة، ولكن ذلك لورود الدليل على أن القبض شرط لصحتها، فهناك العقد جزء السبب والجزء الآخر هو القبض. وأما في القرض فليس الأمر كذلك، بل المقرض لو قال: أقرضتك الشيء الفلاني، وقبله المقترض يحصل الملك. هذ مقتضى القواعد الأولية، ولكن ثبت الإجماع على عدم حصول الملك

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 5 مسالك الإفهام ج 1 ص 175 و 176 كفاية الأحكام ص 103. (2) المبسوط ج 2 ص 161. (3) الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 529 السرائر ج 2 ص 60 تذكرة الفقهاء ج 2 ص 6، المبسوط ج 2 ص 161. (*)

 

بصرف العقد، بل يحتاج إلى القبض. قال في الجواهر: ولا قبله - أي القبض - بعقد القرض إجماعا بقسميه، انتهى 1. وبناء على ما ذكره صاحب الجواهر وجمع آخر يكون حال القرض في اشتراط القبض في حصول الملك حال الهبة، لثبوت الإجماع على ذلك. هذا إذا كان الاقتراض بالعقد، وأما إذا كان بالمعاطاة فلا محالة تحصل الملكية بالقبض، لان تمامية المعاطاة بالقبض. وأما القول بحصولها بالتصرف فلا وجه له، لأنه لا يجوز التصرف إلا بعد حصول الملكية، وإلا يكون التصرف في مال الغير، فيحتاج إلى الإذن من المقرض. والبناء العملي عند الناس ليس على هذا، بل بعد تمامية العقد وحصول القبض يرى نفسه مالكا ولا يراجع المقرض في تصرفاته أصلا. والحاصل: أن مقتضى المعاوضة والتمليك بالضمان الذي هو حقيقة القرض وإمضاء الشارع هذه المعاوضة هو حصول الملك بنفس العقد إذا كان القرض بالعقد لا بالمعاطاة، ولكن الإجماع قيده بالقبض. وأم شرطية التصرف لحصول الملك فلا دليل عليه، بل الدليل على عدمه، وهو ما ذكرنا من حصول السبب التام قبله. وأما ما يقال في وجه عدم كون التصرف شرطا له، من أن التصرف موقوف على الملك، فكيف يمكن أن يكون شرطا لحصوله. ففيه: أن تقدم الشرط على المشروط رتبي وليس زمانيا، فيمكن أن يوجدا في زمان واحد، بل لابد أن يكون كذلك، فلا مانع من أن يكون التصرف شرطا لحصول الملك، ومع ذلك يكون وجودهما في زمان واحد. وقد شرحنا ذلك في باب الترتب في الاصول 2 وفي الفسخ الفعلي إذا كان له

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 25 ص 23. (2) منتهى الاصول ج 1 ص 334. (*)

 

الخيار وكان الفسخ بالأفعال التي هي متوقفة على الملك كالوقف والعتق والوطي، وقلن هناك إنه يكفي في جواز هذه الأفعال إيجادها في زمان كون الجارية أو العبد أو ذلك المال الذي يوقفه ملكا. نعم ذلك في العلة الموجودة لا يمكن، أي لا يمكن أن يكون شيئان كل واحد منهما علة لوجود الآخر، ولكن لا بأس بأن يكون الشرط والمشروط كلاهم معلولين لعلة واحدة، أو كان كل واحد منهما معلولا لعلة غير علة الأخرى، فالعمدة في عدم كون التصرف شرطا لحصول الملك عدم الدليل عليه لا عدم امكانه، بل المطلقات التي لا مقيد لها دليل على العدم. فرع: هل للمقرض الارتجاع العين المقروضة بعد القبض وحصول الملك للمقترض أم لا؟ ربما يقال بعد ما كان القرض من العقود الجائزة وللمقرض الفسخ في كل وقت أراد، فله الارتجاع. وفيه: أن الارتجاع بالفسخ وحل العقد شيء، وباستيفاء حقه شيء آخر، ومحل البحث هو الثاني. والتحقيق: أن المقرض إذا كان في مقام مطالبة حقه على المقترض واستيفاء ما عليه وما في ذمته له، فليس له الارتجاع، لان م له عليه إما قيمة ما أقرضه لو كان قيميا، أو مثله لو كان مثليا، وأما خصوص ما أقرضه فصار ملكا للمقرض وصار كسائر أمواله، وليس للمقرض تعيين ما له وحقه في مال بالخصوص من أموال المقترض، بل للمقترض أن يوفي دينه ويؤدي ما اقترضه بأي مال من أمواله التي يكون قابلا للانطباق عليه، لان ما يملكه المقرض عليه ويستقر في ذمة المقترض الكلي قابل للانطباق على كل فرد من أفراده، وأما الخصوصيات فهي باقية على

 

ملك المقترض، فله التطبيق والتعيين، فليس للمقرض إلزام المقترض بارتجاع خصوص العين المقترضة. وأما إذا كان في مقام الفسخ وحل العقد، فالظاهر أنه لا دليل على جواز عقد القرض إلا دعوى الإجماع عليه. ولكن الظاهر أن الإجماع المدعى عندهم على الجواز ليس بمعنى جواز الفسخ وحل العقد كي يرجع كل واحد من العوضين إلى صاحبه كما هو الشأن في العقود المعاوضية الجائزة، بل المراد من الجواز القرع أن المقرض ليس ملزما ببقاء ماله عند المقترض مدة طويلة أو قصيرة، بل في أي وقت من الأوقات له مطالبة ماله ولو بعوضه المثلي أو بقيمته، وإلا فمقتضى أصالة اللزوم في العقود وفي الأملاك عدم جواز فسخه. وقد شرحنا وجهه في العقود وفي الأملاك في قاعدة أصالة اللزوم في العقود في المجلد الخامس من هذا الكتاب. والشاهد على ذلك أنهم اختلفوا اختلافا كبيرا في أنه هل للمقرض ارتجاع عين المال المقروضة أم لا، ولو كان الجواز بمعنى الفسخ وحل العقد اتفاقيا لما كان وجه للاختلاف في إمكان الارتجاع، فمن ذلك يعلم أن قولهم بجواز القرض هو المعنى الذي ذكرنا لا الفسخ وحل العقد، فبناء على هذا لا وجه للقول بجواز الارتجاع، بل الأظهر - لو لم يكن أقوى - عدم جواز ارتجاع عين المال المقروضة كما هو المشهور عندهم كما في المسالك، بل ادعى في الجواهر 1 الإجماع بين المتأخرين. فرع: قال في الشرائع: لو شرط التأجيل في القرض لم يلزم 2. وهذه العبارة يحتمل فيه معنيان:

 

(هامش)

 

(1) مسالك الإفهام ج 1 ص 176، جواهر الكلام ج 25 ص 28. (2) شرائع الإسلام، ج 2 ص 68. (*)

 

أحدهما أن يكون الاشتراط في نفس عقد القرض، والآخر أن يكون في ضمن عقد لازم آخر. أما الأول: فبعد ما فرغنا عن أن القرض عقد جائز، وأن الشرط في ضمن العقد الجائز ل يكون لازم الوفاء به، لا يبقى مجال للكلام في أنه هل شرط التأجيل في ضمن العقد القرضي لازم الوفاء به أم لا، إذ من الواضح أنه كما أن سائر الشروط في ضمن سائر العقود الجائزة لا يلزم الوفاء بها، فكذلك الحال في هذا الشرط وهذا العقد. هذا، مضافا إلى ما ادعاه صاحب الجواهر 1 من عدم وجدان الخلاف في عدم لزوم هذا الشرط قبل الكاشاني، ومعلوم أن مخالفة الكاشاني لا يضر بالإجماع لو تحقق الإجماع قبله. نعم هنا شيء آخر، وهو أن عقد القرض ليس بجائز كما احتمله في المسالك 2 بدليل عدم لزوم رد العين المقروضة ولو طالبها الدائن وكانت باقية حين الأداء، مع أن العقد لو كان جائزا فبمحض الفسخ ينحل العقد ويرجع كل واحد من العوضين إلى ملك مالكه قبل المعاوضة، فالعين المقروضة ترجع مع بقائها إلى ملك المقرض، ولا يبقى مجال للبحث في أن للمقرض استرداد نفس العين لو كانت باقية، أم لا. فهذا البحث يدل على أن بناءهم على عدم وجوب رد العين دليل على عدم جواز العقد، بل يكون قولهم بالجواز وتصريحهم بذلك في بعض العبارات يكون بمعنى آخر، لا أن العقد ينفسخ، وذلك المعنى الآخر هو أن عقد القرض لا يوجب لزوما حقيا للمقترض، بل في كل وقت أراد استنقاذ حقه واسترجاع ماله الذي اشتغلت ذمة المديون به له، لأنه لم يتعهد بشيء للمديون، بل هو مثل الهبة ليس

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 25 ص 30، الكاشاني في مفاتيح الشرائع ج 3 ص 125 و 126، مفتاح 996 و 997. (2) مسالك الإفهام ج 1 ص 176. (*)

 

تعهد في ذمة الواهب للموهوب له، بل صرف تمليك له، فله أن يرجع ما دامت العين باقية. وكذلك في المقام صرف تمليك للعين المقروضة من قبل المقرض، غاية الأمر أنه في الهبة ليس شيء آخر كي يرجع إليه بعد تلف العين، ولذلك لو كانت العين باقية له أن يرجع إليها، وبعد تلفها لا شيء. أما في القرض حيث أنه تمليك مع العوض، فيملك في ذمة المديون عوض العين المقترضة، وبعد تلف العين المقروضة أيضا ذمته مشغولة بعوضها، فللدائن الرجوع إلى ما هو موجود في ذمته. وهذا معنى الجواز في عقد القرض والهبة ل بمعنى حق فسخ العقد، كما توهم. وأنت خبير بأن هذا المعنى من الجواز لا ينافي مع لزوم المعاملة بمعنى عدم جواز حلها وفسخها، فيكون الشرط في ضمنها أيضا لازما. هذ بناء على أن الاشتراط في ضمن نفس عقد القرض. وأما بناء على أن يكون الاشتراط في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في لزوم الوفاء بالشرط حسب ما حققناه في باب وجوب الوفاء بالشرط وأن المؤمنين عند شروطهم، فمقتضى القواعد الأولية لزوم شرط التأجيل، خصوص إذا كان في ضمن عقد لازم آخر. اللهم إلا أن يكون إجماع في البين، كما ادعاه صاحب الجواهر أو يظهر من كلامه 1، وقد حكى الإجماع في مفتاح الكرامة أيضا عن مجمع البرهان 2، وحكى أيضا كلاما عن صاحب الرياض ربما يكون يستشم منه الإجماع، حيث حكى عنه

 

(هامش)

 

(1) جواهر الكلام ج 25 ص 28. (2) مفتاح الكرامة ج 5 ص 53، مجمع الفائدة والبرهان ج 9 ص 77. (*)

 

أنه قال: ولا خلاف فيه يعرف الا ممن ندر من بعض من تأخر 1. وأيضا حكى عنه أنه قال: وربما أشعرت عبارة الشرائع 2 وغيرها بالإجماع، وهو الحجة. وخلاصة الكلام: أنه إن كان إجماع فهو، وإلا فمقتضى القواعد نفوذ هذا الشرط وأنه يلزم، سواء كان شرط التأجيل في ضمن نفس عقد القرض، أو كان في ضمن عقد لازم غير القرض. ومما استدلوا على لزوم شرط التأجيل مضمرة حسين بن سعيد، قال: سألته عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى، ثم مات المستقرض، أيحل مال القارض عند موت المستقرض منه أو للورثة من الأجل مثل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض 3. فهذه الجملة الشرطية تدل بالمفهوم أنه لو لم يمت المستقرض لم يحل مال القارض، وهذا مرجعه إلى لزوم القرض المؤجل إلى حلول أجله. ورده صاحب الجواهر أولا: بأنه إشعار بهذا المعنى، أي لم يبلغ إلى حد الظهور. وثانيا: بأنها مهجورة ومتروكة 4. أقول: إما إنكار الظهور إن كان من جهة إنكار وجود المفهوم للقضية الشرطية فلا وجه له، لما بينا في الاصول من ثبوت المفهوم للقضية الشرطية على التفصيل الذي ذكرنا هناك، وإن كان مراده أن المفهوم وإن كان ثابتا لكن لا يدل على أن شرط التأجيل موجب للزوم القرض، فله وجه، من جهة أن غاية ما يدل عليه المفهوم هو أنه في صورة عدم موت المستقرض لا يصير الدين المؤجل حالا وفعليا، لان الأدلة

 

(هامش)

 

(1) رياض المسائل، ج 1 ص 578. (2) شرائع الإسلام ج 2 ص 68. (3) تهذيب الأحكام ج 6 ص 190 ح 409، في الديون وأحكامها ح 34، وسائل الشيعة ج 13 ص 97، كتاب التجارة أبواب الدين والقرض باب 12 ح 2. (4) جواهر الكلام ج 25 ص 33. (*)

 

تدل على أن الديون المؤجلة تصير حالة بموت المديون، وأما في صورة عدم الموت باقية على ما كان، إن كان لازما فلازم، وإن كان جائزا فجائز. وأما ردها بأنها مهجورة متروكة فصحيح، من جهة أن الإجماع أو الشهرة قائمة على خلافها. ومما استدل بها على أن هذا الشرط يلزم قوله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) 1. ببيان أنه لو كان التأجيل لا أثر له فلا يكون وجه للكتابة، ويكون تعليق الكتابة على كون الدين إلى أجل مسمى بلا فائدة، فلابد وأن يقال: حيث أن التأجيل ملزم فلابد وأن يكتب كي لا يفوت حق ذي الحق بالتقديم والتأخير. ولكن أنت خبير بأن الآية ظاهرة في وجوب الكتابة أو استحبابها لفائدة عدم ضياع حق الدائن بالموت من أحدهما، فحال الكتابة حال الرهن شرع لأجل عدم تضييع مال الدائن، سواء كان إلى أجل أو لم يكن. وأما تخصيصه بالذكر فمن جهة أن ضياع الحق وتلف مال الدائن غالبا يصير في الدين المؤجل، خصوص إذا كان الأجل طويلا ربما يكون موجبا للنسيان أو عوارض أخر، فالآية كما هو واضح مم قبلها وما بعدها أن الكتابة مثل الرهن موجب للاستيثاق من ماله، وأجنبية عن دلالة التأجيل على اللزوم. وأما الاستدلال على أن شرط التأجيل ملزم لعموم المؤمنون عند شروطهم 2 و (أوفوا بالعقود) 3. فالجواب ما ذكرنا من كونها فيما إذا كان في ضمن العقود اللازمة، ولا يشمل الشروط الابتدائية، ولا الواقعة في ضمن العقود الجائزة.

 

(هامش)

 

(1) البقرة 2: 282. (2) تقدم ص 18، هامش 4. (3) المائدة 5: 1. (*)

 

وأما ما في فقه مولانا الرضا عليه السلام: من أقرض قرضا ولم يرد عليه عند انقضاء الأجل كان له من الثواب في كل يوم صدقة دينار 1. فغاية ما يدل أن إمهال المديون وعدم التسرع إلى المطالبة مستحب وممدوح وفيه الثواب، وهذا أجنبي عما نحن بصدده. فرع: لو أجل المقرض المقترض بعد وقوع القرض واشتغال ذمته بعوض ما اقترض من المثل أو القيمة، فهل يتأجل أم لا؟ الظاهر العدم، لعدم ملزم في البين في هذه الصورة، لعدم شرط من طرف المقترض، لا في عقد القرض، ولا في ضمن عقد لازم آخر كي يشمله عموم قوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم 2، بل هو وعد ابتدائي يستحب الوفاء به. ومقتضى الأصل أيضا بقاؤه على ما كان من عدم اللزوم. قال في الشرائع: لا فرق - في عدم حصول اللزوم بالتأجيل المذكور - بين أن يكون الدين مهرا أو ثمن مبيع اشتراه أو غير ذلك من أسباب الدين 3، وذك لوحدة الملاك في الجميع وعدم ملزم في البين، فم دام له حق المطالبة في جميع هذه الموارد لا يسقط بصرف وعد من قبل المقرض وتأجيله. وهذا واضح جدا. فرع: لو أخر المقرض الدين الحال بزيادة في مقدار الدين لم تثبت الزيادة ولا الأجل، بل هو بحسب الظاهر من الربا المحرم، وذلك من جهة أن الربا في القرض عبارة عن كون العوض الذي يأخذه أزيد مما يعطيه، وإن كان الأخذ بعد

 

(هامش)

 

(1) فقه الرضا عليه السلام ص 257، 38 باب الربا والسلم والدين والعينة. (2) تقدم ص 18، هامش 4. (3) شرائع الإسلام ج 2 ص 68. (*)

 

مضي مدة من الزمن، ولو كان بقصد كون الزيادة عوضا عن تأخير الأداء في تلك المدة، بل لا معنى للربا في القرض إلا هذا المعنى، إذ العاقل لا يأخذ شيئا بأزيد منه مع التزامه بإعطاء العوض نقدا. نعم لا يلزم أن تكون الزيادة التي يأخذونها بإزاء المدة عينية، بل ربما تكون لأجل وصف الجودة، كما أنهم ربما يأخذون نصف حقه من الدهن الجيد الحيواني بإزاء حقه من النباتي نقدا، ولكن لا يقدمون على أخذ الشيء بالزيادة في المقدار نقدا لا لأجل المدة أو لأجل وجود صفة أو فقدها في احديهما، فكون الزيادة في مقابل تأخير المدة هي عين الربا المحرم إجماعا. نعم ربما يحتال بأن يبيع مثلا متاع بما هو مثله وزنا ومقدارا ووصفا، ولكن يشترط على المشتري أن يبيع متاعه المرغوب فيه بأقل من قيمته، أو يشتري منه متاعا بأكثر مما يساوي بحسب القيمة ويشترط على البائع أن يؤجل في دينه الكذا. فهذا يخرج عن كونه زيادة في القرض، لان الزيادة لم تقع في قبال المدة، بل الزيادة جعلت بالشرط في ضمن العقد. وبهذا المضمون وبصحته وردت روايات: منها: ما في الكافي، وهو موثق ابن عمار، فيه قلت للرضا عليه السلام: الرجل يكون له المال قد حل على صاحبه، فدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تساوي مائة درهم بألف درهم ويؤخر عليه المال إلى وقت؟ قال عليه السلام: لا بأس، قد أمرني أبي ففعلت ذلك 1. وزعم أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عنها فقال له مثل ذلك. ومنها ما في الكافي أيضا عن محمد بن إسحاق بن عمار أيضا قال: قلت لأبي

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 205 كتاب المعيشة باب العينة، ح 10 وسائل الشيعة ج 12 ص 380 كتاب التجارة أبواب أحكام العقود باب 9 ح 6. (*)

 

الحسن عليه السلام: يكون لي على الرجل دراهم، فيقول أخرني بها وأنا أربحك، فأبيعه حبة تقوم علي بألف درهم بعشرة ألاف درهم، أو قال بعشرين ألفا وأؤخره بالمال؟ قال: لا بأس 1. ومنها: أيضا في الكافي عن عبد الملك بن عتبة، قال: سألته عن الرجل أريد أن أعينه 2 المال ويكون لي عليه مال قبل ذلك، فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي عليه، أيستقيم أن أزيده مالا وأبيعه لؤلؤة تساوي مائة درهم بألف درهم، فأقول: أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخرك بثمنها وبمالي عليه كذا وكذا شهرا؟ قال عليه السلام: لا بأس 3. ومنها: ما رواه في الكافي أيضا عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل لي عليه مال وهو معسر، فاشترى بيعا من رجل إلى أجل على أن أضمن ذلك عنه للرجل ويقضيني الذي عليه؟ قال: لا بأس 4. ومنه: ما في الكافي عن هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عينت رجل عينة فقلت له: اقضني. فقال: ليس عندي تعيني حتى أقضيك. قال: عينه حتى يقيضك 5.

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 205 كتاب المعيشة باب العينة ح 11 وسائل الشيعة ج 12 ص 380 كتاب التجارة أبواب أحكام العقود باب 9 ح 4. (2) والتعيين هو عبارة عن أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل مما باعه به نقدا و يعطيه الثمن ويفعلون هذا فرارا عن الربا وفي القاموس يقول: عين التاجر، أي باع سلعة بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك ثمن. (3) الكافي ج 5 ص 206 كتاب المعيشة باب العينة ح 12 وسائل الشيعة ج 12 ص 380 كتاب التجارة أبواب أحكام العقود باب 9 ح 5. (4) الكافي ج 5 ص 205 كتاب المعيشة باب العينة ح 7، وسائل الشيعة ج 12 ص 372 كتاب التجارة أبواب أحكام العقود باب 6 ح 3. (5) الكافي ج 5 ص 205 كتاب المعيشة باب العينة ح 8، وسائل الشيعة ج 12 ص 372 كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود باب 6 ح 4. (*)