(قاعدة الوصية حق على كل مسلم (1

  59 - قاعدة الوصية حق على كل مسلم 

 

قاعدة الوصية حق على كل مسلم ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة الوصية حق على كل مسلم . وفيها جهات من البحث. الجهة الأولى: في مدرك هذه القاعدة. الأول: قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) (1). إلى آخر الآيات. الثاني: الأخبار الواردة فيه. فنقول: منها: ما رواه محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الوصية حق، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله فينبغي للمسلم أن يوصي (2). ومنها: م رواه أبو الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الوصية؟ فقال: هي حق على كل مسلم (3). ومنها: أيضا عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: الوصية حق على

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 177. 2. الكافي ج 7، ص 3، باب الوصية وما أمر بها، ح 5، الفقيه ج 4، ص 181، باب في الوصية أنها حق على كل مسلم، ح 5412، وسائل الشيعة ج 13، ص 351، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 1. 3. الكافي ج 7، ص 3، باب الوصية وما أمر بها، ح 4، الفقيه ج 4، ص 181، باب في الوصية أنها حق على كل مسلم، ح 5411، تهذيب الأحكام ج 9، ص 172، ح 702، باب الوصية ووجوبها، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 351، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 2. (*)

 

كل مسلم (1) ومنها: عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوصية؟ فقال: هي حق على كل مسلم (2). ومنها: عن المفيد قدس سره في المقنعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الوصية حق على كل مسلم (3) قال: وقال عليه السلام: من مات بغير وصية مات ميتة جأهلية (4) قال: وقال عليه السلام: م ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه (5). قال في الوسائل: والأحاديث الواردة في أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى، وأن الأئمة عليهم السلام أوصو كثيرة متواترة من طرف العامة والخاصة (6). الجهة الثانية في شرح ألفاظ هذه القاعدة، وبيان المراد منها. فنقول: الوصية اسم من الإيصاء، وربما يطلق على الموصى به كما في الكتاب العزيز (من بعد وصية يوصى بها أو دين) (7) فيقال: هذه وصيته، أي ما أوصى به كعتق عبد أو بناء مسجد أو قنطرة أو رباط أو غير ذلك من الخيرات والمبرات، وأنواع العبادات من الواجبات والمستحبات

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 172، ح 701، باب الوصية ووجوبها، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 352، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 3. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 172، ح 703، باب الوصية ووجوبها، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 352، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 4. 3. المقنعة ص 666، وسائل الشيعة ج 13، ص 352، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 6. 4. المقنعة ص 666، وسائل الشيعة ج 13، ص 352، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 8. 5. المقنعة ص 666، وسائل الشيعة ج 13، ص 352، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 7. 6. وسائل الشيعة ج 13، ص 352، أبواب كتاب الوصايا، باب 1، ح 8. 7. النساء (4): 11. (*)

 

وعرفها في الشرائع (1) بأنها تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة. وقريب من هذا التعريف ما ذكره غير واحد من أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم. وقال في تعريفه في القواعد: الوصية تمليك عين أو منفعة بعد الموت (2). وهكذا غيرهما، ولكن الوصية قسمان: تمليكية وعهدية. وهذا التعريف ينبغي أن يكون للتمليكية، فأما الوصية العهدية فهي عبارة عن أن يعهد إلى شخص أو أشخاص بفعل أمر يجوز له فعله مباشرة أو تسبيبا، سواء كان ذلك الفعل راجحا أو مباحا بلا رجحان عليهما، أي على الموصى والوصي، ويسمى ذلك الشخص أو الأشخاص بالوصي أو الأوصياء. وإن كانت أركان الوصية التمليكية أربعة: الوصية، والموصى، به، والموصى له. وأما الوصية العهدية فأركانها ثلاثة: الموصى، والموصى به، والوصي. فها هنا أمور: الأمر الأول في الوصية التمليكية وقد عرفت أن أركانها أربعة: الأول: الوصية. وقد ذكرنا أنها اسم من الإيصاء، وأيضا ذكرنا تعريفه. ويفتقر إلى إيجاب وقبول، أي هو عقد وكل عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كان قبول فعليا لا قوليا. والحاصل: أن عقد الوصية حالها حال سائر العقود العهدية من حيث الاحتياج

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 243. 2. قوائد الأحكام ج 1، ص 290. (*)

 

إلى الإيجاب والقبول، ولا فرق بينه وبين عقد الهبة إلا أن الهبة تمليك مال أو حق لشخص في حال حياته، وعقد الوصية تمليك مال أو حق لشخص بعد الموت. هذا ما قاله أكثر الأساطين. ولكن التحقيق: أن الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول: لأنه فيها تعهد إلى إيجاد فعل متعلق ببدنه كان يدفن في موضع كذا مثلا، أو بماله مثل أن يحج عنه بماله أو يقضى عنه صلواته وصومه الفائتة أو يوقف داره الفلانية أو ضيعته أو يبنى مسجدا بماله وأمثال ذلك من الأعمال الراجحة. نعم لو عين شخصا لتنفيذ ما عهد إليه الذي يسمى بالوصي أو الموصى إليه يمكن أن يقال بالاحتياج إلى قبول ذلك الشخص إن اطلع على الوصية في حال حياة الموصى كي يلزم عليه العمل بما أوصى إليه، ولكن هذا لو قلنا به يكون من قبول الوصاية لا الوصية. مضافا إلى أن الأظهر عدم لزوم قبول الوصي في حال حياة الموصى، بل يكفي في لزوم عمله وتنفيذه الوصية عدم رده في حال حياة الموصى وإن لم يقبل، فبالرد تبطل لا أن القبول شرط. وأما الوصية التمليكية: فإن كانت تمليكا للنوع، كالوصية للأقارب أو العلماء والسادات والفقراء فهي أيضا ل يعتبر فيها القبول كالعهدية، والقول بلزوم قبول الحاكم عن قبلهم لا دليل عليه. وأم إن كانت تمليكا لشخص أو أشخاص معينين، فالظاهر أن حصول الملكية لهم موقوف على قبولهم، لوجوه: الأول: الإجماع والاتفاق من غير خلاف على أنه من العقود، ولا شك في أن كل عقد مركب من الإيجاب والقبول، لأن المعاقدة والمعاهدة بين شخصين، فأحدهم يعاهد مع الآخر بتمليك ماله، غاية الأمر إن هذا التمليك والتملك إذا لم يكن بعوض يدخل في باب العطايا والهبات، وقد نبهنا أن الوصية مثل الهبة، والفرق بينهما هو أن

 

الهبة تمليك في حال الحياة والوصية تمليك بعد الوفاة. وإن كان بعوض يدخل في باب المعاوضات كالبيع والإجارة وغيرهما، فكما لا ينكر أحد كون تلك المعاوضات والهبات من العقود فليكن الأمر في الوصية أيضا كذلك. الثاني: أصالة عدم انتقال الموصى به إلى الموصى له مع احتمال أن يكون للقبول دخل فيه، وأما ادعاء القطع بعدم الدخل فمكابرة مع ذهاب المشهور إلى شرطيته. الثالث: أن حصول الملك القهري خلاف الأصل، وأسبابه تعبدا كالإرث مثلا محصورة ليس منها إيقاع الوصية من دون قبول الموصى له. وأما ادعاء أن اطلاقات الوصية تكفي لذلك. ففيه: أن اطلاقات الوصية ليست بأعظم من اطلاقات سائر المعاملات، فكما أن تلك الاطلاقات لا تمنع عن الاحتياج إلى القبول في تحقق عناوين تلك المعاملات، فكذلك الأمر في الوصية. والحاصل: أن ادعاء شمول اطلاقات الوصية - لإنشاء الوصية من قبل الموصى بدون صدور القبول من طرف الموصى له فحصول الملكية للموصى له لا يتوقف على قبوله - لا أساس له، بل هو عقد مركب من الإيجاب والقبول ل تحصل الوصية بالمعنى الاسم المصدري إلا بعد وجود كلا ركنيه، كما أن البيع بالمعنى الاسم المصدري لا يوجد إلا بعد وجود الإيجاب والقبول جميعا. فبناء على هذا رد الموصى له بعد موت الموصى قبل أن يقبل لو قلنا أنه يبطل الوصية - كما هو الأظهر بل المتفق عليه - ليس من قبيل الفسخ بحيث يكون حلا للعقد من حينه كما هو التحقيق في باب الفسخ، بل يكون مانعا عن تحققه لفقدان أحد ركنيه، أي القبول. فرع: وهو أنه بعد الفراغ من أنه عقد ويفتقر إلى الإيجاب والقبول، فالإيجاب

 

يصح بكل لفظ من أي لغة دل دلالة صريحة واضحة على إنشاء ذلك المعنى عن قصد وإرادة، أي تمليك مال عينا كان أو منفعة بعد الوفاة لشخص أو أشخاص، أو لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات والفقراء والطلاب. وذلك من جهة أن الإنشاء بدون القصد، أو القصد بدون الإنشاء لا أثر له، فلو قال: أعطوا فلانا بعد وفاتي كذا مقدار من مالي، أو قال: لفلان كذا مقدار من مالي بعد وفاتي فلا إشكال في صحة مثل هذه الوصية في صورة وجود الشرائط المقررة عند الشرع للموصى من البلوغ والعقل، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وأما لو قال: أوصيت لفلان بكذا، بدون ذكر بعد وفاتي فهل يكون صريحة في الوصية باعتبار ظهور لفظ الوصية في هذا المعنى أم لا، بل يحتاج إلى ذلك التقييد في إفادة التمليك بعد الوفاة الذي هو حقيقة الوصية؟ الظاهر عدم احتياجه إلى ذلك التقييد، من جهة أن المناط في باب الإفادة والاستفادة وإلقاء المرادات في المحاورات هو الظهور العرفي، لا كون المستعمل فيه معنى حقيقيا أو مجازيا. وهذه أمور تقرر في الأصول في باب حجية الظهورات. ولا شك في أن لفظ الوصية في اللغة وإن كان بمعنى مطلق الإيصاء، سواء كان إيصاءه بإعطاء مال أو شيء آخر، لشخص أو أشخاص آخرين أو لعنوان من العناوين، في حال حياته أو بعد وفاته، من ماله أو من مال من أوصى إليه أو غيرهما. ولكن عند العرف - خصوصا في هذه الأزمان التي مر عليها مئات من السنين عن زمان تشريعها في الكتاب العزيز بقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) (1) - لها ظهور في هذ المعنى المذكور الذي عرفوها به، أي تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة، فإذا كان كذلك فلا ينبغي المناقشة في صحة الإيجاب ووقوعه بلفظ أوصيت لفلان

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 177. (*)

 

بكذ بدون قيد بعد وفاتي هذا بالنسبة إلى الإيجاب. وأما القبول: فالظاهر - بناء على اعتباره كما رجحناه - وقوعه بكل لفظ دال على الرضا بما أنشأ وأوجب، بل بكل فعل دل على هذا المعنى مثل أن يتصرف فيه نحو تصرف الملاك في أملاكهم. ثم إنه تقدم أن الوصية التمليكية، تارة تتعلق بشخص معين أو أشخاص معينين، وأخرى تتعلق بعنوان من العناوين. وعرفت أن القسم الثاني منها لا يشترط صحتها و ترتيب الأثر عليها بالقبول، ولكن لا من جهة انعقاد الإجماع على عدم اشتراطها بالقبول، ولا من جهة تعذر قبول جميعهم وأن لزوم قبول البعض دون آخرين ترجيح بلا مرجح، بل من جهة أنه لو قلنا بلزوم القبول يلزم أن يكون القبول من طرف الحاكم ولاية عليهم، ولا دليل يلزمنا بذلك. اللهم إلا أن يقال: إن العقد لا يتم بدون القبول، وفي المورد حيث أن القبول من الجميع لا يمكن ومن البعض ترجيح بلا مرجح، فإن أرادوا تتميم العقد فلا بد من أحد أمرين. إما أن يقبل أحدهم بعنوان أنه مصداق للطبيعة، لا بعنوان شخصه كي يلزم الترجيح بلا مرجح، بل أي فرد من الطبيعة قبل يكفي ولكن بعنوان أنه مصداق الطبيعة. وإما الحاكم بعنوان الولاية يقبل عن قبلهم، وإلا لا يقع العقد فيكون الإيجاب لغو وبلا ثمر، فإذا أراد أن لا يكون الإيجاب لغوا لا بد من مداخلة الحاكم وقبوله من طرف الطبيعة الموصى لها. وقد شرحنا هذه المسألة في قاعدة الوقوف على حسب ما يوقفه أهله (1) في مورد الوقف على العناوين العامة بناء على احتياج الوقف إلى قبول الموقوف عليه.

 

(هامش)

 

1. القواعد الفقهية ج 4، ص 229. (*)

 

فرع: لا شك في أن انتقال الموصى به إلى الموصى له بعد صدور الإيجاب عن الموصى وبعد موته، وذلك لأن موضوع ملكية الموصى له كونه مصداقا لما أنشأ، ولا يكون مصداقا إل بهذين الأمرين، أي صدور الإيجاب عن الموصى وموته، لأنه لو لم يصدر الإيجاب منه فل وصية في البين، ولو لم يمت فلا موضوع في البين، لأن الموصى له حسب إنشاء الموصى مالك بعد وفاته، فتوقف ملكية الموصى له على هذين الأمرين ينبغي أن يعد من البديهيات. إنما الكلام في أنه يملك بعد قبوله أو يملك بصرف الموت وإن لم يقبل بعد؟ قال في الشرائع: وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصى وقبول الموصى له، ول ينتقل بالموت منفردا عن القبول على الأظهر (1). وما ذكره هو الصحيح بناء على م ذكرنا من أن عقد الوصية التمليكية فيما إذا كان المنشأ هو التمليك للأفراد الخاصة والأشخاص المعينة يحتاج إلى القبول، وبدون القبول لا يتم العقد، ولا شك في أن سبب التمليك والتملك هو العقد التام، فإذا فرضنا أن القبول جزء لما هو السبب فبدونه ل يتم السبب فلا يوجد المسبب، أي ملكية الموصى له، فيتوقف على القبول لأنه جزء السبب. وأما توهم كون القبول جزء السبب بنحو الشرط المتأخر، بمعنى أن حصول الملكية للموصى له حين موت الموصى مشروط بالقبول وإن كان متأخرا عن الموت بزمان. ففيه: ما حققنا في الأصول (2) من عدم صحة الشرط المتأخر وأنه محال، للزوم تأخر الموضوع عن حكمه. وهو محاليته أوضح من محالية تأخر العلة عن معلولها،

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 243. 2. منتهى الأصول ج 1، ص 285. (*)

 

وذلك من جهة رجوع شروط الحكم إلى قيود موضوعه، فإذا كان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، أو كان نجاسة العصير مشروطا بالغليان معناه أن موضوع وجوب الحج هو المكلف المستطيع، وموضوع النجاسة هو العصير المغلي. وفيما نحن فيه موضوع ملكية الموصى له هو إنشاء الموصى المالك الجائز التصرف له الملكية مع قبوله، فقبوله من أجزاء موضوع الملكية، فلا يعقل وجودها قبل وجود موضوعه بتمامه، فلو لم يوجد جزء وشرطا يسيرا منه محال أن يوجد حكمه، وإلا يلزم الخلف. وأما ما يقال: من أن ظاهر أدلة الواردة في باب الوصية هو صيرورة الموصى به ملكا للموصى له بعد الموت بلا فصل ومن دون انتظار قبول الموصى له. والثمرة تظهر فيما إذا كانت للموصى به منفعة بعد الموت وقبل القبول فبناء على عدم دخل القبول تكون تلك المنفعة ملكا للموصى له، وبناء على دخله لا بد وأن تكون في حكم مال الميت بناء على عدم إمكان كون المال بل مالك. ففيه: أولا أنه لم تجد في الأخبار الصادرة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام في باب الوصايا ما يدل على انتقال الموصى به إلى الموصى له قبل قبوله وبمحض الموت، وعلى فرض إن كان لا بد بالتزام أحد أمرين: إما تأوليه وصرفه عن ظاهره، وإما القول بعدم احتياج عقد الوصية إلى القبول مطلقا، سواء كانت الملكية المنشأة متعلقة بالعناوين العامة، أو كانت متعلقة بالأفراد والأشخاص المعينة. أو نقول بأن شرطية القبول من قبيل الشرط المتأخر، فيكون ملكية الموصى له للموصى به بمحض الموت ولكن مراعى بوجود القبول فيما بعد. وما عدا الأول محل تأمل بل نظر وإشكال. هذا، مضاف إلى ما تقدم من أن حصول الملك القهري خلاف الأصل، وله أسباب خاصة ليس صرف إنشاء الموصى مع موته من أسبابها، ولم يرد دليل على ذلك من

 

ناحية الشرع وربما ادعى الإجماع في مسألتنا على العدم. ومما ذكرنا ظهر لك أن كلام صاحب الجواهر قدس سره في هذا المقام بقوله: لكن الإنصاف أنه لولا دعوى الإجماع على خلافه لكان لا يخلو من قوة (1) ليس كما ينبغي وخال عن القوة، إذ عمدة مستنده في قوة هذا القول، أي الانتقال إلى الموصى له بمحض الموت من دون الاحتياج إلى القبول ظهور أدلة الوصية في ملك الموصى به للموصى له بمجرد موت الموصى من دون الاحتياج إلى قبول الموصى له. وقد عرفت أنه ليس هناك دليل يكون ظاهرا في هذ المعنى، وعلى تقدير إن كان لا بد من تأويله، أو الالتزام بما لا يجوز الالتزام به. وأما توهم أن يكون القبول ها هنا مثل الإجازة في باب الفضولي بناء على الكشف الحقيقي، حيث أن الإجازة المتأخرة ولو كانت بعد سنة تكشف عن الملكية السابقة حين العقد، فالقبول المتأخر عن الموت ولو كان بعد سنة يكشف عن الملكية السابقة أي بعد الموت بلا فصل. ففيه: أولا أن ما ذكر في باب الإجازة من الكشف الحقيقي هو باطل ومحال، وقد حققنا المسألة في محلها. وثانيا: فرق واضح بين ما نحن فيه وما ذكرو هناك، ففي هذا المقام بعد الفراغ عن لزوم القبول في عقد الوصية، وأنه بدونه غير تام، وأنه من أركان العقد مثل الإيجاب فلا يحصل الأثر قبل تمامية الأثر، وقع الكلام في أنه هل تحصل ملكية الموصى به للموصى له بصرف الموت، أولا تحصل بمحض الموت منفرد بل لا بد من صدور القبول من الموصى له؟ وإلا لو قلنا بأن عقد الوصية يتم بصرف الإيجاب ولا يحتاج إلى القبول، أو قلنا إنها من الإيقاعات وليست من العقود، فل يبقى نزاع في البين بل تحصل بمجرد الموت.

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 28، ص 250. (*)

 

وأما في مسألة الفضولي، فالكلام في أنه بعد وجود العقد بجميع أركانه من الإيجاب والقبول وكونه واجدا لجميع شرائط العقد، غاية الأمر إن هذا العقد صادر عن غير من هو أهل لذلك، أي لا مالك ولا وكيل من قبله ولا ولي عليه، فلا يشمل المالك خطاب (أوفو بالعقود) من جهة عدم انتساب العقد إليه وعدم التصاقه به، فإذا أجاز يحصل هذ الانتساب والالتصاق، فيتوهم المتوهم أن العقد الواقع سابقا الذي كان سببا تام للنقل والانتقال ولم يكن فيه نقص إلا الانتساب، فإذا حصل الانتساب بواسطة الإجازة المتأخرة يؤثر العقد من زمان وجوده. وهذا الكلام وإن كان باطلا ولكن في بادئ النظر يمكن أن ينخدع السامع أو الناظر ويقول بإمكانه بخلاف المقام، فإن كلام من يقول بحصول الملكية بمجرد الموت صريح في جواز وجود المسبب قبل وجود السبب بتمام أجزاءه، وهذا مما ينكره العقل السليم، فالقياس ليس في محله وإن كان المدعى في المقيس عليه أيضا باطل. وخلاصة الكلام: أنه بناء على تركب عقد الوصية من الإيجاب والقبول ل يبقى مجال للقول بحصول الملكية بمحض موت الموصى قبل أن يقبل الموصى له. ثم إنه بناء على ما ذكرنا من عدم انتقال الموصى به إلى الموصى له قبل الفوت بصرف موت الموصى، فيأتي سؤال وهو أن ما أوصى به لمن يكون في الزمان الفاصل بين الموت والقبول؟ وأنه هل يبقى بلا مالك أم يبقى في حكم مال الميت هو ومنافعه؟ أم ينتقل إلى الوارث موقت متزلزلا ومراعى إلى أن يقبل أو يرد فإن قبل ينتقل إليه، وإن رد يستقر الملك للورثة ويخرج عن كونه وصية؟ ولكل واحد من هذه الاحتمالات الثلاث وجه. أما وجه الأول: فلعدم صحة الاحتمالات الآخر، فلا يبقى إلا احتمال الأول. أما عدم صحة بقائه في حكم مال الميت لأجل عدم قابلية الميت لأن يكون مالكا. وأم

 

عدم صحة انتقاله إلى الورثة لقوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (1). وأم وجه الثاني: أي بقاء المال في حكم مال الميت هو عدم إمكان بقاء المال بلا مالك لم سيجئ، وعدم انتقاله إلى الورثة لما ذكرنا من الآية الشريفة، فقهرا يبقى في حكم مال الميت. وأما وجه الثالث: - أي الانتقال إلى الورثة موقتا متزلزلا ومراعى إلى أن يقبل فينتقل إلى الموصى له، أو يرد فيستقر في ملك الورثة - هو عدم صحة الوجه الأول والثاني كما عرفت. والأظهر من هذه الاحتمالات - بناء على كون قبول الموصى له جزء للعقد والسبب - هو أن يبقى على حكم مال الميت، فإن قبل الموصى له فيما بعد ينتقل إليه حسب الوصية، وإن رد ينتقل إلى الورثة. وذلك من جهة أن انتقاله إلى الورثة وإن كان مراعى وموقتا إلى أن يقبل خلاف أدلة الوصية وخلاف الآية الشريفة، أي قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وكونه بلا مالك معناه أن يكون لكل أحد التصرف فيه، لأن المفروض عدم مالك في البين كي يكون التصرف بدون إذنه وطيب نفسه ممنوعا، ويكون كالمباحات الأصلية، فلا بد من القول ببقائه على حكم مال الميت وله نظائر: منها: شبكة الصيد الذي ينصبه الميت في حال حياته، فيقع فيه الصيد بعد موته. ومنه: الدية في الجنايات التي ترد على الميت. ومنها: مؤونة تجهيزه، ومنها ما يقضى به دينه من التركة.

 

(هامش)

 

1. النساء (4): 11. (*)

 

فرع: بعد الفراغ عن لزوم القبول في عقد الوصية - وأنه أحد ركني العقد إلا فيما إذ كانت الوصية تمليك عنوان عام كالعلماء والسادات أو كانت في مصلحة المسجد أو قنطرة أو رباط ينزل فيه المسافرين والحجاج والزوار - وقع الكلام في أنه لا بد وأن يكون القبول بعد الوفاة، أو يصح أن يكون في حال حياة الموصى ويتم به العقد؟ قال في الشرائع: ولو قَبِلِ قبل الوفاة وبعد الوفاة آكد وإن تأخر القبول عن الوفاة ما لم يرد (1). وقال في القواعد، بعد قوله: ويفتقر إلى إيجاب وقبول بعد الموت ولا أثر له لو تقدم (2). وقال في جامع المقاصد في توجيه كلام العلامة قدس سره لأن الإيجاب في الوصية إنما تعلق بما بعد الوفاة لأنها تمليك بعد الموت، فلو قَبِلَ قبل الموت لم يطابق القبول الإيجاب (3). ولكن أنت خبير بضعف هذا التوجيه، لأن القابل يقبل م أنشأه الموجب، فيقبل في المفروض ملكيته بعد الموت التي أنشأها الموصى، فزمان إنشاء القبول وإن كان في زمان حياة الموصى ولكن المنشأ بهذا القبول هو التملك بعد الموت، والمناط في مطابقة القبول والإيجاب هو أن يكون القبول هو قبول نفس ما أنشأه الموجب من غير زيادة ولا نقيصة. مثلا لو أنشأ الموجب تمليك الغنم الأبيض والقابل أنشأ قبول الغنم الأسود، فلا تطابق بين القبول والإيجاب، لأنه أنشأ شيئا والقابل قبل شيئ آخر، واتحاد زماني الإيجاب والقبول ليس شرطا في العقود، بل دائما يكون القبول متأخرا عن الإيجاب،

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 243. 2. قواعد الأحكام ج 1، ص 290. 3. جامع المقاصد ج 10، ص 10. (*)

 

بل لا يصدق المطاوعة والقبول إلا بعد تحقق الإيجاب ثم قاس المقام بأن يبيع م سيملكه في عدم جوازه. وأنت خبير بأن المقام ليس من ذلك القبيل. أما أولا: فلأن المقيس عليه يمكن أن يكون باطلا من جهة النهي عن بيع ما ليس عنده، ولا شك في أن الذي سيملكه مضافا إلى أنه يمكن أن لا يملكه لحادث من الحوادث حال البيع لا يملكه فيصدق عليه أنه من بيع ما ليس عنده، بخلاف المقام فإنه يملكه وله السلطنة على ماله، فيملكه بحيث ينتقل إلى الموصى له بعد وفاته، وهذا ليس مانع شرعي ولا عقلي. وثاني: ليس له السلطنة على مال الغير كي يبيعه، لأنه لا مالك حال البيع، ولا وكيل من قبل المالك، ولا ولى عليه فهو أجنبي عن هذا المال. وثالثا: حقيقة البيع هو تبديل ماله بمال الغير، وهذا هو معنى المعاوضة عند العرف، والذي سيملكه ليس له مال فعلا قبل أن يملكه كي يبدل بمال الغير، فهذا القياس ليس في محله. وأما ما قاله من أن القبول إم كاشف أو ناقل وجزء السبب، وكلاهما منتفيان هنا. أما أنه ليس بكاشف، لأن معنى الكاشف هو تحقق الملكية في مقام الثبوت قبل القبول كي يكون القبول كاشفا عنها، وفي المقام لا يمكن ذلك من جهة أن الملكية التي أنشأها الموصى هي بعد الموت، ففي حال الحياة ل يمكن وجودها وثبوتها، فلا يمكن أن يكون القبول كاشفا. وأما أنه ليس بناقل، لأن معنى الناقل هو أن يكون بوجوده ينتقل الملك إلى الموصى له، وها هنا لا يمكن انتقال المال إلى الموصى له في زمان القبول الذي هو في حال الحياة، لأن الملكية المنشأة بعد الوفاة لا يمكن أن توجد قبله.

 

ففيه: أن القبول جزء السبب، والسبب عبارة عن الإيجاب والقبول، ولكن تأثير هذا السبب مشروط بشرط وهو الموت، بل مفاد هذا السبب هي الملكية بعد الموت، فتأخر وجود المسبب عن السبب ليس لتخلفه عنه، بل مفاد السبب هي الملكية المتأخرة. وذلك كما أن الإجارة يصح أن يكون فيها زمان ملكية المنفعة متأخرا عن زمان عقدها إجماعا - أي من زمان إيجابها وقبولها - فليكن في الوصية أيضا كذلك، فظهر أنه لا مانع من تأثير القبول حال الحياة في تمامية العقد وصحته، وإن كان المنشأ بالعقد لا يوجد إلا بعد الوفاة. ثم إنه استشكل جامع المقاصد (1) أيضا على تأثير القبول حال حياة الموصى بأنه لو كان القبول قبل الوفاة مؤثرا لكان رده أيضا مؤثرا، والمشهور ذهبوا إلى عدم تأثير الرد في حال حياة. وفيه: أن تأثير القبول في حال الحياة من جهة وقوعه بعد الإيجاب وهم ركنا العقد، فإذا وجد الركن الأول في محله وصحيحا فتصل النوبة إلى الركن الثاني أي القبول، ويقع في محله من جهة أنه مطاوعة ذاك الإيجاب. وأما عدم تأثير الرد من جهة أن الوصية تمليك مال أو منفعة بعد الوفاة، فالمناط في رده هو الرد في ظرف وقوع التمليك، فإذا لم يكن تمليك في البين فلا أثر للرد مع قبوله في ظرف التمليك. نعم لو رد في حال الحياة وبقى رادا مستمرا إلى ما بعد الوفاة يؤثر الرد. والحاصل: أنه ل ملازمة بين تأثير القبول وتأثير الرد. وأما ما أورد على تأثير القبول في حال حياة الموصى بأنه لو كان كذلك لما كان يعتبر قبول الوارث ولا رده لو مات الموصى له قبل موت الموصى وقد قبل أي الموصى

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 10، ص 10. (*)

 

له وذلك لأنه لو كان الموصى له قبل الوصية في حال حياة الموصى وكان قبوله مؤثر فتصير الوصية ملكا للموصى له بمحض موت الموصى، لحصول أركان العقد من الإيجاب والقبول، والشرط - أي موت الموصى - أيضا حصل على الفرض، فلا يحتاج إلى قبول الوارث ويلزم أن لا يؤثر رده، لأن سبب ملكية الوصية مع الشرط حصل، فلا يحتاج إلى شيء آخر. وفيه: أن هذا كلام عجيب، لأن الشرط حصل في وقت ليس الموصى له قابلا لأن يملك الموصى به، لأن المفروض أنه ميت حال حصول الشرط وليس قابلا لأن يملك فينتقل إلى ورثته، فل يحتاج إلى قبولهم. ومقتضى القواعد الأولية هو أنه لو قلنا بأن الميت يملك، فلو مات الموصى له في حال حياة الموصى وقد قبل فيملك الموصى به وينتقل إلى ورثته، ولا يحتاج إلى قبولهم. وإن قلنا بأنه لا يملك فيرجع المال بعد موت الموصى إلى ورثته لا إلى ورثة الموصى له، سواء قبلوا أو لم يقبلوا. لكن وردت روايات أن الموصى له لو مات في حياة الموصى يعطي المال ورثة الموصى بدون اشتراط قبول من طرفهم في البين، وقد عقد بابا في الوسائل بعنوان أن الموصى له إذا مات قبل الموصى ولم يرجع في الوصية فهي لوارث الموصى له، وفيه روايات: منها: رواية محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب، فتوفى الموصى له الذي أوصى له قبل الموصى، قال عليه السلام: الوصية لوارث الذي أوصى له. قال: ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفى الموصى له قبل الموصى فالوصية لوارث الذي أوصى له إلا أن يرجع في وصيته قبل موته (1).

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 13، باب من أوصى بوصية فمات الموصى له...، ح 1، الفقيه ج 4، ص 210، باب (*)

 

ومنها: رواية عباس بن عامر قال: سألته عن رجل أوصى له بوصية، فمات قبل أن يقبضه ولم يترك عقبا، قال: اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه قلت: فإن لم أعلم له وليا؟ قال: أجهد على أن تقدر له على ولي، فإن لم تجد وعلم الله منك الجد فتصدق به (1). ومنها: رواية محمد بن عمر الباهلي الساباطي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطى عماله في كل سنة شيئا فمات العم، فكتب: أعط ورثته (2). وهذه الروايات لها إطلاق من ناحية قبول الموصى له في حياة الموصى وعدم قبوله، بل ربما يستظهر من رواية محمد بن قيس عدم قبول الموصى له في حال حياة الموصى لفرض المسألة فيما إذا أوصى لرجل وهو - أي الموصى له - غائب، ففي مثل هذ المورد قضى عليه السلام بأن الوصية لوارث الموصى له إن مات هو في حياة الموصى، وذيل الرواية مطلق من ناحية قبول الموصى له وعدم قبوله. وعلى أي حال مقتضى القاعدة م ذكرن.

 

(هامش)

 

الموصى له يموت قبل الموصي...، ح 5489، تهذيب الأحكام ج 9، ص 230، ح 903، باب الموصى له بشيء يموت قبل الموصي، ح 1، الاستبصار ج 4، ص 137، ح 515، باب الموصى له يموت قبل الموصي، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 409، أبواب كتاب الوصايا، باب 30، ح 1. 1. الكافي ج 7، ص 13، باب من أوصى بوصية فمات الموصى له...، ح 3، الفقيه ج 4، ص 211، باب الموصى له يموت قبل الموصي...، ح 5490، تهذيب الأحكام ج 9، ص 231، ح 905، باب الموصى له بشيء يموت قبل الموصي، ح 3، الاستبصار ج 4، ص 138، ح 517، باب الموصى له يموت قبل الموصى، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 409، أبواب كتاب الوصايا، باب 30، ح 2. 2. الكافي ج 7، ص 13، باب من أوصى بوصية فمات الموصى له...، ح 2، الفقيه ج 4، ص 210، باب الموصى له يموت قبل الموصي...، ح 5488، تهذيب الأحكام ج 9، ص 231، ح 904، باب الموصى له بشيء يموت قبل الموصي، ح 2، الاستبصار ج 4، ص 138، ح 516، باب الموصى له يموت قبل الموصى، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 410، أبواب كتاب الوصايا، باب 30، ح 3. (*)

 

فرع: لو مات الموصى له قبل أن يقبل، فتارة يكون موته في حياة الموصى، وأخرى بعد موته. فإن كان بعد موته، فلا شك في أن وارثه يقوم مقامه في أن له القبول والرد، لأن هذا حق له، وما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه، فيكون للوارث حق القبول والرد. وإنكار كون قبول الوصية وردها حقا للموصى له مكابرة، إذا لحق عبارة عما هو مجعول شرعا رعاية لذي الحق، بحيث يكون له إسقاطه أو إعماله أو عدم إعماله. اللهم إلا أن يقال: إن القابلية للإسقاط خاصة شاملة للحق بحيث عرف به فيقال: الحق هو ما كان قابلا للإسقاط، وها هنا كون القبول للموصى له ليس قابلا للإسقاط، فلو قال الموصى له: أسقط حق هذا، لا يسقط. فليس مالا ولا حقا كي يرثه الوارث. فإذا مات الموصى له يكون حال الوارث بالنسبة إلى هذه الوصية حال الأجانب، وبناء على هذا يكون القبول وعدمه من الأفعال التكوينية التي مباح للموصى له، وقد يعرض عليه سائر الأحكام الخمسة التكليفية. هذا مما يمكن أن يقال. ولكن فيه نظر واضح، لأن كون القبول حق شرعيا أمر واضح، فإن لم يكن قابلا للإسقاط فليست الخاصة شاملة بحيث تشمل جميع أفراد الحق، وعلى كل حال يقوم الوارث مقام مورثه في إعمال هذا الحق فتكون الوصية له. وأم إن كان موت الموصى له في حال حياة الموصى، فإن قلنا إن حق القبول والرد ثابت للموصى له حتى في حال حياة الموصى، فيكون الحكم مثل الصورة السابقة، لأنه ينتقل هذا الحق بعد موت الموصى له إلى وارثه. وأما إن قلنا بأن قبول الموصى له في حال حياة الموصى وكذلك رده لا أثر له، فيكون لغوا، أي لا حق له، فليس للإرث موضوع فيكون الوارث أجنبيا، ولا مجال للقول بأنه يقوم مقامه في القبول والرد.

 

نعم مقتضى إطلاق رواية محمد بن قيس المتقدمة في الفرع السابق وروايات أخر أن الوصية للوارث، سواء قبل الموصى له في حياته أو لم يقبل. ثم إن مقتضى إطلاق تلك الروايات أن الوصية تعطى للوارث من دون الاحتياج إلى قبوله، اللهم إلا أن يدعى الإجماع على لزوم القبول من الوارث، كما يظهر من بعض عباراتهم. وحكى في الجواهر (1) عن كشف الرموز (2) ما يقرب من ذلك. فرع: لو رد الموصى له في حياة الموصى فهل تبطل الوصية كما لو ردها بعد موت الموصى، أم لا فيجوز له القبول بعد الرد كما هو المشهور؟ والعمدة في دليلهم هو أن محل القبول والرد بعد وفاة الموصى، لأن الوصية عبارة عن إنشاء ملكية مال أو منفعة للموصى له بعد وفاته، فالإنشاء في حال حياة الموصى ولكن ظرف تحقق المنشأ على حسب الإيجاب هو بعد وفاة الموصى، وأما في حال حياته فلم يجعل له شيء فلا موضوع لا للرد ولا للقبول، فلو رد في حال حياة الموصى لا يؤثر في شيء بل القبول هو الذي يقع في ظرف هو ظرف الرد والقبول. ولعل ما ذكرنا هو مراد المحقق قدس سره حيث قال في الشرائع: فإن رد في حياة الموصى جاز أن يقبل بعد وفاته، إذ لا حكم لذلك الرد (3). هذا إذا كان الرد في حال حياة الموصى، وأما إن كان رده بعد موت الموصى وكان رده هذا قبل أن يقبل، فتبطل الوصية ولا يبقى موضوع للقبول فيما بعد. وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد. والسر في عدم تأثير القبول بعد الرد هو أن العقد والمعاهدة بين شخصين لا يمكن إلا بتعهد الموجب والتزامه بما أوجب في قبال تعهد الآخر بشيء أو أمر، وإلا لا يقع 1. جواهر الكلام ج 28، ص 259. 2. كشف الرموز ج 2، ص 77. 3. شرائع الإسلام ج 2، ص 243. (*)

 

العقد. وهذا إذا لم يكن رد ولا قبول، وأما إذا رد فلا يحتمل إبقاء العقد والعهد بينهما إلا إذا وقع إنشاء وإيجاب جديد كي يكون القبول قبول ذلك الإيجاب الجديد. وأما إن كان رده بعد وفاة الموصى وبعد أن قبل بعد الوفاة وبعد قبض الوصية أيضا، فمثل هذا الرد لا أثر له، لأنه بالقبول والقبض بعد موت الموصى يستقر الملك للموصى له، ولا يخرج إلا بالأسباب المخرجة شرعا كبيع أو هبة أو صلح أو غير ذلك من المخرجات. نعم وقع الكلام فيما إذا رد بعد القبول بعد موت الموصى ولكن كان رده قبل أن يقبض الوصية، بمعنى أن الموصى له بعد موت الموصى قبل، ثم رد قبل أن يقبض، فقيل: تبطل الوصية، وقيل: لا تبطل وهو الأظهر، لوجوه: أولا: لكونه مشهورا بين الطائفة، بل قيل كاد أن يكون إجماعا. وثانيا: إن العقد بكلا ركنيه وجد وتم، ولم يكن شرط في البين غير موجود، فالنتيجة وهو استقرار الملك للموصى له حصلت، فلا وجه للبطلان. وثالثا: لم يدل دليل من آية أو رواية أو إجماع على أن القبض شرط في صحة الوصية. فرع: لو رد الموصى له بعضا وقبل بعضا مما أوصى له صح فيما قبله وتبطل فيما رده، خصوصا فيما إذا كان كل واحد مما يقبل ويرد له وجود مستقل غير مربوط بالآخر، مثلا لو أوصى بداره وبستانه لشخص، فبعد وفاته وإطلاع الموصى له قبل الدار ورد البستان أو بالعكس، صح فيما قبل وبطل فيما يرد إعطاء لكل واحد منهما حقه. وقال في جامع المقاصد: وليست الوصية كالبيع ونحوه يجب فيها مطابقة القبول

 

للإيجاب، لأنها تبرع محض، فلا يتفاوت الحال فيها بين قبول الكل والبعض (1). وحاصل كلامه: أنها ليست من المعاوضات - كي يقال بأنه قصد تبديل الكل بعوض كذا، وأما تبديل مقدار منه جزءا أو كسرا مشاعا مثل نصفه أو ثلثه بمقدار من العوض فليس بمقصود أصل - بل قصد تمليكه لهذا المجموع بلا عوض، وحيث أن التملك قهرا وبدون قبوله ورضاه ل يمكن إلا بأسباب خاصة وفي موارد مخصوصة كالإرث وغيره، فيحتاج إلى قبول، فأي مقدار منها قبل يصير ملكه، وأي مقدار لم يقبل يبقى على ملك الموصى، سواء كان ذلك المقدار الذي يقبله موجودا مستقلا غير مربوط بالآخر الذي لم يقبله، أو كان جزءا للوصية أو كسرا مشاعا لها. فلو قال: كتبي لزيد مثلا بعد وفاتي، فقبل بعضا معينا منها أو كسر مشاعا مثل النصف أو الثلث أو الربع منها، صح في الكل. هذا ما ذكروه. حتى أنه ذكر في جامع المقاصد في هذا المقام بعد قوله بأن الوصية صح فيما قبل وبطل فيما رد : ولم ينظر إلى التضرر بالشركة لو كان الموصى به شيئا واحدا (2) فحكمهم بالصحة فيما قبل والبطلان فيما يرد مطلق شامل لجميع الأفراد، سواء كان الموصى به متعددا أو كان شيئ واحدا، كان قابلا للقسمة أو لم يكن كفص من عقيق أو من ياقوت أو من غيرهما. ولكن الإنصاف أنه لو كان الموصى به مركبا من أجزاء أو من جزئين، بحيث يكون بعض أجزائه أو أحد جزئيه لو انفصل لو يبق قيمة معتد للباقي منها أو منهما، مثل ما لو أوصى بساعة فقبل الموصى له بعض أجزائها التي من أركانها ورد الباقي في الفرض الأول، أو أوصى حذاء لشخص فقبل النعل الذي للرجل الأيمن مثلا ورد الآخر في الفرض الثاني، فالقول بصحتها فيما قبل وبطلانها فيما رد لا يخلو من تأمل بل

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 28، ص 257. 2. جامع المقاصد ج 10، ص 14. (*)

 

من إشكال. فرع: لا تصح الوصية في معصية بأن يصرف المال الموصى به في الملاهي أو شرب الخمر مثلا، أو يصرفه الوصي في سائر المحرمات مثل تأييد ظالم ومساعدته في ظلمه وكتابة كتب الضلال طبعها ونشرها، مثل ما يسمى الآن توراة وانجيل، لأنهما حرفا وغير وفيهما أشياء توجب الضلال، وكتب البابية والبهائية، وبعض كتب العرفاء والصوفية المشتملة على العقائد الفاسدة والمطالب الباطلة، مثل ادعاء الحلول أو الاتحاد مع الله تعالى جل جلاله، تعالى الله عما يدعون ويصفون. وخلاصة الكلام: أنه لا تصح الوصية بفعل محرم أو صرف ماله في أمر محرم لوجوه: الأول: الإجماع الثاني: أن تنفيذ مثل هذه الوصية غير مقدور، لأن الممتنع شرعا مثل الممتنع عقلا، لنهى الشارع عن العمل بمثل هذه الوصية. الثالث: أنها إعانة على الإثم، بل هي بنفسها إثم. أما إنه إعانة على الإثم لأن الإعانة على الإثم عبارة، عن إيجاد مقدمة من مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد ترتب ذلك الحرام عليها، ولا شك في أن هذه الوصية من مصاديق هذا العنوان، إذ مقصوده منها وجود ذلك الحرام. أما كونها بنفسها إثما فلأنه لا شك في أن بذل المال في الحرام حرام وإثم وإن لم يكن بمباشرته. الرابع: قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) (1) ودلالة الآية على المراد في المقام مبني على أن يكون

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 181. (*)

 

المقصود من قوله تعالى (أو إثما) الوصية بالمعصية، ويكون استثناء عن حرمة التبديل والتغيير، أي لا يجوز تبديل الوصية وتغييرها إلا إذا كانت وصية بالمعصية، فتكون الآية بناء على هذا ظاهرة في عدم جواز الوصية بالمعصية وفي عدم صحتها. ويدل على أن المراد من الآية هذا المعنى ما ورد في تفسير على بن إبراهيم في تفسير هذه الآية قال على بن إبراهيم: قال الصادق عليه السلام: إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصية يوصى بها، بل يمضيها على ما أوصى إلا أن يوصى بغير ما أمر الله فيعصى في الوصية ويظلم، فالموصى إليه جائز له أن يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كله لبعض ورثته ويحرم بعضا، فالوصي جائز له أن يرده إلى الحق وهو قوله تعالى (جنفا أو إثما) فالجنف الميل إلى بعض ورثتك دون بعض، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر، فيحل للوصي أن لا يعمل بشيء من ذلك (1). فرع: عقد الوصية جائز من طرف الموصى، سواء كانت الوصية بمال أو كانت عهدية مثل أن يجعل شخصا ولي وقيما على صغاره، أو يوصى بدفنه في مكان كذا وأمثال ذلك من الوصايا، فللموصى الرجوع في وصيته متى شاء وما دام حيا. والدليل عليه: أن الموصى مادام حيا لا ينتقل المال إلى الموصى إليه وإن قلنا بجواز القبول في حال حياة الموصى وقد تقدم هذه المسألة، فالمال ماله ولم يخرج عن تحت سلطنته والناس مسلطون على أموالهم. وأصالة اللزوم في العقود لا تشمله، إما لأن محل القبول بعد موت الموصى وقبله لا قبول فلا عقد، وإم لأنه وإن كان عقدا ويصح من الموصى له القبول ولكن هو خارج عن تحت تلك القاعدة بالإجماع، أو بورود روايات تدل على جواز رجوع

 

(هامش)

 

1. تفسير القمي ج 1، ص 65، وسائل الشيعة ج 13، ص 420، أبواب كتاب الوصايا، باب 37، ح 4. (*)

 

الموصى في وصيته مادام فيه الروح، في صحة كان أو مرض. منها: رواية ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن المدبر من الثلث، وأن للرجل أن ينقض وصيته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت (1). ومنها: رواية يونس عن بعض أصحابه قال: قال علي بن الحسين عليه السلام: للرجل أن يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه ويملك من كان أمر بعتقه، ويعطي من كان حرمه، ويحرم من كان أعطاه م لم يمت (2). وفي الوسائل أن الصدوق روى هذه الرواية إلا أنه زاد في آخره: ما لم يكن رجع عنه (3). منها: رواية عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: للموصى أن يرجع في وصية إن كان في صحة أو مرض (4) وروايات أخر (5). وبعد الفراع عن أنها عقد جائز من طرف الموصى وله أن يرجع فيه مادام حيا، يتحقق الرجوع بالقول وبالفعل. فالأول: إما قول الصريح في الرجوع كقوله.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 12، باب الرجل يوصي بوصية ثم يرجع عنها، ح 3، الفقيه ج 4، ص 199، باب الرجوع عن الوصية، ح 5459، تهذيب الأحكام ج 9، ص 190، ح 762، باب الرجوع في الوصية، ح 15، وسائل الشيعة ج 13، ص 385، أبواب أحكام الوصايا، باب 18، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 13، باب الرجل يوصي بوصية ثم يرجع عنها، ح 4، الفقيه ج 4، ص 199، باب الرجوع عن الوصية، ح 5460، تهذيب الأحكام ج 9، ص 190، ح 763، باب الرجوع في الوصية، ح 16، وسائل الشيعة ج 13، ص 385، أبواب أحكام الوصايا، باب 18، ح 2. 3. وسائل الشيعة ج 13، ص 386، أبواب أحكام الوصايا، باب 18، ح 2. 4. الكافي ج 7، ص 12، باب الرجل يوصى بوصية ثم يرجع عنها، ح 1، الفقيه ج 4، ص 199، باب الرجوع عن الوصية، ح 5458، تهذيب الأحكام ج 9، ص 189، ح 860، باب الرجوع في الوصية، ح 13، وسائل الشيعة ج 13، ص 386، أبواب أحكام الوصايا، باب 18، ح 3. 5. انظر: وسائل الشيعة ج 13، ص 385، أبواب أحكام الوصايا، باب 18. (*)

 

رجعت في الوصية الفلانية أو نقضتها أو فسختها، أو يقول: لا تعطوا فلانا ما أوصيت له به، إلى غير ذلك من الألفاظ التي صريحة في نقض وصيته وفسخها. وإما ما يكون له ظهور عرفي في الرجوع ولو بتوسط القرينة مثل أن يقول للدلال: اجعله في معرض البيع. والثاني: إما بفعل ما يخرجه عن ملكه إما شرعا، كنقله بأحد النوافل الشرعية إلى الغير، مثل أن يبيع العين الموصى بها أو يهبها أو يصالح عليه أو يقرضها أو يخرجه عن ملكه بأن يعتقها أو يوقفها، ففي جميع ذلك لا يبقى محل ومجال لكونها وصية، لأن الوصية عبارة عن كون المال الموصى به باقيا تحت سلطنته وفي ملكه إلى زمان الموت، ثم بالموت منضما إلى قبول الموصى له يصير ملكا له فلو نقل إلى غيره شرعا أو وقع عليه التلف بإتلاف أو تلف سماوي لا يمكن بقاؤه وصية. وخلاصة الكلام: أن عقد الوصية جائز من طرفه، فله الرجوع مادام فيه الروح، سواء كان بالقول أو بالفعل. وإذا كان بالقول لا بد وأن يكون له ظهور عرفي في الرجوع وإن كان بواسطة القرينة، وذلك لحجية الظهورات في الكشف عن المراد. وأما إن كان بالفعل، فتارة بإعدام الموضوع حقيقة وهو إما بإتلاف تكوينا أو بنقله بأحد النواقل شرعا إلى غيره، وأخرى جعله في معرض البيع وإن لم يبع فعلا ولكن وضعه في السوق في دكانه كسائر الأجناس التي في معرض البيع، وثالثة يكتب إعلان ويعلق أن الدار الفلانية في معرض البيع وقد كان أوصى بها لشخص. ثم إن الرجوع تارة يكون في أصل الوصية، وأخرى في بعض جهاتها وكيفياتها ومتعلقاتها، فله تبديل الموصى به كلا أم بعضا مثل إن كانت وصيته أن يعطي داره لولده الأكبر مثلا، فغير الموصى به وجعله بستانه أو دكانه مثلا، هذا في تبديل الكل. وأما تبديل البعض بأن كانت وصيته إعطاء كتبه لولده الفلاني مطبوعا ومخطوطا، ثم يغير ويستثني المخطوط ويجعل بدله ألبسته أو فراشه

 

وأما التبديل في الموصى له فهو أن يجعل أولا ولده الأكبر مثلا، ثم لجهة من الجهات يبدله بولده الآخر أو شخصا أجنبيا. وأما التبديل في الوصي، مثل أن جعل زيدا وصيه ثم يبدو له ويجعله عمروا، أو يشرك عمرا معه بعد إن كان مستقلا ومنفردا. وكل ذلك جائز له، لأنها عقد جائز من طرفه وله السلطنة على ماله. وأما التبديل في ولي أطفاله وصغاره، مثل أن يجعل أولا زيدا وليا عليهم، ثم يبدو له ويبدل ويجعله عمروا، أو يشركه مع زيد في الولاية. والحاصل: أن الموصى إلى آخر لحظة من حياته له السلطنة التامة على وصيته، من حيث ما أوصى به، ومن أوصى له، ومن أوصى إليه، فله التغيير والتبديل في جميع ذلك أصلا أو زيادة أو نقيصة. بقى شيء: وهو أنه في بعض الموارد صار محلا للشك في أنه رجوع أم لا؟ أما حكم الشك لو استقر ولم يوجد دليل على إنه رجوع أو ليس برجوع فاستصحاب عدم تحقق الرجوع وبقاء الوصية. وأما موارد الشك، فمنها: لو تصرف في الموصى به تصرفا أخرجه عن مسماه، كما لو أوصى بطعام لزيد فطحنه، أو بدقيق فعجنه أو خبزه، فربما يقال ببطلان الوصية وصدق الرجوع عليه، لأنه من قبيل إعدام الموضوع ولم يبق موضوع لما أوصى به. ولكن يمكن أن يقال: إذا تعلقت بالطعام الخارجي والدقيق كذلك، فالموضوع لما أوصى هذا الجسم الخارجي من حيث أنه غذاء للموصى له ولعياله، فطحنه ربما يكون أفيد بالنسبة إلى هذه النتيجة والغرض، فكأنه إحسان آخر إلى الموصى له، وتغير الاسم من كونه حنطة إلى كونه دقيقا وكذلك من كونه دقيقا إلى كونه عجين أو خبزا لا يضر بكونه وصية. نعم لو كان هناك قرينة على رجوعه بهذا الفعل عن وصية، فلا بأس بالقول به، لم

 

قلنا من حجية الظهورات والمتفاهم العرفي ولو كان بتوسط القرائن الحالية أو المقالية. مثلا لو كان الموصى خبازا ومرض، فأوصى بإعطاء الحنطة الموجودة عنده لولده أو لأخيه، فبرء وطحنه ثم قبل أن يخبزه مات فجأة، فالإنصاف أن فعله في هذا الفرض ظاهر في الرجوع، كما أنه لو قال: اطحنوه ولكن هناك قرائن على أنه يريد بذلك الفعل مساعدة أخيه الضعيف لكي يسهل عليه الأمر، فيدل هذا على بقاء الوصية وعدم الرجوع. الأمر الثاني في الموصى. فرع: يعتبر في الموصى البلوغ، والعقل، والاختيار، والرشد، والحرية، لاعتبار هذه الأمور في جميع المعاملات إجماعا، مضافا إلى أدلة أخرى مذكورة في كتاب البيع. أما البلوغ: فلأن الصبي غير البالغ مسلوب العبارة، فلا اعتبار بإنشائه كسائر معاملاته، سواء كانت من المعاوضات أو كانت من الهبات والعطايا. نعم وردت روايات في صحة وصية الصبي إذا بلغ عشرا وإن لم يحتلم، وفي بعضها صحة وصيته وإن لم يدرك ومطلق من حيث مقدار السن، وفي بعضها صحة وصيته إن بلغ سبع سنين، ولكن أكثر الروايات الواردة في هذا الباب تقيد صحة وصية الغلام ببلوغه عشر سنين. فمنها: رواية محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام، ولم يجز للغرباء (1).

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 28، باب وصية الغلام والجارية...، ح 2، الفقيه ج 4، ص 197، باب الحد الذي إذا بلغه الصبي جازت وصيته، ح 5453، تهذيب الأحكام ج 9، ص 181، ح 728، باب وصية الصبي و المحجور عليه، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 428، أبواب أحكام الوصايا، باب 44، ح 1. (*)

 

 

وهذه الرواية تدل على صحة وصية غير البالغ مطلقا، سواء بلغ عشرا أو لم يبلغ، ولكن مقيد من حيث الموصى له بأن يكون لذوي الأرحام ولا يكون للغرباء. ومنها: رواية أبي بصير - يعني المرادي - عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته (1). وهذه الرواية قيد صحة وصيته بأمور: بلوغه عشرا، وكون وصيته في حق، أي لا يكون في الباطل والمحرمات، وأيضا يكون وصيته بثلث ماله ل أزيد. ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته (2). ومنها: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز (3). ومنها: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته (4). ومنها: رواية أبي بصير وأبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 29، باب وصيته الغلام والجارية...، ح 4، الفقيه ج 4، ص 197، باب الحد الذي إذا بلغه الصبي جازت وصيته، ح 5452، تهذيب الأحكام ج 9، ص 182، ح 732، باب وصية الصبي و المحجور عليه، ح 7، وسائل الشيعة ج 13، ص 428، أبواب أحكام الوصايا، باب 44، ح 2. 2. الكافي ج 7، ص 28، باب وصيته الغلام والجارية...، ح 3، الفقيه ج 4، ص 196، باب الحد الذي إذا بلغه الصبي جازت وصيته، ح 5450، وسائل الشيعة ج 13، ص 429، أبواب أحكام الوصايا، باب 44، ح 3. 3. الكافي ج 7، ص 28، باب وصيته، الغلام والجارية...، ح 1، الفقيه ج 4، ص 197، باب الحد الذي إذا بلغه الصبي جازت وصيته، ح 5452، تهذيب الأحكام ج 9، ص 181، ح 729، باب وصية الصبي و المحجور عليه، ح 4، وسائل الشيعة ج 13، ص 429، أبواب أحكام الوصايا، باب 44، ح 4. 4. تهذيب الأحكام ج 9، ص 181، ح 726، باب وصية الصبي والمحجور عليه، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 428، أبواب أحكام الوصايا، باب 44، ح 5. (*)

 

يوصى؟ قال: إذا أصاب موضع الوصية جازت (1). ومنها: رواية حسن بن راشد عن مولان العسكري عليه السلام: إذا بلغ الغلام ثماني سنين، فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود، وإذا تم للجارية سبع سنين فكذلك (2). والرواية الأخيرة ظاهرة في حصول البلوغ للذكر بثمانية وللأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأمور، سواء كانت في المعاملات والمعاوضات أو من العبادات بل مطلق الفرائض، أو كانت من الحدود فتجري في حقهما. ولا شك في أن بلوغ الذكر بثمانية والأنثى بسبعة بالنسبة إلى جميع الأحكام الشرعية في المعاملات والفرائض والحدود مخالف لإجماع المسلمين بل لضرورة من الدين، فهذه الرواية شاذة لم يعمل بها أحد فيجب أن يطرح. وكذلك ذيل رواية أبي بصير المتقدم وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته لم يعمل به، فهو مطروح. وأما سائر الروايات الواردة في هذا الباب وان كان بعضها مطلقة، كرواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال عليه السلام في ذيله: وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته ولكن لا بد من تقييدها بما إذا كانت وصيته في وجوه المعروف والبر، ولعل هذا هو المراد من قوله عليه السلام: أو أوصى على حد معروف وحق . وكذلك لا بد من تقييدها بما إذا كان عاقلا بصيرا، ولعل هذا هو المراد بقوله عليه السلام في رواية أبي بصير وأبي أيوب: إذا أصاب موضع الوصية جازت . فالمتحصل من مجموع هذه الروايات بعد إرجاع مطلقاتها إلى مقيداتها هو صحة

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 181، ح 727، باب وصيته الصبي والمحجور عليه، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 429، أبواب أحكام الوصايا، باب 44، ح 6. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 183، باب وصيته الصبي والمحجور عليه، ح 11، وسائل الشيعة ج 13، ص 321، أبواب أحكام الوقوف والصدقات، باب 15، ح 4. (*)

 

وصية الصبي إذا بلغ عشرا في وجوه البر والمعروف إذا كان عاقلا وبصيرا، وهذا المعنى بعد طرح رواية حسن بن راشد، لإعراض الأصحاب بل المسلمين عنها، مضافا إلى ضعف سنده ومخالفتها للأخبار الصحيحة الصريحة، وبعد طرح رواية أبي بصير التي تقدمت وكان مفادها جواز وصية ابن سبع سنين إذا كان أوصى بالمال اليسير في حق، لشذوذه ومخالفتها للإجماع. وقال في المسالك: وابن إدريس رحمه الله سد الباب واشترط في جواز الوصية البلوغ كغيرها (1)، ونسبه الشهيد في الدروس إلى التفرد بذلك، ثم قال: ول ريب أن قوله هو الأنسب، لأن هذه الروايات التي دلت على الحكم وإن كان بعضها صحيحة إلا أنها مختلفة بحيث لا يمكن الجمع بينها، فإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل (2). ولكن الإنصاف أن إنكار مثل هذا الحكم الذي هو مشهور بين الأصحاب - بل في الغنية (3) دعوى الإجماع عليه مع وجود هذه الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة - وعدم الاعتناء بهذه الأخبار والأقوال أشكل. مضافا إلى ما تقدم منا من إمكان الجمع العرفي بسهولة. وقال في جامع المقاصد بعد إقراره بأن الروايات الدالة على جواز وصية الصبي إذا بلغ عشرا كثيرة: والمناسب لأصول المذهب وطريقه الاحتياط القول بعدم الجواز (4). ويرده ما تقدم ذكره، والله العالم.

 

(هامش)

 

1. المسالك ج 1، ص 392. وهو في السرائر ج 3، ص 206. 2. الدروس ج 2، ص 298. 3. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 604. 4. جوامع المقاصد ج 10، ص 34. (*)

 

فرع: ولو جرح الموصى نفسه عمدا بما فيه هلاكها، أي نوى قتل نفسه فأوجد السبب، سواء كان بالجرح بآلة قتالة أو بشرب السم أو غير ذلك، لم تصح وصيته إذا كانت في ماله. وأما إذا كانت في غير ماله كتجهيزه ودفنه في موضع كذا، فالظاهر صحته، لصحيحة أبي ولاد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيه . قلت له: أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟ قال: فقال عليه السلام: إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه، وإن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته (1). فهذه الصحيحة لها دلالة واضحة على من أوجد سبب قتله متعمدا لأجل أن يموت، ويسمى في عرف هذا العصر بالانتحار، ثم بعد ذلك أوصى وصية بشيء من ماله لم تقبل وصيته. وأما لو أوصى أولا ثم أوجد سبب قتله، تجاز وصيته في ثلثه. وهذه الكلمة الأخيرة - أي ثلث ماله - تدل أن محل النفي والإثبات هو المال لا أمور الأخر. وأيضا استدل بعضهم على عدم نفوذ وصية من قتل نفسه في الماليات بأنه سفيه، والسفيه محجور لا يجوز له أن يتصرف في أمواله. أما أنه سفيه، فلأن إتلاف المال بل مصلحة يكشف عن السفه، وإتلاف النفس عصيانا - لا فيما إذا كان راحجا كما في باب الجهاد - أولى بأن يكشف عنه السفه. وأما أن السفه يوجب المنع من تصرفات السفيه في أمواله ومحجور ممنوع، فهذا دليله وتحقيقه في كتاب الحجر مذكور مفصل.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 45، باب من لا تجوز وصيته من البالغين، ح 1، الفقيه ج 4، ص 202، باب وصية من قتل نفسه متعمدا، ح 5470، تهذيب الأحكام ج 9، ص 207، ح 820، باب وصية من قتل نفسه...، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 441، أبواب أحكام الوصايا، باب 52، ح 1. (*)

 

هذا هو المشهور بين الأصحاب وجوز ابن إدريس (1) وصيته إذا كان عقله ثابتا، واحتج بأنه عاقل رشيد فينفذ وصيته كغيره، وبعموم النهي عن تبديل الوصية. وقال العلامة في المختلف: لا بأس بالذهاب إلى قول ابن إدريس حيث قال: ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده كان وجها وأجاب عن الاحتجاج بالرواية بحملها على عدم استقرار الحياة، بمعنى أن عدم القبول في الرواية فيما إذا كانت حياته بواسطة الجرح أو شرب السم أو نحوهما غير مسستقرة. (2) وأنت خبير بأن لازمه أن المريض إن صارت حياته غير مستقرة فلا تنفذ وصيته، ولا يمكن القول بذلك مع أنه يمكن أن يقال: إن هذا الكلام غير صحيح في حد نفسه، لأن هذا الجريح غير المستقر حياته عاقل بالغ رشيد، فتكون وصيته مشموله للأدلة الدالة على وجوب تنفيذ الوصية التي منها قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنم إثمه على الذين يبدلونه) (3) ولم يفرق بين مستقر الحياة وغيره، وتخصيص هذا العام يحتاج إلى دليل مفقود في المقام. وربما يقال: إن غير مستقر الحياة في حكم الميت، فلا يجري في حقه الأحكام الجارية على الأحياء، ويقاس بعدم ورود التذكية على الحيوان غير مستقر الحياة. وفيه: أن كون الحي في حكم الميت يحتاج إلى دليل، وفي المقام ل دليل عليه. والحاصل: أن كلمات هؤلاء الأساطين - مع وجود رواية صحيحة صريحة في عدم جواز وصية من قتل نفسه إذا كان متعمدا في إيجاد سبب موته لكي يموت، وكان إيجاد سبب موته قبل أن يوصى - اجتهادات في مقابل النص الصحيح الصريح المعمول به عند الأصحاب والمشهور بل ادعى بعضهم عليه الإجماع. ومثل هذا مخالف

 

(هامش)

 

1. السرائر ج 3، ص 197. 2. مختلف الشيعة ج 6، ص 328. 3. البقرة (2): 181. (*)

 

لأصولنا التي يجب العمل عليها. فرع: لا تجوز الوصية لغير الأب والجد من طرف الأب بأن يجعل القيم والولي على الأطفال بعد موته. أما الأب والجد من قبله فيجوز لهم ذلك، وذلك من جهة ثبوت ولايتهما عليهم حال حياتهما بنحو يشمل جميع التصرفات التي لها مدخلية في إصلاح شؤونهم من الماليات وغيرها حال حياتهما وحال مماتهما. وإن شئت قلت: أن المستفاد من الأخبار المستفيضة وسائر الأدلة أن لهما التصرف في جميع شؤونهما الصالحة لهم، سواء كانت تلك الأمور صالحة لهم في حال حياة الأب والجد أو في حال مماتهما. ولا شك في أن نصب القيم الثقة لإصلاح أمورهم وتدبير شؤونهم بعد موتهم من التصرفات الصالحة لهم، فلذلك يصح للأب والجد من طرف الأب الوصية بذلك وتكون نافذة. فقوله صلى الله عليه وآله: أنت ومالك لأبيك (1) وأمثال ذلك من الروايات والأحاديث تدل على أن للأب والجد من طرف الأب الولاية والسلطنة على صغارهم وأطفالهم، فلهما نصب القيم الواحد أو الأكثر بالاستقلال أو بالاشتراك على صغارهم بعد موتهما، ويجوز أيضا لهما جعل الناظر على ذلك القيم الذي جعلاه، كل ذلك لأجل الولاية التي لهما عليهم. وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد. وأما الأم فلا تصح الوصية منها بالولاية عليهم بأن تجعل قيما على أولادها الصغار، لأنه لا ولاية له عليهم لعدم الدليل على ذلك، إذ لا شك أن مقتضى الأصل الأولى عدم ولاية أحد على مال غيره وكذلك على نفس غيره، والخروج عن هذا الأصل ليس إلا بالدليل، ولا دليل على ولايتها عليهم، بل الدليل على خلافه.

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 17، ص 261، باب 78، ح 22479. (*)

 

وأما الحاكم الشرعي وإن كان له الولاية على مطلق القامرين الذين ليس لهم ولي من الأب والجد من طرف الأب لأنه ولي من لا ولي له من باب الحسبيات - أي الأمور التي ل يرضى الشارع بتركها - وليس عن قبل الشارع من عين لتصديها، فمثل هذه الأمور هو القدر المتيقن أن تصديها وظيفة الحكام والفقهاء، بحيث لو لم يكن مجتهد مطلق عادل في البين تصل النوبة إلى عدول المؤمنين. لكن كل ذلك من وظائفه حال حياته، وأما بعد مماته يكون وظيفة سائر مصاديق هذه الطبيعة، أي طبيعة مجتهد المطلق العادل. فبناء على هذ ليست له الوصية بالولاية بأن يقول: اجعلوا فلانا قيما على أطفال فلأن بعد مماتي، لعدم ولايته عليهم بعد مماته، لرجوع أمرهم بعد موته إلى غيره من المجتهدين والحكام. وأيضا ما قلنا من أن للأب والجد من قبله الوصية بالولاية على صغارهما، هذا يكون لكل واحد منهما مع فقد الآخر، وإلا فمع وجود الآخر لا تصح، لأنه مع وجود الآخر يكون هو الولي منفردا أو بالاستقلال، ولا يجوز مزاحمته من قبل أحد. نعم الولاية المطلقة على الأموال والأنفس بحيث ينفذ حكمه على كل أحد هو النبي صلى الله عليه وآله وأولاده الطاهرين المعصومين. وما قلنا من أن مقتضى الأصل عدم ولاية أحد على مال الغير أو نفسه وإن كان صحيحا، ولكن خرج من تحت هذا الأصل بالأدلة القطعية تصرفات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. قال الله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (1) (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمر أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (2) (فليحذر

 

(هامش)

 

1. الاحزاب (33): 6. 2. الاحزاب (33): 36. (*)

 

الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (3) وقال النبي صلى الله عليه وآله كما في رواية أيوب بن عطية: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه . وقال صلى الله عليه وآله يوم غدير خم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فهذا على مولاه (2). وقال الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره بعد ما ذكر الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومون لهم الولاية المطلقة على جميع الأموال والأنفس وفي جميع الأمور. والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب إطاعته صلى الله عليه وآله وإطاعة الإمام عليه السلام مختص بالأوامر الشرعية، وأنه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفية وسلطنته على الأموال والأنفس. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة بعد التتبع والتأمل أن للإمام سلطنة مطلقة على الرعية من قبل الله تعالى وأن تصرفهم نافذ على الرعية ماض مطلقا (3). وما أفاده قدس سره كلام صحيح لا غبار عليه، فبناء عليه للإمام عليه السلام التصرفات في أموال الصغار وفي أنفسهم مع وجود الأب والجد من قبل الأب. وفي تحقيق مسألة الولاية وأقسامها، من التكوينية والتشريعية، والمطلقة و المقيدة، والكلية والجزئية محل آخر حققناها فيه، والله هو العالم بحقائق الأمور. الأمر الثالث في الموصى به وهو إم عين أو منفعة، وعلى كل واحد من التقديرين يعتبر في الوصية التمليكية

 

(هامش)

 

1. النور (24): 63. 2. انظر: الغدير ج 1، ص 18. 3. المكاسب ص 153. (*)

 

أن يكون مملوكا، إذ عرفنا الوصية بأنها تمليك عين أو مال أو منفعة بعد الوفاة، وإذ لم يكن ملكا لا يمكن تمليكه أو يكون حقا قابلا للانتقال كحق التحجير ونحوه، لا مثل حق القذف ونحوه مما لا يقبل الانتقال. ولا فرق في المال بين كونه عينا أو منفعة أو دينا في ذمة الغير، وفي العين بين كونها موجودة فعلا أو مما سيوجد ويكون متوقع الوجود، كالوصية بما تحمله الدابة والجارية، أو تمر الشجرة في المستقبل. فرع: لا بد أن تكون العين الموصى بها ذات منفعة محللة مقصودة كي تكون مالا شرعا، فلا تصح الوصية بالخمر إلا أن تكون قابلة للتحليل، أو ينتفع بها في غير الشرب، ولا بالخنزير ولا بآلات اللهو والقمار إلا إذا كان ينتفع بها إذا كسرت، ولا بالحشرات ولا بكلب الهراش. وأما منافع المحرمة أو المحللة غير المقصودة للعقلاء فلا اعتبار بهما، وهي في حكم العدم. فرع: يشترط في الوصية العهدية أن يكون ما أوصى به عملا سائغا، فل تصح الوصية بمعونة الظالمين، وقطاع الطريق، وعمارة الكنائس، ونسخ كتب الضلال وطبعه ونشرها. وخلاصة الكلام أن الوصية العهدية لا بد وأن تكون بفعل غير محرم، وأن ل يكون صرف المال فيه عبثا وسفاهة. أما ما يكون محرما ومبغوضا عند الشارع فوجهه واضح، لأن الشارع لا يحث على أمر يغضبه، فأدلة الوصية منصرفة عنه. وأما ما هو عبث وسفاهة فأيضا منفور عنده. فرع: يشترط في الوصية أن لا يكون الموصى به زائدا على ثلث التركة، فإن كان زائدا بطلت إلا إذا أجاز الوارث، وإذا أجاز بعض الورثة ولم يجز البعض نفذت في حصة البعض المجيز دون البعض الذي لم يجز، وإذا أجازوا في بعض الموصى به دون

 

البعض صح فيما أجازوا وبطلت في البعض الآخر بلا خلاف بينهم، بل الحكم إجماعي. والنصوص الدالة على هذا مستفيضة أو متواترة. منها: مكاتبة أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن عليه السلام: إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصا في مواضع، وأوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث، ونحن أوصياؤها وأحببنا انهاء ذلك إلى سيدنا، فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله؟ قال: فكتب عليه السلام بخطه: ليس يجب له في تركتها إلا الثلث، وإن تفضلتم وكنتم الورثة كان جائزا لكم إن شاء الله . (1) ومنها: عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيته وكان أكثر من الثلث؟ قال عليه السلام: يمضى عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقى (2). ومنها: ما رواه علي بن عقبة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره. فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال: ما يعتق منه إلا ثلث وسائر ذلك الورثة أحق بذلك ولهم ما بقى (3). ومنها: ما عن الحسين بن محمد الرازي قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: الرجل

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 10، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 2، الفقيه ج 4، ص 187، باب من يجب من رد الوصية إلى المعروف...، ح 5429، تهذيب الأحكام ج 9، ص 192، ح 772، باب الوصية بالثلث وقل منه وأكثر، ح 4، وسائل الشيعة ج 13، ص 364، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 1. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 194، ح 780، باب الوصية بالثلث وقل منه وأكثر، ح 12، الاستبصار ج 4، ص 120، ح 454، باب أنه لا يجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 4، وسائل الشيعة ج 13، ص 365، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 3. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 194، ح 781، باب الوصية بالثلث وقل منه وأكثر، ح 13، الاستبصار ج 4، ص 120، ح 455، باب أنه لا يجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 365، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 4. (*)

 

يموت فيوصي بماله كله في أبواب البر، وبأكثر من الثلث، هل يجوز له ذلك وكيف يصنع الوصي؟ فكتب عليه السلام: تجاز وصيته ما لم يتعد الثلث (1). ومنها: ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أعتق رجل عند موته خادما له ثم أوصى بوصية أخرى القيت الوصية واعتقت الجارية من ثلثه، إلا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية (2). ومنها: ما رواه عباس بن معروف قال: كان لمحمد بن الحسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له ميمون فحضره الموت، فأوصى إلى أبي العباس الفضل بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن أجعله دراهم وابعث بها إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام وترك أهلا حاملا وإخوة قد دخلوا في الإسلام وأما مجوسية قال: ففعلت م أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمد بن الحسن. إلى أن قال: وأوصلتها إليه عليه السلام، فأمره أن يعزل منها الثلث فدفعها إليه ويرد الباقي إلى وصيه يردها على ورثته (3). والأخبار بهذا المضمون كثيرة ذكرنا شطرا منها، وظهورها في أن الوصية ل تنفذ في أزيد من ثلث تركته إلا بإجازة الورثة غني عن البيان. ونسب الخلاف في هذه المسألة إلى علي بن بابويه (4) قدس سره وأن الوصية تنفذ مطلقا وإن أوصى بجميع ماله، أجاز الوارث أم لم يجز، مستندا إلى ما رواه عمار بن موسى

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 195، ح 784، باب الوصية بالثلث وقل منه وأكثر، ح 16، الاستبصار ج 4، ص 120، ح 458، باب أنه لا يجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 365، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 5. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 197، ح 786، باب الوصية بالثلث وقل منه وأكثر، ح 18، وسائل الشيعة ج 13، ص 365، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 6. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 198، ح 790، باب الوصية بالثلث وقل منه وأكثر، ح 22، الاستبصار ج 4، ص 125، ح 473، باب أنه لا يجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 23، وسائل الشيعة ج 13، ص 366، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 7. 4. حكاه عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة ج 6، ص 350. (*)

 

الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجل أحق بماله مادام فيه الروح إذ أوصى به كله فهو جائز (1). ولكن هذه الرواية وما يقرب منها من حيث المضمون ل تقاوم الروايات المتقدمة التي يمكن ادعاء التواتر فيها. مضافا إلى عمل الأصحاب به وإعراضهم من هذه الطائفة حتى ادعى بعضهم الإجماع بقسميه على ما هو ظاهر الطائفة الأولى، أي عدم نفوذ الوصية في الزائد على الثلث إلا بإجازة الوارث. ووجهوا كلام على بن بابويه قدس سره بما لا ينافي المشهور بل المجمع عليه، فلا يكون مخالف في المسألة أصلا. والتوجيه المذكور في الجواهر (2) عبارة عن أن مراده وجوب صرف المال الموصى به بجميعه على حسب ما أوصى، من حيث وجوب العمل بالوصية، وحرمة تبديلها بنص الكتاب والسنة حتى يعلم فسادها وبطلانها ولو بالجور على الوارث وإرادة حرمانه من التركة الذي هو أحد أسباب بطلان الوصية. ففي كل مورد احتملنا صحة الوصية وإن كان لاحتمال أن يكون لموصى إليه دين عليه، يجب على الوصي إنفاذ تلك الوصية وإن كانت بجميع ماله، عملا باطلاقات أدلة نفوذ الوصية كتابا وسنة حتى يعلم أنها وقعت تبرع فيكون مقدار الزائد على الثلث موقوفا على إجازة الوارث. وحكى في الجواهر عن صاحب الرياض قدس سره أن هذا التوجيه وإن لم يكن ظاهرا من عبارة على بن بابويه فلا أقل من مساواة احتماله لما فهموه من كلامه، فنسبة

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 187، ح 753، باب الرجوح في الوصية، ح 6، الاستبصار ج 4، ص 121، ح 459، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر...، ح 9، وسائل الشيعة ج 13، ص 370، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 19. 2. جواهر الكلام ج 28، ص 282. (*)

 

الخلاف إليه ليس في محله (1). وعلى كل حال، سواء كانت هذه التوجيهات لكلام ابن بابويه قدس سره صحيحة أو غير صحيحة، لا يضر مخالفته بالحكم المجمع عليه الذي كان مفاد الروايات المتواترة. كما أن ورود بعض الروايات الأخر - كرواية عمار بن موسى الساباطي المتقدمة، ورواية محمد بن عبدوس قال: أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمد عليه السلام، فكتبت إليه: رجل أوصى الي بجميع ما خلف لك، وخلف ابنتي أخت له فرأيك في ذلك؟ فكتب إلي: بع ما خلف وابعث به إلي فبعت وبعثت به إليه، فكتب إلى: قد وصل (2) وبعض الروايات الأخر - لا تقاوم ما ذكرناه من الروايات الكثيرة المجمع عليها، مع إعراض الأصحاب عن هذه الطائفة. فرع: لو أجاز الوارث في حال حياة الموصى فيما زاد على الثلث هل تؤثر تلك الإجازة، أو لا بد وأن تكون بعد الوفاة؟ المشهور أن أجازة الوارث في حال الحياة موجبة لنفوذ ما زاد على الثلث، ولا يجوز للوارث رده بعد وفاة الموصى ويكون ملزما بتلك الإجازة والدليل عليه: أولا: الأخبار الواردة في هذا الباب المعمول بها عند الأصحاب المؤيدة بعمومات وإطلاقات أدلة نفوذ الوصية وعدم جواز تبديلها، والقدر المتيقن الخارج عن تحت تلك الاطلاقات هو في الوصية الزائدة على الثلث مع عدم صدور الإجازة من الوارث

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 28، ص 282. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 195، ح 785، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 17، الاستبصار ج 4، ص 123، ح 468، باب انه ل يجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 18، وسائل الشيعة ج 13، ص 369، أبواب أحكام الوصايا، باب 11، ح 16. (*)

 

مطلقا، لا في حال حياة الموصى ولا في ما بعد وفاته. أما في غير هذا فيشمله العمومات والاطلاقات. ومن تلك الأخبار ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ فقال عليه السلام: ليس لهم ذلك والوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته (1) وعن جماعة من أفاضل المحدثين بطرق مختلفة مثله (2). ومنها: ما رواه منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى بوصية أكثر من الثلث وورثته شهود فأجازوا ذلك له، قال: جائز (3). وثانيا: تعليق النفوذ - إذا كانت الوصية زائدة على الثلث - على إجازة الورثة إنما هو لمراعاة حق الورثة، ولا فرق في سقوط حقهم بالإجازة بين أن تكون الإجازة في حال حياة الموصى أو بعد مماته. وفيه: أن الفرق بينهما في كمال الوضوح، فإنه في حياة الموصى الورثة ليس لهم علاقة بما أوصى من التركة وهم والأجانب في ذلك سواء إلا في صدق قضية شرطية وهي أنه على تقدير موته هم يرثون، وأما بعد موته فالتركة ملك لهم ولذلك لو اعترفوا بعد وفاة الموصى أن هذا المال لزيد مثلا يعطى لزيد، وأما في حال الحياة هذا الاعتراف ل يسمع منهم ولا يؤثر في شيء.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 12، باب بدون عنوان، ح 1، الفقيه ج 4، ص 200، باب فيمن أوصى بأكثر من الثلث...، ح 5461، تهذيب الأحكام ج 9، ص 193، ح 775، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 7، الاستبصار ج 4، ص 122، ح 464، باب أنه لا يجوز الوصية بأكثر...، ح 14، وسائل الشيعة ج 13، ص 371، أبواب أحكام الوصايا، باب 13، ح 1. 2. وسائل الشيعة ج 3، ص 371، أبواب أحكام الوصايا، باب 13، ح 1. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 193، ح 778، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 10، الاستبصار ج 4، ص 123، ح 467، باب أنه لا يجوز الوصية بأكثر...، ح 17، وسائل الشيعة ج 13، ص 372، أبواب أحكام الوصايا، باب 13، ح 2. (*)

 

وثالثا: بأن الموصى به إما يكون للموصى لو برأ، وإما للورثة لو مات. فإن كان للموصى فقد أعطاه للموصى له بالوصية، وإن كان للورثة فقد أعطوه بالإجازة. وفيه: أنه لا شك في أن المال للموصى مادام روحه في جسده ولم يخرج، فالكلام في أن إجازة الورثة قبل أن يملكوا لها أثر أم لا؟ والظاهر أنه لولا هذه الأخبار كان مقتضى القواعد الأولية عدم تأثير إجازتهم في حال حياة الموصى، لعدم ارتباط المال بهم في ذلك الوقت إل بنحو القضية الشرطية التي لم يوجد شرطه، مثل أن يقول: لو عقد على فلانة - مع اجتماع الشرائط المقررة في كتاب النكاح لصحة العقد ولترتب الأثر عليه - كانت تلك زوجة له، ومن المعلوم أنه مع عدم العقد لا ارتباط شرعا بينهما. ورابعا: أن التعليق على الموت في الوصية ليس في الإنشاء، بل الإنشاء حاصل حال الوصية فعلا والمعلق هي الملكية المنشأة بهذا الإنشاء، فإنشاء الوصية قابل للقبول ولو قبل موته. فكما أن القبول في العقود قبل حصول المنشأ بالإيجاب - إذ الملكية في البيع لا تحصل إلا بالقبول واجتماع الشرائط المعتبرة في الموجب والقابل والعوضين، والزوجية كذلك لا تحصل إل بعد قبول الزوج، ولا ينافي ذلك قابلية الإيجاب للقبول، بل لا يعقل غير ذلك وإلا ل يحتاج إلى القبول أصلا - فكذلك في المقام وإن كان قبل موت الموصى لا تحصل ملكية الموصى به لا للموصى له ولا للورثة، ولكن إنشاء الملكية للموصى له وجد، وكذلك المنشأ بذلك الإنشاء. غاية الأمر المنشأ هي الملكية المتأخرة، أي بعد وفاته، فهذه الملكية المتأخرة عن موته حيث أنه أوجدها الموصى في عالم الاعتبار، والإنشاء قابلة للإجازة والرد فإن قلنا بأن ردها لا أثر له فلدليل شرعي لا لعدم امكانه، فمقتضى القاعدة تأثير الإجازة لولا دليل على عدم تأثيره، وحيث لا دليل على عدم تأثيره فتؤثر، فلو لم تكن هذه

 

الروايات لكنا نقول أيضا بأنه ليس لهم الرد بعد الإجازة في حال الحياة، لعدم الفرق بين الإجازة في حال الحياة وبعد الوفاة فيما هو المناط. وفيه: أن الفرق هو أن الإجازة بعد الوفاة تكون في حال لو لم تكن وصية في البين لكان ملكا لهم، فإجازتهم في ذلك الوقت تشبه إجازة المالك لمعاملة الفضولي، ولذلك مقتضى القاعدة هو النقل ل الكشف، فكان إجازة الوارث هي متمم عقد الوصية، مثل إجازة المرتهن للراهن بيع العين المرهونة، إذ له حق المنع وحق الإمضاء، وكذلك الوارث له حق الرد وحق الإجازة. هذ إذا كان بعد الوفاة، وأما في حال الحياة فالملك طلق للمورث، ولا حق للوارث فيه أصل كي يجيز، فإجازته في ذلك الوقت كإجازة الأجنبي لا أثر له، وليس البحث في أن إجازة الوارث هل لها متعلق في حال الحياة أم لا كي تأتي هذه الكلمات. فالإنصاف أنه لو لم يكن ما ذكرنا من الروايات لكان مقتضى القاعدة عدم تأثير الإجازة في حال الحياة خصوصا فيما إذا رد أول زمان الموت، لكن الروايات صحيحة صريحة وقد عمل بها الأصحاب، فلا يبقى مجال للشك في الحكم أي في أن الإجازة في حال الحياة تؤثر وليس للوارث الرد بعد ذلك. ولا فرق في هذا الحكم بين وقوع الوصية في حال مرض الموصى وحال صحته، ول بين كون الوارث غنيا أو فقيرا، كما قال بعض، وذلك لإطلاق الروايات. فرع: وهو أنه هل إجازة الوارث بعد الوفاة هبة للموصى له أو تنفيذ للوصية؟ وبعبارة أخرى: الموصى له يتلقى الملك من الموصى أو من الوارث؟ إذ لا يمكن أن يكون هبة إلا بأن يقال: إن الموصى به ينتقل بسبب الإرث إلى الوارث ثم بالإجازة ينتقل إلى الموصى له، فيكون نقل الملك من الوارث إلى الموصى له مجانا وبلا عوض، وهذا معناه أنه هبة من الوارث إلى الموصى له، فلا بد وأن يجرى فيها أحكام الهبة

 

من اشتراط صحتها إلى قبض الموصى له، وسائر أحكام الهبة من جواز رجوع الوارث الواهب إلى عين الموهوبة لو لم يكن الموصى له من ذوي الأرحام، وغير ذلك من الأحكام. والتحقيق في هذا الفرع موقوف على أن المقدار الزائد على الثلث هل ينتقل بالموت إلى الوارث، ثم منه بواسطة الإجازة ينتقل إلى الموصى له، فيكون ابتداء هبة يقينا، أم ل ينتقل إلى الوارث أصلا بل ينتقل إلى الموصى له، غاية الأمر للإجازة دخل في هذ الانتقال وبدونها لا ينتقل، لأنه للوارث حق الإجازة والرد؟ وبعبارة أخرى: يتلقى الموصى له الملك عن الموصى، والإجازة من قبيل إذن المرتهن في بيع الرهن إعمال حق من قبل المرتهن، وإلا فالمشتري يتلقى الملك من نفس البايع الراهن، فبناء على هذا ليست بهبة يقينا، لأن الموصى به ينتقل من الموصى إلى الموصى له، والإجازة تكون تنفيذ لفعل الموصى، لا أنها ابتداء هبة وعطية من المجيز. ثم بعد وضوح هذه المقدمة، فالظاهر من أدلة الوصية كتابا وسنة أن مقدار الوصية لا تنتقل إلى الوارث، غاية الأمر إذا كانت زائدة على ثلث التركة انتقال الزائد إلى الموصى له مشروط بإجازة الوارث، وللوارث حق الإجازة والرد، فإذا أجاز تكون إجازته تنفيذا لفعل الموصى، لا أن إجازته ابتداء هبة وعطية من قبله كما توهمه بعض المخالفين، وإلا فالحكم عندن إجماعي ولم يخالفه أحد منا فيه. وها هنا تكلموا كثيرا في أن المستفاد من أدلة الوصية وأدلة الإرث - أي واحد من الأمرين - هل هو انتقال المال إلى الورثة بعد الموت أولا ثم بالإجازة تنتقل إلى الموصى له، أو ابتداء ينتقل إلى الموصى له بشرط الإجازة؟ والأدلة من الطرفين لكل واحد من القولين لا يخلو من نظر وإشكال، ولكن الظاهر تخصيص أدلة الإرث بأدلة الوصية كما تقدم منا. وأيضا تكلموا كثيرا في الثمرات التي تترتب على كل واحد من القولين، مثلا لو

 

قلنا بأن الإجازة تنفيذ لفعل الموصى، فالنماء بعد الموت وقبل الإجازة للموصى له. وأما إن قلنا بأن الإجازة هبة وعطية من الوارث، فالنماء فيما بين الإجازة وموت الموصى للوارث، لأن المال ملكه فيكون له منفعته ونماؤه. فلو أوصى له شاة ومات وفرضنا أنه زائد على الثلث، فحليبها وصوفها فيما بين موت الموصى وإجازة الوارث للوارث، وهكذا في سائر الموارد. وكذلك الأمر في النفقة إذا كان الموصى به حيوانا، فبناء على الأول - أي كون الإجازة تنفيذا لما فعله الموصى - فالنفقة بعد الموت إلى زمان الإجازة على الموصى له، وبناء على القول الثاني - أي كون الإجازة هبة - فالنفقة على الوارث. فرع: ويعتبر الثلث - الذي إذا كانت الوصية أزيد منه يفتقر إلى إجازة الوارث أن يكون بذلك المقدار ولا يكون أزيد منه - حال الوفاة لا حال الوصية، فلو كانت وصيته في زمان الوصية أقل من الثلث أو مساويا معه ولكن في زمان الوفاة صار أزيد فالاعتبار بحال الوفاة، ويحتاج إلى إجازة الوارث في مقدار الزيادة. وبالعكس لو كان ما أوصى به حال الوصاية أزيد من الثلث ولكن صار فيما بعد حال الوفاة أقل من الثلث بواسطة زيادة ثروته لكثرة أرباحه في معاملاته فلا يحتاج إلى الإجازة، فالمدار في كون الموصى به لا يزيد على الثلث وإلا يفتقر إلى الإجازة هو الثلث حال الوفاة، لا حال الإيصاء. ووجهه: أن مفاد الروايات التي قدر الوصية التي لا يحتاج إلى الإجازة بأن لا يكون أزيد عن الثلث هو أن لا يكون أزيد من ثلث ما ترك، وهذا العنوان لا يصدق إلا على الثلث حال الوفاة. فقوله عليه السلام في رواية أحمد بن إسحاق المتقدم ليس يجب لها في تركتها إل

 

الثلث (1) أي الثلث من تركتها، ولا يصدق الثلث من التركة إلا على الثلث حال الوفاة، لا على ثلث ماله في أي وقت من الأوقات. وأيضا لأن حال الوفاة وقت تعلق الوصية بالمال واستقرار الملك للوارث والموصى له، لا حال الوصية، ولذلك لو عاش الموصى زمانا طويلا بعد الوصية يكون جميع المال ملكا طلقا له لا يستحق الوارث شيئ منه ولا الموصى له، فزمان استحقاقهما هو بعد الوفاة، فلا بد وأن يكون التقدير بذلك اللحاظ وباعتبار زمان الاستحقاق وهو زمان الوفاة. واستشكل في المسالك تبعا لجامع المقاصد على إطلاق هذه العبارة وقال: وهو يتم على إطلاقه مع كون الموصى به قدر معينا كعين أو مائة درهم مثلا أو بجزء من التركة مع كونه حالة الموت أقل من زمان الوصية أو مساويا، لأن تبرعه بالحصة المذكورة زائدة يقتضي رضاه بها ناقصة بطريق أولى، أما لو انعكس أشكل اعتبار وقت الوفاة للشك في قصد الزائد وربما دلت القرائن على عدم إرادته على تقدير زيادته كثيرا حيث لا يكون الزيادة متوقعة غالبا (2). وفيه: أن ظهور الألفاظ حجة في تشخيص المراد واستكشافه حتى وإن ظن بالخلاف، نعم لو علم بأن الظاهر ليس بمراد فيسقط عن الحجية، لأن حجية كل أمارة مقيده بعدم العلم بالخلاف، بل ومع العلم بمؤداه، لأن حجية العلم ذاتية، فلا يبقى محل لجعل الحجية مع العلم بمؤداه. ولزوم القصد إلى التمليك في مقام التمليك وإن كان من المعلوم، ولكن ظهور لفظه في أن مراده ما يكون اللفظ ظاهرا فيه يكون أمارة على أن مراده ومقصوده هو ما يكون اللفظ ظاهرا فيه. واحتمال أن لا يكون مراده ما هو ظاهر اللفظ ملغى في نظر

 

(هامش)

 

1. تقدم في ص 257، رقم (1). 2. المسالك ج 1، ص 393. (*)

 

الشارع ولا يعتني به. نعم لو حصل العلم ولو كان بتوسط القرائن بأن ما هو ظاهر اللفظ ليس بمراد، فالظاهر ليس بحجة. وأما الشك في أنه هل قصد تمليك الزيادة المتجددة أم لا، لا يضر بلزوم الأخذ بما هو ظاهر اللفظ واستكشاف القصد من ذلك الظاهر. فهذ الإشكال الذي أورده المحققان في جامع المقاصد (1) والمسالك على إطلاق عبارة الشرائع (2) والقواعد (3) يمكن الجواب عنه بما ذكرناه. وفي المسالك أشار إلى ما ذكرن بقوله: ووجه إطلاق المصنف وغيره اعتبار حال الوفاة الشامل لذلك النظر إطلاق اللفظ الشامل ذلك (4). فرع: لو أوصى لرجل بثلث ماله أو بربعه أو بكسر آخر ثم قتله قاتل خطأ أو جرحه جارح كذلك، فوصيته ماضية من ماله منضما إليه دينه وأرش جراحته. والمقصود أن دية المقتول خطاء أو عمدا إن صالحوا مع القاتل بالدية تكون جزء المال في مقام إخراج الثلث أو الربع أو غير ذلك، ولا يكون مخرج الثلث أو الربع أو غيرهم من الكسور الذي أوصى بها المال الذي كان يملكه قبل وقوع الجناية فقط، بل المال الذي يملكه بعد الوصية من دية فتله أو أرش جراحته أيضا داخل في مجموع الكسر الذي أوصى به، فيخرج الثلث من المجموع. مثلا لو كان ماله قبل ورود الجناية عليه ثلاثة آلاف دينار، وبعد أن قتل خطأ زاد عليه ألف دينار من قبل ديته، وهو أوصى بربع ماله، فيخرج الربع من مجموع ماله وديته، أي من أربعة آلاف دينارا، فيعطى للموصى له ألف دينار.

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 10، ص 116. 2. شرائع الإسلام ج 2، ص 246. 3. قواعد الأحكام ج 1، ص 297. 4. المسالك ج 1، ص 394. (*)

 

والدليل عليه الأخبار. منها: رواية محمد بن قيس قال: قلت له: رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع، فيقتل الرجل خطأ يعني الموصى؟ فقال: يجاز لهذا الوصية من ماله ومن ديته (1). ومنها: رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين: من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ، فإن ثلث ديته داخل في وصيته (2). ومنها: أيضا رواية أخرى عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقل من ذلك أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصى فودى، فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى . وهذه الروايات صريحة في دلالتها على أن ما يملكه بعد الموت داخل في ما أوصى به. وبعبارة أخرى: يحسب الثلث أو الربع أو ما هو أقل أو أكثر من ذلك من مجموع ما كان يملكه قبل الموت وما يملكه بعد الموت بواسطة ديته أو غير ذلك. ولا فرق بين ما يملكه الموصى بعد الموت بواسطة دية قتل الخطأ، أو بواسطة قتل العمد بعد صلح الورثة مع القاتل بأخذ الدية، وإن كان الحكم أولا أن للورثة حق القصاص، ولكن بعد ما صالحوا مع القاتل بالدية تكون الدية عوضا عن نفس المجني عليه فهو أحق بها، فإذا كان الإنسان يملك عوض ماله فهو أولى بأن يملك عوض

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 63، باب النوادر، ح 21، الفقيه ج 4، ص 227، باب الرجل يوصى من ماله بشيء...، ح 5536، تهذيب الأحكام ج 9، ص 207، ح 822، باب وصية من قتل نفسه أو قتله غيره، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 372، أبواب أحكام الوصايا، باب 14، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 7، الفقيه ج 4، ص 227، باب الرجل يوصى من ماله بشيء...، ح 5537، تهذيب الأحكام ج 9، ص 193، ح 774، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 372، أبواب أحكام الوصايا، باب 14، ح 2. (*)

 

نفسه، بأن يكون في حكم ماله يصرف في ما هو من شؤونه، من أداء ديونه والعمل بوصاياه. هذا بناء على أن اعتبار الملكية للميت لا معنى له لعدم مساعدة العرف والعقلاء، وأم لو قلنا بأنه يملك حقيقة فلا إشكال وتكون كسائر أمواله. وأما الإشكال عليه بأنه يملك الدية بعد الوفاة والموت، لأن الموت علة أو موضوع لها، فتكون ملكيته لها أو كونها في حكم ماله متأخرة عن الوفاة، فلا تشملها أدلة أن الوفاء بالوصية من الثلث عند الوفاة، والدية ليست من ملكه عند الوفاة ومقارنة لها بل بعدها. فليس بشيء لأن هذا التأخر رتبي لا زماني، بل لا يمكن أن يكون، وإلا يلزم إما انفكاك المعلول عن العلة زمانا، وإما انفكاك الحكم عن الموضوع، وكلاهما محالان. هذا، مضافا إلى النصوص الواردة في المقام من عدم الفرق بين دية الخطاء ودية العمد بإطلاقها أو بالتصريح. منها: رواية يحيى الأزرق، عن أبي الحسن عليه السلام في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا، فأخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم . قلت: هو لم يترك شيئا، قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه (1). ومنها: خبر عبد الحميد، سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل قتل وعليه دين، وأخذ أهله الدية من قاتله، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم . قلت: وهو لم يترك شيئا، قال: إنما إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين (2).

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 225، باب قضاء الدين من الدية، ح 5532، تهذيب الأحكام ج 9، ص 245، ح 952، باب في الزيادات، ح 45، وسائل الشيعة ج 13، ص 411، أبواب أحكام الوصايا، باب 31، ح 1. 2. الفقيه ج 4، ص 225، باب قضاء الدين من الدية، ح 5532، تهذيب الأحكام ج 6، ص 192، ح 416، باب الديون وأحكامها، ح 41، وسائل الشيعة ج 13، ص 111، أبواب الدين والقرض، باب 24، ح 1. (*)

 

وهاتان الروايتان ظاهر في عدم الفرق بين دية العمد والخطاء بالإطلاق. وأما ما يدل على الصراحة فهو خبر على بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: قلت: فإنه قتل عمدا وصالح أوليائه قاتله على الدية، فعلى من الدين على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالحوا عليه أولياؤه، فإنه أحق بديته من غيره (1). فهذا الخبر نص في أن دية قتل العمد أيض تصرف في أداء ديونه والعمل بوصاياه. وأما القول بأن المجعول ابتداء في قتل العمد هو حق القصاص للوارث، غاية الأمر أنه للوارث أن يصالح حقه هذا مع القاتل بمقدار الدية أو أقل أو أكثر لا أن المجعول هي الدية أو حق الاقتصاص كي لو اختار الدية يكون م يأخذ دية ويكون عوض نفس المجني عليه، فيدخل في ملك الميت أو يكون بحكم ماله فيؤدى منها ديونه. فمن قبيل الاجتهاد مقابل النص الصريح الصحيح المعمول به عند الأصحاب. فلا ينبغي الاعتناء إلى أمثال هذه الكلمات، ولذلك ادعى بعضهم الإجماع على عدم الفرق بين الدية في قتل الخطاء أو في قتل العمد بعد مصالحة الورثة حق اقتصاصهم بمقدار الدية وأخذهم الدية عن القاتل، خصوصا مع تعبيره عليه السلام بأنه أحق بديته من غيره . فرع: لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن يكون الربح بينه وبين ورثته نصفان صح، وربما يشترط كونه قدر الثلث أو أقل. هذا هو فتوى المشهور من أصحابن.

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 112، باب القود ومبلغ الدية، ح 5220، وسائل الشيعة ج 19، ص 92، أبواب القصاص في النفس، ح 2. (*)

 

والأصل فيه رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم؟ فقال عليه السلام: لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي (1). وأيضا رواية محمد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن خالد بن بكير الطويل قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح واعطهم النصف وليس عليك ضمان، فقد متني أم ولد أبي بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى فقالت: إن هذا يأكل أموال ولدي. قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقال لي ابن أبي ليلى إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه ثم أشهد على بن أبي ليلى أن أنا حركته فأنا له ضامن فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقصصت عليه قصتي ثم قلت له: ما ترى؟ فقال عليه السلام: أما قول ابن أبي ليلى فلا استطيع رده، وأما فيما بينك وبين الله عز وجل فليس عليك ضمان (2). ثم إن ظاهر هاتين الروايتين الحكم بصحة الوصية بالمضاربة وعدم الضمان للعامل لو خسرت المعاملة، وأيضا مقتضى الظاهر في كلتا الروايتين كون الأولاد صغارا. أما رواية محمد بن مسلم فظهورها في كون الأولاد صغارا فمن أجل قول محمد بن مسلم أنه سأل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم، فإن الوصية بولده إلى رجل لا يصح إلا أن يكونوا صغارا، وظاهر الرواية أنها وصية صحيحة. وأما رواية خالد بن بكير فصرح فيها بذلك في قول أبيه له يا بني اقبض مال

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 62، باب النوادر، ح 19، الفقيه ج 4، ص 227، باب الرجل يوصى إلى رجل بولده...، ح 5538، تهذيب الأحكام ج 9، ص 236، ح 921، باب الزيادات الوصايا، ح 14، وسائل الشيعة ج 13، ص 478، أبواب أحكام الوصايا، باب 92، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 61، باب النوادر، ح 61، الفقيه ج 4، ص 228، باب الرجل يوصى إلى رجل بولده...، ح 5539، تهذيب الأحكام ج 9، ص 236، ح 919، باب الإقرار في المرض، ح 37، وسائل الشيعة ج 13، ص 478، أبواب أحكام الوصايا، باب 92، ح 2. (*)

 

إخوتك الصغار واعمل به ومعلوم أن للأب جعل القيم لولده الصغار بعد موته كي يدبر أمورهم وشؤونهم، وأيضا له أن يجعل أجرة له بإزاء عمله بما يرى من صلاحهم، فإذا رأى من صلاحهم أن يجعل من يعمل في أموالهم بالمضاربة فله أن يوصى بذلك إلى رجل أمين عنده ويعين حصته من الربح أجر عمله، ولا إشكال في ذلك وفي فتوى المشهور بصحة مثل هذه الوصية. وهذا إذا كان فتواهم في مورد الروايتين أو الوصية بالمضاربة في مال أولاده الصغار. وأما الظاهر من بعض العبائر هو صحة الوصية بالمضاربة على ورثته مطلقا، كانوا بالغين أم صغارا، كالعنوان الذي ذكرنا في أول هذا الفرع تبعا للشرائع (1) وهو قولنا: لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن يكون الربح بينه وبين ورثته نصفان صح. ولا شك في أن إطلاق الورثة يشمل الصغير والكبير، وأيض يشمل ما إذا كان ما عينه عن حصة العامل، أي نصف الربح أزيد من الثلث، أو أقل، أو المساوي. ثم إنه ربما يأتي إشكال: وهو أنه لو كانت الورثة كبارا فليس للموصى أن يوصي بالمضاربة في أموالهم، خصوصا إذا كانت مدة المضاربة كثيرة، مثل خمسين سنة والربح الذي يعود إليهم قليل، فيرجع المضاربة حينئذ إلى منعهم عن التصرف في ملكهم مدة طويلة إذا أوصى بتلك المدة وقلنا بوجوب إنفاذ تلك الوصية لقوله تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (2). ولكن يمكن الجواب عن هذ الإشكال: بأن الوصية يمكن أن تكون صحيحة وتكون مشروطة بإجازة المالك إن كانت الورثة كبارا، فإذا أجازوا فلا يأتي كلا الإشكالين، لأنها بإذنهم، غاية الأمر في صورة بلوغ الوارث تكون الوصية مثل سائر

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 246. 2. البقرة (2): 181. (*)

 

المعاملات الفضولية، فيحتاج إلى إجازة المالك. وأما إذا كانوا صغارا، فله الولاية عليهم وجعل القيم عليهم، وأن يفعل كذا وكذا. وأما الإشكال على إطلاق العبارة بأنه تشمل ما إذا كانت حصة العامل أزيد من الثلث فتكون الوصية باطلة فيما زاد، إلا أن تكون بإجازة الوارث. ففيه: أولا: أن الربح ليس مما ترك، بل هو نتيجة سعي العامل، وإلا فالمال الذي تركه الميت باق إما عينا أو ما يقابله من ثمنه، ولم يتلف منه شيء مع وجود الربح، وإلا يكون فرض الخسران لا الربح. وأما مع عدم وجود الربح فلا يأتي هذا الإشكال أصلا، لأنه حينئذ لا حصة للعامل كي يقال حصته أزيد من الثلث، فلا يرد إشكال على كلا التقديرين، سواء كان هناك ربح أو لم يكن، وسواء كان على تقدير وجوده أزيد من الثلث أو لم يكن. وثانيا: أن الربح يحدث على ملك العامل، بمعنى أنه على فرض صحة المضاربة حصة العامل من أول حدوثه يكون حدوثه على ملك العامل، لا أنه يحدث على ملك الموصى المورث، أو يحدث على ملك الورثة ثم تنتقل إلى العامل، فليست من تركة الميت كي لا تنفذ في أزيد من الثلث. وقال في جامع المقاصد (1) ما مفاده: أنه يلزم من فساد هذه المضاربة عدم فسادها، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال. وبين هذ المطلب: أن فسادها على تقدير ثبوته إنما يكون لتفويت ما زاد على الثلث من التركة تبرعا، وذلك إنما يكون على تقدير أن يكون حصة العامل أزيد من أجرة المثل بزيادة على الثلث، وأن تكون ذلك من نماء مال التركة إذا صحت المضاربة ليكون الشراء نافذا، فإذ فسدت المضاربة لم ينفذ الشراء فلم يتحقق الربح، فانتفى التصرف في الزائد على الثلث، فانتفى المقتضى للفساد، فوجب الحكم بالصحة. ومتى أدى فرض الفساد إلى عدمه كان

 

(هامش)

 

1. جامع المقاصد ج 10 ص 118. (*)

 

فرضه محالا. وقال ابن إدريس (1) ببطلان هذه الوصية لأنه وصية بالباطل، ووافق ابن أبي ليلى حيث قال لخالد بن بكير الطويل بعد ما سمع منه ما أوصاه أبوه من المضاربة والعمل في مال إخوته الصغار وأخذ نصف الربح لنفسه وإعطاء النصف الآخر لإخوته: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه. ووجه البطلان بأن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث المال قبل موته، والربح تجدد بعد موته ولم يكن له وجود قبل موته، فكيف تنفذ وصية دخوله فيه. وفيه: أن منافع ما يملكه الميت قبل موته تصح الوصية فيها مع أنها توجد بعد موته، فلا يعتبر في صحة الوصية وجود الموصى به قبل الموت، بل الوصية تنفذ في ثلث م يملكه الميت، سواء كان وجوده قبل موت الموصى أو كان من منافع ما يملكه وإن كان وجود تلك المنافع بعد موته، فهي باعتبار أنها تابعة لما كان يملكه قبل موته يصح الوصية فيها وإن كان حدوثها في ملك الوارث إذ وجدت بعد موت المورث. وبعبارة أخرى: حينم كانت الأعيان في ملك الموصى وكان حيا كانت تلك المنافع متوقعة الوجود، فلذلك تحسب من أمواله وتدخل في ثلثه، خصوصا إذا كانت من قبيل الأثمار للأشجار أو الحمل للدابة. ولذلك لم يشكل أحد في جواز الوصية بهما وأمثالهما فكلام ابن إدريس وابن أبي ليلى ل أساس لهما، فالروايتان ليستا مخالفتان للقواعد الأولية في باب الوصية وقد عمل بهم الأصحاب، فلا إشكال في حجيتهما ولزوم العمل بهما، أي في مورد الوصية بالمضاربة في أموال أولاده الصغار. وأما إذا كانت الورثة كبارا وبالغين، أيضا لا مانع من صحة الوصية. نعم تكون من قبيل المعاملة الفضولية فتكون موقوفا على الإجازة، من جهة أن المال بعد الموت

 

(هامش)

 

1. السرائر ج 3، ص 192. (*)

 

ملك للورثة البالغين، وليست للمورث الموصى ولاية عليهم. إن قلت: إن له الوصية والتصرف بمقدار الثلث من ماله وإن كانت ورثته من الكبار والبالغين، وفي الزائد موقوف نفوذها على الإجازه. قلنا: أولا أن المورد ليس عن ذلك القبيل بأن يملك مقدار من ماله للموصى له وصية تمليكية كي تكون نافذة في مقدار الثلث وفي الزائد تكون موقوفا على الإجازة، بل إيصاء للوصي أن يضارب بهذه الكيفية، وإن كانت الورثة صغار لا يحتاج إلى إجازتهم، لأن وليهم أذن وأجاز. وأما إن كانوا كبارا فليس لأحد التصرف والتجارة في أموالهم إلا بإذنهم وإجازتهم، فليست وصيته للعامل المضارب كي تكون نافذة في مقدار الثلث، بل يكون أذن في التجارة والعمل بإزاء نصف الربح. وثاني: تقدم أن الربح ليس من أموال الميت كي يكون بمقدار الثلث نافذا غير محتاج إلى الإجازة، فإن لم يكن أذن الأب بالتجارة في أموال أولاده وصية بمقدار من ماله فل مجال لأن يقال بالنفوذ في مقدار الثلث أو أقل، سواء كانوا صغارا أو كبارا بل إذ كانوا صغارا يؤثر إذنه مطلقا، وإذا كانوا كبارا لا أثر لإذنه ويكون من قبيل الفضولي ليس للوصي التصرف مطلقا إلا بإجازتهم. فرع: لو أوصى بواجب وغيره، فإن وسع الثلث عمل بالجميع، وإن قصر ولم يجز الورثة بدأ بالواجب من الأصل وكان الباقي من الثلث، ويبد بالأول فالأول، ولو كان الكل غير واجب بدأ بالأول فالأول حتى يستوفي الثلث. أقول: الواجب قسمان: مالي وبدني. والواجب المالي تارة مالي محض كالزكاة والخمس والكفارات المالية، لا مثل الصوم شهرين متتابعين في بعض الكفارات أو عشرة أيام أو ثلاثة أيام أو غير ذلك في البعض الآخر. والكفارات المالية كعتق رقبة

 

أو الطعام ستين مسكينا أو إعطاء مد من الطعام وأمثال ذلك. وأخرى: مالي مشوب بالبدن كالحج الواجب. وأما الواجب البدني فهو مثل الصلاة والصوم وغيرهما مما ليس المطلوب فيها صرف المال، بل المطلوب فيها الأعمال البدنية. أما القسم الأول لو أوصى به يخرج من أصل المال، بل يخرج من أصل المال وإن لم يوص به، لأنها في الحقيقة ديون تعلقت بماله في حياته ويجب أداؤها والإرث فيما سواها وبعد أدائها. وأما القسم الثاني فل يخرج من أصل المال بل يخرج من الثلث، لعدم وجوب إخراجها من تركة الميت إلا إذا أوصى بها، فتكون كالوصايا التبرعية لا تنفذ بدون إجازة الورثة إلا في الثلث. فبناء على هذا لو كان الواجب الذي ذكرنا في العنوان واجبا ماليا وأوصى به مع ما ليس بواجب أصلا، فمقتضى القواعد الأولية وإطلاقات أدلة وجوب العمل بالوصية وإنفاذها في الثلث فقط إلا مع إجازة الورثة أنه يجب العمل بالجميع إن وسع الثلث لذلك. وأما إن قصر ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث، فيبدأ بالواجب من الأصل وغير الواجب من الثلث، الأول فالأول. مثلا لو كانت تركته تسعمائة دينار وأوصى بحج واجب وإعطاء مصارف الزواج لزيد مثلا مائتي دينار، ومصارف الزواج لعمرو أيضا مائتي دينار، وأجرة الحج يفرض أنها ثلاثمائة دينار، فالحج الواجب أولا يخرج من أصل التركة ثلاثمائة دينار، فيبقى التركة ستمائة دينار بعد إخراج ثلاثمائة للحج الواجب وثلث الباقي مائتان. فبناء على أنفاذ الوصية في غير الواجب المالي على الترتيب - أي الأول فالأول ل يبقى لزواج عمرو مال، لأن الوارث لم يجز والثلث لا يسع للجميع، فإذا بنينا على أنفاذ الوصية في غير الواجب المذكور الأول فالأول، فلا يبقى محل للوصية الثالثة - أي

 

زواج عمرو - فتبطل بالنسبة إليه. وذلك لأن الشارع لم يمض تصرفات الموصى المتبرعة في أمواله بتمليكه بعد موته لغيره في أزيد من ثلث ما يملكه إلا بإجازة الورثة، ولا شك في أن الوصية في غير الواجبات من التبرعات، بل وحتى في الواجبات غير المالي، فلا بد من إخراجها من الثلث فيما إذا لم يجز الورثة كما هو المفروض. وأما كونها أولا فأول فإما من جهة تصريح الموصى بذلك بأن قال: خذوا نائبا لي في الحج الذي كان واجبا على وما أديته، واعطو زيدا مائتي دينار لزواجه، ثم أعطو لعمرو كذلك مائتي دينار لزواجه، أو فأعطو لعمرو أو أعطوا عمروا بعد زواج زيد أو بعد إعطائكم زيدا. والحاصل: أن الترتيب قد يستفاد من تصريح الموصى بذلك، وقد يستفاد من ظواهر الألفاظ، وقد يستفاد من القرائن الحالية والمقالية، ولو كانت تلك القرينة هو الترتيب الذكرى. هذا كله فيما إذا كانت الوصية مركبة من الواجب المالي وغيره، وأما إذا كان كلها واجبا غير مالي، أو كان كلها غير واجب أصلا بل كان من التبرعات، أو كان مركبا من الواجب غير المالي وغير الواجب أصلا، فالحق أنها تخرج من الثلث. وإن قيل بأن الواجبات غير المالية كالصلاة والصوم أيضا تخرج من الأصل، ولكن الحق خلافه، لما أشرنا إليه وهو أنها أيضا من التبرعات، وكذلك بعد الفراغ من أنها من الثلث لا من الأصل يكون إخراجها أولا فأولا إن لم يسع الثلث للجميع. أما إخراج جميع هذه الأقسام الثلاثة - أي فيما إذا كان جميع ما أوصى بها غير واجب أصلا، أو كان جميعها واجبا غير مالي، أو كان مركبا منهما - من الثلث لا من الأصل، فلأنها ليست مثل الديون بحيث يجب إخراجه ولو لم تكن وصية في البين بل وصية تبرعية بها، فلا تنفذ إلا في الثلث إلا بإجازة الورثة

 

وأما كونها أولا فأولا فيما إذا لا يسع الثلث للجميع، فمثل ما ذكرنا وتقدم من استفادة الترتيب إما من تصريح الموصى بذلك، أو من الظهور اللفظي ككونها عقيب الفاء أو ثم، أو من القرائن الحالية أو المقالية ولو كانت هي الترتيب في الذكر كما تقدم. وأما لو لم يستفد الترتيب من تصريحه أو ظهور لفظه بما ذكرنا، أو صرح بعدم الترتيب في مقام الوصية كأن قال: لا تقدموا بعض هذه على بعض، فإن لم يسع الثلث للجميع ولم يجز الورثة فيما زاد، فيقسط النقص على الجميع بنسبة نقص الثلث عن مجموع الوصاي. مثلا لو أوصى وصية تبرعية لأحدهم بمائتين وللآخرين كل واحد منهما بمائة فالمجموع يصير أربعمائة ويفرض أن الثلث ثلاثمائة فالثلث ينقص عن الوصية بالربع أي يكون الثلث ثلاثة أرباع الوصية، فينقص عن نصيب كل واحد منهم ربع ما أوصى له، فمن صاحب المائتين يسقط خمسين، ومن الآخرين من كل واحد منهما خمسة وعشرين، وبعد إسقاط ما ذكرنا يبقى مجموع الوصية ثلاثمائة وهو مساو للثلث. وهكذا الأمر في جميع موارد نقص الثلث عن مجموع الوصية فيما إذا لم يفهم ترتيب أو فهم عدمه. ثم إنه لو اشتبه الأمر ولم يكن دليل على الترتيب ولا على عدمه، كما أنه لو عدد أشياء ثم أوصى بمجموعها وكان الثلث أقل، فهل يقسط النقص على الجميع أو يقرع؟ وجهان، والأظهر هو الأول. هذا فيما إذ عين مقدار الموصى به لكل واحد منهم، وأما إذا لم يعين فيقسم بينهم بالسوية، كما إذ قال: أعطوا ثلث مالي بعد وفاتي زيدا وعمروا وبكرا، أو قال: ملكت ثلث أموالي هؤلاء وعددهم. وها هنا رواية تدل على نفوذ الوصية أولا فأولا فيما إذا يفي الثلث بالجميع، بمعنى أنه يبدأ بإنفاذ الوصية بما أوصى أولا، ثم بما بعدها، وهكذا حتى يتم الثلث، وبطل

 

الزائد مع عدم إجازة الوارث. وهي ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السلام في رجل أوصى عند موته وقال: أعتق فلانا وفلانا وفلانا حتى ذكر خمسة، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم قال عليه السلام: ينظر إلى الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقومون وينظر إلى ثلثه، فيعتق منه أول شيء ذكر، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس فإن عجز الثلث كان في الذين سمى أخيرا، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث مالا يملك، فلا يجوز له ذلك (1). وهذه الرواية تدل على أن الترتيب الذكرى كاشف وأمارة على الترتيب الواقعي، خصوصا بملاحظة التعليل الذي ذكره عليه السلام لحكمه بإنفاذ الوصية الأول فالأول. فتحصل مما ذكرنا في هذا الفرع أنه إذا أوصى بوصايا متعددة، فإن كان كلها أو بعضها واجبا ماليا، يخرج ذلك الواجب المالي من الأصل، سواء زاد على الثلث أم لم يزد. وأما إن لم يكن فيها واجب مالي، سواء كان فيها واجب بدني أولا، أي سواء كان كلها من واجبات بدنية أو بعضها أو لم يكن فيها واجب أصلا، فيكون كلها من الثلث ولا يكون في أزيد منه إلا بإجازة الوارث. هذا فيما إذا كان الثلث وافيا بالجميع، وأما إن لم يف بالجميع فقيل بتقديم الواجب على غيره ويخرج من الثلث ابتداء ثم تصل النوبة إلى التبرعات. ولكن عرفت أن الواجب البدني في عرض سائر المتبرعات، ولا تقدم له عليها. ثم إنه إن استفدنا الترتيب من تصريح الموصى أو من ظهور ألفاظه وضعا أو بتوسط القرائن الحالية أو المقالية فيؤخذ به. وأما إن لم نستفد شيئا من هذا القبيل،

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 19، باب من أوصى بعتق أو صدقة أو حج، ح 15، الفقيه ج 4، ص 212، باب الوصية بالعتق والصدقة والحج، ح 5493، تهذيب الأحكام ج 9، ص 197، ح 778، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ح 20، وسائل الشيعة ج 13، ص 457، أبواب أحكام الوصايا، باب 66، ح 1. (*)

 

 

أو فهمنا من كلامه عدم الترتيب لتصريحه أو من القرائن، فمقتضى القاعدة هو التقسيط وورود النقص على الجميع، فينقص عن كل وصية من تلك الوصايا بنسبة نقص الثلث إلى مجموع الوصايا كما تقدم، لا القرعة كما توهم. نعم مقتضى رواية حمران المتقدم هو الأخذ بالأول فالأول، لكن بينا أنه بواسطة كون الترتيب الذكرى أمارة على الترتيب الواقعي كما يظهر من تعليله عليه السلام بذلك حكمه بالإنفاذ أولا إلى أن يتم الثلث. وأما لو علم أنه لم يرد الترتيب الواقعي، بل أراد أن يكون الثلث لجميعهم، فلا يبقى محل للأخذ بالأول فالأول. فرع: لو أوصى لشخص بثلث ما يملك، ولآخر بربعه، ولثالث بسدسه ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث، فبناء على استفادة الترتيب من هذه الوصية، إما من ترتيب الذكرى، أو من القرائن المقامية أو الحالية أو المقالية، أو من الظهور الوضعي كما إذا عقب الوصية الأولى بالفاء أو بثم في الثانية والثالثة وهكذا، أو من جهة كون الترتيب الذكرى أمارة على الترتيب الواقعي كما أشرنا إليه في بيان رواية حمران، فيكون الثلث للشخص الأول وبطلت الوصية لمن عداه. وأما بناء على عدم استفادة الترتيب، أو استفادة عدمه من القرائن المقامية، أو تصريحه كما لو قال: لا تقدموا أحدا على أحد في هذه الوصية بل يكون ثلثي لكلهم، فمقتضى القاعدة هو تقسيط الثلث على كلهم، أو القرعة إذا كان المورد واجدا لشرائط الاستخراج بالقرعة. ولكن الظاهر أن مورد القرعة ما يكون له واقع وصار مجهولا في الظاهر. وما نحن فيه ليس كذلك، فإن الوصايا المتعددة مقدار ما أوصى به في كل واحد منها معلوم ظاهرا وواقعا، غاية الأمر لا يمكن العمل بها، لأن العمل بمجموعها يوجب إخراج أزيد من الثلث، وهو لا يجوز إلا بإجازة الورثة، والمفروض أنهم لم يجيزوا فيرد عليهم

 

نقص بنسبة نقص الثلث عن المجموع. مثلا لو كان مجموع الوصايا يبلغ الألف، والثلث خمسمائة، فالنسبة بين الثلث ومجموع الوصايا هي النصف، فيسقط من كل وصية نصف ما أوصى به. فإذا أوصى لزيد مثلا بستمائة ولعمرو مثلا بثلاثمائة، ولبكر بمائة فمجموع الوصايا يبلغ الألف، والمفروض أن الثلث خمسمائة والنسبة هي النصف، فيسقط من زيد ثلاثمائة، ومن عمرو مائة وخمسين، ومن بكر خمسين، والمجموع خمسمائة فيبقى خمسمائة وهي مساو للثلث. وهكذا في جميع الموارد وطريقه تقسيم الثلث على الوصايا. فإطلاق كلام القوم إنه إذا أوصى لشخص بثلث ولشخص آخر بربع وللآخر بسدس ولم يجز الورثة في الزائد على الثلث، يكون الثلث للشخص الأول وتبطل الوصية في الثاني والثالث ليس كما ينبغي، بل لا بد وأن يفصل كما فصلناه. فرع: ولو أوصى بثلثه لواحد وبثلثه للآخر، كان ذلك رجوعا عن الأول إلى الثاني، وذلك من جهة أن الوصية سواء كانت عقدا أو إيقاعا يجوز للموصى الرجوع عنها مادام فيه الروح، ولا ينفذ تصرفاته في ماله بعد الموت بدون إجازة الورثة إلا في الثلث. وهذا هو المراد من قولهم: أن الميت ل يملك من ماله إلا الثلث وإلا فالميت لا يملك شيئا وبمحض الموت المال ينتقل إلى الورثة والموصى له بعد قبوله إن كانت وصية في البين. وأيضا هذا هو المراد مما في بعض الروايات للميت ثلث ماله فإذا أضاف الثلث إلى نفسه فليس له إلا ثلث واحد، لأنه لا ينفذ تصرفاته باعتبار ما بعد الموت، أي بعنوان الوصية في أزيد من ثلث واحد من أمواله، فكأنه لا يملك أزيد من هذا. فلو أوصى عهديا أو تمليكيا في ثلثه المضاف إلى نفسه لشخص، فلا يملك بعد ذلك

 

من ماله شيئا، فوصيته ثانيا بثلث المضاف إلى نفسه لشخص آخر تكون مضادة لوصيته الأولى، فلا بد بأن يقال: الوصية الثانية إما لغو وكلام باطل، أو رجوع عن وصيته الأولى. ولكن ظاهر الكلام أنه رجوع مع إمكانه وعدم محذور. وحمله على اللغوية ولقلقة اللسان خلاف طريقة العقلاء وسيرتهم. وبعبارة أخرى: حال الثلث المضاف إلى نفسه حال العين الخارجية المعينة من حيث عدم التعدد فيه، فكما أنه لو أوصى بمعين في الخارج، كدار أو دكان له لزيد مثلا، ثم أوصى ذلك العين الخارجي ثانيا لعمرو مثلا، يكون رجوعا عن الوصية الأولى بلا خلاف. فليكن ما نحن فيه أيضا كذلك، لأن الجهة فيهم واحدة، وهي عدم لزوم اللغوية في الثاني. نعم لو لم يضف الثلث إلى نفسه بأن قال: أعطوا فلانا ثلثا من أموالي، أو يقول في الوصية التمليكية: ملكت فلانا ثلثا من أموالي، بدون إضافة الثلث إلى نفسه يمكن أن يقال: إن متعلق الوصية في الثاني غير م هو متعلق الوصية في الأولى، لأن أحواله مشتملة على ثلاث أثلاث، فيمكن أن يكون الثلث الذي هو متعلق الوصية الأولى غير الثلث الذي يكون متعلق الوصية الثانية، وليس دليل يدل على اتحاد المتعلقين في البين. اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر كلامه أنه في مقام إنشاء وصية ماله أن يتصرف فيه وهو ثلث نفسه، وإلا فالثلثان الآخران خارجان عن تحت سلطنته وليس له أن يتصرف فيهما، فلو لم تكن إضافة في اللفظ فأيضا لا بد وأن يكون هو المراد، فالثلث المجرد عن الإضافة أيضا مثل المضاف، فيكون أيضا رجوعا عن الأولى. وفيه: أن هذا القياس، أي قياس ثلث المجرد عن الإضافة بالثلث المضاف في غير محله، لأن المضاف ليس له فردان، وأما غير المضاف فله أفراد، فيمكن أن يكون المراد من الثلث في الوصية الثانية غير ما هو المراد في الوصية الأولى.

 

وأما ما يقال: ليس له التصرف إلا في ثلث واحد وهو في مقام إنشاء الوصية - في الوصية التمليكية أو العهدية - يريد التصرف فيما يوصي به، فلا بد من ورود الوصيتين على نفس ذلك الثلث الذي له أن يتصرف فيه، وهو واحد لا تعدد فيه، فيعود المحذور. وفيه: أنه مادام حيا وفيه الروح له أن يتصرف في أي ثلث من أثلاث أملاكه، بل له أن يتصرف في مجموع أمواله، وتصرفاته في جميع أمواله ممضاة لو كانت منجزة ولا تحتاج إلى إجازة الورثة. نعم لو كانت غير منجزة وكانت بعنوان الوصية يحتاج فيما زاد على الثلث إلى إجازة الورثة، فله أن يريد من الثلث في الوصية الثانية غير ما أراد منه في الوصية الأولى، غاية الأمر يحتاج نفوذه إلى إجازة الوارث. ففي هذا الفرض ليست الوصية الثانية ناسخة للأولى، لعدم ورود هما على محل واحد كي يكون كذلك. نعم للورثة أن ل ينفذوها، وهذا لا يوجب انصراف لفظ الثلث إلى ثلثه المختص به الذي لا يحتاج إلى الإجازة وعدم إرادة أثلاث الآخر، كي تكون الوصية الثانية مضادة للأولى وتكون ناسخة لها. فالحق في المقام هو الفرق بين ثلث المضاف إلى نفسه والثلث المجرد عن الإضافة، ففي الأول تكون الوصية الثانية رجوعا عن الوصية الأولى ناسخة لها، وفي الثاني تكون وصية أخرى صحيحة لكن نفوذها موقوف على إجازة الورثة، مثل ما لو كانت الوصية زائدة على الثلث يكون نفوذ مقدار الزائد موقوفا على إجازة الورثة. ثم إنه في الصورة الأولى - أي فيما إذا أوصى بثلثه المضاف إلى نفسه تارة لزيد مثلا ومرة أخرى لعمرو فبناء على أنه رجوع عن الأولى يجب أن يعطى الثلث لعمرو ولا يستحق زيد شيئا منه. وبناء على أنه يجب أن يعطى لزيد لأنه في وقت الوصية لم يكن مانع عن نفوذها فوقعت صحيحة، ولم يبق مجال للوصية الثانية، فتكون الوصية الثانية لغوا وباطلا وإن أشكلن على هذا الاحتمال ورجحنا أن تكون الوصية الثانية رجوعا عن الأولى - لو اشتبه الأولى ولم يعلم أن الوصية الأولى لزيد أو لعمرو كي

 

نرتب الأثر على كل واحد من القولين بأن يعطى له لو لم يكن الثاني رجوعا، ولم يعط له لو كان، فإنه يستخرج بالقرعة. وذلك من أنه للأولى واقع معين معلوم عند العالم بها، غاية الأمر اختفى واشتبه في مقام الظاهر والإثبات، والاحتياط لا يمكن في الماليات أو لا يجب، ومثل هذه الشبهة الموضوعية المقرونة بالعلم الإجمالي مورد القرعة، فإذ خرج بالقرعة أنه زيد مثلا يرتب عليه أثره. وطريق القرعة هو أن يكتب في رقعة اسم أحدهما مع كلمة الأولى والسابق، وفي رقعة أخرى اسم الآخر أيضا مع كلمة الأولى أو السابق، فيخلطان فيخرج أحدهما فينظر فيه، فأي واحد من الاسمين كان يكون هو السابق والأولى. وللقرعة طريق آخر أيضا لا حاجة إلى ذكرها. فرع: ولو أوصى بشيء واحد لاثنين كداره مثلا لهما وهو يزيد عن الثلث ولم تجز الورثة، كان لهما ما يحتمله الثلث. مثل لو كانت قيمة تلك الدار ألفين والثلث ألف، فالألف الزائد يحتاج نفوذه إلى إجازة الورثة، فإذا لم يجيزوا تبطل الوصية بالنسبة إليه. وأما ما يحتمله الثلث، أي الألف الآخر يكون لهما بالمناصفة، أي لكل واحد منها خمسمائة. والوجه في الجميع واضح. هذ إذا كانت الوصية واحدة، وأما إذا كانت متعددة متعاقبة كما إذا قال: لزيد نصف داري الفلانية ولعمرو نصفها الآخر، وكان مجموع الوصيتين زائدا على الثلث ولم تكن الوصية الأولى وحدها زائدة على الثلث ولم تجز الورثة، فالوصية الأولى تنفذ، بلا نقص، وكان النقص واردا على الثانية من الوصيتين وقد تقدم الوجه في ذلك. فرع: ولو أوصى بنصف ماله مثلا فأجاز الورثة ثم قالوا: ظننا أنه قليل، قضى

 

عليهم بما ظنوه واحلفوا على الزائد قال المحقق قدس سره: وفيه تردد. (1) أقول: أم وجه الحكم على الورثة بما ظنوه لأنهم أقروا واعترفوا بإجازة هذا المقدار، وأم أحلافهم على عدم إجازة الزائد فلأجل أنهم منكرون إجازة الزائد، والموصى له يكون مدعيا لإجازة الزائد، والأصل مع الورثة، أي أصالة عدم صدور الإجازة بالنسبة إلى الزائد، أو أصالة عدم العلم بالزائد. هذا، مضافا إلى أن هذه الدعوى مما لا يعلم إل من قبلهم، لأن ما يدعون من كونهم ظانين بالقلة أمر مخفي على غيرهم، فلا يطلبون بالبينة، لعدم إمكان إقامتها على مثل تلك الدعوى غالبا، لعدم إطلاع الغير على الضمائر وما في النفس إلا من إخبار وإظهار صاحب الضمير، وفي مثل هذه الدعوى لا يكلف المدعى بالبينة، فلا يبقى ميزانا للقضاء إلا الحلف، ولذلك يحلف. وأما وجه تردد والمحقق قدس سره لأن المسألة ذات وجهين: أحدهما: ما ذكرنا من أن الورثة يقضى عليهم بما ظنوه، لأنهم أقروا واعترفوا بإجازة ذلك المقدار، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز (2). وسماع قولهم بالنسبة إلى الزائد عما ظنوه، لمطابقة دعواهم للأصل، فيكونون منكرين على حسب موازين باب القضاء، وعليهم الحلف لا البينة. والوجه الثاني: هو أن اعترافهم بأنهم أجازوا النصف مثلا أو ما هو زائد على الثلث حجة عليهم، فقولهم: ظننا أنه قليل من قبيل الإنكار بعد الإقرار فلا يسمع، وذلك لأن ظواهر الألفاظ وم هو المتفاهم منها عند العرف حجة. ولذلك في باب الأقارير لو أقر بلفظ وكان ذلك اللفظ ظاهرا في معنى، فأنكر

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 247. 2. عوالي اللئالي ج 1، ص 223، ح 104، ج 2، ص 257، ح 3، ج 3، ص 442، ح 5، وسائل الشيعة ج 16، ص 33، أبواب الإقرار، باب 3، ح 2. (*)

 

كون ذلك المعنى الظاهر مراده وقال: إن مرادي كان شيء آخر، لا يسمع منه بل يؤخذ بإقراره، أي بما هو ظاهر كلامه ويحسب دعوى إرادة خلاف ما هو ظاهر الكلام من الإنكار بعد الإقرار الذي لا يسمع. وحيث لم يظهر عنده ترجيح أحد هذين الوجهين لذا أظهر التردد في الوجه الأول الذي ذكرناه. ولكن أنت خبير بأن ظواهر الألفاظ حجة على المتكلم ما لم يعلم أنه أراد خلاف الظاهر، واحتملنا أنه أراد ما هو ظاهر اللفظ ولذلك في مقام الإقرار يثبت عليه ويلزم بما هو ظاهر لفظه، إلا أن يعلم إرادة خلافه. وهذا ليس مخصوصا بظواهر الألفاظ بل حجية كل أمارة موقوفة على عدم العلم بالخلاف، ومع عدم العلم بعدم إرادته ما هو ظاهر اللفظ يستكشف المراد من ظاهر اللفظ. فلو اعترف بأنه أجاز النصف، فادعاؤه بعد ذلك بعدم إرادة النصف الواقعي بل إرادة ما ظن أنه هو النصف لا يسمع، إلا مع العلم بعدم إرادة النصف الواقعي، ولا دليل على إثبات عدم إرادته النصف الواقعي وأنه أراد ما هو مظنونه، لاحتمال أن يكون دعواه دعوى كاذبة وأنه أراد ما هو واقع نصف المال، لا ما هو مظنونة. مثلا لو كان النصف الواقع للمال ألف دينار، وهو يدعي الظن بأنه ألف درهم فيدعي أن إجازتي تعلقت بألف درهم ل بألف دينار، فحيث أن إجازته حسب اعترافه تعلق بعنوان نصف المال، ونصف الواقعي هو ألف دينار لا ألف درهم، فيكون اللفظ كاشفا عن أنه أجاز ألف دينار لا ألف درهم، لا أن يعلم بعدم إرادة النصف الواقعي، وليس في البين علم بذلك، فالتحقيق عدم قبول قول الورثة لاحتمال كذبهم فيما يدعون. هذا كله فيما إذا كانت الوصية بجزء مشاع كالنصف وثلثين وأمثالهما. وأما لو أوصى بعين معينة خارجية، كداره المعينة، أو بستانه المعين المعلوم، فأجازوا هذه

 

الوصية ثم ادعوا أنهم ظنوا أنها ليست أزيد من الثلث، أو يكون أزيد بيسير على تقدير الزيادة، لم يلتفت إلى دعويهم ولا يسمع، لأن الإجازة في هذا الفرض تعلقت بعين خارجية معينة معلومة، لا إجمال لها ولا إبهام فيها. فالفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة هو ما ذكرنا من عدم الإجمال والإبهام في هذه الصورة لأن الموصى به فيه معين معلوم وشخص خارجي يمتنع صدقه على المتعدد، بخلاف الصورة السابقة فإن الموصى به فيها حيث أنه كسر مشاع يمكن أن يشتبه فيه من حيث القلة والكثرة، ولذلك هنا لا تسمع دعوى الورثة، لعدم تطرق الجهل والاشتباه بخلاف هناك ولذلك تسمع دعواهم. ولكن التحقيق عدم الفرق بين الصورتين، لوحدة المناط فيهما، وهو كما ذكرنا حجية الظهورات وما هو المتفاهم عرفا من الكلام، ولذلك عند العرف يؤخذ المتكلم بما هو ظاهر كلامه. وقد صرح الفقهاء قدس سره بذلك في باب الوصايا والأقارير والأجازات في المعاملات والعقود التي تقع فضولة. ولا فرق بين أن يكون متعلق الإجازة هو الكسر المشاع أو شخص خارجي معين معلوم في الظهور العرفي. وكشفه عن مراد المتكلم وحجيته في ذلك ما لم يعلم أن مراده خلاف هذا الظهور، فالحق في المقامين عدم سماع دعوى الورثة. الكلام في الوصايا المبهمة فرع: لو أوصى بجزء من ماله وردت روايات مفادها حمل الجزء من المال على العشر منه، مستدلا بقوله تعالى: (قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) (1) وكانت الجبال عشرة، فعبر الله تعالى عن كل عشر بالجزء، فيحمل الجزء من الشيء على عشره تبعا لاستعماله في الكتاب العزيز

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 262. (*)

 

بهذا المعنى، والإمام عليه السلام استدل بهذه الآية على أن المراد من جزء الشيء هو عشرة في روايات: منها: رواية أبان بن تغلب قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجزء واحد من عشرة، لأن الجبال عشرة والطيور أربعة . (1). ومنها: رواية عبد الله بن سنان، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: إن امرأة أوصت إلى وقالت: ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلانة، فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى فقال: ما أرى لها شيئا، ما أدري م الجزء. فسألت عنه أبا عبد الله عليه السلام بعد ذلك وخبرته كيف قالت المرأة وبم قال ابن أبى ليلى، فقال عليه السلام: كذب ابن أبي ليلى، لها عشر الثلث إن الله عز وجل أمر إبراهيم عليه السلام فقال: (اجعل على كل جبل منهن جزءا) وكانت الجبال يومئذ عشرة، فالجزء هو العشر من الشيء (2). وروى الشيخ هذه الرواية بإسناده عن عبد الله بن سنان بدون واسطة عبد الرحمن بن سيابة فتكون صحيحة. ورواها معاوية بن عمار أيض كذلك. (3) ومنها: رواية أبان بن تغلب، عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يوصى بجزء من ماله، قال عليه السلام: إن الجزء واحد من عشرة، لأن الله يقول: (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) وكانت الجبال عشرة والطير أربعة، فجعل على كل جبل منهن حزء (4).

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 40، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 3، تهذيب الأحكام ج 1، ص 209، ح 826، باب الوصية المبهمة، ح 3، الاستبصار ج 4، ص 132، ح 496، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 442، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 39، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 1، تهذيب الأحكام ج 9، ص 208، ح 824، باب الوصية المبهمة، ح 1، الاستبصار ج 4، ص 131، ح 494، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 442، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 2. 3. الكافي ج 7، ص 40، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 2، الفقيه ج 4، ص 205، باب الوصية بالشيء من المال...، ح 5476، تهذيب الأحكام ج 9، ص 208، ح 825، باب الوصية المبهمة، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 443، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 3. 4. معاني الأخبار ص 217، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 443، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 4. (*)

 

ومنها: ما في تفسير العياشي عن عبد الصمد بن بشير، عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث أنه سئل عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال: هذا في كتاب الله بين، إن الله يقول: (فاجعل على كل جبل منهن جزءا) وكانت الطير أربعة والجبال عشرة، يخرج الرجل من كل عشرة أجزاء جزءا واحد (1). ومنها: رواية أبى جعفر بن سليمان الخراساني، عن رجل من أهل خراسان في حديث: أن رجلا مات وأوصى إليه بمائة ألف درهم، وأمره أن يعطى أب حنيفة منها جزءا، فسأل عنها جعفر بن محمد عليه السلام وأبو حنيفة حاضر، فقال له جعفر بن محمد عليه السلام: ما تقول فيها يا أبا حنيفة؟ فقال: الربع. فقال: لابن أبى ليلى؟ فقال: الربع. فقال جعفر بن محمد عليه السلام: ومن أين قلتم الربع؟ فقالوا: لقول الله عز وجل (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا قد علمت الطير أربعة فكم كانت الجبال؟ إنما الأجزاء للجبال ليس للطير . فقالوا: ظننا أنها أربعة. فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا ولكن الجبال عشرة (2). ومنها: رواية على بن أسباط، عن الرضا عليه السلام في حديث قال: والجزء واحد من عشرة (3). ومنها: رواية أبى بصير، عن أبى عبد الله عليه السلام في رجل أوصى بجزء من ماله، قال: جزء من عشرة، وقال: كانت الجبال عشرة (4).

 

(هامش)

 

1. تفسير العياشي ج 1، ص 145، ح 476، وسائل الشيعة ج 13، ص 444، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 8. 2. تفسير العياشي ج 1، ص 145، ح 476، وسائل الشيعة ج 13، ص 445، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 9. 3. تفسير العياشي ج 1، ص 143، ح 472، وسائل الشيعة ج 13، ص 446، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 10. 4. تهذيب الأحكام ج 9، ص 209، ح 827، باب الوصية المبهمة، ح 4، الاستبصار ج 4، ص 132، ح 497، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 4، وسائل الشيعة ج 13، ص 446، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 11. (*)

 

وفى قبال هذه الروايات وردت روايات أخر مفادها تفسير الجزء بواحد من سبعة، فإذ أوصى بجزء من ثلث ماله فيكون الموصى به سبع الثلث، وإذا أوصى بجزء من ماله فيكون الموصى به سبع جميع ماله: منها: رواية أحمد بن أبى نصر البزنطى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بجرء من ماله؟ فقال عليه السلام: واحد من سبعة، إن الله تعالى يقول: (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) (1) (2). ومنها: رواية اسماعيل بن همام الكندى عن الرضا عليه السلام في الرجل أوصى بجزء من ماله قال: الجزء من سبعة إن الله تعالى يقول: (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم) (3). ومنها: رواية حسين بن خالد، عن أبى الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال: سبع ثلثه (4). والمراد أن الميت ليس له إلا ثلث ماله، فإذا كان جزء الشيء سبعة وماله ثلثه فإذا أوصى بجزء من ماله يكون سبع ثلثه. ولا شك في تعارض هذه الطائفة مع الطائفة الأولى. وقد جمع الشيخ قدس سره بينهما بحمل الطائفة الأولى على الوجوب بمعنى أنه يجب على الوصي أو الورثة إنفاذ الوصية

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 209، ح 828، باب الوصية المبهمة، ح 5، الاستبصار ج 4، ص 132، ح 499، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 446، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 12. 2. الحجر (15): 44. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 209، ح 829، باب الوصية المبهمة، ح 6، الاستبصار ج 4، ص 132، ح 499، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 447، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 13. 4. تهذيب الأحكام ج 9، ص 209، ح 831، باب الوصية المبهمة، ح 8، الاستبصار ج 4، ص 133، ح 501، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 447، أبواب أحكام الوصايا، باب 54، ح 14. (*)

 

بالجزء بواحد من العشرة، أي لا يجوز إعطاء الأقل من هذا، والطائفة الثانية على الاستحباب، بمعنى أنه يستحب على الورثة إنفاذها بواحد من السبعة. (1) والتحقيق في باب الوصايا المبهمة التي هي محل بحثنا هو أنه لو كان الإبهام من ناحية اللفظ وإجماله، فإن كان تفسير من قبل الشارع في كلام ثبتت حجيته من حيث الصدور ودلالته من حيث الظهور، فيجب الأخذ به تعبدا لا من باب دلالة ذلك الكلام المجمل وكشفه عن مراد المتكلم. ففي باب الوصايا والأقارير لو كان مثل هذا الكلام مثل ما نحن فيه لو أوصى بجزء من ماله لشخص، والشارع الأقدس فسر الجزء بالعشر أو السبع على اختلاف الروايات في هذه المسألة، فلا يمكن أن يقال: إن مراد المتكلم هو الشعر أو السبع، لعدم ظهور كلامه في هذا المعنى حسب طريقة أهل المحاورة، بل حكم تعبدي يجب الأخذ به تعبد والعمل به، وذلك لولاية الشارع على أنفس المؤمنين وعلى أموالهم بطريق أولى، ولقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (2). فمقتضى القواعد الأولية في المقام هو أنه لو كان الكلام مجملا ولم يكن له ظهور يكون وجوده كالعدم، فإذا لم يكن دليل آخر على الحكم لا بد وأن يرجع إلى العمومات والاطلاقات الأولية وفى المقام هي أدلة الإرث. ولا مجال للرجوع إلى اطلاقات أدلة الوصية، لأن المفروض أن وصيته مجملة ل يفهم منها شيء. نعم إذا ثبت أن الشارع فسر الكلام يجب الأخذ به تعبدا، وفى المقام أخبار التفسير كما عرفت متعارضة، فإذا كان الممكن جمع عرفي فهو، وإلا وجب العمل بقواعد باب التعارض من الترجيح مع وجود المرجح والتخيير مع فقده. وها هنا الترجيح من حيث السند مع روايات السبع، وذلك من جهة أن رواية

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 210، ذيل ح 831، الاستبصار ج 4، ص 133، ذيل ح 501. 2. الأحزاب (33): 6. (*)

 

أحمد بن أبى نصر البزنطى صحيحة بلا إشكال، وأما رواية عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه السلام إن كانت بدون وساطة عبد الرحمن بن سيابة فصحيحة بلا إشكال، ولكن الظاهر أنها بواسطة عبد الرحمن بن سيابة، لأنه من المستبعد جدا أن يسأل عبد الله بن سنان الفقيه الجليل الإمامي عن ابن أبى ليلى، فهذه قرينة على أن السائل غيره وهو عبد الرحمن بن سيابة الذي واسطة بينه وبين الإمام عليه السلام. فالإنصاف أن روايات تفسير الجزء بالسبع أصح سندا، وإن كانت روايات العشر أكثر عددا، ومعلوم أن الترجيح من حيث السند مقدم على كثرة العدد. ولكن قولنا إن روايات السبع أصح سندا مبنى على أن تكون رواية عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه السلام بواسطة عبد الرحمن سيابة، وإلا لو كانت بدون واسطة فليست روايات السبع أصح سندا. هذا، مضافا إلى أن الجمع الذي ذكره الشيخ بين الطائفتين بحمل روايات السبع على الاستحياب على الورثة أن يعطوا للموصى له سبع المال، لو كان جمعا عرفيا كما هو كذلك فلا تعارض كى تصل النوبة إلى الترجيح بالسند. ولا ينافى ذلك ما ذكرنا من استبعاد أن يكون السائل عن أبى ليلى هو عبد الله بن سنان، لأن ذلك غاية ما يدل هو أن الراوى عن الإمام عليه السلام ليس عبد الله بن سنان بلا واسطة، بل هو عبد الرحمن سيابة والرواية ضعيفة سندا. ولكن بعد ما قلنا بالجمع العرفي فلا تصل النوبة إلى الترجيح كى يقال إن رواية أحمد بن أبى نصر البزنطى أصح سندا، فالترجيح معها. فالأولى والأحسن هو ما ذهب إليه الشيخ قدس سره وجمع آخر من الأساطين إلى أن المستحب على الوارث إعطاء السبع وإن كان ليس ملزما إلا بالعشر. فرع: لو أوصى له بسهم من ماله كان للموصى له ثمنه، ولو أوصى له بشيء

 

كان له السدس. أما الأول فلصحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أوصى بسهم من ماله، فقال عليه السلام: السهم واحد من ثمانية، ثم قرأ: (إنم الصدقات للفقراء والمساكين) (1) إلى آخر الآية (2). ورواية صفوان وأحمد بن محمد بن أبى نصر قالا: سألنا الرضا عليه السلام عن رجل أوصى لك بسهم من ماله ولا ندرى السهم أي شيء هو؟ فقال عليه السلام: ليس عندكم فيما بلغكم عن جعفر ولا عن أبى جعفر عليه السلام فيها شيء؟ فقلنا له: ما سمعنا أصحابنا يذكرون شيئا من هذا عن آبائك عليهم السلام قال: فقال: السهم واحد من ثمانية إلى أن قال: قول الله عز وجل: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل) ثم عقد بيده ثمانية قال: وكذلك قسمها رسول الله صلى الله عليه وآله على ثمانية أسهم، فالسهم واحد من ثمانية (3). ورواية محمد بن محمد المفيد في الإرشاد قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى عند الموت بسهم من ماله ولم يبينه فاختلف الورثة في معناه، فقضى عليهم بإخراج الثمن من ماله وتلى عليهم: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) إلى آخره، وهم ثمانية أصناف، لكل صنف منهم سهم من الصدقات. (4) وروايات أخر بهذا المضمون. (5)

 

(هامش)

 

1. التوبة (9): 60. 2. تهذيب الأحكام ج 9، ص 209، ح 828، باب الوصايا المبهمة، ح 5، الاستبصار ج 4، ص 133، ح 501، باب من أوصى بجزء من ماله، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 448، أبواب أحكام الوصايا، باب 55، ح 1. 3. الكافي ج 7، ص 41، باب من أوصى بسهم من ماله، ح 2، معاني الأخبار ص 216، ح 2، تهذيب الأحكام ج 9، ص 210، ح 833، باب الوصية المبهمة، ح 10، الاستبصار ج 4، ص 133، ح 503، باب من أوصى بسهم من ماله، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 448، أبواب أحكام الوصايا، باب 55، ح 2. 4. الإرشاد للمفيد، ج 1، ص 221، وسائل الشيعة ج 13، ص 450، أبواب أحكام الوصايا، باب 55، ح 7. 5. وسائل الشيعة ج 13، ص 448، أبواب أحكام الوصايا، باب 55. (*)

 

نعم هناك روايتان أخريان: إحديهما: رواية طلحة بن زيد، عن أبى عبد الله عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال: من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة (1). الثانية: رواية محمد بن على بن الحسين قال: وقد روى أن السهم واحد من ستة (2). أقول: أما رواية العشر فمن الشواذ التي لا يعلم بها قائل، ونسبه الشيخ (3) إلى وهم الراوى وأنه سمعه فيمن أوصى بجزء من ماله فظنه السهم، أو أنه ظن أن السهم والجزء واحد، وعلى كل فالرواية متروكة لم يعمل بها أحد. وأما مرسلة الصدوق وما روى عن ابن مسعود أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله السدس، فأعرض عنها المشهور، فلا تقاوم الروايات الكثيرة التي بعضها صحيحة، وإن عمل بهم الشيخ في أحد قوليه. (4) وأما ما قيل: إن السهم في كلام العرب هو السدس، فلم يثبت ولا أساس له. فرع: لو أوصى بشيء من ماله لرجل فله السدس إجماعا، لرواية أبان عن على بن الحسين عليهما السلام أنه سئل عن رجل أوصى بشيء من ماله فقال: الشيء في كتاب على واحد من ستة (5) والقول بأنه العشر شاذ.

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 211، ح 834، باب الوصية المبهمة، ح 11، الاستبصار ج 4، ص 134، ح 504، باب من أوصى بسهم من ماله، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 449، أبواب أحكام الوصايا، باب 55، ح 4. 2. الفقيه ج 4، ص 204، باب الوصية بالشيء من المال والسهم...، ح 5475، معاني الأخبار ص 216، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 449، أبواب أحكام الوصايا، باب 55، ح 5. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 211، ذيل ح 11، الاستبصار ج 4، ص 134. 4. المبسوط ج 4، ص 8. 5. الكافي ج 7، ص 40، باب من أوصى بشيء من ماله، ح 1، الفقيه ج 4، ص 204، باب الوصية بالشيء (*)

 

فرع: لو أوصى بوجوه فنسى الموصى وجها منها، جعله الوصي في وجوه البر. هذا أحد القولين في المسألة، وإليه ذهب المشهور. والقول الآخر: أنه يرجع ميراثا. والقائل به ابن إدريس (1)، ونسب إلى الشيخ أيضا في بعض فتاواه (2)، ولكن في كتبه وافق المشهور بأن يجعله الوصي في وجوه البر. والأقوى هو قول المشهور، وذلك أولا لرواية محمد بن ريان قال: كتبت إلى أبى الحسن عليه السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها كيف يصنع في الباقي؟ فوقع: الأبواب الباقية اجعلها في البر (3)، وروى هذه الرواية بعدة طرق. وثانيا: أنه بعد ما خرج عن ملك الموصى والورثة بعد موت الموصى، فيكون من قبيل مال المجهول المالك، وبعد نسيان مصرفه فيصرفه في وجوه البر، لأنه في الغالب أقرب إلى ما يريد الموصى، بل يمكن أن يقال إن صرفه في وجوه البر حيث أنه يرجع إلى الجهات العامة للمسلمين يكون من الصدقة التي هي مصرف مجهول المالك. وثالثا: على هذا فتوى المشهور، وهو مما يؤيده قوة حجية رواية محمد بن ريان. ورابعا: حكمهم عليهم السلام بالصرف في وجوه البر في نظائر المقام، كما إذا أوصى بمال أن يحج عنه مع عدم كفاية ذلك المال للحج عنه، وذلك في رواية علي بن

 

(هامش)

 

من المال...، ح 5473، تهذيب الأحكام ج 9، ص 211، ح 835، باب الوصية المبهمة، ح 12، وسائل الشيعة ج 13، ص 450، أبواب أحكام الوصايا، باب 56، ح 1. 1. السرائر ج 3، ص 209. 2. النهاية ص 613. 3. الكافي ج 7، ص 58، باب النوادر، ح 7، الفقيه ج 4، ص 218، باب الرجل يوصى بوصية فينساها...، ح 5513، تهذيب الأحكام ج 9، ص 214، ح 844، باب الوصية المبهمة، ح 21، وسائل الشيعة ج 13، ص 453، أبواب أحكام الوصايا، باب 61، ح 1. (*)

 

مزيد صاحب السابرى قال: أوصى إلى رجل بتركته وأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك، فإذا هي شيء يسير لا يكفى للحج إلى أن قال: فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال: ما صنعت به ؟ قلت: تصدقت بها قال عليه السلام: ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان، وإن كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن (1). فقد حكم عليه السلام بعدم الضمان وصحة الصدقة فيما إذ لم يبلغ المال قدر ما يحج به عنه من مكة. نعم نبه الإمام عليه السلام الوصي على أمر، وهو أن المراد من عدم بلوغ المال قدر ما يكفى الحج هو عدم بلوغه حتى من مكة، بأن يكون حج إفراد، أو من أقرب المواقيت مثلا لو كان المال يكفى للإحرام من الحديبية بل من أول الحرم، فهذا ليس من عدم البلوغ. وأما القول الآخر - أي رجوعه ميراثا الذي قال به ابن إدريس ونقله عن الشيخ - فمستنده أن الوصية بعد عدم إمكان العمل بها تبطل، فيرجع المال إلى صاحبه وهو الوارث. وفيه: أن العجز عن العمل بها ل يوجب بطلانها، لأنه غالبا يكون من قبيل تعدد المطلوب. مثلا لو أوصى بعمارة مسجد أو مدرسة تكون مساحة كل واحد منهما ألف متر ولا يوجد المكان الذي يسع هذا المقدار، بل في ذلك المكان المعين الذي عينه الموصى للمسجد أو للمدرسة توجد أرض بسعة تسعمائة مترا، والمال الذي عين لبناء المدرسة ذات طبقتين لا يفى بذلك، ولكن يمكن عمارة مدرسة ذات طبقة واحدة، فلا شك في أن القسم الأول هو مطلوبه الكامل، لا أن المطلوب منحصر به فلو بنى

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 21، باب أن الوصي إذا كانت الوصية في حق...، ح 1، الفقيه ج 4، ص 207، باب ضمان الوصي لما يغيره...، ح 5482، تهذيب الأحكام ج 9، ص 228، ح 896، باب وصية الإنسان لعبده وعتقه له، ح 46، وسائل الشيعة ج 13، ص 419، أبواب أحكام الوصايا، باب 37، ح 2. (*)

 

مسجدا سعة تسعمائة متر ليس بمطلوبه أصلا وكذلك مدرسة ذات طبقة واحدة ليس بمطلوبه أصلا، فلا شك في مطلوبية هذا القسم عند تعذر القسم الأول، نعم هو المطلوب الأكمل وهذا أيضا له مرتبة من المطوبية، ولعل هذا هو المناط في قاعدة الميسور ومالا يدرك كله لا يترك كله. هذا إذا كان العجز من أول الأمر. وأما العجز الطارى عن بعض مراتب الوصية فلا يوجب بطلانها يقينا، كما أنه في الوقف الذي طرأ العجز العمل به تمام كما أراد الواقف فالمشهور على أنه لا يبطل الوقف ولا يرجع إلى ملك الواقف فيرثه الوارث، بل يصرف فيما هو أقرب إلى الجهة التي وقف عليها، لأن الرجوع إلى ملك الوارث يحتاج إلى دليل مفقود في المقام. مضافا إلى أن الرجوع إلى ملك الوارث لا معنى له في المقام، لأنه كان ملكا للموصى وهو ملك الموصى له أو أخرج عن ملكه لعنوان من العناوين كالعلماء والسادات، أو لجهة من الجهات كالصرف في عزاء سيد الشهداء عليه السلام أو جهة أخرى من شعائر الدين ولم ينتقل إلى الوارث أصلا. وأما الرجوع إلى ملك الموصى فإن كانت الوصية انعقدت صحيحة وخرجت عن ملكه بعد موته فطرأ النسيان ولذلك تعذر صرفها في مصرفها الذي عين الموصى لها، فحال الموصى مع سائر الناس بالنسبة إليها سواء، فلا بد وأن يقال إما أن يصير كالمباحات الأصلية فلكل أحد أن يتصرف فيها. وهذا مما لا يمكن أن يلتزم به فقيه، فالأقوى - بل المتعين - صرفها في وجوه البر، فإنها بعض مطلوب الموصى، وما لا يدرك كله لا يترك كله. فرع: ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته بأنه لا يرث من تركته، فهل تقع هذه الوصية صحيحة أم لا؟ فيه خلاف بين الأصحاب، والمشهور عدم الصحة،

 

لأنها مخالف للكتاب والسنة. أما مخالفتها للكتاب فلقوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) (1) إلى آخر. ولقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (2). وأيضا لقوله تعالى: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) (3). وأم السنة فراويات: منها: رواية السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام قال: قال على عليه السلام: ما أبالى أضررت بولدى أو سرقتهم ذلك المال (4). ومنه: أيضا عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام قال: قال على عليه السلام: من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته (5). ومنها: رواية محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل توفى وأوصى بماله كله أو أكثره، فقال له: الوصية ترد إلى المعروف غير المنكر، فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف فإنها ترد إلى المعروف ويترك لأهل الميراث ميراثهم الحديث (6) وروى هذه الرواية بعدة طرق ذكرها في الوسائل.

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 181. 2. النساء (4): 10. 3. الاحزاب (33): 6. 4. الفقيه ج 4، ص 183، باب ما جاء في الاضرار بالورثة، ح 5418، تهذيب الأحكام ج 9، ص 174، ح 710، باب في الوصية ووجوبها، ح 10، وسائل الشيعة ج 13، ص 356، أبواب أحكام الوصايا، باب 5، ح 1. 5. الكافي ج 7، ص 62، باب النوادر، ح 18، الفقيه ج 4، ص 182، باب ثواب من أوصى فلم يحف ولم يضار، ح 5414، تهذيب الأحكام ج 9، ص 174، ح 709، باب في الوصية ووجوبها، ح 9، وسائل الشيعة ج 13، ص 356، أبواب أحكام الوصايا، باب 5، ح 2. 6. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 4، الفقيه ج 4، ص 186، باب ما يجب (*)

 

ومنها: رواية محمد بن سوقة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) (1) قال عليه السلام: نسخته الآية التي بعدها قوله عز وجل (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه) قال: يعنى الموصى إليه إن خاف جنفا من الموصى فيما أوصى به إليه مما لا يرضى الله عز ذكره من خلاف الحق فلا إثم عليه، أي على الموصى إليه أن يرده إلى الحق وإلى ما يرضى الله عز وجل فيه من سبيل الخير (2). ومنها: رواية على بن إبراهيم عن رجاله قال: قال: إن الله أطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف وكان فيها حيف، ويردها إلى المعروف، لقوله عز وجل (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) إلى آخر (3). والحيف هو الجور على الورثة. ومنها: رواية على بن إبراهيم في تفسيره قال: قال الصادق عليه السلام: إذا أوصى الرجل بوصية فلا يحل للوصي أن يغير وصية يوصى به بل يمضيها، إلا أن يوصى غير ما أمر الله فيعصى في الوصية ويظلم، فالموصى إليه جائز له أن يرده إلى الحق مثل رجل يكون له ورثة فيجعل ماله كله لبعض ورثته ويحرم بعضا، فالوصى جائز له أن يرده إلى الحق وهو قوله تعالى: (فمن خاف من موص جنفا أو إثم) فالجنف هو الميل إلى بعض ورثتك دون بعض، والإثم أن تأمر بعمارة بيوت النيران واتخاد المسكر فيحل للوصي أن لا يعمل بشيء من ذلك (4).

 

(هامش)

 

من رد الوصية إلى المعروف...، ح 5425، تهذيب الأحكام ج 9، ص 192، ح 773، باب الوصية بالثلث و أقل منه وأكثر، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 358، أبواب أحكام الوصايا، باب 8، ح 1. 1. البقرة (2): 181. 2. الكافي ج 7، ص 21، باب إن من حاف في الوصية...، ح 2، تهذيب الأحكام ج 9، ص 186، ح 747، باب الرجوع في الوصية، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، ص 421، أبواب أحكام الوصايا، باب 38، ح 1. 3. الكافي ج 7، ص 20، باب أن من حاف في الوصية...، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 422، أبواب أحكام الوصايا، باب 38، ح 2. 4. تفسير القمي ج 1، ص 65، وسائل الشيعة ج 13، ص 420، أبواب أحكام الوصايا، باب 37، ح 4. (*)

 

ومنها: رواية سعد بن سعد قال: سألته - يعنى أبا الحسن الرضا عليه السلام - عن رجل كان ابن يدعيه فنفاه وأخرجه من الميراث وأنا وصيه فكيف أصنع؟ فقال عليه السلام: لزمه الولد لإقراره بالمشهد لا يدفعه الوصي عن شيء قد علمه (1). وهذه الروايات كما ترى تدل على عدم جواز الجور والخروج عن الجادة في الوصية بأن يضر ببعض الورثة ويخرجه عن تركته وميراثه، وإن اثم وفعل فلا يجوز إمضاؤه فيما صنع من الحيف والجور، بل يجب رده مما صنع وتحويله إلى الحق. هذا، مضافا إلى أن إخراجه عن تركته إما بنفي كونه ولدا له، وهذا بعد إقراره به لا مجال له ولا يسمع، لأنه من الإنكار بعد الإقرار. وإما بنفى كونه وارثا مع الإقرار بأنه ولد، وهذا يرجع إلى إنكار الحكم الشرعي الثابت بالأدلة القطعية، وهو واضح البطلان. وإما بمنعه عن حقه بواسطة الوصية، وهذا هو الجنف والحيف المنهى عنه. نعم وردت رواية في إنفاذ مثل هذه الوصية في حق الولد الذي وقع على أم ولد أبيه، وهى ما رواه محمد بن يحيى عن وصى على بن السرى قال: قلت لأبى الحسن عليه السلام: إن على بن السرى توفى وأوصى إلي فقال رحمه الله فقلت وإن ابنه جعفر وقع على أم ولد له فأمرني أن أخرجه من الميراث، فقال لى: أخرجه إن كنت صادقا فسيصيبه خبل قال: فرجعت فقد منى إلى أبى يوسف القاضى فقال له: أصلحك الله أنا جعفر بن على بن السرى وهذا وصى أبى فمره فليدفع إلى ميراثي من أبى فقال لى: ما تقول؟ فقلت: نعم هذا جعفر بن على بن السرى وأنا وصى على بن السرى قال: فادفع إليه ما له. قلت: أصلحك الله أريد أن أكلمك. قال: فادن فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت هذا وقع على أم ولد لأبيه فأمرني أبوه وأوصى إلى أن أخرجه من الميراث

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 64، باب النوادر، ح 26، الفقيه ج 4، ص 220، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث...، ح 5516، تهذيب الأحكام ج 9، ص 235، ح 918، باب في الزيادات الوصايا، ح 11، الاستبصار ج 4، ص 139، ح 520، باب أن من كان له ولد...، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 476، أبواب أحكام الوصايا، باب 90، ح 1. (*)

 

ولا أورثه شيئا، فأتيت موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأخبرته وسألته، فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا، فقال: إن أبا الحسن عليه السلام أمرك؟ قلت: نعم فاستحلفني ثلاثا ثم قال: انفذ ما أمرك فالقول قوله قال الوصي فأصابه الخبل بعد ذلك (1). ولكن هذه الرواية على تقدير عدم كونها مهجورة متروكة وعدم إعراض الأصحاب عنها ليس مفادها جواز إخراج بعض الورثة عن التركة مطلقا، بل موردها مورد خاص وهو فيما إذا كان المأمور بالإخراج عن التركة هو الولد الذي وقع على أم ولد أبيه، ول مانع من الالتزام بها في مورده. وبعبارة أخرى: هذا حكم تأديبي صدر عن الإمام عليه السلام في مورد ذلك الشخص أو يكون حكم كل من فعل مثل هذا الفعل وارتكب مثل هذه الجريمة جواز إخراجه عن الميراث؟ وحكى في الوسائل (2) عن الصدوق أنه قال: ومتى أوصى الرجل بإخراج ابنه من الميراث ولم يكن أحدث هذا الحدث لم يجز للوصي إنفاذ وصيته في ذلك (3) ونسب إلى الشيخ أنه قال: هذا الحكم مقصور على هذه القضية لا يتعدى إلى غيرها، لأنه لا يجوز أن يخرج الرجل من الميراث المستحق بنسب شائع بقول الموصى وأمره أن يخرج من الميراث إذا كان نسبه ثابتا (4)، ولنعم ما قال.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 61، باب النوادر، ح 15، الفقيه ج 4، ص 219، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث...، ح 5515، تهذيب الأحكام ج 9، ص 235، ح 917، باب في الزيادات الوصايا، ح 10، الاستبصار ج 4، ص 139، ح 521، باب ان من كان له ولد...، ح 2 وسائل الشيعة ج 13، ص 476، أبواب أحكام الوصايا، باب 90، ح 2. 2. وسائل الشيعة ج 13، ص 477، أبواب أحكام الوصايا، باب 90، ح 2. 3. الفقيه ج 4، ص 220، باب إخراج الرجل ابنه من الميراث...، ذيل ح 5515. 4. تهذيب الأحكام ج 9، ص 235، باب في الزيادات الوصايا، ذيل ح 917. ولا يخفى أن كلام الشيخ أخص من كلام الصدوق ويحتمل اتحاد مرادهما قدس الله اسرارهم. (*)

 

ثم إنه قد يحتمل أن يكون مراد الأب من إخراج هذا الولد من التركة إخراجه عن الثلث الذي يملكه هو فكأنه وصيته لغيره بالثلث. وأفرض أنه له ولدين، أحدهما صغير ولا يقدر على إعاشة نفسه من الكسب، والآخر كبير يقدر على ذلك، فهو مراعاة للولد الصغير يخص الثلث بالصغير، وباقى المال - أي الثلثان - يكون بينهما. وهذا على حسب مقتضى القواعد الأولية لا محذور فيه أصلا. أقول: هذا الاحتمال في حد نفسه صحيح لا مانع منه، ولكن الفرض والرواية ليسا ظاهرين في هذا المعنى أصلا. فرع: لو أوصى لغيره بسيف وكان في جفن وعليه حلية، كان السيف له بما عليه وفيه، وذلك من جهة الظهور العرفي لهذا الكلام. وكذلك لو اقر به لشخص. وقد روى أبو جميلة عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف وكان في جفن وعليه حلية؟ فقال له الورثة إنما لك النصل وليس لك السيف، فقال عليه السلام: لا، بل السيف بما فيه له الحديث (1). وروى أيضا احمد بن محمد بن أبى نصر البيزنطي، عن أبى جميلة المفضل بن صالح قال: كتبت إلى أبى الحسن عليه السلام أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف فقال الورثة: إنما لك الحديد وليس لك الحلية ليس لك غير الحديد؟ فكتب عليه السلام إلى: السيف له وحليته (2). وأيضا لو أوصى بصندوق لغيره وكان فيه مال، كان الصندوق بما فيه من المال

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 44، باب بدون العنوان، ح 1، الفقيه ج 4، ص 217، باب الرجل يوصى لرجل بسيف...، ح 5509، تهذيب الأحكام ج 9، ص 211، ح 837، باب الوصية المبهمة، ح 14، وسائل الشيعة ج 13، ص 451، أبواب أحكام الوصايا، باب 57، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 44، باب بدون العنوان، ح 3، تهذيب الأحكام ج 9، ص 212، ح 839، باب الوصية المبهمة، ح 16، وسائل الشيعة ج 13، ص 451، أبواب أحكام الوصايا، باب 57، ح 2. (*)

 

للموصى له. وفيه أيضا رواية عن على بن عقبة، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى لرجل بصندوق وكان في الصندوق مال، فقال الورثة: إنما لك الصندوق وليس لك ما فيه، فقال: الصندوق بما فيه له (1). وأيضا لو أوصى لشخص بسفينة وفيها طعام، فهى وما فيها من الطعام للموصى له. وأيضا فيها رواية عن عقبة بن خالد، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل قال هذه السفينة لفلان ولم يسم م فيها وفيها طعام أيعطيها الرجل وما فيها؟ قال عليه السلام: هي للذى أوصى له به إلا أن يكون صاحبها متهما وليس للورثة شيء (2). وروى الصدوق هذه الرواية إلا أنه قال في آخره: إلا أن يكون صاحبها استثنى مما فيه (3). وقد تقدم أنه في باب الوصايا والأقارير يلزم الأخذ بما هو ظاهر الكلام حسب المتفاهم العرفي، وقد خص الفقهاء قدس سره هذه الموارد بالذكر لوجود الروايات المتقدمة، وإلا فلا خصوصية له كما هو واضح. فرع: لو أوصى بلفظ مجمل لم يفسره الشرع، رجع في تفسيره إلى الوارث، كقوله: أعطوا فلانا حظا من مالى أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا وأمثال مما ليس له حد معين ومفهوم مبين عند العرف وأهل المحاورة.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 44، باب بدون العنوان، ح 4، تهذيب الأحكام ج 9، ص 212، ح 840، باب الوصية المبهمة، ح 17، وسائل الشيعة ج 13، ص 452، أبواب أحكام الوصايا، باب 57، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 44، باب بدون العنوان، ح 2، تهذيب الأحكام ج 9، ص 212، ح 838، باب الوصية المبهمة، ح 15، وسائل الشيعة ج 13، ص 452، أبواب أحكام الوصايا، باب 59، ح 1. 3. الفقيه ج 4، ص 217، باب الرجل يوصى لرجل بسيف...، ح 5510، وسائل الشيعة ج 13، ص 452، أبواب أحكام الوصايا، باب 59، ح 1. (*)

 

هذا ما قاله في الشرائع (1)، ولكن لم نفهم وجها للرجوع إلى الوارث في تفسير هذه الألفاظ، بل المعتبر في تشخيص مراد الموصى هي الظهورات عند أهل المحاورة، وحال الوارث مع غيره في ذلك سواء. اللهم إلا أن يقال: إن الوارث خصوصا إذا كان من الأقرباء الأقربين كأولاده المعاشرين معه عارف بالمعنى الذي يريد من هذه الألفاظ، فيكون التبادر إلى أذهانهم - بواسطة الأنس باستعمالاته - دليلا على أن مراده من هذه الألفاظ هو هذا المعنى الذي تبادر إلى أذهانهم، وإلا فلا وجه للرجوع إليهم أصلا، بل الصحيح هو أنه لو استعمل الألفاظ المجملة في وصيته أو إقراره يكون كلامه غير حجة وكأنه لم يكن، فالمرجع هي الأصول العملية. ويمكن أن يكون المراد من الرجوع في تفسيره هذه الألفاظ إلى الوارث من جهة أن التركة بين الموصى له والوارث، فأي مقدار عين للفظ إما واقعا للموصى له فيعطيه ما هو حقه وملكه، وإما تمامه أو بعضه ملك للوارث، فهو باختياره يعينه للموصى له وله ذلك، لأن الناس مسلطون على أموالهم. ولكن يظهر من عبارة الشيخ قدس سره في المبسوط أن هذه الألفاظ حيث أن إجمالها بواسطة صدقها على القليل والكثير، فالوارث مخير بين تطبيقها على القليل والكثير، بل وعلى أي مرتبة من مراتب مصاديق هذه الألفاظ فله حق التفسير والتطبيق، لذلك يرجع إليه في التفسير. وأما احتمال أن يكون تفسيره وتطبيقه على أقل مما يستحقه الموصى له فليس له هذا الحق، مدفوع بأصالة عدم استحقاقه للزائد. ولعل هذا أحسن الوجوه لهذا الحكم، أي للرجوع إلى الوارث في تفسيرها. قال في المبسوط: إذا قال لفلان: حظ من مالى أو نصيب أو قليل، فإنه يرجع

 

(هامش)

 

1. شرائع الإسلام ج 2، ص 249. (*)

 

إلى الورثة (1). ولو تعذر الرجوع إلى الوارث لغيبته، أو لامتناعه عن التفسير، أو لصغره وعدم الاعتبار بكلامه، أو لجنونه قال في المسالك: أعطى أقل ما يصدق عليه الاسم، أي اسم ذلك اللفظ المجمل، لأنه القدر المتيقن. (2) وفيه نظر واضح، لتعارض الحقين، أي حق الموصى له وحق الوارث. ومن هذه الألفاظ المجملة لفظ كثير فلو أوصى وقال: أعطوا الفلان مالا كثيرا من تركتي، فقال جماعة: إنه يعطى له ثمانين من أي شيء كان متعلق الوصية درهما أو دينارا أو غيرهما. وذلك للرواية التي وردت في باب النذر أنه لو نذر أن يعطى درهما أو دينارا كثيرا أو غيرهما، فعليه أن يعطى ثمانين مما نذر. واستدل الإمام عليه السلام لهذا التفسير بقوله تعالى: (ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة) (3) وكانت تلك المواطن بعد إحصائها ثمانين. ولكن أنت خبير بأن استعمال اللفظ في مورد في بعض مصاديقه لا يوجب كون المراد من اللفظ دائما ذلك المعنى، ففى نفس مورد الرواية المعتبرة يجب العمل بها مع الإمكان، وفيما سوى ذلك لا بد من الرجوع إلى القواعد الأولية أو الأصول العملية. فرع: يستحب أن تكون الوصية بخمس ماله، ودونه في الفضل الربع، ودونه الثلث. وأما بالأزيد من الثلث فلا ينفذ إل بإجازة الورثة. والمستند رواية محمد بن قيس، عن أبى جعفر عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لأن أوصى بخمس مالي أحب إلى من أن أوصى بالربع، ولأن أوصى بالربع أحب إلى من أن أوصى

 

(هامش)

 

1. المبسوط ج 4، ص 23. 2. المسالك ج 1، ص 401. 3. وسائل الشيعة ج 16، ص 222، أبواب النذر والعهد، باب 3، ح 1 - 4. والآية في سورة التوبة (9): 25. (*)

 

بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك وقد بلغ الغاية (وقد بالغ) (1). ورواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أوصى بالثلث فقد أضر بالورثة، والوصية بالربع والخمس أفضل من الوصية بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك (2). ورواية السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال على عليه السلام الوصية بالخمس، لأن الله عز وجل قد رضى لنفسه بالخمس، وقال: الخمس اقتصاد، والربع جهد، والثلث حيف (3). ورواية مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيه عن على عليه السلام قال: لئن أوصى بالخمس أحب إلى من أن أوصى بالربع، ولأن أوصى بالربع أحب إلى من أن أوصى بالثلث، ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئ (4). في أحكام الوصية فرع: لو أوصى بمنافع أعيان ما يملك، بعضها أو جميعها، لكل ما يملك أو لبعضه،

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 4، الفقيه ج 4، ص 185، باب مقدار ما يستحب الوصية به، ح 5423، تهذيب الأحكام ج 9، ص 192، ح 773، باب الوصية بالثلث وأقل منه و أكثر، ح 5، الاستبصار ج 4، ص 119، ح 453، باب أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 360، أبواب كتاب الوصايا، باب 9، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 11، باب ما للإنسان أن يوصى به بعد موته...، ح 5، الفقيه ج 4، ص 185، باب مقدار ما يستحب الوصية به، ح 5424، تهذيب الأحكام ج 9، ص 191، ح 769، باب الوصية بالثلث وأقل منه و أكثر، ح 1، الاستبصار ج 4، ص 119، ح 451، باب انه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 360، أبواب كتاب الوصايا، باب 9، ح 2. 3. الفقيه ج 4، ص 185، باب مقدار ما يستحب الوصية به، ح 5421، وسائل الشيعة ج 13، ص 362، أبواب كتاب الوصايا، باب 9، ح 3. 4. قرب الإسناد ص 31، علل الشرائع ص 567، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 361، أبواب كتاب الوصايا، باب 9، ح 4. (*)

 

على التأبيد أو مدة معينة صح بلا خلاف. ولا فرق في تلك المنافع الموصى بها بين أن تكون من الأعيان التي لها وجود مستقل بعد الانفصال عن ذيها كالحمل في الدابة، والثمرة في الشجر، واللبن والصوف في الأغنام وغير ذلك، وبين أن لا يكون كذلك كسكنى الدار، والكسب في الدكان، وركاب الدابة وأقسام المراكب، لشمول عمومات وإطلاقات أدلة الوصية. وأما الإشكال بأن تلك المنافع ليست من تركة الميت ولا من أمواله كى يملكه لغيره. ففيه: أن الموصى يملكها حال حياته بتبع العين، بمعنى أن حالها بالنسبة إلى الموصى حال نفس العين، له السلطنة عليها كسلطنته على نفس العين، ولذلك يجوز أن يؤجر العين سنين متعددة ثم يبيعها، فتنتقل العين إلى المشترى مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، وهذا دليل قطعي على أن مالك العين مالك لمنافعها، لأن الإجارة عبارة عن تمليك منافع العين بعوض مالي معلوم، وما لم يكن مالكا كيف يملك الغير وليس صرف التبعية للعين، لأن المفروض أنه باع العين، فالمنافع ملك لشخص والعين ملك لشخص آخر. وكذلك الأمر في الوصية التمليكية بالنسبة إلى المنافع تكون العين ملكا للورثة بعد موت الموصى بالإرث والمنافع ملكا للموصى له بالوصية. نعم لا بد وأن تقوم تلك المنافع التي أوصى بها، وتلاحظ مع مجموع المال المركب منها وما سواها من الأعيان والمنافع بكلا قسميها. ثم إنه لو أوصى لزيد مثلا بركوب دابته سنة أو أكثر، فنفقة الدابة على مالكها لا على الموصى له، لأن المفروض أن النفقة نفقة الملك، والدابة ملك للوارث لا الموصى له وإنما الموصى له مالك المنفعة فقط. ولكن هذا الذي قلنا من كون النفقة على الوارث لا الموصى له مسلم فيما إذا كانت الوصية بالمنافع موقته، وأما لو كان الإيصاء بالمنفعة مؤبدة ففيه إشكال ينشأ من أنه

 

من حيث أن الحيوان ملك للوارث والنفقة نفقة الملك فتجب عليه لأنه مالك، ومن أنه ملك مسلوب المنفعة فإلزام المالك بالنفقة ووجوبها عليه ضرر عليه بدون تدارك، ومثل هذ الحكم منتفي في الشريعة الإسلامية بقوله صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (1) وأيضا بأن من كان له الغنم فعليه الغرم . ومن أجل هذا الإشكال قيل بأن نفقته من بيت المال، لأن المفروض أن منافعه للموصى له، فلا بد وأن يكون نفقته إما على المالك أو على الموصى له أو من بيت المال فإذا نفينا الأولين لما ذكرنا في وجه نفيهما فلا يبقى وجه إلا كونها من بيت المال. ولكن أنت خبير بأن هذه الاستحسانات - مضافا إلى أنها مخدوشة في نفسها ومنقوضة بموارد كثيرة ولا دليل على اعتبارها وذهاب الأكثر إلى أن النفقة على الوارث لا على الموصى له بالمنفعة وإن كانت مؤبدة - لا تعارض إطلاق أدلة وجوب نفقة الملك على المالك إن كان حيوانا، إنسانا كان أو غير إنسان بل وإن كان غير حيوان كالبستان الذي أوصى المالك كون أثماره ومنافعه لشخص، فسقيه وحرثه وتسميده إن كان محتاجا إليها بحيث تموت الأشجار وتتلف على الوارث المالك. وإن كان لا يخلو من الإشكال، وذلك لعدم الدليل على وجوب نفقة البستان على مالكه كي يؤخذ بإطلاقه. وقياسه بنفقة الحيوان أولا قياس باطل، وثانيا مع الفارق. فإذا ظهر أن الوصية بالمنافع التي لعين من أعيان ماله صحيحة موقتة ومؤبدة، فلكل واحد من الوارث والموصى له التصرف فيما يخصه، فللموصى له التصرف في المنافع على وجه لا يضر بالعين أزيد مما هو متعارف في باب الإجارات، بمعنى جواز التصرفات التي يتوقف الانتفاع بها حسب المتعارف في باب الانتفاع فيما إذا ملك الانتفاع بالإجازة لصيرورة المنافع ملكا له، وللوارث التصرف في العين ولكن التصرفات التي لا يضر بمنافعها أو الانتفاع بها بلا خلاف ولا إشكال.

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 334، باب ميراث أهل الملل، ح 5718. (*)

 

وذلك لأن الناس مسلطون على أموالهم ولا شك في أن الإضرار بالغير غير جائز، ونتيجة الجمع بين هذه الأدلة هو جواز تصرف كل واحد منهما في ماله من دون احتياج إلى الإذن من الآخر ولكن مع عدم الإضرار بالآخر. وليس ما نحن فيه من قبيل الشريكين كي يكون التصرف من كل واحد محتاجا إلى إذن الآخر، وذلك لأن الشراكة بناء على الإشاعة كل جزء جزء من المال المشترك يكون بينهما بأحد الكسور إما بالمناصفة أو بالمثالثة وهكذا، فتصرف كل واحد منهما في أي جزء مستلزم للتصرف في مال الآخر، ولذلك يحتاج إلى الإذن. وأما فيما نحن فيه فالمالان متميزان، ومتعلق الملكية في أحدهما العين وفي الآخر المنفعة، فلكل واحد منهما التصرف في ماله من دون الاحتياج إلى إذن. وأما المقدار الذي يلزم من التصرف في ماله التصرف في مال الغير، فهو من لوازم جعل ملكية المنافع للموصى له مثلا، وإلا يلزم أن يكون جعل الملكية له لغوا. ولذلك في باب الإجارة التي هي عبارة عن جعل ملكية سكنى الدار مثلا لزيد مدة معينة بعوض مالي معلوم، بعد وقوع هذا الجعل من طرف المالك وتمامية العقد لا مانع من تصرف زيد في تلك الدار، ول يحتاج إلى الاستيذان من المالك في التصرف فيها لأجل الانتفاع، لأن ملكية منفعة الدار مثلا ملازم مع جواز التصرف فيها وإلا يكون جعل ملكية المنفعة له لغوا. وعلى كل حال من الواضح المعلوم أن كون المنفعة للموصى له والعين للوارث ليس من باب الشركة، لتميز الملكين كل واحد عن الآخر. ويتفرع عليه فروع. الكلام في إثبات الوصية وتثبت الوصية التي عرفت جملة من أحكامها بالبينة، وهي عبارة عن شهادة عدلين كسائر الموضوعات التي لها آثار شرعية، وذلك لعموم حجيتها بالنسبة إلى

 

جميع الموضوعات التي لها آثار شرعية. وقد تقدم في هذا الكتاب (1) الكلام في عموم حجيتها وعدم اختصاصها بباب القضاء. فرع: هل تثبت الوصية بشهادة أهل الذمة عند فقد البينة، أي عدم عدلين مسلمين أم لا؟ لا إشكال في إثبات الوصية وقبول شهادة الذمي عند فقد عدول المسلمين في الجملة، للآية والرواية. أما الآية: فقوله تعالى: (ي أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركما) (2). والمراد (بالآخران من غيركم) هو أن يكونا من أهل الذمة من الكفار، لا مطلق الكفار سواء كانوا حربيين أم ذميين، وذلك لورود الرواية على قبول شهادة أهل الذمة، في ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شهادة أهل الذمة؟ فقال: لا تجوز إلا على أهل ملتهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (3). ويستفاد من هذه الرواية تقييد قبول شهادتهم بأمرين: أحدهما عدم العدول من أهل الإسلام، الثاني انحصار قبول شهادتهم بخصوص الوصية. نعم لو أخذنا بعموم التعليل وهو عدم صلاح ذهاب حق أحد فتصير دائرة القبول أوسع. ولكن أنت خبير بأن مفاد الرواية ليس انحصار من تقبل شهادته بخصوص أهل

 

(هامش)

 

1. القواعد الفقهيه ج 3، ص 9. 2. المائدة (5): 106. 3. الكافي ج 7، ص 398، باب شهادة أهل الملل، ح 2، تهذيب الأحكام ج 6، ص 252، ح 652، باب البينات، ح 57، وسائل الشيعة ج 13، ص 391، أبواب أحكام الوصايا، باب 20، ح 5. (*)

 

الذمة، لأن ثبوت حكم لموضوع لا يوجب نفيه عن غيره، إلا أن يكون للكلام مفهوما، أي يكون للكلام قيد يدل على ثبوت الحكم عند وجود ذلك القيد وعدمه عند عدمه، سواء كان ذلك القيد بصورة الشرط أو الوصف أو غيرهما مما يكون له مفهوم. نعم ها هنا رواية أخرى عن يحيى بن محمد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (ي أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) قال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله سن فيهم سنة أهل الكتاب في الجزية، وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يوجد مسلمان أشهد رجلين من أهل الكتاب، يحبسان بعد صلاة العصر فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذ قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين، قال: وذلك إذا ارتاب ولي الميت في شهادتهما، فإن عثر على أنهما شهدا بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما، حتى يجي شاهدان يقومان مقام الشاهدين الأولين فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وم اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين إلى آخر (1). فترى في هذه الرواية أنه عليه السلام فسر قوله تعالى (اللذان من غيركم) بأهل الكتاب، غاية الأمر إنه عليه السلام ألحق المجوس أيضا بأهل الكتاب لما ذكره. والروايات المطلقة وإن كانت كثيرة لكنها تقيد بهاتين الروايتين بخصوص أهل الكتاب، والمجوس أيضا لإلحاقه رسول الله صلى الله عليه وآله بهم في الجزية وفيما إذا لم يوجد شاهد مسلم. وأما المطلقات فكثيرة، وقد عقد لها بابا في الوسائل، أي باب العشرين في

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 4، باب الاشهاد على الوصية، ح 6، الفقيه ج 4، ص 192، باب الإشهاد على الوصية، ح 5436، تهذيب الأحكام ج 9، ص 178، ح 715، باب الاشهاد على الوصية، ح 1، وص 179، ح 716، باب الاشهاد على الوصية، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 391، أبواب أحكام الوصايا، باب 20، ح 6. (*)

 

أحكام الوصايا (1). وأما تفسير الآية وإن كان فيه بعض الاختلاف، ولكن نحن ننقل م في الكافي قال بإسناده: خرج تميم الداري وابن بندي وابن أبي مارية في سفر، وكان تميم الداري مسلما وابن بندي وابن أبي مارية نصرانيين، وكان مع تميم الداري خرج له فيه متاع وآنية منقوش بالذهب وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع، فاعتل تميم الداري علة شديدة، فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته، فقدما إلى المدينة وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته فافتقد القوم الآنية والقلادة، فقالوا لهما: هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرا؟ قالا: لا، ما مرض إلا أياما قلايل: قالوا: فهل سرق منه شيء في سفره هذا؟ قالا: لا. قالوا فهل اتجر تجارة خسر فيها؟ قالا: لا. قالوا: فقد افتقدنا أفضل شيء كان معه، آنية منقوشة بالذهب مكللة بالجوهر، وقلادة. فقالا: ما دفع إلينا فأديناه إليكم، فقدموهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأوجب رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما اليمين فحلفا فخلا عنهما، ثم ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: قد ظهر على ابن بندي وابن أبي مارية ما ادعيناه عليهما، فانتظر رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم من الله في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض) فأطلق الله شهادة أهل الكتاب على الوصية فقط إذا كان في سفر ولم يجد المسلمين إلى آخر. (2) أما الرواية فكثيرة.

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 13، ص 390، أبواب أحكام الوصايا، باب 20: باب ثبوت الوصية بشهادة مسلمين عدلين و.... 2. الكافي ج 7، ص 5، باب الاشهاد على الوصية، ح 7، تفسير القمي ج 1، ص 189، وسائل الشيعة ج 13، ص 394، ابواب أحكام الوصايا، باب 21، ح 1. (*)

 

منها: رواية ضريس الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شهادة أهل الملل هل تجوز على رجل مسلم من غير أهل ملتهم؟ فقال: لا، إلا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم، وإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية، لأنه لا يصلح ذهاب حق امرء مسلم ولا تبطل وصيته (1). ومنها: رواية هشام بن سالم (الحكم) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: (وآخران من غيركم) قال: إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية (2). وهذه الرواية رويت بطريق آخر بدل قوله: في بلد ليس فيه مسلم أو في أرض غربة لا يوجد فيها مسلم (3). ورواية حمزة بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل (ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) قال: فقال: اللذان منكم مسلمان، واللذان من غيركم من أهل الكتاب، فقال: إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين، فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم (4). والمتحصل من هذه الأخبار ومن الآية الشريفة بعد تقييد مطلقاتها بمقيداتها هو

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 399، باب شهادة أهل الملل، ح 7، تهذيب الأحكام ج 6، ص 253، ح 654، باب البينات، ح 59، وسائل الشيعة ج 13، ص 390، أبواب أحكام الوصايا، باب 20، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 4، باب الاشهاد على الوصية، ح 3، وص 398، باب شهادة أهل الملل، ح 6، تهذيب الأحكام ج 9، ص 180، ص 725، باب الاشهاد على الوصية، ح 11، وسائل الشيعة ج 13، ص 391، أبواب أحكام الوصايا، باب 20، ح 4. 3. وسائل الشيعة ج 13، ص 391، أبواب أحكام الوصايا، باب 20. 4. الكافي ج 7، ص 399، باب شهادة أهل الملل، ح 8، تهذيب الأحكام ج 9، ص 179، ح 718، باب الاشهاد على الوصية، ح 4، وج 6، ص 253، ح 655، باب البينات، ح 60، وسائل الشيعة ج 13، ص 392، أبواب احكام الوصايا، باب 20، ح 7. (*)

 

أنه لو أشرف على الموت أو أحس أنه قريب منه أراد أن يوصى وأن يشهد على وصية ولم يجد شاهدين عدلين مسلمين، فله أن يشهد شاهدين من أهل الكتاب، وشهادتهما في تلك الحال نافذة إن كان المشهود به هو المال. وها هنا أمور يجب التنبية عليه الأول: هو أن نفوذ شهادتهما هل موقوف على أن تكون الوصية في حال السفر، أم لا فرق بين أن تكون في السفر أو الحضر، بل المناط فيه عدم تمكن الموصى من إشهاد مسلمين عادلين، سواء كان متمكنا من إشهاد غير العدول من المسلمين أو من إشهاد المؤمنات العادلات، أو لم يكن متمكنا من ذلك أيضا، بل وسواء كان متمكنا من إشهاد عدل واحد من المسلمين فيكون حجة مع ضم اليمين في بعض الموارد؟ الظاهر أنه لا فرق بين أن تكون في حال السفر وبين أن تكون الوصية حال الحضر، ولا بين أن يكون متمكنا من الشقوق التي ذكرناها أو لم يكن فيما إذا لم يكن متمكنا من إشهاد عدلين مسلمين، لأنه عليه السلام جعل موضوع نفوذ شهادة ذميين عدم وجدان مسلمين عادلين، فجميع تلك الشقوق داخل في ذلك الموضوع ول فرق بين وجودها وعدمها. وأما مسألة كونها في حال السفر لا الحضر وإن كان ظاهر الآية هو ذلك، لقوله تعالى: (إن أنتم ضربتم في الأرض) (1) ولكن الظاهر هو أن الشرطية سيقت لبيان تحقق الموضوع غالبا، حيث أنه في الغالب عدم وجدان المسلم يكون في السفر، وأم في الحضر فغالبا يوجد المسلم العدل اثنان وأكثر. وكذلك في رواية هشام إذا كان الرجل في أرض غربة أيضا سيقت لبيان تحقق الموضوع، لما ذكرنا. الثاني:: هو أن المراد من قوله تعالى (أو آخران من غيركم) هما خصوص أن

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 106. (*)

 

يكونا من أهل الكتاب أو مطلق من ليس بمسلم، سواء كان ذميا أو لم يكن، وعلى تقدير كون المراد أن يكونا من أهل الكتاب وذميين هل يكون المجوس منهم، أو ملحق بهم حكما، أو لا منهم ولا ملحق بهم؟ الظاهر أن المراد هو خصوص الذميين وأهل الكتاب لا مطلق الكفار، أولا لأن مورد الآية هما الذميان، أي ابن بندي وابن أبي مارية نصرانيان وقد تقدم وكانا تحت حكم رسول صلى الله عليه وآله فهما ذميان. وثانيا: إن هذا - أي قبول شهادتهما - خلاف القواعد الأولية، لأن الأشياء كلها على ذلك حتى ذلك يستبين أو تقوم به البينة، ومعلوم أن البينة عبارة عن شهادة مسلمين عدلين، فيجب الوقوف على مورد اليقين والنص وهو لم يكونا ذميين. وثالثا: تفسيره في رواية حمزة بن حمران بأهل الكتاب وقد تقدم. ورابعا: إجماع الفقهاء على ذلك. نعم تقدم إلحاق المجوسي بأهل الكتاب في رواية يحيى بن محمد في ما نقل عن أبي عبد الله عليه السلام قوله عليه السلام: فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوسي، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله سن فيهم سنة أهل الكتاب في الجزية . هذا مع احتمال أن يكونوا من أهل الكتاب فإن الفقهاء قالوا لهم شبهة كتاب. الثالث: إذا لم يوجد مسلم عادل ووصلت النوبة إلى إشهاد أهل الكتاب، هل يجب أن يكون ذلك الكتابي عادلا في دينه أم لا، بل يجوز أن يشهد على وصيته رجلا ذميا ولو كان فاسقا في دينه، بمعنى أنه لا تجتنب عما هو حرام في دينه أي يرتكب المحرمات مثل الكذب والبهتان وأكل أموال اليتامى ظلما وشهادة الزور وأمثال ذلك من القبائح العقلية والمحرمات في كل دين مع وجود فساق المسلمين؟ ظاهر المقابلة في الآية بين (اثنان ذوا عدل منكم) وبين أو (آخران من غيركم) هو أن مع فقدان الأول تصل النوبة إلى الثاني، فإذا لم يوجد اثنان ذوا عدل منكم تصل النوبة إلى آخران من غيركم وإن لم يكونا عادلين في دينهم، وأيضا وإن

 

كان يوجد الفساق من المسلمين. لا يقال: إذا كان شهادة الفاسق يجوز الاعتماد عليه، فالمسلم الفاسق أولى من الكافر الفاسق. لأنه استحسان ولا يجوز أن يكون مدركا للحكم الشرعي، فإن دين الله لا يصاب بالعقول. ولكن هناك أمر يدل على اعتبار العدالة في دينه في إشهاد الذمي، وهو قوله عليه السلام في رواية حمزة بن حمران: فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهم ومعلوم أن المراد من هذه العبارة الأخيرة هو أن يكونا عادلين في دينهما كي يكونا مرضيين عند أصحابهما، لأن الكذاب المغتاب مثلا ليس بمرضى عند من يقول بحرمة الكذب والغيبة، وهكذا الأمر في سائر المعاصي التي حرام في كل مذهب ودين. فرع: ولو أوصى بلفظ وكان كليا متواطيا، مثل أن يقول: أعطوا فلانا غنما مثلا من أغنامي، فللورثة الخيار في تطبيقه على أي فرد أرادوا، لصدق الوفاء وإنفاذ الوصية على الجميع. فرع: لا خلاف ول إشكال في ثبوت الوصية بالمال بشهادة العدل الواحد مع اليمين إجماعا، وكذلك لا خلاف في ثبوتها بشهادة عدل واحد مع شهادة امرأتين ثقتين، لإطلاق الأدلة في أبواب الحقوق المالية وعدم اختصاصها بمورد دون مورد، كما هو مذكور مشروحا في كتاب القضاء والشهادات. وكذلك تقبل شهادة امرأة واحدة في ربع ما شهدت به، وتقبل شهادة اثنين في نصفه، وشهادة ثلاث في ثلاثة أرباع مما شهدن به، وشهادة أربع في الجميع، كل ذلك

 

إذا كانت شهادتين في الماليات. والمدرك في هذا الحكم رواية الربعي عن أبي عبد الله عليه السلام في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصى ليس معها رجل، فقال عليه السلام: يجاز ربع ما أوصى بحساب شهادته (1). ورواية أبان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في وصية لم يشهدها إلا امرأة، فأجاز شهادتها في الربع من الوصية بحساب شهادتها (2). ورواية محمد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قضى امير المؤمنين عليه السلام في وصية لم يشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادة المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينه (3). ودلالة هذه الروايات على ما ذكرنا في أول الفرع من أن بشهادة الواحدة الربع، وبالاثنتان النصف، وبالثلاث ثلاثة أرباع، وبالأربع الجميع واضحة لا يحتاج إلى البيان. وأما ما توهم أنه لا تثبت بشهادة المرأة إلا الربع سواء كانت واحدة أم كن متعددات، فخلاف ما يفهم من ظاهر الكلام. وليس من باب القياس كم كان كذلك في دية قطع أصابع المرأة، لوجود الدليل هناك وهو قوله صلى الله عليه وآله: المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا زاد يكون ديتها نصف دية الرجل بل الظهور العرفي يقتضي أن يكون لشهادة كل امرأة ربع ما شهد بها غير الربع الذي يثبت بشهادة الأخرى إلى أن

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 7، ص 4، باب الاشهاد على الوصية، ح 4، الفقيه ج 4، ص 192، باب الاشهاد على الوصية، ح 5435، تهذيب الأحكام ج 9، ص 180، ح 719 باب الاشهاد على الوصية، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 395، أبواب أحكام الوصايا، باب 22، ح 1. 2. الكافي ج 7، ص 4، باب الاشهاد على الوصية، ح 5، تهذيب الأحكام ج 9، ص 180، ح 722، باب الاشهاد على الوصية، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 396، أبواب أحكام الوصايا، باب 22، ح 2. 3. تهذيب الأحكام ج 9، ص 180، ح 723، باب الاشهاد على الوصية، ح 9، وسائل الشيعة ج 13، ص 396، أبواب أحكام الوصايا، باب 22، ح 3. (*)

 

يستوفي بشهاداتهن تمام ما شهدن به، فلا يبقى محل وموضوع لشهادة الخامسة. هذا، مضاف إلى أن الأصل عدم التداخل. ثم إن ها هنا روايات أخر ظاهرها عدم قبول شهادة المرأة في الوصية مطلقا، كرواية عبد الرحمن (1)، ورواية عبد الله بن سنان (2)، ومكاتبة أحمد بن هلال (3)، ولكن لا بد من تأويلها كما في الوسائل، أو طرحها لإعراض المشهور عنها بل الإجماع على خلافها. فرع: لا تثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين عدلين، أي البينة الشرعية كسائر الموضوعات، وذلك لعموم قوله عليه السلام في رواية مسعدة: الأشياء كلها على ذلك حتى يستبين غيره أو تقوم به البينة (4) وليست الوصية بالولاية من موارد الاستثناء عن تحت هذه القاعدة، فلا تثبت برجل وامرأتين ولا بعدل واحد مع اليمين ولا بشهادة أربع من النساء منفردات، وجميع ذلك لأجل عدم الدليل وشمول اطلاقات وعموماته لها وعدم دليل على حجيتها كي تكون مخصصة لها أو حاكمة عليها. فرع: لا تثبت بشهادة الوصي ما هو وصى فيه ولا ما يجر به نفعا أو يستفيد منه ولاية، والأصل في ذلك ما ذكروه في كتاب الشهادة أنه من شروط صحة الشهادة

 

(هامش)

 

1. تهذيب الأحكام ج 9، ص 180، ح 722، باب الاشهاد على الوصية، ح 8، وسائل الشيعة ج 13، ص 396، أبواب أحكام الوصايا، باب 22، ح 6. 2. تهذيب الأحكام ج 6، ص 270، ح 728، باب البينات، ح 133، الاستبصار ج 3، ص 30، ح 100، باب فيم يجوز فيه شهادة النساء، ح 32، وسائل الشيعة ج 13، ص 397، أبواب أحكام الوصايا، باب 22، ح 7. 3. تهذيب الأحكام ج 6، ص 268، ح 219، باب البينات، ح 124، الاستبصار ج 3، ص 28، ح 90، باب فيما يجوز فيه شهادة النساء، ح 22، وسائل الشيعة ج 13، ص 397، أبواب أحكام الوصايا، باب 22، ح 8. 4. الكافي ج 5، ص 313، باب النوادر (من كتاب المعيشة) ح 40، تهذيب الأحكام ج 7، ص 226، ح 989، باب الزيادات، ح 9، وسائل الشيعة ج 12، ص 60، أبواب ما يكتسب به، باب 4، ح 4. (*)

 

وقبولها أن لا تكون الشاهد منهما يجلبه نفع إليه من شهادته، أو من جهة عداوة دنيوية للمشهود عليه، وأما العداوة الدينية فلا تمنع من قبول الشهادة. وتفصيل المسألة في كتاب الشهادات. وعلى كل حال ذهب المشهور إلى عدم قبول شهادة الوصي فيما هو وصى فيه، ولا فيما يجر نفعا إليه، أو يستفيد منه ولاية، فالعمدة في ذلك هو أن الشاهد في هذه الموارد يكون مدعيا لنفسه شيئا وله نصيب وحظ من المشهود به، ولا شك في أن المدعى عليه أن يأتي بالشهود لما يدعيه، ولا يمكن أن يكون هو المدعى وهو الشاهد. وأيضا يدل على عدم قبول شهادة المذكورات ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن تجاز شهادة الخصم والظنين والجار إلى نفسه منفعة. وأيضا ما ورد في باب شهادة الشريك لشريكه من أنها لا تقبل. منها: رواية أبان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه؟ قال: تجوز شهادته إلا في شيء له فيه نصيب (1). وروايات أخر بهذا المضمون (2). وأيضا ورد روايات في عدم قبول شهادة الوصي فيما هو وصي فيه. منها: ما رواه محمد بن الحسن الصفار، عن أبي محمد كتب هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع: إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعى يمين . وهذا ظاهر في عدم قبول قول الوصي وشهادته، وإلا لم يكن محتاجا إلى اليمين لوجود البينة.

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 4، ص 44، باب من يجب رد شهادته و...، ح 3293، تهذيب الأحكام ج 6، ص 246، ح 623، باب البينات، ح 28، الاستبصار ج 3، ص 15، ح 40، وسائل الشيعة ج 18، ص 272، أبواب الشهادات، باب 27، ح 3. 2. انظر: وسائل الشيعة ج 18، ص 271 - 272، أبواب الشهادات، باب 27 و 28. (*)