قاعدة العقود تابعة للقصود

 30 - قاعدة العقود تابعة للقصود  

 

قاعدة العقود تابعة للقصود (*) ومن القواعد الفقهية - المعروفة المشهورة قاعدة (العقود تابعة للقصود) وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في بيان المراد منها فنقول: الظاهر ان المراد من هذه الجملة هو ان العقود حيث انها من الامور القلبية، لان العقد كما قال بعض اللغويين: هو العهد المؤكد والعهد أمر قلبي وان كان له مبرز خارجي، كما انهم في عقد البيعة كانوا يظهرونه، بل ينشؤونه بوضع اليد في يده وكان أمارة تعهده بانه سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه. وفى الحقيقة العقد عبارة: عن تعهد الشخص مع اخر في أمر من الامور سواء أكان ذلك الامر من الامور المالية كباب المعاوضات، أو امرا اخر كما في باب النكاح، حيث ان الزوجة تتعهد بان تكون زوجة، فإذا قبل الزوج تتم المعاهدة ويحصل ذلك الامر في عالم الاعتبار. فتترتب عليه اثاره، فنتيجة العقد حصول ما تعاهدا وتعاقدا عليه لان يترتب عليه آثاره.

 

(هامش)

 

: (*) الحق المبين ج 1، ص 18، عوائد الايام ص 52، عناوين الاصول عنوان 30، خزائن الاحكام العدد 11، مستقصى مدارك القواعد ص 9، دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد ص 35، القواعد ص 179، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 369. (*)

 

ومعلوم ان حصول هذا المعنى في عالم الاعتبار - سواء أكان اعتبارا شرعيا أم كان من اعتبارات العقلاء وامضاها الشارع، أو لم يمضها كما في باب بيع الغرر فان الشارع نهى عنه وان كان العقلاء يقدمون عليه ويرتبون عليه الاثار في بعض مراتب الغرر - لا يمكن الا بان يكون ذلك المعنى مقصودا للمتكلم والمنشئ حال انشائه وعقده باي لفظ كان. فكما ان صلاة الظهر والعصر مثلا لا توجد بصرف قراءة أربع ركعات من دون قصد كونها ظهرا أو عصرا وأمثال ذلك فكذلك عناوين المعاملات والمعاوضات لا تقع الا بالقصد والارادة. مثلا إذا قصد تمليك ماله وكان ذلك المال من الاعيان بعوض مالي فيحصل عنوان البيع، والا لو لم يقصد التمليك أصلا، أو قصد التمليك بلا عوض، بل كان تمليكا مجانيا فيكون هبة. كما انه لو قصد تمليك منفعة لذلك العين بعوض يكون اجارة ان كانت المنفعة معلومة من حيث نوع المنفعة ومن حيث المدة وكان العوض ايضا مالا معلوما. نعم ثم يقع الكلام من جهات اخر، مثلا من ان اللفظ الذي ينشأ به هذا المعنى هل يلزم ان يكون عربيا ام لا ؟ بل يقع باي لغة كان، إلا ان يدل دليل خارجي على انه يلزم ان يكون باللفظ العربي، كما ان المشهور قالوا بذلك في خصوص باب النكاح، بل ادعى جماعة عليه الاجماع وايضا هل يلزم ان يكون بصيغة الماضي أو يقع وان كان بصيغة المضارع ؟ وكذلك في سائر الشروط التى ذكروها في العقد. وعلى كل حال تحقق هذه العناوين تابع لقصدها، وبدون القصد لا تقع، وليس المراد ان كل ما يقصده ويريده يقع شرعا، لان ما قصده ان لم يكن من المعاملات العقلائية وايضا ليس مما احدثه الشارع، أو كان من المعاملات العقلائية ولكن لم

 

يمضها الشارع، فجميع ذلك لا يقع شرعا قطعا، بل المراد ان المعاملات العقلائية وعقودهم وعهودهم الدائرة فيما بينهم ان امضاها الشارع فلا تقع الا مع قصدها وارادتها مع تحقق سائر الشرائط، من شرائط العقد ومن شرائط المتعاقدين ومن شرائط العوضين ان كانت المعاملة من المعاوضات. هذا بالنسبة إلى نفس العناوين، وأما بالنسبة إلى خصوصيات المعاملة، ككون الثمن من نقد البلد أو من نقد خاص وان لم يكن من نقد البلد أو وان كان من اي نقد من النقود أو وان كان من العروض، فجميع ذلك تابع لارادة المتعاقدين وقصدهم، وكذلك الشرائط الضمنية ككون الثمن مساويا مع المبيع في البيع وغيره من الشرائط الضمنية، غاية الامر الدليل على القصد والارادة في عالم الاثبات قد يكون بتصريح من الطرفين أو من أحدهما، وقد يكون بالاطلاق وقد يكون بالانصراف. والا ففي عالم الثبوت لا مناص الا من ارادة هذه الخصوصيات، إذ بدون القصد والارادة لا توجد ولا تتحقق. والسر في ذلك هو ما ذكرنا: من ان العقد هو العهد المؤكد، والعهد بدون قصد ما يتعاهد عليه لا يمكن، وفى الحقيقة العقد - كما قلنا - ليس من باب الالفاظ بل من الامور القلبية التى قد تسمى بعقد القلب، واطلاقه على الفاظ القبول والايجاب مجاز من قبيل اطلاق لفظ الموضوع للمدلول على الدال، أو من قبيل اطلاق لفظ الموضوع للمسبب على السبب وان كان في تسمية المنشأ بتلك الالفاظ بالمسبب وتسمية تلك الالفاظ بالسبب مسامحة، وذلك من جهة ان سبب المنشأ هو العاقد لا ألفاظ العقد أي ألفاظ القبول والايجاب، بل تسميتها بآلة الانشاء اولى. وخلاصة الكلام في المقام: ان القصد والارادة له تمام المدخلية في تحقق العقود والمعاهدات وتحقق خصوصياتها، ولا معنى لتحقق المعاهدة أو العهد بدون ان يقصد المعهود، وكذلك ما تعاهدا عليه، ولذلك اشكلنا على القائلين بالاباحة في بيع المعاطاة

 

وانه لا يمكن حصول الاباحة المجردة عن الملكية مع عدم قصد المتعاطيين لها، لان كل واحد من المتعاطيين يقصد تمليك ما يعطيه للاخر، فكيف تقول لا يقع ما قصداه ويقع شيء اخر لم يقصداه ؟ وهل هذا الا ان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، وكأن هذه الكبرى بطلانها ضروري وجداني، ومرجعه إلى ان الامور القصدية - كالتعظيم والتوهين والعقود - وقوعها وحصولها في وعائها سواء أكان عالم العين أو عالم الاعتبار تابع لقصدها. كما قلنا في صلاة الظهر والعصر مثلا انهما لا تقعان ولا تحصلان في عالم العين الا بقصد عنوانهما ولو كان بصورة اجمالية فوقوع الامر القصدي بدون القصد ولو اجمالا لا يمكن. ولا شك في ان العقود من الامور القصدية ولذلك لا تقع من الغالط والهازل والسكران والنائم والغافل وامثال ذلك، وهذا معنى بطلان احدى الجملتين من قولهم: ان ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع أي الجملة الاولى منه. وأما الجملة الثانية - أي: ما قصد لم يقع - فبطلانها مبني على ان يكون متعلق القصد من العقود أو الايقاعات التي شرعها الشارع احداثا ان كانت أو امضاء كما هو الغالب والاكثر ان لم يكن الجميع ويكون واجدا لجميع الاجزاء والشرائط المقررة شرعا لذلك العقد أو لذلك الايقاع، والا يمكن ان يقصد ولا يقع لفقد شرط أو لوجود مانع. كما انه لو قصد الطلاق حقيقة وواقعا ولكن لم يكن في طهر غير المواقعة في حال حضور الزوج وعدم كونه مسافرا، أو لم يكن بحضور شاهدين عدلين - فلا يقع الطلاق. فمعنى ان العقود تابعة للقصود أي: لا يقع العقد بغير قصد مضمونه وخصوصياته لا ان كل ما قصده يقع وان لم يكن واجدا للشرائط المعتبرة في ذلك العقد أو في ذلك الايقاع.

 

ثم لا يخفى ان الشرائط الضمنية التى يوجب تخلفها الخيار كلها مما تعلق القصد بها، فلا يتوهم احد حصولها بدون القصد، مثلا من جملة الشرائط الضمنية التى يوجب تخلفها الخيار هو تساوي الثمن والمثمن بحسب القيمة السوقية الا فيما إذا كان التفاوت بمقدار يتسامح العرف فيها ولا يكون فاحشا. ولا شك في ان البايع والمشتري انما يقدمان على المعاملة الكذائية باعتقاد ان في هذه المعاملة لا يرد خسارة على كل واحد منهما، ولذلك لو علم البايع بان المبيع يساوي اكثر من الثمن المذكور في المعاملة بمقدار لا يتسامح فيه يترك المعاملة الا ان يكون له غرض اخر وهو خارج عن المفروض. وكذلك المشتري لو علم بان المبيع لا يساوي لهذا الثمن يترك المعاملة ولا يشتري، فالمتعاملان قصدهما المعاملة بين المالين المتساويين من حيث المالية والقيمة السوقية، وانما المبادلة تكون لاغراض اخر من احتياج المشتري إلى المبيع لقضاء احدى حوائجه من المأكل والملبس والمسكن وغير ذلك، والبايع لتحصيل النفع بالنسبة إلى شرائه الاول وامرار كسبه، والا ليس غرضهما من هذه المعاملة ان يخدع كل واحد منهما طرفه الآخر. فهذا الذي نسميه بالشرط الضمني الذى هو عبارة: عن تساوي العوضين من حيث القيمة السوقية يكون مقصودا لهما من اول الامر، والا فكيف يمكن ان يقع في باب المعاملات من العقود والايقاعات من دون قصد المنشئ وارادته ورغما عليه. وأما مسألة كون ضمان المبيع على البايع قبل قبض المشتري وعلى من ليس له الخيار في زمن خيار الآخر فان قلنا بانه تعبدي - ومن جهة الروايات الواردة في هاتين المسألتين - فاجنبي عن هذه القاعدة ولا اشكال في البين أصلا، وان قلنا: ان الضمان في كلا الموردين يكون من باب اقتضاء القاعدة، فربما

 

يستشكل به على هذه القاعدة بان الضمان في كلا الموردين لم يكن مما قصده المتعاملان، فكيف صار الضمان على البايع لو وقع التلف قبل القبض أو لمن ليس له الخيار في زمن خيار الآخر ؟ ولكن فيه ما ذكرنا هناك من بناء العرف والعقلاء على ان انشاء العقود المعاوضية، والمبادلة في عالم الاعتبار والتشريع لاجل الاخذ والاعطاء الخارجي، بحيث لو لم يكن العوضان قابلين للاخذ والاعطاء خارجا تكون المعاملة والمبادلة في عالم التشريع لغوا وسفهيا وعملا غير عقلائي فقابلية الاخذ والاعطاء خارجا مأخوذة في حقيقة المعاملة والمعاوضة حدوثا وبقاء. فإذا خرج عن هذه القابلية بواسطة التلف يكون بقاء المعاملة لغوا بنظر العرف والعقلاء، فتنحل عندهم، ولذلك ليس المراد بالضمان هو الضمان الواقعي، بل المراد انحلال العقد آنا ما قبل التلف ورجوع كل واحد من العوضين إلى مالكه الاول فلا نقض على هذه القاعدة، لان بقاء المعاملة منوطا ببقاء قابلية الاخذ والاعطاء خارجا مقصود من اول الامر، فالقصد تعلق بانحلال العقد حين ذهاب تلك القابلية. هذا بالنسبة إلى قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه . واما المسألة الثانية، أي: (التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له) فلما ذكرنا في تلك القاعدة في المجلد الثاني من هذا الكتاب من ان التلف بمنزلة الفسخ، من جهة ان العقلاء يرون في موارد ثبوت الخيار ان حكمة جعل الخيار أن ذا الخيار يتأمل وينظر في انه هل ابقاء هذه المعاملة من صلاحه أم لا ؟ بل حله وفسخه اصلح بحاله ؟ فإذا وفع التلف على الذى انتقل إلى ذي الخيار فلا يبقى مجال للنظر والتأمل، بل يكون التلف بمنزلة الفسخ، فقهرا ينحل العقد فهذا المعنى مقصود للمتعاملين ويقع جميع ذلك على طبق قصد المتعاقدين.

 

الجهة الثانية في مدرك هذه القاعدة وهو امور: الاول: الاجماع من جميع الفقهاء على ان العقود تابعة للقصود حتى انهم يجعلونها كبرى كلية مفروغا عنها في مقام الاستدلال على اعتبار القصد في العقود وانها لا تقع الا على نحو ما قصد، ولذلك قلنا في المعاطاة كيف يمكن ان تكون مفيدة للاباحة المجردة عن الملكية مع ان الاباحة المجردة ليست مما قصدها المتعاملان، والذي قصدا بالتعاطي الخارجي هي الملكية، فلا بد إما من كونها مفيدة للملكية - ان أمضاها الشارع - وإما من بطلانها وعدم افادتها شيئا لا الملكية ولا الاباحة لعدم امضائه لها. وخلاصة الكلام ان هذه الجملة كبرى كلية مسلمة عندهم بحيث لا ينكرها احد منهم، وهذا الاتفاق والمسلمية عندهم من غير نكير من احد منهم يكون دليلا قطعيا على تلقيهم هذه القضية من الامام (ع). ولكن أنت خبير بان هذه القضية ليست تعبدية، بل حكم وجداني عقلي وهو ان العقود والعهود تابعة لقصد المتعاقدين والمتعاهدين بعد الفراغ عن تشريع ذلك العقد وإلا لو لم يكن ممضي من قبل الشارع الاقدس لا توجد نتيجة ذلك العقد والمعاهدة في عالم التشريع، سواء قصدا أو لم يقصدا، فالقصد يؤثر في وجود ما قصد بعد كون تلك المعاملة مشروعة من قبل الشارع الاقدس، والا فالمعاملات الفاسدة في نظر الشارع الاقدس لا اثر للقصد وعدمه فيها لعدم كونها مؤثرة على كل حال. وخلاصة الكلام ان ادعاء الاجماع التعبدي في مثل هذه المسألة الوجدانية لا يخلو عن غرابة. الثاني: ان مقتضى الاصل الاولي هو عدم ترتب الاثر على كل عقد وعهد

 

 

ومعاملة، وأيضا على كل ايقاع، ولعل هذا هو المراد من قولهم: ان الاصل في المعاملات الفساد، ولا مخرج عن هذا الاصل إلا ان يأتي دليل على الصحة وترتيب الاثر. فيقال: ان العقود والمعاملات المشروعة - وكذا الايقاعات المشروعة - إذا كانت متعلقة للقصد والارادة، بمعنى ان الاثار المترتبة على ذلك العقد شرعا كانت مقصودة للعاقد وقبول الطرف بذلك النهج، فالدليل الدال على صحة ذلك العقد وتلك المعاملة يدل على لزوم ترتيب تلك الاثار. وأما لو لم تكن مقصودة فيشك في لزوم ترتيب تلك الاثار فمقتضى الاصل عدم لزوم ترتيب تلك الاثار، بل عدم جوازه. وفيه: ان القصد والارادة ان كان دخيلا في تحقق عنوان تلك المعاملة فلا يشمله دليل الامضاء، وذلك لعدم تحقق موضوعه، وهذا من اوضح الواضحات ولا يحتاج إلى اقامة البرهان عليه. وان لم يكن دخيلا فيه فادلة الامضاء تشمله ويجب ترتيب الاثر على ذلك العقد أو الايقاع سواء قصد أو لم يقصد. الثالث: ان العقد الذي هو عبارة: عن العهد المؤكد - كما ذكره اللغويون - من الامور القلبية، والصيغة بأي لفظ كان الة لانشاء ذلك المعنى القلبي في عالم الاعتبار، مثلا عقد النكاح عبارة: عن ان المرأة تتعهد في قلبها ان تكون زوجة لفلان بمهر كذا وبشرط كذا ان كان لها في هذا الامر شرط أو شروط، ثم هي أو وكيلها تنشأ ذلك الامر القلبي - أي: كونها زوجة لفلان بمهر كذا وشرط كذا - في عالم الاعتبار باي لفظ كان أو بألفاظ مخصوصة حسب الجعل الشرعي، وانه اعتبر لفظ خاص أو بلغة مخصوصة كما ادعى الاجماع في عقد النكاح انه يجب ان يكون باللغة العربية. فإذا كان الامر كذلك فيتضح وجه كون العقود تابعة للقصود، لانه لو كان المراد من العقد في هذه الجملة هو ذلك الامر القلبي - كما عرفه اللغويون بانه العهد المؤكد - فهو عين القصد المتعلق بأمر كزوجيتها لفلان أو ملكية ماله الفلاني لفلان بعوض

 

كذا أو مجانا. وبعبارة اخرى: حقيقة العقد عبارة عن الالتزام بأمر لشخص أو اشخاص إما في مقابل أمر وشئ من طرفه، أو بدون مقابل، كعقد البيعة أو عقد الهبة وهذا المعنى هو عين القصد المتعلق بذلك الامر، وبناء على هذا يكون المراد من هذه القضية - أي العقود تابعة للقصود - أعنى: التعهد بأمر مع الخصوصيات المعتبرة شرعا أو عرفا في ذلك الامر تابعة لقصده المتعلق بذلك الامر حال الانشاء، فان لم يقصد خصوصية من قيد أو شرط حال الانشاء فليس عقده متخصصا بتلك الخصوصية ولا مشروطا بذلك الشرط. ونتيجة ذلك عدم تحقق التزامه وتعهده بذلك الشيء الذى لم يقصده ودليل صحة العقد أو وجوب الوفاء بالعقود لا يشمل تلك الخصوصية، لان مفاد هذا الدليل هو وجوب الوفاء بما عقد عليه وتعهد به، والمفروض ان هذه الخصوصية ليست مما تعلق به قصده أي: ليست مما تعهد والتزم به. وان شئت قلت: ان دليل أوفوا بالعقود (1) أو المؤمنون عند شروطهم (2) مفادهما هو وجوب العمل بما التزم به تكليفا، أو نفوذ ما التزم به عليه وضعا، وعلى أي واحد من الوجهين لا يبقى موضوع لهما بعد عدم قصد العاقد لتلك الخصوصية لا مستقلا ولا في ضمن العقد. وأما لو كان المراد من العقد في هذه القضية هو الايجاب والقبول كما انهم يطلقون هذه الكلمة عليهما فيقولون: مثلا لكلمة بعت من البايع و اشتريت - أو قبلت من المشتري عقد البيع فلا بد ان يكون المراد حينئذ بالعقد المعنى المنشأ بهذه الالفاظ أي: تمليك المبيع للمشتري وتملك الثمن للبايع، فيكون المراد من هذه القضية –

 

(هامش)

 

: 1 - المائدة (5): 1. 2 - عوالي اللئالي ج 3، ص 217، ح 77، مستدرك الوسائل ج 13، ص 310، ابواب الخيار، باب 5، ح 7. (*).

 

بناء على هذا المعنى - ان وقوع البيع مثلا - اي: التمليك والتملك المذكورين - تابع لقصد البايع والمشتري. وهكذا الامر في سائر العقود والمعاملات لعدم كون نفس هذه الالفاظ تابعة للقصود يقينا إلا بمعنى آخر غير مربوط بما نحن فيه وهو تبعية الوجود اللفظي للوجود الذهني، فكان المتكلم بكلام يجعل ما هو موجودا ذهنيا موجودا خارجيا لفظيا، فيكون المراد ان ما قصده يقع وما لم يقصده لم يقع. وهذا أيضا يرجع إلى أن مفاد أوفوا بالعقود وأدلة صحة المعاملات - مثل قوله تعالى احل الله البيع (1) وقوله تعالى والصلح خير (2) وقوله تعلى فرهان مقبوضة (3) وامثال ذلك من الادلة على صحة المعاملات ومشروعيتها - هو وقوع المنشأت شرعا ولزوم ترتيب اثارها عليها طبق قصد المتعاقدين والتزامهما، فلو قصدا صرف هذه الامور من دون ملاحظة خصوصية فيها - من قيد أو شرط - تقع نفس هذه الامور من دون أي خصوصية فيها. وأما لو قصدا مع خصوصية من قيد أو شرط تقع بتلك الخصوصية. نعم اثبات ان قصدهما أو احدهما تعلق بالمعاملة الفلانية بتلك الخصوصية يحتاج إلى دليل في مقام الاثبات من تقييد الالفاظ التى تستعمل في مقام الانشاء أو انصرافها وإلا ففي مقام الاثبات يتمسك باطلاق العقد لنفي الخصوصية المحتملة. وربما يثبت باطلاق العقد خصوصية في الثمن أو المثمن، وذلك فيما إذا كان عدم تلك الخصوصية يحتاج إلى البيان، وذلك كانصراف الثمن إلى نقد البلد، فلو كان الدرهم أو الدينار في البلد غير الدرهم والدينار في غير البلد سواء أكان من حيث (هامش)

 

: 1 - البقرة (2): 275. 2 - النساء (4): 128. 3 - البقرة (2): 283. (*).

 

الوزن أو كان من حيث الجودة والردائة من جهة كونهما مغشوشين وغير مغشوشين، فينصرف إلى ما في البلد، ولو كان المراد غيرهما يحتاج إلى البيان، وهكذا في ناحية المثمن فلو كان وزن الحقة أو الصاع أو الرطل في البلدان الاخر غير ما في البلد فالاطلاق يثبت به وزن البلد، وكل ذلك لان غير ما في البلد لو كان مرادا يحتاج إلى البيان. وحاصل ما ذكرنا ان وقوع المسبب والمنشأ في عالم الاعتبار التشريعي تابع لما قصده المتعاقدان في الاطلاق والتقييد والاشتراط وعدمه، وكذلك بالنسبة إلى جميع الخصوصيات المحتملة. ثم انه قد يستدل لهذه القاعدة بامور لا ينبغي ان يذكر أو يسطر، كقوله (ع): (انما الاعمال بالنيات) (1) وقوله (ع): (لكل امرء ما نوى) (2) فعدم التعرض لها اولى. الجهة الثالثة في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة وقبل التكلم فيها يجب التنبيه على امور: الاول: هو ان تبعية العقود للقصود امر واقعي وفى مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات فيوخذ بظواهر الالفاظ ولا يسمع ادعاء ارادة خلاف ظواهر الالفاظ التي استعملها في مقام الانشاء من اطلاق أو تقييد أو تجوز أو اضمار أو حذف،

 

(هامش)

 

: 1 و 2 - المالي للطوسي، ج 2، ص 231، مصباح الشريعة ص 39، دعائم الاسلام ج 1، ص 156، بحار الانوار ج 70، ص 210، ح 32، و 38، وسائل الشيعة ج 1، ص 34، ابواب مقدمة العبادات، باب 5، ح 10. (*)

 

وامثال ذلك. الثاني: ان صرف الارادة والقصد لا اثر لهما ما لم يكن على طبقهما انشاء، وذلك من جهة انه من اوضح الواضحات ان ارادة تمليك ماله لزيد مثلا بعوض أو بلا عوض لا يلزمه بشئ، لان الذي يجب هو الوفاء بالعقد، وصرف الارادة والقصد ليس بعقد وان قلنا ان العقد هو العهد المؤكد وانه امر قلبي ولكن لا يسمى بالعقد الا بعد وجود مبرز لذلك التعهد القلبي كالانشاء باللفظ أو بالكتابة أو وضع اليد على اليد كما في البيعة وأحيانا في بعض المعاملات كالبيع، ولذلك يسمونه بالصفقة، فالعقد هو العهد المبرز باحد هذه الامور أو بغيرها مما تعارف بينهم. الثالث: ان الاحكام والاثار المترتبة على المنشأ شرعا ليست تابعة لقصدها، بل تترتب عليه ولو قصد عدمها، فإذا زوجت نفسها من شخص يجب عليها التمكين وان قصدت عدمها، وكذلك الزوج يجب عليها نفقتها وان قصد عدمها حال القبول. واما لو اشترطا - أو احدهما مثل هذه الشروط - في متن العقد فينظر هل ان هذا الشرط من الشروط الصحيحة أو من الفاسدة ؟ فان كان من الصحيحة يجب العمل به وان كان من الفاسدة، فيدخل في مسألة ان الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد أم لا ؟ وعدم تبعية هذه الامور من جهة انها احكام شرعية موضوعها تحقق المنشأ وليست هي من المعاهدات لا مستقلا ولا انها من اجزائها، فلا يصح النقض على هذه القاعدة بلزوم ترتب هذه الاثار وان لم يقصدها المتعاقدان. وكذلك الامر بالنسبة إلى بعض الخيارات فانها تثبت مع عدم قصد المتعاقدين، مثلا خيار الحيوان حكم شرعي مترتب على المعاملة التى تكون احد العوضين فيها حيوانا أو في خصوص ما إذا كان المبيع حيوانا - على القولين في المسالة - وان لم يقصد الخيار لطرفه من انتقل عنه الحيوان. الرابع: ان صحة عقد المكره على تقدير لحوقه الرضا ليس نقضا على هذه

 

القاعدة، وذلك من جهة ان المكره قاصد للمعنى وتمليك داره لزيد مثلا بعد اكراهه على بيعها منه والذي يكون عقد المكره فاقدا له هو طيب نفسه بهذه المعاملة لا انها ليست مقصودة له. نعم ذكر العلامة (1) والشهيدان (2) (قدس سرهم) ان المكره قاصد إلى اللفظ لا إلى المعنى، لكن الظاهر ان المكره ليس كذلك، بل المكره يقصد اللفظ فانيا في المعنى، وهذا هو معنى استعمال اللفظ غاية الامر يكون هذا الاستعمال ناشئا عن الاكراه لا عن طيب النفس، بل لدفع الضرر المتوعد عليه، فليس من قبيل الغالط والهازل. اما الغالط فيريد شيئا ويستعمل لفظا اخر الذي يفيد معنى اخر غير ما اراد غلطا، وأما الهازل وان كان يستعمل اللفظ في معناه ولكن ليس قصده وقوع مضمون العقد في عالم الاعتبار التشريعي، بل ينشأ بداعي الهزل والمزاح مثل التعارف وانه إذا يطلب منه ان ينزل عليه ضيفا وقصده من هذا الطلب ليس واقعا وحقيقة انه ينزل عليه ويكون ضيفا عنده، بل صرف انشاء بداعي التعارف واظهار مودته واحترامه له بخلاف ما إذا كان مكرها على هذا الطلب، كما إذا أوعده المكره بضرر لو لم يضفه، فلو طلب المكره - بالفتح - في هذه الصورة ان ينزل عليه ضيفا يكون طلبه طلبا حقيقيا غاية الامر انه ليس عن طيب النفس، بل يكون للتخلص عن الضرر المتوعد عليه. فإذا

 

كان الامر كذلك ففى عقد المكره جميع ما يعتبر في صحة العقد موجود عدا طيب النفس، فإذا لحقه الرضا وحصل طيب النفس يتم جميع الشرائط ويؤثر اثره، ولا يكون نقضا على هذه القاعدة اصلا. إذا عرفت هذه الامور فنقول: انه ان قصد خصوصية في احد العوضين أو في

 

(هامش)

 

: 1 - نهاية الاحكام ج 2، ص 456. 2 - الدروس ج 3، ص 192، المسالك ج 3، ص 156، الروضة البهية ج 3، ص 126. (*).

 

كليهما أو في احد المتعاقدين أو في كليهما، ولم يكن طبقها انشاء أو أنشأ امرا ولم يتعلق به قصد فذلك لا يوجد في عالم الاعتبار التشريعي، بل لا بد من اجتماع كلا الامرين: القصد والانشاء بعد الفراغ عن مشروعيتها. فمن الموارد الواضحة لهذه القاعدة ما ذكره شيخنا الاعظم (قده) في بيع المعاطاة - قبال قول القائلين بالاباحة -: انه لا شبهة في ان المتعاملين لم يقصدا الاباحة المجردة، وانما قصدهما تمليك العوضين كل واحد منهما ما هو ملكه للاخر عوض ما يمتلكه منه، فكيف يمكن ان لا يقع ما قصداه ويقع ما لم يقصداه ؟ (1) وما قيل في توجيه هذا الامر أي: تحقق الاباحة بالتعاطي الخارجي مع قصد المتعاملين تمليك ماله للاخر بعوض تملك مال ذلك الآخر من ان هذه الدعوى مركبة من أمرين: احدهما: عدم حصول الملك لكل واحد منهما لما اخذه بالمعاطاة ثانيهما: حصول اباحة جميع التصرفات فيما اخذه حتى التصرفات المتوقفة على الملك. أما الاول - أي: عدم حصول الملك لكل واحد منهما وان قصداه - فلان صرف قصد التمليك ليس من الاسباب المملكة، بل لا بد من انشائه في عالم الاعتبار بلفظ يكون ظاهرا في التمليك، وليس صرف الاعطاء والاخذ سببا للتمليك والتملك. وبعبارة اخرى: يكون داخلا تحت أحد عناوين المملكة من بيع أو صلح أو هبة أو غير ذلك. وأما الثاني - أي: حصول الاباحة مع عدم قصدهما لها - فلان الاباحة المجردة عن الملكية من العناوين الثانوية التى تترتب على الفعل الصادر عنه بعنوانه الاولي

 

(هامش)

 

: 1 - المكاسب ص 85. (*).

 

قهرا وان لم يقصدها، بل وان قصد خلافها وعدمها، وذلك كما قيل في مسألة الرجوع إلى المرأة المطلقة رجعية ان الزوج لو وطئها في ايام عدتها يحصل الرجوع قهرا وان لم يقصده بل وان قصد عدم الرجوع. كما إذا قصد بذلك الوطئ الزناء لا الرجوع، فالرجوع الذي هو عنوان ثانوي للوطئ يترتب عليه قهرا وان قصد به الزناء. أقول وكلا التوجيهين باطل: أما الاول فلان المعاطاة - أي: الاعطاء بقصد كونه عوضا عما يعطيه الآخر - بيع عرفا بل البيع عند العرف غالبا بهذا الشكل - أي: بالتعاطي لا بالصيغة والقول، فيكون من الاسباب المملكة. وأما الثاني - أي: كون الاباحة من العناوين الثانوية التى تترتب على العنوان الاولي قهرا بمعنى: ان تسليط المالك غيره على ماله باعطائه له تترتب عليه الاباحة قهرا وان لم يقصدها بل وان قصد عدمها - دعوى بلا بينة ولا برهان، خصوصا فيما إذا كان التسليط بعنوان كونه عوضا عن المسمى. نعم لو كان التسليط على ماله مجانا وبلا عوض لكان من الممكن ان يترتب عليه الاباحة قهرا، فقياس المقام على وطئ المطلقة رجعية - في حصول الرجوع قهرا وان قصد بذلك الوطئ الزناء - في غير محله مع كلام في اصل المقيس عليه، وانه أي: الرجوع هل هو من العناوين القصدية التى لا تحصل إلا مع قصدها أم من العناوين غير القصدية التى تحصل مع عدم قصدها بل وحتى مع قصد عدمها: كالايلام بالنسبة إلى الضرب الشديد الموجع ؟. وعلى كل حال ليس المقام مقام تحقيق مسألة المعاطاة، وكفى في عدم كون مطلق تسليط المالك غيره على ماله مفيدا للاباحة المجردة اتفاقهم على ان المقبوض بالعقد الفاسد يجري مجرى الغصب. نعم ها هنا يرد اشكال آخر وهو ان القول بحصول الاباحة مع قصدهما التمليك

 

دون الاباحة ليس من موارد نقض هذه القاعدة كى يقال بهذه القاعدة بحصول الملكية لكل واحد من المتعاطيين ولا يلزم عدم تبعية العقود للقصود، وذلك من جهة ان المعاطاة ليست بعقد، لان صرف الاخذ والاعطاء - وان كان بقصد كونه ملكا للاخر عوض تملكه من الآخر ما يعطيه أي: ما سمياه حين المبادلة بينهما - ليس عقدا عند العرف والعقلاء بل العقلاء والعرف لا يطلقون العقد إلا على التعهد على امر يكون لذلك التعهد والالتزام القلبي مبرزا من لفظ يكون صريحا في انشاء ذلك العنوان المعاملي. ولذلك يقولون: لالفاظ الايجاب والقبول - التى ينشأ بها تمليك عين بعوض مالي - عقد البيع، وهكذا الامر في سائر المعاملات كعقد الاجارة والمضاربة والمزارعة والمساقاة وغيرها، أو كتابة بناء على صدق العقد بالكتابة أو بالصفقة أو بوضع اليد في يده، كما في عقد البيعة. وأما الاخذ والاعطاء خارجا فليس من هذا القبيل، لانه يمكن ان يكون بدون الالتزام والتعهد بان يكون ملكا للاخر عوض تملكة عنه. ومن موارد هذه القاعدة هو انه لو نسي ذكر الاجل والمدة في عقد الانقطاع فقد يقال ببطلان ذلك العقد، وقال بعض آخر: بأنه ينقلب دائما، فيستشكل عليهم بان العقود تابعة للقصود، فكيف يمكن ان يقع الدوام الذي لم يكن مقصودا ولا يقع ما هو المقصود وهو المتعة والانقطاع ؟ فمقتضى هذه القاعدة هو بطلان هذا العقد أي عقد الانقطاع والمتعة الذى نسي فيه ذكر الاجل. وذلك من جهة ان الدوام غير مقصود فلا يقع، لان العقود تابعة للقصود، وأما الانقطاع وان كان مقصودا ولكن قد عرفت ان صرف القصد لا يترتب عليه اثر وثمرة ما لم يبلغ إلى مرتبة الانشاء، فيحتاج إلى اجتماع أمرين: القصد والانشاء على طبقه، وكل واحد منهما منفردا لا اثر له.

 

ونتيجة هذا عدم وقوع كليهما أي: عدم وقوع الدوام والانقطاع جميعا لنقصان كل واحد منهما من جهة وعدم اجتماع الامرين في كل واحد منهما. أما الانقطاع لعدم بلوغه إلى مرتبة الانشاء لعدم ذكر الاجل لنسيانه وأما الدوام فلعدم كونه مقصودا. وان شئت قلت: ان المقصود هو المتعة والمنشأ هو الدوام، فما هو المقصود ليس بمنشأ وما هو المنشأ ليس بمقصود، ومع ذلك فالمشهور يقولون بانه ينعقد دائما بل ادعى بعضهم عليه الاجماع. ويمكن توجيه كلامهم بحيث لا يكون مخالفا لهذه القاعدة بان يقال: ان المتعة والدوام ليستا من نوعين وحقيقتين مختلفتين، بل كلاهما عبارة: عن العلاقة الخاصة والارتباط المخصوص بين الرجل والمرأة في عالم الاعتبار التشريعي يعبر عنها بالزوجية، والزوجية من الاحكام الوضعية التى جعلها الشارع في عالم الاعتبار التشريعي مثل الطهارة والنجاسة وهي من الاعتبارات القابلة للجعل ابتداء واستقلالا. فكما ان للطهارة والنجاسة موضوعات في الشرع كذلك للزوجية ايضا موضوعات، والحكم الكلي المجعول من قبل الشارع وهو ان كل امرأة خلية إذا زوجت نفسها بنفسها أو بتوسط وكيلها أو وليها بالشرائط المقررة شرعا - أي شرائط العقد من حيث المادة والصورة، وشرائط المتعاقدين أي: الزوج والزوجة والمهر والاجل ان كان عقد الانقطاع - فهي زوجة سواء أكانت زوجيتها دائمة أو موقتة وهى المتعة. فلا فرق في الزوجية بين ان تكون دائمة أو منقطعة، والزوجية بعد اعتبارها لا ترفع إلا برافع، وإلا فهي بحسب نفسها ليس لها أمد ونهاية. نعم هي كسائر الاحكام الوضعية والاعتبارات الشرعية تنتفي وتنعدم بانعدام موضوعها أو بتعيين الاجل، والامد لها من اول جعلها، فالزوجية الدائمة ليست الا

 

انشاء نفس الزوجية من دون احتياجها إلى شيء آخر، وليست حقيقتها مركبة من هذا الاعتبار وعدم ذكر الاجل بمعنى: انها ليست بشرط لا كي تكون مركبة من أمر وجودي وأمر عدمي أي: العلاقة والارتباط الاعتباري، وعدم كونها موقتة كما توهم هذا التركيب في الوجوب. فقالوا بانه عبارة: عن طلب الفعل مع المنع من الترك وبينا خطأهم في كتابنا (منتهى الاصول) (1) وقلنا ان الوجوب عبارة: عن نفس طلب الشيء من دون أي قيد عدمي أو وجودي آخر، غاية الامر بعد طلب الشيء إذا صدر اجازة الترك من الشارع فيقال: انه مستحب، وإلا فطبع نفس الطلب يقتضي الوجوب وعدم جواز الترك بحكم العقل بلزوم اطاعة المولى، فلا يحتاج الوجوب إلى مؤنة زائدة على نفس الطلب، والذي يحتاج إلى مؤنة زائدة هو الاستحباب. ولذلك قلنا في الاصول ان اطلاق الصيغة يقتضي الوجوب، وإلا لو كان راضيا بالترك كان عليه البيان، وما نحن فيه من ذلك القبيل عينا أي: الزوجية الدائمية لا تحتاج إلا إلى انشائها من قبل من له اهلية ذلك من دون احتياجها إلى مؤنة زائدة على ذلك، من قيد عدم كونها موقتة بخلاف الزوجية الموقتة التى يقال لها المتعة والمنقطعة فانها تحتاج إلى ذكر الاجل، فإذا لم يذكر الاجل لم تقع الزوجية الموقتة في مقام الانشاء، وارادتها بدون الانشاء قلنا انها لا اثر لها. فعدم وقوع الزوجية الموقتة يكون مقتضى القاعدة، وأما وقوع الدائمة فلانه قصد الزوجية على الفرض غاية الامر كان له قصد آخر وهو ان تكون موقتة لكن انشاء وقع على طبق أحد القصدين أي: قصده لاصل الزوجية دون قصده الاخر أي كونها موقتة، فذلك القصد الآخر الذي لم يقع الانشاء على طبقه يبقى لغوا وبلا أثر أصلا. فليس فتوى المشهور بحصول الزوجية الدائمة مخالفا لهذه القاعدة. وان شئت

 

(هامش)

 

: 1 - منتهى الاصول ج 1، ص 112. (*).

 

قلت ان اطلاق عقد النكاح يقتضي كون الزوجية المنشأة دائمية. هذا مضافا إلى ورود روايات في هذه المسألة لعلها تكون مستندهم في هذه الفتوى. منها: ما رواه بن بكير قال: قال أبو عبد الله (ع) في حديث ان سمي الاجل فهو متعة وان لم يسم الاجل فهو نكاح بات (1). ومنها: ما رواه ابان ابن تغلب في حديث صيغة المتعة انه قال لابي عبد الله (ع): فإني استحي ان اذكر شرط الايام، قال (ع): هو اضر عليك قلت: وكيف ؟ قال (ع): لانك ان لم تشرط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة في العدة وكانت وارثا، لم تقدر على ان تطلقها إلا طلاق السنة (2). ومنها: ايضا ما رواه في التهذيب عن الكافي مثله (3). ومنها: ما رواه هشام بن سالم قال: قلت لابي عبد الله (ع): اتزوج المرأة متعة مرة مبهمة ؟ قال: فقال (ع): ذاك اشد عليك ترثها، وترثك ولا يجوز لك ان تطلقها إلا على طهر وشاهدين قلت: اصلحك الله فكيف اتزوجها ؟ قال: اياما معدودة بشئ مسمى مقدار ما تراضيتم به، فإذا مضت ايامها كان طلاقها في شرطها، ولا نفقة ولا عدة لها عليك (4).

 

(هامش)

 

: 1 - الكافي ج 5، ص 456، باب في أنه يحتاج أن يعيد عليها الشرط...، ح 1، تهذيب الاحكام ج 7، ص 267، ح 1134، باب تفصيل أحكام النكاح، ح 59، وسائل الشيعة ج 14، ص 469، ابواب المتعة، باب 20، ح 1. 2 - الكافي ج 5، ص 455، باب شروط المتعة، ح 3، وسائل الشيعة ج 14، ص 470، ابواب المتعة، باب 20، ح 2. 3 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 265، ح 1145، باب تفصيل أحكام النكاح، ح 70، الاستبصار ج 3، ص 150، ح 551، باب أنه إذا شرط ثبوت الميراث...، ح 6، وسائل الشيعة ج 14، ص 470، ابواب المتعة، باب 20، ذيل ح 2. 4 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 267، ح 151، باب تفصيل أحكام النكاح، ح 76، الاستبصار ج 3، ص (*).

 

ومن الموارد التي يستشكل على هذه القاعدة مورد تخلف الوصف حيث قالوا: بصحة المعاملة غاية الامر ان تخلف الوصف - مثل تخلف الشرط - يوجب الخيار. فلو قال: بعتك هذا العبد الكاتب فظهر انه ليس بكاتب فما قصداه هو العبد الكاتب وما هو الموجود ووقع على فرض صحة هذه المعاملة غير ما هو المقصود. وذلك من جهة ان واجد قيد غير فاقده، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، فليست العقود تابعة للقصود. ولكن يمكن ان يقال ان في مورد تخلف الوصف - الذي هو عبارة: عن بيع عين شخصية على ان تكون متصفة بصفة كذا - ايضا التزامين وقصدين: أحدهما: تعلق بنقل هذه العين الخارجية والثاني: تعلق بكونها متصفة بصفة كذا غاية الامر ان احد الالتزامين مربوط بالآخر. وليس ها هنا التزامين مستقلين بحيث يكون احدهما اجنبيا عن الآخر بمعنى انه باع هذه العين والتزم بصيرورتها ملكا للمشتري مقابل العوض المسمى والتزم ايضا كونها متصفة بكذا والتزم المشتري بانتقالها إليه مقابل ذلك العوض الذى سمياه، ولكن كان هذا الالتزام منه في ظرف التزام البايع بكونها متصفة بكذا، فالتزامه مربوط بالتزام البايع بكونها متصفة بصفة كذا. فإذا لم يكن المبيع كذلك وكان فاقدا لتلك الصفة فهو - أي: المشتري مثلا - بالخيار في ان يقبل هذا الانتقال - ويبرم العقد ويرفع اليد عن تخلف ذلك الوصف - أو يفسخ ويحل العقد من جهة عدم التزامه بقبول الفاقد للوصف مقابل ذلك العوض المسمى كي يلزمه (أوفوا بالعقود) (1) بلزوم القبول وعدم جواز الحل والفسخ فما وقع

 

(هامش)

 

: ... 152، ح 556، باب أن ولد المتعة لاحق بأبيه، ح 5، وسائل الشيعة ج 14، ص 470، ابواب المتعة، باب 20، ح 3. 1 - المائدة (5): 1. (*)

 

- أي: انتقال هذه العين التى كانت فاقدة لذلك الوصف - كان مقصودا غاية الامر كان هناك قصد آخر ووقع ايضا تحت الانشاء، ولكن حيث ليس له مصداق فذلك المقصود لم يقع. وبعبارة اخرى ما وقع ليس تمام مقصوده لا انه وقع غير ما هو مقصوده، بل الصحيح ان ما وقع تمام ما قصد لكن باحد القصدين والقصد الآخر ومتعلقه لم يقع اصلا لعدمه وعدم امكان وقوع المعاملة على الصفة الشخصية المعدومة. وبعبارة أوضح: حال تخلف الوصف حال تخلف الشرط، فكما ان في مورد تخلف الشرط يقولون بصحة المعاملة - وليس من قبيل ما وقع لم يقصد، بل يكون ما وقع مقصودا، لان الشرط التزام آخر في ضمن الالتزام بأصل المعاملة ولذلك يوجب تخلفه الخيار - فليكن تخلف الوصف ايضا هكذا فانه ايضا التزام في التزام. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.