(قاعدة الوصية حق على كل مسلم (2

وأيضا مما يدل على هذا الحكم مضمرة سماعة قال: سألته عما يرد من الشهود؟ قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم (1). وقد ظهر مما تقدم أنه لو كان وصيا في إخراج مال معين، فشهد للميت بمال على رجل يوجب كون إخراج ذلك المال المعين جميعه من الثلث لا تقبل. مثلا لو كان وصيا في إخراج ألف دينار وصرفه في الميراث وجميع التركة ألفان ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث، فشهد الوصي بألف دينار للميت على رجل لا تكون الوصية زائدا على الثلث لو قبلت شهادته، ولو لم تقبل ينقص عن الألف المقدار الزائد على الثلث ويمنع الوصي عن التصرف في ذلك المقدار، فشهادته لو قبلت توجب توسعة تصرفه فلذا لا تقبل. وذلك كما أنه لو وقع الخلاف بين الورثة والوصي في مقدار الوصية وادعى الوصي أنه الثلث، وقال الوارث إنها الربع أو الخمس مثلا، فشهادة الوصي أنها الثلث لا تقبل، فكذلك الأمر فيما نحن فيه. وحاصل الكلام أنه كلما كان موجبا لنفع الوصي، وراجعا إلى توسعة تصرفه فشهادته لا تقبل فيه، لأنه يكون مدعيا، وشهادة المدعي لا تقبل فيم يدعيه. الأمر الرابع في الموصى له ويشترط فيه أن يكون موجودا حال الوصية وأن يكون قابلا للتملك في الوصية 

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 6، ص 242، ح 599، باب البينات، ح 4، الاستبصار ج 3، ص 14، ح 38، باب شهادة الشريك، ح 1، وسائل الشيعة ج 18، ص 278، أبواب الشهادات، باب 32، ح 3. (*)

 

التمليكية، فإذا كان موجودا ولكن لا يكون قابلا للتمليك فلا يجوز أن يوصى له كي يكون هو الموصى له، مثل أن يوصى لغير الإنسان من الجمادات أو النباتات أو الحيوانات غير الإنسان. وذلك لأن الوصية التمليكية عبارة عن تمليك مال للموصى له، فلا بد وأن يكون الموصى له قابلا للتملك وإلا لا يتحقق التمليك. وأما اشتراط كونه موجودا فلأن المعدوم ليس قابلا لأن يتملك، والوصية التمليكية عبارة عن إنشاء ملكية مال لشخص، غاية الأمر أن إنشاء الموصى يتعلق بملكية ذلك المال لذلك الشخص الذي نسميه بالموصى له بعد موت الموصى، فكونها بعد الموت من قيود المنشأ لا الإنشاء، فلا يمكن إنشاء مثل هذه الملكية المقيدة لما هو معدوم حال الإنشاء. وذلك من جهة أن الملكية وإن كانت أمرا اعتباريا، ولكن لها إضافتين: إضافة إلى الشيء الذي يعتبر ملكيته وبهذه الإضافة يسمى ملك أو مملوك، وإضافة إلى من يملك ذلك الشيء وبهذا الاعتبار يسمى بالمالك، فلا تتحقق الملكية في عالم الاعتبار بدون هذين الاعتبارين. وذلك مثل الزوجية الاعتبارية التي لا يمكن تحققها إلا بوجود امرأة تكون معروضا لعنوان أنه زوجة، وشخص يكون اعتبار زوجيتها له الذي نسميها بالزوج، فكما لا معنى لاعتبار زوجية امرأة بالفعل للزوج المعدوم، كذلك لا معنى لاعتبار ملكية مال للمالك المعدوم. وأشكلوا على هذا بصحة اعتبار الملكية للمالك المعدوم فعلا حال اعتبار الملك له، كم في الوقف على البطون المتأخرة وجودهم من حال الوقف بناء على أن الوقف تمليكا لهم، غاية الأمر ملكا غير طلق بل ملكا محبوسا بحيث لا يباع ولا يورث ولا يرهن. وأجيب عن هذا الإشكال بأنه في باب الوقف على البطون الطبقة الأولى موجودة

 

حال الوقف والواقف يملكهم، ثم بعد انقراضهم يعتبر ملكية طبقة البعد مثل باب الإرث، فإن الشارع اعتبر ملكية المورث الموجود حال الاعتبار بأسبابها، من الحيازة أو العطايا أو الهبات أو بالمعاملات والانتقال إليه بأحد النواقل الشرعية، وأيضا اعتبر بعد موته ملكية ورثته حال وجودهم. وقد جاء الدليل على هذا المعنى بقوله عليه السلام: ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه . وهذا أمر ممكن معقول، وقد جاء الدليل عليه في مقام الإثبات، وهذا ليس من تمليك المعدوم. لا يقال: لا فرق في عدم إمكان التمليك بين عدم الموصى له وبين عدم الموصى به، وذلك لما بينا من أن الملكية لها إضافتان: إحديهما إلى الشيء الذي يتصف بالملكية وأنه مملوك، وأخرى إلى الشخص الذي يتصف بأن الملك له. ويعبر عن الأول بالمملوكية، وعن الثاني بالمالكية. والموصى به هو الأول، والموصى له هو الثاني. فلو قلنا بأن الموصى له لا يمكن أن يكون معدوما، فالموصى به أيضا كذلك، لوحدة المناط فيهما، مع أنه من المسلمات جواز الوصية بالأعيان المعدومة حال الوصية فعلا، وكذلك بالمنافع المعدومة حالها كما إذا أوصى بكون ثمرة هذا البستان لفلان عشر سنين مثلا، بل ينبغي أن يعد جواز الثاني من الضروريات. وفيه: أن هذا ليس من باب تمليك ما هو المعدوم حال التمليك للموصى له، بل من باب تمليك شيء في ظرف وجوده لشخص معين، أو لعنوان من العناوين، أو لطبيعة كلية، ولا مانع عقلا من هذا الأمر. والذي قلنا إنه غير ممكن هو أن لا يكون التمليك بلحاظ حال وجوده، وإلا لا شك في أن الأحكام الوضعية تتعلق بموضوعاتها ومتعلقاتها باعتبار وجود صفة وحالة في تلك الموضوعات، أو بلحاظ ظرف وجود نفس تلك الموضوعات، وإن كان الجعل في حال عدم تلك الموضوعات أو عدم تلك الصفات ولكن اعتبار المجعول بلحاظ ظرف وجود تلك الموضوعات أو تلك الصفات.

 

نعم يحتاج إلى وجود دليل على صحة العقد الفلاني والتمليك بهذا اللحاظ، كما ورد في باب الوقف على البطون من الأخبار والإجماع، بخلاف ما نحن فيه فإن اطلاقات أدلة الوصية يظهر منها أن الموصى في حال الإيصاء ينشئ ملكية المقيدة بما بعد الموت للشخص الفلاني، فلا بد من وجوده في تلك الحال لما بينا وتقدم. فما أفاده في جامع المقاصد بقوله: واعلم أنه قد سبق القول في الوقف جوازه على المعدوم إذا كان تابعا، كما لو وقف على أولاد فلان ومن سيولد له، فأي مانع من صحة الوصية كذلك، فإذا أوصى بثمرة بستانه مثلا خمسين سنة لأولاد فلان ومن سيولد له، فلا مانع من الصحة، بل تجويز ذلك في الوقف يقتضي التجويز هنا بطريق أولى، لأنه أضيق مجالا من الوصية (1). ففيه: أن الفرق بين المقامين جلي، وهو أن في الوقف أتى دليل من الأخبار والإجماع على صحة الوقف على البطون وإن وجد بعضهم مآت من السنين بعد إنشاء الواقف أو بعد موته كذلك. وأما في الوصية فالإجماع على عدم صحة الوصية للمعدوم حين الوصية أو حين موت الموصى. نعم تقدم في بعض الفروع السابقة بالنسبة إلى الموصى به أنه يجوز الوصية بالمنافع غير الموجودة حال الوصية أو حال موت الموصى، كالمثل الذي ذكره في جامع المقاصد من وصيته بثمرة بستانه خمسين سنة لأولاد فلان الموجودين أو الذين سيولدون ويوجدون، فهذا المثل بالنسبة إلى المنافع الموصى بها فلا إشكال فيها، بل ادعى الإجماع على صحتها. وأما بالنسبة إلى الموصى لهم فإن كان كلهم موجودين فلا إشكال أيضا في صحته وإن كان كلهم معدومين فالإجماع على عدم صحتها. وأما إذا كان بعض ولده موجودين وبعض آخر لم يولد بعد، فهذا لا يخلوا من إشكال بالنسبة إلى ذلك البعض الذي لم يوجد بعد.

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 10، ص 41. (*)

 

فرع: لا خلاف بين الإمامية في صحة الوصية إذا كانت واجدة لشرائط الصحة للوارث والأجنبي، وبعض الروايات الواردة في عدم جواز الوصية للوارث يجب طرحها أو تأويله لإعراض الأصحاب عنها، وورود روايات مستفيضة في جوازها له، وقد عقد في الوسائل باب في جواز الوصية للوارث تركنا ذكرها لوضوح المسألة وانعقاد الإجماع على الجواز. وقد ذكر في الوسائل أحدى عشر رواية تدل على الجواز (1). فرع: تصح الوصية للذمي مطلقا، سواء كان أجنبيا أو كان من ذوي الأرحام. وقال في الشرائع: وقيل لا يجوز مطلقا، ومنهم من خص الجواز بذوي الأرحام. والأول أشبه (2). أي القول بالجواز مطلقا أشبه بالقواعد والأدلة من الاطلاقات والعمومات الواردة في الباب. أما من الكتاب العزيز فقوله تعالى: (لا ينهيكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (3) ولا شك في أن الوصية لهم من البر. وأما الروايات فقد عقد في الوسائل بابا لذلك (4). منها: ما عن ريان بن شبيب قال: أوصت مارية لقوم نصارى فراشين بوصية، فقال أصحابنا: اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك، فسألت الرضا عليه السلام فقلت: إن أختي أوصت بوصية لقوم نصارى، وأوردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين، فقال: امض الوصية على ما أوصت به، قال الله تعالى: (فإنما إثمه على

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 13، ص 373، أبواب أحكام الوصايا، باب 15. 2. شرائع الإسلام ج 2، ص 253. 3. الممتحنة (60): 8. 4. وسائل الشيعة ج 13، ص 415، باب جواز الوصية من المسلم والذمي بمال. (*)

 

الذين يبدلونه) (1) (2) . ومنها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله؟ قال: اعطه لمن أوصى له وإن كان يهوديا أو نصرانيا، إن الله تعالى يقول: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (3). ومنها: ما رواه حسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق عليه السلام قال: قال عليه السلام: لو أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعت فيهم، إن الله تعالى يقول: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (4). ولا شك في دلالة الآية هذه والروايات على جواز الوصية للذمي مطلقا، سواء كانوا من ذوي الأرحام أو لم يكونوا منهم. هذا كله مع نفي الخلاف فيه في الخلاف (5)، فيكون عليه الإجماع. وأما القول بعدم الجواز مطلقا، فمستنده يمكن أن يكون بعض الروايات التي ذكرها في الوسائل، كمكاتبة أحمد بن هلال إلى أبي الحسن عليه السلام (6) ومكاتبة على بن

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 181. 2. الكافي ج 7، ص 16، باب آخر منه، ح 2، تهذيب الأحكام ج 9، ص 202، ح 806، باب الوصية لأهل الضلال، ح 3، الاستبصار ج 4، ص 129، ح 486، باب الوصية لأهل الضلال، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 415، أبواب أحكام الوصايا، باب 35، ح 1. 3. الكافي ج 7، ص 14، باب إنفاذ الوصية على جهتها، ح 1، الفقيه ج 4، ص 200، باب وجوب إنفاذ الوصية والنهي عن تبديلها، ح 5462، تهذيب الأحكام ج 9، ص 203، ح 808، باب الوصية لأهل الضلال، ح 5، الاستبصار ج 4، ص 129، ح 488، باب الوصية لأهل الضلال، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 417، أبواب أحكام الوصايا، باب 35، ح 5. 4. الكافي ج 7، ص 15، باب آخر منه، ح 1، تهذيب الأحكام ج 9، ص 203، ح 810، باب الوصية لأهل الضلال، ح 7، الاستبصار ج 4، ص 131، ح 493، باب من أوصى بشيء في سبيل الله...، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 417، أبواب أحكام الوصايا، باب 35، ح 6. 5. الخلاف ج 4، ص 153، المسألة: 26. 6. تهذيب الأحكام ج 9، ص 204، ح 812، باب الوصية لأهل الضلال، ح 9، الاستبصار ج 4، ص 129، (*)

 

بلال أو الهلال (1)، وكلاهما لا ظهور لهما في عدم صحة الوصية للذمي، مضافا إلى إعراض المشهور عنهما. وأما القول بالتفصيل بين ذوي الأرحام منهم فيجوز، وغيرهم فل يجوز، فلم تجد لهذا القول مدركا يمكن الاعتماد عليه والاستناد إليه. هذا كله في الوصية للذمي. وأما الحربي فالظاهر عدم الجواز له، لقوله تعالى: (إنما ينهيكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (2). ولكن الإنصاف أن هذه الآية أخص من المدعى، ول تشمل إلا قسم خاص من الحربي لا كلهم. ولقوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم) (3). ولا شك في أن الوصية لهم من المودة المنهي عنها، فتكون الوصية لهم منهى عنها، والنهي في المعاملات بالمعنى الاسم المصدري يدل على الفساد كما قررناه في الأصول. ولكن هذه الآية أيضا أخص من المدعى، إذ ليس كل حربي محاد الله ولرسوله، مع أن النهي ها هن على تقدير تسليمه ليس متعلقا بنفس المعاملة، بل تعلق بعنوان ملازم للمعاملة أو ملزوم لها، ومثل هذا النهي دلالته على البطلان غير معلوم.

 

(هامش)

 

ح 489، باب الوصية لأهل الضلال، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 416، أبواب أحكام الوصايا، باب 35، ح 2. 1. الفقيه ج 4، ص 336، باب ميراث أهل الملل، ح 5726، وسائل الشيعة ج 13، ص 416، أبواب أحكام الوصايا، باب 35، ح 3. 2. الممتحنة (60): 9. 3. المجادلة (58): 22. (*)

 

والدليل الثالث على عدم صحة الوصية للكافر الحربي هو عدم إمكان العمل بهذه الوصية شرعا، وهذا يدل على فسادها، إذ لا معنى للفساد في أبواب المعاملات إلا عدم لزوم ترتيب الأثر عليها وجواز عدم الاعتناء بها. أما عدم وجوب العمل بهذه الوصية بل عدم جوازه هو أن الحربي لا احترام لماله ولا لنفسه، فلا يجوز أو لا يجب إعطاء ما أوصى له إليه. وإن شئت قلت: لو جازت الوصية للحربي فإما يجب على الوصي الدفع إليه، وهو ممنوع، لجواز أخذه وتملكه، أو لا يجب. وهو أي عدم وجوب الدفع إليه عليه من لوازم الفساد. وخلاصة الكلام أن الأظهر والأحوط عدم الجواز، كما ذهب إليه المحقق، قال في الشرائع: وفي الحربي تردد، أظهره المنع (1). والعلامة في القواعد قال: والأقرب صحة الوصية للذمي وإن كان أجنبيا، والبطلان للحربي (2). وقال في الإيضاح: والصحيح م اختاره المصنف، وهو جوازها للذمي مطلقا والبطلان للحربي والمرتد. (3) والشيخ في الخلاف قال بجواز الوصية للذمي دون الحربي (4). ويستفاد من جامع المقاصد أيضا أنه قائل بعدم الجواز للحربي. (5) فرع: إطلاق الوصية يقتضي التسوية بين من أوصى لهم، فلو أوصى لأولاده تشملهم بالسوية فإذا كانوا ذكورا وإناثا فنصيب الإناث مثل نصيب الذكور، لوحدة السبب لأن السبب لاستحقاق الموصى به هي الوصية، وفي ذلك كلهم سواء، لأن

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 253. 2. قواعد الأحكام ج 1، ص 293. 3. إيضاح الفوائد ج 2، ص 487. 4. الخلاف ج 4، ص 153، المسألة: 26. 5. جامع المقاصد ج 10، ص 52. (*)

 

الموصى لم يفرق على الفرض بين الذكور والإناث، ولا بين العالم والجاهل، ولا بين العادل والفاسق، وهكذا الأمر في سائر الطواري والخصوصيات الواردة على عنوان الموصى له، والمفروض أن كلهم من مصاديق ذلك ومتساوى الأقدام في انطباق العنوان عليها، وحيث لم يفرق الموصى بين هذه الطواري وأطلق العنوان ولم يقيده بأحد هذه القيود وجود وعدما فالإطلاق يقتضي التسوية. وكذلك الأمر لو قال الموصى: المال الفلاني لأخوالي أو لخالاتي أو لأعمامي أو لعماتي بعد وفاتي، فيشملهم بالسوية ولا يقسم بينهم بترتيب الإرث، لأنه في الإرث جاء الدليل على أن تركة الميت ليس بينهم بالسوية، بل لكل صنف منهم نصيب غير نصيب الصنف الآخر، فللذكر منهم ضعف الأناث وإلا هناك أيضا يقسم بينهم بالسوية، فلو كان دليل الإرث فقط قوله عليه السلام: ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه (1) كان يقسم المال بالسوية، وهذا واضح. نعم لو صرح بالتفصيل فلا يبقى مورد للأخذ بالإطلاق، بل يجب العمل على طبق تفصيله. وها هنا رواية تدل على التفصيل، ولكن الأصحاب لم يعملوا بها فصارت مهجورة متروكة، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله، فقال عليه السلام: لأعمامه الثلثان، ولأخواله الثلث (2) وروى هذه الرواية في الكافي بطريق آخر عن ابن محبوب، ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن الحسن بن محبوب، ولكنها لعدم العمل بها وإعراض الأصحاب عنها مطروحة، أو يحمل على أن الموصى أوصى لهما على كتاب الله، أي طريقة الإرث التي في كتاب الله وأن للذكر مثل حظ الأنثيين.

 

(هامش)

 

1. تقدم ذكره في ص 322. 2. الكافي ج 7، ص 45، باب من أوصى لقراباته ومواليه...، ح 3، الفقيه ج 4، ص 208، باب الوصية للأقرباء والموالي، ح 5483، تهذيب الأحكام ج 9، ص 214، ح 845، باب الوصية المبهمة، ح 22، و ص 325، ح 1169، باب ميراث الأعمام والعمات...، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 454، أبواب أحكام الوصايا، باب 62، ح 1. (*)

 

فرع: قال في الشرائع: إذا أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبه (1). أقول: كالهاشمي لأفراد الهاشميين، وكذلك الطالبين والعلويين بالنسبة إلى أفراد هذين العنوانين. ولكن الإنصاف أن العناوين العامة التي تطلق على الأشخاص مختلفة جدا من حيث كثرة المصاديق وقلتها، ومن جهة اتصالهم في أب قريب أو بعيد. والقرب والبعد أيض قد يكون بحسب الزمان، وقد يكون بحسب كثرة عدد الفواصل، وقد يكون بحسب الاثنين، ول شك في أن ذلك اللفظ قد يكون منصرفا عن بعض أفراده بل عن أغلب أفراده، فعنوان الهاشمي أو العلوي أو الحسيني أو الموسوي يطلق على الملايين، ولا شك في أن كلهم أقرباء بمعنى اشتراكهم واتصالهم في النسب، ولكن مع ذلك لفظ الأقرباء منصرف عن أغلب أفراد هذه العناوين المذكورة. فالأحسن بل المتعين إحالة المعنى وتشخيص المراد إلى الظهور العرفي، - أي ما يفهمه العرف من هذا اللفظ - فلا يمكن أن يكون ما ذكره في الشرائع هو المناط في تشخيص المراد من اللفظ. فلو أوصى لذوي قرابته أو أقربائه، فلا يمكن أن يكون كل من هو معروف بنسبة الهاشمي أو العلوي أو العباسي مثلا أو الموسوي أو الفاطمي وأمثالها من أقربائه، لأن اللفظ منصرف عن أغلب الأفراد قطعا، فالمناط هي الإحالة إلى العرف. وفي المفاهيم العرفية أيضا قد يكون معلوم الانطباق، وقد يكون عدم انطباقه معلوم. وحال هذين معلوم في شمول الوصية وعدم شمولها له. وقد يكون مشكوك الإنطباق، فالاطلاق لا يشمله أيضا وخارج عن الحكم، إلا أن يكون أصل موضوعي في البين، وإلا فالمرجع هي الأصول العملية.

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 254. (*)

 

وما ذكرنا من لزوم الإحالة إلى العرف في لفظ ذوي القرابة جار في مطلق الألفاظ التي تقع متعلقا للوصية ويكون الوصية لهم، من لفظ القوم و العشيرة و الجيران وأمثالها، فلا بد وأن يؤخذ بما يفهمه العرف منها إلا أن يأتي دليل من قبل الشارع على التوسعة أو التضييق، مثل الطواف بالبيت صلاة أو المطلقة الرجعية زوجة، فلا نطيل الكلام وإن أطالوا في معنى بعض هذه الألفاظ كلفظ أهل البيت وغيره. فرع: وتصح الوصية للحمل الموجود حال الوصية وإن لم يكن ولجه الروح، لشمول عمومات الوصية وإطلاقاتها له، ولأنه اجتمع فيه الشرطان اللذان للموصى له، وهما وجوده وقابليته للتملك، فلا وجه لعدم صحته، ولكن استقرار الصحة بوضعه حيا وإن وضعته ميت يكشف عن بطلانها من أول الأمر وإن كان حيا حين الوصية، فهو مثل الإرث أي كما أنه يرث إن ولد حيا أما لو ولد ميتا لا يرث وإن كان حال موت مورثه حيا في بطن أمه، وذلك لأن صلاحيته للتملك بالإرث أو بالوصية موقوفة على تولده حيا ولو آنا ما، فلو لم يولد حيا فيستكشف أنه لم يملك أصلا، فالنماء المتخلل بين حال الوصية والولادة، وبين موت المورث وحال الولادة للطفل إن ولد حيا، وللورثة إن لم يولد حيا. والحاصل أن النماء تابع للعين في كلا المقامين. ثم إن من الواضحات أنه لو ولد حيا ثم مات تكون الوصية لورثة الولد من باب الإرث كسائر موارد الإرث، كما أنه لو ولد حيا ثم مات بالنسبة إلى المال الذي ورثه وهو في بطن أمه أيضا كذلك يكون لوارثه. وأما بناء على لزوم قبول الموصى له في صيرورة الوصية ملكا له فهل يحتاج إلى قبول وارث الطفل الذي ولد حيا ومات، أو قبول من هو ولي عليه، أم لا؟ الظاهر عدم الاحتياج، لأنه بالولادة حيا صار ملكا للولد، فالوارث يملك الوصية بالإرث لا

 

بالوصية، فلا يحتاج إلى القبول. نعم يمكن أن يقال - كما هو الظاهر من المسالك (1) -: إن الولد حال الولادة كان قبوله أو قبول وليه شرطا في تأثير الوصية، وحيث أنه لم يكن قبول من كل واحد منهما كما هو المفروض في المقام، فيجب القبول من الوارث أو وليه إن كان صغيرا أو وكيله إن كان كبيرا، وإلا لا يتم الوصية. وهو كلام حسن قوي جدا. ولكن صاحب الجواهر (2) أشكل عليه بأن ظاهر الفتاوي استقرار الوصية بانفصاله حيا. وهذا الكلام منه إن كان ادعاء الإجماع على استقرار الوصية بالانفصال حيا وإن لم يحصل القبول فهو شيء. وبعبارة أخرى: يكون من نقل الإجماع، وإلا لا يسمن ولا يغني من جوع. فرع: لو أوصى في سبيل الله، قيل: يختص بالغزاة، وقيل: يصرف في وجوه البر وفيما فيه أجر وثواب. والاختصاص بالأول لا وجه له، نعم هو أحد طرق سبيل الله والثاني أقرب إلى ما هو المتفاهم العرفي من هذه الكلمة. وقد تقدم منا أن في جميع هذه الموارد لا بد من مراجعة العرف في فهم ألفاظ المستعملة في الموصى به والموصى له كالفقراء والعلماء والقراء أو الأرامل أو لورثة فلان أو لعصبة فلان أو لبني فلان أو للشيوخ أو للكهول أو للشبان أو للعرائس أو للعذارى أو للعجائز، وأمثال هذه الألفاظ من العناوين. وكذلك الأمر في الموصى به، مثل أن يقول: أعطوا فلانا قوسي أو عودي أو عصاي أو سيفي أو فروتي أو ثيابي أو قرآني أو كتب ادعيتي، ففي فهم جميع تلك

 

(هامش)

 

1. المسالك ج 1، ص 410. 2. جواهر الكلام ج 28، ص 388. (*)

 

الألفاظ فهم العرفي هو المتبع، إذ هو المناط في تشخيص الظاهر من غيره، وهو الحجة في تعيين ما أراد المتكلم. وأما في بيان سبيل الله وأنه ما المراد منه إذا أوصى بصرفه في سبيل الله، فقد ورد فيه روايات عقد له بابا في الوسائل، ونحن نذكر جملة منها: منها: ما رواه حسن بن راشد قال: سألت أبا الحسن العسكري عليه السلام (بالمدينة) عن رجل أوصى بمال له في سبيل الله؟ قال عليه السلام: سبيل الله شيعتن (1). ومنها: حسين بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن رجلا أوصى إلي بمال في السبيل، فقال لي: اصرفه في الحج، فإني لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج (2). ومنها: ما رواه حجاج الخشاب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن امرأة أوصت إلي بمال أن يجعل في سبيل الله، فقيل لها: يحج به، فقالت: اجعله في سبيل الله. فقالوا لها: فنعطيه آل محمد صلى الله عليه وآله قالت: اجعله في سبيل الله. فقال أبو عبد الله عليه السلام: اجعله في سبيل الله كما أمرت . قلت: مرني كيف أجعله؟ قال: اجعله كما أمرتك، إن الله تبارك وتعالى يقول: (فمن بدله بعد م سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) (3) أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا؟ . قال: فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين، ثم دخلت عليه فقلت له مثل الذي قلت أول مرة،

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 15، باب آخر منه، ح 2، الفقيه ج 4، ص 206، باب الرجل يوصى بمال في سبيل الله، ح 5478، معاني الأخبار ص 167، ح 3، تهذيب الأحكام ج 9، ص 204، ح 811، باب الوصية لأهل الضلال، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 412، أبواب أحكام الوصايا، باب 33، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 15، باب انفاذ الوصية على جهتها، ح 5، الفقيه ج 4، ص 206، باب الرجل يوصى بمال في سبيل الله، ح 5479، معاني الأخبار ص 167، ح 2، تهذيب الأحكام ج 9، ص 203، ح 809، باب الوصية لأهل الضلال، ح 6، الاستبصار ج 4، ص 130، ح 491، باب من أوصى بشيء وفي سبيل الله تعالى، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 412، أبواب أحكام الوصايا، باب 33، ح 2. 3. البقرة (2): 181. (*)

 

فسكت هنيئة، ثم قال: هاتها، قلت: من أعطيها؟ قال: عيسى شلقان (1). ومنها: ما عن يونس بن يعقوب أن رجلا كان بهمدان ذكر أن أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر، فأوصى بوصية عند الموت وأوصى أن يعطى شيء في سبيل الله فسأل عنه أبو عبد الله عليه السلام كيف نفعل وأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر فقال عليه السلام: لو أن رجلا أوصى إلي أن اضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما، إن الله تعالى يقول: (فمن بدله بعد م سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر - يعني بعض الثغور - فابعثوا به إليه (2). وبعد التأمل التام يطمئن الناظر فيها أن ما ذكر في كل رواية من هذه الروايات ليس إلا مصداقا من مصاديق سبيل الله، فالإعطاء إلى الشيعة أو للحج عنه أو لأهل الجهاد والحافظين للثغور كلهم من مصاديق سبيل الله ولا تنافي بينها. الأمر الخامس في الأوصياء جمع مفرده: الوصي، مأخوذ من الوصاية. وهي في عرف المتشرعة عبارة عن التعهد إلى شخص بالتصرفات المتعلقة بأمواله وأولاده القصر أو أحفاده كذلك بعد موته، فتحصل لذلك الشخص ولاية على هذه التصرفات من قبل الموصى، فذلك

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 15، باب آخر من إنفاذ الوصية على جهتها، ح 1، تهذيب الأحكام ج 9، ص 203، ح 810، باب الوصية لأهل الضلال، ح 7، الاستبصار ج 4، ص 131، ح 493، باب من أوصى بشيء في سبيل الله، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 413، أبواب أحكام الوصايا، باب 33، ح 3. 2. الكافي ج 7، ص 14، باب إنفاذ الوصية على جهتها، ح 4، الفقيه ج 4، ص 200، باب وجوب إنفاذ الوصية والنهي عن تبديلها، ح 5463، تهذيب الأحكام ج 9، ص 202، ح 805، باب الوصية لأهل الضلال، ح 2، الاستبصار ج 4، ص 128، ح 485، باب الوصية لأهل الضلال، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 414، أبواب أحكام الوصايا، باب 33، ح 4. (*)

 

الشخص يسمى بالوصي، وهو من المفاهيم الواضحة عند العرف، فلا يحتاج إلى شرح وإيضاح. وإنما الكلام في الشروط والأوصاف التي يلزم أن يكون متصفا بها كي يصلح لجعله وصيا، ويترتب الصحة على التصرفات التي تصدر منه. فمنها: العقل والبلوغ، واعتبار هذين معلوم، لأن المالك الأصيل محجور عن التصرفات في أمواله مع فقدهما أو أحدهما، فكيف يمكن إعطاء مثل هذه الولاية لفاقدهما أو فاقد أحدهما. ومنها: الإسلام. واشتراط صحة الوصاية يكون الوصي مسلما إجماعي لا خلاف فيه. وقد يستدل بأدلة أخرى ولكن لا تخلو من مناقشة، من قبيل الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه، ووصاية الكافر على أموال المسلم - وخصوصا على أولاده القصر وأحفاده كذلك المسلمين - علو عليهم، وأي علو أعلى من كونه وليا عليهم وقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) (1) إلي آخر والكافر ظالم لنفسه ولغيره. وعلى كل حال لا شك في أن المراد من قوله تعالى: (الذين ظلموا) في هذه الآية هم الكفار، والركون هو الميل اليسير وهو مقابل النفوذ، ولا شك في أن جعله وليا على أمواله وأولاده ركون إليه وأي ركون. نعم يبقى كلام في هذا المقام وفي مقامات أخر، وهو أنه هل النهي يدل على الفساد، أم لا، لأنه ليس بعبادة كي يكون محتاجا إلى قصد القربة، ولا يمكن قصدها مع كونه منهيا عنه. وقد حققنا في الأصول في كتابن منتهى الأصول (2) أن النهي في أبواب المعاملات إذا تعلق بالمعنى الاسم المصدري من تلك المعاملة فيدل على الفساد، وها هنا كذلك، لأن ما هو المبغوض عند الشارع وغير راض به هو ولاية الكافر على

 

(هامش)

 

1. هود (1): 113. 2. منتهى الأصول ج 1، ص 420. (*)

 

أموال المسلمين وأنفسهم، لا جهة إصدار هذا الجعل فقط. وهذا واضح جدا. ثم إن هذه الأدلة على تقدير دلالتها على اعتبار الإسلام في الوصي، هو فيما إذا كان الموصى مسلما. وأما إذا كان كافرا وأوصى إلى واحد من أهل ملته فلا إجماع في البين. ومنه: العدالة، وفي اعتبارها خلاف. قال في الشرائع: وهل يعتبر العدالة؟ قيل: نعم، لأن الفاسق لا أمانة له. وقيل: لا، لأن المسلم محل للأمانة. (1) وكلا القولين المستندين إلى هذين الدليلين غير خال عن الخلل. أما الأول: فمن جهة أنه ربما يحصل الوثوق والاطمئنان من الفاسق أزيد من غيره، خصوصا إذا كان من أقربائه الأقربين، كابنه الذي هو أخ لأولاده، وأحفاده القصر خصوصا إذا كان شقيقا لهم، فلا شك في أنه أعطف وأرأف إلى إخوته - وإن كان فاسقا - من الأجانب وإن كانوا عدولا. وأما الثاني: فلأن المسلمين مختلفون من حيث الأمانة، لأنه بين المسلم والأمين عموم وخصوص من وجه، فرب شخص يكون أمينا وليس بمسلم، وكذلك العكس. وما ورد في أمانة المسلم أو في خيانة الكافر غالبي ليس بطور الكلية، هذا أولا. وثانيا: اعتبار الوثوق أو الأطمينان والأمانة فيما إذا كان أوصى إليه في أداء حقوق الواجبة، كما إذا أوصى إلى شخص أن يحج عنه حجة الإسلام أو حج واجب من جهة أخرى، أو يقضي ما فات من فرائضه التي هو مأمور بقضائها، أو جعله وصيا وقيما على أولاده وأحفاده القصر كي يدبر في إدارة أموالهم أو سائر شؤونهم. وإلا لو جعله وصيا في صرف ثلثه في الخيرات والمبرات، فل دليل على لزوم وثوقه بالوصي فضلا عن لزوم كونه عادل.

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 255. (*)

 

وذلك من جهة أن اعتبار الوثوق أو الأمانة من جهة عدم تلف أمواله، وأن يصرف في م يريد أو في ماله الأجر والثواب، لا أن لا يصرف في الخيرات بل لعله في بعض الأحيان يصرف في المحرمات والجرائم الكبيرة، بل حتى وفي مورد يحتمل أن يصرف الوصي بعض ماله في المحرمات لا مانع من جعله وصيا، لأنه مسلط على ثلث ماله، يفعل به كيف ما يشاء. إلا أن يكون المنع من باب أن لا يكون إعانة على الإثم. ولكن هذا الاحتمال أيضا ل أثر له، لأن الإعانة على الإثم لا تتحقق بدون قصد ترتب الإثم على فعله، والمفروض في المقام أن قصد الموصى ها هنا هو أن يصرف الوصي في الخيرات والمبرات، لا في المحرمات. وأما ما يقال من أن المال يخرج عن ملكه بعد الموت، فيكون من قبيل تعيين الولي في أن يتصرف في مال الغير، فلا بد أن يكون موثوقا وأمينا كي لا يتلف عن طرف جعله ونصبه ذلك الشخص أموال القصر، أو فيما أوصى للجهات العامة حقوق الجميع. مثل إذا أوصى للمصرف في قنطرة فلان، فبتلف ذلك المال الذي عينه لعمارة القنطرة يضيع حقوق جميع العابرين. وهكذا الأمر فيما أوصى لجميع الخيرات والجهات العامة. وأما جعل الوصي في تقسيم وتدبير ما أوصى بالوصية التمليكية للعناوين العامة، فلو خان الوصي يكون تلفا في ملكهم، لأنه بعد الموت يصير الموصى به ملكهم، فإتلاف الوصي يقع في ملكهم لا في ملك الموصى، لأن الموصى به خرج بالموت عن ملك الموصى، فإتلاف الوصي وخيانته لا محالة تقع إما في ملك الموصى لهم أو في حقوقهم، وليس له السلطنة على هذ الإتلاف، فلا بد وأن يكون الوصي عادلا كي يأتمنه على مال الغير أو على حقه، ول يؤتمن الفاسق، كما ورد في بعض الروايات،

 

ولصريح آية النبأ التي أمر الله تعالى فيها بالتثبت والتبين عما أخبره، وعدم قبول قوله. ففيه: أن الموصى مادام حيا والروح في بدنه، له أن يتصرف في ماله كيفما شاء، ولذلك له أن يتصرف فيه في مقدار الثلث بأي نحو أراد، ما لم يكن التصرف في المحرمات من التصرفات التي لا يجوز له حال الحياة. وأما أن تصرفه بلحاظ ما بعد الموت تصرف في ملك الغير أو في حقه فمغالطة واضحة، لأنه لا ينتقل إلى الورثة المال الذي لم يتصرف فيه كي يكون تصرفه في ملك الورثة، بل انتقل إليهم المال الذي وقع فيه التصرف بهذ القيد. وذلك نظير أن المالك آجر ماله واستوفى المنفعة التي لسنين ثم بعد ذلك باعه، فينقل إلى المشتري مال مسلوب منفعة وإن كان زمان حصول المنفعة بعد زمان انتقاله إلى المشتري، وذلك من جهة أنه قبل البيع له السلطنة على ماله عينا ومنفعة إلى الأبد، ولذلك يجوز له التصرفات المعينة للعين أو المنفعة إلى الأبد. وقد ظهر مما ذكرنا أن المحقق أجاد في مقام تعليل عدم اعتبار العدالة بقوله: ولأنها ولاية تابعة لاختيار الموصى فتحقق بتعيينه. (1) كما أن للمالك أن يوكل من يريد ويستودع عنه من يريد، عادلا كان أم لا. وهناك قول ثالث اختاره في المسالك (2) وهو أن العدالة ليست بشرط ولكن ظهور الفسق مانع، فلو كان ظاهر الفسق ومعلوم الحال أنه فاسق لا يجوز جعله وصيا، وأما لو كان مجهول الحال ولا يعلم فسقه بحيث أن من نسب إليه الفسق وقال إنه فاسق يعزر، فيجوز أن يوصى إليه ويجعله وصيا. ومن المحتمل أن يكون مراده من ظهور الفسق عليه أن يكون متجاهرا بالفسق، ففرق بين الفاسق الواقعي والمتجاهر بالفسق، فجوز جعله وصيا في الأول، ومنع

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 255. 2. المسالك ج 1، ص 411. (*)

 

في الثانية. ولكن ظاهر عبارته بعيد عن هذا المعنى، وإن كان هو في نفسه لا بأس به. فالأقوال في المسألة ثلاثة: اعتبار العدالة، وعدم اعتبارها مطلقا سواء ظهر عليه الفسق أم لا، وعدم اعتبار العدالة وعدم ظهور الفسق. ثم ظهر مما ذكرنا أن الأرجح هو القول الثاني. نعم لا بأس بالقول باعتبار كونه ثقة مأمونا عن الخيانة، كما هو بناء العقلاء في مقام الوصية، فلا يوصون إلا إلى من يثقون به وأنه لا يخون ولا يتلف بل يضع كل ما أوصى إليه في موضعه. وأما العدالة بالمعنى المعلوم عند الفقهاء فمن كل مائة من الأوصياء لا تجد واحدا فيهم، ولا تعرض في الأخبار من هذه الجهة أصلا مع كثرة سؤال الأوصياء عنهم عليهم السلام عن وظائفهم فيما أوصى إليهم. ولعل بعد التأمل في جميع ما ذكرنا يحصل الاطمئنان بعدم اعتبار العدالة في الوصي، وكفاية الوثوق بأمانته. فرع: لو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت الموصى فهل تبطل وصيته مطلقا، أو على تقدير القول باشتراط صحة الوصاية بعدالة الوصي، أو لم تبطل مطلقا؟ وجوه: وجه الأول الذي اختاره الأكثر، بل ادعى جماعة الإجماع عليه: أن الموصى لم ينصبه مطلقا وعاري عن القيد، بل نصب هذا الشخص بما أنه عادل لا يخون، فإذا زال الوصف يزول الموضوع، كما أنه إذا نصب المجتهد العادل قاضيا ففسق يزول عنه منصب القضاء لانعدام موضوعه، فكذلك هنا جعل هذا الشخص العادل بما أنه عادل وصيا، فموضوع الوصاية ليس ذات هذ الشخص بل بوصف أنه عادل وإن لم تكن العدالة شرطا للوصاية ولكن الموصى أعطى هذ المنصب باعتبار أنه عادل، فعند

 

فسقه انعدم الموضوع فانعدم الحكم. وجه الثاني: أن ظاهر اشتراط عدالة الوصي في صحة الوصاية هو أنها شرط حدوثا وبقاء، لا حدوثا فقط، وذلك لوحدة المناط حدوثا وبقاء، لأن مناط الاشتراط هو عدم تلف أموال أولاده وأحفاده أو مال سائر الناس أو حقهم. وهذا المعنى كما أنه يوجب اشتراط العدالة في إعطاء الموصى الولاية في أول الأمر، كذلك يوجب اشتراطها بقاء كي لا يوجد خلل من تلف مال أو حق بقاء. وإذا قلنا بعدم اشتراط العدالة في أول الأمر حدوثا فلا وجه لاشتراطها بقاء، فكما أن الفسق من أول الأمر ليس بمانع عروضه، فيما بعد أيضا ليس بمانع. وجه الثالث: هو أنه بعد ما تحقق الوصية صحيحا وصار الموصى إليه وصيا واعطى هذا المنصب، فبزواله يحتاج إلى دليل وهو مفقود، بل إذا شككنا فمقتضى الاستصحاب بقاء كونه وصيا. ولكن أنت عرفت مما ذكرنا في بيان وجه الأول أن الدليل على الزوال موجود وهو فقد وصف الموضوع أي العدالة، والوجه الأول هو الصحيح، أي القول بالبطلان مطلقا. أما على تقدير اشتراط الصحة بعدالة الوصي فالأمر واضح، لما ذكرنا من عدم الفرق بين الحدوث والبقاء. وأما على تقدير عدم الاشتراط فأيضا لما ذكرنا من تقييد المتعلق بوصف العدالة، فبعد زوال الوصف لم يجعل له هذا المنصب، وليس شك في البين كي يستصحب، لأن المفروض أن الموضوع ها هنا مركب وبزوال الوصف يحصل القطع بارتفاع الموضوع. نعم لو كان ذات الوصي موضوعا للوصاية، وكان وصف العدالة من قبيل الداعي للجعل فلا يرتفع الوصاية، لأن تخلف الداعي للجعل لا يوجب ارتفاع المجعول، لأن ما هو العلة في الجعل هي الصورة الذهنية لما هو الداعي، وعدم مطابقة

 

تلك الصورة مع الخارج لا تأثير له في الجعل، ولا في وجود المجعول. ولكن هذا فيم نحن فيه خلاف الفرض، لأن المفروض أنه جعل فلانا مثلا وصيا بما هو عادل، لا أنه جعله وصيا والداعي لهذا الجعل عدالته، فالحق هو بطلان وصيته بعد صيرورته فاسقا وانعزاله قهرا. ثم إنه على تقدير عود العدالة هل تعود الوصية أم لا؟ الظاهر أنه لا، لأن عودها يحتاج إلى جعل جديد، نعم كان له من أول الأمر أن يجعله هكذا، أي العود بعودها. فرع: وحيث أن من جملة شرائط الوصي أن يكون بالغا - لأن الصبي ممنوع عن التصرف في ماله بنفسه ومباشرته، ومحجور عن المعاملات، ومسلوب عبادته، ولا يعتنى بقوله ولا بفعله - فلا تصح الوصية إلى الصبي منفردا لعدم قابليته للتصرفات شرعا، ولما جعله منضما إلى الكبير بحيث يكون شريكا مع غيره المنضم إليه عند بلوغه، فل مانع منه عقلا ولا شرعا. وورود الدليل على ذلك أيضا مع أن جميع ذلك مطابق للقواعد الأولية وإن لم يكن نص في البين، فالكبير متفرد في التصرفات إلى أن يبلغ الكبير، فإذا بلغ فليس له التفرد لوجود الشريك، كما أنه ليس للصغير بعد بلوغه نفوذ شيء مم أبرمه الكبير قبل بلوغ هذا الصغير. وأما النص الوارد في المقام فروايات: منها: م عن محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام رجل أوصى إلى ولده، وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم صغار، أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ويقضوا دينه لمن صح على الميت بشهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقع عليه السلام:

 

نعم، على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك (1). ومنها: م عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى إلى امرأة وشرك في الوصية، معها صبيا؟ فقال عليه السلام: يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصية، ولا تنتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى، إلا ما كان من تبديل أو تغيير، فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت (2). فرع: بعد الفراغ عن جواز الوصية إلى الصغير منضما إلى الكبير وعدم جواز تصرفه قبل البلوغ وكونه شريكا مع الوصي الكبير بعد البلوغ وعدم جواز تفرد الكبير في التصرفات بعد بلوغ الوصي الصغير، فلو مات الصغير أو بلغ فاسد العقل فهل ينفرد الكبير بالتصرف ويصير كأنه لم يكن غيره وصي في البين، أم لا بد من مراجعة الحاكم ومداخلته بالإذن له بذلك، أو يجعل شريكا له في التصرفات عوضا عن الشريك الذي مات أو صار كالعدم؟ الظاهر عدم لزوم المراجعة إلى الحاكم بل عدم جواز مداخلته، لأن مداخلة الحاكم مورده فيما إذا لم يداخل يتعطل الأمر، وليس هناك من يجب مباشرته، لأن الحاكم ولي من لا ولي له، فإذا كان للأمر ولي يجب عليه الدخل والتصرف، كما في مثل المقام حيث أن الوصي الكبير كان له التصرفات قبل موت الصغير أو جنونه وفساد عقله، فالآن كما كان، فمع وجود ذلك الكبير الذي له ولاية على ما أوصى به لا تصل

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 46، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك منه الصغير، ح 2، الفقيه ج 4، ص 209، باب الوصية إلى مدرك وغير مدرك، ح 5487، تهذيب الأحكام ج 9، ص 185، ح 744، باب الأوصياء ، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 438، أبواب أحكام الوصايا، باب 50، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 46، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير، ح 1، الفقيه ج 4، ص 209، باب الوصية إلى مدرك وغير مدرك، ح 5486، تهذيب الأحكام ج 9، ص 184، ح 743، باب الأوصياء، ح 1، الاستبصار ج 4، ص 140، ح 522، باب أنه يجوز أن يوصى إلى امرأة، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 439، أبواب أحكام الوصايا، باب 50، ح 2. (*)

 

النوبة إلى الحاكم ومداخلته. فرع: لا يشترط الذكورة في الوصي فيجوز أن يوصي إلى امرأة موثوقة غير عاجزة عن التصرفات التي أوصى إليها، وذلك لأن الأصل عدم اعتبار الذكورة مع شمول اطلاقات الوصية لما إذا كان الوصي امرأة، مضافا إلى الإجماع وعدم وجود المخالف ودلالة رواية علي بن يقطين المتقدمة أنه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى امرأة وشرك في الوصية معها صبيا؟ فقال عليه السلام: يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصية إلي آخر. فرع: ولو أوصى إلى اثنين أو أكثر، فلهذه المسألة صور: الأولى: أن يطلق ولم يقيد وصايتهما وولايتهما أو تصرفهما بالإجماع أو بالانفراد. الثانية: أن يقيد بالاجتماع، سواء كان الاجتماع قيد الولاية والوصاية، أو كان قيد التصرف. الثالثة: أن يصرح بجواز تصرف كل واحد منهما مجتمعا أو منفردا أو ولاية كل واحد منهما كذلك. أما الصورة الثانية والثالثة فالأمر فيهما واضح، لأن كل واحد منهما في الثانية إما ليس بولي ووصي، أولا يجوز تصرفه مستقلا وإن كان لاشتراط الاجتماع، فمخالفته تبديل للوصية وقد حرمه الله تعالى بقوله: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (1). هذا إذا كان الاجتماع شرطا للتصرف، وأما إذ كان قيدا للولاية بمعنى أن الولاية

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 181. (*)

 

جعل للاثنين فكأنه كلاهما ولي واحد، فكل واحد منهما منفردا عن الآخر ليس بولي، فل ينفذ تصرفاته ويكون حاله حال الأجنبي عن التركة، بل هو هو. وأما في الثالثة فيجوز تصرف كل واحد منهما مجتمعا مع الآخر ومتفردا عنه، لتصريح الموصى بذلك. أما الصورة الأولى، أي فيما إذا أوصى إليهما من دون تصريح بكونهما مجتمعين أو تصريح بعدم الفرق بين كونهما مجتمعين أو منفردين، فالمشهور عدم نفوذ تصرف كل واحد منهما منفرد واستقلالا لوجوه: الأول: لأنه من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير، لأن احتمال أن يكون تصرف كل واحد منهما مشروطا بالانفراد، بحيث لو اتفقا على أمر يكون تصرفهما باطلا، لا يليق مثل هذا الاحتمال بالفقيه، فلا بد من أحد أمرين: إما اختصاص النفوذ باجتماعهما على أمر ويكون التصرفات ناشيءة من رأيهما جميعا، أو ينفذ وإن تفرد أحدهما بالتصرف دون الآخر. وهذا معنى الدوران بين التعيين والتخيير، فالقدر المتيقن مما هو نافذ هو صورة اجتماعهما، فلا بد وأن يؤخذ به، لأن الأخذ به يوجب القطع بالعمل بالوصية. وأما الفرد الآخر، أي الأخذ بنفوذ تصرف كل واحد منهما وإن كان منفردا مشكوك أنه عمل بالوصية أم لا، والعقل يحكم بلزوم الأخذ بالأول، وهذ الحكم العقلي ثابت وجار في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير. الثاني: ظهور جعلهما وصيا في أن لنظر كل واحد ورأيه مدخلية في نفوذ الوصية، ورأى كل واحد منهما بعض المؤثر لإتمامه، ولا شك في أن المعلول لا يوجد إلا بتمام العلة ل ببعضها، وكذلك الحكم لا يوجد إلا بعد وجود تمام موضوعه، فلا بد من الاجتماع في نفوذ الوصية. الثالث: الروايات الواردة الظاهرة في أن تصرف أحد الوصيين دون الآخر ومنفردا لا نفوذ له:

 

منها: رواية محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة، والآخر بالنصف؟ فوقع عليه السلام: لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت وأن يعملا على حسب ما أمرهما إن شاء الله . وروى الماشيخ الثلاثة هذه الرواية عن الصفار (1). ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل كان لرجل عليه مال فهلك وله وصيان، فهل يجوز أن يدفع إلى أحد الوصيين دون صاحبه؟ قال: لا يستقيم إلا أن يكون السلطان قد قسم بينهما المال فوضع على يد هذا النصف وعلى يد هذا النصف، أو يجتمعان بأمر السلطان (2). فقوله عليه السلام: لا يستقيم صريح في أن كل واحد منهما ليس مستقلا في التصرفات. وأما الاستثناء فإن كان المراد من السلطان هو الإمام الحق، فلا شك في أنه بعد تقسيمه لمصلحة فكل واحد منهما يصير مستقلا في نصيبه. وإن كان المراد هو الجائز فيكون الحكم من باب التقية وقد وجه الرواية بهذا أو ما هو قريب منه الشيخ قدس سره (3) و لا بأس به. ومنها: ما رواه بريد بن معاوية قال: إن رجلا مات وأوصى إلي وإلى آخر أو إلى رجلين فقال أحدهما: خذ نصف ما ترك واعطني النصف مما ترك، فأبى عليه الآخر،

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 46، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير، ح 1، الفقيه ج 4، ص 203، باب الرجلين يوصى إليهما...، ح 5471، الاستبصار ج 4، ص 118، ح 448، باب من أوصى إلى نفسين...، ح 1، تهذيب الأحكام ج 9، ص 185، ح 745، باب الأوصياء، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 440، أبواب أحكام الوصايا، باب 51، ح 1. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 243، ح 941، باب من الزيادات الوصايا، ح 34، الاستبصار ج 4، ص 119، ح 450، باب من أوصى إلى نفسين...، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 440، أبواب أحكام الوصايا، باب 51، ح 2. 3. الاستبصار ج 4، ص 119، ذيل ح 119. (*)

 

فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك، فقال عليه السلام: ذلك له (1). وهذه الرواية أيضا تدل على عدم جواز استقلال أحدهما وتفرده بالتصرف، بناء على أن يكون المشار إليه في كلمة ذلك له هو إباء الآخر بعد طلب أحدهما التقسيم والنصف، لا أن يكون المشار إليه هو طلب التنصيف، وإلا فيكون على خلافه أدل. فظهر أن هذه الروايات أيضا تدل على عدم جواز انفراد كل واحد من الوصيين أو الأوصياء بالتصرف، بل لا بد من اجتماعهما على رأي وأمر فيما لم ينص الموصى على الاستقلال والانفراد. ثم إنه لو تشاحا ولم يجتمعا على أمر وأصر كل واحد منهما على رأيه المخالف لرأي الآخر، فالحاكم يجبرهما على الاجتماع، فإن لم يمكن وتعذر الاجتماع بل وإن تعسر يستبدل بهم غيرهما، لأن تعيين أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، ولأن التعطيل في وصايا الميت بحيث يضيع حق من أوصى له أو غير ذلك من وصاياه أمر مرغوب عنه شرعا. ومضافا إلى أن المال يبقى بلا من يكون وليا عليه ويدبر أمره، خصوصا إذا كان من الحيوانات فتتلف لاحتياجها إلى عنايات من تعليفها، ومكان بالليل لحفظها من السباع، وراع يرعيه وأمثال ذلك، والصغار من يتامى الموصى يحتاجون إلى الأكل واللباس وغير ذلك من حوائجهم، فلا بد من مداخلة الحاكم الذي بيده مجاري الأمور لاستبدال المتشا حين بغيرهما كي يدبر هذه الأمور وينظمها. وأما ما قيل: من أن في الأمور اللابدية التي لا يمكن تعطيلها لفوات نفس محترمة، أو فوات الأموال بجواز انفراد أحدهما بالتصرف كما في الشرائع. (2)

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 47، باب من أوصى إلى مدرك وأشرك معه صغير، ح 2، الفقيه ج 4، ص 203، باب الرجلين يوصى إليهما...، ح 5472، تهذيب الأحكام ج 9، ص 185، ح 746، باب الأوصياء، ح 4، الاستبصار ج 4، ص 118، ح 449، باب من أوصى إلى نفسين...، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 440، أبواب أحكام الوصايا، باب 51، ح 3. 2. شرائع الإسلام ج 2، ص 256. (*)

 

فهذا كلام خال عن الدليل، بل الدليل على خلافه، لأنهما بعد سقوط رأيهما عن الاعتبار لعدم إمكان اجتماعهما لا اعتبار برأي كل واحد منهما منفردا عن الآخر ولا بفعله، فيكون حاله حال الأجانب بل هو بمفرده أجنبي عن التركة، فهو كسائر الناس لا يجوز له التصرف إلا بأمر وإذن من الحاكم، فبعد عدم إمكان اجتماعهما على رأي لا بد من مداخلة الحاكم كي يستبدل بهما، سواء كان مورد خلافهما من الضروريات والأمور اللابد منها، أو لم يكن كذلك. نعم لو لم يوجد الحاكم - أي المجتهد العادل - أو لم يمكن الوصول إليه، فعلى عدول المؤمنين بل على فساقهم إن لم يوجد العدول أيضا من باب الحسبة. وليس ذلك حينئذ من باب الوصية كي يقدم أحدهما على سائر المؤمنين. وما ذكرنا من أنه لا بد من مراجعة الحاكم فيما إذا كان عدم إمكان الاجتماع لإصرار كل واحد منهما على رأيه وعدم تنزله عنه. وأما إذا كان لسقوط رأيه وعدم قابليته للتدخل بموت أو جنون، فهل للحاكم ضم آخر إلى الباقي منهما أم لا؟ الظاهر أنه ليس له، لأن الحاكم ولي من لا ولي له، و ها هنا حيث أن لكل واحد منهما ولاية على الموصى به، فبخروج أحدهما عن قابلية الولاية والوصاية لا يبقى الموصى به بلا ولي كي تصل النوبة إلى الحاكم، بل ينفرد الولي والوصي الآخر ويتم العمل بمقتضى الوصية. ولكن يمكن أن يقال: إن الوصاية والولاية التي جعلها الموصى لكل واحد منهما كانت مشروطة بانضمام الآخر، فلو سقط الآخر عن قابلية الانضمام بواسطة الموت أو الجنون فينتفي حصول الشرط، فينتفي المشروط بانتفاء الشرط، فلا يبقى له الولاية والوصاية فتصل النوبة إلى الحاكم. اللهم إلا أن يقال: أن اشتراط ولاية كل واحد منهما بانضمام الآخر لم يكن مطلقا، بل كان مقيدا بالإمكان، ففيما إذا لم يمكن الانضمام لموت أو لجنون لا اشتراط، فتكون

 

ولاية من له قابلية التصرف باقية، فلا تشمله أدلة رجوع الأمر إلى الحاكم. ولكن الإنصاف: أنه يمكن الفرق بين أن يكون التقييد صريحا بأن يقول الموصى لزيد مثلا: أنت وصي بشرط أن لا تعمل بوصاياي إلا مع عمرو، فإذا اتفقتما على رأي فاعمل، وبين أن يكون التقييد بالانضمام مستفادا من الإطلاق بأن يقول لزيد: أنت وصي، ويقول لعمرو أيضا: أنت وصي. ففي الأول التقييد يوجب تضييق دائرة الولاية والوصاية، بمعنى عدم كونه وصيا في غير تلك الدائرة، سواء كان الانضمام ممكنا أم لا، ففي صورة عدم الانضمام لا ولاية وإن كان لجهة عدم إمكانه كما في المقام، لأن الانضمام مع الموت أو الجنون غير ممكن. وأما في الثاني فنفس التقييد مقيد بإمكان حصول القيد، فإن لم يمكن حصول القيد كما في المقام حيث أن حصول الانضمام غير ممكن بواسطة الموت أو الجنون، فلا تقييد في البين. والحاكم بهذا الفرق هو الظهور العرفي. وحيث أن التقييد في المقام مستفاد من الإطلاق فلا إطلاق له، ففي صورة عدم إمكان الانضمام الولاية والوصاية مطلقة لا تضييق فيها، فلا تصل النوبة إلى الحاكم، بل الآخر الباقي على قابليته ينفرد ويستقر بالأمر، ولا يحتاج إلى جعل الحاكم شريكا له بدل الآخر الذي سقط عن القابلية للموت أو للجنون، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام. فرع: قد تقدم أن الوصية عقد جائز، فيجوز فسخها من قبل الموصى مادام في بدنه الروح وأن يغيره بالزيادة والنقصان، ومن طرف الموصى إليه أيضا كذلك في حياة الموصى وإن كان بعد القبول. أما لو كان بعد موت الموصى أو لم يبلغه الرد وإن كان في حال حياته فليس له الرد، بل يجب عليه القبول والعمل بمقتضاها. والظاهر أن هذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه.

 

ويدل على لزوم القبول أيضا التعليل الذي في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد عليه وصيته، لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره (1) فجعل عليه السلام مناط عدم جواز الرد ووجوب القبول على الوصي عدم اطلاع الموصى على الرد، فكونه غائبا لا خصوصية له، بل المناط عدم إمكان الوصية إلى شخص آخر لعدم اطلاعه على الرد لهذا التعليل. وفي بعض الروايات الآخر الواردة في هذا الباب كرواية فضيل بن يسار (2) أيضا إيماء بذلك. نعم هنا كلام وهو أنه هل صرف بلوغ الرد يكفي في عدم وجوب القبول على الموصى إليه، أو يحتاج مضافا إلى بلوغ الرد إمكان جعل غيره، بحيث لو لم يمكن جعل غيره وصيا إم لقلة زمان حياته بعد البلوغ أو لشدة المرض والآلام أو لغياب سائر من يعتمد عليهم من أقربائه وأصدقائه فلا يفيد البلوغ، بل يجب عليه القبول وإن بلغ؟ وظاهر التعليل هو الثاني، لأنه عليه السلام جعل البلوغ مقدمة لإمكان جعل شخص آخر وصيا، فالمناط لصحة الرد وعدم وجوب القبول في الحقيقة هو الغاية الأخيرة، لأنها العلة واقعا للحكم في باب ترتب الغايات.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 6، باب الرجل يوصى إلى آخر...، ح 3، الفقيه ج 4، ص 196، باب للامتناع من قبول الوصية، ح 5449، تهذيب الأحكام ج 9، ص 206، ح 816، باب قبوله الوصية، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 398، أبواب أحكام الوصايا، باب 23، ح 3. 2. الكافي ج 7، ص 6، باب الرجل يوصى إلى آخر...، ح 2، الفقيه ج 4، ص 195، باب الامتناع من قبول الوصية، ح 5446، تهذيب الأحكام ج 9، ص 205، ح 815، باب قبول الوصية، ح 2، وص 159، ح 654، باب في النحل والهبة، ح 31، وسائل الشيعة ج 13، ص 398، أبواب أحكام الوصايا، باب 23، ح 2. (*)

 

فرع: لو ظهر عن الوصي عجز بمعنى عدم قدرته على العمل بالوصية لمرض مزمن أو هرم أو ما يشبه ذلك هل ينعزل ويسقط ولايته ووصايته، أو يضم إليه الحاكم من يساعده فيخرج عن الاستقلال لعدم قدرته مستقلا؟ وأما ولايته وصدور التصرفات عن رأيه ونظره فلا يسقط. وأما فرض عدم رأي ونظر له من جهة مرض أو كبر بحيث صار مخرفا فهو خارج عن الفرض، إذ الفرض في المقام هو عجزه عن تنفيذ الوصية استقلالا وبمفرده؟ الظاهر عدم انعزاله مع إمكان العمل بالوصية وعدم تبديلها عما وقعت عليه بضم الحاكم إليه مساعد معه يتم العمل بالوصية، فالقول بعزله أو انعزاله يكون من التبديل المنهي عنه، وهذا لا كلام ولا خلاف فيه بل ادعى الإجماع عليه. نعم هنا بحث علمي ربما يترتب عليه بعض الآثار، وهو أنه في المفروض هل ولاية الوصي العاجز عن التنفيذ تنقص وتقصر، بمعنى أنها ل تكون تامة بحيث يستقل في التصرفات، فيكون الحاكم أو المساعد الذي ضمه إليه الحاكم شريكا له في الولاية، أو يكون تمام الولاية له فإذا خالف رأيه رأي المساعد المنصوب عن طرف الحاكم، يكون رأيه هو المتبع دون رأي المساعد. وأما فرض أنه لا رأي له لكبر أو مرض فقلنا إنه خارج عن الفرض؟ الظاهر عدم حصول نقص في ولايته، ولذلك لو كان قادرا على تعيين شخص للمباشرة وتنفيذ ما هو عاجز عن مباشرته وتنفيذه، يمكن أن يقال بأنه مقدم على جعل الحاكم وضمه مساعدا إليه. نعم لو كان عاجزا عن هذا أيضا كما أنه عاجز عن المباشرة وتنفيذ الوصية، فحينئذ تصل النوبة إلى جعل الحاكم ونصبه. فما هو الحق والتحقيق في المقام أن يقال: إن الوصي إن كان عاجزا عن العمل بالوصية مباشرة وتسبيبا، فتسقط ولايته رأسا ويتعين على الحاكم جعل ولي على الوصايا بدلا عن الوصي الأصلي الذي كان وليا بجعل الموصى، لأن العمل بوصاي

 

الميت لازم وليس من يعمل بها، فلا بد عن جعل الحاكم من يعمل، لئلا يلزم التعطيل. وأما إن كان ضعيفا لا يقدر على العمل بها وحده، فإن كان يقدر على تحصيل شريك معه في العمل وتنفيذ الوصايا، فله أن يحصل ولو كان بإعطاء الأجرة له ولا يحتاج إلى الحاكم أيضا، إلا إذا كان الموصى اشترط عليه المباشرة بنفسه، وأن يكون مثلا مشرفا على تنفيذ الوصية بنفسه في الأمور الراجعة إلى أولاده الصغار من تربيتهم والنظر في أمر معاشهم وتنظيم تعاليمهم وأمر دروسهم وهو بنفسه عاجز عن ذلك. وحيث أنه ليس له الولاية على جعل ولي آخر يشاركه في هذه الأعمال، فتصل النوبة إلى الحاكم وأن يعين شخصا يشارك الوصي في هذه، كي لا تبقى وصاياه معطلا، بعد الفراغ عن العلم بأن الشارع لا يرضى بتعطيل وصايا الميت وتبديله. نعم هنا احتمل بعض أن هذا يكون من الحسبيات ويكون بيد عدول المؤمنين. وفيه: أنه مع وجود الحاكم لا تصل النوبة إلى عدول المؤمنين، بل هم في طول الحاكم لا في عرضه، ففي هذه الفروض انعزال الوصي لا وجه له، غاية ما يمكن أن يقال هو أنه للحاكم أن يضم إليه مساعدا يشاركه كي لا يلزم تعطيل الوصية، وهو أيضا فيما لا يمكن للوصي تحصيل مساعد له ولو بأجرة، أو فيما اشترط الميت عليه المباشرة بنفسه، وإلا لا تصل النوبة إلى الحاكم كما تقدم. هذا كله فيم إذا صار عاجزا عن العمل بالوصية بالاستقلال بعد ما لم يكن كذلك. وأما لو كان عاجز من حين الوصية، هل يجوز جعله وصيا ولو بضم مساعد إليه، أم لا؟ والظاهر أيضا عدم المانع من هذا، لأن اطلاقات أدلة الوصية تشمل هذا الفرض، لأن المقصود عن الإيصاء إلى شخص هو أن يوجد ما أوصاه في الخارج، ويعمل ذلك الشخص على طبق ما أوصى وينفذه، فإذا أمكن مثل هذا ولو بتوسط مساعد له على ذلك فلا مانع من جعله لحصول الغرض من الوصية، بل ربما يحصل

 

الاطمئنان منه أكثر من الذي يقدر على تنفيذها وحده من دون مساعد. ولو كان الاحتياج إلى المساعد مانعا عن جعله وصيا مع جعل مساعد له، لكان حصول العجز في الأثناء أيض كذلك، فبعد الفراغ عن صحته فيما إذا طرأ العجز في الأثناء وعدم انعزاله لا بد من أن يقال بصحته وإن كان من أول الأمر، غاية الأمر بشرط جعل مساعد له. ثم إنه فيما إذ جعل الحاكم مساعدا له لعجزه، فإذا زال العجز كما إذا كان مريضا مزمنا فبرأ فهل يرجع استقلال الوصي وليس للمساعد مشاركته في الرأي أو العمل أو الاثنين، أو يبقى شريك معه حتى بعد زوال العجز؟ الظاهر استقلاله، لأن مشاركة المساعد المجعول من طرف الحاكم كان لتتميم نقصه، فإذا زال النقص فلا يبقى موضوع للتتميم، فقهرا يسقط حق مشاركته مع الوصي، ولا يبقى مجال لاستصحاب بقاء حقه أو ولايته، بناء على ثبوت ولاية له بعد جعله الحاكم مساعدا وأمثال ذلك من الأوصاف التي توجد له بعد جعل الحاكم، وذلك للقطع بزوالها بعد زوال العجز. ولكن قال في جامع المقاصد: إن في ذلك وجهين: وجه رجوع الاستقلال تقدم، وأما وجه بقاء المشاركة هو أن بجعل الحاكم وجد للمساعد منصب لا يرتفع إلا برافع، وليس رافع في المقام (1). وبطلان هذا الوجه ظهر مما تقدم. فرع: لو ظهرت من الوصي خيانة، فقد يقال: إن الحاكم يضم إليه أمينا يمنعه عن الخيانة، فإن لم يمكن ذلك لعدم امتناعه أو لعدم قدرة الأمين على منعه فيعزله

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 11، ص 280. (*)

 

الحاكم وينصب غيره. وقد يقال بأن الحاكم مخير من أول الأمر بين أن يعزله أو يضم إليه أمينا حسب ما يراه من المصلحة. وقال في الشرائع: وإن ظهر منه - أي من الموصى - خيانة، وجب على الحاكم عزله ويقيم مقامه أمينا. (1) أقول: ظاهر كلام صاحب الشرائع تعين العزل أو الانعزال، ولم يتكلم عن ضم الأمين إليه أصلا. وعلى كل حال تحقيق المقام هو أنه لو قلنا باعتبار العدالة في الوصي، والخيانة حيث أنها موجبة لفسقه وخروجه عن العدالة، فبانعدام العدالة التي هي شرط في الوصاية ينعدم المشروط أي الوصاية، فيخرج من كونه وصيا من غير احتياج إلى العزل بل عدم إمكانه، لأنه كما أن إيجاد الموجود لا يمكن لأنه تحصيل للحاصل فكذلك إعدام المعدوم، فحيث أن في صورة اعتبار العدالة في الوصي بالخيانة ترتفع العدالة فلا وصاية، فعزله معناه أن الوصية التي ليست وارتفعت يرتفعها، وهذا معناه إعدام المعدوم، ومحال. فقول المحقق وجب على الحاكم عزله لا يستقيم مع القول باعتبار العدالة فيها، بل بناء على هذا القول ينعزل قهرا، نعم يجب على الحاكم نصب شخص أمين يقوم مقامه، ولا معنى بناء على هذ المبنى لضم الأمين إليه، لسقوط وصايته وصيرورته أجنبيا عن وصايا الميت. نعم بناء على عدم اعتبار العدالة يبقى مجال للكلام في أنه بالخيانة والفسق هل يسقط الوصية وينعزل، أو يجب على الحاكم عزله وجعل شخص آخر أمين يقوم مقامه في العمل بالوصية؟ وجهان: وجه الأول: أي السقوط هو أن الموصى من أول الأمر أوصى إلى شخص يكون

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 275. (*)

 

أمينا ويراه أنه لا يخون، والموضوع للولاية هو الشخص المقيد بكونه غير خائن، فإذ خان فليس هو بموضوع فقهرا ينعزل ولا تبقى وصاية له، فيجب على الحاكم نصب شخص أمين مراعاة لحق الصغار وأموال الصدقات كي لا تضيع ولا تعطل الوصايا، كما تقدم. وبناء على هذا الوجه يكون كلام صاحب الشرائع وجب على الحاكم عزله غير مستقيم، ولا بد في تصحيحه من تأويل، كما صنعه صاحب الجواهر وقال: لعل المصنف - أي المحقق - يريد بعزل الحاكم منعه عن التصرف (1)، لا العزل بمعناه الحقيقي. وجه الثاني: أي عدم السقوط وبقاء الوصاية والولاية حتى بعد الخيانة، هو أن الولاية أمر اعتباري مجعول من قبل الحاكم، فإذا لم تكن مشروطة بالعدالة فلا وجه لسقوطها بالخيانة التي هي ضد للعدالة، بل هو منصب من قبل الحاكم لا يرتفع إلا بعزل الحاكم، لأن أمر وضعه بيد الحاكم. والوجه هو الأول، لأننا وإن لم نقل باعتبار العدالة في الوصي - بل الإسلام لو لم تكن إجماعات المدعات في المقام - ولكن الظاهر أن المجعول ليس هو هذا الإنسان مطلقا، بل هو مقيدا بأنه أمين غير خائن. وهذا من قبيل القيود الضمنية الإرتكازية، فيكون متعلق الوصاية ضيقا من أول الأمر وفي حال الجعل. وهذا أمر ارتكازي عرفي في كل من يوصي إلى شخص أن إيصاءه إلى من هو أمين ولا يفرط فيما أوصى إليه، فهذا الارتكاز عند العرف بمنزلة التقييد اللفظي. فرع: لا شك في أن الوصي أمين، والمال الذي في يده أمانة، فلو تلف في يده لا يضمن. وقاعدة على اليد ما أخذت لا تشمل اليد الأمانية، بل هي خارجة عن موردها تخصيصا أو تخصصا، لأن اليد في القاعدة إن لم تكن مقيدة فاليد الأمانية

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 28، ص 421. (*)

 

والمأذونة من قبل الله المسمى بالأمانة الشرعية كاللقطة، أو ما في أيدي الحكام من باب الولاية الشرعية خارجة تخصيصا، لا ضمان فيها إلا على التعدي والتفريط. وفي الحقيقة في مثل مورد التعدي تخرج عن كونها أمانة، وتكون من اليد الغاصبة حكما بل موضوعا، وإن كانت مقيدة بعنوان غير المأذونة فهي خارجة تخصصا، وذلك لأن اليد غير المأذونة لا تنطبق عليها، لأنها مأذونة إما من قبل الله كالأمانات الشرعية، أو من قبل المالك، وفي كليهما خارجة عن تحت قاعدة اليد بناء على هذا التقدير تخصصا، فضمان اليد لا محل له، وباقي أقسام الضمانات لا موجب لها. ولا شك في أن يد الوصي أمانية، إما أمانة شرعية أي: مأذونة من قبل الله باعتبار أن المجعول من قبل الحاكم مجعول من قبل الله كسائر الأولياء، وإما المالك الميت جعله وليا حين كونه مالكا، فيكون الوصي مأذونا من قبل المالك الموصى إلى أن ينفذ وصيته. وعلى كلا التقديرين لا ضمان ما لم يفرط ولم يغير الوصية عن وجهها. نعم وردت روايات في ضمان الوصي، ولكن كلها فيما إذ غير الوصي الوصية عن وجهها، وقد عقد لذلك بابا في الوسائل (1) لكنها أجنبية عن المقام، فإنها راجعة إلى تبديل الوصية عن وجهها وتغييرها عما أوصى لها ولا كلام ول إشكال في هذا. فرع: لو كان للوصي دين على الميت، جاز أن يستوفي مما في يده وهو وصي في خصوص أداء ديونه، أو عنوان عام يشمل أداء الديون وغيره، ولا يحتاج إلى أخذ الإذن في ذلك من الحاكم قيل: مطلقا، أي سواء كان عنده حجة يمكن بها أن يثبت حقه ودينه، أو لم يكن. وقيل: هذا الحكم - أي جواز استيفاء ما يطلب من الميت مما في يده بدون إذن الحاكم - مخصوص بالأخير، أي: بما لم يكن عنده حجة يمكن أن يثبت بها حقه.

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 13، ص 419، باب أن الوصي إذا كانت في حق فغيرها فهو ضامن. (*)

 

والتحقيق في المقام أن يقال: بعد أن كان الوصي على الفرض واحدا، لا شريك له كي يكون فعله وتصرفه فيما أوصى الميت إليه موقوفا على إجازة شريكه وإذنه، وهو بمقتضى الوصية مخير بين تطبيق دين الميت على أي مصداق من مصاديق ذلك الدين من أموال الميت، فل يحتاج إلى قيام البينة لإثبات دينه، لأن المفروض أن الوصي الذي بيده أمر أداء ديون الميت يعلم بأن الميت مديون له. فكما لو كان يعلم أن رجلا آخر غيره له دين في ذمة الميت الموصى كان عليه أن يؤدي دينه، وإن كان لذلك الرجل بينة لإثبات دينه لا يحتاج إلى طلب إقامة البينة لإثبات دينه، لأنه ثابت، لأن المفروض أن الوصي يعلم بذلك، فطلب البينة منه من قبيل طلب تحصيل الحاصل بل أردأ منه، لأنه من قبيل تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد. فكذلك الأمر بالنسبة إلى دين نفسه، فيجوز أن يستوفي دينه من التركة، لأن المفروض أنه وصى في أداء ديونه. وادعاء الانصراف عن أداء دينه لا وجه له، ولا يحتاج إلى أخذ الإجازة والإذن من الحاكم حتى لو قلنا بلزوم أخذ الإجازة عن الحاكم، لأنه هناك حق تطبيق الكلي على الخارج بيد المقتص منه لا بيد المقاص، وه هنا بيد نفس الدائن، لأنه وصي، فها هنا الدائن مأذون من قبل نفس المديون في التطبيق، فلا وجه لعدم جواز الاستيفاء مطلقا، سواء كان عند الوصي الحجة على إثبات دينه أو لم يكن. ولكن قد يشكل الأمر على هذا برواية بريد بن معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إن رجلا أوصى إلي، فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له، ففعل وذكر الذي أوصى إلي أن له قبل الذي أشركه في الوصية خمسين (خمسمائة) ومائة درهم عنده ورهنا بها جاما من فضة، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدعي أن له قبله أكرار حنطة، قال عليه السلام: إن أقام البينة وإلا فلا شيء له . قال: قلت له: أيحل له أن يأخذ مم

 

في يديه شيئا؟ قال عليه السلام: لا يحل له . قلت: أرأيت لو أن رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ، أكان ذلك له؟ قال: إن هذا ليس مثل هذ 1 . فهذه الرواية الموثقة تدل على أن الوصي بصرف ادعائه إنه يطلب من الميت الموصى كذا مقدار لا يحل له أخذ شيء مما في يده من مال الميت الموصى إلا بإقامة البينة، وهذا نقيض الحكم بالجواز الذي اخترناه. ولكن أنت خبير بالفرق بين مورد هذه الرواية وبين ما نحن فيه، لأن ما نحن فيه مورده أنه هناك وصي واحد يجب عليه أداء ديون الميت إذا ثبت بالوجدان أو بالتعبد أنه مديون لفلان بكذا، والمفروض أن أمر تطبيق دين الكلي الذي في ذمة الميت على المال الخارجي بيد الوصي، لأن الميت أو كل الأمر إليه في حياته، فلا يرى مانع من استيفائه. وفي مورد الرواية وصيان، والوصي الأصلي الذي هو العمدة غير الدائن، فالدائن ليس له استقلال في تطبيق حقه إلا أن يثبت عند شريكه الذي هو الوصي الأول كي يأذن له في التطبيق. نعم لو فرضنا أن شريك من يدعي الدين في الوصية أيضا يعلم بطلب شريكه من الميت وأذن في التطبيق، فلا يحتاج الاستيفاء إلى إقامة البينة، لكن هذا ليس مورد الرواية. فرع: وهو أنه هل يجوز للوصي أن يشتري لنفسه من نفسه، بمعنى أنه إنسان كاسب يشتري لأن يكتسب به، أو من حوائج الدار والمنزل فيشتري من أموال الميت لحاجة الدار مثلا من الوصي الذي هو نفسه، فالبائع والمشتري شخص واحد باعتبارين: فهذا الوصي باعتبار أنه وصي عن الميت بائع كما إذا أوصى ببيع بعض أسباب بيته أو أدوات شغله وصرفه في مورد كذا، فيبيع الوصي باعتبار أنه وصى

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 57، باب ما يلحق الميت بعد موته، ح 1، الفقيه ج 4، ص 234، باب نوادر الوصايا، ح 5560، تهذيب الأحكام ج 9، ص 232، ح 910، باب من الزيادات، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 479، أبواب أحكام الوصايا، باب 93، ح 1. (*)

 

متاع بيت الميت أو دكانه للصرف في مورد كذا، ويشتري لنفسه باعتبار أنه أحد الناس الحاضرين للإشتراء في المزاد العلني مثلا، وهذا هو المراد من الاشتراء من نفسه لنفسه. والظاهر عدم الإشكال في صحة هذا المعاملة، وإن أظهر المحقق في الشرائع التردد فيها وقال في ذيل كلامه: أشبهه الجواز إذا أخذ بالقيمة العدل (1). وهذ الكلام الأخير لا حاجة إليه، لأنه إن لم يكن بالقيمة العدل متعمدا فهذه خيانة إم ينعزل أو يجب عزله كما تقدم، فليس له البيع وأيضا سائر المعاملات. والإشكال ليس من هذه الناحية، بل الإشكال من ناحية اتحاد الموجب والقابل وأنه هل يكفي تغاير الاعتباري أو يعتبر التغاير الحقيقي، فإن قلنا بالأول - كما هو الصحيح - فيجوز أن يشتري الوصي لنفسه باعتبار أنه أحد الحاضرين في مجلس المزاد العلني، وهو أيضا يبيع باعتبار أنه وصي من قبل المالك الحقيقي. وإن قلنا بأن التغاير الاعتباري لا يكفي ولا بد أن يكون بين البائع والمشتري في عقد واحد تغايرا حقيقيا، لأن البائع من يخرج المبيع عن ملكه، والمشتري من يدخل المبيع في ملكه، والشخص الواحد لا يمكن أن يخرج المبيع الواحد من ملكه ويدخل أيضا في زمان واحد وفي عقد واحد، إذ هما متقابلان، فل يجوز أن يشتري لنفسه من نفسه. ولكن أنت خبير بأن هذا شبه مغالطة، إذ نحن لا ندعي أن الشخص الواحد بعنوان شخصه - الذي واحد لا تعدد فيه - بائع ومشتري كي يأتي أمثال هذه الإشكالات، بل نقول إنه بائع بعنوان أنه وصي أي يخرج المبيع عن كيس الموصى بناء على بقائه بحكم مال الميت، لأن الوارث يرث من بعد وصية يوصى بها، وحيث أن الوصي نائب عن الموصي فالفعل الذي يصدر منه كأنه يصدر من الموصي. كما أنه كذلك في باب الوكالة، ففعل الوكيل ينسب إلى الموكل، فإذا باع الوكيل

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 257. (*)

 

داره ففي الحقيقة البائع هو الموكل، ويخرج المبيع عن ملكه لا عن ملك الوكيل. وكذلك الأمر هنا، فالوصي إذا اشترى لنفسه بائع باعتبار نيابته عن الموصي، ففي الحقيقة البائع هو الموصي وإن كان المباشر هو الوصي، ومشتري باعتبار نفسه فيدخل المبيع الخارج عن ملك الموصى أو الموصى له في ملك نفس الوصي، فلا إشكال في البين. فما نسب إلى الشيخ وابن إدريس قدس سرهم من إنكارهما صحة اشتراء الوصي من نفسه لنفسه، لأن الواحد لا يكون موجبا قابلا في عقد واحد، لأن الأصل في العقد أن يكون بين اثنين (1). فيه: أن هذا إذا كان الواحد موجبا قابلا باعتبار واحد، والشاهد على ذلك الاتفاق على صحة شراء الأب عن طفله الصغير لنفسه وبيع ماله له أيضا، وكذلك الجد، بالنسبة إلى حفيده. والسر في ذلك أن في جميع هذه الموارد في الحقيقة البائع الحقيقي غير من هو مشتر حقيقة. هذا، مضافا إلى ما رواه الحسين بن يحيى الهمداني قال: كتبت مع محمد بن يحيى هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد يزيد ويأخذ لنفسه؟ فقال: يجوز إذا اشترى صحيحا (2). نعم لا بد أن لا يكون مخالفا لمصلحة الطفل إذا كان وليه يشتري ماله لنفسه أو يبيع ماله للطفل، ولكن هذا لا دخل له بمسألة اتحاد الموجب والقابل، بل من شرائط صحة البيع والشراء للقاصر، طفلا كان أو مجنون أو غير ذلك من موارد معاملة الأولياء للمولى عليهم.

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 28، ص 426. 2. الكافي ج 7، ص 59، باب النوادر، ح 10، الفقيه ج 4، ص 219، باب الوصي يشتري من مال الميت...، ح 5514، تهذيب الأحكام ج 9، ص 245، ح 950، باب في الزيادات، ح 43، وسائل الشيعة ج 13، ص 475، أبواب أحكام الوصايا، باب 89، ح 1. (*)

 

وقال في المسالك: وعلى الجواز - أي على جواز شراء الوصي من نفسه لنفسه - رواية مجهولة الراوي والمروي عنه، لكنها شاهد (1). والظاهر أن مراده هذه الرواية، أي رواية حسين بن يحيى الهمداني، وهو كما ذكره إذا الراوي مجهول لم نجده في كتب الرجال، وأما المروي عنه فلم يذكره هو - أي الراوي - أصلا حتى بالإضمار، فلا حجية لهذه الرواية وإن استند في جامع المقاصد إليها أيضا في ذكر مدارك هذا الحكم. (2) وأما قول الشهيد الثاني بعد الطعن على الرواية بأنها مجهولة الراوي والمروي عنه لكنها شاهد. (3) أي ليس بدليل ولكنها شاهد. وفيه: أنها إذا لم تكن حجة فليست شاهد أيضا. فرع: إذا أذن الموصى للوصي أن يوصي، أي يجعل وصيا كي ينفذ وصايا الميت الذي أوصى إلى هذا الوصي، ويكون الوصي الثاني وصيا للوصي الأول ولكن متعلق الوصاية لكل الوصيين أمر واحد وهو تنفيذ وصايا الموصى الأول، ففي هذه الصورة يجوز إجماع. وخلاصة الكلام في هذا الفرع هو أنه لو أوصى إلى رجل بوصايا متعددة وأذن لمن أوصى إليه أنه إذا حضره الموت وبعد لم ينفذ جميع وصاياه أن يوصي هو - أي الوصي - إلى شخص آخر كي ينفذ البقية الباقية من وصاياه، فهذا جائز إجماعا. وهذا الحكم مطابق للقواعد الأولية، وذلك لأن الموصى الذي أذن لوصيه أن يوصي، كان له أن يوصى إلى شخص آخر بعد موت الوصي الأول لينفذ ما بقى من

 

(هامش)

 

1. المسالك ج 1، ص 415. 2. جامع المقاصد ج 11، ص 287. 3. المسالك ج 1، ص 415. (*

 

وصاياه ولم يعمل بها الوصي الأول عصيانا أو لعذر شرعي، فإذا هو يملك مثل هذا الأمر فلا فرق بين أن يوصي هو بالترتيب المذكور أو يوصي إلى وصيه بالإيصاء. والحاصل: أن في هذه الصورة لم يخالف أحد في جواز إيصاء الوصي إلى شخص آخر لتتميم تنفيذ ما بقى من الوصايا التي هو لم ينفذها عصيانا أو لعذر، كما أنه لا يصح الخلاف مع وضوح الأمر. كما أنه لو شرط مباشرة الوصي بنفسه تنفيذ وصاياه، ليس له أن يوصى إلى شخص آخر. فهاتان الصورتان واضحتان ولا خلاف فيهما. إنما الكلام والخلاف فيما إذا أطلق الموصى، أي لم يأذن في الإيصاء ولم يقيد الوصاية بمباشرة الوصي بنفسه ولم ينه أيض عن الإيصاء، فقال الأكثر: إنه لا يجوز له الإيصاء، لعدم ولايته على مثل ذلك، لأن الموصى المالك جعل له جواز أن يتصرف في وصاياه بالشكل الذي أراده، والشارع أيضا نهى عن التبديل وأوجب العمل طبق ما أوصى، ولم يجعل له أن يجعل جواز التصرفات لغيره مع أن المال لغيره، ومقتضى الأصل أيضا عدم نفوذ إيصائه، لأن مفاد اطلاقات أدلة الوصاية نفوذ وصية المالك في ثلث ماله مطلقا، وفي الزائد مع إذن الورثة أو إجازتهم بعد الوصية. وأما غير المالك فليس له مثل هذا الحق إلا بإذنه. وأما القائلون بالجواز فقاسوا المقام بتوكيل الوصي شخصا آخر بتنفيذ بعض الأمور الراجعة إلى الوصايا، كم أنه إذا كان بعض وصاياه إطعام الناس في إفطار الصائمين في شهر رمضان، أو في عشرة عاشوراء، فيجوز للوصي أن لا يباشر بنفسه ويوكل شخصا لإنفاذ هذه الوصية والعمل به. ولكن فيه: أنه مع كونه قياسا باطلا في نفسه، يكون فرق واضح بينهما، إذ الوصي في حال حياته مالك لمثل هذا التصرف، فيجوز أن يستنيب فيه غيره. وأما بعد موته لا يملك شيئ من التصرفات كي يستنيب شخصا آخر، بل بموته ينقطع، فإن كان من

 

طرف الموصى وصي آخر مجعول طولا أو عرضا، فيرجع الأمر إليه، وإلا فالمرجع هو الحاكم. وأيضا قالوا: أن الموصى أقام مقام نفسه، فكما أن له الولاية على الاستنابة بعد الموت، فكذلك للقائم مقامه. وفيه: أن كون الاستنابة للموصى بعد الموت من شؤون مالكيته في حال الحياة، فكأن المالك حال الحياة له أن يستنيب بعد موته شخصا آخر يتصرف في أملاكه بما أوصاه بها إن لم تكن تلك الأملاك زائدة على الثلث، وإلا فأيض يجوز مع إجازة الوارث. ومما استدل القائلون بالجواز أيضا صحيحة محمد بن الحسن الصفار، عن أبي محمد عليه السلام أنه كتب إليه رجل كان وصى رجل، فمات وأوصى إلى رجل، هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه؟ فكتب: يلزمه بحقه إن كان له قبله حق إن شاء الله تعالى . (1) فحملوا الحق في قوله عليه السلام: يلزمه بحقه إن كان له قبله حق على حق الأخوة، أي إن كان الموصى مؤمنا وكان له حق الأخوة الإيمانية على وصيه لقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) (2) فيلزم الوصي العمل بذلك الحق، أي بحق الأيمان. فهذه الرواية تدل على لزوم عمل الوصي الثاني بوصية الوصي الأول إن كان مؤمنا، سواء أذن الموصى الأول بوصية الموصى الثاني أو لم يأذن. وفيه: أن ها هنا احتمال آخر، وهو أن يكون المراد بحقه هو حق الوصي الأول الذي ثبت له بواسطة إذن الموصي الأول له في الإيصاء، فيكون حاصل معنى الرواية

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 226، باب ما يجب على وصي الوصي من القيام بالوصية، ح 5535، تهذيب الأحكام ج 9، ص 215، ح 850، باب الوصي يوصى إلى غيره، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 460، أبواب أحكام الوصايا، باب 70، ح 1. 2. الحجرات (49): 10. (*)

 

أنه يلزم العمل بالوصية إن كان له - أي للموصى الأول - حق قبله أي الوصي الأول، وهو عبارة عن الوصية إليه بالإيصاء، فوصية الموصى الأول بإيصاء الوصي الأول حق له عليه. فمفاد الرواية: إن كان للموصى الأول حق على الوصي الأول أي أذن له في الوصية فيلزمه هذه الوصية، ومفهوم الشرطية يكون أنه إن لم يأذن فلا يلزمه. وهذا خلاف ما أرادوا من الرواية، وعلى خلاف مقصودهم أدل. وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر من الاحتمال الأول ليس أبعد منه، ومعه لا يبقى ظهور للرواية في ما استدلوا له. فالأظهر ما ذهب إليه الأكثر من عدم الجواز مع عدم الإذن، وبناء على ما ذكرنا عن عدم نفوذ وصية الوصي بالنسبة إلى وصايا من أوصى إليه إلا مع إذن الموصي لوصيه بالإيصاء، فإذا مات الوصي الأول وكان أوصى في حياته إلى شخص آخر من غير إذن من قبل الموصى في ذلك، فحيث أن وصيته غير نافذة، فيرجع الأمر الحاكم بالنسبة إلى وصايا الموصى الأول، وتكون وصيته في حكم العدم، فيكون كما لو مات ولم يكن له وصى أصلا، فلا ولي على تركته ويكون بيد الحاكم إن كان فيهم قصر. فرع: لو مات إنسان وكانت ورثته كلهم كبيرا لا صغير ول قاصر فيهم، فأمر تركة مورثهم بيدهم، يقسمونها بينهم كما فرضه الله تعالى، وإن وقع النزاع في أمر فالمرجع هو الحاكم. والمراد من الحاكم في عصر غيبة صاحب الأمر والعصر والزمان - عجل الله فرجه - هو المجتهد المطلق العادل المخالف للهوى، حيث أنهم عليهم السلام نصبوه مرجعا عاما إليه ينتهي الأمور، ولا مجال ها هنا لذكر الأدلة والإثبات، وله محل آخر، فالحاكم هو ولي من لا ولي له. وأما لو كان فيهم الصغار والقصر أو الغيب، فإن كان لهم ولى خاص، كالأب

 

والجد من قبل الأب الأقرب فالأقرب، فالمرجع هو ذلك الولي الخاص لا الحاكم، لأن الحاكم ولي من لا ولي له. وإن لم يكن لهم أب وجد من قبل الأب بمراتبه، فالأمر ينتهي إلى الحاكم بالمعنى الذي عرفت، وإن لم يكن للميت وصي ارجع أمور هؤلاء القصر إليه، وأما لو كان فأيضا لا تصل الأمر إلى الحاكم. والبحث في هذه الأمور وبيان مراتب الأولياء مفصلا مع الدليل والبرهان ليس محلها ها هنا، ونتكلم عنها في محله - مبحث الولايات - إن شاء الله تعالى. فرع: تقدم في الفرع السابق تقدم ولاية الأب والجد من قبله - وإن علا مع مراعات الأقرب فالأقرب - على ولاية الأوصياء والحكام وعدول المؤمنين عند فقد الحكام، فلو أوصى بالنظر إلى أجنبي في مال ولده الصغير مع وجود أب الموصى الذي هو جد الصغير لم يصح، وكانت الولاية لجد الصغير من قبل أبيه دون الوصي وقيل: يصح في مقدار الثلث من تركة الموصى وفي أداء الحقوق. أما الأول، فوجهه واضح، لأنه بعد ما عرفت أن ولاية الوصي بالنسبة إلى الصغير - سواء كانت في نفسه أو في ماله - في طول ولاية الأب والجد، فمع وجودهما أو أحدهما لا مجال لجعل الولاية للأجنبي، لأنه في غير محله، فيكون لغوا وباطلا. وأما الثاني، أي ما قيل من التفصيل بين مقدار الثلث والأقل منه وبين الأزيد منه، فيجوز في الأول دون الثاني، وكذ التفصيل بين أن تكون في أداء الحقوق وبين غيره، فيجوز في الأول، ولا يجوز في الثاني، فهناك تفصيلان: الأول: هو التفصيل بين ما يكون بمقدار الثلث أو أقل منه، وبين ما يكون أزيد منه، ففي الأول يجوز، وفي الثاني لا يجوز. ووجهه: أن مقدار الثلث أو ما هو أقل منه، أمره بيد الميت قبل أن يموت، له أن يمنع ولده الصغار عنه رأس بأن يهبه لغيرهم بالعقد المنجز، وأن يوصى به لغيرهم

 

فيحرمون من ذلك المقدار، فإذا جاز ذلك فقهرا له إبطال ولاية الجد على ذلك المقدار من مال الصغار، فلا مانع من جعل الولي على ذلك المال الذي له أن يحرمهم عنه، ول يبقى موضوع ومحل لولاية الجد. وبعبارة أخرى: إن كان إفناء أصل المال بذلك المقدار جائزا للأب كي لا يبقى محل وموضوع لولاية الجد بالنسبة إلى ذلك المال، فإفناء التصرفات فيه جائز بطريق أولى. وفيه: أن هذه مغالطة واضحة، وذلك لأن إفناء جميع ماله جائز بالعقد المنجز، بناء على أن إخراج المنجزات من الأصل لا من الثلث، ومع ذلك جعل الوصي على جميع التركة مع وجود الجد لا يجوز حتى عند المفصل، لأنه يجوز في مقدار الثلث أو ما هو الأقل منه، وأما في الزائد فلا. والسر في ذلك: هو أن الحكم الشرعي بولاية الجد وأن ولايته مقدم على ولاية الوصي والفقيه بعد وجود الموضوع، وأما إن لم يكن موضوع فلا يشمله دليل تقديم ولاية الجد على الوصي، ففرض عدم وجود الموضوع أو جواز إفنائه أجنبي عن محل الكلام. وإنما الكلام في أنه مع وجود الموضوع ووجود مال للصغير، ويكون له جد من قبل أبيه، هل في هذا الفرض جعل الوصي على ذلك المال بأن يكون له النظر دون الجد جائز أم لا؟ وفي هذا الفرض معلوم أن ولاية الجد مقدم على ولاية الوصي، فيكون جعله لغوا، سواء كان في مقدار الثلث أو أقل منه أو أزيد منه. وأما التفصيل الثاني وهو الفرق بين أداء الحقوق فيجوز، وبين غيره فل يجوز، ففي الحقيقة هذا خارج عن محل البحث، لأن الكلام في الوصية بالولاية على الصغار أو على أموالهم، وأداء الحقوق مسألة أجنبية عما هو محل الكلام. ثم إنه لا شك في أن الموصي لو أوصى إليه بالنظر في شيء معين، فليس للوصي

 

التعدي عما عين له، فلو قال: أوصيت إلى فلان في إصلاح شؤون بستاني فلان، أو زرعي فلان، أو أداء ديوني أو استيفائها من المديونين، أو رد الأمانات التي من أربابه عندي إليهم، أو شؤون أولادي الصغار أو السفهاء منهم من حيث مساكنهم وملابسهم وم سوى ذلك من حوائجهم، فللوصي التصرف والتدخل فيما عينه له فقط وفيما أوصى إليه، دون سائر ما له الولاية فيها. فلو أوصى إليه بأداء ديونه فقط، فليس له استيفاؤها من المديونين، وبالعكس أيضا كذلك، وذلك لأن حقيقة الوصية بالولاية استنابة من الموصى بعد موته في التصرف فيما كان له التصرف فيه، فإذا استنابه في عمل خاص، ليس له التجاوز عنه، فهي من هذه الجهة مثل الوكالة. فكما أنه لو وكله في بعض أموره ليس له التصرف في الأمور الآخر، فلو وكله في بيع ما عنده من الحنطة ليس له بيع ما عنده من الشعير، أو وكله في شراء الفرش لداره ليس له شراء الغنم أو البقر لشرب حليبهم وهكذا، لأنهما - أي الوصية والوكالة - كلاهما استنابة في التصرف، فإذا تعدى في كليهما عما استنابه الموصي أو الموكل فيه، يكون تصرفاته حراما تكليفا إن كان تصرف خارجيا في مالهما، وفاسدا وضعا إن كان من قبيل المعاملات التي يحتاج إلى إمضاء الشارع. وهذا واضح جدا. فرع: الشروط المعتبرة في الوصي من بلوغه وإسلامه وحريته وعقله وعدالته - بناء على اعتبار هذه الشروط، لأن في اعتبار بعضها خلاف - هل يعتبر وجودها، أي اتصاف الوصي بها حال العقد، أو يكفي وجودها حال الوفاة وإن لم يكن وقت الإيصاء متصفا بها، ولكن صار متصفا بها حال وفاة الموصى. مثلا لو أوصى إلى صبي كافر عبد مجنون، ولكن حال موت الموصى صار واجدا لتلك الصفات، أي صار بالغا مسلما حر عاقلا عادلا - بناء على اعتبار العدالة -

 

فيصح هذه الوصية، لاجتماع الشرائط في وقتها، وهو حال الوفاة. ولا ينبغي أن يتوهم أن القول الأول الذي مفاده اجتماع الشروط حال الوصية معناه صرف وجود هذه الشروط في ذلك الوقت وإن لم يبق بعد ذلك أو ارتفع بعضها أو جميعها، بل لا شك في لزوم اجتماع الشروط حال الإنفاذ، لأن الاعتبار بلحاظ حال الإنفاذ. فالكلام في الحقيقة يرجع إلى أن وجود هذه الشروط حال الإنفاذ يكفي، أو يلزم أن يكون حال الوصية موجودة وباقية إلى زمان الإنفاذ، أو يكفي أن تكون موجودة حال الموت إلى زمان الإنفاذ، فاجتماعه حال أنفاذ اتفاقي لا خلاف فيه فإن أحدا لا يقول وليس له أن يقول إن الوصي لو كان حال إنشاء العقد مسلما عادلا عاقلا حرا، ثم صار حال الإنفاذ كافرا أو فاسقا ومجنون وعبدا مثل أن كان حال العقد حرا ومن أهل الجزية ثم خالف شروط الجزية فاسترقه المسلمون. فظهر مما ذكرنا أن الأقوال في هذه المسألة ليست أربعة أو ثلاثة كما توهمه بعض، بل اثنان: أحدهما: اجتماع الشروط من حال العقد إلى زمان الإنفاذ، الثاني: كفاية اجتماع الشروط من حال الموت إلى حال الإنفاذ. وقال في الشرائع: والأول أشبه. (1) وترجيح هذا القول لوجوه: الأول: أن هذه الشروط شروط صحة العقد، وما لم يوجد الشرط لا يوجد المشروط، فعند انتفاء جميعها أو بعضها ينتفي الصحة. وفيه: أولا أن هذه الشروط شروط لكونه وصيا لا لصحة العقد، فيمكن أن يكون العقد صحيحا، ولكن تأثيره في صيرورته وصيا بالفعل يكون موقوفا على كونه متصفا بهذه الصفات من حين موت الموصى إلى آخر زمان أنفاذ هذه الوصايا وإن لم يكن حال العقد متصفا به.

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 257. (*)

 

وبعبارة أخرى: يرجع الأمر إلى أن شرط صحة العقد هل هو وجود هذه الصفات حال العقد، أو من زمان موت الموصى إلى آخر زمان إنفاذها، بل من الممكن أن يكون الشرط وجود هذه الصفات حال الإنفاذ فقط، لا قبله، ولا حال العقد، ولا حال موت الموصى، فلا بد من مراجعة أدلة اعتبار هذه الشروط ولا يبعد أن يكون ظاهرها اعتبارها حال الإنفاذ فقط لمناسبة الحكم والموضوع. الثاني: أن التفويض إلى من ليس متصفا بهذه الصفات منهى، والنهى يدل على الفساد إن كان متعلقا بركن العقد، ولا شك في أن الموصى إليه ركن في عقد الإيصاء بالولاية. وفيه: أن النهي المتعلق بالمعاملة إن كان نهيا غيريا وأفاد الإشارة إلى المانعية، فلا محالة يدل على الفساد، كما أنه لو كان نفسيا مولوي وتعلق بالمعنى الاسم المصدري أي النقل والانتقال في باب المعاوضات مثلا، فأيضا يدل على الفساد كما حققنا المسألة في كتابن منتهى الأصول . (1) ولكن العمدة في المقام هو النهي عن الإيصاء إلى غير البالغ أو الفاسق أو الكافر أو المملوك أو غير العاقل مطلقا، فلو كان كذلك فهذا الدليل يدل على لزوم وجود هذه الصفات في الوصي حال العقد، ولكن هذا أول الكلام، لأنه يمكن أن يكون متعلقا بالإيصاء إلى الصبي حال موت الموصى أو حال أنفاذ الوصايا. وأما لو لم يكن ذلك الوقت صبيا مثلا فلا إشكال، فهذ الدليل لا يتم إلا مع الاستظهار عن الأدلة أن النهي متعلق بالإيصاء إلى فاقد هذه الصفات حال العقد، وهذا أول الكلام، فيكون هذا الاستدلال من قبيل المصادرات. الثالث: أن الوصي يجب أن يكون - متى مات الموصى - أهلا وقابلا للعمل وإنفاذ الوصايا، وغير البالغ والمجنون والمملوك والكافر ليسوا قابلين لإنفاذ الوصايا لو

 

(هامش)

 

1. منتهى الأصول ج 1، ص 419. (*)

 

فرضنا موت الموصى في حال عدم اتصافهم بهذه الصفات. وفيه: أن هذا خلف بالنسبة إلى الفرض، لأن المفروض أن الوصي واجد لهذه الصفات حال الموت، وقد عرفت أن هذه الوجوه وإن كانت لا تخلوا من نظر ومناقشة، ولكن الإنصاف أن ظاهر أدلة اشتراط الوصي بالصفات المذكورة هو كونه متصفا بها حال الإيصاء إليها، بمعنى أنه لا يجوز ولا يصح الإيصاء إلى الصبي غير البالغ، فلو كان حال وقوع عقد الإيصاء إليه غير بالغ يصدق على ذلك العقد أنه إيصاء إلى غير البالغ، فيكون منهيا عنه مثل هذا الإيصاء فيكون باطل. فالأظهر ما ذهب إليه المحقق قدس سره من أن صحة العقد مشروط بوجود هذه الصفات في الوصي حال العقد. (1) فرع: يجوز للوصي على الصغار الأيتام المسمى باسم القيم أن يأخذ أجرة مثل عمله إذا كان لعمله أجرة عرفا وكان القيم فقيرا، أما إذا كان غني ففيه إشكال، والأصل في ذلك قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف). (2) المقصود من ذكرنا الآية ه هنا الجملتان الأخيرتان: أي قوله (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)، فالله تبارك وتعالى بين أن ولي الصغير واليتيم الذي يصلح أمورهم ويدبر شؤونهم يجب عليه أن يختبر اليتيم، فإن رأى منه أنه بلغ السن الرشد فيجب عليه أن يدفع إليه أمواله، وما دام متشاغلا بحفظ أموالهم وإدارة شؤونهم فله أن يتناول من ماله بقدر قوته إن كان فقيرا، وأما إن كان

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 257. 2. النساء (4): 6. (*)

 

غنيا فيجب عليه أن يستعفف ويترك أموالهم ولا يأخذ منهم شيئا. وخلاصة الكلام: أن الله تبارك وتعالى نهى القيم والوصي على اليتيم أن يأكلا من أمواله إسرافا وبدارا، أي متجاوزين عن القوت اللازم، ومسرعين في الأكل قبل أن يكبروا ويأخذوا المال من أيديهم. ثم بين سبحانه وتعالى أن القيم والوصي الذان يحفظان أموال اليتامى، ويصلحان أمورهم وشؤونهم، وتستغرق أوقاتهم في تدبير شؤون أموال اليتامى ونفوسهم ولا يبقى للاشتغال لأنفسهم، إن كانوا أغنياء - أي يملكون قوت سنتهم، بل جميع نفقات سنتهم ونفقات عيالهم الواجبي النفقة عليهم - فيجب عليهم التعفف، وترك أكل أموالهم ولو كان قليلا. وأما إن كانوا فقيرا - أي لا يملكون ما ذكرنا من قوت سنتهم وقوت عيالهم الواجبي النفقة، بل مطلق نفقاتهم ونفقات عيالاتهم مقدار سنة كاملة - فيجوز لهم الأكل بالمعروف. والمراد بالمعروف هو القوت المتعارف الذي هو الوسط بين البخل والإمساك، وبين التبذير والإسراف، أي أكلا متعارفا. وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل فليأكل بالمعروف قال: المعروف هو القوت، وإنما عنى الوصي أو القيم في أموالهم ما يصلحهم . (1) والظاهر أن مراده عليه السلام من القوت ما يقابل الكماليات والتجملات كما هو المصطلح في هذه الأزمان، لا الخبز فقط. والظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا في جواز الأكل إن كان فقيرا، وعدم جوازه إن كان غنيا بين أن يكونا منصوبا من قبل الأب أو من قبل الحاكم.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 130، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 3، تهذيب الأحكام ج 6، ص 340، ح 950، باب المكاسب، ح 72، وسائل الشيعة ج 12، ص 184، أبواب م يكتسى به، باب 72، ح 1. (*)

 

وقيل: المراد بالمعروف هو أن يأخذ بقدر أجرة عمله. وقيل: هو أقل الأمرين من أجرة عمله وقدر قوته المتعارف، أي مقدار معيشة المتعارفة. فلنذكر الأخبار الواردة في هذ المقام: منها: ما روى الشيخ عن البزنطي، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يكون في يده مال لأيتام، فيحتاج إليه، فيمديده فيأخذه وينوي أن يرده؟ فقال: لا ينبغي له أن يأكل إلا القصد ولا يسرف، فإن كان من نيته أن لا يرده إليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) (1) . (2) ومنها: ما عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال عليه السلام: من كان يلي شيئ لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه فهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم، فليأكل بقدر ولا يسرف، وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرزأ من أموالهم شيئ . (3) ومنها: موثقة حنان بن سدير عنه عليه السلام قال: إذا لاط حوضها وطلب ضالتها وهنأ جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك لضرع ولا فساد نسل . (4) ومنها: ما عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (فمن

 

(هامش)

 

1. النساء (4): 10. 2. الكافي ج 5، ص 128، باب أكل مال اليتيم، ح 3، تهذيب الأحكام ج 6، ص 339، ح 946، باب المكاسب، ح 67، وسائل الشيعة ج 12، ص 192، أبواب ما يكتسب به، باب 76، ح 2. 3. الكافي ج 5، ص 129، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 1، تهذيب الأحكام ج 6، ص 340، باب المكاسب، ح 69، وسائل الشيعة ج 12، ص 185، أبواب ما يكتسب به، باب 72، ح 4. 4. الكافي ج 5، ص 130، باب م يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 4، تهذيب الأحكام ج 6، ص 340، ح 951، باب المكاسب، ح 72، قرب الإسناد ص 47، وسائل الشيعة ج 12، ص 185، أبواب ما يكتسب به، باب 72، ح 2. (*)

 

كان فقيرا فليأكل بالمعروف) فقال ذلك يحبس نفسه من المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئ . (1) ومنها: ما روى العياشي في تفسيره عن زرارة، وروى أيضا عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير الآية أنه قال: هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ويشغل فيها نفسه فليأكل بالمعروف، وليس له ذلك في الدنانير والدراهم عنده موضوعة . (2) ومنها: ما روى الشيخ عن الكأهلي قال: قيل لأبي عبد الله عليه السلام: إنا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعه خادم لهم، فنقعد على بساطهم، ونشرب من مائهم، ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم، فما ترى في ذلك؟ فقال: إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، وإن كان فيه ضرر فلا. وقال عليه السلام: بل الإنسان على نفسه بصيرة وأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عز وجل: (فإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) (3) . (4) ومنها: ما في الكافي عن علي بن المغيرة: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن لي ابنة أخ يتيمة، فربما أهدى لها شيء فأكل منه ثم أطعمها بعد ذلك الشيء من مالي، فأقول: يا رب هذا بذا؟ فقال عليه السلام: لا بأس (5).

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 130، باب ما يحل لقيم مال اليتيم منه، ح 5، تهذيب الأحكام ج 6، ص 3410، ح 952، باب المكاسب، ح 73، وسائل الشيعة ج 12، ص 185، أبواب م يكتسب به، باب 72، ح 3. 2. تفسير العياشي ج 1، ص 222، ح 31، وسائل الشيعة ج 12، ص 187، أبواب ما يكتسب منه، باب 72، ح 9. 3. البقرة (2): 220. 4. الكافي ج 5، ص 129، باب أكل مال اليتيم، ح 4، تهذيب الأحكام ج 6، ص 339، ح 947 ، باب المكاسب، ح 68، وسائل الشيعة ج 12، ص 183، أبواب ما يكتسب به، باب 71، ح 1. 5. الكافي ج 5، ص 129، باب أكل مال اليتيم، ح 5، وسائل الشيعة ج 12، ص 184، أبواب ما يكتسب به، باب 71، ح 2. (*)

 

ومنها: ما رواه الشيخ عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن تولى مال اليتيم ما له أن يأكل منه؟ فقال: ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم، فليأكل بقدر ذلك . (1) والإنصاف أن القدر المتيقن المتحصل من هذه الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها هو أن المتولي لأمر الصغار، أي الوصي عليهم من طرف الأب، أو الجد من قبل الأب، أو القيم عليهم من طرفها أو من طرف الحاكم، إذا كان فقيرا - أي لم يملك مؤونة نفسه وعياله الواجبي النفقة مقدار سنة كاملة، وكان مشتغلا بإصلاح أموالهم وتدبير شيءوونهم بحيث يشغله ذلك عن تحصيل معيشته وإدارة شيءوونه، وعن كسبه وتدبير مال نفسه - فيجوز له أن يأكل من مال اليتيم بمقدار أقل الأمرين من قوته المتعارف ومن أجرة عمله، بشرط أن لا يكون مال اليتيم قليل بحيث لو أكل الوصي أو القيم منه ينعدم، أو يكون قريبا من الإنعدام. وإن شئت قلت: أنه لا يكون موجبا لتبين نقصه عرفا. فلجواز الأكل قيود: الأول: أن لا يكون غنيا، لأن الأمر بالاستعفاف ظاهر في الوجوب. الثاني: أن يكون مشتغلا بإصلاح أموالهم وشؤونهم، ويدل على هذا القيد أغلب الروايات المتقدمة. الثالث: أن يكون اشتغاله بإصلاح أمورهم مانعا عن تحصيل معيشته والاشتغال لنفسه، ويدل على هذا القيد قوله عليه السلام في رواية سماعة وإن كانت ضيعتهم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يزر من أموالهم شيئ . ومعنى لا يزر هو لا ينقص والنهي عن النقص من أموالهم كناية عن عدم جواز الأكل مطلقا، قليلا كان أو كثير.

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 6، ص 343، ح 960، باب المكاسب، ح 18، وسائل الشيعة ج 12، ص 186، أبواب ما يكتسب به، باب 72، ح 5. (*)

 

الرابع: أن يكون بمقدار أقل الأمرين من القوت المتعارف ومن أجرة عمله، فالدليل على هذا القيد هو رواية هشام بن الحكم حيث يقول عليه السلام فيه ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك . والآية وإن كانت مطلقة من هذه الجهة، لأن مفادها جواز الأكل بالمعروف وإن كان أكثر من أجرة المثل، لكن هذه الرواية يقيده بما إذا لم يكن أزيد من أجرة المثل. مضافا إلى أن أكله أزيد من أجرة المثل خلاف القواعد الأولية، إذ في الكبير لا يجوز ذلك فصلا عن الصغير، وكون هذا حكما تعبدي في خصوص الصغير بعيد إلى الغاية. أما لو كان قوت السنة أقل من أجرة المثل، فالأخذ به من جهة أن مفهوم القضية الشرطية في قوله تعالى (وإن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) هو أن أزيد من قوت السنة الذي هو الأكل بالمعروف لا يجوز، فيقيد به دليل استحقاق الأجير أجرة عمله، وكأنه قال: كل أجير يستحق مقدار أجرة عمله ويجوز له أكل ما يستحق من ناحية عمله، إلا إذا كان عمله في إصلاح أموال اليتيم، فإنه لا يستحق ولا يجوز أكل أزيد من قوت، ونتيجة ما ذكرنا هو استحقاق أقل الأمرين. الكلام في منجزات المريض إن من المعلوم أن تصرفات المريض نوعان: مؤجلة بالموت ومعلقة عليه، وهي الوصية وقد تقدمت بتفاصيلها، سواء صدرت عن المريض أو الصحيح، وذكرنا مقدارا مهما أعني ما هو محل الابتلاء من فروعها، ومنجزة وهي التي اصطلح عليها الفقهاء بإطلاق لفظ منجزات المريض عليها. والمنجزات التي تصدر عن المريض إن لم تكن فيها محابات ولم تكن من التبرعات، فلا كلام فيها ولا خلاف في البين.

 

وأما إن كانت من التبرعات كالهبة والعتق والوقف وأمثالها، أو كانت من المعاوضات التي فيها المحابات، فقد وقع الخلاف في أنها من الأصل وإن لم يجز الوارث، أو متوقف كونها من الأصل على إجازة الوارث مثل الوصية، فإن لم يجز كان من الثلث؟ فمن الأولى والأرجح أن نقدم أمورا لتوضيح المقام: الأول: كما عرفت أن المراد من المنجز هو ما يقابل الوصية، بمعنى أن تكون العطية التي يعطيها، أو المعاملة المحاباتية التي ينشأها، أو فكه لملكه أو إبراء ذمة مشغولة له، سواء كانت مشغولة بمال أو حق له غير معلق على موته، بل يتحقق ما أنشأه من الأصل على أحد القولين، ومن الثلث على القول الآخر في حال حياته وليس موقوفا على موته، بخلاف الوصية فإن الموصى به لا يوجد للموصى له إلا بعد موت الموصى. فبناء على هذا عتقه في حال المرض وهبته ووقفه وصدقته وبيعه المحاباتي وصلحه بلا عوض أو مع عوض أقل مما يصلح عليه وإجارته المحاباتية وكل معاوضة محاباتية وجميع تبرعاته على أنحائه مما يوجب ضررا ونقصا على الوارث، وكذلك إسقاط حقوقه التي تعاوض بالمال وإبراء ذمة مديونه، وأمثال المذكورات مما ليس منشأه معلقا على الموت ويكون إضرارا بالوارث، يكون داخلا في محل النزاع والخلاف. ثم إن ه هنا موارد وقع الكلام في أنها داخلة في محل النزاع أم لا؟ منها: شراء من ينعتق عليه كالعمودين - أي الآباء والأمهات - أو المحارم من النساء، فمن جهة يمكن أن يقال هذه المعاملة ليست فيها محاباة، وإنما المبيع الذي اشتراه يساوي ثمنه، وليس عند العرف خسارة وضرر، ولذلك ليس فيها خيار غبن، والضرر الذي يتوجه على الورثة من ناحية حكم الشارع بانعتاق هؤلاء، وإلا لو فرضنا عدم

 

هذا الجعل من قبل الشارع لم يكن ضرر عليه في البين، ولكن حيث أنه يظهر من روايات الباب أن مناط عدم النفوذ في الزائد على الثلث على القول به هو الإضرار بالورثة، ففي ما روى الكليني أن النبي صلى الله عليه وآله عاب من أعتق مماليكه ولم يكن له غيرهم وقال صلى الله عليه وآله: ترك صبية صغارا يتكففون الناس . (1) شاهد واضح على أن مناط المنع في الزائد على الثلث هو الإضرار بالورثة، ولا شك في أن في شراء من ينعتق عليه إضرار بالورثة، فيكون داخلا في محل الخلاف، لوجود المناط فيه. منه: رد الهبة والوصية والصدقة إن كان من أهلها. منها: العفو عن القصاص مع إمكان أن يصالح هذا الحق بالمال. ولكن الإنصاف أن هذا من عدم جلب النفع للورثة لا من الإضرار عليهم، لأن المجعول لولى الدم ابتداء هو ليس حقا ماليا بل حق القصاص فقط، ولكن له أن يصالح بالمال فلو لم يحصل مالا وأضر بهم وإلا لو كان ذا صنعة مهمة مثل أن يكون خطاطا من الدرجة الأولى، كل قطعة من خطه يباع بقيمة مهمة غالية يمكن أن يحصل أيام المرض مالا مهما يجب أن يقال بوجوب الشغل بتلك الصنعة، وهذا مما لا يمكن الالتزام به. منها: الإتلاف الموجب للضمان، فلو تعمد إتلاف مال الغير فيكون ضامنا لما أتلف، ولا شك في أنه إضرار بالورثة، فهل يخرج الضمان من الأصل أو الثلث؟ ومثل أنه أفطر في نهار رمضان متعمدا فيجب عليه الكفارة فيما إذا تعين عليه الكفارة المالية من إطعام ستين مسكينا أو تحرير رقبة مؤمنة، وهكذا الحال في سائر الكفارات المالية فهل يكون من الأصل أو من الثلث مثل كفارة حنث الحلف النذر؟ أقول: محل البحث هو إنشاء تبرع ابتداء أو في ضمن معاملة محاباتية، سواء كانت عقدا أو إيقاعا، فهل مثل هذه المعاملات تنفذ من الأصل أو من الثلث؟

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 8، باب أن صاحب المال أحق بماله مادام حيا، ح 10، وسائل الشيعة ج 13، ص 383، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 9. (*)

 

أما الفعل الخارجي التكويني الذي جعله الشارع موضوعا لحكم من الأحكام - كباب الجنايات التي جعل الشارع لها الدية أو لزوم إعطاء الأرش، أو جعله الشارع موضوع لوجوب إعطاء الكفارة - فلا دخل لها بما هو محل بحثنا، بل رفع الحكم فيها يحتاج إلى تقييد في دليلها أو تخصيص فيه، وحيث لا تقييد ولا تخصيص في البين فيجب إعطاء الكفارة فيما تجب فيها والأرش والدية فيما يجب فيه الأرش أو الدية. وخلاصة الكلام هو أن البحث في أنه إذا صدر من المريض عقد أو إيقاع يكون تبرعا ابتداء أو يكون متضمنا للتبرع كالعقود المحاباتية أو الإيقاع كذلك، فهل ينفذ من الأصل أو لا ينفذ إلا في خصوص الثلث كالوصية؟ وإن شئت قلت: إن محل النزاع والخلاف هو أن يكون مال موجودا للمريض من عين أو منفعة أو دين أو حق مالي، ففي عالم الاعتبار التشريعي لو نقله إلى غيره بلا عوض أو بعوض أقل أو أبرأ ذمة من في ذمته أو أسقط حقه المالي الموجود، فهل ينفذ مطلقا، أو لا بل ينفذ في مقدار الثلث، أما الزائد عليه فنفوذه موقوف على إجازة الورثة؟ نعم لو اشتغل ذمته لشخص بعقد أو إيقاع، بحيث يكون ملزم بأدائه من المال الموجود عنده بدون عوض والظاهر كونه داخلا في محل الكلام. وأما إذ ضمن بعقد الضمان ما في ذمة زيد مثلا، خصوصا إذا كان زيد معسرا يتعذر عليه أداء عوض الضمان، فهل داخل في محل البحث، أم لا؟ فيه وجهان: من حيث أن الضمان عقد موجب لاشتغال ذمة الضامن بعوض مثله في ذمة المضمون عنه، فليس من عقود التبرعات ول المعاوضة المحاباتية، فيكون خارجا عن محل النزاع. ومن حيث أن المضمون له لو كان معسرا يتعذر عليه أداء ما في ذمته من عوض المضمون به ربما يكون ضررا على الورثة، فيكون داخلا في محل الخلاف والنزاع.

 

والإنصاف: أنه في صورة كون المضمون عنه معسرا بحيث يتعذر عليه أداء ما في ذمته، لا يبعد دخوله في محل النزاع، لوجود المناط والملاك فيه. وأما نذر المال في حال المرض فداخل في محل الكلام بلا كلام، لأنه يقينا ضرر على الورثة، فإن مقدار المال المنذور يخرج من كيس الورثة يقينا وبلا عوض، فهو من العقود التبرعية بلا ريب. ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا من الضابط من محل النزاع والخلاف - وهو أن يكون مالا موجودا، أو ما يكون بحكم الموجود، كالمنافع للأعيان الموجودة التي تتجدد في الأزمنة المتتالية، من عين أو منفعة أو دين في ذمة أو حق مالي، ففي عالم الاعتبار التشريعي بعقد أو إيقاع لو نقله إلى غيره بلا عوض أو مع عوض أقل منه، أو أبرأ ذمة من في ذمته، أو أسقط حقه المالي الموجود، ففي جميع ذلك يأتي الخلاف المذكور أنه من الأصل أو هو كالوصية من الثلث إذا صدر من المريض - أن العطايا الخارجية التي تصدر منه كما إذا أعطى مال بدون عقد أو إيقاع في البين لمادح يمدحه، أو لمن يخاف منه على نفسه أو على ماله أو على عرضه، أو يريد يجلب مودته لغرض من الأغراض، أو يريد احترامه لأجل حق له عليه فيضيفه، أو يهدي إليه لرجوعه من سفر أو لعرسه وزفافه، أو يعطي لفقير للأجر والثواب، أو يعطي لسلامته من الآفات وحصول الصحة والاستشفاء من مرضه، فجميع ذلك خارج عن محل الخلاف والنزاع، وعليه السيرة المتشرعة قديما وحديثا. الثاني: أنه ما المراد من المرض الذي أخذ في عنوان البحث، حيث أن المسألة عندهم معنونة بعنوان أن منجزات المريض هل هي من الأصل أم من الثلث كالوصية؟ أقول: الاحتمالات كثيرة: منها: أن يكون المراد منه المرض الذي بسببه يحصل الموت، فيكون من إضافة

 

السبب إلى المسبب، فمرض الموت أي المرض الذي يكون سببا وعلة للموت وهذا أيضا على قسمين، لأن السبب قد يكون سببا فعليا، وقد يكون شأنيا. مثلا قد يكون الموت مستند إليه، وليس للموت سبب وعلة أخرى بحيث لو لم يكن هذا المرض لم يمت، وأخرى يكون سبب آخر للموت من غرق أو حرق وإن كان المرض أيضا لو لم يكن ذلك السبب الآخر كان كافي لوقوع الموت، ولكن بواسطة وجود ذلك السبب الآخر لم يبق مجال لتأثير المرض، كما أنه كان مبتلى بالسل في الدرجة الأخيرة التي ليست قابلة للعلاج، ولكن يتأخر موته سنة مثلا وفي الأثناء انهدمت الدار عليه ومات، فالمرض في هذا المثال سبب شأني للموت، والسبب الفعلي له انهدام الدار عليه. ومنها: أن يكون المراد منه المرض الذي يتفق فيه الموت، وليس للمرض تأثير فيه أصلا، وذلك كما إذا كان مريضا قابلا للعلاج وفعل مشغولة بالمعالجة، ولكن اتفق أنه مات بسبب آخر، كما أنه وقع من شاهق أو لدغه حيوان سام مثلا فمات بسببه. وبناء على هذا التفسير - لمرض الموت - يكون من قبيل إضافة الظرف إلى مظروفه، كقولهم: سنة الوباء أو الطاعون أو القحط وأمثال ذلك أي المرض الذي يقع فيه الموت. وبناء على هذا التفسير الأخير لو كان مريضا وصدر منه تصرف منجز في ماله، كهبة أو وقف أو عتق ومات في أثناء ذلك المرض بسبب آخر، كلدغ حية مثلا، يكون داخلا في محل الخلاف، أي أنه يخرج من الأصل أو الثلث؟ ثم إنه قد تحصل أمارات الموت وليس بمريض أصلا، كما أنه لو صعب الولادة على المرأة حال الطلق وظهرت عليه أمارات الموت، فإن صدرت في هذه الحالة تبرعات منجزة من بذل مهرها لزوجها وأمثال ذلك، فهل داخل مثل هذا التبرع في محل الخلاف أم لا؟ أو كان في الحرب في محل يظن فيه التلف لوقوع رصاصة عليه، أو كان في السفينة المشرفة على الغرق في حال هيجان البحر وتلاطم الأمواج، ففي مثل

 

هذه الموارد هل يكون ملحقا بمرض الموت، لوحدة الملاك وتنقيح المناط، أم لا؟ ولكن هناك في الروايات تعبير آخر غير مرض الموت، وهو عنوان حضرته الوفاة ربما يشمل مثل هذه الموارد، فالمرأة التي حال الطلق ظهرت عليها أمارات الموت يصدق عليها أنه حضرتها الوفاة، وهكذا في السفينة المشرفة على الغرق. ثم إنه ها هنا أمران: أحدهم: هل موضوع هذا الخلاف والنزاع وقوع التبرعات المنجزة في مطلق المرض، وإن كان تطول مدته ويبقى المريض سنين، كمرض السل والسرطان، فإنهما وإن كان سببا للموت بالأخرة وليس لهما العلاج ولكن قد تطول سنين عديدة، أو مخصوص بالمرض الذي يتعقب بالموت بسرعة ولا يزيد على الشهر مثلا؟ ومعلوم أنه لو كان موضوع الحكم هو مرض الموت، فل بد من مراجعة العرف في فهم المراد من هذه الكلمة إلا أن الشأن في ذلك. الثاني: أن موضوع هذا الحكم ووقوع الخلاف مطلق المرض، أو خصوص المخوف منه؟ واختلف عباراتهم في هذا القيد، ويظهر من عبارة المحقق في الشرائع أن موضوع هذا الخلاف مطلق المرض الذي يتفق به الموت، سواء كان مخوفا في العادة أو لم يكن (1) فعنده موضوع هذا الخلاف هو المرض الذي يكون سببا للموت وإن لم يكن مخوفا بل اتفق فيه الموت. واختار في القواعد (2) أن الموضوع لهذا الحكم هو المرض يتفق معه الموت وإن لم يكن بسببه. ثم إن الذين جعلوا الموضوع المرض المخوف مثل الشيخ (3) قدس سره ومن تبعه في ذلك، دخلوا في مسألة بيان الأمراض المخوفة وما ليس بمخوف، وهذا عبارة الشرائع: كل

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 261. 2. قواعد الأحكام ج 1، ص 334. 3. المبسوط ج 4، ص 44. (*)

 

مرض لا يؤمن معه من الموت غالبا فهو مخوف، كحمى الدق، والسل، وقذف الدم، والأورام السوداوية والدموية، والإسهال المنتن وما شاكله. وأما الأمراض التي الغالب فيه السلامة فحكمها حكم الصحة، كحمى يوم وكالصداع عن مادة أو غير مادة، والدمل، والرمد، والسلاق، وكذا ما يحتمل الأمرين كحمى الغض، والزحير، والأورام البلغمية. (1) وهذه الأمراض التي ذكرها أن عدة منها مخوفة وعدة أخرى غير مخوفة هو حسب الطب القديم، وأما اليوم فتغيرت أسماؤها، وبعض ما سماها بالمخوفة ليست بالمخوفة، بل يمكن علاجه بسهولة في هذه الأزمان. هذا، مضافا إلى أنه ليس في الروايات هذا العنوان، أي عنوان المرض المخوف كي ترجع في تعيين مفاده إلى العرف أو إلى أهل الخبرة في فن الطب، وأنه هل يسمع شهادة الفاسق بل الكافر من أهل الخبرة أو لا بد وأن يكون شهادة العدل بل العدلين لو كان من باب الشهادة. نعم في عدة روايات عنوان المريض من دون قيد، وفي الكتاب العزيز وفي عدة من الروايات عنوان حضر أحدكم الموت وفي بعضه عند الموت فالبحث عن أن أي مرض مخوف وأيها ليس بمخوف لا أثر له. نعم المسلم عند الكل أنه لو تبرع في مرضه، ثم طاب من ذلك المرض ولم يمت، ثم مات بمرض آخر أو بسبب آخر، فهذا ليس داخلا في محل النزاع والخلاف قطعا، فما هو المسلم في دخوله في محل النزاع هو أن يقع الموت في نفس المرض الذي صدر التبرع منه في ذلك المرض، أما كونه سبب للموت أو كونه مخوفا فليس شيء من ذلك مذكور في الأخبار ولا من المسلمات عند الأصحاب. الثالث: في بيان أنه ما هو مقتضى الأصل، مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة التي

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 261. (*)

 

مفادها خروج منجزات المريض من الأصل أو من الثلث. فتارة نتكلم في الأصول اللفظية من العمومات والاطلاقات التي هي من الأمارات ومع جريانها لا يبقى محل لجريان الأصول العملية لارتفاع الشك الذي هو موضوعها بها، لأنها حاكمة عليها وقد حررنا المسألة في الأصول. (1) وأخرى في الأصول العملية على فرض عدم جريان الأصول اللفظية من العمومات والاطلاقات. أما الأول، أي الأصول اللفظية: فمنها: المرسلة المعروفة بين الفريقين: الناس مسلطون على أموالهم (2). وتقريب الاستدلال بها في مقام هو أن مفاد هذه المرسلة أن كل من يملك مالا فهو السلطان على ماله، فله أنحاء التصرفات الجائزة شرعا، ولا فرق في ذلك بين التصرفات التكوينية كشرب المشروبات وأكل المأكولات ولبس الملبوسات، وهكذا في سائر أنحاء التصرفات التكوينية فيؤخذ بالعموم، إلا أن يأتي دليل على التخصيص بالنسبة إلى تصرف من التصرفات، وبين التصرفات التشريعية كبيعه وهبته وإجارته وعاريته والصلح عليه وهكذا، بل قلنا في الاستدلال بها على أصالة اللزوم إذا شككنا في لزوم معاملة مملكة ونفي جواز الرجوع بعد حصول الملك للطرف المقابل أن إرجاعه بدون رضاه مناف مع سلطنته على ماله. وذلك من جهة أن مقتضى السلطنة التامة التي هي مفاد القاعدة أن للمالك جميع أنحاء التصرفات المباحة في ماله، وقصر سلطنة الغير عنه. فالمرسلة متضمن لعقدين: إيجابي وسلبي، أي كما أن له جميع أنحاء التصرفات الجائزة المباحة، كذلك له منع الغير

 

(هامش)

 

1. منتهى الأصول ج 2، ص 537. 2. عوالي اللئالي ج 1، ص 222، ح 99، وص 457، ح 198، وج 2، ص 138، ح 383، وح 3، ص 208، ح 49، بحار الأنوار ج 2، ص 272، كتاب العلم، ح 7. (*)

 

عن التصرف فيه، وإلا ليس سلطنة تامة بل ناقصة ضعيفة، ولذا جعلناها دليلا على اللزوم في مورد الشك وقلنا بأصالته في الملك. ففى ما نحن فيه بعد الفراغ أن المال ماله مادام الروح في بدنه ولا يخرج عن ملكه، فبهذه المرسلة نستدل على أنه في حال المرض الذي يقع فيه الموت حيث أن المال ماله ولم يخرج عن ملكه، فله التسلط على جميع أنحاء التصرفات المشروعة غير المحرمة، إلا أن يأتي دليل على المنع عن تصرف وإن كان في حد نفسه حلالا أو كان في حد نفسه من المحرمات كجعل عنبه خمرا مثلا أو خشبه صنما وأمثال ذلك. وحيث أن التبرعات المنجزة ليست من العناوين المحرمة، ولا نهى الشارع عن مثل هذا التصرف على الفرض، بل هي من العناوين الراجحة بلا كلام، فللمالك السلطنة عليه. لا يقال: إن قاعدة السلطنة ليست مشرعة لمعاملة مشكوك الشرعية، بمعنى أنه لا يمكن ولا يصح إثبات شرعيتها بهذه القاعدة، وذلك لأن المعاملات التي عند العرف والعقلاء سبب للنقل والانتقال يحتاج إلى إمضاء من قبل الشارع، فما لم يمضه الشارع لا يثبت مالية ذلك المال شرعا لمن انتقل إليه، فبالقاعدة لا يثبت الإمضاء، وهذا معنى أنه ليست مشرعة. فإذا شككنا في أن التبرعات العقدية الصادرة عن المريض في المرض الذي وقع فيه موته هل أمضاها الشارع أم لا؟ لا يصح إثبات إمضائها بهذه القاعدة، فلا يصح إثبات الانتقال إلى المتبرع إليه بهذه القاعدة وترتب آثار ملكية المتبرع إليه لم تبرع به، وهذا ملازم مع عدم خروجها عن ملك المريض بل هو باق إلى زمان حصول الموت، فيرثه الورثة. نعم مقدار الثلث يقينا صدر الإمضاء عن الشارع فينتقل إلى المتبرع إليه قطعا، وأما الزائد عليه فيبقى على حاله، فيصدق عليه التركة، فيرثها الورثة. لما ذكرنا أن هذه المعاملات والعقود التبرعية ممضاة من قبل الشارع يقينا، وإنم

 

الشك في محل النزاع أتى من قبل أن المرض الذي يقع فيه الموت هل يوجب نقصا وقصورا في سلطنة المريض كي لا تكون عقوده المنجزة مؤثرة في الأزيد من ثلث ماله، أم لا قصور ولا نقص فيه كي تكون مؤثرة في الجميع في الثلث وما زاد عليه؟ فعموم الناس مسلطون على أموالهم حيث يدل على السلطنة المطلقة التامة على جميع أموالهم في جميع الأحوال، صحيحا كان أم مريضا، وكذا بالنسبة إلى جميع الحالات الطارئة على المالك مثل السفر والحضر، فالمرسلة تدل على أن أي معاملة مشروعة - أي ممضاة - من قبل الشارع في حد نفسها إذا صدر عن المالك يجب ترتيب الأثر عليها والحكم بصحتها، لأن الشارع جعل المالك سلطانا عليها في جميع الحالات، إلا فيما إذا جاء الدليل على عدم سلطنته على تلك المعاملة في حال من الأحوال. كما أن القائلين بعدم نفوذ المنجزات في الزائد على الثلث يدعون وجود الدليل على مثل ذلك التخصيص، وأنه ليس للمريض الذي يقع موته في ذلك المرض السلطنة على التبرع بماله بأزيد من الثلث إلا بإجازة الورثة، فإذا أثبتنا أنه ليس دليل على مثل ذلك التخصيص، فمقتضى أصالة العموم وأصالة الإطلاق في المرسلة أن السلطنة لجميع الملاكين ثابتة في جميع أموالهم في جميع الأحوال، سواء كانوا أصحاء أو كانوا مرضى. وسنتكلم إن شاء الله تعالى في أن أدلة القائلين بمنع نفوذ منجزات المريض في أزيد من الثلث غير تام، فمقتضى الأصل أي عموم قاعدة السلطنة وإطلاقها بالنسبة إلى جميع الأحوال هو النفوذ وإن كان أزيد من الثلث. ومنها: الأدلة العامة التي تدل على وجوب الوفاء بالعقود، كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفو بالعقود) (1) وقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم (2) بناء على شمول

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 1. 2. الكافي ج 5، ص 404، باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز، ح 9، تهذيب الأحكام ج 7، (*)

 

الشروط الابتدائية كي يشمل العقود والالتزامات الابتدائية. وتقريب الاستدلال بهذه العمومات هو بعد ما صدر أحد العقود التبرعية عن المريض الذي يموت في ذلك المرض، أو صدر أحد المعاملات المحاباتية، وكان واجدا لشرائط تلك المعاملة عرفا بحيث تحقق موضوع ذلك العقد عرفا، فيشمله العمومات الواردة في لزوم الوفاء بذلك العقد أو ذلك الشرط، ومعنى وجوب الوفاء به ترتيب أثر الملكية بالنسبة إلى ذلك المال الذي تبرع به للمنتقل إليه. وإطلاق وجوب الوفاء يدل على عدم الفرق بين صورة إجازة الوارث، وبين صورة عدم إجازته. ومعنى حكم الشارع بلزوم ترتيب آثار ملكية من انتقل إليه مطلق أجاز الوارث أم لا، نفوذ التبرعات والمعاملات المحاباتية مطلقا. ومنها: عمومات نفس ذلك التبرع، مثل عمومات الهبة أو الصدقة، أو عمومات البيع أو الإجازة أو الصلح المحاباتية بنفس التقريب الذي بينا في العمومات التي تشمل مطلق العقود والمعاملات، فلا حاجة إلى إعادة ما ذكرنا. وهم ودفع أما الأول: فهو أن دلالة قاعدة السلطنة، وعمومات وجوب الوفاء بالعقود، وعمومات كل واحد من عناوين هذه المعاملات مثل (أحل الله البيع) (1) وعموم (الصلح خير) (2) وكذلك عموم الرهن قوله تعالى: (فرهان مقبوضة) (3) أو قوله عليه السلام:

 

(هامش)

 

ص 371، ح 1503، باب المهور والاجور و...، ح 66، عوالي اللئالي ج 1، ص 218، ح 84، وج 2، ص 257، ح 7، وج 3، ص 217، ح 77، مستدرك الوسائل ج 13، ص 301، أبواب الخيار، باب 5، ح 7. 1. البقرة (2): 275. 2. النساء (4): 128. 3. البقرة (2): 283. (*)

 

لا بأس استوثق من مالك (1) وهكذا في الإجارة والعارية وغيرها على كون المالك سلطانا، ووجوب الوفاء بكل عقد، ونفوذ كل معاملة بالنسبة إلى جميع ما يصدق عليه البيع بالنسبة إلى عمومات البيع، وجميع ما يصدق عليه الإجارة أو الصلح بالنسبة إلى عموماتها، وهكذا في سائر العناوين من عناوين التبرعات والمعاملات المحاباتية متوقف على إحراز قابلية المحل للسلطنة أو وجوب الوفاء أو النفوذ في جميع المصاديق والحالات. وأما لو علم بعدم قابلية المحل للمذكورات أو شك فيها، فلا يفيد في ثبوت السلطنة أو وجوب الوفاء أو نفوذ تلك المعاملة شيء من هذه العمومات والاطلاقات. نعم لو كان هناك أصل موضوعي أثبت قابلية المحل تعبدا فتجرى تلك العمومات، مثلا في محل كلامنا احتمال وجود حق المنع للورثة عن تصرف المريض الذي يموت في ذلك المرض في الزائد على الثلث يمنع من تأثير العقود المنجزة في مؤداها لعدم إحراز قابلية المحل، لأن قابلية المحل شرط التأثير، نعم لو جرى أصالة عدم حدوث حق للورثة بعد حدوث المرض وأحرز القابلية تعبدا فتجرى العمومات الثلاثة، أي قاعدة السلطنة، وعمومات وجوب الوفاء بكل عقد، وعمومات كل واحد من تلك العقود التبرعية والمعاملات المحاباتية، فأولا لا بد من إجراء استصحاب عدم حدوث حق للورثة، ثم الاستدلال بهذه الطوائف الثلاث من العمومات، وإلا مع الشك في قابلية المحل لا يجري شيء منها هذا هو الوهم. وأما الثاني: أي الدفع، فهو أنا لا نرى معنى محصلا لتوقف شمول هذه العمومات للمورد على إحراز قابلية المحل باستصحاب عدم حدوث حق للورثة بعد حدوث المرض المذكور. وذلك لأن محل السلطنة ومتعلقها هو مال ذي السلطنة، ولا شك في أن مال كل

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 13، ص 121، أبواب كتاب الرهن، باب 1، ح 1 و 3 و 8. (*)

 

شخص قابل لأن يكون له السلطنة عليه، وأن يكون له التصرف فيه بأنواع التصرفات، سواء كان حال التصرف صحيحا أو مريضا، وسواء يموت في ذلك المرض أو لم يمت، وإذا منع المالك عن التصرف فيه في حال من الأحوال فلا بد وأن يكون تخصيصا في قاعدة السلطنة. كما أن الراهن لا يجوز له التصرف في ماله المرهون، لورود الدليل على تخصيص القاعدة وعدم جواز تصرف الراهن في عين المرهونة بدون إجازة المرتهن، لا لعدم قابلية المحل لتعلق حق المرتهن به. وباب التخصيص غير عدم قابلية المحل للحكم الشرعي أو اعتبار العرفي، مثل بعض الحشرات التي لا فائدة فيها ولا يترتب أثر عليها مثل الخنفساء مثل المحل ليس قابلا لاعتبار المالية حتى عرفا. مثلا التذكية شرعا عبارة عن فرى الأوداج الأربعة من مسلم بآلة من حديد مسميا موجها إلى القبلة، وأثرها في الحيوان المحلل الأكل أمران: طهارة أجزائه، وحلية أكله، وفي الحيوان المحرم الأكل طهارة بدنه وأجزائه فقط، وأما حرمة أكله فذاتية لا تزول، وأما الحيوان نجس العين كالكلب والخنزير البريان فالمحل غير قابل للتذكية، لأن أثر التذكية إما كلا الأمرين أو أحدهما، فإذا لم يترتب كل واحد منهما - كما أنه كذلك في نجس العين - فاعتبار التذكية لا معنى له، فالمحل غير قابل للتذكية، كما أنه لو شككنا في حيوان أنه نجس العين، فلولا قاعدة الطهارة تكون قابليته للتذكية مشكوكة، للشك في قابلية المحل. وأما فيما نحن فيه، فمال المريض قابل للسلطنة عليه مثل الصحيح، فإذا لم يكن في مورد له السلطنة عليه لا بد وأن يكون لدليل مخصص في البين، وهكذا الحال بالنسبة إلى أدلة وجوب الوفاء بالعقود، فعقود المريض مثل الصحيح قابل لوجوب الوفاء بها. فإذا لم يكن في مورد واجب الوفاء لا بد وأن يكون لوجود دليل مخصص لذلك

 

العموم، وإلا فعدم قابلية المحل كلام لا أساس له. وهكذا الأمر في عمومات كل واحد من العناوين التبرعية، أو المعاملات المحاباتية الدالة على نفوذ تلك المعاملة لو لم تكن نافذة في مورد لا بد وأن يكون لوجود مخصص، لا لعدم قابلية المحل، فحديث عدم قابلية المحل في هذه الموارد كلام لا أساس له، وإن كان أستاذنا المحقق العراقي قدس سره مصرا عليه، فلا حاجة إلى أصالة عدم حدوث حق للورثة، لإجراء قاعدة السلطنة، أو التمسك بعمومات وجوب الوفاء بالعقود، أو عمومات نفس المعاملات المحاباتية، أو العناوين التبرعية الصادرة عن المريض الذي يموت في ذلك المرض. وأما الثاني أي الأصول العملية: فالأصل الذي يمكن جريانها - في نفس المسألة أي لإثبات نفوذ التبرعات في الزائد على الثلث من دون إجازة الوارث، أو عدم نفوذها وتوقفه على إجازة الورثة - هو الاستصحاب. وهو على قسمين: تنجيزي، وتعليقي. أما [ القسم ] الأول، فهو أيضا على قسمين: كلي وشخصي. فالأول - أي الاستصحاب الكلي التنجيزي - هو أن يقال: إن الإنسان العاقل البالغ الصحيح الرشيد، غير المحجور عليه من جهة أحد أسباب الحجر، يقينا له السلطنة على ماله وينفذ جميع تصرفاته المباحة، فإذا زالت عنه الصحة وصار مريضا بمرض مات فيه شككنا في بقاء سلطنته، فيشمله قوله عليه السلام: لا تنقض اليقين بالشك فينتج الاستصحاب بقاء السلطنة ونفوذ التصرفات في حال المرض أيضا. يقال: إن اتحاد قضية المتيقنة مع المشكوكة موضوعا ومحمولا شرط في جريان الاستصحاب، وها هنا ليس كذلك، فإن الموضوع في القضية المتيقنة هو الإنسان العاقل الصحيح، وفي المشكوكة هو المريض. قلت: هذا الإشكال يأتي في جميع الاستصحابات في الحكم الكلي، ولأجل ذلك

 

أنكر بعضهم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي، منهم سيدنا الأستاذ الاصفهاني قدس سره على ما ببالي، ولكن نحن حررنا المسألة في كتاب منتهى الأصول (1) في مبحث الاستصحاب في ذكر أقوال المفصلين في حجيته. وإجمال ما ذكرنا هناك بطور الاختصار أن اتحاد القضيتين موضوعا ومحمولا وإن كان صحيحا لا مناص منه، ولكن الاتحاد بنظر العرف كاف وإن كانا بالدقة غير متحدين، وكذلك وإن كان بحسب ما أخذ موضوعا في لسان الدليل مختلفين، فالاتحاد بنظر العرف هو المناط في جريان الاستصحاب. وإن شئت التفصيل فراجع كتابن منتهى الأصول . والمثل المعروف لجريان استصحاب الكلي هو أنه لا شك في نجاسة الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة، فإذا زال التغير من قبل نفسه فهل تبقى نجاسته، أو تجري فيه أصالة الطهارة؟ الصحيح هو الأول، ومدرك بقاء نجاسته هو استصحابها، فيأتي هذا الإشكال وهو أن الموضوع في القضية المتيقنة هو الماء المتغير بوصف التغير، وفي المشكوكة الماء الذي زال التغير من قبل نفسه لا بوصول المطهر إليه. ولكن بعد ما كان بنظر العرف موضوع الحكم هو الماء، والتغير كان واسطة في الثبوت، أي كان علة الحكم، لا من قيود الموضوع كي ينتفي بانتفائه الحكم، وشك في أنه هل بحدوثه علة لحدوث الحكم الوضعي أي النجاسة وبقائه إلى أن يأتي المطهر أم لا، بل علة لحدوث الحكم وبقائه مادام باقيا، وأما إن زال فلا دليل لا على بقاء النجاسة ول على ارتفاعها، فبالاستصحاب يحكم ببقائها، فحدوث النجاسة بحدوث التغير وبقاؤه ببقائه، وأما إن زال التغير فلا دليل على بقائها إلا استصحابها، فهذا الاستصحاب ل مانع من جريانه. فكذلك في المقام السلطنة التي كانت ثابتة للإنسان العاقل البالغ حال صحته

 

(هامش)

 

1. منتهى الأصول ج 2، ص 385. (*)

 

مشكوكة البقاء بعد زوال الصحة وصيرورته مريضا، فبالاستصحاب يثبت بقاؤها. والجواب عن اختلاف الموضوع هو كفاية الاتحاد عرفا وهو حاصل. والثاني: أي استصحاب التنجيزي الشخصي، هو أن يقال: إن هذا الشخص حال صحته يقينا كان ذا سلطنة على أمواله، وكان جميع تصرفاته التبرعية ولمحاباتية نافذة من أصل ماله، وبواسطة ارتفاع الصحة أو وجود المرض حصل الشك في بقاء سلطنته ونفوذ تصرفاته، فبالاستصحاب يثبت بقاؤها وبقاء نفوذها من أصل المال. وأما توهم أن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم السلطنة فيم إذا كان المرض من حال الصغر إلى أن بلغ ومات في ذلك المرض وتبرعاته كانت بعد بلوغه، فبهذا الاستصحاب يثبت عدم سلطنته على التبرعات والعقود الماحاباتية فيما زاد على الثلث. لا يقال: تعارض بين الاستصحابين، لأنهما في موضوعين، فيمكن العمل بكليهم والقول بعدم نفوذ التبرعات في مورد الأخير، أي فيما إذا كان البلوغ في حال المرض، وكان صدور التبرعات منه في حال المرض وبعد البلوغ بواسطة هذا الاستصحاب فيما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة، والقول بالنفوذ من الأصل في مورد الاستصحاب الأول، أي فيما إذا كان البلوغ في حال صحة المتبرع ثم مرض وصدر منه التبرعات لأجل استصحاب الأول، أي استصحاب بقاء السلطنة التي كان له في حال صحته. لأنه وإن كان الاستصحابان غير متعارضين بالذات لأنهما في موضوعين، لكنه لا يمكن العمل بكليهما، لأنه قول بالفصل ولا قائل به، بل في المسألة قولان: النفوذ من الأصل مطلقا - سواء كان المرض من قبل البلوغ مستمرا إلى أن يبلغ فيصدر منه التبرعات المنجزة أو كان وجود المرض بعد البلوغ - وعدم النفوذ في الزائد على الثلث إلا بإجازة الوارث أيضا مطلقا، سواء كان المرض بعد البلوغ أو قبله وكان مستمرا إلى زمان صدور المنجز عنه، فالقول بالتفصيل والعمل بكلا الاستصحابين

 

خرق للإجماع المركب، فلا يجوز العمل بكليهما، فيكونان متعارضيين بالعرض فيتساقطان. فتوهم فاسد، لعدم جريان استصحاب عدم السلطنة التي كان في حال الصغر بعد البلوغ، وذلك لأن الصغر في نظر العرف موضوع واسطة في العروض، لا أن الموضوع في نظرهم ذات هذا الشخص والصغر واسطة في الثبوت، كي يقال بأن موضوع عدم السلطنة باق وهو ذات هذ الشخص، والصغر كان علة لعدم السلطنة لا أنه موضوعه. وبعبارة أخرى: في نظر العرف غير البالغ والصغير موضوع لأحكام منها عدم توجه الخطابات الالزامية إليهم، منها عدم صحة معاملاتهم وعدم سلطنتهم على أنواع التصرفات فجر هذا العدم إلى زمان البلوغ وإثباته للبائع على فرض ثبوت الشك ليس من الاستصحاب، بل يكون من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر، وذلك لما ذكرنا من أن العرف يرى الصغر موضوعا وواسطة في العروض، لا أن الموضوع ذات الشخص وعدم البلوغ واسطة في الثبوت. العجب من أستاذنا المحقق العراقي قدس سره أنه مع كمال دقة نظره غفل عن مثل هذا النكتة الواضحة، وقال بالتعارض بين هذين الاستصحابين وتساقطهما، مع أنه ليس هنالك استصحابان، بل واحد وهو استصحاب بقاء السلطنة التي كان له حال الصحة، فلا تعارض ولا تساقط في البين أصلا. وأما القسم الثاني: أي استصحاب التعليقي هو أن يقال: إن هذا الشخص لو كان يصدر منه هذه التبرعات المنجزة في حال صحته لكانت نافذة جميعها من أصل ماله بدون التوقف على إجازة الورثة - لا من الثلث والزائد يتوقف على إجازتهم - ففي حال المرض أيضا كذلك. كما يقال: إن هذا الزبيب لما كان عنبا ورطبا لو كان يغلي ماؤه ينجس أو يحرم

 

شربه أو أكله إلا إذا ذهب ثلثاه، فالآن في حالة الجفاف والزبيبية كما كان. وأيض مثل أن يقال: إن هذا الرجل لما كان صحيحا ولم يكن مريضا، أو لما كان شابا ولم يكن شيخا هرما لو كان مستطيعا كان يجب عليه الحج، فالآن بعد ما صار مريضا أو شيخا هرم وصار مستطيعا يجب عليه. فالاستصحاب التعليقي في الحقيقة عبارة عن أن الموضوع المركب من الجزئين إذا وجد أحدهما، فذلك الجزء الموجود بشرط انضمامه إلى الجزء الآخر يكون له الحكم كذا. مثلا البالغ العاقل الحر لو انضم إليه الاستطاعة وصار مستطيعا يجب عليه الحج، فوجوب الحج ليس حكم البالغ العاقل الحر فقط، بل هذا جزء الموضوع بحيث لو انضم إليه الجزء الآخر وهو الاستطاعة يأتي الحكم وهو وجوب الحج، فقبل وجود الجزء الآخر لا حكم أصلا، وإلا يكون خلفا ويلزم أن يكون ما فرضته جزء الموضوع تمام الموضوع، وهذا خلف بين. فإذا وجد تغير في ذلك الجزء الموجود، مثل أن كان البالغ العاقل الحر صحيحا وصار مريضا، أو كان شابا فصار شيخا هرما، وحصل الشك بواسطة هذ التغير في أنه بعد هذا التغيير هل أيضا لو انضم إليه الجزء الآخر - أي الاستطاعة - يكون ذلك الحكم - أي وجوب الحج - عليه أو لا؟ فبالاستصحاب تريد أن تجر ذلك الحكم الذي كان معدوما وتبقيه إلى زمان الشك، وهل هذا إلا إبقاء ما هو معدوم، الذي هو من المحالات الأولية. والتخلص عن هذا بأن الاستصحاب جر الملازمة التي كانت موجودة بين الجزء الموجود من الموضوع وبين الحكم بشرط انضمام الجزء الموجود إلى الجزء المعدوم، كما يظهر من عبارات شيخنا الأعظم الأنصاري قدس سره. أو القول بأن الحكم التقديري نحو حكم يسمى بالحكم المشروط، كما يظهر من

 

صاحب الكفاية عليه السلام. أو القول بأن ظرف وجود الحكم ظرف فرض وجود الموضوع في الذهن، لا وجود الموضوع خارجا، لأن ظرف وجود موضوع الحكم بمعنى متعلقه خارجا ظرف سقوط الحكم، لا ظرف ثبوته، مثلا ظرف وجود الصلاة خارجا ظرف حصول الامتثال، وهو ظرف سقوط الوجوب لا ثبوته، كما قال به أستاذنا المحقق العراقي قدس سره وجمع أخر من الأساطين. فكل هذه الاحتمالات بل الأقوال لا يسمن ولا يغني من جوع، وقد أبطلن الاستصحاب التعليقي في كتابن منتهى الأصول (1) في إحدى تنبيهات الاستصحاب الموضوع لأجل هذا الأمر بأحسن بيان وأقوم برهان، فراجعه. ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان الاستصحاب التعليقي بين أن يكون الحكم المشروط وضعيا أم كان تكليفيا، لأن المناط في كليهما واحد، وهو محالية إبقاء ما هو المعدوم. إذا عرفت ما ذكرنا، فالمسألة ذات قولين. الأول: نفوذها في الثلث فقط، وفي الزائد عليه يتوقف على إجازة الوارث. وذهب إلى هذا القول واختاره جماعة من الأساطين، منهم المحقق في الشرائع، (2) والعلامة في القواعد، (3) والشيخ في المبسوط، (4) والشهيدان، (5) والمحقق الثاني في جامع

 

(هامش)

 

1. منتهى الأصول ج 2، ص 463. 2. شرائع الإسلام ج 2، ص 102. 3. قواعد الأحكام ج 1، ص 334. 4. المبسوط ج 4، ص 43. 5. الدروس ج 2، ص 302، المسالك ج 1، ص 242. (*)

 

المقاصد، (1) وفخر المحققين في الإيضاح، (2) والصدوق، (3) وابن الجنيد، (4) بل ادعى بعضهم الشهرة بين المتأخرين، بل ربما استظهر بعض من الخلاف دعوى الإجماع على أنه من الثلث. القول الثاني: نفوذها في أصل المال وإن كان زائدا على الثلث، واختاره الكليني في الكافي، (5) والصدوق في أحد قوليه، (6) والمفيد في المقنعة، (7) والشيخ في التهذيب وسائر كتبه، والمرتضى علم الهدى (8)، وابن زهرة في الغنية، (9) وابن البراج، (10) وابن إدريس، (11) وابن سعيد، (12) وجماعة أخرى. ومستندهم روايات سنذكرها انشاء الله تعالى. أما القول الأول فاستندوا إلى روايات، وهي طوائف: الطائفة الأولى: ما مفادها أن للميت ثلث ماله. منها: صحيح يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ماله من ماله؟ فقال له ثلث ماله (13).

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 11، ص 94. 2. إيضاح الفوائد ج 2، ص 593. 3. المقنع ص 165. 4. حكى عنه في مختلف الشيعة ج 6، ص 367. 5. الكافي ج 7، ص 7. 6. المقنع ص 165. 7. المقنعة ص 671. 8. الانتصار ص 224. 9. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 603. 10. المهذب ج 1، ص 420. 11. السرائر ج 3، ص 199. 12. الجامع للشرائع ص 497. 13. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 3، الفقيه ج 4، ص 185، باب مقدار (*)

 

وتقريب الاستدلال به أن الميت في حال حياته وقبل أن يموت مالك لجميع ماله، فالسؤال ليس عما يملك من ماله، لأنه من الواضح المعلوم أنه مالك لجميع ماله، فلا بد وأن يقال: إن المراد من الميت من أشرف على الموت، وهو الذي عبر عنه في بعض الروايات بمن حضرته الوفاة، فيكون من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه. والمراد من قول السائل ماله من ماله أي: في أي مقدار يجوز له التصرف في ماله وتنفذ تصرفاته، أعم من أن تكون معلقة على الموت أو منجزة؟ فأجاب عليه السلام بأن له ثلث ماله، أي له أن يتصرف معلقة على الموت، أو مطلقة ومنجزة في ثلث ماله. وحيث أن السؤال عن حد ما يملك التصرف فيه، أعم من أن يكون تصرفه معلقة على الموت أو منجزة - فجوابه بيان ذلك الحد، فتدل الرواية على عدم ملكيته للتصرف فيما زاد على الثلث، سواء كان تصرفه منجزا أو معلقا موته، والأول هو المسمى بالمنجزات، كما أن الثاني مسمى بالوصية. ولكن أنت خبير بأن الرواية ظاهرة في التصرفات بلحاظ بعد موته، فيكون المراد به الوصية وأن في أي مقدار من ماله تنفذ وصيته من غير الاحتياج إلى إذن الورثة أو إجازتهم. ووجه ظهوره في التصرفات المعلقة على الموت هو أنه كان في ذهن المؤمنين أن الإرث بعد الوصية والدين، لقوله تعالى في كتابه العزيز: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (1) فجعل الإرث بعدهما، ولكن السؤال عن الدين لا وجه له، لأنه تابع لواقعه. وأما الوصية التي يكون الإرث بعدها لم تكن معلومة عندهم أن الموصى في أي مقدار من ماله له أن يوصي من دون توقف على إجازة الورثة، فيجيب عليه السلام بانه

 

(هامش)

 

ما يستحب الوصية به، ح 5422، تهذيب الأحكام ج 9، ص 191، ح 770، باب الوصية بالثلث وأقل منه...، ح 2، الاستبصار ج 4، ص 119، ح 452، باب انه لا تحوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 362، أبواب أحكام الوصايا، باب 10، ح 2. 1. النساء (4): 12. (*)

 

الثلث، وإلا فلا معنى له، لأن يسأل ماله من ماله، لأن الجميع ماله، فالمراد بالسؤال هو أنه أي مقدار من ماله له أن يخصصه بنفسه ويجعل في الخيرات والمبرات لينتفع به في الآخرة، فيجيبون عليهم السلام أنه الثلث من ماله، ولكن الزائد يتوقف صحته ونفوذه على إذن الورثة أو إجازتهم. فتمام النظر في هذه الأسئلة والأجوبة بعد الفراغ عن أن الإرث بعد الوصية أن المالك الموصى أي مقدار له حق أن يخصصه بنفسه ويجعل ذخيرة لآخرته ويحرم الورثة منه، فهذه الروايات التي مضمونها بيان ما هو حد حق الميت من ماله أجنبي عن محل بحثنا بالمرة. ولأجل ذلك يقول عليه السلام في صحيحة علي بن يقطين بعد أن سئل ما للرجل من ماله عند موته؟ قال: الثلث والثلث كثير (1) أي: أن الله تبارك وتعالى راعى المالك، وخصص ثلث ماله بوصاياه التي ترجع منافعه إليه وليس الثلث قليلا، فكأنه تعالى رأفة لعباده جعل حصة من مال الشخص بعد موته لنفس الميت وهي ثلث ماله، وحصة للورثة وهي الثلثان الباقيان. ومنها: خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: للرجل عند موته ثلث ماله، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه (2). وتقريب الاستدلال به على عدم نفوذ التبرعات المنجزة في الزائد على الثلث، كما تقدم في صحيح يعقوب بن شعيب. والجواب أيضا عين ما تقدم، نعم في هذه الرواية جملة أخرى، وهي قوله عليه السلام: وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه أي: إن لم يوص فليس على الورثة إعطاء

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 242، ح 940، باب في الزيادات، ح 33، وسائل الشيعة ج 13، ص 363، أبواب أحكام الوصايا، باب 10، ح 8. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 242، ح 939، باب في الزيادات، ح 32، وسائل الشيعة ج 13، ص 363، أبواب أحكام الوصايا، باب 10، ح 7. (*)

 

الثلث بعنوان الخيرات والمبرات للميت، فكأنه قال عليه السلام: إن أوصى فيوجب نقص في حصة الورثة، وإلا إن لم يوص لم يجب على الورثة شيء وإن كان للميت أن ينقص الإرث بالإيصاء ولكن حيث أنه لم يوص فلا نقص. ومنها: خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ماله من ماله؟ فقال: له ثلث ماله ثلث ماله، وللمرأة أيض . (1) وتقريب الاستدلال والجواب عنه كما تقدم. ومنها: مرسلة جامع المقاصد: المريض محجور عليه إلا في ثلثه. (2) ودلالتها على المنع في الزائد على الثلث وإن كانت واضحة إلا أن كونها رواية ليست ثابتة، بل الظاهر أنها فتواه ونتيجة إجتهاده في المقام، وإن كان ظاهر كلامه أنها رواية، لأنه يقول: واختاره المصنف - أي: العلامة في القواعد لأن كتابه شرح قواعد العلامة - لتناول عموم قوله عليه السلام: المريض محجور عليه إلا في ثلث ماله. وعلى كل حال ليست من الروايات الموثوقة الصدور كي يشملها أدلة حجية خبر الواحد الموثوق الصدور، كما اخترناه في الأصول. ومنها: خبر أبي حمزة عن بعض الأئمة عليهم السلام قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: ابن آدم تطولت عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 3، الفقيه ج 4، ص 185، باب مقدار ما يستحب الوصية به، ح 5422، تهذيب الأحكام ج 9، ص 191، ح 770، باب الوصية بالثلث وأقل منه و أكثر، ح 2، الاستبصار ج 4، ص 119، ح 452، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 362، أبواب أحكام الوصايا، باب 10، ح 2. 2. جامع المقاصد ج 11، ص 97. 3. منتهى الأصول ج 2، ص 112. (*)

 

تقدم خيرا (1). وقوله تبارك وتعالى ما واروك أي: ما دفنوك. وقوله تعالى: فاستقرضت منك إشارة إلى الآية الشريفه: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا). (2) وتقريب الاستدلال بهذا الحديث القدسي هو أنه تعالى يقول: جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلو كانت تبرعاته في مرض الموت تخرج من الأصل فلا اختصاص لجعل النظرة في الثلث، بل جعل له النظرة في جميع ماله. وفيه: أن هذا الحديث في مقام بيان ما منه الله تعالى على عباده وعدم شكرهم له تعالى، ومعلوم أن المناسب لهذا المقام هو جعل النظرة للعبد في ماله باعتبار زمان موته وبعد حياته، لأن النظرة في ماله باعتبار زمان حياته معناها أن الله تعالى جعل له أن يصرف ماله في الخيرات والمبرات في حياته، وهذا تكليف شاق عليه ربما يكون أشق من التكاليف البدنية، مثلا الزكاة والخمس ربما يكون على العبد امتثالها أصعب من امتثال الصوم والصلوة. وأما النظرة في ماله بعد موته بأن يصرف فيما يكون له منفعة في الآخرة مع انقطاعه عن ذلك الماله وانتقاله إلى آخرين يكون من ألطافه على ذلك العبد، فالمراد من النظرة في ماله حيث أنه تعالى في مقام الامتنان هو النظرة باعتبار زمان موته، وهذا هو الوصية، ولا كلام في أن الوصية بدون إجازة الورثة لا تنفذ في أزيد من الثلث. ومنها: طائفة من الأخبار واردة فيمن أعتق في مرض موته - وهي الطائفة الثانية - فيأمر عليه السلام بنفوذه من الثلث، ولا شك أنه إذا أعتق فقد نجز وتم الأمر

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 181، باب حجة الله عز وجل على تارك الوصية، ح 5410، تهذيب الأحكام ج 9، ص 175، ح 712، باب الوصية المبهمة، ح 12، وسائل الشيعة ج 13، ص 356، أبواب أحكام الوصايا، باب 4، ح 4. 2. البقرة (2): 245. (*)

 

فأمره عليه السلام بأنه ينفذ من الثلث معناه أن التبرعات المنجزة لا تنفذ من الأصل وإنما نفوذها من الثلث، مثل الوصية المعلقة على الموت. منها: خبر علي بن عقبه عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال: ما يعتق منه إلا ثلثه، وسائر ذلك الورثة أحق بذلك ولهم ما بقى (1). ومنها: خبر عقبة بن خالد مثل ما ذكرنا عن علي بن عقبة إلا أنه ليس فيه هذا الذيل وسائر ذلك الورثة أحق بذلك ولهم ما بقى (2). ومنها: خبر أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: إن أعتق رجل عند موته خادما له ثم أوصى بوصية أخرى ألقيت الوصية وأعتقت الجارية من ثلثه، إلا أن يفضل من ثلثه م يبلغ الوصية (3). ومنها: خبر السكوني، عن علي عليه السلام: إن رجلا أعتق عبدا له عند موته لم يكن له مال غيره، قال عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يستسعى في ثلثي قيمته للورثة . (4) ومنها: ما هو المروي في المسالك (5) عن صحاح الجمهور، وهو أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه ولا له غيرهم، فاستدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وجزأهم ثلثة أجزاء، واقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.

 

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 194، ح 781، باب الوصية بالثلث و...، ح 13، الاستبصار ج 4، ص 120، ح 455، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 365، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 4. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 219، ح 862، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له، ح 12، وسائل الشيعة ج 13، ص 384، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 6. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 197، ح 786، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 18، وسائل الشيعة ج 13، ص 365، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 6. 4. تهذيب الأحكام ج 8، ص 229، ح 828، باب العتق وأحكامه، ح 61، الاستبصار ج 4، ص 7، ح 22، باب من أعتق بعض مملوكه، ح 5، وسائل الشيعة ج 16، ص 76، أبواب كتاب العتق، باب 64، ح 5. 5. المسالك ج 1، ص 424. (*)

 

وهذه الطائفة من الروايات التي فيها أن المريض أعتق عبده أو عبيده ظاهرة في الوصية بالعتق، لا إنشاء العتق منجزا قبل وفاته وباعتبار حال حياته، والأخبار بلفظ الماضي تعبير عرفي، وكأن العرف - في باب وصايا المريض الذي حضره الوفاة - يرى المريض ميتا، للجزم بوقوعه قريبا، فيرى الموصى به أمرا واقعا لوقوع شرطه وما علق عليه، وهو الموت. ولذلك إذا علموا بوصية مريض أنه أوصى بأن يعطوا بعد وفاته داره مثلا أو كتبه العلمية أو ألبسته لفلان يقولون: إنه أعطى هذه المذكورات لفلان. والشاهد لما ذكرن أن في بعض هذه الأخبار يقول عليه السلام كما في خبر أبي بصير المتقدم إن أعتق رجل خادما له ثم أوصى بوصية أخرى . وأنت ترى أن ظاهر هذه العبارة وقوله عليه السلام ثم أوصى بوصية أخرى أن الأول أي العتق أيضا وصية بالعتق، وإلا لا يبقى وجه للتعبير عن الوصية التي بعد العتق بوصية أخرى، فكلمة أخرى دليل على أن الأولى أيض وصية. فتدل هذه الكلمة على أن عرفهم في ذلك الزمان كان الإخبار من وقوع العتق بلفظ الماضي إيصاء بالعتق، فيسقط ظهور هذه الطائفة في العتق المنجز كي يكون دليلا على أن التبرعات المنجزة تخرج من الثلث، كما هو مدعي المستدل. وظهر مما ذكرنا أن ما رواه المسالك عن الجمهور - أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه - من هذ القبيل، أي أن الأنصاري أوصى بعتق الستة أو دبر عتقهم، فإن المدبر عن الثلث كالوصية، وبذلك روايات وقد عقد في الوسائل بابا بهذا العنوان وأن المدبر ينعتق بعد الموت من الثلث (1) ففي تطبيق الثلث عليهم لا طريق إلا القرعة، وكذلك الأمر في خبر السكوني وقول أمير المؤمنين عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يستسعى في ثلثي قيمته إذا قلنا إن عتقه عند موته وصية ولا

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 13، أبواب أحكام الوصايا، باب 19. (*)

 

ينفذ في الزائد عن الثلث، فالذي يحكي عن رسول الله صلى الله عليه وآله هو مقتضى القواعد، ولا يدل على أن إخراج المنجز من الثلث ومما ذكرنا ظهر الحال في خبري علي بن عقبة وعقبة بن خالد، فلا نطول الكلام. الطائفة الثالثة: فيما ورد من الروايات في خصوص العتق ممن عليه الدين: منها: خبر حسن بن الجهم قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في رجل أعتق مملوكا وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستمائة درهم، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره، قال: يعتق منه سدسه لأنه إنما له منه ثلاثمائة درهم، وله السدس من الجميع، ويقضى عنه ثلاثمائة درهم وله من الثلاثمائة ثلثه . (1) وتقريب الاستدلال بهذه الرواية هو أنه لو كان نفوذ المنجزات من الأصل - ولا شبهة في أن العتق من المنجزات - فكان يعتق نصف ذلك العبد لا سدسه، لأنه مالك لنصف قيمته إذ نصفه يخرج بواسطة الدين للدائن، ويبقى ملك المالك النصف الباقي، فإذا كان نفوذها من الأصل فتمام هذا النصف الباقي يعتق، فحكمه عليه السلام بعتق السدس دليل على النفوذ من الثلث، لا من الأصل، إذ سدس الجميع عبارة عن ثلث النصف الباقي للمالك بعد أداء نصفه إلى الدائن للوفاء بدينه. ومنها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألني أبو عبد الله عليه السلام: هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فاعتقهم عند الموت إلى أن قال عليه السلام: إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته وأجيزت وصيته على وجهها، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 27، باب من أعتق وعليه دين، ح 3، تهذيب الأحكام ج 9، ص 169، ح 690، باب الإقرار في المرض، ح 36، ص 218، ح 855، وسائل الشيعة ج 13، ص 423، أبواب أحكام الوصايا، باب 39، ح 4. (*)

 

للغرماء، ويكون ثلثه للورثة، ويكون له السدس . (1) وهذه الرواية مفصلة سئل الإمام عليه السلام عن اختلاف الفتاوى بين أبي ليلى وابن شبرمة القاضيين في الكوفة، فذكر الراوي موردا من موارد اختلافهما، وفي هذا المورد قال عليه السلام: إذا استوى مال الغرما مع مال الورثة أو كان مال الورثة أكثر اجيزت وصيته وحكم بنفوذ الوصية في الثلث لا من الأصل. وبهذه الجهة تكون دليلا في المقام. بيان ذلك أن المفروض أن قيمة العبيد الذين أعتقهم مثلا ضعف دينه، فليفرض أن قيمتهم ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة، فيبقى بعد إخراج الدين للمالك الموصى المعتق ثلاثمائة، وثلث ثلاثمائة مائة وهو سدس المجموع، فحكمه عليه السلام بأن له - أي للميت - السدس، أي ثلث التركة بعد أداء الدين، فنفوذ العتق في سدس المجموع معناه نفوذ الوصية في الثلث، وإلا لو كان من الأصل لكان ينفذ في ثلاثمائة درهم الذي هو نصف المجموع لا في مائة درهم الذي هو سدس المجموع، فهذه الرواية تدل على نفوذ العتق في سدس المجموع الذي هو ثلث التركة، فتدل على أن العتق الذي هو من المنجزات من الثلث، لا من الأصل. ولكن أنت خبير أن هاتين الروايتين وأمثالهما موردهما الوصية بالعتق، لا أنه أعتق منجزا في حال حياته، فتكون خارجة عن محل البحث، خصوصا الرواية الثانية فإنه عليه السلام صرح بأنه أجيزت الوصية، فحملها على العتق المنجز خلاف ظاهر الرواية. نعم في الرواية إشكال آخر من جهة تقييده عليه السلام نفوذ الوصية في الثلث بأن يكون مال الغرماء وحصتهم من التركة مساويا مع ما يبقى للورثة، أو يكون ما يبقى لهم أكثر

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 26، باب من أعتق وعليه دين، ح 1، تهذيب الأحكام ج 9، ص 217، ح 854، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له، ح 4، وج 8، ص 232، ح 841، وسائل الشيعة ج 13، ص 423، أبواب أحكام الوصايا، باب 39، ح 5. (*)

 

وهذا الإشكال لا دخل له بما هو محل بحثنا وإن كان موجبا لطرح الرواية وعدم عمل الأصحاب بها. الطائفة الرابعة: الأخبار الواردة في موارد بعض المنجزات، وعدم نفوذ ذلك التبرع المنجز في ذلك المورد. منها: صحيح الحلبي، سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه، فتبرأه منه في مرضها؟ فقال عليه السلام: لا . (1) ومنها: خبر جراح المدائيني سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن عطية الوالد لولده يبينه قال: إذا أعطاه في صحته جاز . (2) وتقريب دلالة هذين الخبرين على ما يدعون من خروج المنجزات من الثلث لا من الأصل. أما الأول، فمن جهة أن نفيه عليه السلام صحة الإبراء مطلقا، سواء كان بقدر الثلث أو الأزيد منه مع الإجماع على صحته إن كان بقدر الثلث أو كان أقل منه يدل على أن المراد من نفيه هو كون الإخراج من الأصل، وأما الإخراج من الثلث فليس بمنفي. وأما الثاني، أي خبر جراح المدائيني وإن كانت القضية الشرطية بمفهومها تدل على عدم الجواز إذا لم تكن العطية في حال الصحة، ولكن حيث أن نفي الجواز بقول مطلق وإن كانت مساويا للثلث أو كانت أقل منه خلاف الإجماع فلا بد وإن يحمل النفي على الكراهة. ويؤيد هذا الحمل قوله عليه السلام في رواية سماعة التي مضمونها نظير المقام في جواب

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 201، ح 802، باب الوصية للوارث، ح 12، وسائل الشيعة ج 13، ص 384، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 15. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 201، ح 801، باب الوصية للوارث، ح 11، الاستبصار ج 4، ص 127، ح 480، باب عطية الوالد لولده في حال المرض، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 284، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 14. (*)

 

السائل وأما في مرضه فلا يصلح . (1) ومنها: خبر أبي ولاد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأة عليه الدين، فتبرأه منه في مرضها؟ قال عليه السلام: بل تهبه له فتجوز هبتها له، ويحسب ذلك من ثلثه . (2) وهذا الخبر وإن كان ذيله يدل على أن الهبة المنجزة تخرج من الثلث، ولكن من حيث اشتماله على ما هو مخالف لإجماع الأصحاب وهو إعراضه عن الإبراء الدال على عدم صحته، وصحة الهبة ساقط عن الاعتبار، ولا يصح الاعتماد عليه. قال في المسالك (3) في مقام الاعتراض على هذه الرواية: وأما رواية أبي ولاد ففيها أن مضمونها لا يقول به أحد، لأن الإبراء مما في الذمة صحيح بالإجماع دون هبته، والحكم فيها بالعكس، فكيف يستند إلى مثل هذه الراوية المقلوبة الحكم الضعيفة السند. هذا مع أنها على فرض صحتها ليست قابلة للمعارضة مع الأخبار الصحيحة الصريحة في أن إخراج المتنجزات من الأصل لا من الثلث. الطائفة الخامسة: الأخبار الواردة في عدم جواز الإضرار بالوارث، والجور في الوصية والحيف، ووجوب ردها إلى العدل. منها: رواية السكوني عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: م

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 156، ح 642، باب النحل والهبة، ح 19، الاستبصار ج 4، ص 121، ح 461، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 11، وسائل الشيعة ج 13، ص 384، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 11. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 195، ح 783، باب الوصية بالثلث وأقل منه واكثر، ح 15، الاستبصار ج 4، ص 120، ح 457، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 7، وسائل الشيعة ج 13، ص 367، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 11. 3. المسالك ج 1، ص 425. (*)

 

ابالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال . (1) ولا شك في أن هذه الرواية تدل على عدم جواز الإضرار بالورثة بتنقيص حصتهم بالأزيد من الثلث، لأن أدلة جواز الوصية بالثلث تخصص هذه الرواية بالنسبة إلى مقدار الثلث، والزائد يبقى تحت المنع، ومعلوم أنه لا فرق بين أن يكون سبب الإضرار هي الوصية أو التبرعات المنجزة، لأنه عليه السلام في مقام مذمة الإضرار بهم وأنه مثل السرقة، فإذا كان موضوع الحكم بالحرمة هو الإضرار فأي فرق بين أسبابه. وفيه: أن الفرق واضح، لأن الوصية إخراج الموصى به عن التركة بعد الموت بإنشائه قبل الموت، فالوصية في الحقيقة من قبيل إيجاد المانع عن ملكيتهم لمقدار الذي أوصى به بعد وجود المقتضى لملكيتهم لذلك المقدار وهو الموت، بخلاف التبرعات المنجزة فإنها إخراج في حال الحياة، أي في وقت تكون الورثة أجانب عن المال كسائر الأجانب، نعم على تقدير موت المورث يوجد المقتضى لإرثهم لولا المانع، فقياس أحدهما بالآخر - مع بطلان القياس في حد نفسه - قياس مع الفارق الكثير، وأين أحدهما من الآخر. وأما ادعاء تنقيح المناط القطعي بأن يقال: نقطع بأن المناط في عدم نفوذه في الزائد على الثلث هو حرمان الوارث عن ذلك المقدار بأي سبب كان، فهذا باطل قطعا، لأن لازم ذلك عدم جواز التبرعات وعدم نفوذها حتى في حال الصحة. وبما ذكرن يظهر بطلان الاستدلال لعدم نفوذ المنجزات في الأزيد من الثلث برواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام، قال عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفى وأوصى بماله كله أو أكثره فقال عليه السلام: الوصية ترد إلى المعروف غير المنكر، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف فإنها ترد إلى المعروف، ويترك لأهل الميراث

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 183، باب ما جاء في الإضرار بالورثة، ح 5418، تهذيب الأحكام ج 9، ص 174، ح 710، باب الوصية ووجوبها، ح 10، وسائل الشيعة ج 13، ص 356، أبواب أحكام الوصايا، باب 5، ح 1. (*)

 

ميراثهم . (1) وذلك لوضوح أنهم في حياة المورث ليسوا أهل الميراث، لأنه لا ميراث في البين كي يترك لأهل الميراث ميراثهم، وبعد الوفاة أيضا لا ميراث بالنسبة إلى ذلك المقدار الذي نجز فيه التبرع، لأنه أفناه وانتقل عنه بالتبرع، فلا يصدق عليه عنوان أنه ما تركه الميت الذي هو موضوع الميراث. الطائفة السادسة: الأخبار الواردة في باب نفوذ الإقرار من المريض - يموت في ذلك المرض - في الثلث، وعدم نفوذه في الأزيد منه إن كان متهما، ولتعليله عليه السلام ذلك بقوله في إقرار امرأة بذلك في رواية بياع السابري: فإنما لها من مالها ثلثه . عن العلا بياع السابري قال: سألت أب عبد الله عليه السلام عن امرأة استودعت رجلا مالا، فلما حضرها الموت قالت له: إن المال الذي دفعته إليك لفلانة، وماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا: إنه كان لصاحبتنا ما ولا نراه إلا عندك، فاحلف لنا مالها قبلك شيء أفيحلف لهم؟ فقال: إن كانت مأمونة عنده فيحلف لهم، وإن كانت متهمة فلا يحلف ويضع الأمر على ما كان، فإنم لها من مالها ثلثه . (2) ورواية إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أقر لوارث له وهو مريض بدين له عليه، قال عليه السلام: يجوز عليه إذا أقر به دون الثلث (3).

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 4، الفقيه ج 4، ص 186، باب ما يجب من رد الوصية إلى المعروف...، ح 5425، تهذيب الأحكام ج 9، ص 192، ح 773، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 358، أبواب أحكام الوصايا، باب 8، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 42، باب المريض يقر لوارث بدين، ح 3، الفقيه ج 4، ص 229، باب إقرار المريض للوارث بدين، ح 5543، تهذيب الأحكام ج 9، ص 160، ح 661، باب الإقرار في المرض، ح 7، الاستبصار ج 4، ص 112، ح 431، باب الإقرار في حال المرض، ح 7، وسائل الشيعة ج 13، ص 377، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 2. 3. الكافي ج 7، ص 42، باب المريض يقر لوارث بدين، ح 4، الفقيه ج 4، ص 228، باب إقرار المريض للوارث بدين، ح 5540، تهذيب الأحكام ج 9، ص 160، ح 659، باب الإقرار في المرض، ح 5، (*)

 

ورواية أبي ولاد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مريض أقر عند الموت لوارث بدين له عليه قال: يجوز ذلك . قلت: فإن أوصى لوارث بشيء قال: جائز . (1) وظاهر هذه الرواية وإن كان مطلقا بالنسبة إلى كون ما أقر به أزيد من الثلث أو أقل أو مساويا، ولكن يقيد برواية إسماعيل بن جابر بكونه دون الثلث. ورواية البرقي عن سعد بن سعد، عن الرضا عليه السلام، قال: سألته عن رجل مسافر حضره الموت، فدفع مالا إلى أحد من التجار فقال له: إن هذا المال لفلان بن فلان ليس له فيه قليل ول كثير فادفعه إليه يصرفه حيث يشاء، فمات ولم يأمر فيه صاحبه الذي جعله له بأمر ول يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك كيف يصنع؟ قال: يضعه حيث شاء . (2) ورواية الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عن رجل أقر لوارث بدين في مرضه أيجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كان ملي . (3) ورواية أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه

 

(هامش)

 

الاستبصار ج 4، ص 112، ح 429، باب الإقرار في حال المرض، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 377، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 3. 1. الكافي ج 7، ص 42، باب المريض يقر لوارث بدين، ح 5، تهذيب الأحكام ج 9، ص 160، ح 660، باب الإقرار في المرض، ح 6، الاستبصار ج 4، ص 112، ح 430، باب الإقرار في حال المرض، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 377، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 4. 2. الكافي ج 7، ص 63، باب النوادر، ح 23، تهذيب الأحكام ج 9، ص 160، ح 662، باب الإقرار في المرض، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 378، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 6. 3. الكافي ج 7، ص 41، باب من أوصى بسهم من ماله، ح 1، الفقيه ج 4، ص 229، باب إقرار المريض للوارث بدين، ح 5541، تهذيب الأحكام ج 9، ص 159، ح 655، باب الإقرار في المرض، ح 1، الاستبصار ج 4، ص 111، ح 425، باب الإقرار في حال المرض، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 378، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 7. (*)

 

دينا؟ فقال: إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى له (1). ومضمرة سماعة قال: سألته عمن أقر للورثة بدين عليه وهو مريض؟ قال: يجوز عليه ما أقر به إذا كان قليل . (2) ومكاتبة محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى العسكري عليه السلام امرأة أوصت إلى رجل وأقرت له بدين ثمانية الآف درهم، وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف أو شعر وشبه وصفر ونحاس وكل مالها أقرت به للموصى إليه، وأشهدت على وصيتها، وأوصت أن يحج عنها من هذه التركة حجتان، وتعطى مولاة لها أربعمائة درهم، وماتت المرأة وتركت زوجها فلم ندر كيف الخروج من هذا، واشتبه علينا الأمر وذكر كاتبت أن المرأة استشارته فسألته أن يكتب لهم ما يصح لهذا الوصي فقال لها لا تصح تركتك لهذ الوصي إلا بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود، وتأمريه بعد أن ينفذ م توصيه به وكتبت له بالوصية على هذا وأقرت للوصي بهذا الدين فرأيك أدام الله عزك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا وتعريفنا ذلك لنعمل به إن شاء الله؟ فكتب بخطه: إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال إن شاء الله، وإن لم يكن الدين حقا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف . (3) ورواية على بن مهزيار قال: سألته عن رجل له امرأة لم يكن له منها ولد، وله

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 160، ح 657، باب الإقرار في المرض، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 378، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 8.

2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 160، ح 658، باب الإقرار في المرض، ح 4، الاستبصار ج 4، ص 111، ح 428، باب الإقرار في حال المرض، ح 4، وسائل الشيعة ج 13، ص 379، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 9. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 161، ح 664، باب الإقرار في المرض، ح 10، الاستبصار ج 4، ص 113، ح 433، باب الإقرار في حال المرض، ح 9، وسائل الشيعة ج 13، ص 379، أبواب أحكام الوصايا ، باب 16، ح 10. (*)

 

ولد من غيرها، فأحب أن لا يجعل لها في ماله نصيبا، فاشهد بكل شيء له في حياته وصحته لولده دونها، وأقامت معه بعد ذلك سنين، أيحل له ذلك إذا لم يعلمها ولم يتحلله وإنما عمل به على أن المال له يصنع به ما شاء في حياته وصحته؟ فكتب عليه السلام: حقها واجب، فينبغي أن يتحلله . (1) ورواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام: إنه كان يرد النحلة في الوصية وما أقر به عند موته بلا ثبت ول بينة رده . (2) ورواية مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال علي عليه السلام: لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين . (3) فهذه الأخبار الكثيرة التي يمكن ادعاء تواترها إجمالا ظاهرة في عدم نفوذ الإقرار من المريض الذي حضره الموت في الأزيد من الثلث. وفيه: أولا: أن الإقرار غير التبرعات المنجزة وخارج عنه موضوعا، لأن التبرعات المنجزة أو العقود والمعاملات المحاباتية في حال المرض عبارة عن إنشاء تمليك منجز غير معلق على موته بغيره، فهو بهذا الإنشاء فعلا أي في وقت الإنشاء يخرج بعض ما يملكه أو تمامه عن ملكه، ويدخله في ملك شخص آخر. وأما الإقرار فهو عبارة عن الاعتراف بكون حق - من دين أو عين أو حق - ثابتا في ما هو تحت سلطنته، أو في ذمته، أو على عهدته من ذي قبل، ففرق واضح

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 162، ح 667، باب الإقرار في المرض، ح 13، وسائل الشيعة ج 13، ص 379، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 11. 2. الفقيه ج 4، ص 249، باب الوقف والصدقة والنحل، ح 5592، تهذيب الأحكام ج 9، ص 161، ح 663، باب الإقرار في المرض، ح 9، الاستبصار ج 4، ص 112، ح 432، باب الإقرار في حال المرض، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 380، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 12. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 162، ح 665، باب الإقرار في المرض، ح 11، الاستبصار ج 4، ص 113، ح 434، باب الإقرار في حال المرض، ح 10، وسائل الشيعة ج 13، ص 380، أبواب أحكام الوصايا، باب 16، ح 13. (*)

 

بينهما إذ الإقرار ليس تصرفا جديدا في ماله كي يقال بأنه محجور عليه بالنسبة إلى الأزيد من ثلث ماله، بل هو إخبار عن دينه السابق على هذه الحالة التي حجر عليه الشارع في الأزيد من الثلث. إذا عرفت ما ذكرنا تعلم أنه لا منافاة بين أن يفتى الفقيه في باب الإقرار بعدم نفوذه في الزائد على الثلث ويفتى في باب التبرعات المنجزة والعقود المحاباتية بالنفوذ من الأصل أو بعكس هذا، إذ لا ربط بين المسألتين. وثانيا: أن في مسألة الإقرار في مرض الموت ليس من المسلم أنه لا ينفذ في الأزيد من الثلث دائما ومطلقا، ولا أنه ينفذ في مقدار الثلث دائما ومطلقا، بل الأقوال فيها كثيرة، وقيل بأنها عشرة، وذلك لاختلاف الروايات الواردة في هذا الباب، وقد تقدم ذكرها آنفا. ففي بعضها كرواية العلا بياع السابري قيد النفوذ في جميع المال بكون الامرأة المقرة مأمونة غير متهمة، وعلل ذلك بقوله عليه السلام: فإنم لها من مالها ثلثه . والظاهر أن مراده عليه السلام من هذا الكلام أنه إذا لم تكن مأمونة يمكن أن تكون في إقرارها كاذبة، فتكون النتيجة أن إقرارها صار سببا لخروج جميع التركة من يد الورثة، مع أنها لا تملك أزيد من ثلث تلك التركة. إن قلت: هذ الكلام الأخير منه عليه السلام يدل على أن المنجزات لا تخرج من الأصل، لأنه لا يملك في المرض الذي يموت فيه تمام ماله، بل له الثلث. قلنا: إن المراد أنها إذا لم تكن مأمونة، واحتملنا أن تكون كاذبة في إقرارها، فيكون إقرارها خبرا كاذبا وليس تبرع ولا عقد محاباتي في البين بحيث أنها تنشأ فعلا تمليك مالها لتلك الفلانة، بل غاية ما يمكن أن يقال في حقها إنها توصى بإعطاء جميع مالها لتلك الفلانة بعد مماتها ولكن بصورة الإقرار، لعلمها بأن الوصية لا تنفذ في الأزيد من الثلث، فلذلك تظهر ما تريد بصورة الإقرار كي يصل إليها تمام المال، وإلا

 

فليس مرادها أن يعطي المال لتلك الامرأة الفلانية في حياتها، فيكون إقرارها لها في الحقيقة وصية لها. ومعلوم أن الميت ليس له التصرف في ماله بعد موته في الأزيد من الثلث، أي يكون تصرفه في ماله وإن كان في حال حياته، ولكن يكون ظرف انتقال المال إلى الطرف بعد موته، وهذا معنى الوصية، وهو مقابل للمنجزات، لأن المنجز التمليك وتملك الطرف الاثنان في حال الحياة، ويكون كسائر معاملاته في حال صحته. ومما ذكرن تعرف أن جميع موارد إقرار المريض إذا كانت إقرارا واقعا حقيقيا وكان صادقا، فهذ واقعا مال المقر له، ولا يخرج عن ملك المريض في عالم الثبوت شيء كي يقال بالنفوذ في الأصل أو في الثلث، وإن كان كاذبا فليس للمقر له شيء كي يقال بأنه من الأصل أو من الثلث. إذا عرفت ذلك تعرف أن التفاصيل الكثيرة الواردة في الأخبار المتقدمة كله ترجع إلى أنه هل هناك أمارة على أن المقر صادق في إقرار أم لا. مثلا الفرق بين أن يكون المقر له وارثا أو كان أجنبيا يرجع إلى أنه لو كان وارثا فهذا أمارة على كذب الإقرار، وذلك لأن المريض الذي أشرف على الموت بعد أن رأى أن يده تنقطع عن أمواله بالموت، فيجب أن ينتقل أمواله إلى من يحبه أكثر، ولا شك في أنه يحب أولاده أكثر من الأجنبية التي صارت من ورثته بواسطة تزوجه لها قبل كم يوم، خصوصا إذا لم يدخل به أو وإن دخل بها ولكن ليس له ولد منها ويدري بأن الوصية لا تنفذ في الأزيد من الثلث، فيقر بأن جميع ماله لأولاده مثلا. وأما الروايات التي قيد فيها نفوذ الإقرار بأن ل يكون المقر متهما، فأمرها فيما ذكرنا واضح لا يحتاج إلى البيان. ورواية الحلبي التي يقول الإمام عليه السلام فيه نعم إذا كان ملي يعني إذا كان مليا بفقد إقراره، وذلك لأن كون المريض المقر مليا أمارة على صدقه في إقراره، لأن الملي

 

يصل إلى وارثه ما يكفيه من إرثه فلا يحتاج إلى أن يقر المريض كاذبا بالمال، فتكون ملاءته أمارة على صدقه. ورواية أبي أيوب التي يقول عليه السلام فيه إن كان الميت مرضيا فاعطه الذي أوصى له أي ما أقر له بالدين كما هو المذكور في نفس الرواية، وواضح أن كونه مرضيا أمارة صدقه في إقراره. ورواية سماعة التي يقول عليه السلام فيه يجوز عليه ما أقر به إن كان قليل يعني إذا كان المقر به شيئا قليلا، فل داعى له على الكذب، فهو صادق في إقراره. وأما مكاتبة محمد بن عبد الجبار إلى مولان العسكري عليه السلام فأولا أمارات كونها تقية بادية وظاهرة عليها، وقوله عليه السلام فيه وإن لم يكن الدين حقا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف ظاهر بل صريح في ما استظهر من تلك الروايات، أي الروايات التي وردت في باب إقرار المريض لوارثه أو لأجنبي، وهو أنه لو كانت أمارة صدق لإقراره وأنه صادق في إقراره يؤخذ به، وإلا يكون وصيته يخرج من الثلث، كفي أو لم يكف. والسر في ذلك: أن نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم من جهة أن العاقل لا يقدم على ما هو ضرر عليه بلا داع أهم من ذلك الضرر في نفسه، والأمارات المذكورة في هذه الروايات لبيان أن المورد مورد جريان هذه القاعدة. فإذا كان مورد الجريان تجري وإلا ليس بإقرار، بل صرف وصية ويخرج من الثلث، فلا ربط لهذه الروايات بباب المنجزات. وأما القول المختار، أي خروج المنجزات من أصل التركة فلوجوه: الأول: الإجماع. وفيه: المنع صغرى وكبرى.

 

أما الصغرى، فلكثرة المخالفين حتى ادعى بعضهم الإجماع على الخلاف، ولكن المحقق أنه - أي القول بالخروج من الثلث - ذهب إليه جمع كثير من أعاظم الأصحاب كالشهيدين، (1) والفاضلين، (2) وجامع المقاصد، (3) بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، بل نسب إلى عامة المتأخرين. (4) وأما الكبرى، فلأن الإجماع في مثل هذه الموارد - التي يدعي الطرفان تواتر الروايات كل واحد منهما على مذهبه - لا حجية له قطعا، لما ذكرنا في الأصول من أن حجية الإجماع وكونه دليلا على الحكم الشرعي موقوف على أن لا يكون للمجمعين والمتفقين مدرك معين، ومتكئا معلوم، من عقل أو نقل، أي الآيات والروايات، وإلا لا بد من المراجعة إلى تلك المدارك وأنها تدل على المدعى أو لا تدل. ففي مثل هذا المقام الذي يدعي كل واحد من الطرفين وجود روايات متواترة على مدعاه لا يبقى مجال للتمسك بالإجماع. الثاني: قاعدة السلطنة، أي عموم الناس مسلطون على أموالهم خرج منها التصرفات المعلقة على الموت، ويبقى المنجزة تحت العموم. الثالث: استصحاب ما كان للمالك حال الصحة من نفوذ تصرفاته المنجزة في جميع ماله، وإن كانت تبرعية أو معاملة محاباتية. وهذا الاستصحاب تنجيزي لا تعليقي، لأنه استصحاب صفة وحالة كانت للمالك قبل أن يمرض. الرابع: الأخبار الواردة في الباب: منها: رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن

 

(هامش)

 

1. الدروس ج 2، ص 302، المسالك ج 1، ص 242.

2. شرائع الإسلام ج 2، ص 102، مختصر النافع ص 167، قواعد الأحكام ج 1، ص 334. 3. جامع المقاصد ج 11، ص 94. 4. المسالك ج 1، ص 464. (*)

 

يأتيه الموت (1). وهذه الرواية رواها في الوسائل بطريق آخر من سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ما ذكرنا، وقال صاحب الوسائل: وزاد - أي أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام - أن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء مادام حيا إن شاء وهبه، وإن شاء تصدق به، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث، إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته . (2) ومنها: رواية عمار بن موسى الساباطي أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: صاحب المال أحق بماله مادام فيه شيء من الروح يضعه حيث شاء . (3) ومنها: رواية أخرى له أيضا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال عليه السلام: الرجل أحق بماله مادام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز . (4) قال في الوسائل: حمله الشيخ وجماعة على التصرفات المنجزة، وحمله الصدوق على من لا وارث له. (5)

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 8، باب أن صاحب المال أحق بماله مادام حيا، ح 5، تهذيب الأحكام ج 9، ص 186، ح 749، باب الرجوع في الوصية، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 381، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 1. 2. وسائل الشيعة ج 13، ص 381، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، حكم التصرفات المنجزة في مرض الموت. 3. الكافي ج 7، ص 7، باب أن صاحب المال أحق بماله مادام حيا، ح 1، تهذيب الأحكام ج 9، ص 176، ح 748، باب الرجوع في الوصية، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 381، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 4. 4. الكافي ج 7، ص 7، باب أن صاحب المال أحق بماله مادام حيا، ح 2، الفقيه ج 4، ص 202، باب في أن الإنسان أحق بماله...، ح 5468، تهذيب الأحكام ج 9، ص 187، ح 753، باب الرجوع في الوصية، ح 6، الاستبصار ج 4، ص 121، ح 459، باب أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 9، وسائل الشيعة ج 13، ص 382، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 5. 5. وسائل الشيعة ج 13، ص 382، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 5، وانظر: الاستبصار ج 4، ص 121، ذيل ح 460. (*)

 

ومنها: رواية ثالثة لعمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت: الميت أحق بماله مادام فيه الروح يبين به؟ قال: نعم فإن أوصى به فليس له إل الثلث . (1) ومنها: رواية رابعة لعمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه، فقال: إذا أبانه جاز . (2) وهذه الرواية الأخيرة لا تدل على ما نحن بصدده من نفوذ المنجزات من الأصل، لأنه من الممكن أن يكون البعض هو الثلث أو الأقل منه، وإن كان ظاهر القضية الشرطية - حيث علق الجواز على الإبانة، أي المنجز - كون ذلك البعض أزيد من الثلث، وإلا لو كان بمقدار الثلث أو أقل منه لم يكن وجه لهذا التعليق، لأنه كان جائزا أبان أو لم يبن، لأن نفوذ الوصية في الثلث وفيما هو أقل منه إجماعي بل قطعي، لتواتر الروايات على ذلك. وعلى كل حال رواية سماعة، وروايات الثلاث لعمار دلالتها على ماندعي من نفوذ المنجزات من الأصل واضحة لا حاجة لها إلى الشرح والإيضاح. ولذلك لم يستشكل في دلالتها جامع المقاصد (3) الذي يقول بنفوذ المنجزات مثل الوصايا المعلقة على الموت من الثلث، وينكر كونه من الأصل، بل يستشكل في سندها بأن عمار وسماعة ضعيفان، لكونهما خارجين عن طريق الحق، لأن عمارا فطحي وسماعة واقفي، ولذلك لم يعتبر روايته في مقابل الصحاح المعتبرة، كصحيحة

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 8، باب أن صاحب المال أحق بماله مادام حيا، ح 7، تهذيب الأحكام ج 9، ص 188، ح 756، باب الرجوع في الوصية، ح 9، وسائل الشيعة ج 13، ص 382، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 7.

2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 190، ح 764، باب الرجوع في الوصية، ح 17، الاستبصار ج 4، ص 121، ح 461، باب في انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 11، وسائل الشيعة ج 13، ص 383، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 10. 3. جامع المقاصد ج 11، ص 95. (*)

 

علي بن يقطين، وصحيحة يعقوب بن شعيب. ولكن قد عرفت فيما سبق حال هذه الأخبار الصحيحة منها، وغير الصحيحة. وقد جعلنا ستة طوائف، وأجبنا عن كل طائفة بما يناسبه. وقد عرفت أنه لا دلالته لها على إخراج المنجزات عن الثلث، فضلا عن أن يكون راجحا في مقام المعارضة على أخبار التي لا ريب في دلالتها على إخراج المنجزات من الأصل، كموثقات عمار وسماعة هذا. مع أن عمارا وسماعة وثقهما أصحاب الرجال والحديث، بل ينقل صاحب جامع الرواة عن الخلاصة والنجاشي ثقة ثقة في حق سماعة، (1) وفي حق عمار أيض ينقل عن الكتابين المذكورين أنه وأخواه قيس و صباح كانوا ثقاة في الرواية. (2) هذا مع أنه يروي الصدوق عن صفوان، عن مرازم في الرجل يعطي الشيء من ماله في مرضه، فقال: إذا أبان فهو جائز، (3) وليس في الطريق لا سماعة ولا عمار، وصفوان ومرازم كلاهما ثقتان. (4) والمراد من الإبانة على الظاهر هو فصله عن نفسه بحيث ل يبقي بينه وبين ذلك المال علاقة، وهذا عبارة أخرى عن إخراجه عن ملك نفسه بعقد منجز بهبة أو صدقة أو غير ذلك، بخلاف الوصية فإن الموصى به مادام حيا يكون ملكه كسائر أملاكه. إن قلت: إن الشيء من ماله يطلق على القليل والكثير، بل له ظهور في القليل، فربما يكون المراد هو الثلث أو أقل منه، ولا خلاف في النفوذ في الثلث أو ما كان أقل منه.

 

(هامش)

 

1. جامع الرواة ج 1، ص 384. وهو في الخلاصة ص 228، وفي رجال النجاشي ص 193، رقم 517. 2. جامع الرواة ج 1، ص 613. 3. الفقيه ج 4، ص 202، باب في أن الإنسان أحق بماله...، ح 5467، وسائل الشيعة ج 13، ص 382، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 6. 4. رجل النجاشي ص 197، رقم 524، وص 424، رقم 1138. (*)

 

قلنا: إذا كان كذلك فيكون الشرط لغوا، لأن نفوذ ما هو بقدر الثلث أو ما هو أقل منه ليس مشروطا بالإبانة قطعا، بل ينفذ مطلقا أبان أو لم يبن، وكان من قبيل الوصية، فالرواية تدل على النفوذ إن كان منجزا بالمنطوق، وعلى عدمه إن كان من قبيل الوصية بالمفهوم. ومنها: ما رواه الكليني قدس سره مرسلا قال: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لرجل من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم، فعابه النبي صلى الله عليه وآله وقال: ترك صبية صغارا يتكففون الناس . (1) ورواه الصدوق عن هارون بن مسلم نحوه إلا أنه قال: فأعتقهم عند موته (2) فيكون على المقصود أدل، لارتفاع احتمال كون عتقهم في حال الصحة، فيكون خارجا عن محل البحث. ثم إن الإشكال في موثقات عمار بأنها مطلقات من حيث كون التصرف في حال الصحة والمرض فيقيد بحال الصحة بالروايات التي تدل على إخراج تصرفات المريض في حال المرض من الثلث. ففيه أولا: أن قد ذكرنا فيما تقدم من عدم دلالة تلك الأخبار على نفوذ المنجزات من الثلث كي تصلح لتقييد الموثقات بحال الصحة. وثانيا: قوله عليه السلام في إحدى الموثقات صاحب المال أحق بماله مادام فيه شيء من الروح نص في أنه وإن كان مريضا قريب الموت، فليس من قبيل المطلقات القابلة للتقييد، فإن كان هناك ما يدل على إخراج المنجزات من الثلث يقع بينه وبين الموثق التعارض.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 8، باب أن صاحب المال أحق بماله مادام حيا، ح 10، وسائل الشيعة ج 13، ص 383، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 9.

2. الفقيه ج 4، ص 186، باب ما يجب من رد الوصية إلى المعروف...، ح 5427، علل الشرائع ص 566، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 383، أبواب أحكام الوصايا، باب 17، ح 9. (*)

 

فقد ظهر مما ذكرنا أن الحق في التبرعات المنجزة التي تصدر من المريض الذي يموت في ذلك المرض هو إخراجها من أصل المال وجميع التركة، لا خصوص الثلث كالوصية. ومع ذلك كله مراعات الاحتياط أولى بل لا ينبغي تركة، لأن مستند القائلين بإخراجها من الثلث كالوصية قوي جدا، والقائلون به من العظماء والأساطين قدس الله أسرارهم. والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطن