قاعدة الفراش

37 - قاعدة الفراش 

 

قاعدة الفراش [ * ] ومن جملة القواعد الفقهية المعروفة قاعدة (الولد للفراش). وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في مدركها فنقول: وهو الحديث المشهور المعروف بين جميع الفرق والطوائف الاسلامية، ولم ينكره أحد من المسلمين، وهو قوله صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) (1). وقد روى هذا الحديث في الصحاح المعتبرة عندهم هكذا عن عائشة، قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فأقبضه. قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص، وقال ابن أخي قد عهد إلى فيه، فقام عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال سعد: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ابن أخي كان قد عهد إلى فيه، فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (هو لك يا عبد بن

 

(هامش)

 

[ * ]. (القواعد) ص 189. (1) (الكافي) ج 5، ص 492، باب الرجل يكون له جارية...، ح 3، (الكافي) ج 7، ص 163، باب ميراث ولد الزنا، ح 1 و 3، (الفقيه) ج 4، ص 380، ح 5812، باب النوادر (من الفاظ النبي صلى الله عليه وآله)، ح 50، (وسائل الشيعة) ج 14، ص 565، أبواب نكاح العبيد والاماء، باب 56، ح 1، (سنن ابن ماجة) ج 1، ص 647، ح 2006 و 2007، باب الولد للفراش وللعاهر الحجر. (*)

 

زمعة) ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش وللعاهر الحجر). ثم قال صلى الله عليه وآله لسودة - بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وآله - (احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة: فما رآها حتى لقى الله تعالى) (1). وقال أمير المؤمنين عليه السلام في جواب معاوية: (وأما ما ذكرت من نفي زياد، فإني لم أنفه بل نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر) (2). وكتب الحسن عليه السلام في جواب زياد - لما كتب زياد إليه عليه السلام: من زياد بن أبي سفيان إلى حسسن بن فاطمة عليه السلام يريد بذلك إهانته عليه السلام -: من حسن بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى زياد بن سمية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر (3). ورواية حسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته ويسأل عن رجل اشترى جارية، ثم وقع عليها قبل أن يستبرأ رحمها، قال عليه السلام: (بئس ما صنع يستغفر الله ولا يعد) قلت: فإن باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها، ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرء رحمها فاستبان حملها عند الثالث ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) (4). ورواية سعيد الاعرج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد ؟ قال: (للذي عنده الجارية، لقول رسول

 

(هامش)

 

(1). (صحيح البخاري) ج 3، ص 70، باب تفسير المشبهات، و: (يا سودة) غير موجوده في نص البخاري، (صحيح مسلم) ج 2، ص 1080، ح 1457، كتاب الرضاع، ح 36، باب الولد للفرلش، وتوقى الشبهات، (سنن ابن ماجة) ج 1، ص 646، ح 2004، باب الولد للفراش وللعاهر الحجر. (2). (الخصال) ص 213، باب: الاربعة، عن ابن عباس (3). (شرح نهج البلاغة) لا بن أبى الحديد، ج 16، ص 194، باب نسب زياد بن أبيه.... (4). (الكافي) ج 5، ص 491، باب الرجل يجون له جاريه...، ح 1، (الفقيه) ج 3، ص 450، ح 4557، باب أحكام المماليك والإماء، ح 2 (تهذيب الاحكام) ج 8، ص 168، ح 587، باب لحوق الأولاد بالآباء، ج 11، (وسائل الشيعة) ج 14، ص 568، أبواب نكاح العبيد والإماء، باب 58، ح 2. (*)

 

الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر) (1). ولا ينبغي البحث عن صدور هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله، لان صدوره قطعي. وذلك من جهة أن إلحاق معاوية زياد بن سمية بأبي سفيان صار سببا لاشتهار هذا الحديث بين المحدثين والمؤرخين، إذ هذه القضية العجيبة التي كانت خلاف نص رسول الله صلى الله عليه وآله وقعت في زمان وجود جمع كثير من الصحابة الكرام، وأنكروا كلهم هذا الامر على معاوية لما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله هذا النص الصريح، ولذلك اشتهر ونقله المحدثون وأغلب المؤرخين، وذكروا له المطاعن الاربعة المعروفة عند جميع المسلمين: بغيه على أمير المؤمنين عليه السلام، وقتله حجر بن عدي الذي كان من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وإلحاق زياد، ونصبه يزيد ابنه خليفة من بعده واميرا على المسلمين.. ولما ذكرنا فمدعى القطع بصدور هذا الحديث ليس بمجازف، وعلى كل حال ثبوته وصدوره من المسلمات بين المسلمين. [ الجهة ] الثانية في بيان مدلول هذا الحديث والمتفاهم العرفي منه فنقول: أولا: أن الفاظ الحديث الشريف: ف‍ (الولد) عبارة عن أن النطفة بعد استقرارها في الرحم ونمائها إلى أن بلغ إلى قابليتها لولوج الروح فيها، أي بعد تكميل خلقتها البدنية، فإذا ولج فيها الروح يسمى ولدا، سواء أكان وقت خروجه حيا سويا

 

(هامش)

 

(1). (الكافي) ج 5، ص 491، باب الرجل يكون له جارية...، ح 3، (تهذيب الأحكام) ج 8، ص 169، ح 589، باب لحوق الأولاد بالآباء، ح 13، (الإستبصار) ج 3، ص 368، ح 1317، باب القوم يتبايعون الجارية...، ح 3، (وسائل الشيعة) ج 14، ص 568، أبواب نكاح العبيد والإماء، باب 58، ح 4. (*)

 

ام لا. نعم بعض الآثار الشرعية يترتب عليها بشرط خروجها حيا، وهذا الذي يسمى بالولد له إضافة إلى من تولدت النطفة منه، وهذه الاضافة والنسبة خارجية، لا أنها صرف اعتبار تشريعي أو عرفي. وهذه النسبة المكررة بين الوالد والولد، وكذا بين الوالدة تكون من المحمولات بالضمائم ومن مقولة الاضافة، وحالها حال سائر الاعراض التسعة الخارجية المقولية، وهذه النسبة حيث أنه لها طرفان، بمعنى أنه لكل واحد من الطرفين نسبة مقولية إلى الطرف الآخر. وتسمى هذه النسبة من الطرف الذي خرجت هذه النطفة من صلبه ب‍ (الابوة)، ويسمى ذلك الشخص باعتبار تولد هذه النطفة منه ب‍ (الوالد)، وتسمى بالنسبة إلى نفس هذه النطفة بعد تكميلها وولوج الروح فيها ب‍ (البنوة)، إن كان ذكرا و (البنتية) إن كانت انثى، وموصوف هذه الاضافة والنسبة يسمى بالا بن إن كان ذكرا، وبالبنت إن كانت انثى. كما أن الموصوف لتلك النسبة التي في الطرف يسمى بالوالد أو الاب كما ذكرنا. وأيضا لهذه النطفة نسبة مكررة إلى من استقرت هي في رحمها، وهي أيضا نسبة خارجية مقولية مكررة لها طرفان، وليس فرق بين هذه النسبة وبين النسبة السابقة، إلا أنها من طرف من استقرت في رحمها تسمى بالامومة وموصوفها تسمى بالأم أو الوالدة، فهذا هو معنى الولد، والوالد والوالدة. وأما (الفراش) فهي عبارة عما يفرش لنوم أو لغيره، وهاهنا كناية عن الزوج الشرعي أو المالك باعتبار أن من هو زوج شرعا أو كان مالكا لها له حق أن ينام معها فيه شرعا ويستمتع منها، وأمثال هذه الكنايات كثيرة في لغة العرب وتعابيرهم وفي القرآن الكريم

 

وأما (العاهر) هو الزاني، و (الحجر) معناه واضح. وهذا الذي ذكرنا كان معنى مفردات الحديث. وأما المتفاهم العرفي من هاتين الجملتين: أما الجملة الاولى، فهي عبارة عن أن الولد مخصوص بالزوج، وليس لاحد غيره حق ونصيب فيه، وهذا المعنى نتيجة حصر المبتدأ في الخبر الذي يقولون به في علم البلاغة إذا كان المبتدأ معرفا بالألف واللام، كقولهم: الكرم والفصاحة في العرب. ولا شك في أنه صلى الله عليه وآله في مقام بيان الحكم الشرعي، لا في مقام الإخبار عن أمر خارجي، وظاهر القضايا الشرعية التي بصورة الإخبار كلها من هذا القبيل، أي وإن كانت بحسب الصورة جمل خبرية لكنها في الحقيقة إنشاءات بصورة الإخبار عن وقوعها في أحد الأزمنة الثلاثة. مضافا إلى أنها لو كانت إخبارات عن الامور الخارجية تكون غير مطابق مع الواقع في كثير من الاحيان، فقوله عليه السلام: (يغتسل) و (يعيد) وأمثال هذين في مقام بيان الاحكام الشرعية، فربما لا يغتسل ولا يعيد. وفي نفس محل الكلام لو كان قوله صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش) إخبارا عن أمر واقع، ربما لا يكون كذلك، أي يكون الولد واقعا لغير الفراش، خصوصا في الأزمنة التي تشيع فيها الفجور، ولا يمكن أن يصدر الكذب منه صلى الله عليه وآله لانه صلى الله عليه وآله معصوم، فهذا وجه آخر لانها إنشاءات لا إخبارات. فإذا كان الامر كذلك، فلا بد من القول بأنه صلى الله عليه وآله في مقام جعل الفراش أمارة معتبرة في مقام الاثبات لاثبات أن المولود في فراش شخص يكون له، وليس لآخر نصيب فيه. ومن المعلوم أن جميع الامارات الشرعية كالعرفية - بل هي أيضا عرفية في الاغلب أمضاها الشارع - قد تخطى، لكنها غالب المطابقة، وهذا مناط جعلها أمارة.

 

وأيضا معلوم أن أمارية الأمارة منوطة بعدم القطع على خلافها وعلى وفاقها أيضا، إذ مع القطع بأحد الطرفين لا يبقى مجال للتعبد. أما في صورة كون القطع على وفاقها، فحجية الامارة تكون من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد، الذي هو أسوء من تحصيل الحاصل المحال. وأما في صورة كونه على خلافها، فمن جهة عدم إمكان جعل الطريق والمثبت للذي خلافه ثابت لديه، فالامارة المعتبرة حجة لمن يكن شاكا في مؤداها، فإذن قوله صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش) يكون أمارة في مورد الشك في أن الولد هل لصاحب الفراش أو لغيره، وإلا فمع أنه له أو لغيره لا يبقي مجال للتمسك به في مقام الإثبات. نعم حيث أنه بناء على ما ذكرنا أمارة معتبرة لا يعتنى بالظنون غير المعتبرة على خلافها، كما هو الحال في كل أمارة، مثلا لو شهدت البينة العادلة على أن فلانة زوجة فلان مع عدم نفيه، فالظن غير المعتبر على أنها ليست زوجة له لا أثر له. وفيما نحن فيه بعد ما جعل الشارع الفراش أمارة على أن الولد لصاحب الفراش، فكونه شبيها بالزاني وإن كان يوجب الظن بأنه له، ولكن الشارع لم يعتبر هذا الظن، فلا أثر له في مقابل الحجة المعتبرة، ولذلك هو صلى الله عليه وآله لم يعتبر ولم يعتن بالشبه الذي كان بين الولد وعتبة بن أبي وقاص، ورد دعوى سعد بن أبي وقاص، وحكم بكون الولد لزمعة، معللا بأنه صاحب الفراش. وأما أمره صلى الله عليه وآله زوجته صلى الله عليه وآله سودة أم المؤمنين بالاحتجاب عن ذلك الولد للشباهة التي كانت بينه وبين عتبة - مع أنه صلى الله عليه وآله حكم بأنه أخوها - فمن باب الاحتياط، وقد تقرر في الاصول أن الاحتياط حسن عقلا وشرعا، حتى مع وجود الحجة المعتبرة على أحد الاحتمالين.. وهذا الحديث أيضا أحد الادلة على حسنه شرعا، بل استحبابه إن كان أمره صلى الله عليه وآله باحتجابها منه مولويا، لا إرشاديا إلى حسن الاحتياط. ومن جملة الظنون غير المعتبرة التي لا تقاوهم هذه الامارة قول القافة بواسطة

 

الامارات التي عندهم، ولا شك في أن قولهم يوجب الظن، ولكن الشارع لم يعتبره. وأما سرور النبي صلى الله عليه وآله من قول القائف حينما رأى رجلى أسامة وزيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤسهما وبدت أقدامها، فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض. وقد روى هذا الحديث عن أم المؤمنين عائشة بعدة طرق، ومتن الحديث على ما رواه سفيان عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم مسرورا، فقال: (يا عائشة ألم ترى أن مجزز السلمى المدلجي دخل على فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفه قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض) (1) فلا يدل على حجية قول القائف واعتباره. وذلك أن سروره صلى الله عليه وآله - على تقدير صحة الرواية - كان من جهة أن أسامة كان أسودا شديد السواد، وكان زيد أبيضا، وكانوا يقدحون في نسب أسامة ويطعنون من هذه الجهة، والنبي صلى الله عليه وآله كان يحب زيدا وكذلك أسامة، فلما أخبر القائف بصحة نسبه وأن زيدا أبوه فرح صلى الله عليه وآله بذلك. ولا شك في أن الظن بوجود ما هو المطلوب والمحبوب يوجب السرور والفرح وإن لم يكن ذلك الظن حجة شرعا، فلو أخبر معلم كافر مشرك بأن ابنك فلان ذكي، سريع الفهم وفوق ذلك أنه مشغول جدا بالمطالعة والحفظ يسر الاب، وان كان قول المعلم ليس حجة، لان قول المؤمن العادل الواحد ليس بحجة في الموضوعات فضلا عن قول الكافر المشرك. هذا أولا. وثانيا: في الجاهلية كانت العرب تعتبر قول القائفين، وكانوا يرتبون عليه الآثار،

 

(هامش)

 

(1) (صحيح البخاري) ج 8، ص 195، باب: القائف، (صحيح مسلم) ج 2 ص 1082، ح 1459، كتاب الرضاع، ح 39، باب العمل بإلحاق القائف الولد، (سنن النسائي) ج 6، ص 184، باب: القافة. في المصادر أعلاءه: (أن مجززا المدلجي...). (*)

 

فإخبار القائف بصحة نسب أسامة كان موجبا لارتداع القادحين عن قدحهم وطعنهم، ولذلك سر النبي صلى الله عليه وآله لحبه زيدا وولده أسامة. وأما وجه سواد أسامة فهو من ناحية أمه أم أيمن، فإنها كانت امرأة حبشية تزوجها زيد بعد زوجها الاول، وهو عبيد بن زيد من بني الحارث بن خزرج، وكانت أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وآله، وورثها من أبيه مع خمس جمال وقطيعة من غنم، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال صلى الله عليه وآله: (من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن، فتزوجها زيد ابن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد (1)، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب أسامة حبا شديدا، وقد صرح بذلك حين أمره على الجيش المعروف بجيش أسامة. ومن جملة الظنون التي لا تقاوم هذا الامارة المعتبرة، الامارات الظنية غير المعتبرة شرعا ولكن العرف يعتمدون عليها من قبيل تحليل الدم وأمثاله الشائعة في هذه الاعصار عند الاطباء، ولكن كل ما ذكرنا من عدم مقاومتها لهذه الامارة المعتبرة يكون فيما إذا يوجب الظن. وأما إذا أوجب القطع بان الولد لغير صاحب الفراش، فلا يبقى مجال لاجراء هذه القاعدة، لانها أمارة عند الشك. ومما ذكرنا ظهر أن نفي النسب عن الزاني أو عن غيره ممن هو ليس بصاحب الفراش في صورة إمكان الانتساب إلى صاحب الفراش. وأما إذا لم يمكن - كما إذا كان الزوج في سفر طويل، أو كان غيبته عنها لسبب آخر كالسجن الطويل مثلا وأمثال ذلك - فلا تجرى هذه القاعدة، وبناء على هذا لو ولدت بعد الزواج بمدة أقل من أقل الحمل، أو ولدت بعد غياب الزوج بمدة أكثر من أكثر الحمل فلا يجوز الالحاق بهذه القاعدة. هذا هو شرح الجملة الاولى من الحديث الشريف.

 

(هامش)

 

(1). (الطبقات الكبرى) ج 8، ص 224، باب تسمية النساء المسلمات المبايعات. (*)

 

وأما الجملة الثانية: فالعاهر هو الزاني، والحجر معناه معلوم. وقيل في معنى هذه الجملة: إنها كناية عن طرد الزاني ورده عن دعواه الولد، كما أن الكلب يطرد بالحجارة، وقيل: بأن المراد من الزاني هو المحصن وهو لا يعطى له الولد، بل يرمى بالحجارة حتى يهلك أي يحد بهذا الحد الذي عينه الشارع للزاني المحصن. والاول أولى وإن كان الذي يتبادر إلى الذهن أولا هو الثاني. وجه الاولوية: هو أن ظاهر الحديث الشريف أن أمارية الفراش ليست مخصوصة بكونها في مقابل الزاني المحصن، بل تكون أماريته عامة في قبال كل زان، بل في قبال كل واطئ ليس بصاحب الفراش وإن لم يكن زانيا، فحمله على المعنى الثاني خروج عما هو المتفاهم العرفي من ظاهر الحديث، ويكون من قبيل التخصيص بلا مخصص. [ لجهة ] الثالثة في بيان جملة من موارد تطبيقها فنقول: الاول: أن يكون في مقابل الفراش زناء فقط، ويمكن الالحاق بكل واحد منهما خارجا أي ليس شيء يمنع المنع عن إلحاقه بأحدهما لا شرعا ولا تكوينا لو لا معارضة أحدهما بالآخر ولولا هذه القاعدة. وهذا القسم هو القدر المتيقن من موارد هذه القاعدة، وكان هذا هو مورد الحديث الشريف في دعوى سعد بن أبي وقاص، ودعوى عبد بن زمعة، حيث أن عبد بن زمعة يدعى الولد لزمعة الذي هو صاحب الفراش، لانه كان مالكا للجارية. والفراش يتحقق بأحد أمرين إما أن يكون زوجا لها بالعقد الدائم أو الموقت

 

المسمى بالمتعة في اصطلاح الفقهاء وعند العرف أيضا، أو يكون مالكا لها. وأما التحليل سنتكلم فيها، وسعد بن أبي وقاص يدعيه لاخيه بالزنا وقد عرفت أنه صلى الله عليه وآله حكم لزمعة: (الولد للفراش وللعاهر الحجر). وإلحاق الولد بصاحب الفراش قد عرفت أنه فيما أن يكون له عقلا وشرعا. أما الامكان العقلي العادي هو أنه لا يلزم من الانتساب إليه محال بحسب العادة، كأن يكون الزوج مسافرا مدة طويلة لا يمكن وصوله إليها عادة، أو كان غائبا لجهة أخرى غير المسافرة لا يمكن له الوصول إليها، أو لا يكون للزوج أو المالك إمناء لمرض، أو لشيخوخة أو لأي علة أخرى. وخلاصة الكلام: أنه لا يكون الانتساب إلى صاحب الفراش - سواء أكان زوجا لها بالعقد الدائم أو المنقطع، أو كان مالكا لها، أو كان مالكها حللها له بناء على أن التحليل أيضا يوجب صيرورة المحللة له صاحب فراش كما أنه ليس ببعيد - من قبيل وجود المعلول بدون العلة. وأما الامكان شرعا فذكر الفقهاء - قدس الله أسرارهم - له شروط ثلاثة: الاول: الدخول ولو دبرا، وقال: بعضهم وإن لم ينزل، فإن كان المراد عدم العلم بالانزال مع احتماله فله وجه، وأما إن كان مرادهم من عدم الانزال هو العلم بعدمه فهذا عجيب، لأن مرجعه إلى وجود المسبب بدون السبب. وأما ما أفاده صاحب الجواهر - قدس سره - في هذا المقام بقوله: ولعله لتحرك نطفة الامرأة واكتسابها العارق من نطفة الرجل في محلها، أو غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا رب العزة (1)، فهذا الذي قال من تحرك النطفة إلى قوله (في محلها) يشبه أن يكون أمرا خياليا لا واقعيا. وأما قوله - قدس سره - أو غير ذلك من الحكم إلى آخره.

 

(هامش)

 

(1) (جواهر الكلام) ج 31، ص 223. (*)

 

ففيه أنه حق لو جاء دليل قطعي على أنه بدون إنزال صاحب الفراش يلحق به، ولكن الامر ليس كذلك، بل هنا قاعدة وأمارة شرعية، وهو قوله صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وبينا أنها أمارة لكون الولد لصاحب الفراش في ظرف إمكان ذلك عادة، وبدون الانزال لا يمكن، ولذلك قال في الرياض ما خلاصته أن إلحاق الولد بصاحب الفراش مشروط بما إذا كان تولده من مائه محتملا ولو باحتمال بعيد، وفي غيره إشكال (1). وان حكى الاطلاق عن الاصحاب واحتمل الاجماع، فاعتبار الدخول ليس لموضوعية فيه، بل من جهة كونه مقدمة لوصول الماء إلى رحمها، ولذلك لو وصل الماء إلى رحمها من غير الدخول، كما إذا لاعبها وأنزل على الفرج ووصل الماء إليها من غير الدخول يلحق بصاحب الفراش الملاعب قطعا، وقد شاهدنا في عصرنا مواليد تكونوا من ماء أبيهم مع عدم زوال بكارة أمهم، وأولدتهم القوابل بالعلاج. وروى في قرب الاسناد بإسناده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عيه السلام أن رجلا أتى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: إن امرأتي هذه حامل وهي جارية حدثة، وهي عذراء، وهي حامل في تسعة أشهر، ولا أعلم إلا خيرا وأنا شيخ كبير ما افترعتها، وأنها لعلى حالها، فقال له علي عليه السلام: (نشدتك الله هل كنت تهريق على فرجها ؟) إلى أن قال عليه السلام: (وقد الحقت بك ولدها فشق عنها القوابل، فجاءت بغلام فعاش) (2). ورواية أخرى بهذا المضمون نقلها في الوسائل عن المفيد - قدس سره - في الإرشاد (3). وظهر مما ذكرنا أن إدخال ماء الرجل بتوسط الإبر في الرحم - كما يقولون لو

 

(هامش)

 

(1) (رياض المسائل) ج 2، ص 154. (2) (قرب الإسناد) ص 149، ح 541، أحاديث متفرقة. (3) (الإرشاد) للمفيد، ص 112 و 113، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 114، أبواب أحكام الأولاد، باب 16، ح 2. (*)

 

صح هذا - أيضا يوجب أن يلحق الولد بصاحب الماء، وإن قلنا بأن هذا الفعل حرام، وكذلك لو انجذب الماء إلى الفرج في الحمام ودخل في الرحم، وتكون الولد يلحق بصاحب الماء لو كان معلوما. وحاصل الكلام: أن كون الولد لصاحب الماء أمر تكويني، لانه هو نفس الماء، غاية الامر نما إلى أن جعله الله ولدا سويا، فهو في سياق الزرع، كما أن البذر إذا وقع في الارض ينمو إلى أن يصير سنبلا بإرادة الله وجعله، كذلك النطفة بعد ما وصل إلى الرحم القابل ينمو إلى أن يجعله الله ولدا وينشأه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. نعم في خصوص الزنا ألغى الشارع هذا الانتساب التكويني من حيث بعض الآثار لبعض المصالح، ولعل عمدتها حفط الجامعة عن الفجور. ومما ذكرنا ظهر الاشكال في كفاية الدخول في الدبر إلا مع الامناء واحتمال السبق وعدم الشعور به، ولذلك حكى عن ابن ادريس في السرائر (1) وعن العلامة في التحرير (2) - قدس الله اسرارهما - عدم العبرة بالوطي دبرا، وعدم اعتبارهما بالوطي في الدبر. إما في صورة عدم احتمال السبق، أو لكون الاحتمال ضعيفا بدرجة يكون عند العقلاء بحكم العدم. الثاني: مضى ستة أشهر هلالية من زمان الوطى، فلو كان أقل من ذلك وولدت تام الخلقة حيا لا يلحق بصاحب الفراش، وذلك من جهة أنها أقل الحمل كتابا وسنة مستقيضة بل متواترة، ولا خلاف في ذلك بين الاصحاب، بل نسب الاتفاق إلى علماء الاسلام، وقد نسب في الجواهر (3) إلى المفيد (4) والشيخ (5) - قدس سرهما - التخيير

 

(هامش)

 

(1) (جواهر الكلام) ج 31، ص 223. (2) (جواهر الكلام) ج 31، ص 223. (3) (جواهر الكلام) ج 31، ص 230. (4) (المقنعة) ص 538. (5) (النهاية) ص 505. (*)

 

بين النفي والاقرار به. وهذه الفتوى من هذين الشيخين الجليلين لا يخلو عن غرابة مع استفاضة الروايات واتفاق الفقهاء على خلافهما. ولكن الذي يظهر من عبارة المقنعة أنه لو نفاه الزوج وخاصمته المرأة وادعت أنه منه واختلفا في زمان الحمل (1)، لا أن المرأة مع اعترافها بأنها وضعت لأقل من ستة أشهر تدعى أنه له، فيكون هذا من فروع اختلافهما في مدة الحمل، ويكون خارجا عن محل بحثنا، وهو أن يكون معلوما مدة الحمل وأنها أقل من ستة أشهر. والشاهد على ذلك أنه - قدس سره - يصرح قبل هذه العبارة، بأنها إن ولدته حيا تاما لاقل من ستة أشهر من يوم لامسها، فليس له بولد بحكم العادة (2). وعبارة المبسوط أيضا صريح في أنها إذا وضعت لاقل من ستة أشهر من حين لامسها فالولد لا يلحق به، وهذا عين عبارته: كما لو أتت بولد لدون ستة أشهر، فإنه ينفي عن الزوج بلا لعان، لانه لا يمكن أن يكون منه (3). فهذا الشرط أيضا مقدمة لاثبات مورد القاعدة، وهو احتمال أن يكون الولد لصاحب الفراش، لانه قبل انقضاء ستة أشهر من حين الوطي لو ولدت نفى الشارع كونه له، فيكون احتمال كونه منه ملغى بحكم الشارع، ويكون معلوم العدم، فلا يبقى موضوع للقاعدة. الثالث: أن لا يكون الوضع في أكثر من أكثر مدة الحمل. وفي تعيين أكثر مدة الحمل خلاف، فالمشهور يقولون بأنه عبارة عن تسعة أشهر وبناء على هذا لو تجاوز مدة الحمل - أي من زمان الوطى تسعة أشهر إلى

 

(هامش)

 

(1) (المقنعة) ص 538. (2) (المقنعة) ص 538. (3) (المبسوط) ج 5، ص 185. (*)

 

زمان الوضع - فلا يلحق. والاخبار التي تدل على أن أكثر مدة الحمل تسعة أشهر كثيرة. وقول آخر بأنه عشرة أشهر، وهو الذي استحسنه في الشرائع (1)، وحكى عن الشيخ - قدس سره - في المبسوط (2) أيضا، ونسب إلى العلامة (3) - قدس سره - أيضا، وصرح العلامة في التبصرة بذلك (4). وقول آخر بأنه سنة، وإليه ذهب المرتضى - قدس سره - في الانتصار مدعيا عليه الاجماع (5)، وأبو الصلاح (6)، ومال إليه في المختلف (7) على نقل صاحب الجواهر (8) - قدس سره -. وقال الشهيد الثاني - قدس سره - إنه أقرب إلى الصواب (9). ولكن المحقق قال في الشرائع: إنه متروك (10)، وهناك رواية على أنه سنتين (11)، ولكن لم يقل به أحد من الاصحاب، وحملوها على التقية. أقول: أما القول الأول الذي هو المشهور بين أصحابنا الامامية - قدس الله أسرارهم - فمستنده قبل الاجماع روايات مستفيضة ذكر سبعة منها في الجواهر (12)، ودلالة بعضها واضحة لا يمكن المناقشة فيها، وذلك كمرسل عبد الرحمن ابن سيابة:

 

(هامش)

 

(1) (شرائع الاسلام) ج 2، ص 340. (2) (جواهر الكلام) ج 31، ص 226. (3) (تحرير الكلام) ج 2، ص 44. (4) (تبصرة المتعلمين) ص 143. (5) (الانتصار) ص 154. (6) (الكافي في الفقه) ص 314. (7) (مختلف الشيعة) ج 7، ص 316. (8) (جواهر الكلام) ج 31، ص 226. (9) (مسالك الافهام) ج 1، ص 458. (10) (شرائع الاسلام) ج 2، ص 340. (11) (الفقيه) ج 3، ص 511، ح 4793، باب: طلاق الحامل، ح 8، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 118 أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 15. (12) (جواهر الكلام) ج 31، ص 225. (*)

 

(أقصى مدة الحمل تسعة أشهر ولا يزيد لحظة، ولو زاد لحظة لقتل أمه قبل أن يخرج) (1). اللهم إلا أن يقال: إن مضمون هذا الخبر معلوم البطلان بالوجدان، فلا يمكن صدوره عن الامام عليه السلام. ولكن يمكن أن يقال: إن معلومية بطلانه بالوجدان غير معلوم، لأن هذه أمور لا يعرفها غير رب العزة جل جلاله، هذا أولا. وثانيا: صدر الرواية جملة مستقلة لا إشكال في مضمونه، وهو قوله عليه السلام: (أقصى مدة الحمل تسعة أشهر) فلا مانع من التعبد بصدوره، وهو كاف في إثبات المطلوب. وكرواية محمد بن حكيم، عن أبى الحسن عليه السلام في حديث قال: قلت: فإنها ادعت الحمل بعد تسعة أشهر، قال عليه السلام: (إنما الحمل تسعة أشه ر) (2). وأما رواية أبان عن أبى عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: (إن مريم حملت بعيسى تسع ساعات كل ساعة شهر) (3). فدلالتها على أن الحمل لا يزيد على تسعة أشهر غير واضحة، ولا يخلو عن المناقشة. وعلى كل حال هذا القول - أي: أن أكثر الحمل لا يزيد على تسعة أشهر - بحسب المدرك قوي، للروايات المستفيضة، وادعاء الاجماع فيه والشهرة المحققة. وأما القول الثاني - أي كون أكثر الحمل عشرة أشهر الذي استحسنه المحقق في الشرائع وقال: يعضده الوجدان (4) - فلا إجماع ولا رواية تدل عليه.

 

(هامش)

 

(1) (الكافي) ج 6، ص 52، باب النوادر (من كتاب العقيقة)، ح 3، (تهذيب الاحكام) ج 8، ص 115، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 115، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 3. (2) (الكافي) ج 6، ص 101، باب المسترابة بالجميل، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 5. (3) (الكافي) ج 8، ص 332، ح 516، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 7. (4) (شرائع الإسلام) ج 2، ص 340. (*)

 

وعمدة الوجه هو ادعاؤهم الوجدان، وأنه كثيرا ما يزيد على تسعة أشهر. ولكن فيه أن مبدأ الحقيقي للحمل غالبا غير معلوم، وإن كان انتهاؤه بالولادة أمر محسوس، وحكم القوابل أو النساء بالحمل إما بواسطة احتباس الحيض، وإما بواسطة ظهور علامات الحمل. والاول ربما يكون لجهة أخرى غير الحمل، بل يكون لعلة ومرض فيها. والثاني غالبا يكون بعد مضي زمان من شهر أو شهرين بعد الحمل: وأما القول الثالث - أي كون أكثر الحمل سنة - فادعى المرتضى - قدس سره - عليه الاجماع (1)، وقربه المسالك إلى الصواب (2). ولكن ليس في الروايات ما يدل على ذلك، إلا ما نقل من خبر غياث، عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عليه السلام قال: (أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر، وأكثر ما تحمل لسنة) (3) لكن في الوسائل روى هذه الرواية عن غياث (وأكثر ما تحمل سنتين) (4). وقلنا إنه لم يقل به أحد من الاصحاب، ولذلك حمله في الوسائل على التقية. ومع هذا الاختلاف في النقل لا يبقى مجال للاستدلال بها على السنة. وأيضا مما يمكن أن يستدل به على هذا القول ما هو المروي عن نوادر المعجزات للراوندي عن سيدة النساء عليها السلام أنها ولدت الحسين عليه السلام عند تمام السنة (5) لكنه معارض بما هو المعروف والمشهور أنها ولدته لستة أشهر. (6)

 

(هامش)

 

(1) (الانتصار) ص 154. (2) (مسالك الافهام) ج 1، ص 458. (3) (الفقيه) ج 3، ص 511، ح 4793، باب طلاق الحامل، ح 7، وفيه: لسنتين بدل لسنة. (4) (وسائل الشيعة) ج 15، ص 118، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 15. (5) الراوندي في (الخرائج والجوارح) ج 2، ص 840، الباب (16): في نوادر المعجزات، وفيه: في تمام الستة، وفى نسخة (بحار الانوار) ج 43، ص 273، فيه: فنزل تمام السنة. (6) (الكافي) ج 1، ص 385، باب مولد الحسين بن علي عليهما السلام، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 4. (*)

 

ففي الوسائل عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (حمل الحسين عليه السلام ستة أشهر. وأرضع سنتين، وهو قول الله عزوجل: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (1)) (2). هذا مضافا إلى أنه معارض بما ورد من أن ولادته عليه السلام في ثالث شعبان، وولادة الحسن عليه السلام في النصف من رمضان، ومعلوم أن الفصل بينهما أقل من السنة بما لا يتسامح. وأيضا ربما يستدل لهذا القول بما رواه حريز عمن ذكره، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل (يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد) (3) قال عليه السلام: (الغيض: كل حمل دون تسعة أشهر. وما تزداد: كل شيء يزداد على تسعة أشهر، فلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد الايام التي رأت في حملها من الدم) (4). وظاهر هذه الرواية - على تقدير صحة سندها والإغماض عن إرسالها، ومع الاغماض عن معارضتها الاقوى منها سندا ودلالة - هو أن المراد من الزيادة مقدار ما رأت الدم في حال حملها يزيد في مقدار الحمل، فإن رأت الدم في حال الحمل خمسة أيام يزيد في مدة الحمل خمسة أيام، فلا تدل على المقصود أي كون مدة اكثر الحمل سنة إلا على تقدير شاذ في غاية الشذوذ. بل يمكن أن يقال بأنه حال عادة، وهو أن ترى الدم في كل شهر عشرة أيام كي يصير في مجموع تسعة أشهر الذي هو مدة الحمل تسعين يوما، فيزيد هذا المقدار على تسعة أشهر، فيكون المجموع سنة كاملة.

 

(هامش)

 

(1). الأحقاف (46): 15. (2) (وسائل الشيعة) ج 15، ص 118، أبواب أحكام الأولاد، باب 17، ح 14. (3) الرعد (13): 8. (4). (الكافي) ج 6، ص 12، باب بدء خلق الإنسان وتقلبه في بطن أمه، ح 2، (تفسير العياشي) ج 2، ص 204، ح 10، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 116، أبواب أحكام الأولاد، باب 17 ح 6. (*)

هذا حال الاخبار التي استدلوا بها على هذا القول ولكن الشهيد الثاني - قدس سره - تمسك لاثبات هذا القول بوجوه: الاول: عدم دليل معتبر على الاقل من السنة (1). وفيه: ما عرفت من وضوح دلالة بعض الروايات على أن أكثر الحمل تسعة أشهر (2)، وقلنا لو كان ضعف في سندها فهو منجبر بعمل الاصحاب والشهرة المحققة، وقد حكينا من جماعة، الاجماع. وأما إجماع المرتضى - قدس سره - فوجهه في الجواهر على أن مراده منه نفي أكثر من السنة، لاثبات السنة به (4) وهو توجيه حسن فلا يعارض هذا الاجماع. الثاني: الوجدان، وهو ما إذا سافر الزوج بعد الوطئ مثلا إلى مكان بعيد لا يمكن وصوله عادة إليها، وأيضا علم من الخارج من الامارات الموجبة لليقين والمفيدة للعلم أنه لم يصل إليها أجنبي ومع ذلك وضعت بعد مضي سنة من زمان الوطئ. وفيه: على فرض تسليم ما قيل ليس سبب الحمل منحصرا بوصول الزوج أو أجنبي إليها، بل هناك احتمالات أخر معلومة لا يحتاج إلى الذكر. الثالث: أمره بالاحتياط بعد انقضاء تسعة أشهر من حين الوطئ في بعض الاخبار التي مفادها أن أكثر الحمل تسعة أشهر: منها: خبر محمد بن الحكيم عن أبي الحسن عليه السلام: قلت له: المرأة الشابة التي مثلها تحيض ايطلقه زوجها ويرتقع حيضها كم عدتها ؟ قال: (ثلاثة أشهر). قلت فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر قال عليه السلام (عدتها تسعة أشهر). قلت: فإنها ادعت

 

(هامش)

 

(1) (مسالك الأفهام) ج 1، ص 408. (2) تقدم راجع ص 37 هامش رقم (1). (3) (الانتصار) ص 154. (4) (جواهر الاحكام) ج 31، ص 227. (*)

 

الحبل بعد تسعة أشهر قال عليه السلام: (إنما الحبل تسعة أشهر) قلت: تتزوج ؟ قال عليه السلام: (تحتاط بثلاثة أشهر). قلت: فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر قال عليه السلام: (لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت (1). وهذه الرواية لها ظهور جلى في إن من تدعي الحبل بعد مضي تسعة أشهر من طلاقها أيضا يجب عليها أن تحتاط بثلاثة أشهر إن ادعت بقاء الحبل بعد ذلك أيضا وهذا مرجعه إلى أن احتمال بقاء الحمل إلى سنة موجود ويجب ترتيب الاثر بعدم جواز التزويج قبل انقضاء السنة. ومنها: خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول: (إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر بها تسعة أشهر، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه) (2). ومنها: خبر أبان عن ابن حكيم عن أبي إبراهيم عليه السلام أو ابنه عليهما السلام قال عليه السلام في المطلقة يطلقها زوجها فتقول: أنا حبلى فتمكث سنة فقال عليه السلام: (إن جاءت به لاكثر من سنة لم تصدق ولو ساعة واحدة في دعواها) (3). فمن هذه الروايات يستكشف أن الشارع لم يلغ احتمال كونها أكثر من تسعة إلى السنة وإن كان نادرا. نعم يستظهر منها أن احتمال الزائد على السنة ملغى في نظره ولذلك أجمعت

 

(هامش)

 

(1) (مسالك الافهام) ج 1 ص 408 في أحكام الأولاد، (الكافي) ج 6 ص 101، باب المسترابة بالحمل ح 2، (تهذيب الاحكام) ج 8، ص 129، ح 445 في عدد النساء ح 44. (2) (مسالك الافهام) ج 1 ص 408، في أحكام الاولاد، (الكافي) ج 6 ص 101 باب المسترابة بالحمل، ح 1، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 129 ح 444 في عدد النساء ح 43. (3) (مسالك الافهام) ج 1 ص 408 في أحكام الاولاد، (الكافي) ج 6 ص 101 باب المسترابة بالحمل، ح 3، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 129 ح 446 في عدد النساء ح 45، (وسائل الشيعة) ج 15 ص 442 أبواب العدد باب 25 ح 3. (*)

 

الامامية الاثنتي عشرية على نفي الزائد عنها ولم يقل به أحد وقلنا إن صاحب الجواهر وجه إجماع المرتضى - قدس سره - بأن مراده نفي الزائد على السنة، وقلنا: إنه حسن. أقول: لا شك في أن الغالب في أكثر الحمل هو تسعة أشهر كما نراه بالوجدان. نعم قد يزيد أو ينقص أيام قلائل ولا شك في أن لكل أمر من الامور الخارجية مصاديق وأفراد غالبية ومصاديق نادرة شاذة وذلك كما إن البلوغ واليأس في المرأة أفرادها الغالبية في البلوغ يكون بإكمال تسع سنين هلالية وفي اليأس بإكمال خمسين أو ستين والشارع لاحظ في الحكم بحيضية الدم الخارج عن المرأة الافراد الغالبية إذ لم ير محذورا في ذلك فحكم بعدم الحيضية في أقل من تسع وأكثر من خمسين أو ستين مع أن النساء يختلفن في ذلك قطعا حسب اختلاف امزجتهن، إذ لا محذور مهم في عدم مراعاة الافراد النادرة فأية مفسدة مهمة في الحكم بحيضية دم ليس بحيض في الواقع أو بالعكس في الافراد النادرة. وأما إذا كان في عدم ملاحظة الافراد النادرة مفاسد عظيمة - كما في ما نحن فيه، لان نفي النسب مع ثبوته واقعا ربما ينجر إلى مفاسد عظيمة كنكاح العم لبنت أخيه والاخ للاخت أو حرمان شخص عن ثروته الكثيرة أو عن شرف أسرته الجليلة - فحينئذ يجب مراعاة الافراد النادرة. فمكث الحمل وبقائه في الرحم إلى السنة وإن كان في غاية القلة والندرة ولكن مع ذلك مراعاته لازم لما ذكرنا، ولذلك أمر بالاحتياط بثلاثة أشهر بعد مضي تسعة أشهر كما تقدم. والانصاف أن قول المشهور وإن كان قويا بحسب المدرك مضافا إلى اشتهاره بين أرباب الفتوى. ولكن مراعاة هذا الاحتياط لا ينبغي أن يترك لما ذكرنا من المفاسد العظيمة في تركه ولعله لذلك ذهب جماعة من أعاظم أساطين الفن

 

كالمرتضى (1) والعلامة في المختلف (2) والشهيد الثاني في المسالك (3) - قدس الله اسرارهم - إلى هذا القول مع ما رأوا من القوة في مدرك القول المشهور. وقد ذهب إلى هذا القول أيضا الفقيه المتتبع السيد الطباطبائى اليزدي - قدس سره - في حواشيه على التبصرة. إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: تارة: يكون الزاني مدعيا للفراش يدعى الولد في مقابله فهذا هو القدر المتيقن من مورد القاعدة إن كان صاحب الفراش - أي: الزوج دواما أو انقطاعا أو المالك - واجد للشرائط المذكورة التي كانت نتيجتها إمكان تكون ذلك الولد من مائه عادة وإن كان الفقهاء اشترطوا الدخول قبلا أو دبرا وعدم كون مدة الحمل أقل من أقل الحمل والاكثر من أكثره لكن المقصود هو ما ذكرناه أو الحق ما ذكرناه وإن لم يكن مقصودا لهم. وأخرى: يكون الواطئ بالشبهة يدعى الولد في مقابل الفراش بالمعنى الذي ذكرنا للفراش. وظاهر الاصحاب أنه يقرع بينهما. ولكن عندي في هذا تأمل، لانه بناء على ما ذكرنا من أن الشارع جعل الفراش أمارة لكون الولد لصاحب الفراش فيما يمكن أن يكون له تكوينا وشرعا أما تكوينا فبوصول نطفة صاحب الفراش إلى رحمها وأما شرعا فبأن لا يكون حمله أقل من أقل الحمل ولا أكثر من أكثره فلصاحب الفراش أمارة على أن الولد له وهي الفراش فلا تصل النوبة إلى لقرعة. كما حققناه في قاعدة القرعة أنها تستعمل في الشبهة الموضوعية التي لا يجوز فيها

 

(هامش)

 

(1) (الانتصار) ص 154. (2) (مختلف الشيعة) ج 7 ص 316 المسألة: 222. (3) (مسالك الافهام) ج 1 ص 458. (*)

 

الاحتياط ولا يجب وتكون من المعضلات والمشكلات ومع وجود الامارة في بعض أطراف العلم الاجمالي ينحل العلم ولا يبقى إجمال في البين. وبعبارة أخرى: قلنا إن القرعة أمارة حيث لا أمارة في البين اللهم إلا أن يقال: إن أمارية الفراش مخصوصة بما إذا كان في قبال الزناء لا في قبال الوطئ بالشبهة. وهذا الاحتمال أبطلناه فيما تقدم وقلنا إن أماريته مطلقة، فقوله صلى الله عليه وآله: (الولد للفراش) كلام مستقل ومفاده أن الفراش - أي كون الرجل له حق المضاجعة في ذلك الفراش مع المرأة التي تنام فيه ويكون لها نحو اختصاص به - أمارة شرعية على أن الولد الذي ولد في ذلك الفراش ملحق بصاحب الفراش عند الشك فيكون حال الفراش حال البينة. نعم الفرق هو أن البينة أمارة في جميع الموضوعات والفراش أمارة في خصوص إلحاق الولد بصاحب الفراش فيما أمكن الالحاق به. وأما الجملة الاخرى أي: قوله صلى الله عليه وآله: (وللعاهر الحجر) فلا ربط له بالجملة الاولى بل ذكره لطرد المدعي المقابل لصاحب الفراش، لان المدعى المقابل لصاحب الفراش في مورد الحديث كان زانيا فطرده بهذا الكلام. وأما فيما إذا لم يمكن كما إذا كان صاحب الفراش لم يمسه لا قبلا ولا دبرا أو لم يمض من حين وطئه مدة أقل الحمل أو تجاوز من زمان وطئه إلى الوضع أكثر مدة الحمل فلا يكون الفراش أمارة القطع بالعدم شرعا. وفي مثل هذه الصورة يعطى الولد الواطئ بالشبهة، لانه مدع بلا معارض أو للقطع بأنه منه. وأما لو كان المدعي المقابل للفراش هو أيضا صاحب الفراش ففيه صور أربع: الاولى: أن لا يمكن لحوقه بالثاني وأمكن لحوقه بالاول كما إذا طلق الاول زوجته وبعد انقضاء عدتها تزوجها الثاني فوضعت لاقل من ستة أشهر من زمان

 

وطئ الثاني ولم يتجاوز أقصى الحمل من زمان وطئ الاول فالولد ملحق بالاول لكونه ذا أمارة وفراش والثاني لا يمكن أن يكون أمارة لكونه ولدت في زمان يكون أقل من أقل الحمل فيستكشف بطلان نكاح الثاني لوقوعه في العدة، لان انقضاء عدة الاول بالوضع والمفروض أنه تزوجها قبل الوضع وتصير تلك المرأه محرمة على الثاني أبدا لانه وطأها في العدة بعد العقد عليها. الثانية: عكس الصورة الاولى وهو عدم إمكان لحوقه بالاول وإمكان لحوقه بالثاني كما إذا كانت الولادة بعد مضي أكثر الحمل من الوطئ الاول ولا يكون أقل من أقل الحمل ولا أكثر من أكثره من حين وطئ الثاني ألحق بالثاني لعدم أمارية فراش الاول لعدم الشك وعدم إمكان الالحاق فيكون الفراش الثاني أمارة بلا معارض لها. الثالثة: عدم إمكان الالحاق بكل واحد منهما فيسقط أمارية كليهما وينفى عنهما لما ذكرنا أن أمارية الفراش في ظرف إمكان الالحاق. الرابعة: إمكان الالحاق بكليهما فمقتضى القاعدة سقوط كليهما بالتعارض، ولكن بناء الاصحاب على الالحاق بالثاني لاحدى جهتين: إما: من جهة أن المراد من الفراش هو الفراش الفعلي ولا شك أن الفراش الفعلي هو الثاني دون الاول. وفيه: أن لزوم الفعلية في الفراش أمر مسلم، ولكن في زمان الوطئ لا في زمان الوضع والمفروض أنه في زمان الوضع والمفروض أنه في زمان الوطئ كان كلاهما فعليين وإما من جهة الاخبار، وقد وردت روايات مستفيضة (1) في أن الولد يلحق (هامش)

 

(1) (الفقيه) ج 3 ص 470 ح 4639 باب النوادر (من كتاب النكاح) ح 23، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 168 ح 584 في لحوق الاولاد بالآباء...، ح 8، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 118 أبواب أحكام الاولاد باب 17 ح 13. (*)

 

بالفراش الثاني إن أمكن وإن كان لحوقه بالاول أيضا ممكنا. وهو صحيح لا إشكال فيه. وأما التمسك بالاجماع مع وجود هذه الاخبار فلا وجه له، لما ذكرنا مرارا فلا نعيد وقد عرفت أن المراد من الفراش في الحديث الشريف من له حق المضاجعة شرعا مع المرأة وأن يلامسها فالفراش كنابة عن هذا الامر وقد عرفت أن الزوج بكلا قسميه - الدوام والانقطاع - حيث أن له هذا الحق فيكون صاحب الفراش، وكذلك مالك الجارية حيث له هذا الحق فيكون صاحب الفراش. هذا مضافا إلى تطبيقه صلى الله عليه وآله هذه القاعدة على زمعة وهو كان مالكا لا زوجا. وأما الواطئ بالشبهة فليس له هذا الحق قطعا بل هو متعد ومتجاوز على عرض الغير غاية الامر لا يعاقب لجهله فهو معذور بالنسبة إلى العقاب والمؤاخذة لا أن له هذا الحق شرعا. وجواز الوطئ له حكم ظاهري لا أنه واقعا له جائز إلا على القول بالتصويب الباطل فلا فرق بين الزاني والواطئ بالشبهة في حرمة الوطئ واقعا. نعم هناك فروق آخر بينهما وهو أن الشارع جعل الزناء موضوعا لاحكام لا تجري ولا تترتب تلك الاحكام على الوطئ بالشبهة من الحد وعدم إلحاق الولد به بالنسبة إلى بعض الاحكام كتوريثه من أبيه، فادعاء أن الواطئ بالشبهة صاحب الفراش عجيب. وأما التحليل فكون المحلل له صاحب الفراش فله وجه، لانه بالتحليل يوجد له هذا الحق خصوصا إذا قلنا بأن التحليل عقد محتاج إلى الايجاب والقبول فيمكن أن يقال بأنه تزويج لها من المولى فيكون كالمتعة تزويجا موقتا فهو أيضا صاحب

 

الفراش كالزوج في عقد الانقطاع. والحاصل: أن الفراش عبارة عن كونه مالكا شرعا للوطئ وله حق أن يفعل والمشتبه ليس له ذلك وإنما يرتكب محرما معفوا عنه، لجهله. نعم فعله ليس زناء، لانه أخذ في مفهوم الزناء الالتفات والعلم أو العلمي بالحكم والموضوع جميعا، فلا يترتب على عمله آثار المترتبة على الزناء من عدم إرث الولد والحد وغيره. فلو كان هناك واطيان بالشبهة وأمكن الالحاق بكل واحد منهما يقرع بينهما، أما لو اجتمع الزناء مع الوطئ بالشبهة وأمكن الالحاق بكل واحد منهما كما إذا وطئا في طهر واحد والوضع صار بعد التجاوز عن أقل الحمل وعدم التجاوز عن أكثر الحمل من زمان وطئ كل واحد منهما. فإن قلنا: إن الزاني مطرود ولا نسب له مطلقا فلا شك أن الولد للواطئ شبهة وليس للزاني إلا الحجر. وأما إن قلنا: إن طرده فيما إذا ادعي في قبال الفراش - كما هو مورد الحديث لا مطلقا ونفي النسب بملاحظة الارث لا مطلقا ولذلك يحرم على الزاني نزويج بنته من الزناء إجماعا بل ضرورة - فمقتضى القواعد الاولية هو أن يقرع بينهما، ولكن الظاهر اتفاق الاصحاب عن أنه للواطئ بالشبهة ويطرد الزاني، لانه عليه السلام عبر من الولد المخلوق من ماء الزاني (أنه لغية). محمد ابن الحسن القمي قال: كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر عليه السلام: ما تقول في رجل فجر بامرأة فحبلت ثم أنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق الله به ؟ فكتب عليه السلام بخطه وخاتمه: (الولد لغية لا يورث) (1) واللغية ظاهرها أنه باطل وخائب ولا يعتنى به فمفاد هذه الرواية هو أن الولد لا يلحق بالزاني وإن لم

 

(هامش)

 

(1) (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 182 ح 637 في لحوق الاولاد بالآباء...) ح 61، (وسائل الشيعة) ج 15، ص 214، أبواب أحكام الاولاد باب 101 ح 1. (*)

 

يكن مدع في مقابله فضلا عما إذا كان مثل الواطئ بالشبهة الذي لم يلغ الشارع نسبه حتى أن بعضهم ادعى صدق الفراش على وطئ الشبهة. ولكن مع ذلك كله ظاهر الرواية أنه لغية من ناحية الارث لا أنه لغية بقول مطلق حتى من ناحية نكاح المحارم. ومما ذكرنا ظهر أنه لو زنى الاثنان بامرأة في طهر واحد فجاءت بولد يمكن القول بالاقتراع بالنسبة إلى الآثار غير الارث تنبيه ثم إنه من المعلوم والواضح الجلي أن الزناء قد يكون بالنسبة إلى الرجل والمرأة فيكونان زانيا وزانية والولد لا يرث من كل واحد منهما ويكون لغية من الطرفين. وقد يكون الزناء من طرف واحد وذلك بأن يكون أحدهما متعمدا متلفتا والطرف الآخر مشتبها فيرث الولد من المشتبه دون الزاني والزانية. وأما في غير الارث فقد بينا أنه يلحق بهما بالنسبة إلى بعض الآثار كحرمة نكاح المحارم حتى في الزناء من الطرفين بحيث يكونان باغ وبغيا فضلا عن أن يكون من طرف واحد. هذا هو الذي اخترناه. ولكن ظاهر المشهور وبعض الروايات هو أن الشارع ألغى النسب في الزناء. ولكن الالتزام بذلك مشكل جدا خصوصا بالنسبة إلى نكاح المحارم كتزويج البنت من الزناء والاخت من الزناء. وبناء على ما اخترناه فلو كان الولد الاكبر من الزناء لا يرث الحبوة ولكن يجب عليه قضاء صلوات أبيه.

 

هذا إذا كان الزناء من الطرفين وأما إذا كان أحد الطرفين مشتبها فيلحق الولد بالمشتبه قطعا ويترتب عليه جميع آثار النسب الصحيح. والله هو العالم بحقائق الامور والاحكام. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.