قاعدة الشفعة جائزة في كل شيء

58 - قاعدة الشفعة جائزة في كل شيء 

 

قاعدة الشفعة جائزة في كل شيء ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع . وفيها جهات من البحث. الجهة الأولى في شرح ألفاظ هذه القاعدة، وبيان المراد منها. فنقول: الشفعة لغة جاءت بمعنيين: أحدهم الزيادة. قال في القاموس (1): ومنه قوله تعالى (ومن يشفع شفاعة حسنة) (2) أي من يزد عملا إلى عمله. والثاني: هي الزوجية مقابل الفردية والوتر. وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد. وعند الفقهاء حق تملك أحد الشريكين حصة الآخر بعد أن باع ذلك الآخر بنفس الثمن الذي وقع عليه عقد البيع قهرا على المشتري. والشفيع هو الذي له هذا الحق. قال ابن الأثير في النهاية: يقال له الشفيع لأنه يضم المبيع إلى ملكه، فيشفعه به

 

(هامش)

 

1. القاموس المحيط ج 3، ص 65 (شفع). 2. النساء (4): 85. (*)

 

كأنه كان واحدا وترا فصار زوجا شفعا أي من حصة نفسه وحصة شريكه الذي أخذها بذلك الحق الذي جعله الشارع له (1). وأما كونها جائزة، أي: نافذة تترتب آثار الملكية على ما أخذه الشفيع بالشفعة. وأما باقي الفاظ القاعدة فمعلومة لا يحتاج إلى الشرح والإيضاح. وقال في تعريفها في الشرائع: وهي استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقاله بالبيع (2). وقال في القواعد: وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع (3). وقال في الدروس: حق ملك قهري يثبت بالبيع لشريكه (4). وأنت خبير أن هذه التعاريف كلها مآلها ومرجعها إلى معنى واحد، وليس الاختلاف إلا في التعابير، والمراد والمقصود من الجميع واحد. الجهة الثانية في مدركها وبيان الدليل عليها فنقول: الأول: الإجماع. قال المرتضى قدس سره: ومما انفردت الإمامية إثباتهم حق الشفعة في كل شيء من المبيعات من عقار وضيعة ومتاع وعروض وحيوان كل ذلك مم يحتمل القسمة أو لا يحتملها. ثم قال قدس سره: دليلنا على صحة مذهبنا إجماع الإمامية على

 

(هامش)

 

1. النهاية ج 2، ص 485. 2. شرائع الإسلام ج 3، ص 253. 3. قواعد الأحكام ج 1، ص 208. 4. الدروس ج 3، ص 355. (*)

 

ذلك، فإنهم لا يختلفون فيه (1). ومن تتبع كلمات فقهاء الطائفة وأقوالهم لا يبقى له ريب في حصول مثل هذا الإجماع، وإن كان بينهم خلاف في بعض فروع المسألة وبعض قيوده وشروطها. الثاني: السنة. فأما من طريق الجمهور فما رووه عنه صلى الله عليه وآله: الشفعة في كل شيء (2). وأيضا قال: صلى الله عليه وآله: الشفعة فيما لم يقسم (3). وأما عن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: الشفعة جائزة في كل شيء، من حيوان أو أرض أو متاع (4). وما رواه عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ول ضرار، وقال: إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة (5). الثالث: عموم التعليل في قوله صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار . فهذا التعليل لقضائه بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن عام يأتي في جميع أو أكثر الأشياء المشتركة بين الشخصين، سواء كانت من الأراضي أو المساكن أو كانت من الحيوان أو الأمتعة أو غيره. وسنتكلم إن شاء الله تعالى في الموارد التي وقع البحث في الاستثناء

 

(هامش)

 

1. الانتصار ص 215. 2. سنن ابن ماجه ج 2، ص 835، كتاب الشفعة، ح 2497 و 2499، عوالي اللئالي ج 3، ص 475، ح 2، مستدرك الوسائل ج 17، ص 98، أبواب كتاب الشفعة، باب 3، ح 7. 3. سنن الترمذي ج 2، ص 413، ح 1383. 4. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 8، الفقيه ج 3، ص 79، باب الشفعة، ح 3377، وسائل الشيعة ج 17، ص 319، أبواب الشفعة، باب 5، ح 3. 5. الكافي ج 5، ص 280، باب الشفعة، ح 4، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 727، باب الشفعة، ح 4، وسائل الشيعة ج 17، ص 319، أبواب الشفعة، باب 5، ح 1. (*)

 

عن هذه القاعدة الكلية. الجهة الثالثة في شروط هذه القاعدة، والموارد التي وقع البحث في ثبوت حق الشفعة فيها فمما وقع البحث في شرطية كون المال المشترك قابل للقسمة، فما لا تقبل القسمة لا يأتي فيه حق الشفعة. وما لا يمكن تقسيمه إما من جهة تلفه بالمرة، كالعبد والأمة، وكل حيوان ليس بعد موته له مالية من ناحية لحمه وجلده وسائر أجزائه - وإن كان قابلا للتذكية وذكى كالهرة مثلا بناء كونها ملك - وكالأدوات والأمتعة التي بعد كسرها وتقطيعها للتقسيم لا تبقى لها مالية أصلا، كالأواني المصوغة من الخزف أو البلور أو الشيشة أو الفرفوري وأمثال ذلك. أو لا يمكن تقسيمها لنقص في ماليتها، كالأجحار الكريمة مثل ألماس والياقوت أو الفيروزج وأمثالها مما يصغر بالتقسيم، فتنقص ماليتها إلى حد كبير. مثلا كان المشاع حجر كريما كالياقوت أو ألماس ربما يكون قيمته قبل التقسيم آلاف من الدنانير، ولكن بعد التقسيم تنزل إلى العشرات، وهكذا في سائر الموارد، إذ المراد من التقسيم أن يكون قابلا للتقسيم الخارجي بحيث تكون حصة كل وأحد مفصلة من الآخر. وعلى كل حال يقال للمذكورات وأمثالها إنها ليست قابلة للقسمة، فلا تأتي فيها الشفعة إن قلنا باعتبار هذا الشرط. والكلام في اعتبار هذا الشرط والدليل عليه: فقد يقال بأن الشفعة خلاف الأصل، لأنها عبارة عن ثبوت حق في مال الغير

 

ينقله إلى نفسه، والأصل عدمه، فإذا شك في أنه هل للشفيع مثل هذا الحق في المال المشترك الذي ليس قابلا للقسمة، فمقتضى الأصل عدمه. وفيه: أنه لا مجال لجريان هذ الأصل مع اطلاقات أدلة الشفعة - كما تقدم - في ما رواه يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: الشفعة جائزة في كل شيء، من حيوان أو أرض أو متاع الحديث. وإطلاقات آخر قريب بهذا المضمون من طرق العامة والخاصة. وقد تقدم بعضها في بيان مدرك هذه القاعدة من قوله صلى الله عليه وآله فيما رواه الجمهور عنه صلى الله عليه وآله: الشفعة في كل شيء . وخلاصة الكلام: أنه مع وجود هذه العمومات والاطلاقات، لا يبقى مجال للاستدلال بأصالة عدم ثبوت هذا الحق. وأم التمسك لهذا الشرط برواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا شفعة في سفينة، ولا في نهر، ولا في طريق - وزاد الصدوق: - ولا في رحى، ولا في حمام (1). وببعض الروايات الأخر في نفي الشفعة (2). ففيه: مضافا إلى معارضتها في الحيوان - بوجود رواية بثبوتها فيه وفي النهر والطريق، أيض لم يأخذ بها جمع كثير وقالوا بثبوتها فيهما، خصوصا فيما إذا كانا قابلين للقسمة. ومع إمكان التقسيم في بعض المذكورات - أنه لا يصح إثبات شرطية قابلية المال المشترك للتقسيم لثبوت الشفعة بنفي الشفعة في بعض مصاديق ما ليس بقابل للتقسيم، لأنه يكون من إثبات حكم كلي، لعنوان عام بثبوته في بعض مصاديقه، وهذا من أردئ أقسام الاستدلال بالاستقراء، لأنه ثبت في محله عدم حجية استقراء التام فضلا عن مثل هذا الاستقراء الناقص.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 282، باب الشفعة، ح 11، الفقيه ج 3، ص 78، باب الشفعة، ح 3374، تهذيب الأحكام ج 7، ص 166، ح 738، باب الشفعة، ح 15، الاستبصار ج 3، ص 118، ح 420، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة، ح 9، وسائل الشيعة ج 17، ص 322، أبواب الشفعة، باب 8، ح 1. 2. وسائل الشيعة ج 17، ص 322، أبواب الشفعة، باب 8. (*)

 

وما ذكره في جامع المقاصد (1) من عدم القول بالفصل لا يفيد في تخصيص العمومات وتقييد المطلقات، كما هو ظاهر. وأما ما ذكره بعض من التعدي من نفيها في هذه المذكورات إلى نفيها عن جميع ما هو ليس بقابل للقسمة. ففيه: أنه لا بد وأن يكون هذ التعدي لوحدة المناط والملاك في الجميع، وأني للمدعى بإثبات ذلك. فهذا التعدي عن المذكورات في الرواية إلى غيرها مما يماثلها في عدم قابليتها للقسمة تعد عن الحق. فظهر أنه لا دليل على هذا الشرط. ثم إنه قلنا إن في الحيوان روايتان متعارضتان، جواز الشفعة في إحديهما وعدمها في الأخرى، فيتساقطان ولا يمكن تخصيص العمومات والاطلاقات به. وكذلك في سائر ما ورد الجواز والنفي فيه كما أنه ورد في الطريق ذلك النفي والإثبات (2). هذا، مضافا إلى ما ورد (3) من جواز الشفعة في العبد المملوك إذا بيع الذي هو مساو من هذه الجهة مع سائر الحيوانات، أي عدم كونه قابلا للقسمة، مضافا إلى أنه مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين - في الحيوان المثبت والنافي فيه - حمل النافي على الكراهة في إعمال هذا الحق فيه، فيرتفع التعارض من البين. وبعد هذ الحمل لا يبقى مجال لتخصيص العمومات به. ومما قيل باشتراطه في ثبوت الشفعة أن ل يكون المال المشاع من المنقولات وإن كان قابلا للقسمة، كما لو كان مثلا صندوقا من الشاي مشتركا بين اثنين، فباع

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 6، ص 344. 2. وسائل الشيعة ج 17، ص 322، أبواب الشفعة، باب 8. 3. وسائل الشيعة ج 17، ص 320، أبواب الشفعة، باب 7. (*)

 

أحدهما حصته من شخص آخر غير شريكه، فلا شفعة لشريكه على المشترى، لأنه من المنقول وإن كان قابلا للقسمة. ولو كان هذا الشرط صحيحا يضيق دائرة الشفعة في كثير من الأمتعة وأثاث البيت، فإن كثيرا منها من المنقول. وعلى كل قال جماعة من القدماء كالشيخين في المقنعة (1)، والنهاية (2)، والصدوقين (3)، والمرتضى (4)، بعدم الاشتراط وثبوت الشفعة في المنقول وغير المنقول. ومستندهم في ذلك العمومات والاطلاقات الواردة في المقام أنها جائزة في كل شيء من أرض أو حيوان أو متاع، ول دليل يخصص هذه العمومات أو يقيد هذه الاطلاقات. ولا نسمع دعوى ضعف السند في العمومات وأنه ليس هناك رواية تدل على أنها في كل شيء إلا رواية يونس، وهي مرسلة ولا يصح بها إثبات حكم مخالف للأصول، لأن مقتضى الأصل عدم ثبوت حق الغير على مال المالك والانتزاع منه قهرا، لأن الشفعة في الحقيقة غصب جائز من قبل الشارع فهي خلاف الأصل. وقد قال صاحب الجواهر في أول كتاب الشفعة أن المصنف وسائر الفقهاء ذكرو الشفعة متصلا بكتاب الغصب تنبيها على أنها كالمستثنى من حرمة أخذ مال الغير قهر للسنة المتواتره (5) وعلى كل حال لا شك في أنها خلاف الأصل. والجواب عن جميع م ذكر: هو أنه أولا ليست العمومات والاطلاقات منحصرة برواية يونس المرسلة، بل رواه الجمهور أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وثانيا يونس

 

(هامش)

 

1. المقنعة 2. النهاية ص 423. 3. المقنع ص 135، الفقيه وحكاه عن والد الصدوق في مختلف الشيعة ج 5، ص 348. 4. الانتصار ص 215. 5. جواهر الكلام ج 37، ص 237. (*)

 

وثقوه، ومثل هذا الشخص لا ينقل ولا يروى إلا عن الثقات، خصوصا إذا كانت الواسطة بينه وبين الإمام عليه السلام بعض رجاله بإضافة الرجال إلى نفسه. وعلى كل حال عمل القدماء وشيوخ الطائفة كالشيخين والصدوقين والمرتضى - قدس الله أسرارهم - مما يوجب الوثوق بل الاطمئنان بصحة الرواية. وأما قضية أن الشفعة خلاف الأصل وإن كانت صحيحة، لكنها محكومة بالعمومات والاطلاقات، فلا يبقى مجال لجريانه معها. ثم إنهم ذكروا ه هنا فروعا كثيرة، وبحثوا فيها عن ثبوت حق الشفعة فيها أم لا، كالدولاب والناعورة إذا بيعت مع الأرض التي هي فيها. وأما لو بيعت منفردة فلا كلام عندهم في عدم ثبوت الشفعة فيها، لأنها من المنقولات. قال في الشرائع: أما الشجر والنخل والأبنية فتثبت فيه الشفعة تبعا للأرض. ولو أفرد بالبيع نزل على القولين (1)، أي جواز البيع في المنقول وعدم جوازه. ولكن قد عرفت أن هذه الأبحاث لا وجه لها بعد ما بينا من ثبوت الشفعة في المنقول وغير المنقول، وما يقبل القسمة وما لا يقبل. ومما وقع البحث والكلام فيه اشتراط ثبوت حق الشفعة لأحد الشريكين بأن يكون انتقال حصة الآخر إلى غيره بالبيع، فلو وهب الشريك حصته لشخص، أو صالحا مع شخص، أو جعلها مهرا أو عوض الخلع، أو بغير ذلك من النواقل الشرعية غير البيع، فلا شفعة لشريكه. والدليل على هذا الشرط هو الإجماع أولا. ولا ينافيه مخالفة ابن الجنيد (2). وقال في المبسوط (3) في وجه اشتراط ثبوت الشفعة بهذا الشرط: إن عليه إجماع الطائفة

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 3، ص 253. 2. حكاه عنه في مختلف الشيعة ج 5، ص 395. 3. المبسوط ج 3، ص 111. (*)

 

وأخبارهم. وقال بعدم ثبوته في الصداق لأجل ذلك. وذكر في الجواهر (1) قول الصادق عليه السلام: الشفعة في البيوع (2) فتدل هذه الرواية على انحصار ثبوت الشفعة في البيوع، بناء على صحة قاعدتهم المقررة من أن المبتدأ المعرف بالألف واللام محصور في الخبر، كقولهم: الكرم في العرب، والحكمة في اليونان. فمفهوم الحصر في هذه الرواية يدل على عدم ثبوت الشفعة في غير البيع. وكذلك تدل صحيحة أبي بصير، عن الصادق عليه السلام أيضا في خصوص الصداق سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار، وله في تلك الدار شركاء؟ قال: جائز له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليه (3). ولكن يمكن أن يكون نفي الشفعة ها هنا من جهة تعدد الشركاء، لا من جهة عدم كونها في البيع بل الانتقال في الصداق. وكذلك يمكن التمسك لاشتراط كون الانتقال من الشريك بالبيع لا بالنواقل الآخر بما قاله عليه السلام في رواية يونس المتقدمة فباع أحدهم نصيبه فشريكه أحق به من غيره فرتب عليه السلام أحقية الشريك على بيع شريكه، فيدل على أن أحقية الشريك في صورة كون الانتقال بالبيع، لا بناقل آخر. ولكن أنت خبير بأن ذكر البيع من باب أحد النواقل، واختصاص الذكر به لأنه هو الغالب في النواقل عند أهل العرف. واحتمال هذا المعنى يكفي في عدم ظهوره في اختصاص كون الناقل هو البيع في ثبوت هذا الحق. فالعمدة في إثبات هذا الشرط هو الإجماع وقوله عليه السلام: الشفعة في البيوع .

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 37، ص 226. 2. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 5، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 728، باب الشفعة، ح 5، وسائل الشيعة ج 17، ص 316، أبواب الشفعة، باب 2، ح 1. 3. الفقيه ج 3، ص 83، باب الشفعة، ح 3380، تهذيب الأحكام ج 7، ص 167، ح 742، باب الشفعة، ح 19، وسائل الشيعة ج 17، ص 325، أبواب الشفعة، باب 11، ح 2. (*)

 

ومن شرائط ثبوت هذا الحق للشريك: أن يكون المبيع مشاعا مع الشفيع حال البيع. والوجه في هذا الشرط واضح للروايات المتقدمة في أنه لا شفعة إلا للشريكين ما لم يتقاسم (1). وفي رواية أخرى: لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم (2). وفي رواية أخرى: الشفعة لكل شريك لم يقاسم (3). وفي رواية أخرى وهي رواية أبي العباس ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، جميعا قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: الشفعة لا تكون إلا لشريك لم يقاسم (4). فهذه الروايات تدل دلالة واضحة على أن ثبوت حق الشفعة مشروط بأن يكون المبيع مشاعا مع الشفيع حال البيع. نعم وردت روايات في ثبوت هذا الحق وإن لم يكن المبيع مشاعا مع الشفيع، وكان بعد القسمة إذا بقيت الشركة في الطريق إلى المبيع وبيع معه فكانت الشركة والإشاعة باقية في بعض المبيع وهو الطريق إليه. منها: رواية منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن دار فيها دور وطريقهم وأحد في عرصة الدار، فباع بعضهم منزله من رجل، هل لشركائه في الطريق

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 7، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 729، باب الشفعة، ح 6، وسائل الشيعة ج 17، ص 316، أبواب الشفعة، باب 3، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 6، الفقيه ج 3، ص 78، باب الشفعة، ح 3372، تهذيب الأحكام ج 7، ص 166، ح 737، باب الشفعة، ح 14، وسائل الشيعة ج 17، ص 316، أبواب الشفعة، باب 1، ح 2. 3. الكافي ج 5، ص 280، باب الشفعة، ح 1، وسائل الشيعة ج 17، ص 317، أبواب الشفعة، باب 3، ح 3. 4. الكافي ج 5، ص 282، باب الشفعة، ح 10، وسائل الشيعة ج 17، ص 317، أبواب الشفعة، باب 3، 6. (*)

 

أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال عليه السلام إن كان باع الدار وحول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة (1). منها: أيضا ما رواه منصور بن حازم قال: قلنا لأبي عبد الله عليه السلام: دار بين قوم اقتسموها، فأخذ كل وأحد منهم قطعة وبناها، وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم أله ذلك؟ قال: نعم ولكن يسد بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه فإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به، وإلا فهو طريقه يجئ حتى يجلس ذلك الباب (2). ولكن ظاهر هاتين الروايتين ثبوت حق الشفعة مع تعدد الشركاء، وسيأتي أنه لا يثبت إلا مع وحدة الشريك، ولذا حمله الشيخ (3) في رواية الكاهلي التي هي مثل رواية منصور بن حازم - إلا أنه قال: أو ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فهم أحق به، وإن أراد يجئ حتى يقعد على باب المسدود الذي باعه لم يكن لهم يمنعوه (4) - على التقية، لأنهم يقولون بثبوت حق الشفعة حتى مع تعدد الشركاء وهو حمل حسن. ثم إن مورد هذه الروايات هي الشركة في خصوص طريق الدار، ولكن الأصحاب - قدس الله أسرارهم - أسروا لحكم من الاشتراك في الطريق إلى الاشتراك في النهرا أو الساقية، ومن الدار إلى البستان والأراضي، مع أن هذا الحق مخالف - كم تقدم

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 280، باب الشفعة، ح 2، تهذيب الأحكام ج 7، ص 165، ح 731، باب الشفعة، ح 8، الاستبصار ج 3، ص 117، ح 417، باب العدد الذين تثبت بينهم...، ح 6، وسائل الشيعة ج 17، ص 318، أبواب الشفعة، باب 4، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 9، تهذيب الأحكام ج 7، ص 165، ح 732، باب الشفعة، ح 9، الاستبصار ج 3، ص 117، ح 418، باب العدد الذين تثبت بينهم...، ح 7، وسائل الشيعة ج 17، ص 318، أبواب الشفعة، باب 4، ح 2. 3. تهذيب الأحكام ج 7، ص 167، ح 743، باب الشفعة، ح 20، الاستبصار ج 3، ص 117 ، ح 418، وسائل الشيعة ج 17، ص 319، أبواب الشفعة، باب 4، ح 3. 4. الاستبصار ج 3، ص 117، ذيل ح 418. (*)

 

- للأصول، فيحتاج ثبوته في كل مورد إلى الدليل خصوصا، أو شمول العمومات والاطلاقات له. ففيما نحن فيه إن كان إجماع بثبوته حتى مع الاشتراك في النهر أو الساقية وحتى في البساتين والأراضي فهو، وإلا تسرية الحكم من الطريق إلى النهر والساقية، ومن الدور إلى البساتين والأراضي، يكون من القياس الباطل. ومن شرائط ثبوت هذا الحق وحدة الشريك، بمعنى أن لا يكون الشركاء أزيد من الاثنين، فإذا باع أحدهما فللآخر أن يأخذ المبيع بنفس الثمن الذي بيع به بحق الشفعة. والظاهر أن هذا الشرط مما انفردت به الإمامية الاثنى عشرية، وأما باقي الفقهاء خالفوا في ذلك وقالو بثبوته حتى مع تعدد الشركاء. قال السيد المرتضى قدس سره في الانتصار: ومما انفردت به الإمامية القول بأن الشفعة تجب إذا كانت الشركة بين اثنين، وإذا زاد العدد على الاثنين فلا شفعة. وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأوجبوا الشفعة بين الشركاء قل أو كثر عددهم (1). فالدليل على هذا الشرط ومدركه هي الأخبار الكثيرة المستفيضة التي تدل على اشتراط ثبوت هذا الحق بأن تكون الشركة بين اثنين: منها: رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يقاسما، فإذا صارو ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة (2). ومنها: رواية يونس عن بعض رجاله، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن

 

(هامش)

 

1. الانتصار ص 216. 2. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 7، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 729، باب الشفعة، ح 6، الاستبصار ج 3، ص 116، ح 412، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة...، ح 1، وسائل الشيعة ج 17، ص 320، أبواب الشفعة، باب 7، ح 1. (*)

 

الشفعة لمن هي، وفي أي شيء هي، ولمن تصلح، وهل تكون في الحيوان شفعة وكيف هي؟ فقال عليه السلام: الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين لا غيرهما، فباع أحدهما نصيبه، فشريكه أحق به من غيره. وإن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم (1). ومنها: رواية الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في المملوك يكون بين شركاء، فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه: أنا أحق به، أله ذلك؟ قال: نعم إذا كان واحد قيل له: في الحيوان شفعة؟ قال: لا (2). ومنه: رواية صفوان، عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه، فقال أحدهم: أنا أحق به، أله ذلك؟ قال: نعم إذ كان واحد (3). ومنها: رواية عبد الله بن سنان أنه سأله عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه، قال: يبيعه . قلت: فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه، فلما أقدم على البيع قال له شريكه: أعطني؟ قال: هو أحق به . ثم قال عليه السلام: لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه رقبة واحدة (4). وهذه الأخبار صريحة في عدم ثبوت حق الشفعة للشركاء إذا كانوا أزيد

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 8، الفقهيه ج 3، ص 79، باب الشفعة، ح 3377، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 730، باب الشفعة، ح 7، الاستبصار ج 3، ص 116، ح 413، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة...، ح 2، وسائل الشيعة ج 17، ص 321، أبواب الشفعة، باب 7، ح 3. 2. الكافي ج 5، ص 210، باب الشراء الرقيق، ح 5، تهذيب الأحكام ج 7، ص 166، ح 735، باب الشفعة، ح 12، الاستبصار ج 3، ص 116، ح 415، باب العدد الذين تثبت بينهم الشفعة...، ح 4، وسائل الشيعة ج 17، ص 321، أبواب الشفعة، باب 7، ح 3. 3. تهذيب الأحكام ج 7، ص 165، ح 734، باب الشفعة، ح 11، وسائل الشيعة ج 17، ص 321، أبواب الشفعة، باب 7، ح 4. 4. الفقيه ج 3، ص 80، باب الشفعة، ح 3378، وسائل الشيعة ج 17، ص 322، أبواب الشفعة، باب 7، ح 7. (*)

 

من الاثنين. واستدل بعضهم على اشتراط ثبوت هذا الحق بأن لا يكون الشركاء أزيد من الاثنين بالإجماع. وأنت خبير بأنه مع وجود هذه الأخبار الصحيحة الصريحة، لا يبقى مجال للتمسك بالإجماع، ولا حجية لمثل هذا الإجماع. ومن شروط ثبوت هذا الحق مطالبة الشفيع به فورا، لما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الشفعة لمن واثبه . (1) أي: طفر وانقض عليها، ولا شك في أن الوثوب إلى الشيء يستفاد منه التعجيل أكثر من الإسراع إليه، فهذه عبارة أخرى عن الطلب والأخذ به فورا. ومفهوم هذا الكلام عدمها لمن لا يثب إليها. ولان الشفعة خلاف الأصل، لأنها عبارة عن السلطنة على مال الغير، والقدر المتيقن مما دل الدليل على ثبوته هي المطالبة على الفور. وأما إذ تأخر الأخذ والطلب فثبوته خلاف الأصل، فيحتاج إلى دليل يدل على التراخي مفقود في المقام. بل يستفاد من رواية على بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن رجل طلب شفعة أرض، فذهب على أن يحضر المال فلم ينض، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها، أيبيعها أو ينتظر مجئ شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام، فإن أتاه بالمال، وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض. وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر، فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم، فإن وافاه وإلا فلا شفعة له (2).

 

(هامش)

 

1. نيل الأوطار ج 6، ص 87، فائدة من الأحاديث الواردة في الشفعة. 2. تهذيب الأحكام ج 7، ص 167، ح 739، باب الشفعة، ح 16، وسائل الشيعة ج 17، ص 324، أبواب (*)

 

فإنه عليه السلام حكم ببطلان الشفعة بعد مضي ثلاثة أيام أخرها للعذر، فلو كان حق الشفعة لا على الفور لما كان يبطل بالتأخير أزيد من مقدار الفور عذرا. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله أيض: الشفعة كحل العقال (1). وإن صح الخبر دل على جواز التراخي بكناية لطيفة، وهي أنه كما أن حل العقال ملزوم وسبب عادي للحركة بعد ما لم يكن قادرا عليها، كذلك الشفيع لو لم تكن الشفعة لم يكن قادرا في عالم التشريع على التصرف في حصة شريكه، والشفعة صارت سببا لقدرته على ذلك فورا عرفيا، فيستظهر منه عدم جواز تأخير إعمال هذا الحق، بل يجب الأخذ به من غير تراخ زائدا على المتعارف في المشي إلى حاجاته المتعارفة. نعم لا يجب عليه رفع اليد عن جميع حوائجه والاشتغال بأخذ المشاع من المشتري والتصرف فيه، كل ذلك لأجل حجية ظواهر الكلام والفهم العرفي منه، الذي هو المناط عند العقلاء في تشخيص مراد المتكلم من كلامه. فبعض التفاصيل في الكتب الفقهية المفصلة من عدم ملزوم الفورية الدقية لا يحتاج إليه، بل يحال إلى العرف. كما أن الأمر كذلك في جميع موارد اعتبار الفورية، مثلا إن قلنا بأن خيار الغبن فوري، ففورية إعماله يكون بنظر العرف وما يفهمون منه، لا بالدقة العقلية. ثم إنه بناء على الفورية، فهل يعتبر في صدق الأخذ حضور الشفيع عند المشتري ومواجهته وإخباره عن تملكه ما اشتراه من شريكه، بل ومضافا إلى هذا إعطاء الثمن له: أم يكفي إنشاء التملك عند نفسه، غاية الأمر للإثبات يشهد عدلين على أنه تملك، وإلا لو صدقه المشتري في أنه تملك عند نفسه لا يحتاج إلى أي شيء.

 

(هامش)

 

الشفعة، باب 10، ح 1. 1. سنن البيهقى ج 6، ص 108، كتاب الشفعة، باب رواية ألفاظ منكرة...، سنن ابن ماجه ج 2، ص 835، باب طلب الشفعة، ح 2500، كنز العمال ج 7، ص 4، كتاب الشفعة، ح 17686. (*)

 

الظاهر أن الأخذ في عالم الثبوت عبارة عن نفس إنشاء التملك قولا أو فعلا، نعم لا بد وأن يكون بنحو لا يوجب ضررا على المشتري، فيجب إخباره فورا كي لا يحدث في المشاع الذي اشتراه ما يوجب ضرره لو أخذ بالشفعة، من بناء أو زرع أو غرس أو غير ذلك. ومن جملة شرائط ثبوت الشفعة أن يكون الشفيع قادرا على أداء الثمن الذي أعطاه المشتري لصاحب الشقص المبيع. والوجه فيه واضح، لأنه مضافا إلى الإجماع لو لم يكن قادرا على أداء الثمن يلزم تضرر المشتري والشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع، فكيف يمكن أن يكون سببا لضرر شخص آخر، وهل هذا إلا من الكر إلى ما فر منه. ثم إن المراد من القدرة وعدم العجز عن أداء الثمن عند الأخذ بالشفعة ليس هي القدرة الفعلية وبدون تأخير في البين أصلا، بحيث يكون الشفيع في نفس زمان الأخذ كان الثمن حاضرا عنده في المجلس، لأنه لو كان المراد هذا يلزم بطلان هذا الحق في كثير من الموارد لعدم قدرة أغلب من يأخذ بحق الشفعة بمثل ذلك، ويكون الثمن حاضرا أو في كيسه موجودا. هذا، مضافا إلى رواية على بن مهزيار المتقدمة (1) التي كان فيها إمهال ثلاثة أيام إن كان في المصر الذي يكون المشتري فيه، وإمهال مدة المسافرة ذهابا وإيابا لو ادعى وجوده في بلد آخر، وإمهال ثلاثة أيام فوق مدة المسافرة أيضا. فالظاهر من هذه الرواية أن المعتبر هي القدرة العرفية التي لا تنافي العجز الفعلي، فالتي تكون شرطا هي القدرة في الجملة وعدم العجز المطلق، لا عدم العجز مطلقا. وقد يقال: إن من جملة شرائط ثبوت هذا الحق أن لا يكون الشفيع ما بيده

 

(هامش)

 

1. تقدمت في ص 190، رقم (2). (*)

 

وحصته وقفا، فلو باع صاحب الشقص المطلق ليس بصاحب الوقف المالك له - أي الموقوف عليه - الأخذ بالشفعة، وذلك لانصراف أدلة الشفعة عن مثل هذا الملك وإن قلنا بملكية الوقف للموقوف عليه فإن ظاهرها كون ملك الشفيعين على نهج واحد، لا أن يكون أحدهم ملكا طلقا يحوز لمالكه جميع التصرفات الناقلة وغيرها، والآخر ممنوع عن تلك التصرفات. وادعى الشيخ قدس سره (1) نفي الخلاف عن عدم جواز الأخذ بالشفعة لمالك الوقف. وعلل في الشرائع (2) عدم الجواز بأنه ليس مالكا له على الخصوص وإن كان واحد حال البيع، ضرورة قصد الواقف تمليك الموقوف عليهم في سائر الطبقات أيضا، ولذ يتلقون جميع الطبقات عن الواقف، لا أن اللاحقة تتلقى من السابقة. والشفيع الذي له حق الأخذ بالشفعة في أدلة جواز الأخذ منصرف عن هذا القسم من المالك، وظاهر في كونه مالكا غير محدود ملكيته بحال حياته، ولذا لا يجوز له الانتفاع بأزيد من حال حياته، فمنافع الوقف في الأزمنة المتأخرة عن حياة الموقوف عليه لا يكون ملكا له. بل وكذلك لو باع - مالك الحصة التي هي وقف - بأحد مجوزات بيع الوقف لا شفعة لصاحب الطلق الذي شريك مع الوقف، لأن ظاهر أدلة الشفعة أن هذا الحق مجعول للشفيع الذي ملكه طلق إذ باع الآخر الذي أيضا ملكه طلق، وحيث أن الشفعة خلاف الأصل - كما تقدم - فلا بد من الأخذ بالقدر المتيقن، إذ ليس في الأدلة إطلاق من هذه الجهة كي نأخذ به ويرفع به الشك. فما ذكره بعض من التفصيل بين الصورتين - بعدم هذا الحق لو كان الموقوف عليه هو الشفيع، وثبوته له لو كان الشفيع هو صاحب الملك المطلق - لا أساس له، لاتحاد الدليل في كلتا هما، وهو انصراف أدلة الشفعة.

 

(هامش)

 

1. المبسوط ج 3، ص 145. 2. شرائع الإسلام ج 3، ص 254. (*)

 

وأما دعوى الإجماع على ثبوت مطلقا، أو في ما إذا كان الشفيع هو المالك المطلق، فل وجه له مع مخالفة كثير من الأعاظم قدس سرهم. ومن شرائط ثبوت هذا الحق أن لا يكون الشفيع الأخذ بالحق ذميا إذا كان المشتري ومن عليه الحق مسلما، لأنه سبيل للذمي على المشتري المسلم، ولن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلا. والمناقشات في هذ الأمر وإن كانت كثيرة، ولكن الإنصاف أنها ليست بشيء. نعم لو كان المشتري هو الذمي والآخذ بالشفعة كان مسلما أو ذميا، فالحق ثابت بلا إشكال. نعم على المسلم الأخذ بتمام حصة الذمي بتمام الثمن الذي اشترى به، فليس له الأخذ ببعض ما اشترى ببعض الثمن بدون رضاء ذلك الذمي، لكونه ضررا، وعموم لا ضرر أو إطلاقه ينفيه. وقد تقدم أن مقتضى الأصل عدم ثبوت هذا الحق إلا بالقدر الذي جاء الدليل على ثبوته، وما هو مفاد الأدلة أن الشفيع أحق بما بيع من المشتري الأجنبي، وأما التبعيض في الأخذ بهذا الحق فهو شيء آخر يحتاج إلى دليل آخر ولا إطلاق لتلك الأدلة يشمل صورة التبعيض في الأخذ، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة. وأما القول بأن حق التبعيض من آثار نفس السلطنة على الأخذ. ففيه: أنه أيضا من آثار إطلاق هذه السلطنة كي يشمل جميع الأخذ تماما أو بعضا بتمام الثمن، أو بعضه ببعضه، وليست الأدلة في مقام البيان من هذه الجهة. مضافا إلى أن حق الشفعة عند العرف عبارة عن أن الشفيع أحق من المشتري الأجنبي بهذه المعاملة الواقعة في الخارج، ومعلوم أن المعاملة الواقعة انتقال تمام المال المشترك إلى المشتري بتمام الثمن، فالتبعيض أمر زائد ثبوته يحتاج إلى دليل، وليس ها هنا دليل آخر في البين. فظهر مما ذكرنا أن الشفيع مطلقا، مسلما كان أو كافرا، ليس

 

له حق التبعيض في الأخذ إلا برضاء المشتري. فرع: بعد ما كان الشفيع واجدا لشرائط ثبوت هذا الحق وثبت له، لو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام إن كان المال في مصره. وذلك لما في رواية على بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب عني أن يحضر المال فلم ينض، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها، أيبيعها أو ينتظر مجئ، شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معه بالمصر فينتظر به ثلاثة أيام، فإن أتاه بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعة في الأرض. وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى آخر، فينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف، وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم، فإن وافاه وإلا فلا شفعة له (1). وظاهر هذه الرواية أن المهلة في إحضار الثمن للمشتري ثلاثة أيام، وكأنه هذا المقدار من التأخير في الأخذ بالشفعة يسامح فيه، ولا ينافي لزوم فورية الأخذ بإعطاء الثمن للمشتري وتمليك المبيع من المشتري، ولذلك قال عليه السلام فيما إذا كان المال في بلد آخر: فينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم . فهذه الثلاثة أيام هي الإمهال في باب إعطاء الشفيع الثمن للمشتري، وأما مقدار المسافرة إلى بلد المال وجلب المال إلى بلد الذي محل المشتري ليس إلا لتحصيل المال ل الإمهال. وبناء على هذا لو كان المال حاضرا عنده ومع ذلك أخر الإعطاء ثلاثة أيام يكون له ذلك، فلا بد وأن يكون حكما تعبديا من الشرع. ومن الممكن أن تكون ثلاثة أيام في المصر لأجل التحصيل أيضا، ويكون

 

(هامش)

 

1. تقدم تخريجه في ص 190، رقم (2). (*)

 

التحصيل إذا كان المال في بلد آخر فوق ثلاثة أيام مما يحتاج إلى المسافرة والذهاب والإياب، وعليه فلو كان المال حاضرا عنده لا يجوز التأخير أصلا ولا إمهال في البين، وهذا مقتضى مراعاة الحقين: حق الشفيع، وحق المشتري بالمطالبة بماله. ولكن فيه: أن ظاهر الرواية جواز تأخيره الإعطاء بعد ما قدم ثلاثة أيام، فلا يمكن أن يكون إمهال للتحصيل. إلا أن يقال: إن هذه الثلاثة أيام بعد القدوم من السفر أيضا لأجل تنظيم أموره، فإن المسافر ربما تختل بعض أموره، فلذلك أوجب عليه الوفاء بعد ثلاثة أيام، وإلا فلا إمهال في البين إن كان المال حاضرا عنده ولا يحتاج إلى التحصيل وإلى المسافرة، ويجب الموافاة فورا. نعم المراد من الفور هي الفورية العرفية بدون مماطلة. ثم إن شمول إطلاق المسافرة لما إذا طالت لبعد ذلك أو لجهة أخرى، بحيث يتضرر المشتري بهذا التأخير، مشكل جدا، بل الظاهر سقوط حقه. وادعى في الغنية إجماع الطائفة على سقوط هذا الحق في تلك الصورة. هذا، مضافا إلى ما تقدم من أن ثبوت هذ الحق مخالف للأصل وعمومات سلطنة المالك على ماله، مع عدم كون عمومات الشفعة في مقام البيان من هذه الجهات، فليس لها إطلاق يرفع الشك. فرع: ويثبت هذا الحق للغائب كم يثبت للحاضر في بلد البيع. وادعى الإجماع على ذلك في الخلاف (1) والتذكرة (2). ويظهر من الغنية أيضا نفي الخلاف من

 

(هامش)

 

1. الخلاف ج 3، ص 431، المسألة: 5. 2. تذكرة الفقهاء ج 2، ص 595. (*)

 

ثبوته للمسافر إذا قدم من غيبته (1). ويدل عليه مضافا إلى عمومات الشفعة، ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: وصى اليتيم بمنزلة أبيه، يأخذ له الشفعة إذا كان له رغبة، وقال: للغائب شفعة (2). وضعف سند الرواية منجبر بهذه الإجماعات التي حكيناها. وأما الإشكال عليه بأنه ينافي الفورية التي اعتبرناها في مطالبة هذا الحق وإلا يسقط. ففيه: أن اشتراط الفورية في مطالبة هذا الحق فيما إذا لم يكن له عذر في التأخير، وأما فيما إذا كان معذور لغياب أو حبس أو لجهة أخرى فلا إشكال في التأخير. والنبويان المتقدمان - أي قوله صلى الله عليه وآله: الشفعة لمن واثبه . وقوله صلى الله عليه وآله: الشفعة كحل العقال - لا إطلاق لهما بحيث يشملان حال الغياب وعدم الإطلاع، بل منصرفان عن مثل حال السفر والحبس وغير ذلك من حالات العجز عن الأخذ بهذا الحق. وأما الإشكال عليه بلزوم الضرر على المشتري، خصوصا إذا طال الغياب، كالمسجون لمدة طويلة، أو المسافر الذي يطول سفره كذلك، أو غيرهما. ففيه: أن المال في هذه المدة الطويلة المفروضة قبل الأخذ ماله وتحت تصرفه ويقلبه كيف ما يشاء، فأي ضرر يتوجه عليه. نعم لو قلنا بأن الغائب في حال غيابه لو اطلع على بيع شريكه حصته من

 

(هامش)

 

1. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 591. 2. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 6، الفقيه ج 3، ص 78، باب الشفعة، ح 3375، تهذيب الأحكام ج 7، ص 166، ح 737، باب الشفعة، ح 14، وسائل الشيعة ج 17، ص 320، أبواب الشفعة، باب 6، ح 2. (*)

 

شخص، يجوز له الأخذ بالشفعة بإنشائه تملك حصة شريكه من دون حضور نفسه، ومع ذلك طال غيابه فلم يعط في هذه المدة الطويلة الثمن لذلك المشتري، فالمشتري يده فارغة عن كليهما جميعا، أي عما اشتراه وعن ثمنه، فيتضرر لأنه ربما يترتب على خلو يده عن الاثنين إضرار، كما هو واضح. لكن هذا المعنى غير صحيح، لعدم جواز الأخذ ما لم يحضر بصرف إنشاء تملكه للمبيع. وقد تقدم أن الأخذ فوري، وإلا فيسقط هذا الحق بالتأخير إلا بالمقدار الذي أذن الشارع أي ثلاثة أيام إن كان الثمن في نفس المصر الذي يأخذ الشفيع بحق الشفعة، وإن كان في بلد آخر فبالمقدار الذي يسافر إليه وينصرف وزيادة ثلاثة أيام. فظهر من جميع ما ذكرنا أن هذا الحق يثبت للغائب مثل الحاضر، غاية الأمر حيث أن الأخذ به فوري وإلا فيسقط، فإن لم يأخذ الغائب بحقه زائدا على المقدار الذي أذن له في التأخير يسقط ذلك الحق، لا أنه ليس له الحق أصلا، بل لو كان قادرا على الأخذ بنفسه أو بتوسط وكيلة وأخر ولم يأخذ يسقط حقه. وأما إذا لم يكن قادرا إما من جهة غيبته وعدم علمه، وإما من جهة عدم الوسيلة لإبلاغ المشتري بأخذه الشفعة، أو غير ذلك من الجهات، فهل يسقط حقه بالتأخير أم لا؟ الظاهر عدم سقوطه في هذه الصورة، لأنه جعله الله له ولا يقدر على إعماله، ومثل هذا لا يوجب سقوط الحق. وأما القول بأن ثبوت هذا الحق على مال الغير مدة طويلة ضرر عليه، فقد أجبنا عنه، فلا يبقى وجه للسقوط. وقال في الغنية: فيستحق الشفعة من علم بالبيع بعد السنين المتطاولة بل خلاف وإن كان حاضرا في البلد، وكذلك حكم المسافر إذا قدم من غيبته. (1) ويظهر من عبارته دعوى الإجماع على ثبوت الشفعة للغائب ولو علم بالبيع بعد

 

(هامش)

 

1. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 591. (*)

 

السنين المتطاولة. فرع: الشفيع يأخذ المال المشاع بعد تحقق البيع بنفس الثمن الذي وقع عليه العقد، فإن كان مثليا فبمثله، وإن كان قيميا فيجب عليه الوفاء بقيمته، وليس له المطالبة بأقل من قيمته أولا، لرواية الغنوي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الشفعة في الدور أشيء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال عليه السلام: الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها بالثمن (1). وظاهر الرواية أن أحقيته من غيره فيما إذا كان أخذه بالثمن، وظاهر هذا الكلام هو أن أخذه يكون بإعطاء مصداق من طبيعة الثمن، وذلك من جهة أن الغالب في أبواب البيوع بل وفي غيرها كون العوض كليا، غاية الأمر في البيع يسمى ثمنا، وفي الإجارة أجرة، وفي الجعالة جعلا، وهكذا. فإن كان الثمن مثليا فلا إشكال، لأنه يأخذ بمثل م جعل المشتري بإعطاء مصداق من الكلي بل بنفس الكلي، لأنه في الخارج في مقام الأداء والوفاء لا بد أن يتشخص، وإلا فهو هو. وأما إذا كان الثمن من القيميات فأخذه بنفس الثمن لا يمكن، فلا بد وأن يكون بقيمته. ولعله لذلك منع جماعة ثبوت الشفعة إذا كان الثمن من القيميات، لأنه لا يمكن أخذها بالثمن. وربما يؤيد هذا القول ما رواه على بن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبز وجوهر، قال عليه السلام: ليس لأحد فيها شفعة (2).

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 5، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 728، باب الشفعة، ح 5، وسائل الشيعة ج 17، ص 316، أبواب الشفعة، باب 2، ح 1. 2. الفقيه ج 3، ص 80، باب الشفعة، ح 3379، تهذيب الأحكام ج 7، ص 167، ح 740، باب الشفعة، ح 17، قرب الإسناد ص 77، وسائل الشيعة ج 17، ص 324، أبواب الشفعة، باب 11، ح 1. (*)

 

وما رواه أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له، وله في تلك الدار شركاء قال عليه السلام: جائز له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليه (1). فرواية على بن رئاب ظاهرة في أن الثمن إذا كان مما ذكر وهي من القيميات فلا شفعة، فتدل على عدم الشفعة في القيميات ولكن مع إلقاء الخصوصيات في المذكورات وحملها على المثال. ولا يخلو من تأمل. وأما رواية أبو بصير فدلالتها على عدم الشفعة في القيميات غير ظاهرة، لأنه من المحتل القريب أن يكون نفي الشفعة فيه من جهة تعدد الشركاء وكونهم أكثر من اثنين، بل ظاهرها بل صريحها أن له في تلك الدار شركاء، فمع نفسه لا بد وأن يكونوا أكثر من اثنين، وقدم تقدم اشتراط ثبوت الشفعة بأن لا يكون الشركاء أزيد من الاثنين. فالإنصاف شمول عمومات الشفعة لما إذا كان الثمن من القيميات أيضا، غاية الأمر إذا كان من القيميات يجب عليه دفع قيمته للمشتري وأم تعيين القيمة فالأمر كما هو في سائر القيميات من تعيين أهل الخبرة، فلا إشكال في البين. وأما كون الثمن في باب المعاملات - خصوصا في البيوع الذي هو الآن محل الكلام - غالبا بالنقدين وهما من المثليات، فلا بد من القول بأن حق الشفعة لا يثبت إلا في المثليات. ففيه: أن كون الثمن غالبا من المثليات لا يخرج اللفظ عن الظهور في معناه الحقيقي الذي هو أوسع من المثليات، لأن لفظ الثمن ظاهر في باب البيع فيما يجعل عوضا عن

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 83، باب الشفعة، ح 3380، تهذيب الأحكام ج 7، ص 167، ح 742، باب الشفعة، ح 19، وسائل الشيعة ج 17، ص 325، أبواب الشفعة، باب 11، ح 2. (*)

 

المبيع، سواء كان من المثليات أو كان من القيميات، فالإنصاف ثبوت الشفعة مطلقا فيم اجتمع شرائطها، سواء كان الثمن من المثليات أو القيميات. فرع: ومن الواضح أن مورد حق الشفعة هو الأخذ به من المشتري بعد وقوع البيع وصحته وانتقال حصة البايع إلى المشتري، فالشفيع يتلقى المال من المشتري، ولذلك ينتقل الثمن من الشفيع إلى المشتري لا إلى البايع. وإن شئت قلت أن البيع الأول تم وصار المال المشاع ملكا للمشتري، ومنه ينتقل بجعل الهي إلى الشفيع، ولكن لا مجانا بل بإزاء مثل الثمن الذي أعطاه للبايع، أو قيمته أن كان الثمن الذي أعطاه قيميا، فيكون دركه على المشتري، لأن النقل والانتقال وقع بين المشتري والبايع، وليس الأخذ بالشفعة من قبيل فسخ العقد الواقع بين البايع والمشتري كي يرجع المال المشاع إلى صاحبه الأول الذي كان شريك مع البايع، فيكون إعمال حق الشفعة بمنزلة وقوع بيع جديد بين الشفيع والبايع الذي كان شريكا معه قبل البيع الأول. نعم الأخذ بالشفعة ليس بيعا جديدا بين الشفيع والمشتري، ولذلك قلنا إنه بمنزلة بيع جديد في حصول النقل والانتقال بينهما، ولذلك لا يترتب عليه أحكام البيع الجديد، فلو تلف قبل قبض الشفيع وبعد الأخذ بالشفعة كانهدام الدار بسيل جارف أو موت الحيوان بآفة سماوية أو غير ذلك، فليس تلفه من مال المشتري من باب قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه فلا يضمن المشتري شيئا منه. أما عدم جريان القاعدة في حق المشتري فلأنه ليس بايعا على الفرض. وأم ضمان اليد فلا يأتي، لأن يده ليست يد ضمان بل أمانة، إلا أن يطالبه الشفيع وهو ل يعطيه فتكون يده يد ضمان أو يكون بإتلافه وتفريطه، فتخرج بذلك عن كونها أمانية فيضمن.

 

نعم لو بقيت عند المشتري بتفريطه منه، كان ضامنا لنقصها بقواعد باب الضمان وقاعدة الإتلاف، لأن المال بعد الأخذ بالشفعة يكون ملكا للشفيع، والمشتري أورد عليه النقص فيكون ضامنا لذلك النقص، فللشفيع الأرش. ولو كان بيعا وكان البايع هو المشتري لكان تلفا قبل القبض وكان مجرى قاعدة التلف قبل القبض، وكان الشفيع مستحقا لتمام الثمن على تقدير انفساخ البيع أو بعضه إن كان الانفساخ في مقدار التلف، وعلى كل التقديرين لم يكن أرش في البين. وأما لو ظهر أن المال مستحق للغير فيرجع الشفيع إلى المشتري بأخذ الثمن منه، لأنه أخذ ما لا يستحق. فلو ظهر بعد الأخذ بالشفعة أن المالك الذي كان شريكا للشفيع وهب هذا المال لشخص بالهبة اللازمة، ثم باعها من شخص آخر عمدا أو جهلا والشفيع أخذ بالشفعة وأعطى الثمن لهذا المشتري ثم ظهر أن البيع باطل والمال للموهوب له، فمن الواضح المعلوم أن الشفيع يرجع إلى المشتري ويسترد م أعطاه. فمعنى درك المال على المشتري، أي كل نقص أو تلف بتفريط حصل في المال يكون ضمانه على المشتري لا على البايع. وإن شئت قلت: إن معنى درك هذا الشيء على فلان، أي تدارك ما نقص منه عليه، وعليه أن يغرم. فرع: لو تلف بعض المبيع قبل أخذ الشفيع بالشفعة فهل يسقط حق الشفيع بالمرة، أم له الأخذ بالباقي بتمام الثمن أو ببعضه بنسبة الباقي إلى تمام المبيع فلو كان الباقي نصف المبيع مثلا فبنصف الثمن وهكذا؟ وجوه وأقوال. والأقوى هو الأخير بحسب القواعد، لتعلق الحق بالمال المشاع المبيع بتمام الثمن، فكل جزء من المبيع بإزاء جزء ما يقابله من الثمن، فكما أن في باب تبعض الصفقة ينحل العقد إلى عقود متعددة باعتبار كل جزء من المبيع بما يقابله من الثمن، فيقال بصحة المعاملة بالنسبة إلى المقدار الذي يملكه من المبيع أو المقدار الذي قابل للملكية

 

والبطلان فيما عداه، فكذلك ها هنا يقال للشفيع الأخذ بالمقدار الباقي من المبيع بم يقابله من الثمن. فلا وجه لأن يقال له الأخذ بتمام الثمن، لأن تمام الثمن كان عوض تمام المال المبيع، لا عوض بعضه. ولا شك في أن الأخذ بالشفعة وإن لم يكن بيعا عرف وشرعا ولكن هو بمنزلة البيع ومن المعاوضات، والمعاوضة فيه تقع بين تمام المال وتمام الثمن وهي متضمنة لوقوع كل جزء من المبيع بإزاء جزء من الثمن إن لم يكن بين الأجزاء امتياز، وإلا يقسط الثمن على الأجزاء بنسبة قيمة كل جزء إلى قيمة المجموع، لا بنسبة مقداره إلى مقدار المجموع. فلو بقى الحق بعد تلف بعض المبيع كما هو المفروض مع أنه من المعاوضات، فلا مناص إلا أن يقال بأن له حق الأخذ بالباقي بما يقابله من الثمن لا بتمام الثمن، ولا فرق في ذلك بين أن يكون تلف بعض المبيع بفعل المشتري أو بآفة سماوية. نعم لو كان التلف بفعل المشتري وكان بعد المطالبة التي هي الأخذ، فيجب على الشفيع إعطاء جميع الثمن لأنه بنفس الأخذ صار ملكا للشفيع بإزاء تمام الثمن، ويستحق الشفيع على المشتري بدل التالف من مثله أو قيمته على قواعد باب الضمان. ولكن هذه الصورة خارجة عن الفروض ومحل الكلام. وأما القول بسقوط الحق بالمرة، فغاية ما يمكن أن يقال في وجهه أن الحق تعلق بمجموع المبيع الشخصي، والمفروض أنه لم يبق لتلف بعضه. ولكن أنت خبير بأن هذا كلام ظاهري، إذ الحق وإن تعلق بمجموع هذا المال الشخصي ولكن كل جزء منه صار متعلقا لهذا الحق في ضمن صيرورة تمامه متعلقا له، فإذا تلف بعض أجزائه يبقى الباقي تحت تعلقه، لعدم الدليل على سقوطه في سائر الأجزاء. وهذا الأمر الاعتباري الذي نسميه بالحق نظير الأعراض الخارجية، فإنه إذ

 

كان هناك ثوب أبيض فتلفت قطعة منه، فبانعدام تلك القطعة قهرا ينعدم البياض الذي كان حالا فيها لعدم بقاء معروضه، وأما بياض سائر القطعات الباقية فلا وجه لانعدامه لعدم فناء موضوعه، ومع الشك في سقوط هذا الحق عن الباقي كان الحكم هو البقاء بمقتضى الاستصحاب. وقد فصلنا صحة جريان هذا الاستصحاب في نظائر المقام في كتابن منتهى الأصول (1). ولكن ذهب المشهور إلى تخييره بين أخذ الباقي بتمام الثمن أو تركه فيما إذا كان التلف بآفة سماوية، أو كان قبل المطالبة بالشفعة وإن كان بفعل المشتري، بل ادعى في الغنية الإجماع على ذلك. (2) وما ذكرنا كان ما تقتضيه القواعد. ولكن عقد في الوسائل (3) بابا لتلف بعض المبيع قبل أن يأخذ بالشفعة، ولم يذكر فيه إلا ما رواه علي بن محبوب عن رجل قال: كتبت إلى الفقيه عليه السلام في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاع غير مقسوم، وكان شريكه الذي له النصف الآخر غائبا، فلما قبضه وتحول عنها تهدمت الدار وجاء سيل جارف فهدمها وذهب بها، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملا الذي نقد في ثمنها، فقال له: ضع عني قيمة البناء فإن البناء قد تهدم وذهب به السيل، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقع عليه السلام: ليس له إلا الشراء والبيع الأول إن شاء الله (4). وظاهر هذه الرواية سقوط حق الشفعة في مورد تلف بعض المبيع بآفة سماوية لقوله عليه السلام ليس له إلا الشراء أي ليس للشفيع إلا الشراء كسائر الأجانب، لا الأخذ بالشفعة، والبيع هو الأول أي بيع المالك للنصف المشاع لذلك المشتري الأجنبي، أي

 

(هامش)

 

1. منتهى الأصول ج 2، ص 452. 2. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 591. 3. وسائل الشيعة ج 17، ص 323، أبواب الشفعة، باب 9. 4. تهذيب الأحكام ج 7، ص 192، ح 850، باب في الشركة والمضاربة، ح 36، وسائل الشيعة ج 17، ص 323، أبواب الشفعة، باب 9، ح 1. (*)

 

يجب ترتيب آثار البيع على ذلك البيع الأول، ومعنى هذا سقوط حق الشفيع وعدم جواز أخذه بالشفعة. فرع: لو باع الشفيع الذي له الأخذ بالشفعة سهمه بعد البيع، أي بعد تحقق موضوع هذا الحق إذ موضوعه بيع أحد الشريكين سهمه المشاع في مال لشخص ثالث أجنبي من هذا المال بثمن، فشريك البايع أحق بالمبيع بنفس ذلك الثمن من ذلك المشتري الأجنبي عن هذا المال، فله الأخذ بالشفعة. فالكلام في هذا الفرع هو أن هذا الشريك لو باع حصته بعد أن باع صاحبه سهمه وتحقق موضوع الأخذ بالشفعة له، فلم يأخذ وباع سهمه، فهل بيعه هذا موجب لسقوط حقه مطلقا سواء كان عالما بالبيع وأن له حق الأخذ أو لم يكن، أم لا يكون موجبا للسقوط مطلقا، أو التفصيل بين العلم والجهل بالقول بالسقوط في الأول - لأن إقدامه بالبيع مع علمه بأن له هذا الحق كاشف عن عدم اعتنائه بهذا الحق وإعراضه وإسقاطه - والثبوت في الثاني لأن هذا حق جعل الشارع له، ولما كان ذو الحق جاهلا به لم يعلمه فلا وجه لسقوطه، فهو باق إلى ما بعد بيعه، فله الأخذ. وإن شك في بقائه يحكم ببقائه، للاستصحاب؟ والإنصاف أن الحق عدم سقوط مطلقا، لأن سقوط الحق بعد ثبوته يحتاج إلى مسقط في مقام الثبوت ودليل عليه في مقام الإثبات، وأقصى ما يمكن أن يقال هو ما ذكرنا في مقام الدليل على التفصيل أن العالم بوجود هذ الحق لو باع سهمه يكون دليلا على إعراضه عن هذا الحق وإسقاطه وعدم اعتنائه بهذ المال. ولكن أنت خبير بعدم تمامية هذا الوجه، إذ أغراض العقلاء تختلف لوجوه عندهم، مثلا ربما يكون بيعه من ذلك الشخص لحبه أن يكون شريكا معه لأغراض عقلائية، فيبيع حصته منه ويأخذ النصف الآخر مثلا بالشفعة فيكون شريكا معه،

 

فليس بيعه لإعراضه عن هذا المال وعدم اعتنائه به كي يكون ظاهرا في إسقاط حقه كم توهم. واستدل لسقوطه مطلقا بأمرين: أحدهما: أن هذا الحق جعل لأجل رفع الضرر عن الشريك، وفي المقام لا مورد له، لأن المفروض أنه باع حصته فلا شركة حال الأخذ بالشفعة كي يكون الأخذ دافعا للضرر. وفيه: أن ما ذكر من كون جعلها لأجل دفع الضرر ليس من قبيل العلة كي يكون الحكم دائرا مداره، بل على تقدير تسليمه يكون من قبيل الحكمة غير المطردة. الثاني: ظهور قوله عليه السلام: لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم (1) في كونه شريكا غير مقاسم حال الأخذ، وفي المقام ليس شريكا حال الأخذ، وكونه شريكا حال البيع الصادر من شريكه لذلك المشتري الأجنبي لا يكفي. وفيه: أن الظاهر من أدلة الشفعة كفاية كونه شريكا حال البيع الأول الصادر من شريكه، ولا يلزم بقاء شركته إلى زمان الأخذ بالشفعة، وذلك لأن أدلة الشفعة في مقام بيان ثبوت هذا الحق، أي حق الأخذ لا الأخذ خارجا، ولا شك في أن في المقام في حال ثبوت حق الأخذ كان الشفيع شريكا والبيع وقع بعد ذلك. فرع: وقع الخلاف في أن حق الشفعة هل يورث أم لا؟ فقال المفيد والمرتضى أنها تورث (2). ووافقهما جميع كثير من الأساطين، منهم

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 6، الفقيه ج 3، ص 78، باب الشفعة، ح 3372، تهذيب الأحكام ج 7، ص 166، ح 737، باب الشفعة، ح 14، وسائل الشيعة ج 17، ص 316، أبواب الشفعة، باب 3، ح 2. 2. المقنعة ص 619، الانتصار ص 217. (*)

 

العلامة (1)، وجامع المقاصد (2)، والشهيدان وابن إدريس (3) قدس سره بل ادعى الإجماع على ذلك بعض الأعاظم. وقال الشيخ قدس سره في النهاية (4) وتبعه جمع: أنها لا تورث. والمختار هو الأول، لعموم المرسلة المروية عن النبي صلى الله عليه وآله: ما تركه الميت من حق فهو لوارثه ، ولا شك في أن الشفعة من الحقوق، فتشملها عمومات أدلة الإرث. وما ذكره الشيخ من أنها لا تورث مستند إلى ما رواه طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، عن علي عليه السلام قال: لا شفعة لشريك غير مقاسم . وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يشفع في الحدود . وقال صلى الله عليه وآله: لا تورث الشفعة (5). لكن هذه الرواية حيث أن راويها طلحة بن زيد وهو عامي لا يعتمد عليه، فليس مثل هذه الرواية قابلة لتخصيص عمومات الإرث بعد ما ثبت كونه من الحقوق لأنها قابلة للإسقاط وقبول الإسقاط من أظهر خواص الحق، فإذا ثبت أن الشفعة حق، وثبت أن كل حق مثل المال فهو لوارث الميت ويشملها عمومات الإرث، فالإنصاف أن تخصيص تلك العمومات بمثل هذه الرواية الضعيفة خارج عن الجمع العرفي. نعم الذي ينبغي أن يقال: إن طلحة بن زيد وإن كان عاميا - كما ذكره أصحاب الرجال في كتبهم (6) - إلا أنهم وثقوه، فلا مانع من تخصيص عمومات الإرث بها. ولكن العمدة في وجه عدم صلاحيتها التخصيص العمومات بها إعراض الأصحاب عنها وعدم العمل بها، فعلى تقدير حجيتها في نفسها تسقط حجيتها بواسطة إعراض

 

(هامش)

 

1. مختلف الشيعة ج 5، ص 367. 2. جامع المقاصد ج 6، ص 447. 3. السرائر ج 2، ص 392. 4. النهاية ص 425. 5. الفقيه ج 3، ص 78، باب الشفعة، ح 3373، تهذيب الأحكام ج 7، ص 167، ح 741، باب الشفعة، ح 18، وسائل الشيعة ج 17، ص 325، أبواب الشفعة، باب 12، ح 1. 6. النجاشي ص 207، رقم 550، الفهرست ص 86، رقم 362. (*)

 

الأصحاب عنها وعدم العمل بها. هذا إذا قلنا بأن راويها ثقة كما اعترف بذلك جمع من أرباب الكتب الرجالية (1) و أما إن قلنا بضعف الرواية في حد نفسها فالأمر أوضح، لعدم جبر ضعفها بعمل الأصحاب، لأن الأكثر أعرضوا عنها ولم يعملوا بها، حتى أن الشيخ نفسه الذي عمل بها في النهاية عدل عنها في الخلاف (2) وعلى كل حال لا تصلح لتخصيص العمومات بها. ثم إنه بعد الفراغ عن أنها تورث تكون كالأموال، تقسط على الورثة بنسبة نصيب كل واحد منهم لا على الرؤوس، فللذكر مثل حظ الأنثيين، وللزوجة الثمن أو الربع، ولأبويه لكل وأحد منهما السدس، على التفصيل المذكور في باب المواريث. ثم إن البحث الذي يأتي في باب إرث الخيار - من أن لكل واحد من الورثة خيار مستقل، أو خيار واحد قائم بالمجموع، أو يقسط عليهم الخيار بنسبة نصيبهم من العوضين - يأتي ها هن لأنهما من واد واحد وهو أنه هل الحق الواحد قائم بالمجموع، أم لكل وأحد من الورثة حق تمام مستقل، لأن الحق بسيط لا يتبعض، أم يتبعض بينهم بنسبة نصيب كل واحد منهم من الإرث. وحيث أن المسألة مفصلة ذكرناها في باب الإرث تبعا للشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره (3) فنترك ها هنا، ومن أراد فليراجع إلى هناك. فرع: لا تبطل الشفعة بتقايل المتبايعين، لأنه بمحض تحقق البيع يثبت هذا الحق، فسقوطه يحتاج إلى مسقط، وليست الإقالة من مسقطات هذا الحق.

 

(هامش)

 

1. جامع الرواة ج 1، ص 421. 2. الخلاف ج 3، ص 436، المسألة: 12. 3. المكاسب ص 290. (*)

 

اللهم إلا أن يقال: إن معنى الشفعة أن الشفيع يتلقى الملك من المشتري، أي ينقل الملك من المشتري إلى الشفيع بالأخذ، وها هنا بعد الإقالة يرجع المال إلى البايع، فلا بد بناء على عدم البطلان من تلقى الملك من البايع. وفيه: أنه بناء على عدم سقوط حق الشفعة بتقايل المتبايعين كما ذكرنا، فللشفيع فسخ الإقالة وردها، كما أن المشتري لو باع المال أو وقفه أو وهبه لذي الرحم أو جعله مسجدا فللشفيع إزالة جميع ذلك، لتعلق حقه بالمال بمحض بيع شريكه، فتصرفات المشتري تكون في ملكه المتعلق لحق الغير وهو شفيع البايع، فإن رضى الشفيع بهذه التصرفات تكون نافذة ويسقط الحق، وإلا له فسخ التصرفات التي منها الإقالة، فلا يبقى إشكال في البين. فرع: إذا كان المال المشاع الذي تعلقت به الشفعة عينا واحدة، فليس للشفيع التبعيض في الأخذ بأن يأخذ مثلا نصفه بالشفعة أو كسرا آخر من كسوره، لعدم إطلاق أدلة الشفعة تشمل هذا النحو من الأخذ، ومقتضى الأصل عدم ثبوت هذا القسم من الأخذ والتسلط على مال الغير. والقدر المسلم الخارج عن هذا الأصل بدليل الشفعة هو أخذ تمام المبيع من المشتري بتمام الثمن، فقوله عليه السلام: فهو أحق بها بالثمن (1) ظاهر في الأخذ بتمامها بالثمن الذي أعطاه أو أنشأ البيع به، وليس في مقام بيان أنحاء الأخذ كي يتمسك بإطلاقه. نعم لو كان المال المشاع المبيع عينان أو أزيد ولو في صفقة واحدة، فيجوز له أخذ البعض والعفو عن البعض، لتعلق حقه بكل واحد منها، فله إعماله في البعض دون البعض. ولو ظهر الثمن مستحقا للغير، فإن كان ذلك الثمن عينا بطل البيع، فلا بيع فلا

 

(هامش)

 

1. تقدم ذكره في رواية الغنوي، ص 199، رقم (2). (*)

 

شفعة. وأما لو كان كليا فالبيع صحيح والحق ثابت، غاية الأمر ذمة المشتري مشغولة بالثمن فيجب عليه الأداء. وأما إن كان الثمن الذي أعطاه الشفيع للمشتري مستحق للغير، فأخذه يكون كالعدم، لأنه ليس له الأخذ إلا بالثمن الذي له، لا أن يكون للغير لكن حقه لا يبطل وهو باق، فله أن يعطي ثمنا مملوكا له فيكون أخذه صحيحا شرعا ويملك المأخوذ، إلا أن يطول إعطاؤه للثمن المملوك، فينافي فورية الأخذ فيسقط حقه. ولو ظهر في المبيع عيب بعد أخذه فلا يستحق الشفيع إلا أخذه بنفس الثمن الذي اشتراه بذلك الثمن، وأما أرش العيب فلا حتى أن الأرش الذي أخذه المشتري من البايع لا يستحقه الشفيع ما تقدم من أن الأخذ بالشفعة ليس ببيع وأخذ الأرش من أحكام المبيع إذا كان معيبا. وظاهر أدلة الشفعة أن له أخذ المبيع بالثمن الذي وقع العقد عليه سواء كان المبيع صحيحا أو معيبا، نعم لو كان جاهلا بالعيب فله الخيار من باب لا ضرر، وليس له شيء آخر. ولو كانت الأرض التي صارت متعلقة لحق الشفعة مشغولة بزرع بوجه شرعي، وكان لصاحب الزرع استحقاق بقاء زرعه إلى مدة مثلا إلى وقت حصاده، فالظاهر أن الشفيع مخير بين الأخذ في الحال غاية الأمر مشغولة بذلك الزرع إلى أمده مجانا وبلا عوض، وبين أن يصبر إلى وقت حصاده وبعد الحصاد يأخذ. والإشكال بأنه ينافي الفورية المعتبرة في الأخذ بالشفعة، فلا يصح الصبر والتأخير فيه: أن تأخير الأخذ إن كان لعذر فلا ينافي الفورية، والظاهر أن مشغولية الأرض بزرع الغير عذر موجه، مضافا إلى أن الأصل عدم سقوط هذا الحق بمثل هذا التأخير.

 

فرع: لو اشترى المال المشاع بثمن مؤجلا فأراد الشفيع الأخذ بالشفعة، فهل عليه أن يأخذه بذلك الثمن معجلا، أم به مؤجلا مثل المشتري غاية الأمر إذا خاف عدم تمكنه عن الإيفاء حين الأجل يلزم بكفيل، أم مخير بين أخذه كذلك في الحال و بين التأخير بأخذه إلى وقت الأجل؟ وجوه وأقوال. والظاهر أن الشفيع له أن يأخذ بالثمن معجلا، لأنه في كل دين مؤجل للمديون أن يعجل في أدائه، ويصدق عليه في المقام أنه - أي الشفيع - أحق به بالثمن، لأن كونه معجلا أو مؤجلا لا يغيران حقيقة الثمن، ولكن ليس ملزما بذلك، فهو مخير بين أن يأخذه كذلك أو يصبر إلى الأجل فيعطي الثمن ويأخذ إن لم ينافي التأخير فورية الأخذ المعتبرة في الأخذ بالشفعة بواسطة كونه معذورا من جهة استنكافه عن الكفيل لمنافاته لشرفه واعتباره. وأما لو كان منافيا مع الفورية المعتبرة في الأخذ بالشفعة، فلا بد له من أحد أمرين: إما أن يعطي الثمن معجلا أو يأخذ بالثمن المؤجل، ولكن مع الكفيل إن لم يكن مليا وخاف المشتري ذهاب ثمن الذي أعطاه للبايع. فرع: لو باع الشريك سهمه المشاع الذي لم يقاسم في مرض موته محاباة - أي بأقل من قيمته - عمدا مع العلم بأنه يساوي أكثر، خصوصا إذا كان الفرق كثيرا كأن باع م يساوي ألف دينار بمائة درهم، فبناء على نفوذ تصرفات المريض في ذلك المرض من الأصل إذا كان من المنجزات فلا إشكال. وأما بناء على عدم نفوذها في الأزيد من الثلث وإن كان من المنجزات، فإذا لم يكن أزيد من الثلث فأيضا لا إشكال، وأما إن كان أزيد فالبيع في الزائد ليس صحيحا، فلا شفعة، لأن هذا الحق متفرع على صحته. فرع: ربم يقال باعتبار علم الشفيع بمقدار الثمن قبل الأخذ بالشفعة، لأجل

 

لزوم رفع الغرر في المعاملات والمعاوضات وبطلان المعاملة الغررية لأنه صلى الله عليه وآله نهى عن الغرر. وفيه: أن المسلم هو نهيه صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر (1)، وأما النهي عن مطلق الغرر سواء كان في البيع أو في غيره من المعاملات والمعاوضات فلم يثبت، ومعلوم أن الشفعة عنوان آخر وحق من الحقوق وليست ببيع. اللهم إلا أن يقال: قد تقدم أن الشفعة خلاف الأصل، وليس في أدلتها إطلاق يثبت ثبوت هذ الحق في موارد الشك في ثبوته، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهات، فالأصل عدم ثبوته عند الشك، والقدر المتيقن ثبوته في صورة علم الشفيع بمقدار الثمن، ففي صورة الجهل تجري أصالة عدم الثبوت. وأما الاستدلال بلزوم علم الشفيع بمقدار الثمن حين الأخذ بقوله عليه السلام: فإنه - أي الشفيع - أحق به بالثمن فلا وجه له، لأنه من الممكن أنه يحصل العلم بالثمن بعد الأخذ في وقت أداء الثمن، ولا يلزم من هذه العبارة اشتراط صحة الأخذ بالعلم بمقدار الثمن كما هو المدعي في المقام، فالعمدة في المقام هو وجود إطلاق ينفى اعتبار العلم بالثمن، أو إجماع على ذلك، وإلا فمقتضى الأصل عدم ثبوت هذا الحق إلا فيما إذا علم الشفيع بالثمن مقدارا. فرع: لو تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع بالشفعة، وتصرف المشتري تارة يكون بنقله إلى الغير بالنواقل الشرعية من بيع أو هبة أو صلح أو غير ذلك، وأخرى بإحداث حدث فيه بغرس أو عمارة أو غير ذلك.

 

(هامش)

 

1. عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2، ص 45، ح 168، وسائل الشيعة ج 12، ص 330، أبواب آداب التجارة، باب 40، ح 3، مستدرك الوسائل ج 13، ص 283، أبواب آداب التجارة، باب 33، ح 1، سنن أبي داود ج 3، ص 254، باب في بيع الغرر، ح 3376، سنن الترمذي ج 2، ص 349، باب 17، ح 1248، كنز العمال ج 4، ص 74، ح 9585 و 9586. (*)

 

أما الأول: فإن كان النقل بالبيع، فللشفيع الأخذ عن أي واحد منهما، أو أي واحد منهم إذا تعاقبت البيوع عليه، وله أيضا فسخ البيع الثاني كي يرجع المال إلى البايع الأول فيأخذ بحقه منه. والوجه في ذلك هو أن حقه أسبق من البيع الثاني والثالث وهكذا، ومتأخر عن الأول فقط، لأنه موضوعه ومتوقف عليه، فهذه البيوع كلها وقع فيما له حق الأخذ، فلزومها وعدم إمكان الأخذ من أي واحد منهم أو عدم جواز فسخه وحله ينافي حق الشفيع، فهو مخير بين فسخها إلى أن يرجع إلى البايع الأول فيأخذ منه، وبين أن يأخذ من أي واحد منهم ويستوفي حقه من هذا المال مع إعطائه الثمن لمن يأخذ منه، كما هو المنصوص. وأما لو كان النقل بغير البيع، فليس له الأخذ من المنقول إليه، لما تقدم أن الشفيع يتلقى الملك من المشتري لا الموهوب له أو المصالح له أو من أعطى له جعل أو أجرة دار أو عمله أو غير ذلك، فإذا أراد الأخذ تعين عليه فسخ هذه النواقل كي يرجع المال إلى المشتري الأول فيأخذ منه. وأما قدرته على فسخ هذه المعاملات، فلأن كلها صدر عمن ليس له التصرف بنحو لا يكون قابلا للفسخ من طرف الشفيع لتنافيها مع الحق الموجود للشفيع. وببيان آخر: للمشتري الأول - المالك ملكا طلقا - إيجاد هذه العناوين، لأن الناس مسلطون على أموالهم، غاية الأمر للشفيع حق الفسخ لعدم ضياع حقه. وهذا مقتضى الجمع بين الحقوق وحفظ الجميع. وبعبارة أخرى: مقتضى لا ضرر هو أن يكون للشفيع حق الفسخ. وأما الأخذ بالشفعة من نفس الموهوب له وسائر هؤلاء فمخالف لما عليه الأصحاب والأدلة من أن الشفيع يتلقى الملك من نفس المشتري، لا من البايع أو غيره. نعم لا فرق في المشتري بين أن يكون هو المشتري الأول أو الثاني أو الثالث

 

وهكذا بصدق المشتري - لما تعلق به هذا الحق - في الجميع، وشمول قوله عليه السلام: فإنه أحق به بالثمن (1)، للجميع، فلو ترامى على هذا المال المشاع العقود يكون الشفيع أحق به من كل مشتر في كل واحد من هذه العقود، ولذلك يجوز له الأخذ من كل واحد منهم كما تقدم. هذا كله فيما إذا كان التصرف فيه بالنقل، وأما إذا كان التصرف بإحداث شيء فيه من غرس أو زرع أو عمارة أو غير ذلك، وعلى كل واحد من التقادير حيث كان تصرف المشتري في ملكه فكان تصرفه بحق ولم يكن غاصبا وظالما، فلما أحدث فيه - من عمارة أو غرس أو زرع - احترام لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه. فيمكن أن يقال: بأن هذا من باب تزاحم الحقوق، لأن الشفيع بعد الأخذ بالشفعة وصيرورة الأرض ملكا له حق تفريغ أرضه، وصاحب الغرس مثلا أو الزرع والعمارة له حق حفظ ماله عن التلف أو عن ورود نقص وضرر عليه، فيتزاحم حق كل واحد من صاحب الأرض وصاحب الغرس مع الآخر. ومقتضى الجمع بين الحقين هو إما بقاء إشغال الأرض بإجارة لا مجانا، أو إزالة هذه الأمور لكن مع تدارك ضرر صاحبها من طرف مالك الأرض، أو اشتراء الأرض من مالكها من طرف صاحب هذه الأمور، أو اشتراء هذه الأمور من طرف مالك الأرض بالأخذ بالشفعة. وليس إحداث هذه الأمور من طرف مالك الأرض قبل الأخذ بالشفعة الذي هو المشتري من قبيل الغصب كي يشمله قوله عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق (2) بل هو تصرف المالك في ملكه بحق، فلا يسقط احترامه بالأخذ بالشفعة في الأرض. نعم ليس لصاحب هذه الأمور إبقائها مجانا وبلا عوض، لأنه إشغال مال الغير ولا يجوز إلا برضاه وطيب نفسه، فيدور الأمر بين أحد ما ذكرناه.

 

(هامش)

 

1. تقدم ذكره في رواية الغنوي ص 199، رقم (2). 2. تهذيب الأحكام ج 6، ص 294، ح 819، باب في الزيادات في القضايا، ح 26، وسائل الشيعة ج 17، ص 311، أبواب الغصب، باب 3، ح 1. (*)

 

فرع: في التنازع: [ الفرع ] الأول: لو اختلفا في قدر الثمن فقال المشتري: اشتريته بألف، وقال الشفيع: بخمسمائة مثلا. نسب إلى المشهور أن القول قول المشتري، لأن الأصل عدم استحقاق الشفيع للمبيع بأقل مما يعين المشتري من كمية الثمن. وذلك من جهة أن استحقاق الشفيع للمبيع بنفس الثمن الواقعي، لقوله عليه السلام هو - أي الشفيع أحق بالثمن (1) فإذا شككنا في أن الثمن الواقعي، أي الذي اشتراه المشتري به أي مقدار، فهذا الشك يصير سببا للشك في استحقاق الشفيع وانتقال المال إليه بأقل مم يعترف به المشتري، فالأصل عدم الانتقال وعدم الاستحقاق إلا بما يعترف به المشتري. نعم على المشتري اليمين على نفي الأقل من ذلك المقدار على قواعد باب القضاء، وقد تقدم في الجزء الثالث من هذا الكتاب قاعدة كل مدع يسمع قوله فعليه اليمين (2). وبعبارة أخرى: أن المشتري ينكر دعوى الشفيع انتقال المال إليه بأقل مما يعين المشتري من الثمن، وقوله مطابق مع الأصل، وهذا هو الميزان في باب تشخيص المدعي والمنكر. مضافا إلى انطباق الموازين الآخر المذكورة أيضا للمدعي والمنكر على كون المدعي في المقام هو الشفيع، والمنكر هو المشتري. وقد ذكر كلها في الجواهر (3) في شرح قول المحقق: لأنه الذي ينتزع الشيء من يده وشرح هذه الموازين ينجر إلى

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 281، باب الشفعة، ح 5، تهذيب الأحكام ج 7، ص 164، ح 728، باب الشفعة، ح 5، وسائل الشيعة ج 17، ص 316، أبواب الشفعة، باب 2، ح 1. 2. القواعد الفقهية ج 3، ص 111. 3. جواهر الكلام ج 37، ص 444. (*)

 

بحث طويل محلها كتاب القضاء. الفرع الثاني: لو كانت لكل واحد منهما - أي الشفيع والمشتري - بينة على ما يدعيه من المقدار، قال الشيخ: يتعارض البينتان ويتساقطان، فيكون المرجع القرعة، لأنها لكل أمر مشتبه (1). وفيه بعد ما عرفت ما ذكرنا - من أن الأصل يقتضى أن يكون الشفيع مدعيا والمشتري منكرا، وبعبارة أخرى: بعد تشخيص المدعي والمنكر وقوله صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (2) لا يبقى محل للتعارض، لأن وظيفة كل واحد منهما غير وظيفة الآخر، فالبينة في المقام وظيفة الشفيع، ووظيفة المشتري ليس إلا اليمين، لأن التفصيل قاطع للشركة، فبينة المشتري لا أثر لها لأن بينته بينة الداخل فلا تعارض في البين، بل إذا كان للشفيع بينة على ما يدعيه من مقدار الثمن يكون القول قوله ولا يمين عليه. الفرع الثالث: لو ادعى كل واحد من الشريكين الشفعة على الآخر، بمعنى أنه يدعي سبق شرائه على الآخر بعد فرض أنه ليس غيرهما شريك آخر في هذا المال، فبناء على هذا يكون للمشتري السابق حق الأخذ بالشفعة على اللاحق وأخذ شقصه منه، فيكون مالكا للتمام. فقال المحقق (3) في هذا المقام: الحكم هو التحالف، لأن كل واحد منهما مدع لسبق شرائه، ومنكر لم يدعيه الآخر من سبق شرائه، فيكون الحكم حلف كل واحد منهما على نفي ما يدعيه الآخر إن لم تكن بينة لذلك الآخر، وأما إن كانت له بينة فيثبت

 

(هامش)

 

1. المبسوط ج 3، ص 129. 2. عوالي اللئالي ج 1، ص 244، ح 172، وج 3، ص 523، ح 22، مستدرك الوسائل ج 17، ص 368، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، باب 3، ص 4. وفي وسائل الشيعة ج 18، ص 170، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، باب 3 مع تفاوت يسير. 3. شرائع الإسلام ج 3، ص 268. (*)

 

دعواه بالبينة، وحينئذ إذا كان للآخر أيضا بينة فيكون من تعارض البينين، ويتساقطان إن لم يكن مرجح في البين، فتصل النوبة إلى التحالف وسقوط الدعويين بعد أن حلف. الفرع الرابع: لو ادعى الشفيع على شريكه بانتقال حصته إليه بالبيع عن شريكه السابق بعد كون الشفيع مالكا للشقص الآخر كي يكون له الأخذ بالشفعة، وأنكر الشريك ذلك وادعى انتقاله إليه بسبب آخر غير البيع من إرث أو بعقد آخر غير البيع، كي لا يكون للشفيع حق الشفعة بناء على ما تقدم من اختصاص حق الأخذ بالشفعة بالبيع، فالقول قول الشريك المنكر انتقاله إليه بالبيع، لأن الأثر مترتب على نفس عدم انتقاله بالبيع ولا يحتاج إلى إثبات انتقاله بالإرث أو بعقد الفلاني الذي هو غير البيع كي يقع التعارض بين الأصول النافية، فيكون الشفيع مدعيا والشريك منكرا، ووظيفة كل واحد منهما معلومة على قواعد باب القضاء. الفرع الخامس: لو صالح الشفيع مع المشتري على سقوط حقه بعوض كذا، فلا شك في صحة هذا الصلح وسقوط هذا الحق. ففي مرسلة الصدوق قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلال (1) وقوله تعالى في كتابه الكريم: (والصلح خير) (2) ولا شك في أن الصلح على سقوط حق الشفعة ليس مما أحل حراما أو حرم حلالا، ولا شك في أن كل حق قابل للإسقاط، ولم يجعل الشارع لإسقاط حق الشفعة أسبابا خاصة، فإذا صالح على إسقاطه يسقط. الفرع السادس: من حيل ترك الشفيع لهذا الحق وعدم أخذه، هو إيقاع البيع

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 32، باب الصلح، ح 3267، وسائل الشيعة ج 18، ص 171، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، باب 3، ح 5. 2. النساء (4): 127. (*)

 

بأزيد من قيمة مال المشاع الذي للبايع بكثير، وشرط في متن عقد البيع أن يبذل البايع شيئا من مال للمشتري مجانا وبدون أن يكون بإزائه شيء، وحيث أنه على الشفيع إعطاء تمام الثمن في مقام الأخذ فيصرفه كثرة الثمن عن الأخذ. والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطن.