قاعدة المؤمنون عند شروطهم

34 - قاعدة المؤمنون عند شروطهم  

 

قاعدة المؤمنين عند شروطهم (*) ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة المؤمنون عند شروطهم وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في مدركها وهو أمور: الاول: الاخبار: منها: ما رواه محمد بن يعقوب بأسناده عن عبد الله بن ستان عن أبى عبد الله (ع) قال: سمعته يقول من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل (1) ومنها: عن محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محبوب مثله (2). وباسناده عن

 

(هامش)

 

: (*): الحق المبين ص 74، و 141، عوائد الايام ص 41، مجموعه قواعد فقه ص 80، قواعد فقه (شهابي) ص 66. 1 - الكافي ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع، ح 1، تهذيب الاحكام ج 7، ص 22، ح 94، باب عقود البيع، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 353، ابواب الخيار، باب 6، ح 1. 2 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 22، ح 94، باب عقود البيع، ح 11، وسائل الشيعة ج 12، ص 353، ابواب (*).

 

الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله (ع) قال: المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل، فلا يجوز (1). ومنها: ما عن اسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن ابيه (ع) ان على بن أبى طالب (ع) كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (2) ومنها: ما في عوالي اللئالي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم (3). ومنها: ما عن دعائم الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله (4) قال الشيخ (قده) روى عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: المسلمون عند شروطهم (5) ومنها: ما في التهذيب عن ايوب بن نوح عن صفوان عن منصور بن يونس عن عبد صالح (ع) قال: قلت له ان رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل الله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع ؟ فقال: بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار قل له فليف للمرأة بشرطها، فان رسول

 

(هامش)

 

: ... الخيار، باب 6، ح 1. 1 - الفقيه ج 3، ص 202، ح 3765، باب الشرط والخيار في البيع، تهذيب الاحكام ج 7، ص 22، ح 93 باب عقود البيع، ح 10، وسائل الشيعة ج 12، ص 353، ابواب الخيار، باب 6، ح 2. 2 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 467، ح 1872، باب الزيادات في فقه النكاح، ح 80، وسائل الشيعة ج 12، ص 353، ابواب الخيار، باب 6، ح 5. 3 - عوالي اللئالي ج 3، ص 217، ح 77، مستدرك الوسائل ج 13، ص 310، ابواب الخيار، باب 5، ح 7. 4 - دعائم الاسلام ج 2، ص 44، ح 106، مستدرك الوسائل ج 13، ص 300، ابواب الخيار، باب 5، ح 1. 5 - الخلاف ج 3، ص 10، المسألة 7. (*).

 

الله صلى الله عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم (1). وهناك اخبار كثيرة مفادها ثبوت هذه القاعدة، تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها، لان ما ذكرناها - مضافا إلى صحة جملة منها من حيث السند - قد عمل بها الاصحاب قديما وحديثا، واستندوا في فتاواهم إليها. فالانصاف انها في كمال الاعتبار والوثوق بصدورها عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام. وأما دلالتها على صحة هذه القاعدة فلا يحتاج إلى البيان، لان متن كثير منها عين هذه القاعدة. وأما المراد من هذه القاعدة - التي هي عين متن جملة من هذه الروايات - سنذكره ان شاء الله تعالى مع التخصيصات الواردة على هذا العموم - وشرائط صحة الشروط، والشروط الابتدائية، والشروط التى في ضمن العقود، وحكمها في ضمن امور. واما اجمالا فالظاهر ان المراد من هذه القاعدة هو انه يجب على كل مسلم ومؤمن ان يكون ثابتا عند التزاماته، بمعنى: انه إذا التزم لشخص بأمر له فيجب عليه الوفاء له بذلك الامر، وذلك من جهة وضوح ان هذه الكبرى الكلية الصادرة عنه صلى الله عليه وآله في مقام انشاء الحكم لا الاخبار عن امر خارجي، فقوله صلى الله عليه وآله المسلمون عند شروطهم أي: جميع المسلمين، لان الجمع المعرف باللام يفيد العموم يجب ان يثبتوا عند جميع شروطهم، لان الشروط ايضا جمع مضاف يفيد العموم، فهو صلى الله عليه وآله يحكم على جميع المسلمين بلزوم الثبوت عند جميع شروطهم. والمراد من الثبوت والاستقرار عند الشرط هو ترتيب الاثر على شرطه الذي

 

(هامش)

 

: 1 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 371، ح 1503، باب المهور والاجور، ح 66، الاستبصار ج 3، ص 232، ح 835، باب من عقد على امرأة...، 4، وسائل الشيعة ج 15، ص 30، ابواب المهور، باب 20، ح 4. (*).

 

شرط، وعدم الفرار عن العمل على طبق التزامه، وحيث ان الشرط إذا تعدى ب‍ (على) مثلا قال باع وشرط عليه - يكون المتفاهم العرفي انه الزمه بأمر، ولو قيل شرط له بأمر فالمتفاهم العرفي انه التزم له بذلك. ولذلك نقل عن اهل اللغة انه أي: الشرط هو الالزام والالتزام (1). وبهذا المعنى يصح ان يطلق على جميع الاحكام الالزامية من قبل الله على العباد انها شروط من قبل الله تعالى اي: الزامات من قبله تعالى عليهم. ولعله من هذه الجهة اطلق الشرط صلى الله عليه وآله على كون الولاء للمعتق لا الذي يبيع الامة بشرط ان يكون ولائها له في قصة اشتراء عائشة لبريرة بشرط ان يكون ولائها للبائع بقوله صلى الله عليه وآله ان شرط الله احق وأوثق (2) أي كون الولاء لمن اعتق. وبناء على ما ذكرنا فيكون معنى المسلمون عند شروطهم هو وجوب الوفاء على كل مسلم بما التزم لغيره لا بما الزم غيره، لانه لا معنى لان يكون ثابتا عند الزامه غيره بأمر، ولو لم يكن استثناء في البين لكان وجوب الوفاء عاما بالنسبة إلى جميع التزاماته، ولكن قوله صلى الله عليه وآله المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله كما في رواية دعائم الاسلام اخرج الشرط المخالف لكتاب الله عن تحت هذا العموم وفي بعض هذه الروايات قيد لزوم الوفاء بالتزاماتهم الذي هو عبارة اخرى عن شروطهم بكونها مما وافق كتاب الله عزوجل وفي بعض اخر استثنى - عن لزوم الوفاء بكل شرط والتزام - الشرط الذي حرم حلالا أو أحل حراما، وسنتكلم في هذه القيود

 

(هامش)

 

: 1 - القاموس المحيط ج 2، ص 542، (شرط). 2 - صحيح البخاري ج 2، ص 18، كتاب البيوع، باب 67: البيع والشراء مع النساء، وص 20، باب 73: إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل، وص 119، كتاب الشروط، باب 13: الشروط في الولاء. (*).

 

والاستثناءات عما قريب ان شاء الله تعالى. وخلاصة الكلام في المراد عن هذه القاعدة بطور الاجمال هو انه يجب على جميع المسلمين الوفاء بجميع التزاماتهم الا في موارد تلك الاستثناءات التى سنذكرها ان شاء الله تعالى فهذه القاعدة بالنسبة إلى الشروط نظير اوفوا بالعقود (1) بالنسبة إلى العقود. الثاني: هو الاجماع واتفاق الفقهاء قديما وحديثا على وجوب الوفاء بالشروط الصحيحة في ضمن العقود اللازمة. وفيه: مضافا إلى ان الدليل اخص من المدعي ما قلنا مرارا من ان هذه الاجماعات مع وجود مدارك معتبرة من الروايات الواردة في هذه المسألة ليس من الاجماع الذي قلنا بحجيته في الاصول. الثالث: ان الشروط الواقعة في ضمن العقود الصحيحة اللازمة من توابع تلك العقود ومرتبطة بها، وتكون من ملحقاتها، فدليل وجوب الوفاء بالعقود كما يدل على لزوم الوفاء بتلك العقود وترتيب الاثر عليها كذلك يدل على لزوم الوفاء بتلك الشروط المرتبطة بالعقود الملحقة بها. وفيه: ايضا مع انه اخص من المدعي، ان العقود عبارة: عن نص المعاهدة الواقعة بين الطرفين المنشأ بالايجاب والقبول، والشروط وان كانت في ضمن تلك العقود والمعاهدات التزامات اخر غير تلك المعاهدات المؤكدة التى نسميها بالعقود، ولذلك قالوا في مورد الشرط الفاسد ان فساد الشرط لا يسري إلى العقد، فكذلك وجوب الوفاء بالعقد لا يسري إلى الشرط، بل يحتاج وجوب الوفاء بالشرط إلى دليل اخر غير دليل وجوب الوفاء بالعقود وهو قوله تعالى يا ايها الذين امنوا

 

(هامش)

 

: 1 - المائدة (5): 1. (*)

 

أوفوا بالعقود (1). الجهة الثانية في شرح المراد من هذه القاعدة والفرق بين الشروط الابتدائية وما تقع في ضمن العقود، وبيان شرائط صحة الشروط وبيان ان مخالفة الشرط هل يوجب الخيار فقط ام لا بل يوجب بطلان العقد وانه ما هو حكم تعذر الشرط ؟ فهذه المطالب تذكر في ضمن امور: الاول: في شرح الفاظ هذه القاعدة وما هو الظاهر منها، وان بيناه اجمالا فنقول: أما كلمة المؤمنون ، أو المسلمون جمع معرف باللام يفيد العموم ومعناهما واضح، وأما الظرف متعلق بثابتون المقدر وهو مشتق من افعال العموم، وأما الشروط فهو جمع مضاف يفيد العموم، والمتفاهم العرفي من هذه الكلمة قلنا انه الالزام باعتبار انتسابه إلى من له، والالتزام باعتبار انتسابه إلى من عليه. نعم يبقى شيء آخر وهو انه - أي الشرط - مطلق الالزام والالتزام أو هما في ضمن عقد. ونتكلم فيه في بعض الامور الآتية ان شاء الله تعالى. وأما المعاني الاخر مثل ما اصطلح عليه النحويون أو الاصوليون فأجنبية عن محل كلامنا، لان كلامنا في المراد من القاعدة التي هي مضمون قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون أو

 

(هامش)

 

: 1 - المصدر. (*).

 

المسلمون عند شروطهم ، وتعيين المراد من الحديث الشريف لا طريق له إلا بما يفهم العرف منه، لان ما هو حجة عند العقلاء في محاوراتهم لتشخيص المراد ليس إلا ظهور الكلام والمراد من الظهور هو المتفاهم العرفي منه، فذكر سائر المعاني والمصطلحات تضييع للعمر واتلاف للوقت من غير مبرر. فيكون معنى القاعدة - التي هي عين مفاد الحديث الشريف بناء على ما ذكرنا من شرح الفاظها وانه صلى الله عليه وآله في مقام انشاء الحكم لا الاخبار عن امر خارجي - انه يجب على كل مؤمن أو مسلم الثبوت عند التزاماته إما مطلقا، وإما ان تكون تلك الالتزامات في ضمن عقد وهذا الاحتمال الاخير لاجل احتمال ان يكون اطلاق الشرط على الشروط الابتدائية مجازا. والمراد من الثبوت عند التزاماته كون ما التزم به ثابتا عليه وانه في عهدته وانه لا يخرج عن عهدته إلا بالوفاء به فيشبه ابواب الضمانات. فكما انه في باب الضمان تكون العين أو مثله في عهدته بوجوده الاعتباري ولا تتخلص عهدته إلا بالاداء - فكذلك لا يتخلص الملتزم عما التزم به إلا بالوفاء بالتزامه والعمل على طبقه، فيكون مفاد قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم - بناء على ما ذكرنا في معناه - حكما وضعيا مثل مفاد قوله تعالى اوفوا بالعقود وهو ثبوت ما التزم به واستقراره عليه، وليس مفاده وجوب العمل على طبق ما التزم به تكليفا فقط. الامر الثاني: في بيان الفرق بين الشروط الابتدائية وبين الشروط الواقعة في ضمن العقود. فنقول: أولا ان اطلاق الشرط على مطلق الالتزام بشئ لشخص - سواء أكان في ضمن عقد أو كان التزاما ابتدائيا غير مربوط بشئ - لا يخلو من نظر وتأمل، بل

 

الظاهر حسب المتفاهم العرفي هو ان يكون الزامه أو التزامه بشئ في ضمن عقد ومعاملة أو أمر آخر بمعنى ان يكون الزامه غيره بشئ أو التزامه لغيره بشئ مربوطا بأمر آخر، وليس معنى الشرط مطلق الالزام والالتزام. فالشرط بالمعنى المصدري عبارة: عن جعل شيء مرتبطا بامر اخر - وبهذا المعنى يكون مبدأ للاشتقاقات منه كالشارط والمشروط وامثالهما من المشتقات من هذه المادة - وبمعنى الاسم المصدري عبارة: عن الشيء المرتبط بغيره. هذا هو المتفاهم العرفي، مضافا إلى انه لو كان مطلق الالزام والالتزام - ولو كانا ابتدائيين غير مربوطين بشئ - يلزم تخصيص الاكثر في قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم (1) وهو مستهجن جدا. فلا بد من حمل الشروط في الحديث على الشروط الواقعة في ضمن العقود، كي لا يلزم تخصيص الاكثر المستهجن، لان الشروط الابتدائية لا يجب الوفاء بها إجماعا فان قلنا بان الشرط أعم من الشروط الابتدائية وغيرها فيكون استعماله في الحديث عنائيا مجازيا، وهو خلاف ظاهر هذا الكلام. وأما الاستشهاد لكونه أعم من الابتدائي وغيره بالاخبار - كقوله صلى الله عليه وآله شرط الله احق واوثق والولاء لمن اعتق في قصة بريرة فاطلاق الشرط على حكمه تعالى بان الولاء لمن اعتق يمكن ان يكون استعمالا عنائيا مجازيا، لان الاستعمال أعم من الحقيقة. ويمكن ان يكون على نحو الحقيقة باعتبار كون احكامه تبارك وتعالى مرتبطة بعهده إلى العباد، واخذ الميثاق عنهم ان لا يعبدوا الشيطان، كما يشير قوله تعالى ألم أعهد اليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان (2)

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم تخريجه في ص 251. 2 - يس (36): 60. (*).

 

فهذه الاحكام الزام على العباد في ضمن ذلك العهد والميثاق، فاطلاق الشرط على اي حكم الزامي من الاحكام الشرعية لا ينافي كون معنى الشرط هو الالزام والالتزام المرتبط بامر اخر، لان جميع الاحكام الالزامية الشرعية الزامات مرتبطة بذلك العهد وفى ضمنه. وأما التوجيه في الحديث الشريف - بان اطلاق الشرط على كون الولاء لمن اعتق من باب المشاكلة على حد قول الشاعر: قالوا اقترح شيئا تجد لك طبخه * قلت اطبخو لي جبة وقميصا - فلا يصحح الاطلاقات الكثيرة الاخر بالنسبة إلى سائر الاحكام، كاطلاقه على خيار الحيوان في قوله (ع) الشرط في الحيوان ثلاثة ايام (1) وكقوله (ع) في رواية منصور بن يونس المتقدمة فليف للمرأة بشرطها (2) حيث اطلق الشرط فيها على النذر أو العهد ولا مشاكلة في البين. وعلى كل حال لا شبهة في ان المتفاهم العرفي من لفظ الشرط بالمعنى المصدري هو الزام المشروط عليه أو الالتزام للمشروط له بأمر في ضمن عقد أو عهد أو أمر آخر فالالزامات أو الالتزامات الابتدائية لا يطلق عليها الشرط إلا بالعناية ولا يجب الوفاء بها اجماعا. الامر الثالث: في بيان شرائط صحة الشروط الواقعة في ضمن العقود وهى امور:

 

(هامش)

 

1 - الكافي ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع، ح 2، تهذيب الاحكام ج 7، ص 24، ح 102، باب عقود البيع، ح 19، وسائل الشيعة ج 12، ص 350، ابواب الخيار، باب 4، ح 1. 2 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 371، ح 1503، باب المهور والاجور، ح 66، الاستبصار ج 3، ص 232، ح 835، باب من عقد على امرأة...، ح 4، وسائل الشيعة ج 15، ص 30، ابواب المهور، باب 20، ح 4. (*).

 

[ الشرط ] الاول: ان يكون مقدورا للمشروط عليه بمعنى ان الذي يلتزم به المشروط عليه للمشروط له يكون ايجاده داخلا تحت قدرته ان كان الشرط - أي ما التزم به - من الافعال أو كان تسليمه متصفا بذلك الوصف وتلك الخصوصية تحت قدرته ان كان ما التزم به من الاوصاف والحالات والمقصود من هذا الشرط ان المشروط عليه حيث انه بالتزامه فعلا للمشروط له أو وصفا وخصوصية فيما ينتقل إلى المشروط له فكأنه جعل عهدته مشغولة له بأمر فلا بد ان يكون ذلك الامر تحت سلطانه بحسب العادة كي يكون متمكنا من الوفاء بما التزم به وإلا يكون مثل ذلك الاشتراط لغوا في نظر العقلاء ويكون من قبيل وهب الامير ما لا يملك . فمثل اشتراط جعل الزرع سنبلا - والبسر رطبا أو اشتراط كون الدابة بحيث تحمل في المستقبل حيث انها ليست تحت سلطان المشروط عليه يكون لغوا وباطلا بل لو أخذ وصفا للمبيع في البيع أو لغيره في سائر المعاوضات يكون العقد فاسدا لكونه غرريا. لان هذه الامور بيد الله جل جلاله وتكون افعال العباد بالنسبة إليها من المقدمات الاعدادية فيمكن ان تقع ويمكن ان لا تقع وقال الله تعالى في كتابه العزيز افرأيتم ما تمنون: أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (1) وقال تعالى ايضا أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه ام نحن الزارعون (2) فالتزام المشروط عليه بايجاد هذه الامور، أو التزامه بتسليم العين متصفة بهذه الصفات يكون مما لا يعتنى به عند العقلاء ويرون الملتزم بها مجازفا. واما اشتراط النتائج ككون مال مثلا ملكا لشخص فان كان مما يحصل بنفس الاشتراط ولا يحتاج إلى سبب خاص فلا اشكال فيه لحصولها بنفس الاشتراط.

 

(هامش)

 

1 - الواقعة (56): 58 - 59. 2 - الواقعة (56): 63 - 64. (*).

 

واما ما يحتاج إلى سبب خاص ككون زوجته مطلقة أو امته أو عبده حرا فلا يصح قطعا لامتناع حصولها بصرف الاشتراط. نعم لا مانع من اشتراط ايجاد اسبابها ان كانت تحت اختياره وقدرته واما المرأة لو التزمت في ضمن عقد لازم بأن تكون مطلقة بطور شرط النتيجة أو بطور ايجاد أسباب كونها مطلقة، فهذا الشرط باطل مطلقا، لعدم قدرتها على ايجاد اسباب طلاقها لان الطلاق بيد من اخذ بالساق. وخلاصة الكلام ان الالتزام بأمر غير مقدور له وان كان في ضمن عقد لازم باطل لا يشمله قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم ، لانه لا يمكن الوفاء به فلا يجب. ثم انه ربما يكون موجبا لصيرورة المعاملة غرريا وباطلا مضافا إلى بطلان نفسه وذلك فيما إذا كان انشاء المعاوضة والمبادلة في العقد المعاوضي مبنيا على هذا الشرط غير المقدور الذي لا يعلم حصوله في المستقبل ومما ذكرنا ظهر ان اشتراط ما هو لا يجوز شرعا كاشتراط ان يصنع تمره خمرا مثلا ايضا باطل وذلك لان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا. [ الشرط ] الثاني: ان يكون سائغا شرعا هكذا ذكره الفقهاء، ولكن انت خبير ان هذا الشرط داخل في ضمن الشرط الاول لانه لا فرق في عدم كونه مقدورا بين ان يكون عدم قدرته من جهة المنع الشرعي أو لجهات تكوينية. [ الشرط ] الثالث، ان يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء وان لم تكن له مالية أي العقلاء لا يبذلون باذائه المال والوجه في اشتراط هذا الشرط هو انه ان لم يكن كذلك فيكون لغوا وأدلة وجوب الوفاء بالشروط تكون منصرفة عن مثل هذا الشرط. [ الشرط ] الرابع: ان لا يكون مخالفا للكتاب والسنة

 

 

وتوضيح هذا الامر ببيان امور: الاول: الفرق بين هذا الامر والامر الثاني هو ان المراد من كونه سائغا هناك هو ان يكون الشرط بمعنى ما التزم به جائزا شرعا أي لا يكون فعل حرام أو ترك واجب. وها هنا المراد من كونه غير مخالف للكتاب والسنة أو كونه موافقا لهما هو أن لا يكون ما يلتزم به ويجعل على نفسه أو يلزم غيره به مخالفا للجعل الالهي مثلا في الكتاب والسنة جعل الولاء لمن اعتق فالزام المشتري بأن يكون الولاء للبايع أو التزامه بذلك يكون على خلاف ما جعل في الكتاب لان الشارع جعل هذا الحق للمعتق. فجعله بواسطة الشرط لشخص اخر يكون على خلاف الكتاب أي أحكام الله المكتوبة على المكلفين سواء أكانت بواسطة كتاب الله الكريم أو بواسطة السنة النبوية أو الروايات المروية عن الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وكذلك اشتراط رقية حر أو توريث من لم يجعله الله وارثا. فالالتزام بهذه الامور مخالف للكتاب والسنة أي لما هو المجعول فيهما هكذا قيل. ولكن الانصاف ان الشرط الثاني مندرج في الشرط الرابع لان اشتراط فعل محرم أو ترك واجب يكون مخالفا للكتاب قطعا. الثاني: في ان المستثنى من عموم هذه القاعدة هل هو عنوان المخالف للكتاب أو عنوان ما ليس في الكتاب ؟ أو يشترط نفوذ الشرط بأن يكون موافقا للكتاب ؟ فان هذه العناوين الثلاثة كلها وردت في الروايات. اقول: بعد الفراغ عن ان المراد بالكتاب ليس خصوص القرآن الكريم بل المراد منه كل ما كتب على المكلفين من احكام الدين سواء كان في القرآن الكريم ام في الاحاديث النبوية المروية عنه صلى الله عليه وآله.

 

وبعد العلم بأن الكتاب بهذا المعنى لم يهمل حكم شيء بل بين جميع الاحكام المتعلقة بجميع الاشياء فلا يبقى فرق بين هذه العناوين فكل شرط مخالف للكتاب بالمعنى الذي ذكرنا له يصدق عليه انه ليس في الكتاب ويصدق عليه انه ليس مما وافق الكتاب كما انه كل شرط لم يكن مخالفا للكتاب فلا محالة يكون موافقا للكتاب لعدم الواسطة بينهما. وان قلنا بأنهما امران وجوديان والتقابل بينهما تقابل التضاد مع ان التحقيق ان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ففي الموضوع القابل لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما كما هو الشأن في جميع موارد تقابل العدم والملكة. نعم ربما يفرق بين هذه العناوين بالنسبة إلى مجاري الاصول فلو كان الشرط - أي شرط صحة الشرط - عدم مخالفته للكتاب فإذا شك في شرط انه مخالف ام لا فيجري استصحاب عدم مخالفته للكتاب بناء على جريان استصحاب العدم الازلي في النعوت العدمية كاصالة عدم كون المرأة قرشية عند الشك في كونها قرشية. فباستصحاب عدم كونه مخالفا قبل وجوده يحرز شرط الصحة الذي هو عبارة عن عدم كونه مخالفا للكتاب وأما لو كان الشرط موافقة الكتاب ففي مورد الشك لا يمكن احراز الشرط بالاستصحاب لعدم الحالة السابقة للموافقة. ولكن بناء على ما حققناه في كتابنا (منتهى الاصول) (1) من عدم جريان الاستصحاب في الاعدام الازلية إذا كان الاثر للعدم النعتي لا للعدم المحمولي وذلك من جهة ان العدم النعتي مثل وجوده المقابل له متوقف على وجود موضوعه ففي الرتبة السابقة على وجود موضوعه لا اثر له ولا عين له حتى يجر بالاستصحاب إلى زمان وجود موضوعه. والعدم المحمولي وان كان له حالة سابقة ازلا لان جميع الاشياء ما سوى الله

 

(هامش)

 

: 1 - منتهى الاصول ج 2، ص 497. (*).

 

تعالى كانت معدومة قبل وجودها لكن لا اثر له بل الاثر للعدم النعتي واثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي يكون من الاصل المثبت الذي اثبتنا في الاصول عدم حجيته. فالنتيجة انه لا فرق بين ان يكون شرط صحة الشروط عدم مخالفتها للكتاب أو كان الشرط موافقته للكتاب حتى بالنسبة إلى مجاري الاصول وحديث السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع تهويل خال عن التحصيل. الثالث: في انه ما المراد من عدم مخالفة الكتاب أو موافقته وما هو الضابط لذلك ؟ فنقول: الضابط في ذلك هو ان يكون الشرط نافيا لما اثبته الشارع أو مثبتا لما نفاه فلو شرط عليه ارتكاب حرام أو ترك واجب يكون هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة قطعا لان ارتكاب الحرام وترك الواجب مما نفاه الشارع ومنع عنه. وأما لو شرط عليه فعل ما ليس بواجب ولا حرام أو تركه سواء كان مباحا أو مستحبا أو مكروها فلا يكون مخالفا لان الشارع لم يمنع عن فعل متعلقات الاحكام غير الالزامية ولا عن تركها فليس الشرط نافيا لما اثبته الشرع أو مثبتا لما نفاه. نعم لو شرط عليه أو هو التزم بكون ما أحله الشارع حراما أو ما حرمه حلالا وكذلك في سائر الاحكام الخمسة بأن يكون الحكم على خلاف ما جعله الشارع فيكون مثل هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة لانه مثبت لما نفاه وناف لما أثبته. فيكون مشتملا على أمرين كل واحد منهما يكون موجبا لكونه على خلاف الكتاب والسنة بل اشتراط كون الفعل الفلاني حكمه كذلك مطلقا باطل سواء كان ذلك الحكم موافقا لما جعله الشارع أو كان مخالفا له اما لو كان مخالفا فلاجل مخالفته اولا ولاجل عدم كونه مقدورا للمشروط عليه ثانيا لان وضع الاحكام الشرعية ورفعها بيد الشارع وليس ذلك لغيره. وأما لو كان موافقا فلاجل ان الشرط يكون حينئذ من قبيل تحصيل الحاصل

 

فيكون لغوا. هذا بالنسبة إلى الاحكام التكليفية ومتعلقاتها. وأما الاحكام الوضعية فما كان منها مجعولا من قبل الشارع بلحاظ حال شخص ولرعايته سواء كان ذلك الشخص واحدا أو متعددا كباب الحقوق فيكون ذلك الشخص مسلطا عليه وهذا اعتبار عقلائي وهو ان صاحب الحق له السلطنة على حقه. ولذلك اتفقوا على ان كل حق قابل للاسقاط حتى انهم عرفوا الحق بذلك لانه خاصة شاملة فشرط وجوده وعدمه ليس مخالفا للكتاب لان أمر وضعه ورفعه بيد من له الحق وان كان مجعولا من قبل الشارع وذلك كاغلب الخيارات بل قد يكون جعله ايضا بيد من له ومن عليه مع توافقهما كخيار الشرط. وأما ما ليس جعلها من قبل الشارع برعاية حال احد بل يكون جعلها كسائر الاحكام تبعا للمصالح والمفاسد التي في متعلقاتها فهي على قسمين: احدهما: ما لا يكون الشرط من اسباب وجودها كالطهارة والنجاسة وغيرهما فشرط وجودها أو عدمها باطل على كل حال، لكونه غير مقدور للمشروط عليه أولا وكونه مخالفا للكتاب ثانيا ان كان مخالفا لما جعله الشارع كاشتراط كون الميتة مثلا طاهرا أو اشتراط صيرورة ماء الكر بصرف ملاقاة النجاسة نجسا مع عدم تغير احد أوصافه الثلاثة بالنجاسة وان كان موافقا لما جعله الشارع فلما ذكرنا من انه من قبيل تحصيل الحاصل فيكون الشرط لغوا. بقي شيء وهو انه لو شرط عليه ترك ما ليس بواجب طول عمره أو هو التزم بذلك فهل يكون مثل هذا الشرط باطلا ومخالفا للكتاب ام لا وبعبارة اخرى هذا تحريم للحلال أم لا ؟. الظاهر ان هذا ليس من تحريم الحلال من جهة ان ترك ما ليس بواجب سواء

 

كان مباحا بالمعنى الاخص أو كان مستحبا أو كان مكروها جائز شرعا فالالتزام به وان كان طول العمر ليس مخالفا للكتاب فيأتي السؤال بأنه فأين مصداق الشرط المحرم للحلال الذي استثناه عليه السلام من الشرط الصحيح والجائز في الموثق المروي عن امير المؤمنين (ع) من شرط لامرأته شرطا فليف به لها فان المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما (1). ؟ ولكن يمكن الجواب عن هذا السؤال بأن ما ذكرنا من ان شرط ترك ما ليس بواجب وان كان الترك طول عمره ليس مخالفا للكتاب ومحرما للحلال باعتبار مضمون الشرط والمعنى الاسم المصدري له أي باعتبار ما التزم به، وأما باعتبار المعنى المصدري له أي نفس الالتزام فمخالف للكتاب ومحرم للحلال لان الالتزام بترك شيء طول العمر عرفا عبارة عن تحريمه على نفسه كما ان الزامه غيره بذلك ايضا عبارة عن تحريمه عليه فيكون تحريم ما أحله الله ويشهد بذلك الرواية الواردة في بطلان على ترك شرب العصير المباح دائما معللا بأنه ليس لك ان تحرم ما أحله الله. فشرط ترك المباح دائما ان كان الالتزام متعلقا بترك نوع مباح لا ببعض أفراده ومصاديقه لخصوصية فيه، يكون تحريما للحلال باعتبار نفس الالتزام لا الملتزم به واما شرط ترك بعض افراد نوع منه كان يشترط ترك شرب فرد من العصير مثلا وان كان دائما فليس تحريما للحلال. فصدق كون الشرط تحريما للحلال بنظر العرف - أي نفس الالتزام بذلك لا الملتزم به - مشروط بأمرين: احدهما: ان يكون المشروط ترك نوع من المباح لا فرد ومصداق من

 

(هامش)

 

: 1 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 467، ح 1872، باب الزيادات في فقه النكاح، ح 10، وسائل الشيعة ج 12، ص 353، ابواب الخيار، باب 6، ح 5. (*).

 

مصاديقه الثاني: ان يكون الشرط تركه دائما لا موقتا خصوصا إذا كان الوقت قليلا. وذلك من جهة ان الحرام والمنهي عنه غالبا يكون النهي متعلقا بالطبائع والمطلوب ترك الطبيعة في جميع الازمان لا موقتا أو ترك فرد منها فإذا التزم بترك طبيعة دائما فدليل نفوذ الشرط واعتباره يلزمه بالوفاء به فيرجع ان شرطه هذا صار سببا لتحريم حلال عليه وحيث ان مثل هذا الشرط استثناه الشارع عن دليل اعتبار الشرط ونفوذه بقوله (ع) المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما فلا تشمله أدلة الاعتبار ونفوذ الشرط. ثم انه بعد الاحاطة على ما ذكرنا يظهر لك موارد الخلاف وانها هل من الشرط المخالف أو ليس منه وذلك مثل شرط رقية الولد الذي احد أبوبه حر ومثل شرط ارث المتمتع بها وشرط الضمان في العين المستأجرة وشرط اختيار المكان للزوجة فما ذكرنا من الضابط في مخالفة الشرط للكتاب والسنة يجب ان يراعي في جميع الموارد إلا فيما إذا جاء دليل خاص معتبر على بطلان الشرط أو صحته في ذلك الموارد فيستكشف عدم مخالفته للكتاب وإلا فهذا ليس قابلا للتخصيص. ثم انه إذا حصل الشك في مورد انه من الشرط المخالف أم لا ولم يأت دليل خاص على بطلانه أو صحته فلا يصح الرجوع إلى عموم المؤمنون عند شروطهم فانه تمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية للمخصص وقد أثبتنا في الاصول عدم جوازه وقد عرفت عدم جريان أصالة عدم مخالفته للكتاب فليس اصل منقح للموضوع في البين فلا بد من الرجوع إلى الاصول الجارية في نفس حكم المسألة. الرابع: الدليل على هذا الشرط الاخبار الكثيرة المستفيضة بل ربما يدعي بلوغها حد التواتر: فمنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (ع) قال سمعته يقول (ع):

 

من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عزوجل فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترط عليه والمسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله عزوجل (1). ومنها: صحيحته الاخرى عنه ايضا قال (ع) المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز (2) ومنها: ما عن ابن سنان عنه (ع) ايضا قال: سألته عن الشرط في الاماء لا تباع ولا توهب ؟ قال: يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث، لان كل شرط خالف كتاب الله باطل (3). ومنها: مرسلة جميل عن احدهما (ع) في رجل اشترى جارية وشرط لاهلها ان لا يبيع ولا يهب قال (ع): يفي بذلك إذا شرط لهم (4). ومنها: رسالته الاخرى وزاد لا الميراث (5). ومنها: موثقة اسحق بن عمار المتقدمة (6). ومنها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (ع) قال: سألته عن الشرط في الاماء لا تباع ولا تورث ولا توهب ؟ فقال: يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث وكل شرط خالف كتاب الله فهو رد (7).

 

(هامش)

 

: 1 - تقدم تخريجه في ص 249، رقم (1). 2 - تقدم تخريجه في ص 250، رقم (1). 3 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 67، ح 289، باب ابتياع الحيوان، ح 3، وسائل الشيعة ج 12، ص 353، ابواب الخيار، باب 6، ح 3. 4 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 25، ح 106، باب عقود البيع، ح 23، وسائل الشيعة ج 13، ص 44، ابواب بيع الحيوان، باب 15، ح 2. 5 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 373، ح 1509، باب المهور والاجور، ح 72، وسائل الشيعة ج 13، ص 44، ابواب بيع الحيوان، باب 15، ذيل ح 2. 6 - سبق ذكره في 250، رقم (2). 7 - الكافي ج 5، ص 212، باب شراء الرقيق، ح 17، وسائل الشيعة ج 13، ص 43، ابواب بيع الحيوان، (*).

 

ومنها: اخبار اخر كثيرة تركناها لعدم الاحتياج إلى ذكرها وحيث ان دلالة هذه الاخبار على ما ذكرناه من شرح المراد من هذه القاعدة واضحة فلا يحتاج إلى بيان وجه الدلالة وبسط الكلام فيها. [ الشرط ] الخامس: ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد. وهذه العبارة يحتمل فيها وجوه من المعاني: احدها: ان يكون المراد منها ان لا يكون الشرط منافيا لما هو مضمون العقد بالمعنى المصدري، مثلا عقد البيع بالمعنى المصدري عبارة: عن انشاء تمليك عين متمول بعوض مالي، والمنشاء بهذا الانشاء أي: التمليك المذكور مضمون العقد وهو مقتضى العقد بالمعنى المصدري، إذ المراد من المقتضي - بالكسر - هو مفيض الاثر، فالاثر يفاض منه مع اجتماع الشرائط وعدم الموانع. ولا شك في ان العقد بالمعنى المصدري يؤثر في وجود مضمونه عند العرف، وكذلك عند الشرع مع اجتماع شرائطه وعدم موانعه، فلو كان الشرط منافيا لمقتضى العقد بهذا المعنى - بان يقول: بعتك هذه العين المتمولة بكذا بشرط ان لا يتحقق هذا التمليك الكذائي - فهذا يرجع إلى قصد تحقق النقيضين، فيكون مثل هذا العقد باطلا قطعا فضلا عن بطلان الشرط، فإذا قال وكيل المرأة: انكحتك الفلانة بشرط ان لا تصير زوجتك مثلا فهذا تناقض وتهافت لا يصدر عن عاقل ان لم يكن هازلا. الثاني: ان لا يكون الشرط منافيا لجميع اثار ذلك العقد، كأن يقول وكيل الزوجة: زوجتك فلانة بشرط ان لا تستمتع منها أي استمتاع، أو يقول بعتك هذا المال بشرط ان لا تتصرف فيه أي قسم من التصرفات. وهذا ايضا يرجع إلى الوجه الاول، لان نفي جميع الاثار مستلزم لنفي المؤثر،

 

(هامش)

 

: ... باب 15، ح 1. (*).

 

خصوصا إذا كان المؤثر من الامور الاعتبارية، إذ مع نفي جميع الاثار يكون ذلك الاعتبار لغوا. الثالث: ان يكون منافيا للاثر الظاهر للعقد، بحيث يكون تمام النظر في العقد والمعاملة إلى ترتيب ذلك الاثر، وذلك كما انه لو شرط وكيل المرأة أو نفسها حين انشاء النكاح الدائم عدم وطيها طول عمر الزوجين، ولا شك في ان الاثر الظاهر للنكاح الدائم - وما هو العمدة في نظر العرف بل الشرع - هو الوطي، فانه الغرض الاصلي من النكاح الدائم، وان كانت هناك اغراض واثار اخر. وكذلك التاجر الذي شغله البيع والشراء لو اشترى أشياء واجناسا لان يبيع ويربح كما هو شغل الكسبة والتجار، وشرط عليه البايع الاول أن لا يبيع تلك الاجناس، فهذا الشرط مناف لما هو الاثر الظاهر من الاشتراء الاول. فهل مثل هذا الشرط وحده أو المعاملة المشتملة على هذا الشرط باطلة أو ليس شيء منهما بباطل ؟ يمكن ان يقال: نفى الاثر الظاهر ملازم عرفا مع نفي ما هو مضمون العقد، فيستكشف في مقام الاثبات عدم القصد إلى مضمون العقد، لان قصد الشرط مناف مع قصد المضمون، فان لم يقصد الشرط فالشرط باطل، لعدم كونه مقصودا وان قصده فالمضمون غير مقصود، لما ذكرنا من التنافي بين قصديهما عرفا، فالعقد باطل، لان العقود تابعة للقصود فيكون الشرط باطلا، لانه يبقى بلا موضوع. ولكن يمكن أن يقال حيث انه في مقام الثبوت لا مانع من قصد عدم الاثر الظاهر مع قصد مضمون العقد، فيؤخذ بظاهر الاثنين ويحكم بصحة العقد والشرط جميعا فلا مانع من الحكم بصحة الشرط من ناحية كونه منافيا لمقتضى العقد وان كان هناك مانع من الحكم بصحته لا بد وان يكون من جهة اخرى ككونه غير سائغ أو كونه مخالفا للكتاب والسنة أو غير ذلك من الجهات التي تكون اجنبية عن

 

محل الكلام. الرابع: ان يكون منافيا لبعض الاثار العرفية التي للعقد ولا يكون من الاثار الظاهرة للعقد، بحيث تكون ملازمة عرفية بين نفيها ونفي مضمون العقد، وذلك كشرط البايع عليه عدم بيعه من زيد مثلا أو هبته لابنه أو أحد اصدقائه. وبعبارة اخرى: إذا شرط البائع على المشتري ان لا يتصرف في المبيع بعض التصرفات التي من اثار ملكه عرفا فلا مانع من صحة الشرط، من جهة منافاته لمقتضى العقد، لان عمدة وجه بطلان الشرط إذا كان منافيا لمقتضى العقد هو عدم امكان اجتماع صحة العقد مع صحة الشرط، وإلا فلا وجه لبطلان الشرط من هذه الجهة. نعم يمكن أن يكون باطلا لجهة اخرى. وبعبارة اوضح: وجه كون مخالفة الشرط لمقتضى العقد موجبا لبطلانه هو عدم امكان الاخذ بدليل اوفوا بالعقود مع الاخذ بدليل وجوب الوفاء بالشرط لتنافيهما، فلا بد إما من اسقاط كلا الدليلين أو اسقاط أحدهما وعلى جميع التقادير تكون النتيجة بطلان الشرط. وفي المقام حيث لا تنافي في عالم الثبوت فلا تعارض بين الدليلين في مرحلة الاثبات، إذا الشرط في المفروض ليس منافيا لمقتضي ذات العقد، بل مناف لاطلاق العقد فإذا قيد بواسطة الشرط لا يبقى موضوع لاطلاقه كى يكون الشرط منافيا معه، فإذا لم يكن في مثل المقام وجه آخر لبطلان الشرط من كونه مخالفا للكتاب والسنة، أو كونه غير سائغ، أو كونه غير مقدور وامثال ذلك، فلا يكون باطلا من جهة منافاته لمقتضى العقد. الخامس: ان يكون منافيا لبعض الآثار الشرعية التى جعلها الشارع للعقد بالمعنى الاسم المصدري، مثل ان تشترط الزوجة في عقد النكاح ان يكون السكنى باختيارها، أو اشترطت على الزوج ان يسكن في بلد أبويها أو اشترطت عليه ان

 

يجوز لها الخروج من البيت متى شاءت وامثال ذلك مما جعلها الشارع من آثار الزوجية التي حصلت بالعقد، وان يكون الشرط مخالفا لها. وكذلك الامر لو باعه مال وشرط على المشتري ان لا يتصدق به على احد وامثال ذلك في سائر العقود والمعاملات، فلا بد وان ينظر إلى دليل ذلك الاثر وانه يستفاد منه ان هذا الاثر من الحقوق القابلة للاسقاط ام لا بل حكم شرعي ليس قابلا للاسقاط ؟. فان كان من قبيل الاول فلا مانع من اشتراط عدمه، ويرجع إلى إسقاط المشروط عليه حقه، وذلك مثل ان يشترط بائع الحيوان على المشتري ان لا يكون له خيار الحيوان، أو يشترط الزوج على الزوجة ان لا يكون لها حق المضاجعة ليلة في كل أربع، وعلى هذا النهج في سائر العقود. واما ان كان من قبيل الثاني فاشتراط عدمه يكون من مخالفة الكتاب والسنة، فلو شرطت على زوجها جواز الخروج عن بيتها بدون اذن الزوج، أو المسافرة في غير السفر الواجب بدون اذنه - يكون من الشرط المخالف للكتاب. نعم لو شرطت عليه ان يأذن لها الخروج فيما يجوز الخروج مع اذنه - كالخروج إلى مجالس العزاء لسيد الشهداء (ع) أو لزيارة احد أقاربها ومحارمها يجب الوفاء بهذا الشرط وأن يأذن لها. وأما لو كان الخروج إلى مجلس يحرم الحضور فيه كذهابها إلى الملاهي فهذا شرط مخالف للكتاب. وعلى أي حال شرط عدم بعض الآثار الشرعية للمعقود عليه لا يكون باطلا من جهة مخالفته لمقتضى العقد، فان كان مانع من صحته يكون لجهات أخر. ثم انه صار بعض الفروع هاهنا وفي هذا المقام محل الكلام. منها: ان المشهور بينهم عدم صحة اشتراط الضمان في الاجارة وصحته في

 

العارية، خلافا للمحقق المقدس الاردبيلي (1) وجمال المحققين (2) (قدهم) فانهما قالا بصحته في الاجارة ايضا، وفصل شيخنا الاستاذ (قده) بين الاجارة الواقعة على الاعيان والامول وبين الاجارة الواقعة على الاعمال، فقال: في الاول بعدم صحة شرط الضمان كما ذهب إليه المشهور وفي الثاني - أي الاجارة على الاعمال - بالصحة. والتحقيق هو ان الاجارة ملطقا - سواء أكان اجارة الاعيان أو كان في اجارة الاعمال - تسليم العين إلى المستأجر في الاول والى الاجير في الثاني كما إذا أعطى وسلم ثوبه إلى الخياط مثلا حيث انها امانة مالكية بيد المستأجر في الاول وبيد الاجير في الثاني، فتلفه لا يوجب الضمان إلا مع التعدي والتفريط، وقد شرحنا المسألة مفصلا في احدى قواعد هذا الكتاب (3). ولكن عدم اقتضاء الامانة المالكية للضمان غير اقتضائه عدم الضمان، والاجارة مع العارية مشتركان في كونهما امانة مالكية. وما ذكره شيخنا الاستاذ (قده) في وجه التفصيل - وعدم صحة اشتراط الضمان في اجارة الاعيان من استحقاق المستأجر على المؤجر كون العين المستأجرة تحت يده وتصرفه وهذا الاستحقاق من ناحية عقد الاجارة، فان اجارة العين عبارة عن تمليك منفعة العين كسكنى الدار مثلا التي هي صفة في العين، فتسليم هذا الملك إلى مالكه - حيث انه ليس له وجود استقلالي - يكون بتسليم العين، فالمستأجر يستحق تسلم العين لاستحقاقه تسلم المنفعة التي هي ملكه ووجود المنفعة مندك في وجود العين، كما هو الحال في كل صفة مع موصوفه، فاستحقاقه للمنفعة بعقد الاجارة عين استحقاقه لتسلم العين بعقد الاجارة، فلم يأخذ المستأجر إلا ما يستحق، وهذا الاستحقاق ليس مجانا بل بالعوض المسمى أي: ما جعل في العقد عوضا لتمليك المنفعة

 

(هامش)

 

: 1 - مجمع الفائدة والبرهان ج 10، ص 69. 2 - الحاشية على الروضة ص 367 - 368. 3 - القواعد الفقهية ج 2، ص 7، قاعدة عدم ضمان الامين. (*).

 

المعلومة فلا موجب لضمان اخر لاخذه العين وتسلمها. ثم افاد ان هذا الوجه لا ياتي في تسلم الاجير للعين لاجل العمل فيها فالخياط مثلا الذي يستأجره المالك لاجل خياطة ثوبه لا يستحق بعقد الاجارة وبعوض ما ياخذه من اجرة عمله تسلم العين وان تكون تحت يده، إذ من الممكن ان يخيطه وهو في يد مالكه، فيمكن ان يقال بصحة شرط الضمان على الاجير بخلاف شرط ضمان العين على المستأجر الذي صار مالكا للمنفعة بعقد الاجارة عوضا لما ياخذه مالك العين. وما افاده من الفرق بين تسلم العين من الاجير لاجل العمل وبين تسلمها من المستاجر لاجل استيفاء المنفعة - وان كان حسنا ولكن كونه موجبا لصحة شرط الضمان في احدهما دون الاخر لا يخلو من تأمل. وذلك من جهة ان صرف استحقاق المستأجر لتسلم العين المستأجرة بعوض معلوم لا يوجب عدم صحة شرط الضمان، وكون شرط الضمان مخالفا للسنة، لان يده واقعة على مال الغير، وهذه اليد وان كانت لا توجب الضمان - لانه مأذون من قبل المالك، وما تحت يده امانة مالكية، وهذه الجهة مشتركة بين العارية وقسمي الاجارة أي: اجارة الاعيان والاعمال - الا انها ليست ايضا مقتضية لعدم الضمان كي يكون شرط الضمان خلاف مقتضاها. ولا يقاس بالوديعة، لان ذا اليد في الوديعة محسن في حفظ مال الغير، فليس عليه سبيل بحكم الشارع، فيكون شرط الضمان هناك مخالف للكتاب ولم يحكم الشارع هاهنا بعدم الضمان كي يكون شرطه مخالفا الكتاب. نعم ان قيل بعدم كون الشرط من أسباب الضمان - مثل اليد غير المأذونة والاتلاف وغيرهما من اسباب الضمان - فالشرط لا يؤثر في الضمان. ولكن هذا الكلام مع بطلانه في نفسه يكون مشتركا بين الاجارة والعارية.

 

وخلاصة الكلام ان شرط الضمان في باب الاجارة لا مانع من نفوذه ان لم يكن اجماع على الخلاف، ومما ذكرنا ظهر الاشكال ايضا فيما ذكره شيخنا الاستاذ (قده) من عدم صحة شرط الضمان على المرتهن في العين المرهونة، باعتبار ان يد المرتهن على العين المرهونة بحق مالكي بواسطة عقد الرهن، فيقتضي عدم الضمان، فيكون شرط الضمان مخالفا للكتاب أو لمقتضى العقد الذي هو عدم الضمان. وقد عرفت الجواب وان عقد الاجارة في اجارة الاعيان، وكذلك عقد الرهن لا يقتضي الضمان بالنسبة إلى العين المستأجرة وكذلك لا يقتضي الضمان بالنسبة إلى العين المرهونة، لا انهما يقتضيان عدم الضمان كي يكون شرط الضمان فيهما منافيا لمقتضى العقد أو يكون خلاف الكتاب. وأما حديث استحقاقه بحق مالكي أي: استحقاق المرتهن كون العين المرهونة في يده بعقد الرهن، لان هذا معنى كونه وثيقة عنده. ويدل عليه قوله تعالى (فرهان مقبوضة) (1) - فقد عرفت انه لا يقتضي عدم الضمان، وايضا ليس من احكام هذا الحق شرعا عدم الضمان كي يكون شرط الضمان خلاف المشروع. نعم في الوديعة والوكالة حيث ان الوكيل والودعي نائبان عن المالك في حفظ ماله، فتكون يدهما بمنزلة يد المالك، فكما انه لو تلف في يد مالكه لا يوجب الضمان، بل لا معنى لان يكون الشخص ضامنا لنفسه - فكذلك من هو بمنزلته أي: الوكيل والودعي. هذا ما ذكره شيخنا الاستاذ. ولكن التحقيق هو الفرق بين الوكيل والودعي، وذلك لان الودعي محسن (وما على المحسنين من سبيل) (2) ولا شك في ان الضمان سبيل، وأما الوكيل الذي يعمل باجرة فليس بمحسن كي لا يكون عليه سبيل.

 

(هامش)

 

: 1 - البقرة (2): 283. 2 - التوبة (9): 91. (*).

 

نعم لو كان الوكيل يعمل مجانا وقصده الاحسان إلى الموكل فيكون حاله حال الودعي، ولا يصح شرط الضمان عليه. ثم انه ظهر مما ذكرنا واتضح حال شرط الضمان في العارية وانه لا مانع منه وليس هناك ما يوجب بطلان هذا الشرط مثل نفي السبيل على المحسنين لان المستعير ليس منهم بل المعير الذي هو صاحب المال محسن إليه. واما كونه أمانة مالكية فليس مقتضيا لعدم الضمان. نعم اليد الامانية ليست موجبة للضمان لا انها موجبة لعدمها كي يكون شرط الضمان مخالفا لمقتضى العقد أو يكون مخالفا للكتاب. واما اخذ العين باستحقاق مالكي بالعقد فمضافا إلى انه لا كبرى لهذا الكلام لا صغرى له في المقام فصحة شرط الضمان في العارية لا اشكال فيه أصلا. واما قوله (ع) ليس على مستعير عارية ضمان (1) فالمراد نفي الضمان من حيث اقتضاء نفس العارية لا نفيه مطلقا وان كان من قبل الشرط. فقد عرفت مما ذكرنا ان الامانات الخمس اي العارية والاجارة والوكالة والرهن والوديعة ما عدا الاخير يصح في كلها شرط الضمان. ومنها: اي من الموارد التي صار محل الكلام شرط البايع على المشتري عدم بيع ما اشتراه فالمشهور قالوا بعدم صحة هذا الشرط ولكن العلامة (قده) استشكل في التذكرة (2)، وبعض من تأخر عنه قوى صحته على ما حكاه الشيخ الاعظم الانصاري (3) (قده).

 

(هامش)

 

: 1 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 182، ح 798، باب العارية، ح 1، الاستبصار ج 3، ص 124، ح 441، باب أن العاريد غير مضمونة، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 237، ابواب كتاب العارية، باب 1، ح 6. 2 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 489. 3 - المكاسب ص 281. (*).

 

والاقوى صحة هذا الشرط ان لم يكن الاجماع على بطلانه. وذلك من جهة ان شرط عدم البيع ليس منافيا لمضمون عقد البيع ولا منافيا للاثر الظاهر الذي يلازم نفيه عرفا نفي البيع الاول وأيضا ليس شرط عدم بيعه شرط نفي جميع الآثار كي يكون اعتبار ملكيته للمشتري في البيع الاول لغوا ولم يرد دليل من الشرع ان عدم جواز بيع ما اشتراه مخالف للكتاب والسنة حتى يكون الشرط مخالفا للكتاب. فلا موجب لبطلان هذا الشرط إلا ما ادعاه الشيخ (قده) من تحقق الاجماع على بطلان هذا الشرط ثم عقبه بقوله فلا اشكال في اصل الحكم (1). نعم ذكرنا فيما تقدم انه قد يكون المشتري شغله البيع والشراء فيشتري لان يبيع كما هو الشأن لاغلب الكسبة في القرى والمدن الصغيرة. فيشترون في المدن الكبيرة من التجار الكبار للبيع في المدن الصغيرة ففي مثل هذه الموارد يمكن ان يدعي ان الاثر الظاهر للبيع الاول عرفا جواز بيع ما اشتراه فنفيه عرفا مناف لمضمون البيع الاول. ومنها: اشتراط عدم الخسران لاحدهما في عقد الشركة بأن يقول احدهما للاخر تشاركنا على ان يكون الربح بيننا والخسران عليك فصار محل الخلاف في صحة هذا الشرط وبطلانه، وتدل على صحته صحيحة رفاعة قال: سألت أبا الحسن موسى (ع) عن رجل شارك رجلا في جارية له وقال: ان ربحنا فيها فلك نصف الربح وان كانت وضيعة فليس عليك شيء ؟ فقال (ع): لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية (2).

 

(هامش)

 

: 1 - المكاسب ص 281. 2 - الكافي ج 5، ص 212، باب شراء الرقيق، ح 16، وسائل الشيعة ج 13، ص 175، ابواب كتاب الشركة، باب 1، ح 8. (*).

 

وذهب ابن ادريس (قده) إلى بطلانه (1)، ولم يعمل بالصحيحة لعدم حجية الخبر الواحد عنده. وقال الشهيد (ره) في اللمعة: الاظهر هو البطلان (2) وقال في الشرائع: هذا الشرط أي كون الخسران على احدهما - فيه تردد، والمروي الجواز (3). وحكى عن الدروس التعدي إلى مطلق المبيع في بيع الحيوان (4) وفي الصلح تسلم الصحة بلا اشكال بأن يصطلحا على ان يكون الربح بينهما والخسران على الآخر (5). وحكي عن التنقيح الاقتصار على مورد النص تعبدا (6) أي في خصوص الشركة في الجارية، وذلك لان النص على خلاف القاعدة عنده فوقف على مورده تعبدا. والتحقيق في هذا المقام هو ان متعلق هذا المشرط لو كان صيرورة الربح الحاصل ببيع مال المشترك ملكا للمشروط له وذلك بأن لا يتبع الربح والخسران المال الذي ربح أو خسر في بيعه، فهذا يقينا خلاف ما تقتضيه الشركة وخلاف ما يقتضيه الكتاب. وذلك من جهة ان ارتفاع قيمة مال أو نزولها تابع لذلك المال شرعا وعرفا بل عقلا لانه من نعوته القائمة به فنماء المال متصلا كانت أو منفصلة ملك لصاحب المال ويتبع المال، فشرط ان يكون لغير المالك خلاف الكتاب والسنة وخلاف مقتضى

 

الشركة.

 

(هامش)

 

: 1 - السرائر ج 2، ص 349. 2 - اللمعة الدمشقية ج 4، ص 201. 3 - شرائع الاسلام ج 2، ص 106. 4 - الدروس الشرعية ج 3، ص 223 - 224. 5 - الدروس الشرعية ج 3، ص 333. 6 - التنقيح الرائع ج 2، ص 120. (*).

 

وأما لو كان الشرط انتقال حصة النفع من احد الشريكين إلى الاخر كي يكون مجموع الربح له اي حصة نفسه وحصة شريكه فلا مانع منه. نعم يحتاج إلى سبب مملك وهو الشرط الواقع في ضمن العقد اللازم الذي هو البيع أو الصلح، ولا بد وان تحمل صحيحة رفاعة على هذا المعنى. وفي كون الخسران على احدهما دون الاخر ايضا يكون الامر كذلك اي لو كان الشرط عدم تبعية الخسارة لحصة الشريك فهذا خلاف الكتاب والسنة وخلاف مقتضى الشركة، بل غير معقول. واما لو كان هذا الشرط مرجعه إلى جبران خسارته من مال الشريك الاخر فلا اشكال فيه ولا مانع منه. ومنها: اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها فقد صار محلا للخلاف. والتحقيق فيه ان متعلق الشرط ان كان عدم سلطنة الزوج على اخراجها فهذا خلاف الكتاب والسنة يقينا واما ان كان مرجعه إلى الالزام بان لا يعمل سلطنته فلا محذور فيه. نعم لو كان اختيار السكنى بيد الزوج من الحقوق وبعد الفراغ عن ان كل حق قابل اللاسقاط فيمكن ان يكون مرجع هذا الشرط إلى اسقاط حقه فلا محذور ايضا. ومنها: مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع وعدمه فتارة متعلق الشرط توارثهما أو كون احدهما يرث دون الاخر واخرى عدم توارثهما أو عدم كون احدهما وارثا فصار صحة هذا الشرط محل الكلام وقال في الشرائع لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجتين شرطا سقوطه أو اطلقا (1). وقال في الجواهر وفاقا للاكثر بل المشهور بل عن الغنية نفي الخلاف انتهى (2). ويدل عليه روايات:

 

(هامش)

 

: 1 - شرائع الاسلام ج 2، ص 251. 2 - جواهر الكلام ج 30، ص 190. (*).

 

منها: صحيح سعيد بن يسار عن ابي عبد الله ع قال سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث قال: ليس بينهما ميراث اشترطا أو لم يشترطا (1). والروايات في هذه المسألة مثل الاقوال وان كانت مختلفه إلا ان المتحصل من المجموع بعد الجمع ان عقد الانقطاع في حد نفسه لم يجعل الشارع بينهما توارث ومن هذه

 

الجهة اي جهة الميراث - هما كالاجنبيين. فشرط الارث فيها - كشرط الارث للاجنبي - مخالف للكتاب وان شئت قلت: انه غير مقدور لان امر جعل الاحكام بيد الشارع لا بيد الشارط. وأما قول القائل انه مع الشرط مجعول من قبل الشارع استنادا إلى صحيح محمد بن مسلم عن الصادق (ع) في حديث: وان اشترطا الميراث فهما على شرطهما (2) والى صحيح البزنطي عن ابي الحسن الرضا (ع) قال: تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ان اشترطت كان وان لم تشترط لم يكن (3). ففيه ان هذا الكلام على تقدير صحته وغض النظر عن الاشكالات التي اوردوها عليه ووجود المعارض الاقوى لا دخل له بما نحن فيه، لان كلامنا في ان الشرط نافذ ويشمله دليل نفوذ الشرط ام لا ؟ وهذا لو صح يرجع إلى ان موضوع ارث زوجة المتمتع بها مركب من امرين: احدهما كونها زوجة منقطعة. والثاني شرط

 

(هامش)

 

: 1 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 264، ح 1142، باب تفصيل أحكام النكاح، ح 67، الاستبصار ج 3، ص 149، ح 548، باب أنه إذا شرط ثبوت الميراث...، ح 3، وسائل الشيعة ج 14، ص 487، ابواب المتعة، باب 32، ح 7. 2 - تهذيب الاحكام ج 7، ص 264، ح 1141، باب تفصيل أحكام النكاح، ح 66، الاستبصار ج 3، ص 149، ح 547، باب أنه إذا شرط ثبوت الميراث... ح 2، وسائل الشيعة ج 14، ص 486، ابواب المتعة، باب 32، ح 5. 3 - الكافي ج 5، ص 465، باب الميراث، ح 2، تهذيب الاحكام ج 7، ص 264، ح 1140، باب تفصيل احكام النكاح، ح 65، الاستبصار ج 3، ص 149، ح 546، باب أنه إذا شرط الميراث في المتعة...، ح 1، وسائل الشيعة ج 14، ص 485، ابواب المتعة، باب 32، ح 1. (*).

 

كونها وارثة وهو عجيب. [ الشرط ] السادس: ان لا يكون الشرط مجهولا ان كان في ضمن عقد البيع أو معاملة اخرى يكون الغرر فيه مبطلا لان المعاملة التي لا يضر بصحتها الجهالة، كالصلح حيث ان مبناها على الجهالة أو المعاملة المحاباتية التي يكون البناء فيها على المسامحة والمحاباة، فالغرر فيهما لا يوجب البطلان لان المفروض ان البناء في الصلح على التسالم على امر غير معلوم بعوض مالي وفي المحاباة على المساهلة والمسامحة فلا يضر الجهالة في اصل المعاملة فضلا عن شرطها. واما فيما يكون الغرر مضرا ومبطلا، كالبيع الذي يكون من المسلم واتفاقا من الكل مبطلية الغرر له للخبر المشهور نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر (1) وكالاجارة وسائر المعاملات التي يكون الغرر فيها مبطلا على المشهور للمرسلة المعروفة نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر بدون لفظ البيع فيكون الغرر مطلقا في اي معاملة كانت منهيا. فالشرط ان كان غرريا يكون باطلا على كل حال، سواء سرى الغرر إلى نفس المعاملة والعقد أو لم يسر وذلك من جهه انه لو سرى إليها فتكون المعاملة غررية وباطلة، فيبقى الشرط بلا موضوع لان المفروض ان موضوع وجوب الوفاء هو الشرط الواقع في ضمن المعاملة الصحيحة والعقد اللازم واذ ليس فلا يجب. وأما ان لم يسر فنفس الشرط حيث انه يكون غرريا يكون باطلا للمرسلة المعروفة نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الغرر التي ضعف سندها منجبر بعمل الاصحاب ولكن لم يثبت وجود هذه الجملة اي جملة نهى النبي عن الغرر بدون لفظ البيع في كتب الروايات والاحاديث لا من طرق القوم وكتب احاديثهم ولا من طرق الامامية رضوان عليهم اجمعين.

 

(هامش)

 

: 1 - عيون أخبار الرضا (ع) ج 2، ص 46، ح 168، عوالي اللئالي ج 2، ص 248، ح 17. (*).

 

نعم في غير واحد من الصحاح المعتبرة عندهم يرون عن ابي هريرة: ان النبي صلى الله عليه واله وسلم نهى عن بيع الغرر. فاثبات ان المنهي هو مطلق الغرر مشكل. فلا طريق إلى الحكم ببطلان المعاملة المشتملة على الشرط المجهول الا ان تكون تلك المعاملة بيعا مع سراية جهل الشرط إلى نفس المعاملة الا ان يكون دليل خاص من اجماع أو غيره على البطلان ولا يصح دعوى الاجماع في مسالتنا هذه على البطلان مع اختلاف الاقوال إذا كان الشرط من الامور الخارجة عن العوضين. فقال الشهيد (قده) في الدروس فيما لو جعل الحمل جزءا للمبيع الاقوى الصحة، لانه بمنزلة الاشتراط ولا يضر الجهالة (1). ويظهر من هذه العبارة ان عدم بطلان المعاملة بالشرط المجهول امر مفروغ عنه عنده. نعم إذا كان الشرط من اوصاف احد العوضين وكان مجهولا ربما يدعي اتفاقهم على البطلان لصيرورة العوض بواسطة ذلك الشرط مجهولا. فالادلة الدالة على لزوم معلومية العوضين تدل على بطلان تلك المعاملة التي مشروطة بشرط مجهول يكون من اوصاف احد العوضين. والتحقيق في هذه المسألة ان المعاملة المشتملة على شرط مجهول ان سرت جهالة الشرط إلى نفس المعاملة بحيث صارت المعاملة بواسطة ذلك الشرط غرريا فانه قد يكون ذلك وكان تلك المعاملة بيعا فتلك المعاملة باطلة قطعا وذلك لحديث نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر والضعف منجبر بعمل الاصحاب وان كانت غير بيع فيحتاج الحكم بالبطلان إلى دليل خاص من اجماع أو غيره. وأما ان لم تسر الجهالة إلى نفس المعاملة فلا وجه لبطلان الشرط فضلا عن بطلان المعاملة الا ما يدعى من نهيه صلى الله عليه وآله عن مطلق الغرر في البيع أو في غيره وقد

 

(هامش)

 

: 1 - الدروس الشرعية ج 3، ص 246. (*).

 

عرفت ان اثبات هذا مشكل جدا أو ما يقال من بناء العقلاء على عدم ترتيب الاثر على المعاملة المشتملة على شرط مجهول واثبات هذا اشكل وعلى فرض ثبوته لا يمنع عن لزوم العمل بالشرط ووجوب الوفاء بالعقد. نعم حكي في المستدرك عن دعائم الاسلام عن امير المؤمنين (ع) انه سئل عن بيع السمك في الاجام إلى ان قال (ع) هذا كله لا يجوز لانه مجهول غير معروف يقل ويكثر وهو غرر . (1) فعلل عليه السلام عدم جواز بيع المذكورات في الرواية بأنه مجهول وغرر. والانصاف ان المستفاد من مجموع الروايات - الواردة في باب وجوب العلم بقدر المبيع وعدم جواز الكيل بمكيال مجهول وفي باب عدم جواز بيع ما في الاجام من القصب والسمك والطير مع الجهالة - هو اشتراط صحة المعاملة بالعلم بالعوضين ومقدارهما وأوصافهما وكون الجهل مضرا ولو كان من قبل الشرط المجهول وان كانت واردة في باب البيع لكن الظاهر عدم اختصاصها به. [ الشرط ] السابع: ان لا يكون الشرط مستلزما للمحال بمعنى ان وجود الملتزم به في مقام الامتثال يكون محالا وذلك كقول الشارط بعتك بشرط أن تبيعه مني أو يقول بنحو شرط النتيجة بعتك بشرط ان يكون مبيعا مني وعلل بطلان هذا الشرط في التذكرة بأنه مستلزم للدور (2) حتى اشتهر في لسان المتأخرين عن العلامة هذا الدور بدور العلامة (قده). وبيان استلزامه للدور هو انه تقدم ان الشرط له اطلاقان: احدهما هو نفس التزام المشروط عليه أو الزام المشروط له الثاني: هو الملتزم به أي ذلك الامر الذي

 

(هامش)

 

: 1 - دعائم الاسلام ج 2، ص 23، ح 42، مستدرك الوسائل ج 13، ص 237، ابواب عقد البيع، باب 10، ح 1. 2 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 490. (*).

 

الزمه الشارط بايجاده أو هو التزم بذلك ولزوم الدور بناء على المعنى الثاني واضح. وذلك لان وجود المشروط متوقف على وجود الشرط فوجود البيع متوقف عل وجود ذلك الامر الذي التزم به المشروط عليه اي البيع الثاني فيما نحن فيه فوجود البيع الاول متوقف على وجود البيع الثاني توقف وجود المشروط على وجود شرطه. والبيع الثاني ايضا وجوده متوقف على البيع الاول لوجهين: الاول: لانه لا بيع إلا في ملك فما دام لا يملكه بالبيع الاول لا يمكن ان يتحقق منه وبصدر البيع الصحيح فوجود البيع الثاني الصحيح ايضا متوقف على البيع الاول وهذا هو الدور الصريح. والظاهر ان ما افاده في جامع المقاصد (1) في وجه الدور من ان انتقال الملك موقوف على حصول الشرط وحصول الشرط موقوف على انتقال الملك هو عين ما ذكرناه وذلك من جهة ان انتقال الملك اثر البيع الصحيح فمراده من توقف انتقال الملك اي البيع الصحيح اي البيع الاول ومراده من حصول الشرط اي وجود البيع الثاني. هذا هو الوجه الاول لتوقف البيع الثاني على البيع الاول. والوجه الثاني عدم معقولية البيع على المالك، لانه من قبيل تحصيل الحاصل، فالبيع الثاني متوقف على الخروج عن ملك المالك الاول اي على البيع الاول وقد عرفت ان البيع الاول ايضا متوقف على البيع الثاني توقف المشروط على شرطه. وجوابه عدم توقف البيع الاول على وجود البيع الثاني بل متوقف على الالتزام بالبيع الثاني لا على نفس البيع ولذا لو التزم ولم يبع لا يبطل البيع الاول بل يكون

 

(هامش)

 

: 1 - جامع المقاصد ج 4، ص 413 و 432. (*).

 

تخلف الشرط موجبا للخيار فقط لا بطلان المعاملة. هذا بناء على ان يكون المراد من الشرط هو الملتزم به. واما لو كان المراد نفس الالتزام فما يمكن ان يقال في وجه الدور هو انه بناء على هذا البيع الاول متوقف على الالتزام بالبيع الثاني والبيع الثاني حيث عرفت انه لا يمكن وجوده وتحققه الا بعد البيع الاول والعاقل لا يمكن ان يلتزم جدا بامر محال فالتزامه جدا متوقف على البيع الاول، وهذا هو الدور. وفيه: ان الالتزام جدا بامر محال وان كان لا يصدر من العاقل ولكن فيما نحن فيه ليس الامر كذلك لانه فيما نحن فيه ايجاد الملتزم به في ظرف الالتزام محال لا مطلقا والالتزام بامر يكون وجوده فعلا محال ولكن يمكن ان يوجد بعد حين لا مانع منه. وهذا أمر دائر بين العقلاء بل أغلب التزاماتهم من هذا القبيل فانه في حال انشاء الالتزام لا يقدر على الوفاء بما التزم فانه في نصف الليل مثلا يلتزم بأشياء لا يمكن ايجادها في الغد أو يلتزم في السفر بأشياء لا يمكن حصولها إلا في الحضر. والحاصل ان صحة الالتزام بامور لا يمكن وجودها إلا في الازمنة المتأخرة لا يمكن انكارها فبيع المال على مالكه وان كان لا يمكن ما دام هذا العنوان يكون منطبقا عليه ومتلبسا بمبدء اشتقاقه أي ما دام وصف مالكيته لهذا الشيء ثابت له، ولكن بيعه عليه باعتبار حال انقضاء المبدء لا مانع منه فلا مانع بأن يلتزم بالبيع على مالك هذا المال حال كونه مالكا له باعتبار حال خروجه عن ملكه بمعنى ان ظرف التزامه وان كان في حال كونه مالكا لهذا المال ولكن ظرف الملتزم به حال زوال ملكيته عنه. والظاهر ان عمدة نظر العلامة (قده) في هذا الاشكال - وانه لا يجوز اشتراط أن يبيعه المشتري على البايع في البيع الاول لا بنحو شرط الفعل ولا بنحو شرط النتيجة - هو محالية هذا المعنى أي البيع على المالك ثانيا، فيكون البيع عليه متوقفا على البيع

 

الاول حتى يخرج عن ملكه ويمكن البيع عليه. والجواب ما ذكرنا فلا نعيد ولا نطول المقام. والشاهد على انه أراد هذا المعنى انه قال: بجواز اشتراط بيعه على غير المالك لامكانه بأن يكون وكيلا من قبل المالك أو بيعه فضولة ثم يمضي المالك، فوجه توقف بيع الثاني على الاول ان البيع المالك ممتنع فلا يمكن الالتزام به فبيع الاول متوقف على أمر محال فيكون باطلا. فلا يرد على العلامة (قده) ما ذكروه من انه لو كان اشتراط البيع ثانيا على البايع باطلا ومستلزما للدور فيكون اشتراط البيع على غيره ايضا كذلك أي يكون مستلزما للدور وكذلك اشتراط عتقه أو وقفه بل اشتراط كل تصرف يكون متوقفا على كونه ملكا للمتصرف يكون مستلزما للدور. لان ذلك التصرف على الفرض متوقف على الملك وملكه متوقف على وقوع البيع الاول صحيحا ووقوع البيع الاول صحيحا متوقف على وقوع البيع الثاني أو عتقه أو وقفه أو هبته أو غيره من التصرفات المتوقفة على الملك. فتخصيص العلامة (قده) الاشكال بهذا الفرع أي بالبيع على نفس المالك دون غيره يدل على ان نظره في الاشكال وثبوت الدور على امتناع بيع المال على مالكه وتوقف صحته على خروجه عن ملكه، فلا يرد عليه الايرادات المذكورة في كتبهم والنقوض التي ذكروها من صحة اشتراط البيع على غيره أو اشتراط عتقه أو وقفه أو هبته لغير البايع لاشتراك الكل في استلزامها للدور. وأيضا ظهر مما ذكرنا ان الجواب عن هذا الدور بأن البيع الاول متوقف على الالتزام بالبيع الثاني لا على وقوعه ليس كما ينبغي لان اشكاله هو أن الالتزام بأمر محال - وهو البيع على المالك - لا يمكن ان كان التزاما جديا فالجواب هو الذي ذكرنا لا ما ذكروه.

 

[ الشرط ] الثامن: ان يلتزم به في متن العقد أقول: بعد الفراغ عن ان الشروط الابتدائية أي الالتزامات غير المربوطة بعقد، أو ما وقعت في ضمن عقد جائز لا يجب الوفاء بها اتفاقا - اما الاول فإما لعدم شمول قوله (ص المؤمنون عند شروطهم للشروط الابتدائية وضعا أو انصرافا وإما لتخصيصه بالاجماع. واما الثاني فلانه بعد ما كانت نفس العقد غير واجب الوفاء، فالشرط الواقع في ضمنه بطريق أولى. فاعلم أن الشروط على ثلاثة أقسام: احدها: ان تكون مذكورة في ضمن العقد اللازم وهذا القسم هو القدر المتيقن من قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم الثاني: هي الالتزامات الابتدائية والتعهدات المستقلة غير المربوطة بعقد المنشأة باللفظ ولكن بانشاء مستقل حيث لا عقد في البين أصلا أو لا ارتباط بينهما وان كان. وهذا القسم هو الذي خارج عن تحت هذه القاعدة تخصصا أو تخصيصا بالاجماع الثالث: هو ما يكون التباني والتوافق عليه خارج العقد ووقع العقد مبنيا عليه من دون ذكرها في متن العقد. وهذا القسم هو الذي محل كلامنا في انه هل يجب الوفاء به ام لا ؟ بل لا بد من ذكرها في متن العقد ؟. وأما القسم الرابع: وهو ان يقع التواطى والتباني عليه قبلا ولم يقع العقد مبنيا عليه بل كان حال العقد مغفولا عنه فهو في الحقيقة إلى القسم الثاني من حيث

 

صفح 286

 

عدم ارتباطه إلى العقد وعدم كونه مشمولا لهذه القاعدة بل حاله انزل من القسم الثاني لعدم انشائه باللفظ بل صرف تبان في خارج العقد. وخلاصة الكلام أن القسم الاول يقينا مشمول للقاعدة والقسم الثاني غير مشمول يقينا. فعمدة الكلام في القسم الثالث، وهو الذي سموه بشروط التباني بعد الفراغ عن أن القسم الرابع يرجع إلى القسم الثاني. وفيه خلاف والقائلون بلزوم الوفاء به ذكروا لذلك وجوها: الاول: هو ان التباني قبل العقد على التزام احد المتعاقدين أو كلاهما على أمر - وان لم يذكروا في متن العقد حاله حال الشروط الضمنية كلزوم تسليم كل واحد منهما الذي جعله في العقد عوضا إلى الآخر وككون الثمن من نقد البلد وامثالهما. وذلك من جهة ان الشروط الضمنية بواسطة تعاهدها عند العرف والعادة صارت مدلولا التزاميا للعقد وان لم يذكر في متنه بل وان كان العاقد غافلا عنها غير ملتفت إليها. ومعلوم ان دلالة الالتزام معتبرة في باب الانشاءات كالدلالة المطابقة لانها ايضا احدى طرق الافادة والاستفادة في محاوراتهم. فكذلك التباني لاجل هذه العلة بعينها لانهم إذا تبانوا قبل العقد على التزام احدهما أو كليهما على أمر ثم وقع العقد مبنيا على ذلك التباني يكون ذلك الالتزام أو الالتزامين مدلولا التزاميا لذلك العقد فيكون حاله حال الشروط الضمنية ويجب الوفاء به. وفيه: ان المدلول الالتزامي لكلام لا بد وان يكون من اللوازم العقلية أو العرفية لذلك الكلام كي يدل ذلك الكلام عليه بالدلالة الالتزامية كما ان قوله بعتك هذه الدار بألف دينار يدل بالدلالة المطابقة على مبادلة الدار بألف دينار ويدل بالالتزام على تسليم كل واحد منهما ما هو كان له إلى الذي انتقل إليه وتساوي العوضين من

 

حيث المالية وكون الدينار المذكور في العقد من قسم دينار البلد لا دينار مملكة اخرى. كل هذه الثلاثة وما يماثلها من اللوازم العرفية لذلك الكلام أي لقوله بعتك هذه الدار بألف دينار فيدل عليها بالدلالة الالتزامية لو كان اخبارا، كما انه لو كان في مقام الانشاء تكون منشآت بذلك العقد بالدلالة اللفظية الوضعية التي هي معتبرة في مقام الانشاءات كاعتبارها في مقام الاخبار. وهذا بخلاف ما نحن فيه فان الامر الاجنبي عن مدلول العقد كالالتزام بخياطة ثوب بايع الدار مثلا في خارج والتباني عليه لا يوجب صيرورته لازما عرفيا لذلك الكلام أي ذلك العقد كي يكون العقد دالا عليه بالالتزام، فقياس احدهما على الآخر باطل. وبعبارة أوضح في الشروط الضمنية ايضا يكون انشاء الشرط باللفظ، غاية الامر بالدلالة الالتزامية لا المطابقية، وأما في باب التباني فليس انشاء لفظي في البين، بل ليس مطلق الانشاء لا لفظيا ولا غير لفظي، بل صرف تبان خارجي، ومثل هذا التباني لا دليل على وجوب الوفاء به. الثاني: ان وقوع العقد مبنيا على التواطى والتباني السابق عليه يوجب تقييده بما تبانيا وتواطيا عليه، فيجب الوفاء بذلك العقد المقيد بما تبانيا عليه والوفاء بذلك العقد المقيد لا يمكن إلا بالعمل على طبق ذلك التباني الذى هو المراد من الشرط هاهنا، فيكون الشرط لازم الوفاء. وفيه: ان وقوع العقد مبنيا على تواطيهما قبله وان كان يوجب تقييد الثمن أو المثمن في مقام اللب والالتزام النفسي، ولكن بصرف هذا الامر النفسي لا يكون مشمولا لقوله تعالى أوفوا بالعقود أو لقوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم بل لا بد من شمولهما له من بلوغه إلى مرتبة الانشاء القولي أو الفعلي على وجه،

 

والمفروض فيما نحن فيه ان ما تبانيا عليه لم يقع في حيز الانشاء، بل لا يكون إلا أمرا قلبيا لا اثر له. وأما دعوى انصراف العقد اللفظي أو انصراف لفظ الثمن أو المثمن المذكورين فيه إلى ذلك المقيد - بواسطة التباني فتقع تلك الخصوصية التي يدعى ان العقد صارت مقيدة بها تحت الانشاء اللفظي - فمما لا وجه له أصلا، لان التقييد المعنوي من دون دليل عليه لا يوجب انصراف المطلق إلى ذلك الفرد الخاص المقيد بذلك القيد المعنوي. وأما سبق ذكر التباني بالمقاولة قبل العقد لا اثر له في ظهور الفاظ العقد أو مجموع جملته، ولذلك ذهب المشهور إلى عدم لزوم الوفاء بشروط التباني أي: ما تواطيا عليه قبل العقد، بل عن صاحب الرياض (قده) نقل الاجماع على عدم لزوم الوفاء بها، وحكاه ايضا عن بعض الاجلة. وأما ما أورده شيخنا الاستاذ (قده) على هذا الوجه، بأن القول بالانصراف إلى عقد خاص أي: المقيد يوجب بطلان العقد عند تخلفه أو تعذره، مع ان بنائهم في باب تخلف الشروط أو تعذرها انهما يوجبان الخيار لا البطلان. ففيه ان الانصراف بواسطة التباني قبل العقد ليس أمره أعظم من التصريح في اللفظ، حتى فيما إذا كان تبانيهما على وجود وصف في أحد العوضين أو في كليهما، مثلا تبانيهما على كون الجارية المبيعة طباخة، أو العبد المبيع كاتبا - على فرض انه كان كالتصريح بذلك في مقام الانشاء - لا يوجب تخلفه أو تعذره بطلان العقد، بل بنائهم على ان تخلف الوصف أو تعذره لا يوجب إلا الخيار. والسر في ذلك ان هناك التزامان: أحدهما: هوا الالتزام بنفس المبادلة بين العوضين. والثاني: هو التزامه بأن يكون أحد العوضين أو كلاهما كذا وكذا، والالتزام الثاني مربوط بالالتزام الاول، فلو لم يعمل بالالتزام الثاني يكون ذلك موجبا للخيار، لان الالتزام الاول كان مشروطا بالالتزام الثاني، فلا يجب الوفاء به إلا في ظرف

 

العمل بالالتزام الثاني، فإذا تخلف أو تعذر فلا يجب الوفاء كي يكون لازما، بل هو مخير بين أن يعمل بالتزامه العقدي - والمبادلة التي وقعت - وان لا يعمل. وهذا معنى الخيار. وبعبارة اخرى وجوب الوفاء الذي هو منشأ اعتبار اللزوم موضوعه العقد المشروط، أو العوض والمعوض الموصوف بكذا، فعند تخلف الشرط أو الوصف لا يشمله دليل وجوب الوفاء، فيكون مخيرا. وهذا هو الخيار، ولا وجه لبطلان العقد. الثالث: ان التراضي وقع بين العوضين مبنيا على العمل بالشرط المذكور قبل العقد الذي تواطيا عليه، فبدون العمل بذلك الشرط يكون أكلا للمال بالباطل، فيجب العمل على طبق تبانيهما وتواطيهما، ويلزم الوفاء به لكي لا يكون أكلا للمال بالباطل. وفيه أولا: لو صح هذا الكلام فمقتضاه بطلان العقد، لان ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع. وثانيا: هو ان الرضا المعاملي غير الرضا بمعنى طيب النفس، ففي بيع المضطر ليس طيب النفس مع انه صحيح، فالمراد من قوله تعالى: إلا ان تكون تجارة عن تراض (1) - هو ان لا تكون المبادلة بين العوضين باكراه أو اجبار، وفيما نحن فيه لا شك انه لا اكراه ولا اجبار، والمبادلة بين المالين وقعت برضاء منهما غاية الامر حيث كان الالتزام بهذه المبادلة مبنيا على ما تبانيا عليه - فإذا لم يعمل الطرف بما تبانيا عليه، فدليل وجوب الوفاء لا يشمله. لان موضوعه المبادلة المشروط، فيكون له الخيار، لا ان يكون اصل المبادلة باطل، لانها وقعت باختيارهما والالتزام - بأن يقف عند هذه المبادلة ولا يحل ما عقد عليه - مشروط بوجود هذا الشرط أو هذا الوصف، فإذا تخلف أو تعذر الشرط أو الوصف فلا ملزم له بالوقوف عند هذه المبادلة، بل له حله وفسخه. وهذا معنى الخيار.

 

(هامش)

 

1 - النساء (4): 28. (*).

 

 

وقد عرفت مما ذكرنا عدم صحة ما أفاده شيخنا الاعظم (قده) (1) - في آخر هذا الامر أن الشرط من اركان العقد، بل جزء للثمن أو المثمن فلا بد من ذكره وإلا كان العقد باطلا - وان العقد صحيح، ذكر الشرط أو لم يذكر عمل به أو لم يعمل تعذر أو لم يتعذر. نعم في صورة تخلف الشرط أو تعذره يرتفع اللزوم، لان العقد باطل. وهذا هو ما ذهب إليه المشهور بل ادعى عليه الاجماع. [ الشرط ] التاسع: ربما يقال انه من شرائط صحة الشروط التنجيز، والكلام في اعتبار هذا الشرط في صحة الشروط تارة: باعتبار نفس الشرط، وانه هل يعتبر في نفس الشرط - مع قطع النظر عن العقد - التنجيز، كما انه معتبر في نفس العقد، وان التعليق مبطل أم لا ؟ واخرى: باعتبار سراية التعليق إلى العقد، فيكون العقد باطلا، فالشرط يبطل بالتبع. أما باعتبار الاول فتارة: المراد من التعليق تعليق الانشاء، واخرى تعليق المنشأ. أما الاول أي: تعليق الانشاء أي: كون الجعل والايجاد معلقا على أمر، فهذا غير معقول بمعنى: تحقق الانشاء والايجاد والجعل معلقا على أمر غير ممكن، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الانشاء والجعل تكوينيا أو كان تشريعيا. وبعبارة أخرى الجعل لا ينفك عن المجعول والايجاد عن الوجود، فبهذا المعنى لا يمكن لا تعليق العقد ولا الشرط ولا غيرهما من الانشاءات، والانشاء في التشريعيات ايضا أمره دائر بين الوجود والعدم، فكونه موجودا ومعلقا غير ممكن. وأما الثاني: - أي: تعليق المنشأ - فهو في التكوينات كالانشاء ايضا غير ممكن، لان المنشأ التكويني ايضا أمره دائر بين الوجود والعدم، ولا معنى لان يكون معلقا على أمر. وأما في الامور الاعتبارية - والتشريعية كالاحكام الشرعية مطلقا تكليفية كانت أم وضعية فالتعليق فيها ممكن، ففي الجعالة يمكن جعل ملكية حمل بعير من

 

(هامش)

 

: 1 - المكاسب ص 283. (*).

 

الطعام لمن جاء بصواع الملك، كما يشير إليه قوله تعالى قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير (1) والمنشأ والمجعول تشريعا حمل بعير معلقا على مجيئه بصواع الملك، ولا يلزم تفكيك الانشاء عن المنشأ، لان المنشأ وهي الملكية لحمل بعير يوجد في عالم الاعتبار والتشريع حال الانشاء ولم يتأخر منه آن من الآنات. وهذا المعنى في الامور التكوينية غير ممكن، لان، الامور التكوينية ان وجدت يكون وجودها بتية ولا يقبل التعليق، بخلاف الاعتباريات فان اعتبار أمر معلقا على وجود أمر آخر لا مانع منه، فيعتبر وجوب الحج على تقدير الاستطاعة، فيجوز اعتبار نجاسة ماء العنب على تقدير الغليان من قبل ان يخلق الكرم فضلا عن كونه قبل وجود الغليان، وأما مسكريته فلا يمكن ايجادها في الخارج على تقدير الغليان قبل وجود الغليان. إذا عرفت هذا فنقول: ان المنشآت في باب العقود والايقاعات حيث انها امور اعتبارية فلا مانع من تعليقها عقلا، ولكن انعقد الاجماع على عدم جواز التعليق في منشآت العقود، فالشرط ايضا حيث انه من هذه الجهة مثل العقود عبارة: عن انشاء الالتزام بأمر على نفسه لطرفه والمنشأ بهذا الانشاء هو نفس الالتزام بذلك الامر فلا مانع من ان يكون ذلك الامر الذي التزم به معلقا على امر آخر، مثلا لو التزم في ضمن عقد لازم ان يطبخ له ولكن معلقا على نزول ضيف عليه، أو التزم بأن يخيط له ثوبا معلقا على تزويجه وهكذا في سائر الموارد لا يلزم منه - أي: من تعليق الشرط - محذور عقلا اصلا. فظهر مما ذكرنا ان تعليق الشرط وعدم تنجيزه - بمعنى: تعليق ما التزم به - لا محذور فيه عقلا اصلا، مثل تعليق المنشأ في باب العقود، ولكن الفرق بين الشروط والعقود هو ان في باب العقود وان لم يكن محذور عقلا في تعليق منشأتها إلا انه ممنوع

 

(هامش)

 

: 1 - يوسف (12): 72. (*).

 

شرعا، للاجماع. وأما في باب الشروط فلا اجماع ولا محذور شرعا في البين في تعليقها. وأما الثاني أي: تعليق الشرط هل يسري إلى العقد كي يكون باطلا فيكون الشرط باطلا بالتبع أم لا ؟ أقول: ان تعليق الامر الذي التزم به كخياطة الثوب مثلا في المثال المذكور لا ربط له بتعليق العقد، فلو قال: بعتك هذه الدار على ان تخيط ثيابي ان تزوجت، يكون بيع الدار منجزا على كل حال غاية الامر ان المشروط عليه ملزم بخياطة ثياب البايع على تقدير زواجه. وأما ان لم يتزوج المشتري، فالدار له ولا شيء عليه. وهذا واضح جدا، فظهر ان تعليق الشرط لا يضر بصحته.

 

خاتمة في بيان أحكام الشروط الصحيحة أقول: الشروط الصحيحة التي هي الآن محل الكلام عل ثلاثة أقسام: شرط الصفة، وشرط الغاية، وشرط الفعل. فالاول: عبارة: عن اشتراط وجود صفة في المبيع الشخصي أو في متعلق عقد آخر غير البيع. وأما اشتراط ايجاد صفة في ما تعلق العقد به فهو راجع إلى شرط الفعل. وحكم هذا القسم هو انه مع فقد ذلك الوصف يكون الخيار للمشروط له، فلو باع حيوانا على انه حامل فلم يكن كذلك، فيكون الخيار للشتري، وذلك من جهة انه يلتزم بهذه المعاملة والمبادلة فيما إذا كان المبيع متصفا بهذه الصفة، فإذا لم يكن فلا التزام له بالفاقد لهذه الصفة مستقلا. ان قلت: فبناء على هذا تكون المعاملة باطلة لا انه له الخيار فقط لما قلت من عدم تعهده والتزامه بالمبادلة مع فاقد الوصف قلت: ان المعاملة وقعت بين الذاتين، غاية الامر ان التزامه بهذه المبادلة بين المالين مبني على اتصاف أحدهما أو كليهما بتلك الصفة، فالمشروط عليه ملتزم بأن يكون ما التزم بمبادلته مع عوضه المذكور في العقد متصفا بصفة كذا. واما الشارط فحيث كان التزامه بالمبادلة مشروطا بوجود صفة كذا في متعلق العقد، فان لم يكن فلا التزام له، لا انه لا مبادلة في البين، فأصل المبادلة بين المالين

 

متحقق على كل حال. نعم لو كان الوصف المفقود عنوان ذلك العوض وصورته النوعية ولو كان كذلك عند العرف لا ما هو منوع عقلا، فأصل المعاملة لا تتحقق وتكون باطلة، وذلك لان المبادلة وقعت بين هذا العنوان والعوض الآخر فالفاقد لذلك العنوان ليس ما وقع عليه العقد، فيصدق عليه ان ما قصد لم يقع. مثلا لو قال بعتك هذا الفرس، وكان حمارا، فهذا البيع باطل، لان ما وقع عليه عقد البيع هو عنوان الفرس، والحمار مخالف معه في النوع وليس ذلك العنوان حقيقة وكذلك لو قال: بعتك هذه الجارية الرومية وكانت حبشية. واختلاف كونها رومية وحبشية وان لم يكن اختلافا نوعيا عقلا ولكن عند العرف هما نوعان وحقيقتان، فيكون البيع باطلا، لان ما وقع عليه البيع هي الجارية الرومية وما في الخارج حقيقة اخرى وليس هذا من قبيل تعارض العنوان مع الاشارة، كما قالوا في باب صلاة الجماعة انه إذا اقتدى بهذا الحاضر على انه زيد فكان عمروا من صحة الاقتداء إذا كان عمرو عادلا ايضا، لان المأموم هناك يقصد الاقتداء بهذا الشخص الحاضر غاية الامر انه يخطأ في تطبيقه على زيد. وأما فيما نحن فيه فلا يقع البيع على هذا الشخص بعنوان انه هذا الشخص الموجود، بل يكون عنوان المبيع هو كونها جارية رومية، أو الفرس مثلا، فإذا ظهر انها حبشية أو انه حمار، فتختلف عنوان المبيع وظهر انه عنوان آخر، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع. وبعبارة أوضح: المبادلة وقعت في موارد تخلف العنوان بين العنوان المفقود الذي هو المقصود وبين الثمن. واما العنوان الموجود فلم يقع طرفا للمبادلة، ولذلك لا يصح البيع،

 

وأما إذا كان تخلف الوصف مع بقاء عنوان البيع فما هو طرف المبادلة موجود نعم الالتزام بالوقوف والثبوت عند هذه المبادلة كان مشروطا بشرط كذا في مسألة تخلف الشرط، وعند وجود صفة كذا في مسألة تخلف الوصف، فإذا تخلف الشرط أو الوصف المذكوران في متن العقد فالمبادلة وان حصلت ولكن الالتزام بالوقوف والثبوت عند تلك المبادلة يكون بلا موضوع، لان موضوعه كانت المبادلة الكذائية ولم تحصل على الفرض، فلا تشمله أدلة وجوب الوفاء بهذه المبادلة فمخير بين أن يفي بتلك المبادلة وان لا يفي، هذا هو معنى خياره في باب تخلف الشرط والوصف. لكن لازم هذا الكلام ان معنى الخيار في المقام هو عدم الدليل على اللزوم لا انه حق مجعول من طرف الشارع أو من طرف المتعاقدين ان قلت: ان ما ذكرت في باب تخلف الشرط صحيح، ولكن في باب تخلف الوصف حيث ان المبادلة وقعت بين ذات المقيد بالوصف، فعند تخلف الوصف لا مبادلة في البين لان الذات العارية عن القيد غير المقيدة به. قلت: ان العرف يرى ان المبادلة وقعت بين ذات الموصوف - أي: هذه العين الخارجية - مع العوض الآخر، غاية الامر انه التزم ان تكون متصفة بصفة كذا وبعبارة أوضح: ان قال: بعتك هذا العبد الكاتب بكذا بادل هذا العبد الشخصي الخارجي بعوض كذا سواء أكان كاتبا أو لم يكن، لان العين الموجودة في الخارج لا تتغير عما هي عليه بوجود الوصف وعدمه. نعم من ظاهر العبارة يستفاد انه التزم بأن يكون هذا العبد الذي نقله إلى المشتري كاتبا والمشتري ايضا يقبل على هذا الاساس، ولكنه لا شك في انه يقبل انتقال هذا العبد الشخصي إليه فينحل قبوله إلى أمرين: احدهما: انتقال هذا العبد الخارجي إليه بعوض معين، ثانيهما: ان قبوله لهذه المبادلة حيث انه كان في ظرف اتصاف المبيع بهذه الصفة المذكورة في متن العقد فإذا لم يكن كذلك فهو ليس ملزما

 

بقبول الفاقد للوصف المذكور، بل له الخيار في ان يقبل المبادلة الفاقدة لهذه الصفة وأن لا يقبل، فالخيار هاهنا ليس حقا مجعولا من قبل الشارع، بل من باب عدم ملزم له على الوقوف والثبوت عند هذه المعاملة. وأما القسم الثاني، أي: شرط الغاية وقد يسمى بشرط النتيجة أي: ما هي نتيجة العقود والايقاعات وما يحصل بها وذلك كاشتراط كون شيء ملكا لاحد المتعاقدين، أو اشتراط كون عبد أحدهما حرا، أو اشتراط كون زوجة أحدهما مطلقة، فان هذه الامور - وما يشبهها لها أسباب خاصة من طرف العرف والعقلاء امضاها الشارع أو أحدثها، كما انه لا يبعد ان يكون في الطلاق كذلك، فالكلام في انه هل هذه الامور كما أنها تحصل بأسبابها الخاصة المذكورة في ابواب الفقه تحصل بالشرط أم لا ؟ والتحقيق انها ليست على نمط واحد، بل بعضها لا يحصل إلا باسبابها الخاصة كالطلاق، فانه لا يحصل بصرف الشرط، فلو قالت المرأة: زوجتك نفسي بشرط ان تكون زوجتك التي تكون تحتك مطلقة، فلا يحصل الطلاق وذلك لان الشارع جعل للطلاق اسبابا خاصة. وقد يقال: في مطلق الايقاعات انها كذلك أي: أن لها اسباب خاصة لا تحمل النتائج بغيرها، فلو قال: بعتك هذه الدار بكذا بشرط أن يكون عبدك الفلاني حرا لا يحصل العتق. وعلى كل حال تحقيق هذه المسألة وان النتيجة الفلانية هل لها سبب خاص، أو يحصل بأي سبب كان ؟ لا بد من المراجعة إلى دليل تلك المعاملة من العقد أو الايقاع الذي يترتب عليه تلك النتيجة، وبعضها يحصل بأي سبب كان، وبعضها يشك في انه من أي واحد من القسمين، أي: هل له سبب خاص لا يحصل بغيره أم لا ؟ وعمدة الكلام في هذا القسم، وإلا فذانك القسمان حكمهما معلوم أي: يكون شرط الغاية فيما إذا كانت الغاية لا تحصل إلا باسبابها الخاصة باطل لا اثر له، وفيما إذا

 

ليس لها اسباب خاصة بل يحصل بكل سبب يكون سببا عند العرف أو بكل ما يدل على التزامه بحصول تلك الغاية، فيكون الشرط مؤثرا وصحيحا. وقد تمسك شيخنا الاعظم (قده) في هذا القسم لتأثير الشرط وحصول النتيجة بعموم المؤمنون عند شروطهم بل بعموم أوفوا بالعقود ، بناء على كون الشرط جزء للعقد، ولكن بعد تنقيح الموضوع بأصالة عدم مخالفة هذا الشرط مثلا للكتاب كي لا يكون من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية. وقد عرفت ان هذا الاصل من العدم النعتي الذي لا يجري فيه استصحاب العدم لترتيب آثار ذلك العدم، أي العدم النعتي عليه، لعدم الحالة السابقة للعدم الذي هو نعت، والعدم المحمول - أي: عدم وجود الشرط المخالف ازلا - وان كان له الحالة السابقة، إذ كل حادث مسبوق بالعدم المحمولي، إلا انه لا ثر له، لان الاثر يترتب على عدم كون هذا الشرط الموجود المشكوك المخالفة مخالفا لا على عدم وجود الشرط المخالف بمفاد ليس التامة، واثبات الاول - أي: عدم كون الشرط الموجود مخالفا - بالثاني - أي: بعدم وجود الشرط المخالف - مثبت. والعجب من شيخنا الاعظم (قده) - مع انه هو الذي أسس تنبيها في تنبيهات الاستصحاب لعدم جريان هذا الاصل أي: اصالة عدم النعتي - قال هاهنا بجريان هذا الاصل (1). ولذلك وجه شيخنا الاستاذ (قده) كلامه بأن مراده ان التمسك بعموم المؤمنون عند شروطهم ، وكذلك أوفوا بالعقود (2) ليس من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية كي يحتاج إلى الاصل المنقح للموضوع. وحاصل ما أفاده في المقام - باختصار وتوضيح منا - هو ان عدم حصول

 

(هامش)

 

: 1 - المكاسب ص 283. 2 - المائدة (5): 1. (*).

 

هذه الغايات بالشرط إما لتصرف الشارع في ناحية اسبابها واما في ناحية نفس المسببات. والمراد من الاول انه جعل شيئا سببا لحصول هذه الغاية ونفي السببية عن شيء آخر، مثل الطلاق حيث جعل كلمة أنت أو هي طالق مع وجود سائر الشرائط المقررة سببا، ونفي السببية عن سائر الالفاظ التي كانت سببا للطلاق عندهم، كقولهم: ظهرك كظهر امي وامثال ذلك. والمراد بالثاني: هو جعل المسبب غير قابل الحصول في حال أو بالنسبة إلى شخص، وذلك كطلاق الحائض في حال الحيض، أو في طهر المواقعة، أو بيع المصحف من الكافر وامثال ما ذكر، وعلى كل واحد من التقديرين ليس الشك شكا في مصداق المخالف للكتاب كي يكون الشك من الشك في الشبهة المصداقية للمخصص، فلا يجوز التمسك بعموم العام لرفع حكم الشك موضوعا. بيان ذلك أن الشك في مصداق المخصص - بعد الفراغ عن معرفة المخصص مفهوما - إما بالظهور العرفي أو النصوصية، ثم يشك في انه هل هذا الفرد الموجود مصدق لذلك المفهوم المعين المعلوم أم لا ؟ لجهات خارجية، كما إذا علمنا أن مطلق مرتكب الذنب - صغيرة كانت أم كبيرة - فاسق ولكن شك في انه صدر عنه صغيرة أم لا ؟. وأما إذا لم يعلم ان مرتكب الصغيرة فاسق شرعا أم لا ؟ وارتكب صغيرة قطعا، فهذا الشك ليس شكا في المصداق، ويجوز التمسك بعموم العام، وما نحن فيه من هذا القبيل ومرجع الشك فيما نحن فيه إلى ان الشارع هل حكم بسببية كذا، أو بنفي سببية كذا لحصول هذه الغاية أم لا ؟ وهل حكم بعدم قابلية وجود هذه الغاية في هذه الحال ؟ كحصول الطلاق في حال الحيض أو في طهر المواقعة، فتكون الشبهة حكمية، ويجوز التمسك بعموم المؤمنون عند شروطهم ، بل ب‍ أوفوا بالعقود ، ولا يحتاج إلى

 

أصالة عدم المخالفة، بل لا تصل النوبة إليها. هذا ما ذكره شيخنا الاستاذ قدس سره. ولكن ظاهر كلام شيخنا الاعظم (قده) هو التمسك باصالة عدم المخالفة لا العمومات إبتداء، بل الرجوع إليها بعد تنقيح موضوع العام بأصالة عدم المخالفة، وهذه عبارته: فان لم يحصل له - أي: التمييز بين ان هذا الحكم الذي يريد ان يشترط في خلافه مما يجوز ان يتغير بالاشتراط أو لا - بنى على أصالة عدم المخالفة، فيرجع إلى عموم المؤمنون عند شروطهم . انتهى محل الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه. فانظر إلى هذه العبارة، فانه كالصريح في ان الشبهة مصداقية، ولكن بواسطة جريان الاصل الموضوعي - وهو أصالة عدم مخالفة هذا الشرط المشكوك للكتاب والسنة - ينقح موضوع العام، فيتمسك به فان قلنا بعدم صحة جريان هذا الاصل - كما هو المختار - لا يبقى مجال للتمسك بهذا الاصل لاثبات موضوع العام ويرد الاشكال عليه. وما ذكره شيخنا الاستاذ (قده) وان كان صحيحا ومتينا في حد نفسه، ولكن لا يلائم مع عبارة شيخنا الاعظم (قده) وان كانت عبارته الاخيرة ربما يشعر بما ذكره شيخنا الاستاذ حيث يقول: ومرجع هذا الاصل إلى اصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يقبل تغيره بالشرط، انتهى. فبناء على هذه العبارة الاخيرة تكون الشبهة حكمية، فيكون المرجع العمومات واطلاقات أدلة وجوب الوفاء بالشرط، بل بالعقد. وما القسم الثالث، أي شرط الفعل. والمراد به ان يتعلق الشرط بفعل اختياري مقدور للمكلف يكون سائغا ويكون فيه غرض معتد به عند العقلاء، ولا يكون مخالفا للكتاب والسنة، ولا يكون مخالفا لمقتضى العقد، وان لا يكون منافيا لبعض الآثار التي جعلها الشارع للمنشأ بالعقد، وأن لا يكون مجهولا، وأن يلتزم به في متن العقد.

 

ففيه امور: الاول: إذا كان الفعل المشروط جامعا لهذه الشروط الثمانية فهل يجب على المشروط عليه الوفاء بذلك الشرط أم لا ؟ بل مخير بين ان يأتي بالشرط ويفي بالتزامه وبين ان لا يأتي به ولا يستحق العقاب على ترك العمل بالشرط، غاية الامر انه مع عدم العمل به يكون للمشروط له الخيار. المشهور بين الاصحاب هو الاول، بل ادعى عليه في التذكرة الاجماع (1) وهو الاقوى، وذلك اولا لقوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم بناء على ان يكون الظرف متعلقا بأفعال العموم، فيكون التقدير المؤمنون يثبتون ويقفون عند شروطهم، فيكون كناية عن انهم يعملون بها ولا يترددون في ترتيب الاثر عليها فضلا عن عدم الاعتناء وترك العمل بها. وحيث ان الظاهر في القضايا الصادرة عن الشارع - وان كانت بصورة الجملة الخبرية - هو انه في مقام بيان الحكم الشرعي، وغالبا ينشأ طلب وقوع الشيء بصورة الاخبار عن وقوعه في الماضي أو المستقبل، كقوله في الصلاة مثلا أعاد أو يعيد . فيكون معني قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم - بناء على ذلك التقدير - ان المؤمنين والمسلمين يجب عليهم الثبوت والوقوف عند شروطهم والتزاماتهم أي: يجب عليهم العمل على طبق التزاماتهم، خصوصا بملاحظة استشهاد امير المؤمنين (ع) بهذه القضية لوجوب الوفاء بما شرط لامرأته في رواية اسحاق بن عمار التي تقدم ذكرها (2) في صدر هذه القاعدة، وكذلك استشهاد ابي الحسن موسى (ع) في موثقة منصور بن

 

(هامش)

 

: 1 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 490. 2 - تقدم ذكره في ص 250، رقم (2). (*).

 

يونس التي ايضا تقدمت (1) في أول هذه القاعدة. وثانيا: قوله (ع) في اسحق بن عمار المتقدمة (2) من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فقوله (ع) فليف لها به أمر، والامر ظاهر في الوجوب. وما أحسن ما أفاده شيخنا الاستاذ (قده) في هذا المقام، وهو ان وجوب الوفاء بالشرط تكليفا لم ينكره احد، وانما الخلاف والبحث في أمر آخر وهو انه هل الشرط يوجب ويثبت حقا للمشروط له على المشروط عليه كي يكون وجوب الوفاء من آثار ذلك الحق أم لا يوجب ذلك، بل اثر الشرط وفائدته قلب العقد اللازم جائزا، وذلك لاناطة اللزوم بالوفاء بالشرط وايجاد الفعل الملتزم به، فان لم يف به فلا لزوم، وهذا الاخير هو الذي ذهب إليه الشهيد (قده). ومن آثار اثبات الشرط وايجابه حقا على المشروط عليه، هو جواز اجباره على العمل بالشرط، فهو كسائر الحقوق يكون لمن له الحق سلطنة على من عليه الحق، وله اجباره على أداء حقه. ومن آثار كونه موجبا لحدوث حق للمشروط له على المشروط عليه انه قابل للاسقاط، فلو اسقط المشروط له لا يبقى وجوب الوفاء على المشروط عليه قطعا. وهذا مما يدل دلالة قطعية على ان وجوب الوفاء ليس حكما تكليفيا محضا في عرض وجوب الوفاء بالعقد، وإلا لو كان كذلك لما كان قابلا للاسقاط. فهذا هو الفرق الجلي بين الحق والحكم، وتكون القابلية للاسقاط خاصة شاملة للحق، ولذلك عرف به. فتلخص مما ذكرنا ان هذه المسألة ذات قولين:

 

(هامش)

 

: تقدم ذكره في ص 251، رقم (1). 2 - تقدم ذكره في ص 250، رقم (2). (*).

 

احدهما ان الشرط لا يوجب إلا تزلزل العقد وجعله معرضا للزوال، وذلك من جهة اناطة اللزوم بحصول الشرط أي ما التزم به، فإذا لم يحصل فلا لزوم، فيكون مخيرا بين الرضا بفاقد الشرط وبين عدمه، فلا موجب للاجبار. اللهم إلا ان يقال بجواز الاجبار أو وجوبه من باب الامر بالمعروف بناء على استفادة وجوب الوفاء تكليفا مما ذكرنا من الادلة وان لم نقل بأن الشرط يوجب ثبوت حق على المشروط عليه. ولكن يرد عليه أولا: أن وجوب الاجبار بناء على هذا وظيفة جميع المسلمين ولا اختصاص له بالمشروط له وثانيا: لو كان وجوب الوفاء بهذا المعنى، وكان حكما تكليفيا في عرض وجوب اداء مال الغير ومثله، فليس قابلا للاسقاط، مع ان للمشروط له اسقاط هذا الحق اجماعا. ثانيهما: ان الشرط يوجب ثبوت حق مالكي للمشروط له على المشروط عليه، ومن آثاره جواز اجبار المشروط عليه على الوفاء إذا امتنع وجواز اسقاطه. وأما في مقام الاثبات فمن الاجماع على صحة اسقاطه يستكشف انه حق مالكي للمشروط له على المشروط عليه. وايضا ظهر مما ذكرنا في بيان المراد من كلام الشهيد (قده) انه أراد ان الشرط لا يوجب ثبوت حق مالكي للمشروط له، وانما يوجب تزلزل العقد فقط لاناطة اللزوم بحصول الشرط - ان المخالف ليس منحصرا بالشهيد (قده) بل العلامة والشيخ في المبسوط (1) ايضا حيث قالا بعدم جواز الاجبار فلا بد وان يكون نظرهما إلى عدم حدوث حق مالكي بالشرط للمشروط له على المشروط عليه واختيارهما مقالة الشهيد (قده) من ان فائدة الشرط وثمرته تزلزل العقد وعدم لزومه لا حدوث حق

 

(هامش)

 

: 1 - المبسوط ج 2، ص 151. (*)

 

للمشروط له لان حدوث الحق مع عدم جواز الاجبار متنافيان، إذ كل ذي حق له السلطنة على استيفاء حقه ولو كان بالقهر والاجبار. الثاني: في انه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار ام لا ؟ فيه قولان: ذهب إلى الاول في التذكرة (1) وجامع المقاصد (2) والى الثاني في الروضة (3). والاقوى هو الاول من جهة ان حق الخيار موضوعه تخلف المشروط عليه عن ايجاده لا عدم امكان وجوده ولو باجباره، فان لم يفعل باختياره فيتحقق موضوع الخيار ويوجد هذا الحق للمشروط له. والسر في ذلك ما ذكرنا سابقا ان مرجع هذا الخيار - أي خيار تخلف الشرط - هو ان التزام المشروط له بهذه المعاملة في ظرف ايجاد المشروط عليه ما التزم به فان لم يوجده فلا التزام من طرف الشارط فيكون مخيرا بين الفسخ وانفاذ المعاملة. ولا ينافي وجود هذا الحق مع وجود حق آخر له وهو حق اجباره للمشروط عليه بواسطة الاشتراط. وذلك من جهة ان الاشتراط جعله مالكا على المشروط عليه ان يوجد هذا الشرط وليس مفاد الشرط صرف الوجوب التكليفي فقط كما تقدم في الامر الاول وقلنا ان نتيجة الاشتراط هو حدوث حق للمشروط له على المشروط عليه، وقلنا: ان الدليل على انه حق لا صرف تكليف جواز اسقاطه فللشارط كلا الحقين في عرض واحد حق الفسخ لتخلف الشرط وحق الاجبار لاجل الاشتراط فيتخير بين الفسخ واجبار المشروط عليه على ايجاد ما التزم.

 

(هامش)

 

: 1 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 492. 2 - جامع المقاصد ج 4، ص 422. 3 - الروضة ج 3، ص 506. (*).

 

وأما ادعاء ان اجتماع هذين الحقين مما لا يمكن فمما لا وجه له إلا بناء على أن يكون موضوع الخيار عدم امكان وجود الشرط ولو بالقهر والاجبار وهذا قول بلا بيتة ولا برهان والذي ذكرنا - من ان موضوع الخيار هو عدم وفاء المشروط عليه بالشرط وان كان من الممكن اجباره - يكون بناء على أن يكون منشأ الخيار عدم التزام الشارط بالوفاء بالعقد في ظرف عدم الوفاء بالشرط من طرف المشروط عليه كما تقدم شرحه وسيأتي تحقيقه في الامر الثالث. وأما بناء على ان يكون مدركه الاجماع أو قاعدة نفي الضرر - كما قالوا - فالقدر المتيقن من تحقق الاجماع هو فيما إذا كان الشرط متعذر الوجود ولو بالقهر والاجبار. وكذلك لو كان مدركه قاعدة نفي الضرر بناء على ما هو التحقيق عندنا من ان المرفوع هو الحكم الذي يكون ضرريا فاللزوم الذي هو حكم وضعي ليس مطلقا ضرريا حتى مع امكان اجبار المشروط عليه على الوفاء بالشرط، فبناء على أن يكون مدرك الخيار احد هذين لا يجتمع الحقان معا وليسا عرضيين بل حق الخيار في طول امكان الاجبار. لكنك عرفت ان المدرك هو الذي ذكرنا ولا يكون هذين وسنتكلم فيه في الامر الثالث الاتي ان شاء الله تعالى. الثالث: لو تعذر الشرط فللمشروط له الخيار فقط لا الارش ولا فساد المعاملة. أما صحة المعاملة وعدم فسادها مع كون الخيار له فبعد الفراغ عن ان مورد البحث هي العين الخارجية لا الكلي فتقول: ان قال بعتك هذه الفرس على ان يكون كذا أو هذه الفرس المتصفة بكذا بعشرين دينار مثلا فالمبادلة وقعت بين هذه العين وكذا مقدار من الدينار، واشتراط كون هذه العين كذا أو اتصافها بكذا لا يخرجها عما

 

هي عليه. نعم هو - أي المشروط عليه - التزم بأمر وهو كون العين كذا سواء كان بنحو الشرط أو بنحو التوصيف والمشروط له قبل هذه المبادلة. ولكن تعهده بالوقوف عند هذه المبادلة في صورة وجود هذا الشرط وهذه الصفة وإلا فنفس المبادلة بين العين والبدل الآخر وقعت وليس فيها قيد أو شرط وذلك لما قلنا ان العين الخارجية لا تتعدد ولا تتغير عما هي عليه بواسطة هذا الاشتراط أو هذا التوصيف. نعم لو كان مورد الشرط أو القيد هو الكلي لكان المقيد بقيد أو المشروط بشرط - الذي هو ايضا بمنزلة التقييد بل هو هو - غير ذلك الكلي الفاقد لذلك القيد أو لذلك الشرط. وأما في العين الخارجية لا يتطرق هذا الاحتمال. فاصل المبادلة بين العين والبدل الآخر وقعت مع قبول الطرف الآخر وهذا كما في باب خيار العيب ايضا يكون الامر كذلك فان المشتري مثلا اشترى هذه العين الشخصية ولكن يكون التزامه بالوقوف عند هذه المعاملة والوفاء بها في ما إذا لم يكن فيه عيب بل كان صحيحا وسالما ولا يكون خارجا عن مقتضى الخلقة الاصلية بزيادة أو نقيصة عنه، فإذا لم يكن كذلك فلا التزام له بالوقوف عندها والوفاء بها مع وقوع اصل المبادلة وحصول الرضا المعاملي بها، فيكون مخيرا بين الفسخ والالتزام بها. واما إذا كان ذات المقيد بقيد أو المشروط بشرط - الذي هو احد العوضين - كليا فيجبر على اعطاء واجد القيد أو الواجد للشرط، وان كان متعذر الوجود تكون المعاملة باطلة لعدم قدرته على التسليم. فالفرق كثير بين أن يكون المبيع المقيد بقيد أو المشروط بشرط كليا أو عينا شخصية فانه ان كان كليا وكان مقيدا أو كان مشروطا فالمبيع في صورة وجود القيد والشرط وصورة عدم وجودهما مختلف، فإذا تعذر - اي القيد والشرط - فليس قادرا

 

على تسليم المبيع فيبطل البيع. بخلاف ما إذا كان شخصا خارجيا فانه ليس قابلا للتعدد بواسطة وجود القيد والشرط وعدم وجودهما، ففي صورة كون المبيع شخصا خارجيا لا يمكن ان يقال ان هذا الموجود الذي هو فاقد الوصف المذكور في العقد أو هو فاقد الشرط كذلك غير ما هو وقع العقد عليه. واما في صورة كون المبيع كليا وقيد بقيد أو اشترط بشرط ففي صورة عدمهما يصح أن يقال ان هذا الفاقد لم يقع عليه العقد فما قصد لم يقع مع ان العقود تابعة للقصود بل يمكن أن يقال أن ما وقع - أي الفاقد القيد - غير مقصود نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة فيما إذا كان المبيع شخصا في صورة وجود هذين الامرين أي الشرط والقيد فالتزامه بالوفاء معلق لا المبادلة كي يكون من قبيل تعليق المنشأ فيكون باطلا اجماعا وان كان ممكنا عقلا. فالتحقيق هو الفرق في باب تخلف الوصف وتعذره بين أن يكون الموصوف شخصا أو كليا ففي الاول لا يوجب البطلان بل يوجب الخيار فقط وفي الثاني يوجب البطلان حسب القواعد الاولية. هذا الذي ذكرنا كان بالنسبة إلى صحة المعاملة وثبوت الخيار. واما الارش بمعنى تدارك نقصان المبيع - كما قالوا به في باب خيار العيب من كون المشتري مخيرا في بعض الصور بين الرد وأخذ الارش وفي بعضها الآخر بتعين اخذ الارش وعدم جواز الرد والتفصيل مذكور في محله - فحيث انه على خلاف القاعدة وثبوته هناك بواسطة الاخبار الواردة في ذلك الباب فلا يمكن التعدي إلى هاهنا، والقول به في المقام لقصور تلك الادلة عن شمولها لمحل الكلام. وبعبارة اخرى القول بثبوت الارش في مورد كون المبيع معيبا ليس من جهة أن مقدارا من الثمن يكون مقابلا لوصف الصحة أو مقابل ذلك العضو الذي فقد فيه فلا

 

يفسخ المعاملة ولكن يسترد من الثمن ذلك المقدار الذي ليس بأزائه شيء أو يغرمه بقيمة ذلك الوصف المفقود أو بمثله لكونه في ذمته بل تمام الثمن وقع في هذا العقد مقابل هذه العين الموجودة بما لها من النقص، غاية الامر حيث ان البايع التزم ان تكون على صفة كذا أو بشرط كذا فالتزام المشتري وتعهده بالوفاء بهذه المعاملة يكون في ظرف وجود تلك الصفة أو ذلك الشرط، وإلا فبدون وجودهما ليس ملزم شرعي يلزمه بالوقوف والثبوت عندها فهو مخير بين ان يفي بها وبين حل هذا العقد فلا موضوع للارش، لان المبادلة وقعت بين هذا الموجود بما فيه من الوصف أو الشرط المفقودين. ان قلت: ان هذا الذي ذكرتم ربما يكون صحيحا في الوصف المفقود في المعاملة على العين الشخصية، أو الشرط الذي يكون بنحو شرط النتيجة أي ما يكون في حكم الوصف المفقود، وأما لو كان الشرط من قبيل شرط الفعل الذي له مالية عند العرف فليس الامر كذلك، بل في نظر العرف والعقلاء يقع مقدار من الثمن المسمى في العقد بازاء ذلك العمل الذي صار متعلقا للشرط. قلنا: ان الشرط وان كان من قبيل شرط الفعل الذي يكون له عند العرف مالية، كخياطة الثوب الكذائي مثلا، ولكن مع ذلك كله في المعاملة الشخصية التي تقع المعاملة بين الثمن مثلا مع العين الخارجية الموجودة، يكون طرف المبادلة نفس تلك العين الخارجية، فإذا قال: مثلا بعتك هذا الفرس الموجود على ان يكون كذا، أو بشرط ان يكون كذا أو بشرط ان اعمل كذا، أو تعمل لي كذا، ففى جميع هذه الصور الطرفان - أي: البايع والمشتري - يتعهدان بوقوع المبادلة بين تلك العين الخارجية وتمام الثمن، ولا يقع شيء من الثمن بازاء الوصف والشرط بكلا قسميه - أي: سواء أكان شرط الفعل أو شرط النتيجة - غاية الامر ان المشروط عليه يلتزم في ضمن تلك المعاملة وذلك التعهد بامر اخر، أو بان يعمل له عملا، فأصل المعاملة والمبادلة بين المالين ليس مربوطا ومعلقا على أمر، وإلا كان من تعليق المنشأ وهو باطل

 

إجماعا، الا في موارد معينة ورد الدليل عليه. نعم التزامه بالوفاء بهذه المعاملة والثبوت والوقوف عندها مربوط بوجود هذا الوصف، أو هذا الشرط، أو العمل على طبق هذا الشرط، فإذا لم يوجد ذلك الشرط وذلك الوصف فلا ملزم في البين. وأما حديث ان مقدارا من الثمن وان لم يقع مقابل الشرط في عالم الانشاء، ولكن لا شبهة في وقوعه مقابله في عالم اللب، فمما لا ينبغي الالتفات إليه، لان الاغراض والدواعي لا اعتبار بها في أبواب المعاملات، بل المناط كل المناط في تلك الابواب هو وقوع العقد والانشاء على أي شيء وأما الاغراض والارادات النفسانية فلا اثر لها ما لم تقع تحت الانشاء. الرابع: لو تعذر الشرط بعد خروج العين عن تحت سلطنة المشروط عليه ببيع أو هبة أو غير ذلك من التصرفات الناقلة أو بتلف أو اتلاف وامثال ذلك، فهل للمشروط له فسخ المعاملة واسترجاع العين ان كانت باقية والرجوع إلى المثل أو القيمة - كل واحد منهما في مورده ان كانت تالفة - أو الرجوع إلى المثل أو القيمة مطلقا ؟ وجوه واحتمالات، بل اقوال. وهناك احتمال اخر وهو بطلان ذلك التصرف الناقل. اقول: التحقيق في المقام ان التصرف الناقل من قبل المشروط عليه تارة يكون منافيا لنفس الاشتراط، مثل ان يكون الشرط مثلا وقف الدار فباعها، أو بيعها من زيد فباعها من عمرو. واخرى ليس كذلك، بل كان الشرط اجنبيا عن التصرف الناقل. فالاول: ان قلنا بان الشرط يوجب ثبوت حق مالكي للمشروط له بالنسبة إلى تلك العين التى وقعت عليها المعاملة - من قبيل حق الرهانة ومنذور الصدقة وحق الفقراء بالنسبة إلى المال الذى تعلق به الزكاة، وحق الامام (ع) أو السادة بالنسبة إلى

 

المال الذي تعلق به الخمس، وحق الديان بالنسبة إلى تركة الميت في الدين المستوعب وامثال ذلك - فيكون موجبا لقصر سلطنة المالك وعدم قدرته تشريعا على التصرف الناقل، فيكون نقله باطلا، وللمشروط له استرجاع العين ممن انتقل إليه والزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط. وأما ان قلنا بان الشرط لا يوجب الا وجوبا تكليفيا بالوفاء بالشرط والعمل على طبقه، فالمعاملة وان كانت منهية بالدلالة المطابقية أو الالتزامية ولكن النهي في باب المعاملات مطلقا لا يوجب الفساد، بل يوجبه فما إذا كان متعلقا بالمسبب لا السبب، وبعبارة اخرى: بالمعنى الاسم المصدري لا المصدري. وفيما نحن فيه وان كان النهي على تقدير وجوده متعلقا بالمعنى الاسم المصدري ولكن الشأن في وجوده، لان التصرف الناقل في المفروض ضد للوفاء بالشرط، وليس نقيضه، وقد تحقق في الاصول عدم اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده، فلا نهي كي يقال بانه متعلق بالسبب أو المسبب، فبناء على هذا لو لم نقل بان الشرط يوجب ثبوت حق مالكي للمشروط له فلا مانع من صحة تصرفاته الناقلة. هذا في مقام الثبوت. وأما في مقام الاثبات، فالظاهر من قوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم أو قوله (ع) كل شرط جائز الا ما خالف الكتاب هو ثبوت حق للمشروط له، فتكون تصرفات المشروط عليه باطلة ولا يحتاج إلى فسخ المشروط له. هذا كله فيما إذا كان تصرف المشروط عليه منافيا لنفس الاشتراط أي: كان خلاف ما اشترط عليه. وأما الثاني أي: التصرفات التي لا تكون منافية لما اشترط عليه، بل تكون اجنبية عن الشرط، كما إذا باع داره مثلا واشترط على المشتري ان يخيط ثوبه مثلا أو عملا اخر، فلو تعذر الشرط في هذه الصورة بعد ذلك التصرف الناقل فلا وجه

 

للقول ببطلان ذلك التصرف، لان الدار مثلا في المفروض صارت ملكا طلقا للمشتري وان قلنا بان الشرط يوجب ثبوت حق مالكي للمشروط له على المشروط عليه، لان بطلان بيعه ليس من اثار ثبوت ذلك الحق، بل غاية ما يمكن ان يقال ان اثر ذلك الحق تغريم المشروط عليه بقيمة ما شرط وماليته، واما منعه عن بيع ماله أو أي تصرف مشروع اخر فلا وجه له اصلا. نعم يبقى الكلام في انه هل للمشروط له فسخ المعاملة بعد تعذر ذلك الشرط أم لا ؟ لعدم بقاء موضوع للفسخ، لان انتقاله إلى الغير بمنزلة تلفه فلا يمكن استرجاعه. والتحقيق: ان له الفسخ لما ذكرنا ان التزامه بالوفاء بهذه المعاملة والثبوت عنده، وعدم نقضه لها كان مشروطا بوجود ذلك الشرط، فإذا تعذر وجوده باي سبب كان فليس له التزام، فلا يجب الوفاء عليه وله حل تلك المعاملة. وأما حديث عدم بقاء موضوع الفسخ فمما لا اساس له، حتى في مورد التلف الحقيقي لما انتقل إلى المشروط عليه فضلا عن انتقاله بناقل شرعي إلى غيره، وذلك لان الفسخ ليس معناه استرجاع العين كما توهم، بل معناه حل تلك المعاهدة التي وقعت بينهما، ورفع التزامه ونتيجة ذلك هو انه بعد حل المعاهدة وفسخ العقد، فان كانت العين باقية في يد المشروط عليه يسترجعها، وان كانت تالفة فيرجع إلى مثلها أو قيمتها كل واحد منها في مورده أي: المثل في المثلي والقيمة في القيمي. وان كانت نقلت إلى غيره بالتصرف الناقل فيحتمل بطلان العقود المترتبة على هذه المعاملة التى فسخها بواسطة تعذر شرطها، ويحتمل الرجوع إلى المثل أو القيمة كما في مورد التلف الحقيقي على القولين في المسألة. وأما التفصيل بين العتق وسائر التصرفات الناقلة - بالرجوع إلى القيمة في العتق، والبطلان في سائر التصرفات الناقلة - فلا وجه له، وان نسب هذا التفصيل إلى ص 311

 

العلامة (1) والشهيد الثاني (قدهما) وذلك لان بطلان العقود المترتبة من جهة كشف الفسخ عن عدم ورود العتق في مورده، فان مورده الملك المستقر لا الملك المتزلزل. وأما قضية بناء العتق على التغليب، فالمراد منها ان العبد لو انعتق شقص منه يسري إلى البقية، واين هذا من صدوره عمن هو ليس اهلا لذلك لتزلزل ملكه وعدم استقرار مالكيته وكونها في معرض الزوال ؟ ! فان قلنا بعدم بقاء العقود المترتبة بعد فسخ المعاملة التي تكون هذه العقود مترتبة عليها فلا فرق بين العتق وسائر العقود. الخامس: هل للمشروط له اسقاط شرطه أم لا ؟ اقول: ان كان الشرط من قبيل شرط النتيجة وكان الشرط كافيا في تحققها وحصولها ولم تكن وجودها محتاجا إلى وجود سبب خاص - كما رجحنا ذلك في باب اشتراط كون الشيء الفلاني ملكا للبايع مثلا أو لغيره - ففي هذه الصورة يحصل الشرط بنفس الاشتراط في ضمن المعاملة بعد تحقق تلك المعاملة، فالاسقاط لا معنى له، لان ما صار ملكا لشخص لا يخرج عن ملكه باسقاطه أو باسقاط شخص اخر. وكذا لو كانت النتيجة المشروطة انعتاق عبد المشروط عليه وقلنا بان العتق يحصل بنفس الاشتراط ولا يحتاج إلى سبب خاص، فبعد وجود المعاملة التي وقع في ضمنها هذا الشرط يتحقق الانعتاق ولا يبقى مجال لاسقاط الشرط كما هو واضح. ولا فرق فيما قلنا - من عدم تأثير الاسقاط وعدم قابليته له - بين ان يكون المشروط بطور شرط النتيجة ملكية مال شخصي أو مال كلي في ذمة المشروط عليه، لما ذكرنا ان الشرط يحصل بعد وجود المعاملة التى وقع هذا الشرط في ضمنها، فيشتغل ذمة المشروط عليه بذلك المال الكلي بمحض وجود العقد، فلا يبقى مجال لاسقاط الشرط.

 

(هامش)

 

: 1 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 492. (*).

 

نعم له ابراء ذمة المشروط عليه عما اشتغلت ذمته به، وهذا غير اسقاط الشرط. والحاصل: ان الذي قابل للاسقاط هو الحق، وأما المال فليس قابلا للاسقاط سواء أكان شخصيا أو كليا نعم المال الكلي قابل للابراء. هذا كله في شرط النتيجة وأما شرط الفعل فبناء على ما اخترنا من انه يوجب ثبوت حق على المشروط عليه للمشروط له، فله اسقاط ذلك الحق لان كل حق قابل للاسقاط، وهذه خاصة شاملة للحق، حتى ان به عرف الحق وجعلوا ذلك هو الفرق بين الحق والحكم. ولا فرق في ذلك بين ان يكون ذلك الشرط - أي: شرط الفعل والعمل - مما له مالية عند العرف كخياطة ثوبه أو بناء داره، وبين ان لا يكون له ذلك، كما إذا شرط عليه عتق عبده أو غير ذلك. نعم في خصوص شرط عتق عبده وقع الخلاف في انه هل له اسقاط هذا الشرط أم لا ؟ فقال جماعة كالعلامة (1) والشهيدين وفخر الدين (2) (قدهم) بعدم كون اسقاط هذا الشرط له، وربما علل عدم سقوطه باسقاطه بانه اجتمع فيه حقوق ثلاثة: حق المشروط له، وحق الله، وحق للعبد، فهو وان كان قابلا للاسقاط من ناحية حق المشروط له، ولكن ليس قابلا للاسقاط من ناحية الحقين الاخرين، لان أمرهما ليس بيد المشروط له، لانه اجنبي منهما. ولكن انت خبير بان هذا كلام عجيب، من جهة انه اي حق للعبد، ومن اين جاء له ذلك ؟ نعم العبد ينتفع من وفاء المشروط عليه بهذا الشرط، وهذا غير كونه صاحب حق على البايع أو المشترى.

 

(هامش)

 

: 1 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 492. 2 ايضاح الفوائد ج 1، ص 514. (*).

 

ثم على تقدير حدوث حق له بهذا الشرط ليس امرا مستقلا بل تابع لحق المشروط له وجودا وعدما لانه من شؤنه ومعلوله فلو اسقط المشروط له حقه فهو ينعدم قهرا وبالتبع. وأما حق الله المدعى في المقام فليس شيء في البين إلا وجوب الوفاء بهذا الشرط على المشروط عليه ومعلوم أن وجوب الوفاء تابع لبقاء حق المشروط له فإذا اسقط لا يبقى موضوع لوجوب الوفاء فينعدم ايضا قهرا. فظهر انه لا فرق في شرط الفعل بين ان يكون شرط عتق عبده أو غير ذلك من الافعال والاعمال التى يجوز اشتراطها شرعا وأيضا لا فرق بين ان يكون لذلك الفعل والعمل مالية أو لا يكون، ففى جميع ذلك الامر يدور مدار انه هل الشرط يوجب ثبوت حق للمشروط له على المشروط عليه ام لا ؟ فان قلنا بثبوته فهو قابل للاسقاط وإلا فلا. السادس: في أن الثمن هل يقسط على المبيع والشرط في الشرط الواقع في ضمن عقد البيع مثلا ام لا ؟ والتحقيق - بعد ما عرفت فيما تقدم ان الشرط ليس طرفا للمعاوضة والمبادلة ولا يقع شيء من الثمن في البيع مثلا باذائه - انه على اقسام: الاول: ان يكون خارجا عن حقيقة العوض والمعوض بأن لا يكون من ذاتياتهما ولا من اوصافهما المتحد وجودا معهما ولا من اجزائهما وذلك مثل ان يبيع داره بثمن كذا بشرط أن يخيط ثوبه أو يعمل له عملا آخر. فهذا العمل الذى هو الشرط في ضمن عقد البيع ليس من أجزاء تلك الدار ولا من أوصافها ولا هو عند العرف من قبيل صورتها النوعية بل صرف التزام من قبل المشتري مثلا بأمر في ضمن تلك المعاوضة أي معاوضة الدار بالثمن المذكور، ففى مثل هذا المورد لم يقع الشرط في مقابل الثمن أصلا، بل يكون تمام الثمن بازاء نفس الدار.

 

والتزام المشتري بأن يعمل له عمل كذا التزام آخر في ضمن الالتزام الاول واجنبي عن كلا العوضين فلا وجه لان يكون جزء من الثمن باذائه. ومثل شرط العمل اشتراط ان يعطي له عينا متمولا خارجيا فانه في ذلك العقد لم تجعل المبادلة بين ذلك الثمن وتلك العين بل جعل المبادلة وأنشأها في المثل المفروض بين نفس الدار والثمن المذكور فلا ينبغي أن يشك وأن يحتمل وقوع شيء من الثمن في قبال ذلك الشرط. الثاني: أن يكون الشرط من أوصاف المبيع مثلا كأن يقول بعتك هذا العبد الكاتب أو هذا العبد بشرط أن يكون كاتبا، وهذا القسم ايضا مثل القسم الاول التزام آخر في ضمن الالتزام الاول والبايع أنشأ المعاوضة والمبادلة بين هذا العبد الشخصي الخارجي والثمن المذكور، ففى مقام الانشاء جعل تمام الثمن بدلا وعوضا في مقابل هذا العبد الشخصي. غاية الامر انه التزم بأن يكون هذا العبد متصفا بصفة كذا ويكون التزامه بالوفاء بتلك المعاملة في ظرف وجود هذا الشرط فإذا تعذر أو لم يعمل المشروط بما التزم فلا يبقى التزام للمشروط له فيكون له الخيار. وأما أصل المعاوضة والمبادلة فليست معلقة ولا مشروطة بأمر وإلا يكون العقد باطلا لمكان التعليق في المنشأ الذي بطلانه اجماعي، فعدم تقسيط الثمن على الشرط في هذا القسم ايضا واضح. الثالث: أن يكون الشرط عنوان المبيع أو ما وقع عليه المعاوضة في سائر المعاوضات غير البيع ويكون عند العرف من قبيل صورته النوعية وان لم يكن كذلك حقيقة وواقعا كما إذا قال للمشتري بعتك هذه الجارية الرومية ولم تكن كذلك بل كانت حبشية فعند العرف الجارية الحبشية مخالفة في النوع مع الرومية ويكون من قبيل الجوز واللوز وان كانت بحسب الواقع متحدة معها في النوع لان كلتيهما من نوع

 

واحد وهو الانسان ولكن في ابواب المعاملات المناط هو النظر العرفي لا الدقة العقلية لان عليه مدار معاملاتهم. وتخلف الشرط في هذا القسم موجب لبطلان المعاملة لان المعاوضة وقعت بين الثمن والمعوض الذي له تلك الصورة النوعية، فإذا سئل المشتري وقيل له ما اشتريت ؟ يقول: الجارية الرومية وينكر كون المبيع هي الجارية الحبشية والعرف يصدقونه في هذا القول. الرابع: ان يكون للشرط جهتان: جهة جزئية وذاتية للمبيع مثلا أو لمعوض آخر في سائر المعاوضاف، وجهة وصفية عرضية، فبالاعتبار الاول يقع في مقابل جزء من الثمن أو من سائر الاعواض وبالاعتبار الثاني يكون خارجا عن دائرة المعاوضة والمبادلة ولذلك وقع الخلاف والنزاع في هذا القسم وانه هل يقسط الثمن عليه ام لا. ومثال هذا القسم كما إذا باع صبرة على انها عشرين صاعا فظهرت أقل أو اكثر أو باع أرضا على انها مأة جريب فظهر كونها أقل أو اكثر وفى هذا القسم من الشرط صور أربع كما ذكرها في التذكرة (1) لان المبيع والشرط اما يكونان متساوي الاجزاء أو يكونان مختلفها وفى كل واحدة من الصورتين اما يظهر النقص عما شرط أو الزيادة عنه، فهذه أربعة أقسام الاول: ان يكون المبيع متساوي الاجزاء وظهر النقص عما شرط كونه كذا مقدار، مثلا شرط كون الصبرة التى باعها عشرين صاعا فظهر انها أقل من ذلك فالمشهور قالوا بالتقسيط. والعمدة في وجهه ان كمية الشيء وان كانت من اعراض الشيء واوصافه إلا أن المعاوضة في بعض الاشياء تكون باعتبار الكمية كما أن الامر كذلك في أغلب ما

 

(هامش)

 

: 1 - تذكرة الفقهاء ج 1، ص 494. (*).

 

يكون من المكيل أو الموزون كالحنطة والشعير والارز والدهن واللحم وامثالها. ولذلك ربما تكون المقاولة بين البايع والمشتري قبل البيع بأن كل صاع من هذه الصبرة بكذا، فحين البيع يقول: بعتك هذه الصبرة بكذا بشرط أن يكون عشرين صاعا مثلا فلا محالة يكون الثمن بنظر المتعاملين والعرف مقابل عشرين صاعا اي كل صاع من المبيع يقع في مقابل جزء من الثمن. فلو فرضنا انه باع هذه الصبرة الشخصية الموجودة بعشرة دراهم على انها عشرين صاعا فيكون كل صاع منها مقابل نصف درهم فلو ظهر بعد وقوع العقد انها عشرة صيعان له أن يسترجع من الثمن المسمى نصفه أي خمسة دراهم، لما ذكرنا من أن العرف والعقلاء يرون الثمن مقابل الكمية. وبعبارة أخرى يكون حال الكمية في هذا القسم حال الصورة النوعية الحقيقية أو العرفية في القسم الثالث من حيث كونها مناط المالية ووقوع الثمن بازائها فتكون جزء المبيع لا انها من أوصافه فيدخل في باب تبعض الصفقة لا في باب تخلف الوصف الذى لا يوجب إلا الخيار كما تقدم تفصيله وبعبارة اوضح يكون تبين النقص في المبيع المتساوي الاجزاء كظهور كون بعض المبيع مما لا يملك ومما لا يملكه البايع غاية الامر في باب تبعض الصفقة بعض المبيع في حكم العدم من جهة إلقاء ماليته شرعا بالنسبة إلى ما لا يملك شرعا وان كان عند العرف له مالية أو من جهة كونه لغير البايع فلا يجوز تصرف البايع فيه، وفى هذه الصورة معدوم واقعا فيكون المشتري مخيرا بين الفسخ وعدم امضاء هذه المعاملة اصلا لعدم التزامه بالثبوت عند مبادلة هذا الناقص عما شرط وبين امضاء هذه المعاملة بالنسبة إلى المقدار الموجود واسترجاع باقي الثمن. وأما ما ربما يقال بل قاله جماعة من الاعاظم ان الموجود الخارجي الشخصي - الذى هو المبيع في المفروض - لا يزيد ولا ينقص بل يكون على ما هو عليه من

 

المقدار ولا يتغير بالشرط وما وقع عليه العقد اي تلك العين الخارجية - لم يتبين فيه نقص كي يكون من قبيل تبعض الصفقة فهو وقع الطرف المعاوضة بدون ادنى تغير فيه. نعم البايع وصفه بوصف غير موجود فيه اعني الكمية الكذائية فليس في البين إلا تخلف ذلك الوصف المذكور فلا يوجب الا الخيار وقد تقدم تفصيل كونه موجبا للخيار فلا نعيد. ففيه: ان الموجود الخارجي في المفروض تعنون بالكمية الكذائية فعند المتفاهم العرفي وما هو الظاهر عندهم ان المبيع في المفروض عبارة: عن تلك الكمية الكذائية لا ان المبيع تلك العين الخارجية والكمية الكذائية وصف له كي يكون تبين النقيصة من قبيل تخلف الوصف لا يوجب الا الخيار، فإذا كان المبيع تلك الكمية الكذائية وبعضها غير موجود، فيكون من باب تبعض الصفقة فيكون الامر كما ذهب إليه المشهور. والحاصل ان ما نحن فيه يكون من قبيل ان يشير إلى الكتاب الموضوع في قدامه ويقول بعتك هذا الكتاب الموجود الذى هو مجلدين من كتاب الرياض أو الروضة ثم تبين انه مجلد واحد من احد ذينك الكتابين فهل ترضى من نفسك ان تقول ان المبيع هو هذا الموجود الخارجي ؟ الذي لا يتغير وليس في البين إلا تخلف الوصف ؟. ويدل على ما ذكرنا ايضا خبر عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) في رجل باع ارضا على انها عشرة اجربة فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده ونقد الثمن ووقع صفقة البيع وافترقا فلما مسح الارض إذا هي خمسة اجربة قال (ع) ان شاء استرجع فضل ماله وأخذ الارض وان شاء رد المبيع واخذ ماله كله إلا ان يكون له إلى جنب تلك الارض ايضا ارضون فليؤخذ ويكون البيع لازما عليه وعليه الوفاء بتمام البيع. فان لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فان شاء المشتري اخذ الارض

 

واسترجع فضل ماله وان شاء رد الارض واخذ المال كله (1). وتقريب الاستدلال بهذا الخبر هو ان بائع الارض التزم بكون الارض التى باعها عشرة اجربة فتبين نقصها وانها خمسة اجربة فلو كان مثل سائر موارد تخلف الوصف لكان جوابه (ع) ان المشتري بعد تبين النقص مخير بين الفسخ والامضاء يتمام الثمن لا انه مخير بين الامضاء واسترجاع فضل ماله وبين رد الارض وأخذ ماله كله. فمن جوابه (ع) يستكشف تقسيط الثمن على اجزاء المبيع اي الكمية المذكورة في متن العقد وان كان بصورة الشرط وقد تقدم انه لا تأثير في اختلاف العبارة، ولا فرق بين ان يكون بصورة الشرط أو يكون بصورة الوصف بل المناط كل المناط هو ان يكون الوصف عنوانا للمبيع عند العرف ومن قبيل صورته النوعية، فيكون تخلفه مبطلا أو يكون الوصف للمبيع فيكون موجبا للخيار فقط سواء أكان بصورة الاشتراط أو التوصيف. وفى الاشتراط ايضا لا فرق بين ان يكون بأمر خارج عن المبيع كخياطة ثوب البايع مثلا أو يكون من شؤون المبيع وأوصافه أو يكون الشرط كمية المبيع فيكون تخلفه من قبيل تبعض الصفقة وتكون المعاملة بالنسبة إلى الكمية الموجودة صحيحة غاية الامر للمشتري خيار تبعض الصفقة ولذلك لو امضى المعاملة يسترجع فضل ماله كما هو مذكور في الرواية. واما الاشكال على الاستدلال بالرواية بأنها في مختلف الاجزاء فجوابه انه على فرض تسليم انه من قبيل مختلف الاجزاء تكون دلالتها على المقام بالاولوية. الثاني: أن يكون المبيع مختلف الاجزاء وتبين النقص عن الكمية المذكورة في متن العقد وفى هذا القسم ايضا ذهب الاكثر إلى التقسيط لعين ما ذكرنا في القسم الاول

 

(هامش)

 

1 - الفقيه ج 3، ص 239، باب بيع الكلاء والزرع...، تهذيب الاحكام ج 7، ص 153، ح 675، باب أحكام الارضين، ح 24، وسائل الشيعة ج 12، ص 361، ابواب الخيار، باب 14، ح 1. (*).

 

أي المبيع لمتساوي الاجزاء، ولرواية عمر بن حنظلة التي هي نص في المقام. ولا يأتي هاهنا الاشكال المتقدم في القسم الاول من ان ظاهر الرواية كون هذا الحكم في مختلف الاجزاء فلا تشمل صورة كون المبيع متساوي الاجزاء. فيجاب: ان شمولها لمتساوي الاجزاء بالفحوى، وذلك لان هذا القسم الثاني على الفرض هو المبيع المختلف الاجزاء فتكون الرواية نصا فيه. وأما الاشكال في سند الرواية مع عمل الاكثر على طبقها - خصوصا عمل من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن ادريس (1) - فلا مجال له. نعم ذكر فخر الدين - ابن العلامة (قدهما)، اشكالا على التقسيط في المقام (2) حاصله ان التقسيط متوقف على معرفة قيمة الجزء الفائت بالنسبة إلى قيمة مجموع الاجزاء المذكورة في متن العقد كي يمكن استرجاع قيمة مقدار الفائت من اجزاء المبيع من الثمن للمجموع، وهذا المعنى في متساوي الاجزاء يمكن لانه إذا باع الحنطة مثلا على انها عشرين صاعا فتبين كونها خمسة عشر صاعا فالمقدار الفائت ربع المجموع وقيمته ايضا ربع قيمة المجموع فيسترجع ربع الثمن، وذلك من جهة ان الاجزاء والابعاض متساوية في القيمة ان كانت متساوية في المقدار. واما في مختلف الاجزاء فلا يمكن ذلك لانه إذا كانت قيمة الاجزاء مختلفة فلا يمكن تعيين ما يكون قسطا للمقدار الفائت مما ذكر في متن العقد من ثمن المسمى لان المفروض اختلاف الاجزاء في القيمة فمن الممكن ان يكون المقدار الفائت وان كان بحسب المقدار ربع المجموع ولكن بحسب القيمة يكون مساويا مع ثلاثة ارباع الموجودة غير الفائتة. وليس الفائت موجودا كي يقومه المقومون ولا له مثل كي يقاس به فلا طريق

 

(هامش)

 

1 - السرئر ج 1، ص 47. 2 - إيضاح الفوائد ج 1، ص 515. (*).

 

 

إلى معرفة قسط الفائت من ثمن المسمى بل تحصيله بطور التحقيق بحيث يعلم بأنه قسطه محال، لان المفروض أن الاجزاء مختلفة بحسب القيمة. مثلا هذه الارض التى اشتراها على انها عشرة امتار فظهر انها خمسة امتار فالخمسة الفائتة يمكن ان تكون أمتارها كلها من الغاليات ويمكن ان تكون كلها من الرخيصات ويمكن ان تكون من المختلفات، فبعضها يكون من الغاليات وبعضها من الرخيصات على اختلاف مراتب الغاليات والرخيصات ايضا، وحيث انها ليست ولم تكن موجودة أصلا فلا يمكن تشخيصها وتعيينها لنا بل ليس لها تعين في حاق الواقع. نعم لو كانت موجودة في زمان من الازمنة لكان لها تعين في الواقع وان كانت مجهولة عندنا، وعلى كل حال فلا يمكن التقسيط لعدم الطريق إلى معرفة قسطها من المسمى فلا بد ان يفرق بين المبيع المتساوي الاجزاء من حيث القيمة وما هو مختلف الاجزاء من هذه الحيثية إذا تبين نقصان مقدارها عما شرط في متن العقد بالتقسيط في الاول دون الثاني كما ذهب إليه فخر الدين ابن العلامة (قدهما) وجمع آخر. ولكن يمكن ان يقال بعد الفراغ عن أن البيع وقع على عشرة اجربة، والموجودة خمسة من الارض المختلفة بحسب القيمة أجزاؤها كالارض الواقعة على الشارع بعضها دون البعض الاخر، ومعلوم ان الواقع منها على الجادة العمومية يساوي أضعاف ما هو بعيد عن الجادة. والفائت لا يمكن ان يحسب بحساب الارض الواقعة على الجادة ولا بحساب ما هو بعيد عن الجادة لانه لا يعلم انه من أي واحد من القسمين بل ليس من كل واحد من القسمين واقعا لانه لم يوجد كي يكون من احدهما ففي حاق الواقع ليس له قسط احدهما، فاستحقاقه معلوم بقيمة خمسة جربان مجهول القيمة من جهة الجهل بكونها من اي قسم بل القطع بانها ليست من كل واحد من القسمين أو الاقسام، لانها غير

 

موجودة. فطريق وصول ما يستحق من جهة قيمة الفائت هو التصالح القهري كما قلنا في درهم الودعي أو يعمل بقاعدة العدل والانصاف وذلك بتضاعف كل جزء من الموجود فيؤخذ نصف قيمة المجموع للفائت. وذلك من جهة ان مشتري الارض حيث انه يشتري بالمشاهدة فهو رأى الخمسة عشرة، فكأنه بنى على تضاعف كل جزء مما شاهده واشترى الارض مبنيا على هذا. وحيث انه تقدم أن المسألة في هذا القسم من قبيل تبعض الصفقة وتبعض الصفقة فيما نحن فيه لا يتصور إلا بهذا الترتيب، لانه ليس بحسب الواقع صفقة مركبة من جزئين: احدهما موجود والآخر فائت ومعدوم بل التركب في الصفة خيالي لا واقعية له فلا بد وأن يفرض كل جزء ضعف ما هو عليه بحسب الواقع كي تحصل الصفقة المركبة الخيالية. ذكر هذا الطريق شيخنا الاعظم الانصاري (قده) (1) ولا بأس به - وان لم يحصل بهذه الطريقة قسط الواقعي للفائت من ثمن المسمى - لانه أقرب إلى العدل والانصاف. الثالث: تبين الزيادة في المبيع المتساوي الاجزاء من حيث القيمة بالنسبة إلى ما شرطا أو احدهما من كمية المبيع مثلا لو باع الصبرة من الحنطة على انها عشرين صاعا فتبين انها ثلاثين صاعا. فمقتضى ما ذكرنا في طرف النقيصة - ان الجملة ظاهرة في ان المبيع مجموع الموجود والفائت وان الفائت جزء للمبيع. ولذلك يقسط عليه الثمن ويكون من باب تبعض الصفقة يسترجع قسط الفائت ويكون له الخيار ايضا بالنسبة إلى الموجود –

 

(هامش)

 

: 1 - المكاسب ص 287. (*).

 

هو ان تكون الزيادة ملكا للبايع وأن لا يكون خيار في البين. أما كون الزيادة باقية على ملك البائع فلانها خارجية عن المبيع لان المبيع بناء على ما ذكرنا في القسمين الاولين - أي تبين النقيصة في متساوي الاجزاء وفى مختلف الاجزاء - يكون عبارة: عن نفس الكمية المذكورة في متن العقد والمفروض في هذا القسم الثالث هو تبين الزيادة على الكمية المذكورة في متن العقد فتكون تلك الزيادة خارجية عن المبيع وباقية على ملكيته للبايع. واما عدم الخيار فلعدم تبعض الصفقة لان الصفقة في المفروض عبارة عن الكمية المذكورة في متن العقد وهى موجودة على الفرض، واحتمال أن يكون المبيع هي الكمية المذكورة بشرط لا عن الزيادة - بحيث يكون عدم الزيادة عن الكمية المذكورة وصفا للمبيع أو شرطا على البايع أو على المشتري فيأتي خيار تخلف الوصف أو تخلف الشرط - ملغى في نظر العرف والعقلا أي ليس احتمالا عقلائيا فلا يعتنى به. نعم لو كانت قرينة في البين على أن المراد من اشتراط كون المبيع كذا مقدار هو ان لا يكون أقل من ذلك المقدار، وإلا فهو نقل إلى المشتري تمام ما هو الموجود سواء أكان مساويا لما ذكره في متن العقد أو كان اكثر فيكون المجموع للمشتري ولا خيار لانه ليس تخلف الشرط أو للوصف في البين فالمسألة واضحة على جميع التقادير. نعم لو كان مدرك اخذ ما يقابل الفائت من ثمن المسمى رواية عمر ابن حنظلة حيث انه كان مفادها ان البايع لو لم يكن له بجنب تلك الارض أرض اخرى يتدارك بها المقدار الفائت عما شرطه في متن العقد يلزم عليه رد ما يقابل الفائت من ثمن المسمى إلى المشتري. فهذا الدليل لا يأتي في هذا القسم أي فيما إذا تبين الزيادة عن المقدار الذى شرطه في متن العقد، لان الرواية واردة في النقيصة لا في الزيادة فيكون الحكم في طرف الزيادة على طبق ما تقتضيه القواعد الاولية وذلك لعدم شمول الرواية لهذا القسم.

 

ومقتضى القواعد - بناء على هذا اي بناء على ان يكون المدرك في القسمين الاولين هي الرواية لا القاعدة - هو أن المسألة تكون من باب خيار تخلف الوصف أو الشرط، فإذا فسخ يرجع تمام الثمن إلى المشتري - وتمام المثمن إلى البايع وان امضى فيكون تمام المبيع حتى الزيادة ملكا للمشتري لان تمام الموجود هو المبيع ولم يتخلف إلا الوصف أو الشرط. الرابع: تبين الزيادة في مختلف الاجزاء مثلا باع أرضا على انها خمسة اجربة فلما مسحها المشتري أو البائع ظهر انها عشرة فبناء على القاعدة المتقدمة وهي ان المبيع هي الكمية المذكورة في متن العقد لا الشخص الموجود في الخارج بجميع تعيناته غاية الامر وصفه البائع بوصف الكمية الكذائية أو شرط المشتري كونه كذا مقدار فالزيادة تكون ملكا للبايع. وحيث أن الزيادة مشاعة فيكون البايع شريكا مع المشتري فيأتى خيار الشركة ويترتب عليها ان لم يفسخ المشتري اثار الشركة. واما بناء على ان يكون المدرك لاسترجاع ما يقابل الفائت هناك من ثمن المسمى هي الرواية لا القاعدة وإلا فالمبيع تمام الموجود فيكون تمام المبيع للمشتري ولا خيار في البين أصلا. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: الشرط الواقع في ضمن جميع العقود اللازمة - على التفصيل الذى تقدم - يكون من صغريات هذه القاعدة وموارد تطبيقها، فإذا كان ذلك الشرط صحيحا يجب الوفاء به. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا