قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه

51 - قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه 

 

قاعدة بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه * ومن جملة القواعد الفقهية بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه والبحث فيها من جهات. الاولى في بيان المراد منها وما هو مفادها فنقول: المراد منها أن المتعاقدين والمتعاملين إذا تعاقدا وتعاهدا والتزما مثلا في باب البيع بأن تكون هذه العين التي لاحدهما ملكا للآخر بعوض ثمن المسمى من الاخر لصاحب تلك العين ومالكه، فالوفاء بهذه المعاهدة عبارة عن أن صاحب العين يسلم تلك العين إلى مالك الثمن، وكذلك الامر من طرف مالك الثمن. فوفاؤه بهذه المعاملة معناه تسليم الثمن إلى مالك تلك العين، وتسلم العين منه فإذا تعذر الوفاء بالمعنى المذكور تعذرا دائميا، يكون مثل هذه المعاهدة لغوا باطلا عند العقلاء، ولا فرق بين أن يكون تعذر الوفاء من طرف واحد أو من طرفين، وفي كلتا الصورتين تكون المعاملة باطلة لان المعاهدة من الطرفين والعقد قائم بكلا المتعاقدين فعجز أحدهما في بطلان تلك المعاملة مثل عجز الطرفين. وهذا الامر يجري في جميع العقود والمعاملات، ففي باب الاجارة مثلا لو آجر دارا أو دكانا أو خانا أو دابة أو سيارة أو طيارة أو غير ذلك مما يصح تمليك منفعته

 

(هامش)

 

. قواعد الاحكام ج 2، ص 112. (*)

 

بعوض معلوم، والتزم كل واحد من المؤجر والمستأجر، وتعاقدا وتعاهدا على ذلك، فلو تعذر وفاء كليهما أو أحدهما بهذه المعاوضة، يكون مثل هذا الاجارة فاسدة وباطلة سواء كان تعذر الوفاء بالتزامه لاجل تلف أحد العوضين، أو كليهما، أو كان لجهة اخرى. وكذلك الحال في سائر العقود والمعاملات حتى في مثل الوكالة التي هي من العقود الاذنية لو تلف المال الذي وكله في بيعه أو شرائه أو في سائر التصرفات فيه، تبطل الوكالة وكذلك في العارية والصلح والهبة والرهن وغيرها من المعاوضات، وكذلك في الوديعة لو عجز الودعي عن حفظ ما اودع عنده، يبطل عقد الوديعة، ويجب عليه رده إلى صاحبه، والضابط الكلي في هذا المقام هو ما ذكرنا في عنوان القاعدة، وهو تعذر الوفاء بمضمون المعاملة تعذرا دائميا من المتعاقدين أو من أحدهما. الجهة الثانية في بيان مدرك هذه القاعدة وهو امور: الاول الاجماع وقد عرفت مرارا أن دعوى الاجماع في أمثال هذه المسائل التي لها مدرك أو مدارك اخر لا تفيد شيئا يركن إليه. والدليل الثاني الذي يمكن أن يعتمد عليه هو أن صحة العقد وفساده امران متقابلان، فان كان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة كما هو الصحيح لان المراد بالصحة والفساد التمامية وعدم تمامية المعاملة من حيث الاجزاء والشرائط وعدم الموانع وتعريفهما بما يترتب الاثر المقصود من ذلك العقد، وعدم ترتبه تعريف باللازم والمتقابلان بالعدم والملكة في الموضوع القابل في حكم النقيضين، لا يمكن ارتفاعهما

 

فإذا ارتفع أحدهما لابد وأن يكون الاخر موجودا. وفيما نحن فيه بعد ما كان التعذر من أحدهما أو كليهما دائميا، فالوفاء بهذه المعاملة لا يمكن فلا يشملها أوفوا بالعقود، لانه تكليف بالمحال وقبيح، فترتفع الصحة، لان الاثر الظاهر للصحة هو وجوب الوفاء بالعقد، وترتيب آثار الصحة، فعدم إمكانه دليل على عدم الصحة فإذا لم يكن صحيحا لابد وأن يكون فاسدا وباطلا وإلا يلزم ارتفاع النقيضين. إن قلت يمكن القول بالصحة ويكون أثرها ضمان التالف ثمنا كان أو مثمنا أو أي متعلق في أي عقد من هذه العقود المتداولة بين العقلاء، وليس بقاء نفس العوضين أو أحدهما من أركان المعاملة بل يمكن الالتزام ببقاء اللزوم وأخذ المثل أو القيمة من صاحب المال التالف قلنا أولا إن بعض العقود ليس المتعذر مما يدخل فيه الضمان، مثلا لو تعاقدا على المسابقة على فرس خاص فمات الفرس قبل الشروع في المسابقة، أو تعاقدا على المرامات بقوس خاص فانكسر قبل الشروع في المرامات، فلا وجه للضمان في مثل هذه الموارد، بل تبقى المسابقة في الفرض الاول والمراماة في الفرض الثاني بلا موضوع لان موضوع المسابقة في المثال الاول كان هو السبق مع الفرس المخصوص، وموضوع المراماة في المثل الثاني هو الرمي بقوس خاص وانكسر، فيبقى المرامات بلا موضوع ويكون حال تلف القوس حال شلل أحد المتراميين وحال تلف الفرس حال شلل أحد المتسابقين. وحاصل الكلام أن إمكان القول بضمان المثل في المثلي والقيمة في القيمي، فيما إذا كان التالف مالا منتقلا إلى أحد المتعاقدين، فوقع عليه التلف قبل قبض من انتقل إليه، فيمكن أن يقال بضمان من وقع في يده التلف، مع أنهم لم يقولوا بذلك، بل قالوا بأن تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري من مال البايع بانفساخ العقد آنا ما قبل التلف، وقد

 

شرحنا هذه القاعدة أي قاعدة كل مبيع تلف قبضه فهو من مال بائعه في الجزء الثاني من هذا الكتاب (1) مفصلا، وإن شئت فراجع. وثانيا إن الضمان إما عقدى وهو أن يضمن ما في ذمة شخص فينتقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، ويسمى بالضمان العقدي، لانه عقد يحتاج إلى ايجاب وقبول، فالايجاب من الضامن والقبول من المضمون له، فالضامن يقول مثلا أنا ضامن لما في ذمة زيد لك أو يقول أتعهد بما في ذمة زيد لك، والمخاطب المضمون له، فيقول المضمون له: قبلت أو ما يفيد الرضا بذلك وأما المضمون عنه فأجنبي عن هذه المعاملة حتى أن رضاه بهذه المعاملة ليس بشرط. وإما يكون من قبيل ضمان المعاوضي في باب المعاوضات والمعاملات، وهو المسمى بضمان المسمى وهو الذي يسميه المتعاقدان ويجعلونه عوضا لما ينتقل إليه من طرفه، فكل واحد من العوضين في باب المعاوضات يسمى بضمان المسمى، فالمبيع ضمان المسمى للثمن كما أن الثمن ايضا ضمان المسمى للمبيع وقد عبر عليه السلام في رواية عقبة بن خالد عن المسمى بالضمان حيث قال عليه السلام فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه. (2) وإما يكون ضمانا واقعيا والمراد به المثل في المثلي والقيمة في القيمي، والضمان الواقعي عبارة عن كون الشيء بوجوده الاعتباري في ذمة الشخص، وإن شئت قلت عبارة عن اعتبار وجود الشيء في ذمة الشخص، وذلك لان الامر الاعتباري لا وجود له في الخارج، وإلا لكان داخلا تحت إحدى المقولات العشر، والخارج ليس وعاء لوجوده، بل وعاء لاعتباره، ولا يخرج عن عهدة هذا الامر الاعتباري ولا تفرغ ذمته إلا بأدائه إلى من هوله، وأدائه بعد انعدام نفسه في الخارج في الدرجة

 

(هامش)

 

1. راجع القواعد الفقهية ج 2، ص 77. 2. الكافي ج 5، ص 171، باب ا لشرط والخيار في البيع، ح 12، وسائل الشيعة ج 12، ص 358، أبواب الخيار، باب 10، ح 1. (*)

 

الاولى بالمثل فان تعذر أو تعسر فبالقيمة، وقد شرحنا هذه المسألة في قاعدة وعلى اليد ما اخذت حتى تؤديه. (1) وسبب هذا الضمان قد يكون العقد كما في عقد الدين، فان حقيقة الدين هو تمليك شيء بضمانه الواقعي، وقد يكون اليد غير المأذونة وقد يكون الاتلاف، وشرحنا كل واحدة من القاعدتين، وإن شئت فراجع. إذا عرفت ذلك فنقول: إذا تعذر الوفاء بمضمون العقد من باب تلف أحد العوضين الشخصيين أو لجهة اخرى، فليس هناك ما يوجب الضمان الا اليد غير المأذونة، ولا الاتلاف، ولا عقد كان مفاده الضمان، كل ذلك لم يكن. وإن قلت إن المسمى استقر في ذمته، فإذا تعذر يجب عليه تفريغ ذمته باعطاء مثله أو قيمته. قلنا اما في المعاملات الواقعة على اشخاص الاموال الخارجية لا يشتغل ذمته بشئ، وإنما المالك لتلك العين يخرجها عن ملكه ويدخلها في ملكه طرفه، فلم يستقر في ذمته شيء، وإنما يجب عليه اداؤه إلى صاحبه الجديد تكليفا، فإذا تعذر يسقط هذا التكليف، وليس شيء في البين يوجب الضمان، واما المعاملات الواقعة على الكليات فليس التعذر فيها بمعنى تلف العين، لان العين لم تكن موردا للمعاملة قط، بل المراد التعذر من جهات اخر. مثلا لو باع كمية من الحنطة فتعذر عليه الاداء لانه صار معدما فقيرا لا يقدر حتى على أداء قيمته، فمثل هذه المعاملة تنحل قهرا لما ذكرنا من تقابل العدم والملكة بين الصحة والفساد وهما في الموضوع القابل بحكم النقيضين لا يمكن ارتفاعهما، ولا يمكن أن تكون صحيحة لعدم إمكان الوفاء بها، فقهرا تكون باطلة. الثالث بناء العقلاء فانهم يرون مثل هذا العقد الذي يتعذر الوفاء به من

 

(هامش)

 

1. راجع القواعد الفقهية ج 4، ص 53. (*)

 

الطرفين، أو من طرف واحد لغوا وباطلا. وذلك لما بينا وشرحنا في قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه (1) من أن العقلاء في باب العقود المعاوضية وإن كانوا ينشأون المبادلة بين المالين والعوضين في عالم الاعتبار التشريعي، وهذا المعنى يقع في عالم التشريع إذا كان العقد الواقع جامعا لشرائط العقد والمتعاقدين والعوضين، وليس متوقفا على النقل والانتقال الخارجي، ولكنهم يرون هذه المبادلة مقدمة لوصول كل واحد من العوضين إلى الآخر بدل العوض الذي يعطيه للآخر، بحيث لو لم يتحقق النقل والانتقال الخارجي تكون تلك المبادلة لغوا، وتكون المعاملة كالمعاملات السفهية باطلة عندهم. فكما أنه لو علموا من أول الامر بعدم قدرة كلا المتعاقدين أو أحدهما على الوفاء بهذا العقد، يكون ذلك العقد لغوا عندهم ولا يرتبون أثر الصحة عليه، فكذلك لو طرء العجز وتعذر الوفاء به بعد الوقوع قبل القبض والاقباض، يكون بقاء العقد والمعاهدة لغوا لما قلنا إن هذه المعاقدة والمعاهدة تكون مقدمة للاخذ والاعطاء، إذ الذي يدور عليه نظام معاش العباد وبه قوام معيشتهم، هو التبادل والاخذ والاعطاء خارجا، وتكون المعاملات والمبادلات الاعتبارية لاجل تلك الانتقالات الخارجية، والا فنفس تملك الناس في عالم الاعتبار التشريعي المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب من دون حصول وجوداتها الخارجية لهم، لا أثر له، فان الناس يحتاجون إلى هذه الاشياء خارجا وقوله عليه السلام في مقام بيان حجية بعض الامارات وإلا لما قام للمسلمين سوق (2) المراد من السوق هو السوق الخارجي لا المبادلات الاعتبارية من دون أخذ وعطاء في البين.

 

(هامش)

 

1. راجع قواعد الاحكام ج 2، ص 77. 2. الكافي ج 7، ص 387، باب بدون العنوان، (من كتاب الشهادات) ح 1، الفقيه ج 3، ص 51، باب من يجب رد شهادته ومن يجب قبول شهادته، ح 3281، تهذيب الاحكام ج 6، ص 261، ح 695، باب البينات، ح 100، وسائل الشيعة ج 18، ص 215، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، باب 5 ح 2. و نصه: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق . (*)

 

وأيضا من الواضح المعلوم أن ما هو موجب لاختلال النظام هو عدم المبادلات الخارجية لا الاعتبارية، ولكذلك ترى أن الاسواق دائرة بنفس المبادلات الخارجية والاخذ والاعطاء معاطاة من دون عقد في البين، ولا يأتي هاهنا الاشكال الذي أشكلنا في مسألة تلف المبيع قبل قبض المشتري، وهو الانفساخ قبل التلف آناما. وذلك من جهة أن الالتزام بالانفساخ قبل التلف آنا ما كان من جهة الرواية التي كان مفادها أن تلف المبيع قبل قبض المشتري يكون من مال البايع، أي التلف وقع على مال البايع، مع أنه بنفس العقد صار مالا للمشتري، فكون التلف في مال البايع لا يعقل إلا بالانفساخ آناما قبل التلف، ولا حاجة إلى هذا التقدير فيما نحن فيه، لعدم كونه من موارد تلك الرواية دائما، لان تعذر الوفاء ليس منشأه دائما تلف المبيع قبل أن يقبض بل له أنحاء الجهة الثالثة في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: منها لو استأجر مرضعة لارضاع ولده فمات الولد أو المرضعة أو كلاهما قبل أن ترضعه أو يبس لبنها، فتبطل الاجازة لتعذر الوفاء بذلك العقد من طرف واحد، وقد يكون التعذر من الطرفين كما إذا استأجر الحمال لحمل متاع معين، فتلف المتاع وعجز الحمال عن الحمل لمرض أو جهة اخرى، كل ذلك قبل الشروع في العمل أو استأجر الصائغ لصنع ذهب خاص مثلا آلة من أدوات الزينة، فعجز الصائغ عن العمل وتلف الذهب قبل أن يشتغل بالصنع. وأمثلة هذا الفرع كثيرة في باب الاجراء، سواء كان التعذر من طرف واحد أو

 

من الطرفين. ومن هذا القبيل عجز النائب الاجير عن أداء ما استوجر عليه من العبادات كالحج والصلاة والصوم، وزيارات المعصومين أو قرائة القرآن وأمثال ذلك، إذا اشترط المستأجر على الاجير مباشرة نفسه، كل ذلك لاجل تعذر الوفاء من طرف الاجير هذا في باب استيجار الاجراء. وكذلك الامر في إجارة الاعيان كما إذا آجر دار أو خانا أو دكانا فانهدمت ووقعت في الجادة العمومية بحيث لا يمكن بنائها عادة أو في مدة الاجارة، أو صارت غير قابلة للانتفاع بها أصلا ولو قليلا، كما إذا استأجر دابة لركوبه في سفر أو لحمل متاع عليها فتلف قبل الركوب أو قبل الحمل عليها فيكون ذلك العقد باطلا. والضابط الكلي في باب اجارة الاعيان هو تلف العين المستأجرة أو سقوطها عن الانتفاع بالمرة، ففي مثل ذلك تبطل الاجارة، لان عقد الاجارة مفاده تمليك منفعة العين بذلك العوض المعلوم، فالوفاء بهذا العقد بالنسبة إلى المؤجر أن يسلم إلى المستأجر عينا ذات منفعة معلومة فإذا تلفت تلك العين التي وقعت عليها الاجارة أو سقطت عن تلك المنفعة المعلومة، فلا يقدر أن يسلم إلى المستأجر مثل تلك العين التي آجرها والضابط في التعذر في باب استيجار الاجراء هو عدم الاجير عن الاتيان بما آجر نفسه له. هذا في عقد الاجارة. وكذلك الامر في سائر العقود المعاوضية ففي البيع إن باع عينا شخصيا فوقع عليها التلف، أو كانت حيوانا غير أهلي فشرد بحيث لا يمكن أخذه وإرجاعه عادة، سواء كان من الطيور أو من غيرها كالغزال وغيره، فالبايع لا يقدر على الوفاء بهذا العقد فيبطل. وكذلك الامر بالنسبة إلى المشتري والثمن الشخصي، فإذا تعذر له الوفاء بهذا

 

العقد فيبطل العقد ولا يبطل بموت أحد المتبايعين لقيام الوارث لكل واحد منهما مقام مورثه، وكذلك الامر في العارية فهو مثل الاجارة. والفرق بينهما أن تمليك المنفعة في الاجارة يكون بعوض، وفي العارية تمليك المنفعة أو الانتفاع يكون مجانا بلا عوض، فهما كالبيع وهبة الاعيان غير المعوضة 232 حيث أن البيع تمليك عين متمولة بعوض مالي، وهبة الاعيان أيضا تمليك عين لكن مجانا، وبدون عوض، إذا كانت الهبة غير معوضة. وكذلك الامر في الصلح فإذا لم يقدر المصالح على أداء مال المصالحة وتعذر الوفاء بالعقد، يكون الصلح باطلا، وكذلك الامر في الرهن، فلو لم يقدر الراهن على تسليم العين المرهونة إلى المرتهن أو إلى من رضيا بأن تكون عنده فيكون عقد الرهن باطلا، وكذلك لو تلفت العين المرهونة قبل أن يقبضها المرتهن يبطل الرهن. فلو رهن نخيلا فيبست أو دارا أو دكانا أو خانا فانهدمت يبطل عقد الرهن أو ثويا فاحرقت أو متاعا ففسدت بحيث لا يشتريه أحد ولا يبذل بازائه المال. وكذلك الحال في عقد الكفالة، فلو تعذر للكفيل الوفاء بذلك العقد كما لو مات المكفول، يبطل عقد الكفالة ويبرء الكفيل عند المشهور. وكذلك الامر في عقد المضاربة فلو عجز العامل عن العمل لمرض أو لجهة اخرى ولم يقدر على الوفاء بعقدها، فيبطل عقد المضاربة. وكذلك الامر لو مات العامل وكذلك الامر في المقارض بكسر الراء أي رب والمال فإذا لم يقدر على إعطاء المال والوفاء بعقد المضاربة يكون العقد باطلا. وكذلك الامر في العارية هي عبارة عن تمليك المنفعة أو تمليك الانتفاع فلو عقدا على كون شيء له منفعة عارية عند المستعير، بأن يقول المعير أعرتك إياه وصدر القبول من المستعير، فقبل أن يعطي للمستعير تلف ذلك الشيء أو سقط عن

 

الانتفاع أو مات المعير أو جن، فيبطل عقد العارية، وذلك لتعذر الوفاء بذلك العقد في جميع الموارد المذكورة وكذلك لو باعه أو وهبه يبطل العقد، لان ذلك الشيء بعد بيعه أو هبته لشخص آخر يخرج أمره من يد المعير، ويصير ملكا لغيره فلا يبقى موضوعا لاعارة المعير، وليس لتمليك المنفعة أو الانتفاع أو لاذنه في التصرف فيه أثر بقاء أي بعد خروجه من يده، بل يكون الاثر لتمليك المالك الثاني أو إذنه. وكذلك الامر في المزارعة والمساقات فإذا وقع عقد المزارعة والمساقات، فيجب الوفاء على كلا الطرفين، فلو عجز عن العمل ولم يقدر على الوفاء بالعقد أو مات فيما إذا اشترط المالك عليه المباشرة بنفسه، يبطل العقد، وكذلك الامر في الوديعة فلو عجز عن الحفظ ولم يقدر على الوفاء بالعقد يبطل عقد الوديعة، ويجب عليه رده كما أنه يبطل بموت الودعي. وخلاصة الكلام أن هذه القاعدة تجري في جميع العقود المعاوضية فلا نطول الكلام. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.