قاعدة انحلال العقود

31 - قاعدة انحلال العقود  

 

قاعدة انحلال العقود (*) ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة انحلال العقد الواحد المتعلق بالمركب إلى عقود متعدد وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في بيان المراد منها فنقول: ان المراد من انحلال العقد الواحد إلى عقود متعددة هو ان العقد الواقع على هذا المركب واقع على كل جزء من اجزائه، فإذا باع داره مثلا فالبيع - أي: التمليك بعوض مالي - واقع على جميع اجزاء هذه الدار فكما انه يصح ان يقال ان جميع هذه الدار مبيع يصح ان يقال بالنسبة إلى كل جزء من اجزائها: انه مبيع، وهذا كما انه في المركب الذى تعلق به الطلب يصح ان يقال ان مجموعه واجب كذلك يصح ان يقال لكل جزء منه انه واجب. فكما ان الانحلال في باب الواجبات المركبة من الاجزاء عبارة عن ان الواجب باعتبار المجموع واحد وباعتبار الاجزاء واجبات متعددة، فكذلك الامر هاهنا ايضا، فالعقد باعتبار مجموع ما تعلق به عقد واحد ولكن باعتبار اجزائه عقود متعددة

 

(هامش)

 

: (*): عناوين الاصول عنوان 32، مجموعه رسائل العدد 4، ص 459، قواعد فقهي ص 237. (*)

 

لكن لا مستقلة بل تكون ضمنية كما ان الواجبات ايضا كذلك أي: تكون الاجزاء واجبات ضمنية. ولكن هناك فرق بينهما في بعض الموارد وهو ان الواجبات المركبة دائما وفي كل مورد تكون اجزائها واجبات نفسية مثل الكل ولكن ضمنية، وفى باب العقود قد لا يكون كل جزء من اجزاء المتعلق قابلا لان يتصف بما يتصف به الكل كما في باب عقد النكاح الواقع على امرأة فان المجموع يتصف بكونها زوجة ومعقودة لفلان، و لكن كل عضو منها لا يتصف بأنه زوجة أو معقودة. واما في اغلب العقود والمعاملات يتصف الجزء بما يتصف به الكل وان كان بعنوان الجزء المشاع لا الجزء الخارجي الشخصي. والحاصل ان الانحلال في العقود عبارة عن تعلق العقد بالاجزاء مثل تعلقه بالكل أي: كما يكون المجموع في قبال مجموع ما جعل في العقد عوضا كذلك يكون كل جزء من احد العوضين في قبال الجزء من العوض الآخر. وهذا فيما إذا كان المجموع مع كل جزء منه من نسخ واحد بحسب الجنس و كذلك بحسب القيمة بنسبة كميتهما واضح، مثلا لو اشترى طنا من الحنطة بمبلغ كذا من الدراهم أو الدنانير فابعاض المبيع من سنخ الكل أي: الابعاض حنطة والكل أيضا كذلك أي: حنطة وقيمة كل بعض بالنسبة إلى قيمة الكل كنسبة كمية ذلك البعض إلى كمية ذلك الكل. فبناء على هذا لو باع مجموع الطن بثلاثين دينارا فقد باع نصفه بخمسة عشر وثلثه بعشرة وهكذا. واما لو لم تكن نسبة المجموع مع ابعاضه من هذا القبيل بل ربما لا يكون للجزء الخارجي - لا الجزء بعنوان احد الكسور كالنصف والثلث وهكذا - قيمة اصلا مثلا الفرس العربية التى قيمتها ربما تكون مآت من الدنانير رجلها أو رأسها ليس له

 

قيمة اصلا فان لم يكن للجزء الخارجي الشخصي المعين قيمة عند العرف أصلا فالانحلال بالنسبة إليه لا معنى له، لان المراد من الانحلال في هذا المقام هو انحلال العقد الواحد - بالنسبة إلى ابعاض العوضين - إلى عقود متعددة فكأنه كل بعض من المبيع مثلا وقع عليه العقد بازاء ما يقابله عند العرف من الثمن وهذا فيما إذا كان عندهم للجزء مقابل ومقدار من الثمن قل أو كثر. وان لم يكن للجزء الخارجي قيمة فربما ينحل العقد إلى عقود متعددة بحسب الكسور المشاعة في العوضين، مثلا إذا باع فرسا نصفه المشاع لغيره فهذا العقد ينحل إلى عقدين احدهما متعلق بالنصف الذي يملكه العاقد وهو عقد صدر من مالكه و يجب عليه الوفاء به والثاني عقد متعلق بمال الغير وهو عقد صادر عن غير المالك فيكون فضوليا يحتاج نفوذه إلى اجازة المالك. ومعنى الانحلال هو ان العقد الواحد وان كان واحدا بحسب الصورة ولكن عند الدقة عقود متعددة ولكن بالقوة لا بالفعل. وتظهر الثمرة فيما إذا كان بعض المبيع مما يملكه العاقد وبعضه الآخر مما لا يملكه بل ملك للغير أو بعضه مما يملك ومال شرعا يجوز المعاوضة عليه كالغنم والخل و بعضه الآخر مما لا يملك أي: ليس بمال شرعا كالخنزير والخمر. فلو باع مجموع غنم وخنزير صفقة واحدة أو خل وخمر كذلك أي: صفقة واحدة فان قلنا بعدم الانحلال فلا بد من القول ببطلان المعاملة لانه يشترط في صحة المعاملة والبيع ان يكون المبيع مالا شرعا والا يكون الاكل بازائه اكلا لمال الغير بالباطل. واما إذا قلنا بالانحلال فكأنه صدر منه عقدان احدهما تعلق بما هو ليس بمال شرعا وهو ما تعلق بالخمر والخنزير مثلا فيكون باطلا والآخر تعلق بما هو مال وهو الذي تعلق بالغنم والخل مثلا فيكون صحيحا.

 

غاية الامر للمشتري أو البايع - اي: الجاهل منهما بالنسبة إلى ما انتقل إليه ان كان مركبا مما يملك وما لا يملك - خيار تبعض الصفقة وإلا فأصل المعاملة صحيح لا اشكال فيه. فاثر الانحلال صحة المعاملة والعقد بالنسبة إلى ذلك الجزء الذي لا مانع من جعله عوضا في المعاملة سواء كان جزءا خارجيا أو كسرا مشاعا والجزء الخارجي سواء كان له وجود مستقل، كما إذا باع ثوبا وغنما صفقة واحدة أو لم يكن له وجود مستقل منفصل عن الاجزاء الاخر كالثمر على الشجر والحمل في بطن امه إذا كان الثمر لشخص والشجر لآخر، وكذلك الام لشخص والحمل لشخص آخر فصاحب احدهما باع المجموع صفقة واحدة فالعقد ينحل إلى عقدين احدهما بالنسبة إلى ما يملكه وهو صحيح غاية الامر للمشتري خيار تبعض الصفقة والآخر بالنسبة إلى ما لا يملكه وهو موقوف على الاجارة. وخلاصة الكلام ان المتعلق قد لا يكون قابلا للانحلال لا بالنسبة إلى اجزائه الخارجية ولا بالنسبة إلى الكسر المشاع، وذلك مثل تعلق عقد النكاح بامرأة معينة فهذا العقد لا يمكن الانحلال فيه لا بالنسبة إلى اجزائها الخارجية ولا بالنسبة إلى كسورها المشاع لعدم امكان ان يكون بعض اجزائها معقودة بعقد صحيح وبعضها الآخر غير معقودة، وكذلك بالنسبة إلى كسورها فنصفها مثلا تكون زوجة والعقد بالنسبة إليه صحيح بخلاف النصف الآخر. ومقابل هذا القسم هو تعلقه باشياء متعددة منفصلة كل واحدة منها مستقلة في الوجود، كما إذا قال بعتك هذا الكتاب وهذا الثوب بكذا فجعل امرين مستقلين مبيعا في عقد واحد، أو يقول من هو وكيل عن قبل امرأتين في تزويجهما زوجتك هاتين المرأتين وهكذا الامر في سائر المعاملات والعقود. فلو ظهر مانع عن صحة بيع احدهما في المثال الاول - مثل ان لم يكن احدهما

 

مال شرعا أو لم يكن للبايع - فينحل العقد ويكون صحيحا بالنسبة إلى ما ليس له مانع عن بيعه وفاسدا بالنسبة إلى الآخر أو يكون موقوفا على اجازة مالكه. وكذلك لو ظهر عدم صحة نكاح احدى المرأتين - لكونها من المحارم أو لكونها بكرا وقلنا بتوقف صحة نكاح البكر على اذن الاب كما هو المشهور أو من جهة اخرى - فينحل العقد ويكون بالنسبة إلى احداهما صحيحا وبالنسبة إلى الاخرى غير صحيح. ثم انه قد يكون ما وقع عليه العقد - بالنسبة إلى كسوره المشاع - قابلا للانحلال واما بالنسبة إلى اجزائه الخارجية ليس قابلا للانحلال، وذلك كما إذا كان المبيع عبدا أو جارية فبالنسبة إلى كسوره المشاع قابل للانحلال كما إذا كان نصف العبد أو الجارية له ونصفه الآخر لغيره فينحل العقد ويكون صحيحا بالنسبة إلى نصفه الذي يملكه ويكون موقوفا على اجازة المالك بالنسبة إلى ذلك النصف الآخر الذى لغيره أو يكون باطلا فيما إذا رده ولم يجز. واما بالنسبة إلى اجزائه الخارجية فليس قابلا للانحلال لعدم كونها مالا فيما إذا كان كل واحد منها وحده وقع العقد عليه، مثلا لو باع يد العبد أو رجله أو سائر اعضائه يكون البيع باطلا لعدم كونها مالا. بل ربما يكون ما وقع عليه العقد امرين كل واحد منهما مستقل في الوجود ومع ذلك لا يمكن الانحلال بالنسبة اليهما لعدم كون كل واحد منهما منفردا عن الآخر مالا، وذلك فيما تكون المالية لكل واحد منهما في ظرف اجتماعه مع الآخر. وبعبارة اخرى: المالية لهما فيما إذا كانا زوجين كمصراعي الباب أو كزوجي الحذاء والجورب وامثالهما مما ليس لاحد الفردين منفردا عن الآخر قيمة عند العرف والعقلاء. والضابط الكلي لصحة الانحلال هو انه لو اوقع عقدا مستقلا عليه كان صحيحا

 

بمعنى ان في صورة انفراده عن سائر اجزاء المعقود عليه يكون قابلا لوقوع العقد عليه، وقد يكون بالنسبة إلى اجزائه الخارجية ايضا قابلا للانحلال، وذلك كعقد من لؤلؤ مثلا فلو باعه فظهر ان بعض حباته مغصوبة فينحل العقد ويكون صحيحا بالنسبة إلى اجزائه التى هي ملك للبايع أو ملك لموكله أو لمن هو ولي عليه وفاسد أو موقوف على الاجازة بالنسبة إلى اجزائه الاخر التى ليست له ولا لموكله ولا لمن هو ولي عليه. ثم ان الانحلال على ثلاثة اقسام: احدها: الانحلال في متعلقات النواهي وموضوعاتها أي: متعلقات متعلقاتها، كقوله: لا تشرب الخمر ولا تغتب المؤمنين، وكذلك الانحلال في موضوعات الاوامر أي متعلقات متعلقاتها كقوله اكرم العلماء واكرم السادات. واما بالنسبة إلى نفس متعلقات الاوامر فلا انحلال اصلا اما لعدم القدرة غالبا على ايجاد جميع افراد متعلقاتها واما لحصول الغرض باتيان صرف الوجود منها فبعد ايجاد اول وجود منها لا يبقى سبب ووجه لطلب سائر افرادها. والمراد من الانحلال في هذا القسم هو ان الطلب فعلا أو تركا تعلق بالطبيعة السارية إلى جميع افرادها وخصوصياتها وان شئت قلت: ان المصلحة والمفسدة في جميع وجودات الطبيعة والغرض قائم بكل وجود وكل فرد منها ولذلك يكون لكل فرد فعلا وتركا امتثالا مستقلا وعصيانا مستقلا فالاطاعة والامتثال في كل فرد لا مساس له بالمخالفة والعصيان بالنسبة إلى الفرد الآخر. واثر هذا القسم من الانحلال هو انحلال الخطاب الواحد إلى خطابات متعددة في النواهي بالنسبة إلى متعلقاتها ومتعلقات متعلقاتها وفى الاوامر بالنسبة إلى متعلقات متعلقاتها فقط دون متعلقاتها ان كان لتلك الموضوعات أي: متعلقات

 

 

متعلقات الاوامر - عموم أو اطلاق شمولي. الثاني: الانحلال في باب دوران الواجب بين الاقل والاكثر، والمراد بالانحلال هناك هو انحلال العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي والتفصيل ذكرناه في محله. الثالث: الانحلال في هذا المقام وقد عرفت التفصيل فيه. ثم انه لا يخفى ان ما ذكرناه من انحلال العقود يأتي في الايقاعات ايضا فلو اعتق عبدين بايقاع واحد فظهر ان احد عبدين ليس له بل لغيره فهذا العتق يقع صحيحا بالنسبة إلى ذلك الذي ملك للمعتق وباطل بالنسبة إلى ذلك الذى ملك لغيره وليس موقوفا على اجازة مالكه لان الاجازة المتأخرة عن الايقاع فضولة لا تؤثر فيه وليس الايقاع من هذه الجهة مثل العقد فان الاجازة المتأخرة لا تصحح الايقاع الصادر من غير اهله والتفصيل في محله. والاقسام التى ذكرناها للانحلال في العقود تأتي في الايقاعات ايضا فتارة الايقاع ليس قابلا للانحلال اصلا لا بالنسبة إلى اجزائه الخارجية ولا بالنسبة إلى كسورها كما إذا طلق امرأته المعينة فلا معنى لانحلال هذا الايقاع لان بعض اجزائها الخارجية لا يمكن ان تكون مطلقة دون بعض اخر كما ان كسورها ايضا كذلك أي لا يمكن ان يكون نصفها مثلا أو ثلثها مطلقة دون كسورها الاخر. والضابط الذى ذكرنا لصحة الانحلال في العقود وهو ان الانحلال يكون صحيحا بالنسبة إلى الاجزاء أو الكسور التى لو كان كل واحد منها يقع مستقلا منفردا تحت العقد كان صحيحا فكذلك نقول ان ضابط الانحلال في الايقاعات هو ان يكون ما ينحل إليه لو كان الايقاع يرد عليه مستقلا ومنفردا لكان صحيحا.

 

الجهة الثانية في بيان مدرك هذه القاعدة وهو امور: الاول: الاجماع فانهم - إذا ظهر ان بعض المبيع مثلا مما لا يملك أو ظهر انه مما لا يملكه البايع - يقولون بصحة البيع بالنسبة إلى ما يملك أو بالنسبة إلى ما يملكه وعدم صحته بالنسبة إلى ذلك البعض الاخر أي: البعض الذى لا يملكه أو يكون مما لا يملك واستدلوا لهذا التفصيل بهذه القاعدة أي: يقولون بان الصحة في البعض وعدمها في البعض الآخر تكون لاجل انحلال العقد إلى عقدين احدهما صحيح لاجل وجود جميع شرائط الصحة فيه والاخر باطل أو موقوف على احازة المالك لاجل عدم اجتماع جميع شرائط الصحة فهم يتمسكون بهذه القاعدة من غير نكير من احدهم لهذا الاستدلال وهو كاشف عن اتفاقهم على صحة هذه القاعدة واتفاقهم على ذلك يكشف كشافا قطعيا عن تلقيهم هذا الامر أي: صحة هذه القاعدة عن المعصومين (ع) وفيه: ما ذكرنا مرارا من ان هذه الاجماعات - التى ادعيت في امثال هذه المقامات ليست من الاجماعات التى اصطلحنا في الاصول على حجيتها لاحتمال ان يكون مدركهم في هذا الاتفاق احد الامور الاخر مما ذكروها مدركا لهذه القاعدة ومع هذا الاحتمال ينسد باب القطع بل الاطمينان بأن اتفاقهم مسبب عن رأي الامام (ع) فلا يفيد مثل هذا الاجماع في كونه دليلا لمثل هذه القاعدة. الثاني: بناء العرف والعقلاء في معاملاتهم ان المبيع مثلا إذا كان بعضه مما لا يملك وليس بمال عندهم أو ظهر كونه ملكا للغير على ان تلك المعاملة صحيحة بالنسبة إلى ذلك البعض الذى ليس ملكا للغير وايضا ليس مما لا يملك بل هو مال عندهم ويكون لنفس البايع أو لمن اذن له ان يبيعه أو يكون لمن هو ولي عليه.

 

وبعبارة اخرى بناء العرف والعقلاء في اسواقهم ومعاملاتهم - سواء كان بيعا أو اجارة أو رهنا أو عارية أو وقفا أو غير ما ذكر من اقسام العقود والمعاملات بل وكذلك في الايقاعات من طلاق أو عتق أو غير ذلك - على ان ما وقع عليه العقد أو الايقاع ان كان بعضه لا يصلح لوقوع ذلك العقد عليه لفقد شرط من شرائط ذلك العقد أو ذلك الايقاع أو لوجود مانع فيه وبعضه الاخر يصلح لذلك فيبنون على صحة تلك المعاملة بالنسبة إلى ذلك البعض الذي واجد لشروط الصحة وبطلانها بالنسبة إلى ذلك البعض الاخر. مثلا لو قال لعبدين احدهما ملك له والاخر لغيره من دون ان يكون مأذونا من قبله أو وليا عليه، انتما حران أو قال اعتقتكما فيرون انحلال هذا الايقاع والانشاء إلى ايقاعين وانشائين احدهما صحيح ونافذ والاخر باطل وغير نافذ، وكذلك لو قال لامرأتين - احديهما زوجته والاخرى اجنبية بحضور شاهدين عدلين: انتما طالقان وكان هذا الايقاع في حال طهر زوجته من دون مواقعته لها، فيرون انحلال هذا الطلاق إلى طلاقين: احدهما صحيح ونافذ وهو طلاق من هي زوجته والاخر باطل وهو طلاق من هي اجنبية عنه، وكذلك الامر في سائر الايقاعات. واما العقود فقد تقدم انه لو باع مال نفسه ومال غيره بعقد واحد فيكون ذلك العقد منحلا إلى عقدين بنظر العرف والعقلاء احدهما صحيح وهو ما تعلق بمال نفسه والثاني باطل ان رد المالك أو موقوف على اجازة المالك، وكذلك الامر عندهم أي عند العرف والعقلاء في سائر العقود والمعاملات. مثلا لو اعطى شيئين عارية بعقد واحد أو اجارة كذلك أي: بعقد واحد فيرون العقد منحلا لى عقدين احدهما صحيح وهو الذى تعلق بمال نفسه والاخر باطل أو موقوفا على الاجازة وهو ما تعلق بمال الغير. فهذا بنائهم في باب العقود والايقاعات ولم يردع الشارع عن هذه الطريقة

 

والبناء بل امضاها بواسطة العمومات والاطلاقات الواردة في ابواب المعاملات من العقود والايقاعات. الثالث: ان صيغ هذه العقود والايقاعات اسباب شرعية لانشاء مفادها ومضامينها، فإذا قال المالك بعتك هذا الكتاب مثلا بدينار فهذا القول إذا صدر عن المالك غير المحجور عليه عن قصد وارادة جدية يكون سببا لتمليك المشتري لذلك الكتاب. فإذا كانت المعاملة واجدة لشرائط الصحة ولم يكن في البين ما يمنع عنها تكون الصيغة سببا أو الة لانشاء تلك المعاملة أي: ملكية ذلك الكتاب لذلك المشتري بعوض ما سموه في تلك المعاملة. ومن المعلوم ان هذه الصيغ لا تؤثر في ايجاد مضمونها ومفادها في عالم الاعتبار التشريعي الا إذا اجتمعت شرائط العقد والمتعاقدين والعوضين ولم يكن مانع في البين. فتارة تجتمع الشرائط في مجموع ما تعلق به العقد فالصيغة تؤثر في ايجاد المجموع وهذا هو معنى صحة العقد بتمامه ولا معنى للانحلال حينئذ لانه عقد واحد صحيح وقع ووجد تمام مضمونه في عالم الاعتبار واخرى لا توجد شرائط الصحة في جميع أجزائها فيكون عقدا باطلا بتمامه وايضا لا وجه للانحلال وثالثة توجد شرائط الصحة في بعض اجزائه دون بعض الاخر ففي هذا القسم تؤثر الصيغة في ذلك البعض الذى واجد لشرائط الصحة دون البعض الاخر وهذا هو الانحلال. فالانحلال على طبق القواعد الاولية وليس امرا خارجا عن القواعد كي يحتاج إلى دليل، وجميع الايقاعات فيما ذكرنا مثل العقود بلا فرق بينهما اصلا. وفيه ان ظاهر هذا الكلام شبه مصادرة على المطلوب خصوصا فيما إذا كان متعلق العقد أو الايقاع ومفادهما تمليك شخص عبد في العقد أو عتقه في الايقاع وكان نصفه له ونصفه الاخر لغيره.

 

فظاهر كون الصيغة سببا لوقوع مفادها في عالم الاعتبار التشريعي هو وقوع تمليك مجموع العبد أو عتق مجموعه في الفرض الثاني، فعدم وقوع المجموع لوجود مانع في البعض أو لفقد شرط فيه، ووقوع البعض الذي هو خلاف ظاهر السببية للتمام يحتاج إلى دليل، وكونها سببا للتمام لا يمكن ان يكون دليلا على وقوع البعض الا بما سنذكره في الوجه الاتي ان شاء الله تعالى. الرابع: انه إذا باع عبده أو عبديه فلا شك في انه نقل تمام هذا العبد عن ملكه إلى ملك المشتري وكذلك الامر في عبديه أو شيئين اخرين فلو كان نصف العبد مثلا في الفرض الاول أو احدهما في الفرض الثاني ملكا للغير أو متعلقا لحق الغير وهو عمدا أو اشتباها ملك المجموع في الاول والاثنين في الثاني، فتعلق قصده بنقل المجموع أو الاثنين لا ينافى تعلقه بالبعض في ضمن المجموع والكل وايضا لا ينافي تعلقه باحدهما في ضمن الاثنين بل لا معنى لتعلقه بالمجموع والكل إلا تعلقه بكل جزء جزء منه إذا لم يكن المركب الكل ذا هيئة وصورة تكون تلك الهيئة والصورة متعلق القصد والارادة، وايضا لا معنى لتعلقه بالاثنين الا تعلقه بهذا وذاك فنقل كل واحد من الاجزاء في ضمن نقل الكل ونقل كل واحد منهما في ضمن نقل الاثنين مقصود وقد تعلق بهما الارادة والقصد. وكذلك الامر في الايقاعات، فلو اعتق تمام العبد فقصد عتق نصفه في ضمن قصد عتق تمامه موجود، وإذا اعتق اثنين فقصد عتق احدهما في ضمن قصد عتق الاثنين موجود. فلو كان نصفه ملكا للغير أو متعلقا لحق الغير في الفرض الاول أو كان احدهما كذلك في الفرض الثاني وقلنا بالانحلال - بمعنى تحقق العتق في النصف دون النصف الآخر في الفرض الاول وفى احدهما دون الآخر في الفرض الثاني فلا يمكن ان يقال: ان ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد لان ما وقع بعض المقصود، وذلك لما ذكرنا ان ما وقع وما لم يقع كلاهما قد قصدا لكن فيما لم يقع كان مانعا هناك عن الوقوع ولذلك لم يقع مع

 

انه ايضا كان مقصودا، وقاعدة العقود تابعة للقصود ليس مفادها ان كل ما قصد يقع بل مفادها انه بدون القصد لا يقع وفى مورد الانحلال لم يقع شيء بدون القصد فلا يكون الانحلال مخالفا لتلك القاعدة كما ربما يتوهم. نعم ان ما وقع ليس تمام ما قصد لا انه لم يقصد اصلا. إذا عرفت ذلك فنقول عمومات عناوين المعاملات واطلاقاتها وايضا عمومات عناوين الايقاعات واطلاقاتها مثل (احل الله البيع) (1) (والصلح خير) (2) و (اوفوا بالعقود) (3) (والطلاق بيد من اخذ بالساق) (4) وامثال ذلك تشمل ذلك العقد المنحل فيجب الوفاء به كالعقد المستقل المنفرد. فإذا طلق زوجتين له بصيغة واحدة وايقاع واحد كما إذا قال بحضور شاهدين عدلين يا فلانة ويا فلانة انتما طالقان وكانت احديهما واجدة لشرائط صحة الطلاق أي: كانت في طهر لم يواقعها فيه، واما الاخرى كانت حال الطلاق حائضا أو كانت في الطهر الذي واقعها فيه يصدق على التى شرائط صحة طلاقها موجودة انه طلقها بطلاق صحيح فيشملها ادلة نفوذ الطلاق وكذلك في سائر الايقاعات. واما في العقود لو باع خلا وخمرا أو شاة وخنزيرا فبالنسبة إلى الخل والشاة يصدق انه باعهما ببيع صحيح وعقد تام الاجزاء والشرائط فيشمله ادلة نفوذ البيع وافوا بالعقود. نعم لو كان الانضمام والاجتماع منظورا أو شرطا فيأتي خيار تخلف الشرط أو خيار تبعض الصفقة.

 

(هامش)

 

: 1 - البقرة (2): 275. 2 - النساء (4): 128. 3 - المائدة (5): 1. 4 - مستدرك الوسائل ج 15، ص 306، ابواب مقدمات الطلاق وشرائطه، باب 25، ح 3، الجامع الصغير ج 2، ص 75. (*)

 

فالانحلال امر تكويني وجداني وادلة نفوذ العقد المستقل المنفرد، وكذلك ادلة نفوذ الايقاع المستقل المنفرد - يشمل هذا العقد الانحلالي وايقاعه ولا يحتاج إلى دليل اخر في مقام الاثبات واجراء حكم العقد أو الايقاع الصحيح عليه، غاية الامر مع خيار تبعض الصفقة. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول تجري هذه القاعدة في جميع العقود والايقاعات: فمنها: البيع فإذا باع داره مثلا فظهر ان نصفها المشاع أو اقل أو اكثر أو قطعة معينة من تلك الدار ملك للغير أو متعلق لحق الغير ككونها مرهونة مثلا بحيث لا يصح بيعها بالنسبة إلى ذلك النصف أو تلك القطعة فالعقد ينحل إلى عقدين: احدهما بالنسبة إلى ذلك النصف المشاع الذي للغير أو تلك القطعة التي ملك للغير أو متعلق حق الغير فهو باطل أو موقوف على الاجازة والثاني بالنسبة إلى ما هو ملك طلق له وليس متعلقا لحق الغير وهو عقد صحيح غاية الامر فيه خيار تبعض الصفقة. ومنها: الاجارة فإذا آجر ما يصح اجارته له وما لا يصح بعقد واحد فينحل هذا العقد إلى عقدين احدهما صحيح والاخر غير صحيح وباطل أو موقوف على الاجازة. ومنها: العارية فإذا اعار اشياء - بعضها له وبعضها ليس له أو ليس له ان يعيره لكونه متعلقا لحق الغير - بعقد واحد فينحل إلى عقدين فبالنسبة إلى ما هو ملكه وليس ممنوعا عن التصرف فيه شرعا يصح عاريته، ولا فرق في صحة عارية ما هو ملكه وله التصرف فيه شرعا بين ان يكون ذلك الشيء جزء خارجيا لمجموع ما وقع

 

عليه العقد أو يكون كسرا مشاعا من كسوره أو يكون له وجود مستقل جمعه المعير مع غيره في العقد الواحد. وهذا الكلام - أي: عدم الفرق بين هذه الاقسام - جار في جميع العقود بل الايقاعات فيما يمكن ويصح ان يقع متعلقا للايقاع لا فيما لا يمكن كالطلاق فان جزء المرأة خارجيا كان أو مشاعا لا يمكن ولا يصح فيه الطلاق، وكذلك في عقد نكاحها. وأما بالنسبة إلى ما ليس له أو ما ليس له التصرف فيه شرعا فهو باطل أو موقوف على الاجازة. نعم لو تزوج اثنتين بعقد واحد وكانت احديهما ممن يجوز له نكاحها بخلاف الاخرى فانها لا يجوز، ففى هذه الصورة ينحل العقد إلى عقدين فيكون صحيحا بالنسبة إلى من يجوز له نكاحها وباطلا بالنسبة إلى من لا يجوز له نكاحها لمانع من كونها محرما أو لجهة اخرى من الجهات التى توجب حرمة نكاح المرأة المذكورة في كتاب النكاح مفصلا. وكذلك لو طلق زوجتين بايقاع واحد وكان طلاق احديهما واجدا لشرائط صحة الطلاق دون الاخرى فينحل ذلك الايقاع إلى ايقاعين احدهما صحيح والآخر باطل. وقد تقدم ذكر هذا الفرع وانما الاعادة كانت لجهة بيان ان الطلاق ايضا مثل العقد قد يكون قابلا للانحلال وقد لا يكون قابلا له. ومنها الوقف فلو وقف شيئين بعقد واحد وكان احدهما قابلا لان يكون وقفا والآخر ليس قابلا لذلك لجهة من الجهات المانعة عن قابليته للوقفية، فينحل عقد الوقف الواحد إلى عقدين احدهما يكون صحيحا وهو بالنسبة إلى ذلك الذى قابل للوقفية والآخر باطل وهو بالنسبة إلى ذلك الآخر الذى ليس قابلا لان يكون وقفا. واما لو وقف دارا يكون نصفها المشاع له ونصفها الآخر لشخص اخر وليس

 

الواقف مأذونا من قبل ذلك المالك ولا وليا عليه فالانحلال هاهنا دائر مدار القول بصحة وقف المشاع فان قلنا بصحته تحقق الانحلال وكان صحيحا بالنسبة إلى ما يملكه مشاعا وباطلا بالنسبة إلى النصف الآخر. ومنها: المضاربة فلو اعطى العامل مقدارا من الدراهم والدنانير مضاربة بعقد واحد فظهر ان احد النقدين أو بعض احدهما مال الغير ولم يأذن للعاقد بجعله مضاربة فينحل عقد المضاربة إلى عقدين احدهما صحيح وهو الواقع على مال نفسه أو على ما هو مأذون من قبل المالك في اعطائه للعامل مضاربة والثانى باطل وهو الواقع على نقود الغير من دون اذنه ورضاه ولا اجازته بعد الوقوع بناء على تأثير الاجازة المتأخرة. والحاصل انه إذا كانت المضاربة الواقعة بعقد واحد بالنسبة إلى بعض ما وقعت عليه واجدة لشرائط الصحة وبالنسبة إلى البعض الاخر غير واجدة لها فينحل عقد تلك المضاربة إلى عقدين احدهما صحيح وهو الواجد لشرائط الصحة والاخر باطل وهو الفاقد لشرائطها، وهكذا الحال في سائر العقود من المزارعة والمساقاة والصلح وغيرها. واما الايقاعات فمنها العتق فإذا اعتق عبدا وكان نصفه مثلا له ونصفه الآخر لغيره، ففى هذا الفرض لا يمكن الانحلال كى يقال بالصحة بالنسبة إلى ما هو ملكه وبعدمها بالنسبة إلى النصف الآخر الذى لغيره وانه باق على ملك مالكه، لان العتق لا يتبعض بل يسري إلى ذلك النصف الآخر الذي ليس له فينعتق تمامه ويقوم حصة الشريك عليه ان كان موسرا، وان كان معسرا وقصد الاضرار على شريكه قيل ببطلان عتقه فلا يقع منه شيء وقيل بانعتاق تمام العبد ولكن هو يسعى في قيمة حصة الشريك ويعطيها له، وعلى كل حال لا يأتي الانحلال المصطلح أي: يكون العتق صحيحا بالنسبة إلى حصة نفسه وباطلا بالنسبة إلى حصة شريكه.

 

نعم لو اعتق عبدين فظهر مانع شرعي عن عتق احدهما - مثل انه كان كافرا بناء على عدم صحة عتق الكافر أو كان احدهما رهنا عند غيره أو كان عتقهما من جهة الكفارة وكان احدهما كافرا أو غير ذلك من الموانع - فينحل الايقاع إلى ايقاعين احدهما صحيح وهو بالنسبة إلى العبد الذي لا مانع من عتقه شرعا والثاني باطل وهو بالنسبة إلى العبد الذي لا يصح عتقه لمانع شرعا. ومنها: الطلاق فلو طلق زوجتين له بطلاق واحد وكان طلاق احديهما واجدا لشرائط صحة الطلاق دون طلاق الاخرى فمثل ذلك الطلاق ينحل إلى طلاقين احدهما صحيح والآخر باطل. ومنها: النذر فلو نذر بصيغة واحدة عتق عبدين أو ذبح شاتين احد العبدين له والآخر ملك لغيره وكذلك في الشاتين بان كان احدهما ملكا له جائز له التصرف والآخر ليس له أو ليس له التصرف فيه وان كان ملكه فينحل ذلك النذر إلى نذرين احدهما صحيح والآخر باطل وهكذا الامر بعينه في العهد واليمين وسائر الايقاعات فلا نطول المقام. ثم انه لا اشكال في جريان خيار تبعض الصفقة في موارد الانحلال في العقود المعاوضية للبايع والمشتري بالنسبة إلى ما ينتقل اليهما لان المفروض انه في موارد الانحلال تبطل المعاوضة بالنسبة إلى بعض كل واحد من العوضين فلا يأتي بيد كل واحد من المتعاقدين تمام ما جعل عوضا في المعاملة فيتبعض صفقة كل واحد منهما مع بنائه على ان المجموع يأتي بيده ورضائه بالمعاوضة على هذا التقدير فتبعيض الصفقة والحكم بكونه ملزما بأخذ البعض دون البعض الآخر يكون على خلاف التزامه ورضائه فيتدارك بالخيار اجماعا مع ان لازم الانحلال عدم تبعض الصفقة لان الانحلال يرجع إلى ان هناك عقدان احدهما باطل والآخر صحيح فما هو العقد الصحيح ليس فيه تبعض الصفقة كى يأتي خياره. وبعبارة اخرى لا يبقى موضوع لخيار تبعض الصفقة.

 

وفيه ان الانحلال علة لتبعض الصفقة فكيف يمكن ان يكون موجبا لانعدامه ؟ وهل هذا الا التناقض. ووجه الاشتباه هو ان المتوهم تخيل ان معنى الانحلال ان هذا العقد الواحد من اول الامر يكون مركبا من عقدين مستقلين لا ربط لاحدهما بالآخر غاية الامر يكون احدهما باطلا والآخر صحيحا وكل واحد منهما اجنبي عن الآخر فكل واحد من هذين العقدين لم تتبعض فيه الصفقة وانما يكون احدهما صحيحا لوجود شرائط الصحة فيه دون الآخر. ولكن هذا اشتباه، بل المجموع كان عقدا واحدا وانشاء واحدا، غاية الامر حلله العقل وكذلك الفهم العرفي إلى عقدين احدهما صحيح والآخر باطل. وحيث ان الرضا وطيب النفس في معاوضة المجموع بالمجموع فلذلك جاء الخيار. والحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا.