قاعدة الشرط الفاسد ليس بمفسد للعدق

43 - قاعدة الشرط الفاسد ليس بمفسد للعدق 

 

قاعدة الشرط الفاسد ليس بمفسد للعقد [ * ] ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة هي أن الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد أم لا ؟ وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في بيان الاقوال فيها فنقول: ذهب الشيخ (1) والقاضي وابن سعيد قدس سرهم وجماعة أخرى إلى عدم كونه مفسدا مطلقا، وذهب جمع من المحققين كالعلامة (4) والمحقق الثاني (5) والشهيدين (6) وغيرهم قدس سرهم بل

 

(هامش)

 

[ * ] (القواعد والفوائد) ج 2 ص 241، (الحق المبين) ص 74 (عناوين الاصول) عنوان 50، (قواعد فقه) ص 68 (مستقصى مدارك القواعد) ص 9 و 39، (قواعد فقهية) ص 119، (سه قاعده فقهى (الشرط الفاسد ليس بمفسد...)) سيد محمد موسوى بجنوردى فصلية (حق) دفتر 11 و 12 العام 1366. (1) (المبسوط) ج 2 ص 148 - 149. (2) نقل قوله العلامة في (مختلف الشيعة) ج 5 ص 321 ولم نعثر عليه في (المهذب) ولعله في (الكامل) من كتب القاضي (مخفوط). (3) (الجامع للشرائع) ص 251. (4) قواعد الاحكام) ج 1 ص 152، (مختلف الشيعة) ج 5 ص 321 الفصل (18) في الشروط مسألة: 295. (5) (جامع المقاصد) ج 4 ص 415 و 431. (6) الشهيدين (اللمعة - الروضة البهية) ج 3 ص 505 خيار الاشتراط. (*)

 

قيل جل المتأخرين إلى انه مفسد مطلقا. وفصل ابن زهرة (1) بين ما إذا كان سبب فساد الشرط كونه غير مقدور فقال بالافساد وبين ما إذا كان سببه كونه مخالفا لمقتضى العقد، أو كونه مخالفا للسنة، فقال بعدم الافساد وادعى الاجماع في كلا الموردين. وهناك تفصيل آخر نسب إلى ابن المتوج البحراني (2) وهو الافساد ان كان سبب فساد الشرط كونه غير عقلائي والا فلا. والحق: هو القول الاول وسيأتي بيانه وبرهانه إن شاء الله تعالى. [ الجهة ] الثانية في انه بعد الفراغ من ان الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به لفساده وبطلانه - والشارع لم يعتن بهذا الالتزام والالزام - فهل يستحب الوفاء به من حيث انه وعد ابتدائي لا من حيث انه الزام أو التزام في ضمن العقد اللازم، كي تقول بانه من هذه الجهة فاسد وباطل ولم يمضه الشارع. اقول: أما فيما إذا كان منشأ بطلان الشرط وفساده كونه مما احل حراما فلا وجه لاتيان هذا الاحتمال، وهذا واضح. واما فيما عداه مما ليس مخالفا للمشروع، فقد أفاد شيخنا الاعظم قدس سره انه لا تأمل فيه لكونه من الوفاء بالوعد الذي لا شبهة في حسنه عقلا واستحبابه شرعا (3). واستشكل عليه شيخنا الاستاذ قدس سره بان الوعد اخبار، فلا ربط له بباب الشروط التي تكون من مقولة الانشاءات، لما قلنا انها الزامات والتزامات في ضمن العقود اللازمة، فلا يشملها دليل استحباب الوفاء بالوعد كقوله صلى الله عليه وآله: (من كان يؤمن بالله

 

(هامش)

 

(1) (الغنية) ضمن (الجوامع الفقهية) ص 524 - 525. (2) حكى عنه الشيخ الانصاري في (كتاب المكاسب) ص 287. (3) (كتاب المكاسب) ص 287. (*)

 

واليوم الآخر فليف إذا وعد) (1) وكقوله عليه السلام: (عدة المؤمن اخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فيخلف الله بذا ولمقته تعرض، وذلك قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلوا) (2). (3) ولا دليل لزوم الوفاء بالشرط كقوله صلى الله عليه وآله: (المؤمنون عند شروطهم) (4) لان المراد من الشروط هي الشروط الصحيحة. ولكن يمكن ان يقال: ان الوعد ايضا نحو التزام بايجاد امر في المستقبل، فيكون من قبيل الانشاءات. ولذلك يقال: انه وفى بوعده، ولو كان صرف الاخبار عن أمر فيما سيأتي لما كان للوفاء به معنى. وأما اتصافه بالكذب والصدق في الكتاب العزيز في موارد كثيرة فلا دلالة فيه على انه ليس من الانشاءات، لان الانشاء لا يتصف بالصدق والكذب. وذلك من جهة ان الانشاء وان لم يتصف بهما باعتبار نفس الانشاء، لانه لا حكاية في الانشاء كي تكون مطابقة للمحكي أو غير مطابقة له، ولكن ربما يتصف بهما باعتبار قصد الحقيقي وعدمه بالنسبة إلى وقوع المنشأ وعدمه، فيكون اتصاف الوعد بهما من باب الوصف بحال متعلق الموصوف. هذا مضافا إلى ان العمل بالالتزام بامر لا شك في حسنه عقلا وشرعا وان لم يكن ذلك الالتزام مشمولا لدليل وجوب الوفاء بالشروط، إذا لم يكن مما ندب

 

(هامش)

 

(1) (الكافي) ج 2 ص 270 باب خلف الوعد ح 2، (وسائل الشيعة) ج 8 ص 515 أبواب أحكام العشرة باب 109 ح 2. (2) الصف (61): 2 و 3. (3) (الكافي) ج 2 ص 270 باب خلف الوعد ح 1، (وسائل الشيعة) ج 8 ص 515 أبواب أحكام العشرة باب 109 ح 3. (4) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 371 ح 1503 باب (31) في المهور والاجور...، ح 66، (الاستبصار) ج 3 ص 232 ح 835 باب (142) من عقد على امرأة وشرط لها ان لا يتزوج عليها ولا تيسري ح 4، (وسائل الشيعة) ج 15 ص 30 أحكام المهور باب 20 ح 4. (*)

 

الشارع إلى تركه. [ الجهة ] الثالثة في تعيين ما هو محل النزاع وبيان مورد ما وقع فيه الخلاف ؟ فنقول: الحق في مقام تحرير محل الخلاف هو أن يقال: كل شرط كان وجوده - أي الالتزام به أو الزام الطرف به - موجبا لاختلال العقد أو العوضين أو غيرهما من اركان المعاملة فهو خارج عن محل النزاع ولا شك في ان مثل هذه الشروط فاسدة ومفسدة للعقد، فلو باعه شيئا بشرط ان لا يملكه، أو زوجه بشرط عدم جميع الاستمتاعات منها فمثل هذا الشرط فاسد ومفسد يقينا، لانه مناقض للعقد، غاية الامر انه في المثال الاول تكون المناقضة بين الالتزامين - أي بين الالتزام العقدى والشرطي - صريحة، لان مفاد الاول تمليك ومفاد الثاني نفي التمليك. وفي المثال الثاني تكون بالدلالة الالتزامية، لان الزوجية المنشأة بالعقد وان كانت غير جواز الاستمتاعات منها إلا ان جواز الاستمتاع منها بطور الموجبة الجزئية من لوازمها، والا يكون اعتبارها لغوا وباطلا، فمفاد الشرط يكون نفي الزوجية من باب نفي الملزوم بنفي اللازم فيتناقضان. وهاهنا ربما يتوهم ان التناقض يكون فيما إذا امضى الشارع هذا الشرط ورتب عليه الاثر، فصحة العقد - بمعنى ترتيب الاثر عليه - مع صحة الشرط - أي ترتيب الاثر عليه - متناقضان، ولا تناقض بين العقد وصرف وجود هذا الشرط، فلو قلنا بفساد الشرط وعدم لزوم ترتيب الاثر عليه فلا تناقض في البين، في كلا المثالين - أي لا صريحا ولا بالدلالة والالتزامية - لان الشرط بناء على هذا يكون صرف لقلقة لسان، ووجوده كعدمه.

 

ولكن انت خبير بان مثل هذا الكلام متناقض من حيث المتفاهم العرفي، سواء أمضى الشارع مثل هذا الشرط أو لم يمضه، ولا يصح إنشاء النقل والانتقال أو الزوجية بمثل هذا الكلام المتناقض الذي ليس له مفهوم عرفي صحيح. نعم هذا الاشكال يأتي - وله مجال - فيما إذا لم يكن الشرط بوجوده موجبا لاختلال العقد أو أحد أركانه، بل يكون موجبا للاختلال على تقدير صحته وإمضائه من قبل الشارع، كما إذا باع العنب بشرط أن يعمله خمرا أو الخشب على أن يعمله صليبا أو صنما، فحصر المنفعة في هذه المنفعة المحرمة موجب لسقوط ماليته وبطلان البيع وفساده لذلك، لصيرورة المبيع بلا منفعة، بناء على هذا فيخرج عن المالية ويختل أحد أركان العقد وهو مالية أحد العوضين، ولكن هذا الخروج عن المالية حيث أنه ليس خروجا تكوينيا، بل يكون خروجا تشريعيا فيحتاج إلى إمضاء الشارع لهذا الشرط، وإلا فبصرف وجوده لا يوجب سقوط المالية. اللهم إلا أن يقال: إن حصر المالك منفعة المبيع في هذا المحرم موجب لسلب سائر المنافع عن ذلك المال، سواء أكان هذا الشرط صحيحا أم لا، فلا يبقى للمشتري إلا هذه المنفعة وهي محرمة، سواء أكان الشرط صحيحا أم فاسدا، فيكون الشرط من ذلك القسم الذي بوجوده يوجب الاختلال، لا باعتباره وإمضائه من طرف الشارع. إذا تدبرت فيما ذكرنا تعرف أن بعض التفاصيل في هذه القاعدة ليس قولا بالتفصيل، بل خارج عما هو محل الخلاف. وذلك كما إذا كان فساد الشرط موجبا لعدم القدرة على تسليم المبيع مثلا، أو صيرورة البيع غرريا، أو التناقض بين مفاد الشرط ومفاد العقد، فهذه الصور وأمثالها خارجة عن محل الكلام. وحاصل الكلام: أن النزاع في هذه القاعدة - وأن الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد الذى وقع هذا الشرط في ضمنه أم لا - يكون فيما إذا كان وجه كونه مفسدا

 

تقييد المعاملة أو إناطة الرضا بالنقل والانتقال أو بأي شيء كان مضمون العقد ومفاده بذلك الشرط ؟ فيقال: إن الشرط إذا كان فاسدا ولا يجب الوفاء به، بل لا يجوز فيما إذا كان محرما فهل ذلك العقد وتلك المعاملة تكون فاسدة - من جهة عدم الرضا بمضمونها أو من جهة انتفاء المقيد بانتفاء قيده - أم لا ؟، إذ لا يلزم محذور ؟ وأما لو كان الشرط سببا لاختلال أحد أركان العقد - أو أحد شرائط العوضين أو المتعاملين فهذا لا ربط له بهذه القاعدة. إذا عرفت هذه الامور، فنقول: الدليل على القول المختار - وهو عدم الافساد مطلقا - من وجوه: الاول: إطلاقات أدلة المعاملات والعقود، كقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) وغيره من العمومات والاطلاقات الواردة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات، ولا يجوز الخروج عنها إلا بمخصص أو مقيد، وليس في البين ما يكون صالحا لان يكون مخصصا أو يكون مقيدا عدا ما توهم من إناطة الرضا في العقد المشروط بذلك الشرط المذكور فيه ومن بعض الروايات التي ذكروها في مقام إثبات الافساد (2) ومن أن للشرط قسطا من الثمن، فإذا كان الشرط فاسدا يكون العوض في العقد مجهولا، لانه لا يعلم أي مقدار منه بإزاء نفس المبيع مثلا، وأي مقدار بإزاء الشرط. وسنتكلم إن شاء الله تعالى عن هذه الامور الثلاثة مفصلا في مقام الجواب عن أدلة القول بالافساد. الثاني: الاجماع الذي ادعاه السيد أبو المكارم ابن زهرة (3) قدس سره ولكن فيه على فرض تسليم وجوده لا وجه لحجيته مع وجود المدارك التي ذكرناها من العمومات

 

(هامش)

 

(1) المائدة (5): 1. (2) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 59 ح 253 باب البيع بالنقد والنسيئة ح 53، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 409 أبواب أحكام العقود باب 35 ح 1. (3) (الغنية) ضمن (الجوامع الفقهية) ص 524. (*)

 

والاطلاقات وما سنذكرها من الروايات. الثالث: الاخبار: منها: النبوى المشهور بين الفريقين المروية في كتب العامة والخاصة في قصة بريدة التي اشتراها أم المؤمنين عائشة، وهو ما رواه المشائخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام أنه ذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة. فاشترتها عائشة فأعتقتها، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (إن شاءت قعدت عند زوجها وإن شاءت فارقته) وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولاؤها، فقال صلى الله عليه وآله: (الولاء لمن أعتق) (1). ودلالة هذا الحديث الشريف المشهور بيننا وبين الجمهور على عدم إفساد الشرط الفاسد للعقد مما لا ريب فيه وواضحة جدا، وذلك لحكمه صلى الله عليه وآله بفساد الشرط وصحة العقد جميعا. أما حكمه صلى الله عليه وآله بفساد الشرط وأنه خلاف السنة فلقوله صلى الله عليه وآله: (إن شرط الله قبل شرطكم) (2)، وقوله صلى الله عليه وآله: (الولاء لمن اعتق). وأما حكمه بصحة العقد المشتمل على هذا الشرط الفاسد فلقوله صلى الله عليه وآله: (إن شاءت قعدت عند زوجها، وإن شاءت فارقتها) فإن تخييرها بين العقود عند زوجها وبين مفارقتها له موقوف على صحة عتقها، وهي موقوفة على صحة بيعها كي يكون

 

(هامش)

 

(1) (الكافي) ج 6 ص 198 باب الولاء لمن اعتق ح 4، (الفقيه) ص 134 ح 3497 باب ولاء المعتق ح 4، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 250 ح 907 باب العتق وأحكامه ح 140، (وسائل الشيعة) ج 16 ص 47 أبواب العتق باب 37 ح 2، (صحيح البخاري) ج 7 ص 62 باب 16، (سنن الترمذي) ج 4 ص 436 ح 2124 باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت، (سنن ابن ماجه) ج 1 ص 671 ح 2076 باب خيار الائمة إذا أعتقت. (2) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 370 ح 1500 باب المهور والاجور...، ح 63، (الاستبصار) ج 3 ص 231 ح 832 باب من عقد على امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسارى ح 2، (وسائل الشيعة) ج 15 ص 46 أبواب المهور باب 38 ح 1. (*)

 

العتق في ملك المعتق، وإلا فلا يصح العتق، فلا يكون لها التخيير. ومنها: مرسلة جميل وصحيحة الحلبي: فالاول: عن بعض أصحابنا عن أحدهما في رجل اشترى جارية وشرط لاهلها أن لا يبيع ولا يهب ؟ قال: (يفي بذلك إذا شرط لهم). وفي طريق آخر زاد (إلا الميراث) (1). والثاني: عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الشرط في الاماء لا تباع ولا تورث ولا توهب ؟ فقال: (يجوز ذلك غير الميراث، فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد) (2). وظاهر هذه الصحيحة والمرسلة هو أن البائع لو شرط على الذي اشترى جاريته أن لا يبيعها ولا يوهبها ولا تورث فيجب على المشتري أن يفي بالشرطين - أي عدم بيعها وعدم هبتها وشرط عدم الارث لا ينفذ، لانه خلاف كتاب الله تعالى، فهو مردود. ومعلوم أن وجوب الوفاء بذينك الشرطين موقوف على صحة البيع الذي وقعا في ضمنه، مع أن ذلك البيع مشروط بشرط فاسد أي: شرط أنها لا تورث، لانه خلاف الكتاب. فهذه الرواية تدل على أن الشرط الفاسد لا يكون مفسدا للعقد. ولكن يشكل الاستدلال بهذه الرواية على عدم كون الشرط الفاسد مفسدا بأنه مبنى على صحة اشتراط بيع الجارية بعدم بيعها وعدم هبتها كي يكون الوفاء بهما واجب، والمشهور يقولون بفساد هذين الشرطين وأنهما خلاف السنة، فلا يجب الوفاء بهما، فتكون الرواية قد اعرض عنها المشهور، بل ربما ادعى الاجماع على خلافه، إذ

 

(هامش)

 

(1) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 373 ح 1509 باب الومهور والاجور...، ح 72، (وسائل الشيعة) ج 13 ص 44 أبواب بيع الحيوان باب 15 ح 2. (2) (الكافي) ج 5 ص 212 باب شراء الرقيق ح 17، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 67 ح 289 باب ابتياع الحيوان ح 3، (وسائل الشيعة) ج 13 ص 43 أبواب بيع الحيوان باب 15 ح 1. (*)

 

حكى عن كاشف الرموز أنه قال: لم أجد عاملا بهذه الرواية (1). وأجاب شيخنا لاعظم قدس سره عن هذا الاشكال بحمل الامر بالوفاء بالشرطين على الاستحباب (2)، إذ المشهور لا ينكرون استحباب الوفاء، بل يقولون بعدم وجوب الوفاء بالشرطين، لعدم صحتهما، ولا ينافي ؟ عدم صحة الشرط مع استحباب الوفاء به، كما نبهنا عليه في صدر القاعدة. ولكن انت خبير بان ظاهر الرواية هو وجوب الوفاء بالشرطين، وقلنا في الاصول ان الجملة الخبرية إذا وقعت موقع الطلب تكون آكد في الوجوب من صيغة (إفعل) فالرواية بظاهرها أعرض عنها الاصحاب، فلا تكون صالحة للاستدلال بها على المطلوب، وهو عدم كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد. ومنها: رواية عبد الملك بن عتبة قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع منه متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم هذا ؟ وكيف يستقيم وجه ذلك ؟ قال عليه السلام: (لا ينبغي). وفي بعض النسخ: وما حد ذلك ؟ قال عليه السلام: (لا ينبغي) (3). وظاهر هذه الرواية أن المشتري لو شرط أن تكون الوضيعة عن الثمن الذي اشترى به لو باع يكون على البائع الاول بمعنى: أنه لو خسر المشتري في بيعه هذا المتاع لغيره تكون الخسارة على البائع الذي اشتراه منه لا على نفسه، وهذا شرط فاسد، لانه خلاف الكتاب والسنة، ومع ذلك لم يحكم الامام عليه السلام بفساد البيع الاول، بل قال: (لا ينبغي) وفيه احتمالان: أحدهما: أنه لا ينبغي ان يشرط على البائع مثل هذا الشرط، فيكون نفس

 

(هامش)

 

(1) (كشف الرموز) ج 1 ص 475. (2) (كتاب المكاسب) ص 281. (3) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 59 ح 253 باب البيع بالنقد والنسيئة ح 53، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 409 أبواب احكام العقود باب 35 ح 1. (*)

 

الاشتراط مكروها. ومعلوم ان هذا فيما إذا كان اصل المعاملة صحيحة، والا فلا معنى لكراهة هذا الشرط. ثانيهما: ان مثل هذه المعاملة لا ينبغي وقوعها وصدورها منهما. وهذا أيضا لا يدل على فساد هذه المعاملة، بل معنى كراهيتها أنها تقع ولكن مع كونها مكروهة وفيها حزازة، كما في سائر المعاملات المكروهة كالحياكة وبيع الاكفان وغيرهما، فهذه الرواية أيضا تدل على القول المختار وهو عدم افساد الشرط الفاسد للعقد الواقع هذا الشرط في ضمنه. وأما احتمال ان يكون هذا الشرط في خارج العقد - فتكون الرواية أجنبية عن محل الكلام، لان محل كلامنا هو الشرط الفاسد الواقع في ضمن العقد، لا الواقع في خارجه - فخلاف ظاهرها، لان الظاهر من قوله: (على أنه ليس منه على وضيعة) انه - أي الظرف - متعلق بابتاع، فيكون المعنى ان الابتياع مبني على هذا الشرط، فلا وجه لاحتمال ان يكون هذا الشرط في خارج العقد. هذا مضافا إلى انه لا وجه لكراهة مثل هذا الشرط في خارج العقد بل يكون وعدا ابتدائيا يستحب الوفاء به. وأما احتمال ان يكون (لا ينبغي) للارشاد إلى عدم وقوع هذه المعاملة المشروطة بمثل هذا الشرط فبعيد إلى اقصى الغاية. نعم يمكن ان يكون ارشادا إلى عدم صحة هذا الشرط، فيكون مفاده لغوية هذا الاشتراط. ولكنه ايضا خلاف الظاهر، بل ظاهره هو ان المعاملة المشتملة على هذا الشرط مكروهة كسائر المعاملات المكروهة فلا قصور في دلالة هذه الرواية على المطلوب. ومنها: رواية محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام انه قضى في رجل تزوج امرأة واصدقته هي، واشترطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق قال عليه السلام: (خالفت السنة

 

ووليت حقا ليست باهله، فقضى ان عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة) (1). وهذه الرواية صريحة في فساد الشرط وبطلانه وصحة العقد. والاشكال في سنده من جهة اشتراك محمد بن قيس بين من هو ثقة ومن هو ضعيف لا وجه له بعد عمل الاصحاب بها، وبعد ان ذكرها المشائخ الثلاثة في كتبهم. هذا مضافا إلى ورود روايات كثيرة صحيحة - في كتاب النكاح في أبواب المهور - صريحة في صحة عقد النكاح وبطلان الشروط الواقعة في ضمنه. وذلك كما إذا شرط في ضمن عقد النكاح لزوجته ان تزوج عليها، أو تسرى أو هجرها فهي طالق، أو شرط عليها الاتيان وقتا خاصا، أو شرط ترك القسم وامثال ذلك. وأما التفصيل بين عقد النكاح وسائر العقود بعدم الافساد في الاول والافساد في سائر العقود لاجل هذه الاخبار فكان من الممكن لو كان مدرك الافساد وعدمه هو الاخبار، فيقال: ان الاخبار الواردة في هذا الباب مختلفة من حيث المفاد، فالواردة منها في باب النكاح مفادها فساد الشرط وصحة العقد. وأما الواردة في غيره فمفادها فساد الشرط والعقد جميعا. وربما ينسب هذا التفصيل إلى صاحب المدارك قدس سره وقبله إلى العلامة قدس سره. (3) ولكن انت خبير بان عمدة مدرك القائلين بالافساد ونظرهم إلى اناطة الرضا بمضمون العقد بوجود الشرط، ففي مورد الشرط الفاسد الذي لا يجب العمل به - بل

 

(هامش)

 

(1) (الفقيه) ج 3 ص 425 ح 4475 باب ما احل الله عزوجل من النكاح وما حرم منه ح 60، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 369 ح 1497 باب الوهور والاجور وما ينعقد من النكاح من ذلك وما لا ينعقد ح 60 وفيه: قضى علي عليه السلام...، (وسائل الشيعة) ج 15 ص 41 أبواب المهور باب 29 ح 1. (2) صاحب المدارك في (نهاية المرام) ج 1 ص 420. (3) العلامة في (القواعد الفقهية) ج 1 ص 152. (*)

 

لا يجوز ان كان حراما - لا رضاء في البين، وفي هذا المعنى لا فرق بين النكاح وسائر العقود. فقد ظهر مما ذكرنا قيام الدليل على ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد من الروايات. الرابع: من أدلة القائلين بعدم الافساد وصحة العقد مع فساد الشرط هو انه لو كان صحة العقد متوقفة على صحة الشرط يلزم منه الدور وفيه: ان صحة العقد ليست متوقفة على صحة الشرط، لان العقد صحيح وان لم يكن فيه شرط اصلا. نعم العقد الذي وقع في ضمنه شرط صحته موقوفة على ان لا يكون ذلك الشرط فاسدا وعدم كون الشرط المذكور في ضمن العقد فاسدا ليس متوقفا على صحة العقد، كي يكون دورا، بل موقوف على عدم علته - أي عدم جعل الشرط الفاسد في ضمن ذلك العقد - فلا دور، لانه من الممكن ان يكون الشرط الفاسد مفسدا بدون ان يكون دور في البين، والامر واضح جدا، فلا يحتاج إلى تطويل الكلام. وان شئت قلت: ليست صحة الشرط من مقدمات وجود العقد الصحيح، إذ من الممكن وجود العقد الصحيح بدون ان يكون شرط في ضمنه لا الشرط الصحيح ولا الشرط الفاسد، نعم الشرط الفاسد مانع عن صحة العقد، فيسرى فساده إلى العقد، فيكون وجود العقد الصحيح موقوفا على عدم وجود الشرط الفاسد في ضمنه، توقف وجود الشيء على عدم مانعه. ولكن عدم وجود الشرط الفاسد ليس موقوفا على صحة العقد كي يكون دورا، بل موقوف على عدم علته أي عدم اشتراط مثل ذلك الشرط. وبعد ما عرفت ان الشرط الفاسد لا يوجب فساد العقد، فهل يوجب الخيار أم لا ؟

 

الظاهر هو الاول وذلك من جهة ان المناط الذي اوجب الخيار في تخلف الشرط الصحيح أو تعذره موجود هاهنا، بناء على ما حققنا في وجه ثبوت الخيار عند تعذر الشرط أو عدم العمل على طبقه وعدم الوفاء به، لا بناء على ما استند إليه شيخنا الاعظم قدس سره من الاجماع أو قاعدة الضرر في الشروط الصحيحة (1) وذلك من جهة ان المناط في مجئ الخيار عند التخلف في الشروط الصحيحة هو ان دليل اللزوم لا يشمل مورد تخلف الشرط أو تعذره، أو عدم الوفاء به، لان مفاد (أوفوا بالعقود) (2) الذي هو عمدة ادلة لزوم العقود هو وجوب الوفاء بما التزم به والثبوت عند تعهده، فإذا لم يكن له التزام لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء به، فالعقد ان لم يكن شرط في ضمنه عبارة: عن تعهده والتزامه بما هو مضمون العقد، فبمقتضى مفاد (أوفوا بالعقود) يجب عليه الوفاء بالتزامه بمضمون ذلك العقد والثبوت عنده وإبرامه، وليس له حله وفسخه. وأما ان كان مشروطا بشرط سواء أكان ذلك الشرط صحيحا أم فاسدا فالتزامه بمضمون ذلك العقد ليس مطلقا، بل منوط بالعمل على طبق ذلك الشرط ووجوده في وعائه، فان تخلف أو تعذر ليس له التزام بالوفاء بذلك العقد في ظرف عدم وجود ذلك الشرط، فموضوع وجوب الوفاء ودليل اللزوم يذهب من البين. وهذا هو المراد من عدم شمول دليل اللزوم لمورد تخلف الشرط أو تعذره. فقد ظهر مما ذكرنا ان مناط ثبوت الخيار في باب الشروط الصحيحة هو اناطة الالتزام بالوفاء بمضمون العقد بوجود ما اشترط فإذا تعذر أو تخلف المشروط عليه عن الوفاء به لا التزام من طرف المشروط له، وعدم الوفاء قد يكون من جهة تعذره عقلا وقد يكون من جهة فساده شرعا، والممتنع شرعا كالممتنع عقلا.

 

(هامش)

 

(1) (كتاب المكاسب) ص 285. (2) المائدة (5): 1. (*)

 

وخلاصة الكلام: ان العقد المشروط بالشرط الفاسد ان لم يوجب ذلك الشرط اختلالا في اركان العقد يكون صحيحا، غاية الامر مع ثبوت الخيار. هذا هو القول الاول أي: القول بعدم الافساد. وأما القول الآخر - أي القول بالافساد - فاستدلوا له بوجوه: الاول: ان فساد الشرط يوجب سقوطه عن الاعتبار، ولا يجب الوفاء به بل لا يجوز إذا كان حراما، والمشهور ان له قسطا من الثمن، فبعد سقوطه يكون عوض المثمن مجهولا، ولا يعلم انه أي مقدار من الثمن بإزاء المثمن، فإذا صار عوض المثمن مجهولا تكون المعاملة باطلة، لانه من شرائط صحة المعاملة معلومية العوضين، والا تكون غررية باطلة. وفيه اولا: منع وقوع شيء من الثمن بازاء الشرط، بل المبادلة والمعاوضة تقع بين الثمن ونفس المثمن في البيع مثلا. نعم الشرط أو الوصف يوجبان ازدياد مالية المثمن في البيع - مثلا - بدون ان يسقط عليهما وعلى المبيع مثلا، وهذا أمر وجداني ارتكازي للعرف والعقلاء في معاملاتهم في أسواقهم، فيصفون سلعتهم باوصاف مرغبة، وربما يذكرون تلك الاوصاف بصورة الشرط لجلب المشتري ورغبته، ولكن المبادلة تقع بين نفس المثمن وذلك العوض، وليس الوصف والشرط مثل الجزء كي يقع شيء من الثمن في مقابلهما. نعم اجزاء المبيع كل واحد منها يقع مقابل جزء من الثمن، خصوصا إذا كان متساوي الاجزاء من حيث القيمة كالحنطة والشعير، وهذا مناط المثلية في باب تعيين المثلي والقيمي، ولكن الشرط أو الوصف ليسا كذلك ولا يوجبان الا ازدياد قيمة نفس العوض. نعم بعض الشروط ربما يكون كذلك أي له قسط من الثمن عند العرف والعقلاء،

 

كما إذا كان الشرط عملا يبذل باذائه المال كخياطة ثوبه مثلا أو عمارة داره وامثال ذلك، ولكن عند التدقيق ايضا لم يقع شيء من الثمن في مقابله في مقام الانشاء، وان كان في مقام اللب للمشروط له نظر إلى ذلك الشرط في مقام تعيين الثمن قلة وكثرة. ولكن في مقام انشاء المبادلة والمعاوضة لم تنشأ المبادلة الا بين نفس العوضين، والشروط خارجة عن دائرة المبادلة، ففي عالم الانشاء عوض تمام الثمن - مثلا - هو تمام المبيع، وان كان في مقام اللب يبذل مقدارا من الثمن بازاء الشرط، ولكن لا اعتبار في باب المعوضات بانظار المتعاملين، بل المدار على انشائهما وهو المتبع. نعم حيث ان التزامه بهذه المبادلة - أي بذله تمام الثمن بازاء المبيع - كان منوطا بوجود ذلك الشرط، فلو لم يوجد باي سبب كان لا التزام له فلا لزوم ويكون له الخيار، ولذلك قلنا في باب تخلف الشروط الصحيحة ليس له اخذ الارش بل له الخيار فقط. وثانيا: على فرض تسليم وقوع مقدار من الثمن مقابل الشرط وبازائه مطلقا أو في خصوص ما إذا كان الشرط مما يبذل بازائه المال مستقلا بتعذره أو عدم وفاء المشروط عليه بما التزم لا يصير العوض مجهولا، إذ العرف واهل الخبرة يعينون مقدار المقابل للشرط وما هو بازاء اصل المبيع مثلا، فلا يبقى جهالة في البين. وهذا الاشكال يأتي في الشروط الصحيحة إذا تعذرت أو لم يف المشروط بها، وأيضا يأتي في باب تبعض الصفقة، فيلزم القول ببطلان المعاملة في الجميع، ونفس المستشكل لا يقول به هناك. والجواب في الجميع واحد وهو أولا: عدم وقوع شيء من الثمن بازاء الشرط. وثانيا على تقدير وقوعه - كما انه يقع قطعا مقدار منه مقابل الجزء الذي لا يملك أو الذي لا يملكه، كما في باب تبعض الصفقة - فبتعيين اهل الخبرة ترتفع الجهالة، ومثل هذه الجهالة لا تكون غررا، ولا تضر بصحة المعاملة، ولذلك لم يقولوا ببطلان المعاملة

 

في باب تبعض الصفقة مع وقوع مقدار من الثمن بازاء الجزء الفائت قطعا الثاني: ان رضاء المشروط له بهذا العقد والمعاملة منوط بوجود هذا الشرط ووفاء المشروط عليه به، وأما إذا لم يكن الوفاء لازما وواجبا - بل لم يكن جائزا فيما إذا كان الفساد لحرمته - فلا رضاء له، ومن المعلوم ان المعاوضة والتجارة بدون الرضاء لا اثر لها، بل الرضاء بمضمون العقد لازم في تأثيره ولو كان في غير باب المعاوضات كالنكاح. واجيب عنه حلا ونقضا: أما النقض: فبالشروط الفاسدة في عقد النكاح، فانه قد استفاضت الاخبار والروايات الصحيحة على فساد الشرط وصحة العقد (1)، وقد ذكرنا جملة من تلك الاخبار وتقدمت، ولا فرق فيما ذكرنا بين الشروط الفاسدة الراجعة إلى المهر أو إلى نفس مضمون العقد وحصول علاقة الزوجية. وذلك من جهة انه كما لا تحصل المبادلة والمعاوضة بينهما بدون رضاء الطرفين كذلك لا تحصل علاقة الزوجية بينهما بدون رضائهما. نعم هناك بعض الشروط في باب النكاح يوجب فساد العقد وبطلانه، كما إذا شرطت الزوجة عدم جميع الاستمتاعات، فكون هذا الشرط وامثاله موجبا لبطلان النكاح ليس لخصوصية في النكاح بل لاجل الاختلال في اركان العقد أو التناقض بين مفاد الشرط ومفاد العقد ولو بالالتزام، كما في المثال المذكور. وهذا يجري في جميع العقود، فما ذكره شيخنا الاستاد قدس سره في هذا المقام من ان المراد بالشروط الفاسدة في مورد النقض هي الشروط الراجعة إلى المهر لا إلى اصل عقد النكاح لا يخلو عن اشكال، لما ذكرنا من ورود الاخبار الكثيرة في فساد بعض الشروط الراجعة إلى اصل النكاح مع صحة اصل ذلك العقد.

 

(هامش)

 

(1) تقدم راجع ص 195 - 199. (*)

 

وايضا النقض بصورة تعذر الشرط أو عدم وفاء المشروط عليه وعدم امكان اجباره، وكذلك بصورة تخلف الوصف، فانهم لا يقولون بالبطلان وفساد العقد في تلك الموارد. نعم يقولون بالخيار للمشروط له وفي تخلف الوصف أيضا، كما اننا نقول هاهنا ايضا، وكذلك النقض بصورة تبعض الصفقة، فانهم لا يقولون بالبطلان، مع ان هذا الاشكال - أي اناطة الرضا بوجود الشرط - هناك أقوى، من جهة انه في باب الشروط غالبا الغرض الاصلي يتعلق بمبادلة نفس العوضين أو حصول علاقة الزوجية بين الطرفين، والشروط الواقعة في ضمن تلك العقود مقاصد فرعية، بخلاف باب تبعض الصفقة، فان المقصود الاصلي الاولى هو وقوع المبادلة بين تمام كل واحد من العوضين مع تمام العوض الآخر، فامر اناطة الرضاء بمجموع كل واحد من العوضين أهم من اناطة الرضا بمضمون العقد بوجود الشرط، فكل ما يجيبون عن هذا الاشكال في تلك الموارد فليكن الجواب في هذا المقام. وأما الحل: فقد ذكرنا في مسألة تعذر الشرط في قاعدة (المؤمنون عند شروطهم) في الجزء الثالث من هذا الكتاب (1)، ولا بأس بالاشارة إليه هاهنا أيضا اجمالا. فنقول: ان المبادلة والمعاوضة وقعت بين العوضين مع التراضي أي بدون اكراه ولا اجبار، والمراد في باب المعاوضة والتجارة من التراضي هو هذا المعنى لا طيب النفس، والا لو كان المراد من التراضي هو هذا المعنى الاخير فلا بد وأن يقال ببطلان بيع المضطر إلى البيع لغرض عقلائي مع كمال كراهته لهذا البيع. مثلا لو اضطر إلى بيع داره التي يسكنها لاجل اداء دينه، أو لاجل حاجة اخرى، فهو غير راض بهذا البيع، بل ربما يبكي ويبيع لاجل تلك الضرورة، حيث لا حيلة له في رفع حاجته الا بهذا

 

(هامش)

 

(1) راجع ج 3 ص 304. (*)

 

الامر، مع أن صحة بيع المضطر لرفع حاجته من المسلمات. فمن هذا يستكشف ان التراضي المعتبر في أبواب المعاملات والتجارات هو الاختيار المقابل للاكراه والاجبار، بمعنى أنه ليس هناك من يكرهه أو يجبره على المعاملة. وكذلك في باب النكاح المراد من رضاء الطرفين ليس طيب نفسيهما، بل ربما يكون العقد الواقع بينهما لدواع اخر، من ارضاء أبويهما، أو شيء آخر مع كمال كراهتهما، أو كراهة احدهما. فإذا كان الامر كذلك، ففي مورد تخلف الشرط أو الوصف تارة يكون الشرط المتخلف أو وصفه من قبيل العنوان للموصوف والمشروط به بمعنى ان ذلك الوصف أو الشرط يكون من قبيل الصورة النوعية للموصوف والمشروط به ولو عند العرف، وان كان بحسب الدقة العقلية ليسا كذلك، بمعنى ان ذلك الوصف أو الشرط ليسا الا من قبيل الاعراض الضمنية للحقيقة النوعية المشتركة بين واجد الوصف أو الشرط وبين فاقدهما. وذلك كالجارية الموصوفة أو المشروطة بكونها رومية، وهي حبشية فالجارية الرومية والحبشية وان كانتا بحسب الحقيقة النوعية واحدة، ولكن عند العرف في مقام المعاملة حقيقتان مختلفتان. واخرى: ليسا كذلك، بل يكون من العوارض والطوارئ التي لا توجب اختلاف حقيقة الواجد والفاقد حتى عند العرف. فان كان من قبيل الاول فالمعاملة باطلة قطعا، لانه لم يقع التراضي المعاملي - أي انشاء النقل والانتقال على هذا الفاقد للوصف أو الشرط، وذلك لما قلنا من ان المبيع الموجود في هذه الصورة - مثلا - غير ما وقع عليه النقل والانتقال حقيقة، فما انشأ نقله ليس بموجود بل الموجود حقيقة اخرى ولو عند العرف الذي نظرهم هو المتبع في ابواب المعاملات وما هو الموجود لم يقع عليه نقل وانشاء.

 

وأما ان كان من قبيل الثاني، فانشاء النقل والانتقال وقع على هذا الموجود بلا اكراه ولا اجبار، فهذه المعاملة وقعت عن تراض معاملي ولا وجه لبطلانها. نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة منوط بوجود ذلك الوصف أو الشرط، فعند تخلفهما لا التزام له، فلا يشملها دليل اللزوم. واما الجواب عن هذا الاشكال بتعدد المطلوب بأن يقال: ان كون طرف المبادلة هو الواجد للوصف أو الواجد للشرط هو مطلوب اولي، وكون الفاقد لهم طرفا للمعاملة مطلوب آخر، غاية الامر انه مطلوب، ثانوي، بمعنى انه على تقدير فقد الوصف أو الشرط ايضا مطلوب، لكن في طول الاول لا في عرضه. فبناء على هذا العقد ينحل إلى عقدين وكلاهما صادران عن تراض بينهما، حتى ولو كان المراد من التراضي هو طيب النفس أي الحالة النفسانية التى يعبر عنها بالرضاء الباطني، فكأنه في الدرجة الاولى يكون المشروط له رضاءه بهذه المعاملة مع وجود الشرط وعدم تخلفه، وكذلك الامر في الوصف. وفي الدرجة الثانية يكون أيضا راضيا حتى مع فقد الوصف أو الشرط. وقد أفاد هذا المجيب ان المشخص لذلك - أي انه من قبيل وحدة المطلوب كي تكون المعاملة فاسدة مع فقدهما، أو من قبيل تعدد المطلوب كي تكون صحيحة - هو العرف، ثم قال: وهذا باب مطرد في العبادات والمعاملات والاوقاف والنذور، ثم استظهر اتفاقهم على أن الشروط الواقعة في ضمن العقود من قبيل تعدد المطلوب، لانهم اتفقوا على ان الشرط الخارج عن غرض العقلاء فاسد ولا يوجب فساده فساد العقد. وهذا الجواب أفاده بعض الاجلة من تلاميذ شيخنا الاعظم قدس سره. وفي هذا الجواب نظر من وجوه عديدة: الاول: ان العرف لا طريق لهم إلى تشخيص وحدة المطلوب أو تعدده، لاختلاف الناس بحسب الاغراض والموارد، فرب شخص يريد مبادلة ماله بمال آخر مشروطا

 

بأمر، وفي صورة عدم وجود ذلك الشرط لا يريد المبادلة أصلا، وشخص آخر يريد مع وجود ذلك الشرط وعدمه، غاية الامر مع وجود الشرط مطلوب أولي، وفي صورة عدمه مطلوب ثانوي. وكذلك الاختلاف بحسب الموارد، حتى بالنسبة إلى شخص واحد، فذلك الشخص الواحد في مورد تكون مبادلته بالنسبة إلى ذلك الشرط من قبيل تعدد المطلوب، وفي مورد آخر تكون بنحو وحدة المطلوب، فلا يمكن تعيين ضابط كلي لتشخيص ان المعاملة المشروطة بشرط هل تكون بنحو وحدة المطلوب بالنسبة إلى ذلك الشرط كي يكون تخلف ذلك الشرط موجبا لفسادها أو بنحو تعدد المطلوب كي لا يكون موجبا لفسادها. الثاني: ان الاغراض والدواعي في أبواب المعاملات والعقود ما لم تدخل في مرحلة الانشاء لا يترتب عليها اثر من الصحة والفساد، بل المدار فيهما على الانشاء. نعم الانشاء بلا قصد أيضا لا اثر له، بل يكون صرف لقلقة لسان، فصرف ان مطلوبه واحد أو متعدد لا اثر له ما لم يقع على طبقه الانشاء. فلا بد وان ينظر ويلاحظ العقد المنشأ، فان كان المنشأ مقيدا بالوصف أو الشرط، فالنقل والانتقال تعلق بالمقيد، فمطلوبية نقل الذات بلا قيد لا أثر له لانه لم يقع تحت الانشاء. فالعمدة في موارد تخلف الوصف والشرط علاج هذا الاشكال وهو لا يرتفع بتعدد المطلوب، لمما قلنا من انه لا اثر للمطلوبية ما لم يقع ذلك المطلوب تحت الانشاء، والتراضي أيضا لا بد وان يكون بما انشأ. والا فصرف الرضاء بالمبادلة بدون الانشاء ليس تجارة. فالعقد المتعلق بعوض موصوف كما انه إذا قال: بعتك هذا العبد الكاتب أو المشروط - كما إذا قال في نفس المثال بشرط ان يكون كاتبا تعلق بالمقيد وتحقق

 

الرضاء المعاملي أيضا به، فلو كان هناك له رضاء آخر في الرتبة الثانية بفاقد القيد ايضا لا يصبر بصرف هذا الرضاء الباطني - الذي لم يقع تحت الانشاء - تجارة ومعاملة من بيع أو غيره، ولا يمكن ان يقال بالنسبة إلى فاقد القيد: انه بيع صحيح بواسطة تعدد المطلوب. ولا يمكن الجواب عن هذا الاشكال الا بما قلنا، من أن انشاء المبادلة والمعاوضة تعلق بنفس هذه العين الخارجية، والزام الطرف بالشرط امر آخر غير مربوط بنقل هذه العين، بل هو التزام آخر في ضمن التزامه بهذا النقل، فالتزامه بنقل هذه العين منوط بالتزام الطرف بالشرط أو الوصف لا اصل النقل. نعم لو كان الشرط أو الوصف عنوانا ومن قبيل الصورة النوعية بالنسبة إلى ما وقع عليه انشاء النقل فتخلفه يوجب فساد النقل وبطلان المعاملة، لان ما قصد لم يقع عليه الانشاء وما وقع عليه الانشاء - أي العين الخارجية - لم يقصد. ولا يمكن أن يقال: إن ما هو من قبيل الصورة النوعية للشئ يكون من الدواعي والاغراض الخارجة عن حقيقة الشيء. الثالث: مما استدلوا على فساد العقد بفساد الشرط طائفة من الاخبار. منها: رواية عبد الملك بن عتبة قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع منه متاعا على أن ليس منه على وضيعة هل يستقيم هذا ؟ وكيف يستقيم وجه ذلك ؟ قال عليه السلام: (لا ينبغي) (1) فقالوا إن المراد من قوله عليه السلام: (لا ينبغي) هو أن مثل هذا البيع المشتمل على هذا الشرط الفاسد - أي كون الوضيعة والخسارة في البيع الثاني على البائع الاول - مما لا ينبغي صدوره من المؤمنين، فلا بد وأن يكون البيع بواسطة ذلك الشرط الفاسد فاسدا كي يقول عليه السلام: (لا ينبغي) وإلا لو كان بيعا صحيحا لا وجه لنهيه.

 

(هامش)

 

(1) تقدم راجع ص 197 رقم (3).

 

وفيه: أنه من الممكن أن يكون النهي عن هذه المعاملة مع صحتها لحزازة فيها كسائر المعاملات المكروهة، ولا إشكال في كون معاملة صحيحة يترتب عليها الاثر ومع ذلك مكروهة. ونظائرها في المعاملات كثيرة، فهذه الرواية لا تدل على فساد الشرط فضلا عن فساد العقد. وقد تقدم أن القائلين بعدم كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد أيضا تمسكوا بهذه الرواية. والحق أنها لا تدل على كل واحد من الطرفين كما بيناه وشرحناه. ومنها: ما رواه الحسين ابن منذر عن أبي عبد الله عليه السلام في بيع العينة قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: يجيئني الرجل فيطلب العينة فأشترى له المتاع مرابحة، ثم أبيعه إياه ثم اشتريه منه مكاني ؟ قال: (إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع، وكنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر، فلا بأس) فقلت: أن اهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد، ويقولون إن جاء به بعد أشهر صلح ؟ (قال: إنما هذا تقديم وتأخير فلا بأس) (1). (*) وتقريب الاستدلال بهذه الرواية - على أن الشرط الفاسد مفسد للعقد - هو أن مفهوم القضية الشرطية أنه إن لم يكن بالخيار وكان ملزما بأن يبيع على البايع، ففي هذه المعاملة بأس أي فاسد، ومنشأ فسادها هو اشتراط البايع على المشتري أن يبيعه بعد اشترائه منه، وهذا الشرط فاسد، لما تقدم في شرائط صحة الشروط في قاعدة: (المؤمنون عند شروطهم) (2)، فصار سببا لفساد العقد. وبعبارة أخرى: البياع المذكورون في هذه الرواية ثلاثة: البائع الاول هو الذي يبيع المتاع مرابحة من هذا السائل عن الامام قدس سره، ولكن فرض هذا البائع أجنبي عن مسألتنا، وإنما فرض لاجل أن الجنس لم يكن عنده، ففي الحقيقة البايع اثنان، وظاهر

 

(هامش)

 

(1) (الكافي) ج 5 ص 202 باب العينة ح 1، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 51 ح 223 باب البيع بالنقد و النسيئة ح 23، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 370 أبواب أحكام العقود باب 5 ح 4. (2) راجع: ج 3 ص 257. (*)

 

الرواية أنه حسين بن المنذر. والبائع الثاني هو نفس هذا السائل الذي اشتراه مرابحة عن البائع الاول. والبائع الثالث هو ذلك الرجل الذي يطلب العينة. ومفاد الرواية ما هو ظاهرها هو أن البائع الثالث كان ملزما بالبيع من البائع الثاني، بواسطة شرط البائع الثاني عليه أن يبيعه منه، فهذا البيع الثاني باطل وفاسد لفساد شرطه. فبناء على هذا تدل الرواية على فساد العقد بواسطة فساد الشرط، وبيع العينة عبارة: عن بيع مال نسيئة بقيمة أزيد مما يباع نقدا، فيكون الزائد مقابل ذلك الاجل الذي عينه في بيعه نسيئة ثم يشتريه منه نقدا بقيمة أقل مما باعه، وفي الواقع هذا القسم من البيع للفرار عن الرباء مع تحصيل ما هو نتيجتها من أخذ الزائد على ما يعطى بعد مضي مدة. ولكن يمكن الجواب عن دلالة هذه الرواية - على فساد العقد بواسطة فساد الشرط - بالبيان الذي تقدم، بأن يقال: بأن مفهوم القضية الشرطية وإن كان بطلان البيع الثاني إن كان البائع الزم المشتري بالشرط أن يبيعه ثانيا منه، فيكون سبب بطلانه وفساده هو فساد ذلك الشرط. ولكن يمكن أن يكون جهة بطلانه أن هذا الشرط مستلزم للمحال أي: الدور، كما ذكره العلامة قدس سره (1) فليس جهة الفساد فساد الشرط كما توهمه المستدل، بل الجهة أن البيع الثاني من البيوع الثلاثة المذكورة في الرواية باطل من جهة استلزامه للدور. ولكن هذا الجواب غير تام، وقد ذكرنا في شرائط صحة الشروط في قاعدة (المؤمنون عند شروطهم) في الشرط السابع أن هذا الشرط لا يستلزم منه محال، فلا يمكن حمل البطلان في الرواية على هذا المعنى، وإن شئت فراجع هناك. وأجاب شيخنا الاستاذ قدس سره عن هذا الدليل - بعد أن قال: في هذا الاستدلال تكلف واضح - بأن المراد من القضية الشرطية هو أن يكون البيع الاول - أي: البيع الثاني من

 

(هامش)

 

(1) (تذكرة الفقهاء) ج 1 ص 490. (*)

 

البيوع الثلاثة المذكورة في الرواية - جديا لا صوريا ومقدمة للبيع الثاني أي البيع الثالث من البيوع الثلاثة المذكورة في الرواية. ولا شك في أن البيع الاول إن كان صوريا غير جدي فلم يصير الثاني - أي الذي طلب العينة - مالكا، فبيعه من البائع الاول باطل وفيه بأس، لانه (لا بيع إلا في ملك) (1) فلا يكون لها ربط بمحل كلامنا أي كون الشرط الفاسد مفسدا. ولكن أنت خبير بأن ما ذكره قدس سره أكثر تكلفا من الاستدلال، لان ظاهر الرواية تعليق عدم البأس على اختيار البائع والمشتري في البيع والشراء، وعدم كونهما ملزمين بواسطة التزامهما أو إلزام الغير إياهما على البيع والشراء شرعا، ولا شك في أن التزامهما أو إلزامهما شرعا بالامرين لا بد وإن يكون بواسطة الشرط، فعدم البأس معلق على عدم الشرط. وأما في صورة وجود ذلك الشرط الفاسد ففيه بأس، ومنشأ البأس ليس إلا فساد الشرط. وأجيب: أيضا عن ذلك الدليل: بأن كون البيع فيه بأسا لا يدل على فساده، إذ البأس يصدق مع الحرمة التكليفية وإن لم يكن فساد وضعا في البين. وفيه: أن الحرمة وإن لم تكن ملازمة مع الفساد إلا أنه لا وجه للحرمة التكليفية بدون الفساد، وذلك من جهة أن الحرمة التكليفية لا بد وأن يتعلق بفعل اختياري يكون فيه مفسدة ملزمة، وأي مفسدة يمكن أن يكون في البيع الثاني كي يكون حراما. ومنها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ثم اشتراه بخمسة دراهم، أيحل ؟ قال: (إذا لم يشترط

 

(هامش)

 

(1) (عوالي اللئالي) ج 2 ص 247 ح 16 نحوة، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 252 أبواب عقد البيع و شروطه باب 2 ح 1 نحوة، (المستدرك) للحاكم ج 2 ص 17 نحوه. (*)

 

ورضيا به فلا بأس) (1). ورواه علي بن جعفر في كتابه، إلا أنه قال: بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد (2). وتقريب الاستدلال بهذه الرواية مثل الرواية السابقة، بل هي أوضح دلالة منها، لانها صريحة مفهوما في أن البائع الاول إذا اشترط على المشتري أن يبيعه ما اشتراه ففي هذه المعاملة بأس، وحيث علق عليه السلام عدم البأس على عدم الاشتراط فيكون الاشتراط سببا للبأس، ومعنى هذا هو فساد العقد لفساد الشرط. وقد أجاب شيخنا الاعظم قدس سره عن هاتين الروايتين بأن غاية مدلوليهما فساد البيع المشروط فيه بيعه عليه ثانيا، وهو مما لا خلاف فيه، حتى ممن قال بعدم فساد العقد بفساد الشرط كالشيخ قدس سره في المبسوط، فلا يتعدى منه إلى غيره (3). وفيه: أن ما ذكره قدس سره لا بأس به إن لم يستظهر من الروايتين أن علة فساد ذلك العقد هو فساد الشرط، وإلا فيكون حكمه عليه السلام عاما يشمل كل شرط فاسد ولا يقف على مورده. ولا شك في أن ظاهر التعليق في القضية الشرطية في الروايتين هو علية فساد الشرط لفساد العقد، اللهم إلا أن يقال: أن ظاهرها علية هذا الشرط الفاسد لفساد العقد، لا كل شرط فاسد، فافهم. وأما الذي أفاده أولا من أن فساد البيع الثاني لعله من جهة عدم الرضا وعدم طيب النفس بواسطة التزامه في خارج العقد فهذا كلام عجيب، من جهة أن في جميع الشروط يسلب اختيار المشروط عليه شرعا بالنسبة إلى ما اشترط عليه، سواء أكان

 

(هامش)

 

(1) (قرب الاسناد) ص 267 ح 1062 باب ما يحل من البيوع، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 371 أحكام العقود باب 5 ح 6. (2) (مسائل علي بن جعفر) ص 127 ح 100. (3) (كتاب المكاسب) ص 289، (المبسوط) ج 2 ص 148 - 149. (*)

 

الاشتراط في ضمن العقد أو في خارجه. ولازم هذا الكلام بطلان أي معاملة أو معاوضة اشترط عليه، بل بطلان أي معاملة نذر أن يوجدها، لانه ملزم في جميع ذلك بإيجادها شرعا. والسر في عدم بطلان المذكورات أن الالزام الآتي من قبل التزامه باختياره من قبل شرط أو نذر لا ينافي الرضا المعاملي، ولا فرق في عدم تنافي الالزام الآتي - من قبل التزامه مع الرضا المعاملي - بين أن يكون هذا الالزام إلزاما واقعيا ومن قبل الشارع، أو كان إلزاما تخيليا وهميا. فلو باع أو أوقع إحدى المعاملات الآخر بتوهم أنه نذر أو شرط وفي الواقع لم ينذر ولم يكن شرط في البين فهذه المعاملة صحيحة وإن لم يكن له الرضاء الباطني وطيب النفس، بل إنما إوجدها باعتقاد أنه واجب عليه من باب النذر أو الشرط. فالاحسن أن يقال: إن هاتين الروايتين وإن كان لهما ظهور ما في علية فساد مطلق الشرط للعقد الذي وقع هذا الشرط في ضمنه ولكن لا بد من رفع اليد عن هذا الظهور وحمله على علية خصوص هذا الشرط - أي شرط أن يبيع المشتري ثانيا - على البائع لتلك الادلة القطعية التي تقدمت، وكانت تدل على أن الشرط الفاسد ليس بمفسد. خصوصا قضية بريدة التي أعتقها عائشة، وكان بائعوها شرطوا عليها أن يكون ولائها لهم، فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله بصحة البيع وبطلان الشرط. ولا يبعد ادعاء القطع بصدور هذا الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله، لما رواه الفريقان من غير نكير لاحد من الفريقين (1). ودلالته أيضا جلية يشبه أن يكون نصا مع ما في سند الروايتين من عدم الوثوق مع عدم جابر في البين، والله الهادي إلى الصواب.

 

(هامش)

 

(1) تقدم راجع ص 195 رقم (1). (*)

 

هاهنا أمور يجب أن يذكر [ الامر ] الاول: لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد فهل على القول بأنه مفسد يصح العقد، لانه بعد سقوطه بإسقاط المشروط له ليس شيء في البين كي يكون مفسدا أم لا يصح ؟ لان الشيء بعد ما وجد لا ينقلب عما هو عليه، والمفروض أنه وجد باطلا ؟ أما أنه قابل للاسقاط فقد تقدم الكلام فيه في الجزء الثالث من هذا الكتاب في شرح قاعدة (المؤمنون عند شروطهم) (1) وقد بينا هناك أن ظاهر أدلة وجوب الوفاء بالشروط - والثبوت والوقوف عندها - هو أن الشرط يحدث حقا للمشروط له على المشروط عليه، ومن هذه الجهة قابل للاسقاط، وذلك من جهة القابلية للاسقاط خاصة شاملة للحق، ولذلك عرفوا الحق بهذا الامر. ولكن هذا الكلام في الشروط الصحيحة ومحل بحثنا ليس فيها، بل كلامنا فعلا في الشروط الفاسدة، وتلك الشروط لا توجب ثبوت حق للمشروط له على المشروط عليه، فالاسقاط لا معنى له، إذ ليس شيء في البين كي يسقطه. فالمراد بالاسقاط هاهنا ليس بمعناه المعروف، بل المراد به رضا المشروط له بالعقد والمعاملة بدون ذلك الشرط الفاسد، وإذا كان الامر كذلك، فربما يقال: لو كان جهة بطلان العقد بالشرط الفاسد هو عدم الرضا بالعقد المجرد - لان الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به، بل لا يجوز إذا كان محرما، فلو كان العقد مع ذلك صحيحا يجب الوفاء بالعقد المجرد عن ذلك الشرط، مع أن رضائه كان بالعقد المقيد بذلك الشرط، فبعد أن أسقط الشرط - يكون ذلك الاسقاط رضا بالعقد فيرتفع المانع من البين، فيكون العقد صحيحا.

 

(هامش)

 

(1) راجع: ج 3 ص 303. (*)

 

ولكن أنت خبير بأن العقد تعلق بالمقيد، والرضاء المتجدد تعلق بالعقد المجرد فما تعلق به العقد - أي المقيد - لم يتعلق به الرضا، وما تعلق به الرضا المتجدد - أي المجرد - لم يتعلق به العقد، والمعتبر هو أن يكون ما تعلق به العقد يكون متعلقا للرضا كي يصدق عليه أنه تجارة عن تراض. وأما القول بأن العقد تعلق بالذات وبالقيد أيضا - فها هنا تعلقان: تعلق بالذات وتعلق آخر بالقيد، فلو قال: اشتريت منك هذا العنب بشرط أن تعصره لي خمرا، والتزم الطرف بذلك، فكان هاهنا تعهدان من البائع: أحدهما نقل العنب إلى ذلك المشتري ثانيهما أن يعصره خمرا والمشتري قبل كذلك ورضى به، فلما منع الشارع عن العمل بأحد التعهدين - والممتنع الشرعي كالعقلي - بقي تعهد نقل العنب فقط، ولكن المشتري لم يرض بهذا التعهد وحده أي بانتقال العنب إليه وحده من دون أن يعصره البائع خمرا، فيبقى العقد المتعلق بنقل العنب وحده - أي: تعهده بذلك - موقوفا على رضا المشتري بذلك. والظاهر أن مراد العلامة قدس سره من الايقاف هو هذا المعنى - فهو رجوع من القول بالافساد إلى القول بعدمه، وقد تقدم تفصيل ذلك وهو المختار. هذا كله لو كان مدرك القائلين بالافساد هو عدم الرضا بالعقد المجرد عن الشرط، وأما لو كان مدركهم جهالة عوض المبيع، لان للشرط قسط من الثمن، وقد تقدم تفصيل ذلك، أو كان مدركهم الروايات فالرضا المتجدد وإن كان يرتفع به جهالة الثمن، لانه يرضى بكون تمام الثمن في مقابل نفس المبيع - مثلا - بدون ذلك الشرط ولكن صرف هذا لا يصدق عليه التجارة، ولا بد من وقوع العقد عليه، وقد عرفت عدم وقوعه عليه. وأما بالنسبة إلى مفاد الروايات على تقدير دلالتها على الافساد وصحة سندها فمفادها أن ذلك العقد الذي وقع من حيث اشتماله على الشرط الفاسد باطل، فكأنه لم يكن ولم يوجد. وقلنا: إن صرف رضائه بالانتقال المجرد عن الشرط لا يجعله معاملة وتجارة عن تراض بدون عقد جديد، لان العقد الاول بناء على هذا انعدم في عالم

 

التشريع، والشارع في عالم اعتباره لا يرى له وجودا. والمفروض أنه ليس عقد جديد في البين، فلا وجه للقول بصحة تلك المعاملة، فيكون العنب - بناء على القول بالافساد في المثال المذكور - في يد المشتري - لو قبضه بعنوان أنه ملكه بذلك العقد، حتى مع رضا الطرفين - من المقبوض بالعقد الفاسد الذي يجري مجرى الغصب عند المحصلين بقول ابن ادريس قدس سره (1). الامر الثاني: لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد ولم يذكره في متنه، فهل يكون مفسدا - بناء على القول بالافساد - أم لا ؟ فيه وجهان، بل قولان: الافساد مطلقا وعدمه أيضا كذلك. وحكى عن الشهيد الثاني قدس سره - في المسالك (2) - التفصيل بين ما لو علما أن الشرط المتقدم على العقد لا يؤثر فلا يفسد، وبين ما لو لم يعلما ذلك فيكون موجبا للفساد. وذلك من جهة أنه مع العلم بعدم تأثير الشرط المتقدم على العقد لم يقدما على ثبوت ذلك الشرط والوفاء به، بخلاف ما إذا كان جاهلين، فبنائهما على العمل بذلك الشرط ولزوم الوفاء به، فهما أقدما على هذا الشرط الفاسد، فيكون مفسدا في هذه الصورة. إذا عرفت هذا فنقول: أما القول بالافساد مطلقا، فمبني على أن الشرط الخارج عن العقد مطلقا سواء أكان صحيحا أم فاسدا لا أثر له، لان وجوده بالنسبة إلى العقد كالعدم، إذ الالتزام بالوفاء بمضمون العقد غير مربوط بشئ، وكذلك تعهده بالنقل والانتقال غير منوط بشئ فيجب عليه الوفاء بتعهده وعقده، ويكون عقده مشمولا لاوفوا بالعقود. وأما إن قلنا بأن الشرط المتقدم يؤثر أثره، خصوصا إذا وقع العقد مبنيا عليه،

 

(هامش)

 

(1) (السرائر) ج 2 ص 488. (2) (مسالك الافهام) ج 1 ص 142. (*)

 

فيكون العقد فاسدا وباطلا، لانه بناء على هذا يكون الشرط الخارج عن العقد مثل الداخل فيه في الآثار ولاحكام، فبناء على القول بالافساد لا محالة يكون مفسدا، لما قلنا من أن الشرط الخارج على هذا المبنى مثل الداخل، ويجري فيه ما يجري في الداخل. وأما إن أي واحد من المبنيين صحيح، فالحق أن الشرط في خارج العقد لا أثر له كما عليه المشهور. وقد حققنا هذا الامر في بعض شرائط صحة الشروط الصحيحة في قاعدة: (المؤمنون عند شروطهم) في الجزء الثالث من هذا الكتاب وهو الشرط الثامن وهو عبارة عن التزام المشروط عليه بذلك الشرط في متن العقد. وخلاصة ما ذكرنا هناك في وجه هذا الشرط هو أنه بعد الفراغ عن أن الشروط الابتدائية ليست واجبة الوفاء، فالشروط التي لم تذكر في متن العقد إن لم يقع العقد مبنيا عليها فلا وجه لتوهم وجوب ترتيب الاثر عليها، لانها تكون من قبيل الشروط الابتدائية المحضة. وأما إن وقع العقد مبنيا عليها بدون أن تذكر في متن العقد التي اصطلحوا على تسميتها بشروط التباني - ففي وجوب الوفاء بها - كالشروط المذكورة في ضمن العقد أو عدمه كالتي لم تذكر ولم يقع العقد مبنيا عليها - فيه خلاف. والقائلون بوجوب الوفاء بتلك الشروط ذكروا وجوها ذكرناها هناك مع ردها، وإن شئت فراجع. والنتيجة أن شروط التباني لا يجب الوفاء بها فظلا عما ذكر في خارج العقد ولم يقع العقد مبنيا عليها. ومما ذكرنا ظهر لك حال نسيان الشرط حال العقد، بعد أن كان بناء الطرفين على ذكره، وهو على كل حال حاله حال سائر شروط التباني ولا أثر له، لان العقد وقع بلا قيد ولا شرط، وصرف نيتهما بدون الانشاء لا أثر لها.

 

وقد ذكرنا في هذا الكتاب - في قاعدة (العقود تابعة للقصود) - (1) أن وجوب الوفاء يحتاج إلى أمرين: الانشاء باللفظ مع القصد، وإن القصد بلا إنشاء أو الانشاء بلا قصد لا أثر له، فلا بد من اجتماع كلا الامرين، ففي صورة النسيان لا لفظ قطعا، كما هو المفروض، وقد لا يكون القصد أيضا كما إذا كان غافلا حال العقد عن أصل الشرط. وقد فرق شيخنا الاعظم قدس سره (2) بين هذه الصورة فقال فيها بالصحة لما ذكرنا من وقوع العقد مجردا عن كل قيد وشرط وبين الصورة التي لم يكن غافلا من أصل الشرط وإنما غفل عن ذكره في محله، فقال في هذه الصورة بأنه كتارك ذكر الشرط عمدا تعويلا على تواطئهما. ولكن أنت خبير بأن الشرط غير المذكور لا أثر له أصلا سواء أكان مغفولا بالمرة أو كان ملتفتا إليه حال العقد، غاية الامر نسي ذكره في محله. الامر الثالث: لو كان فساد الشرط لاجل عدم تعلق غرض عقلائي معتد به بذلك الشرط، فقالوا بأن مثل هذا الشرط الفاسد لا يفسد به العقد، وإن قيل بالافساد في سائر أقسام الشروط الفاسدة، فقد حكى على العلامة قدس سره (3) التصريح بصحة العقد ولغوية الشرط، وعمدة الوجه في نظرهم: أن مثل هذا الشرط لا يعتنى به عند العقلاء، ويرون وجوده كالعدم فليس قابلا لان يقيد به العقد ويكون كالكلام اللغو والمهمل الذي يصدر عنه في أثناء العقد، ولذلك ذكروا في باب السلم لغوية بعض الشروط غير العقلائية، وعدم لزوم ترتيب أثر عليها.

 

(هامش)

 

(1) راجع: ج 3 ص 135. (2) (كتاب المكاسب) ص 290. (3) الشيخ الانصاري في (كتاب المكاسب) ص 277 حكى على العلامة. (*)

 

هذا ولكن الانصاف أنه لو قلنا بأن الشرط الفاسد يفسد العقد، فجملة من الادلة التي استدلوا بها يشمل المقام، خصوصا مسألة الرضا بمضمون العقد، فلا ريب في أن رضا المشروط له بمضمون هذا العقد مقيد بوجود هذا الشرط، وذلك لاختلاف الانظار، فربما يكون أمر عند نوع العقلاء لغوا ولا يعتنون به ولا يبذلون بإزائه المال، بل إذا كان في ملكهم وأتلفه الغير لا يرونه ضامنا لعدم الاعتناء به، ولكن مع ذلك كله هناك شخص يهتم به كل الاهتمام ويعتني به كل الاعتناء لغرض من الاغراض، وإن كان ذلك الغرض غير عقلائي لا يعتني به نوع العقلاء. الامر الرابع: في الموارد التي خرجت عن تحت الكلية التي اخترناها، وهي أن كل شرط فاسد لا يوجب فساده فساد العقد: فمنها: ما إذا كان الشرط مجهولا وسرى جهالته إلى أحد العوضين، فالمعاملة فاسدة وإن قلنا بأن الشرط الفاسد لا يفسد العقد، وذلك من جهة أنه من شرائط صحة المعاوضة أن يكون العوضان معلومين، وجهالتهما أو أحدهما موجب لبطلان المعاملة، لنهيه صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر (1). ومنها: أن يشترط البائع على المشتري أن يبيعه عليه بعد اشترائه، فهذا البيع فاسد، حتى عند القائلين بأن الشرط الفاسد لا يفسد العقد. وذكروا لذلك وجوها ذكرناها مفصلا مع أجوبتها في الشرط السابع من شروط صحة الشروط في الجزء الثالث من هذا الكتاب في مقام شرح (قاعدة المؤمنون عند شروطهم) (2).

 

(هامش)

 

(1) (عيون أخبار الرضا) ج 2 ص 45 باب (31) فيما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة ح 168، (عوالي اللئالي) ج 2 ص 248 المتاجر ح 17، (سنن أبي داود) ج 3 ص 254 ح 3376 باب في بيع الغرر، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 330 أبواب آداب التجارة باب 40 ح 3، (صحيح مسلم) ج 3 ص 1153 ح 1513 كتاب البيوع ح 4 باب (2) بطلان بيع الحصاد والبيع الذى فيه غرر، (سنن الترمذي) ج 3 ص 532 ح 1230 باب ما جاء في كراهية بيع الغرر. (2) راجع: ج 3 ص 281. (*)

 

ومنها: الشروط المخالفة لمقتضى العقد، فيكون العقد المشتمل على مثل هذا الشرط فاسدا، للتناقض بين مدلول العقد ومفاد الشرط، إما مطابقة وصريحا، وإما التزاما. فالاول كما إذا قال: بعتك هذا بشرط أن لا تملكه. والثاني كما إذا قالت هي أو قال وكيلها: زوجتك موكلتي فلانة بشرط أن لا تستمتع منها أي استمتاع. والوجه في فساد هذا الشرط ومفسدتيه للعقد واضح، وقد بينا ذلك في قاعدة (المؤمنون عند شروطهم) فراجع (1). ومنها: فيما إذا كان الشرط غير مقدور، فيكون العقد المشتمل على مثل هذا الشرط غير قابل للوفاء، فلا يشمل أدلة وجوب الوفاء بالعقد ولا أدلة وجوب الوفاء بالشرط، فيكون مثل هذه المعاملة لغوا وباطلا عند العقلاء ولا يمضيه الشارع أيضا، فافهم. ومنها: كون الشرط حراما، وذلك مثل أن يبيع العنب على أن يجعله خمرا، أو الخشب على أن يعمله صنما أو صليبا، لان الشارع أسقط أمثال هذه المنافع عن درجة الاعتبار في عالم التشريع، فلا يملكها المالك للعنب، أو الخشب مثلا. فإذا حصر المنفعة التى يبيعهما - أي: العنب والخشب لاجل تلك المنفعة في المذكورات المحرمات - يكون أكل المال بإزائها أكلا بالباطل، فتكون المعاملة باطلة. ولكن أنت خبير بأن خروج هذه الموارد عن تحت تلك الكلية بالتخصص لا بالتخصيص، وذلك من جهة أن فساد العقد في تلك الموارد ليس لفساد العقد كما توهم، بل لوقوع خلل في بعض أركان العقد. وبعبارة أخرى: موارد هذه الكلية هي فيما إذا كان فساد الشرط من قبيل الواسطة في العروض، بمعنى أن الفساد أولا وبالذات عرض على الشرط، ويكون انتسابه إلى العقد بالعرض والمجاز، لا أن يكون الشرط واسطة في الثبوت، بمعنى أن

 

(هامش)

 

(1) راجع: ج 3 ص 267. (*)

 

الفساد أولا وبالذات عرض على نفس العقد لاختلال بعض أركانه، ويكون الشرط سببا وعلة لعروض ذلك الاختلال على نفس العقد. مثلا: إذا كان الشرط مجهولا، كما إذا شرط أن يكون المبيع بكيل كذا أو بوزن كذا وكان ذلك الكيل أو ذلك الوزن مجهولا، فتسرى الجهالة إلى نفس المبيع، فيكون البيع غرريا وفاسدا، ففساد البيع ليس إلا لوقوع غرر في نفس البيع لا لفساد ذلك الشرط. وكذا في شرط البيع على البائع يكون بطلان مثل هذا البيع لاجل استلزامه للمحال: للزوم الدور. فليس فساده لاجل فساد الشرط، بل لو كان هذا الشرط جائزا كان هذا البيع فاسدا، لما ذكرنا من ا ستلزامه للمحال. وإن شئت قلت: أن الشرط بوجوده يوجب فساد العقد لا بفساده، لما قلنا إن وجود هذا الشرط موجب لصيرورة البيع الاول مستلزما للمحال وهو الدور. وأما إن أجبنا عن الدور فيخرج عن محل الكلام بالمرة، فلا يكون العقد ولا الشرط فاسدا. وقد تقدم ما هو التحقيق فيه في قاعدة (المؤمنون عند شروطهم). (1) وكذا الشروط المنافية لمقتضى العقد بوجودها يوجب التناقض بين مفاد العقد ومفاد الشرط، ولا يكون مستندا إلى فساد الشرط، وكذلك الشرط غير المقدور بوجوده يوجب لغوية المعاملة، فليس فساده مستندا إلى فساد الشرط، بل يكون لوجوده. وخلاصة الكلام: أن تلك الموارد المذكورة خارجة عن تحت هذه الكلية تخصصا لا تخصيصا. ثم إن الذين اختاروا عكس ما اخترناه - أي قالوا بأن كل شرط فاسد يوجب فساد العقد - أيضا قالوا بخروج الشرط الذي يكون فساده - أي: عدم لزوم وجوب الوفاء به - من جهة لغويته وعدم تعلق غرض العقلاء به، مع أنه فاسد لا يوجب

 

(هامش)

 

(1) راجع: ج 3 ص 267. (*)

 

فساد العقد. وهذا كان منشأ تفصيل ابن المتوج البحراني بأن الشرط الفاسد مفسدا للعقد، إلا فيما إذا كان جهة فساد الشرط لغويته وعدم تعلق غرض العقلاء به، فإن العقد لا يفسد به (1)، لان وجود ذلك الشرط وعدمه سواء، فلا يؤثر في العقد. وأنت خبير بأن خروج هذا القسم أيضا من قبيل التخصص لا التخصيص، لان أدلة وجوب الوفاء بالشرط منصرفة عن مثل هذه الشروط. نعم في باب النكاح ورد الدليل على أن بعض الشروط الفاسدة - كشرط عدم التزويج والتسرى عليها - لا يوجب فساد عقد النكاح وقلنا إن تلك الروايات الواردة في باب النكاح مما تدل على أن الشرط الفاسد لا يفسد العقد. (2) وقد ظهر لك مما ذكرنا أن التفاصيل في هذه المسألة لا وجه لها، وأنه ينبغي أن تحرر المسألة ذات قول بالافساد مطلقا، وقول بعدمه مطلقا كما هو المختار، وأما الموارد التي صارت سببا لتلك التفاصيل فهي خارجة عن تحت القاعدة تخصصا. الامر الخامس: في بيان موارد جريان هذه القاعدة، فنقول: تجري هذه القاعدة في جميع العقود، فإذا باع شيئا وشرط عليه شرطا مخالفا للكتاب والسنة أو لمقتضى أصل العقد - لا مقتضى إطلاقه - أو لم يكن مقدورا، أو لم يكن مما فيه غرض عقلائي، أو كان مجهولا أو كان مستلزما للمحال، أو لم يكن منجزا أو لم يلتزم به في متن العقد فمثل هذه الشروط لا يجب الوفاء بها قطعا لا كلام فيه. وقد بينا جميع ذلك في شرح قاعدة: (المؤمنون عند شروطهم) مع وقوع الخلاف في بعضها. إنما الكلام في أن هذه المذكورات توجب فساد ذلك العقد الذي وقعت هذه

 

(هامش)

 

(1) الشيخ الانصاري في (كتاب المكاسب) ص 287 حكى عن ابن المتوج. (2) تقدم راجع ص 195 - 198. (*)

 

الشروط في ضمنه أم لا ؟ وقد عرفت أن بعضها خارج عن محل الخلاف تخصصا لا تخصيصا، وعمدة ما هو داخل في محل الخلاف هو الشرط الذي مخالف للكتاب والسنة، فإذا باع أو أجار أو أعار أو رهن أو اقترض أو أودع أو صالح أو وكل، أو أي عقد من العقود المذكورة في أبواب المعاملات وشرط شرطا مخالفا للكتاب والسنة يكون محلا للخلاف. وبناء على ما اخترناه في هذه القاعدة الشرط فاسد لا يجب الوفاء به، ولكن لا يكون مفسدا لذلك العقد الذي وقع فيه. نعم في خصوص عقد النكاح ادعى بعضهم خروجه عن محل الخلاف، لورود أخبار كثيرة تدل على عدم فساد عقد النكاح بالشرط المخالف للكتاب والسنة (1)، مع دلالتها على أن ذلك الشرط فاسد لا يجب العمل به، وقد عرفت أن تلك الاخبار كانت من جملة ما استدلنا بها على عدم الافساد. الامر السادس: في أنه هل يأتي هذا الخلاف في الايقاعات أم لا ؟ مثلا: لو أعتق عبده، أو طلق امرأته وشرط عليهما شرطا مخالفا للكتاب والسنة فهل يوجب ذلك الشرط بطلان ذلك العتق وذلك الطلاق أم لا ؟ ربما يقال بعدم دخول الشرط في الايقاعات مطلقا، سواء أكان شرطا صحيحا أو فاسدا، وذلك من جهة أن الشرط لا بد وأن يكون بين اثنين، والايقاع ليس بين اثنين، بل هو متقوم بواحد، فهو يعتق عبده من دون اطلاع أحد لا العبد ولا غيره، أو يطلق زوجته من دون إخبارها. وأما لزوم كونه بحضور شاهدين عدلين، فهو من باب الاشهاد، لا أن الطلاق بين المطلق وبينهما. وفيه أولا: أنهم يقولون بجواز اشتراط خدمة مدة في عتق عبده. وثانيا: قوله: (إن الشرط لا بد وأن يكون بين اثنين) إن كان مراده أنه لا بد من

 

(هامش)

 

(1) تقدم راجع ص 199 هامش رقم (1). (*)

 

المشروط له والمشروط عليه - أو الشارط والمشروط عليه - فهذا موجود في الايقاعات، مثلا في الطلاق المشروط له أو الشارط هو الزوج والمشروط عليها هي الزوجة، وفي الابراء بين الدائن والمديون وفي العتق بين السيد وعبده، وهكذا في سائر الايقاعات. وإن كان مراده أنه يحتاج إلى إيجاب من الشارط وقبول من المشروط عليه - فيكون الشرط من العقود لا أنه فقط في ضمن العقود أو الايقاعات أيضا - فمضافا إلى أنه ليس كذلك قطعا - لان الشروط الواقعة في ضمن العقود لم يقل أحد أنه يحتاج صحة الشرط إلى قبول مستقل من طرف المشروط عليه عدا قبول ذلك العقد، اللهم إلا أن يقال: إن قبوله يتحقق في ضمن قبول العقد وليس ببعيد - لا مانع من قبوله في الايقاعات أيضا كما أنهم قالوا في اشتراط خدمة العبد في عتقه بلزوم قبوله من طرف العبد. وخلاصة الكلام: أنه لا مانع عقليا ولا شرعيا عن دخول الشرط في الايقاعات، إلا أن يأتي دليل خاص في مورد مخصوص على المنع، أو كان في الشرط خصوصية لا يلائم مع ذلك الايقاع. الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.