قاعدة كل كافر نجس كتابيا كان أو غيره

55 - قاعدة كل كافر نجس كتابيا كان أو غيره 

 

قاعدة كل كافر نجس كتابيا كان أو غيره ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة كل كافر نجس وفيها جهات من البحث. الجهة الاولى في بيان المراد منها أقول: الكافر على اقسام ويجمعها عدم التصديق بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله أو إنكار شيء ضروري الثبوت في دينه من العقائد الحقة أو الاحكام الشرعية فمن أنكر وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الحج بعد اجتماع شرايط وجوب هذه الامور فهو كافر. فالقسم الاول من الكافر الذي هو الذي ينكر وجود صانع وخالق للعالم ويعتقد بأن مادة هذا العالم المادي قديم بالذات، وليس وجودها مسبوقا بالعدم الواقعي المقابل للوجود، فليست حادثة كي يحتاج إلى العلة التي توجدها. وهؤلاء هم الطبيعيون الذين يزعمون أن الانواع والاشخاص الموجودة من هذا العالم المادي من اختلاط المواد الاصلية والذرات القديمة بعضها ببعض وأفاعليها وانفعالاتها وهؤلاء هم أكفر الكفار. القسم الثاني المنكرون للتوحيد وهم المشركون وهم أقسام كثيرة فمنهم من ينكر توحيد الذات الاحد القديم ويقول بأصلين قديمين بالذات أو

 

أكثر، وربما ينسب هذه العقيدة إلى المجوس القائلين بمبدئين قديمين النور والظلمة أو بقولهم يزدان واهرمن، ولكن الظاهر أنهم لا يقولون بمبدئين قديمين بالذات، وإنما ينكرون التوحيد في مقام الفاعلية لا في مقام الذات، ولتفصيل المسألة مقام آخر. ومنهم من ينكر التوحيد في مقام الفاعلية ويرون المؤثر في الحوادث والموجوات غير الله أيضا وهذا القسم من المشركين كثيرون، وهؤلاء عبدة الاصنام التي ينحتونها هم أنفسهم، أو يصنعونها من أحد الفلزات أو عبدة الاجرام السماوية كالشمس والقمر وغيرهما، أو غير ذلك من النباتات والجمادات. وكان مشركو العرب وأهل مكة من هذا القسم الذين ابتلى رسول الله صلى الله عليه وآله بهم، بل غالب الانبياء العظام سلام الله عليهم كموسى وابراهيم وغيرهما ابتلوا بهذا القسم من المشركين، وليس مقامنا مقام شرح الاديان وتفصيل المذاهب. القسم الثالث الذين ينكرون الرسالة إما جميع الانبياء حيث يقولون بكفاية العقل الذي خلقه الله لعباده وجعله رسولا باطنيا، وهو يكفي في لزوم الاجتناب عن ارتكاب القبايح، وما فيها من المفاسد، ولزوم الارتكاب لما فيها المحاسن والمصالح، وإما ينكرون نبوة بعض الانبياء الذين هم اولوا العزم بل كل نبي في عصره دون بعض وذلك كالكتابيين بعد ظهور نبينا صلى الله عليه وآله وبعثته. القسم الرابع هم الذين ينكرون ضروريا من ضروريات الدين، سواء كان ضروريا في جميع الاديان الحقة كالمعاد الجسماني أو كان ضروريا في خصوص دين الاسلام كوجوب الصلاة والزكاة وحرمة شرب الخمر والزنا واللواط والسرقة وغيرها من الضروريات. فظهر مما ذكرنا أنه من أوضح مصاديق منكر الضروري من يقول بوجود نبي بعد نبينا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله فلا شك في كفر من يدعي النبوة أو يعتقد نبؤة شخص بعد بعثة خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله فهذه الفرقة الضالة الذين يدعون مثل هذه المقالة في عصرنا لا شك في كفرهم.

 

وأما المجسمة والغلاة والخوارج والنواصب سنتكلم عنهم إنشاء الله في خاتمة هذه القاعدة. وأما الكتابي فهو الذي يعتقد ويؤمن بكتاب منزل من السماء على نبي من الانبياء مما عدا القرآن الكريم، لان المعتقد والمؤمن بالقرآن، وأنه منزل من السماء على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله ليس بكافر إلا أن ينكر ضروريا من ضروريات الدين وإذا تبين ما ذكرنا، فالمراد من هذه القاعدة نجاسة كل قسم من الاقسام الاربعة المذكورة. الجهة الثانية في بيان أقوال الفقهاء في هذه المسألة والقاعدة فنقول: المشهور عند الامامية هو القول بنجاسة الكفار مطلقا ذميا كانوا أو حربيا كتابيا أو غير كتابي بل ادعى الاجماع عليها جمع من الفقهاء المتقدمين كما في الغنية (1) والناصريات (2) والانتصار (3) والسرائر (4) وغيرهم بل ادعى الشيخ في التهذيب (5) إجماع الفقهاء قاطبة من الامامية ومن مخالفيهم. ولكن الظاهر أن المشهور بين المخالفين هو القول بطهارتهم حتى أنه في الفقه على المذاهب الاربعة (6) يدعي طهارتهم حيا وميتا ويستدل على ذلك بقوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم (7) ومن تكريمهم طهارة ابدانهم حيا وميتا ولم ينقل قولا بالنجاسة من

 

(هامش)

 

1. العنية ضمن الجوامع الفقهية ص 551. 2. الناصريات ضمن الجوامع الفقهية ص 180. 3. الانتصار ص 10. 4. السرائر ج 1، ص 73. 5. تهذيب الاحكام ج 1، ص 223. 6. الفقه على المذاهب الاربعة ح 1، ص 6. 7. الاسراء (17): 70. (*)

 

أحد المذاهب الاربعة ومقابل المشهور أو المجمع عليه قول شاذ من بعض الامامية بطهارة خصوص الكتابي منهم، ونسب هذا القول من القدماء إلى ابن الجنيد (1) في مختصره، وأنكر صاحب الجواهر (2) صراحة كلامه في ذلك ومع ذلك طعن عليه بأنه قائل بالعمل بالقياس وأن أقواله مرفوضة عند الفقهاء لذلك. وعلى كل حال المتتبع في الفقه يحصل عنده الشهرة المحققة من اصحابنا الامامية على نجاسة الكفار مطلقا وان كان كتابيا كما أن المشهور بين المخالفين خلاف ذلك. الجهة الثالثة في بيان الادلة الدالة على هذه القاعدة، وشرحها وكيفية دلالتها. الاول الاجماع، وقد ادعاه جمع كثير وقد تقدم ذكر بعضهم والعبارة المنقولة عن الوحيد البهبهاني قده (3) أن الحكم بنجاسة الكفار وإن كان كتابيا من ضروريات المذهب وشعار الشيعة يعرفه المخالفون لهم عنهم، رجالهم ونسائهم بل صبيانهم، قال في الجواهر بعد أن حكى كلام القديمين ابن الجنيد وابن عقيل، وأنكر ظهور كلامهما في طهارة أهل الكتاب: فلا خلاف حينئذ يعتد به بيننا في الحكم المزبور، بل لعله من ضروريات مذهبنا، ولقد أجاد الاستاد الاكبر بقوله إن ذلك شعار الشيعة يعرفه منهم علماء العامة وعوامهم ونسائهم وصبيانهم بل وأهل الكتاب. (4) والانصاف أن اتفاق فقهاء الشيعة الامامية الاثني عشرية على هذا الحكم مما لا يمكن ان ينكر ومخالفة شاذ من المتأخرين منهم لا يضر بهذا الاجماع والاتفاق اللهم

 

(هامش)

 

1. نقله عنه في كشف اللثام ج 1، ص 46. 2. جوهر الكلام ج 6، ص 42. 3. نقله عنه في جواهر الكلام ج 6، ص 42. 4. جواهر الكلام ج 6، ص 42. (*)

 

إلا أن يقال: إن اعتماد المتفقين في هذا الحكم على المدارك الآتية فليس من الاجماع المصطلح الاصولي الذي نقول بحجيته. الثاني قوله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام. (1) وتقريب الاستدلال بهذه الاية الشريفة على نجاسة الكفار وتقريره: أما بالنسبة إلى المشركين أي عبدة الاصنام والثنوية فواضح لا يحتاج إلى البيان. وأما بالنسبة إلى المنكرين لاصل الالوهية الذين لا يقولون بوجود خالق للعالم فبالاولوية القطعية، لان منشأ هذه النجاسة هو خبث النفس ودنائتها، ولا شك أن مثال هذا المعنى في الماديين المنكرين لوجود الصانع الحكيم ثبوته بنحو أشد، لان الخباثة والدنائة في نفوسهم أزيد واكد. وأما بالنسبة إلى أهل الكتاب: أما المجوس على القول بأنهم منه فواضح، لانهم الثنوية القائلون بمبدئين ويعبرون تارة بالنور والظلمة، وأخرى بيزدان الذي هو مبدء الخيرات عندهم وأهرمن الذي هو مبدء الشرور باعتقادهم. وأما بالنسبة إلى اليهود والنصارى فلاطلاق المشرك عليهم في الكتاب العزيز في قوله تعالى وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله إلى قوله تعالى شأنه سبحانه عما يشركون (2) فنسب اليهود والنصارى إلى الشرك بقوله سبحانه عما يشركون. وأشكل على الاستدلال بهذه الاية بوجوه: الاول أن النجس بفتح الجيم مصدر ولا يحمل المصدر على الذات إلا بتقدير ذو فيكون معنى الاية بناء على هذا أن المشركين ذو نجاسة، ومن هذا لا يستفاد أنها

 

(هامش)

 

1. التوبة (9)، 28. 2. التوبة (9): 30 - 31. (*)

 

نجاسات ذاتية، بل يصدق عليهم هذا العنوان، وإن كانت نجاستهم عرضية. وفيه أن حمل المصدر على الذات باعتبار المبالغة وادعاء أنه من مصاديقه أظهر من التقدير حسب المتفاهم العرفي من امثاله هذه التراكيب. وقد يقال في الجواب عن هذا الاشكال بأن النجس بفتح الجيم كما يصح أن يكون مصدرا كذلك يصح أن يكون صفة لان الصفة المشبهة كما أنها من الثلاثي اللازم على وزن فعل بكسر العين كذلك تأتي على وزن فعل بفتح العين كحسن، وصرح في القاموس بذلك في هذه المادة، وقال: النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد ضد الطاهر. (1) وفيه أن النجس بفتح الجيم وإن كان يأتي صفة كما أنه يصح مصدرا فيكون مشتركا بين المصدر والصفة، ولكن لا يمكن أن يكون هاهنا صفة لعدم مطابقة الخبر مع المبتدا في الافراد والجمع، مع أن الخبر صفة. وهذا الاشكال لا يرد إن كان مصدرا لان المطابقة في الافراد والجمع ليس شرطا إذا كان الخبر مصدرا فيقال شهود عدل، ولا يصح أن يقال شهود عادل. ولا يخفى أنه لو كان النجس مصدرا وكان حمله على المشركين من باب المبالغة فلا يناسب النجاسة العرضية ويكون ظاهرا في الذاتية، فالحق ما أفاده الشيخ الاعظم الانصاري (2) في هذا المقام وهو أن النجس إما مصدر وإما صفة، وأيا ما كان يكون ظاهرا في نجاستهم الذاتية. الثاني أن الدليل على فرض تماميته أخص من المدعى، لان المدعي نجاسة كل كافر والدليل لا يثبت إلا نجاسة خصوص المشرك منهم. وفيه أنه قد تقدم شمول الاية للمنكرين لاصل الالوهية بالاولوية ولاهل

 

(هامش)

 

1. القاموس المحيط ج 20، ص 262 (نجس) 2. كتاب الطهارة ص 308. (*)

 

الكتاب أي اليهود والنصارى، والمجوس أيضا بناء على أنهم أيضا من أهل الكتاب بالعموم والشمول لاطلاق المشرك على اليهود والنصارى في الكتاب العزيز. وأما المجوس فهم المشركون حقيقتا من دون عناية وتجوز في البين وأما في غيرهم كالمنكرين للضروريات مثلا فبعدم القول بالفصل لعدم الخلاف في نجاسة الكفار إلا في الكتابي وسنتكلم عنهم إنشاء الله في خاتمة هذا المبحث. الثالث أن المراد بالنجس ليس هو المعنى المصطلح بين الفقهاء الذي هو أحد الاحكام الشرعية الوضعية وهو مقابل الطهارة الشرعية التي هي أيضا أحد الاحكام الوضعية بل المراد هو المعنى الذي يفهمه العرف من هذه اللفظة إذ الخطابات الشرعية على طريقة المحاورات العرفية إذ لم يخترع طريقا خاصا لتفهيم المكلفين، فان كان في مورد إرادته من لفظ غير ما يفهمه العرف فعليه البيان، ولا شك أن معنى العرفي للفظ النجس هي القذارة فلابد وأن يحمل على قذارة النفس وخباثتها لا قذارة البدن لانه ليس في أبدانهم قذارة أزيد مما في أبدان المسلمين بل حالهم من هذه الجهة مع المسلمين سواء، فيكون أجنبيا عن مورد البحث. وفيه أن هذا البيان يجري في ما ورد في سائر النجاسات كالكلب والخمر والميتة وغيرها، ومع ذلك لم يتردد أحد من الفقهاء في حمل هذه الكلمة على المعنى الشرعي فقوله عليه السلام الكلب رجس نجس (1) لم يحمله أحد إلا على النجاسة الشرعية الاعتبارية. والسر في ذلك أن الشارع في مقام بيان أحكامه، ولا شغل له بالقذارات العرفية إلا أن يكون موضوعا لحكم شرعي، فإذا كانت النجاسة عنده أمر اعتبره في عالم التشريع، فلابد وأن يحمل اللفظ عليه إلا مع بيان على عدمه.

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، ص 225، ح 646، باب المياه وأحكامها، ح 29، الاستبصار ج 1، ص 19، ح 40، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب، ح 2، وسائل الشيعة ج 2، ص 1015، أبواب النجاسات، باب 12، ح 2. (*)

 

اللهم الا أن يقال: إن وقت نزول هذه الاية لم يشرع الطهارة والنجاسة بعد ولكن هذا الاحتمال لا مجال له لان هذه الاية في سورة البرائة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وكان ذلك الوقت الطهارة والنجاسة الشرعيين معروفتان عند المسلمين. الرابع أن المراد بالمشركين هم المشركون في ذلك الوقت أي مكة وسائر القبائل العربية الذين يأتون إلى الحج ويدخلون المسجد الحرام للطواف حول الكعبة، واولئك كلهم كانوا عبدة الاصنام والكتابيون لا يحجون في ذلك الوقت وإلى الان هم كذلك، فعلى تقدير كون النجاسة في الاية بالمعنى الشرعي لا يشمل غيرهم من سائر فرق الكفار. وفيه أن العبرة بعموم الكلام لا بخصوصية المورد، فإذا كان المشركون له العموم من جهة ظهور الجمع المعروف باللام في العموم لجميع الافراد التي يصلح للانطباق عليها، فورودها في مورد قسم خاص من المشركين لا يضر بالاستدلال بعمومها. فالانصاف أن هذه الاشكالات لا يرد شيء منها على الاستدلال بالاية الشريفة فالاية تدل على نجاسة المشركين مطلقا كتابيا كانوا أم غيرهم، وعلى غيرهم بعدم القول بالفصل، غاية الامر نجاسة ما عدا المشركين ليس مدلولا للاية، وإنما يثبت بأمر خارج عن الاية وهو القول بعدم الفصل. والعجب من المحقق الفقيه الهمداني أنه قال في مصباح الفقيه: إن المتبادر من الاية بشهادة سياقها مشركو أهل مكة التي انزلت البراءة من الله ورسوله منهم ومنعوا من قرب المسجد الحرام (1) مع أن الاية في مشركي خارج مكة لقوله تعالى بعد هذه الجملة: فان خفتم

 

(هامش)

 

1. مصباح الفقيه ج 1، ص 558. (*)

 

عليه فسوف يغنيكم الله من فضله (1) أي خفتم للفقر والنقص في معاشكم من ناحية عدم اتيانهم إلى الحج والى مكة وعدم انتفاعكم بما يأتون به من الاجناس والاموال التي كانت معهم للبيع والشراء معكم وكان اهل مكة خافوا انقطاع المتاجر عنهم بمنع المشركين من دخول الحرم، فوعدهم الله تعالى بأنه جل شأنه سوف يغنيهم من فضله، وهو تبارك وتعاى وفى بوعده، وكان يحمل الميرة إليهم من أنحاء العالم. وخلاصة الكلام في هذا المقام أن الاية الشريفة تدل على أن الله تبارك وتعالى منع المشركين عن دخول المسجد الحرام، لانهم أنجاس وحيث ان كلمة المشركون جمع معرف باللام فهو عام يشمل كل من ينطبق عليه هذا العنوان فالاية ظاهرة في أن كل مشرك نجس الموجودن في ذلك الزمان أو من يوجد فيما بعده إلى قيام القيامة وبقاء هذا الدين. اللهم الا أن يقال إن قوله تعالى انما المشركون نجس (2) من قبيل القضايا الخارجية والحكم فيها يكون على الافراد الموجودة في ذلك العصر، وفي ذلك القطر، فلا يشمل غيرهم، ولكن ما أظن أحدا يرتضي بهذه المقالة. ولا شك أن ظاهر هذه الجملة أي قوله تعالى إنما المشركون نجس كبرى كلية يعلل بها عدم جواز دخول مشركي القبايل في الحرم، ووجوب منعهم، فالتعليل عام يشمل المشركين الذين كانوا موجودين في ذلك الزمان ومن لم يكن ذلك الوقت موجودا، والذين كانوا يحجون كمشركي العرب في ذلك الزمان أو لا يحجون كسائر المشركين وكاليهود والنصارى. فالعمدة هو شمول لفظ المشرك لليهود والنصارى، وعدم شموله، وقد تقدم أنه

 

(هامش)

 

1. التوبة (9): 28. 2. التوبة (9): 28. (*)

 

أطلق المشرك في الكتاب العزيز على اليهود والنصارى في بعض الايات، وظاهر قوله تعالى أأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين (1) اثنين أن النصارى مشركون حقيقة، لانهم كانوا يعتقدون بالوهية عيسى وامه، وكانوا يعبدون عيسى. والشاهد على ذلك أنه لما نزل قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون (2) قال عبد الله ابن الزبعرى: أما والله لو وجدت محمدا لخصمته سلوا محمدا أكل من عبد من دون الله في جهنم مع من عبده، ونحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عزيرا، والنصارى تعبد عيسى بن مريم. فلما وصل هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما أجهله بلسان قومه، فان ما لغير ذوي العقول فلا يشمل هؤلاء، (3) وأجيب عن إشكالهم بوجه آخر لسنا في مقام الجواب عن هذا الايراد وجوابه، بل مقصودنا أن هؤلاء مشركون حقيقة في العبادة بل في الخلق والفاعلية فاليهود والنصارى الذين نسميهم باهل الكتاب شركهم من سنخ شرك مشركي أهل مكة كما كان يظهر من كلام ابن الزبعرى وأما المجوس فكونهم من المشركين أوضح حتى يعرفون بالثنوية القائلين بإله الخير ويسمونه يزدان، وإله الشر ويسمونه بأهرمن. وأما النصارى فالى اليوم يقولون بألوهية المسيح ابن مريم عليهما السلام فهذا كتاب المنجد في اللغة تأليف معلوف أحد الآباء اليسوعيين يقول في كلمة المسيح الاله المتجسد (4) فلا ينبغي أن يشك في شرك الطوائف الثلاث اليهود والنصارى والمجوس، ولا في دلالة قوله تعالى إنما المشركون نجس على نجاستهم.

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 116. 2. الانبياء (21): 98. 3. انظر: الكاشف ج 3، ص 136، أسباب النزول للواحدي، ص 175، الدر المنثور ج 5، ص 679. 4. المنجد في الاعلام ص 750 (يسوع). (*)

 

الثالث من الادلة الدالة على نجاستهم الاخبار المروية عن الائمة الاطهار عليهم السلام. منها موثقة سعيد الاعرج أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي والنصراني: أيؤكل أو يشرب؟ قال عليه السلام: لا. (1) منها: ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني قال عليه السلام: من وراء الثياب، فان صافحك فاغسل يدك. (2) منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمة والمجوس، فقال: لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر. (3) منها رواية الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي يدعونه إلى طعامهم، فقال: أما أنا فلا أواكل المجوسي وأكره أن احرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم. (4) منها ما عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد واصافحه؟ فقال: لا. (5)

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 347، باب الذبائح والمآكل، ح 4220، وسائل الشيعة ج 16، ص 384، أبواب الاطعمة المحرمة، باب 4، ح 1. 2. الكافي ج 2، ص 650، باب التسليم على أهل الملل، ح 10، تهذيب الاحكام ج 1، ص 262، ح 764، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 51، وسائل الشيعة ج 1، ص 262، أبواب النجاسات، باب 14، ح 5. 3. الكافي ج 6، ص 264، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 5، تهذيب الاحكام ج 9، ص 88، ح 372، باب الذبائح والاطعمة، ح 107، وسائل الشيعة ج 2، ص 1018، أبواب النجاسات، باب 14، ح 1، وج 16، ص 475، أبواب الاطعمة المحرمة، باب 54، ح 3. 4. الكافي ج 6، ص 263، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 4، وسائل الشيعة ج 2، ص 1018، أبواب النجاسات، باب 14، ح 2. 5. الكافي ج 2، ص 264، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 7، وسائل الشيعة ج 2، ص 1019، أبواب النجاسات، باب 14، ح 6. (*)

 

منها صحيحة علي بن جعفر عليه السلام السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن فراش اليهودي والنصراني أينام عليه؟ قال عليه السلام لا بأس، ولا يصلى في ثيابهما وقال عليه السلام لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده، ولا يصافحه. (1) قال: وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق ليس يدري لمن كان؟ هل تصلح الصلاة فيه؟ قال عليه السلام: إن اشتراه من مسلم فيلغسل ثم يصلي فيه وإن اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله. أقول: هذه الروايات ظاهرة في نجاسة أهل الكتاب أما الاولى أي موثقة سعيد الاعرج فلان ظاهر السؤال والجواب عن سؤر اليهودي والنصراني جواز أكله وشربه وعدم جوازه من حيث نجاسة ذلك السؤر وعدم نجاسته إذ ليس هناك جهة اخرى توجب الشك في الجواز كي يسئل عنه. إن قلت: إنهم حيث يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فمن الممكن أن تكون جهة السؤال هو احتمال أن يكون ذلك السؤر عن بقية لحم الخنزير في المأكول ومن بقية الخمر في المشروب. نقول أولا: إن هذه شبهة موضوعية تجري فيها أصالة الحل، ولم يدع أحد معارضة هذه الرواية لقاعدة الحل، وثانيا جوابه عليه السلام بلا مطلق وينفي جواز أكل سؤرهم وكذلك شربه مطلقا سواء كان في مورد ذلك الاحتمال أو لا يكون، وثالثا كون السؤال والجواب في مورد هذا الاحتمال خلاف الظاهر، إذ منشأ هذه الشبهة امور خارجية بعد معلومية حكم لحم الخنزير وحكم الخمر ومعلومية حكم

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، ص 263، ح 766، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 53، وسائل الشيعة ج 2، ص 1020، أبواب النجاسات، باب 14، ح 10. (*)

 

الشبهة الموضوعية التحريمية. وأما كون جهة السؤال احتمال تنجسهم بالنجاسات الخارجية لعدم اجتنابهم عنها وكثرة استعمالهم لحم الخنزير والخمر وسائر المسكرات المايعة بالاصالة. ففيه أن هذا الاحتمال لا يكون مختصا بهم بل يأتي في حق كل من لا يجتنب عن النجاسات جميعها أو بعضها، سواء كان عدم اجتنابه عنها عن قلة المبالاة في الدين أو من جهة عدم القول بنجاسته في مذهبه، وذلك لاختلاف الفتاوى في المذاهب في بعض النجاسات. هذا مضافا إلى أن ظاهر الرواية هو السؤال عن سؤرهما من حيث كونهما يهوديا ونصرانيا والجواب أيضا كذلك فلا طريق ولا مجال لانكار ظهور الرواية في نجاسة الكتابي. وأما الرواية الثانية فقوله عليه السلام فان صافحك بيده فاغسل يدك، فلا ينبغي أن يشك في ظهورها في نجاستهم. وأما احتمال أن يكون الامر بالغسل من جهة النجاسة العرضية فقد رفعناه من أن الظاهر أن وجوب الغسل بعد الفراغ من انه في صورة رطوبة إحدى اليدين أو كلتيهما من جهة ارتكاز اعتبار الرطوبة في أذهان العرف في مقام تأثير النجس أو تأثر المتنجس كاشف عن تنجسه بواسطة المصافحة بيده المرطوبة أو يدك المرطوبة، فيدل على نجاسة الكافر ولم تكن نجاسة عرضية في البين. وأما الرواية الثالثة أي صحيحة محمد بن مسلم فظاهرها أن كل واحدة من الجمل الثلاث التي ذكرها جملة مستقلة في قبال الاخر فقوله عليه السلام لا تأكلوا في آنيتهم مطلق بل المراد هو الذي لا يشرب فيه الخمر وأيضا ليس من طعامهم الذي يطبخونه فليس نجاسته بواسطة شرب الخمر أو وجود لحم الخنزير فيه، بل المنع من جهة نجاستهم التي سرت إلى الكاس والآنية التي لهم ويستعملونها.

 

وأما الرواية الرابعة أي رواية الكاهلي فقوله عليه السلام أما أنا فلا أو اكل المجوسي وإن كان من الممكن أن يكون تنزيها منه عليه السلام لا من جهة حرمته فلا يدل على حرمة المؤاكلة معهم كي يستكشف منها نجاستهم، لكن قوله عليه السلام فيما بعد ذلك وأكره أن احرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم فيه إشعار بأن الحكم الواقعي وإن كان هي الحرمة ولكن أنا أكره إظهاره لاجل أنكم تصنعون خلافه في بلادكم، فيشير بهذه العبارة إلى عدم التحريم وكراهته لاجل الخوف والتقية وعلى كل حال إن لم تكن ظاهرة في ما قلنا ليست ظاهرة في طهارتهم كما توهم. واما الخامسة أي صحيحة علي بن جعفر فقوله عليه السلام لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة فلها كمال الظهور في نجاسة المجوسي، ولكن الاستدلال بها موقوف على عدم القول بالفصل بين المجوسي وبين اليهودي والنصراني وعلى هذا النمط سياق روايته الاخرى. ثم إن بعضهم استدل على نجاسة أهل الكتاب بقوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (1) باعتبار أن المراد من الرجس هي النجاسة، ولا شك أن المراد من الذين لا يؤمنون في الكتاب العزيز هم مطلق الكفار الذين لم يؤمنوا بالنبي وأنكروا رسالته ونبوته سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم، فظاهر الآية أن الله تبارك وتعالى جعل النجاسة على الكفار، فهم نجسون. ولكن يظهر من تفسير الآية كما ذكره المفسرون أن المراد من الرجس هنا العذاب والعقاب، وعلى كل حال إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال لانهدام الظهور هذا مضافا إلى عدم ظهور لفظة الرجس في حد نفسها في النجاسة الخبثية. ثم إنه قد استدل لنجاستهم بروايات اخرى كثيرة متفرقة في ابواب الفقه كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن النصراني يغتسل مع المسلم في

 

(هامش)

 

1. الانعام (6): 125. (*)

 

الحمام فقال إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل. وسألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلوة قال عليه السلام لا. إلا أن يضطر إليه. (1) وحمل الشيخ (2) الاضطرار هاهنا على التقية، لان لا يقال: إن الاضطرار لا يوجب جواز الوضوء بالماء النجس بل ينتقل إلى التيمم، ولا شك في أن ظاهر هذه الرواية نجاسة أهل الكتاب. وكمفهوم رواية سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه؟ قال عليه السلام الحبوب (3) وأمثال ذلك مما يدل على لزوم التجنب عنهم، وعدم الاكل من طعامهم والركون إليهم من الاخبار الكثيرة المتفرقة في أبواب الفقه فلا يحتاج إلى التطويل وفيما ذكرنا غنى وكفاية. وخلاصة الكلام أن الاخبار المذكورة وإن كان من الممكن المناقشة في ظهور بعضها في نجاستهم ولكن لا يمكن انكار ظهور بعضها الآخر. ثم هناك أخبار اخر ظاهرة في عدم نجاستهم وجواز الاكل من طعامهم وفي آنيتهم ربما تكون اظهر دلالة من الاخبار المتقدمة واكثر عددا منها وبعبارة اخرى هي على الطهارة أدل من دلالة ما تقدم على النجاسة. منها صحيحة إسماعيل بن جابر قال قلت لابي عبد الله عليه السلام ما تقول في طعام اهل الكتاب فقال لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله، ثم سكت هنيئة

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، ص 223، ح 640، باب المياه وأحكامها، ح 23، وسائل الشيعة ج 2، ص 1020، أبواب النجاسات، باب 14، ح 9. 2. تهذيب الاحكام ج 1، ص 223، ذيل ح 640. 3. الكافي ج 6، ص 263، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 2، تهذيب الاحكام ج 9، ص 88، ح 375، باب الذبائح والاطعمة، ح 110، وسائل الشيعة ج 16، ص 381، أبواب الاطعمة والاشربة المحرمة، باب 51، ح 2. (*)

 

ثم قال: لا تأكله ولا تتركه تقول إنه حرام ولكن تتركه تنزها عنه، إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير (1) ودلالة هذه الرواية على عدم النجاسة وجواز مؤاكلتهم واضحة بل صريحة وأن نهيه عليه السلام تنزيهي لا تحريمي. وقال الفقيه النبيه الهمداني قده في مصباح الفقيه (2) إن هذه الرواية تصلح قرينة بمدلولها اللفظي على صرف الاخبار الظاهرة في الحرمة أو النجاسة عن ظاهرها، ومراده أن النواهي الموجودة في تلك الاخبار تكون ايضا تنزيهية واشار شيخنا الاعظم قده (3) في طهارته إلى ظهورها في التقية. أقول: ما ذكره قده في غاية المتانة لان آثار التقية بادية عليها فانه ع بعد ما بين الحكم الواقعي للسائل سكت هنيئة وتأمل في طريق التخلص عن شر مخالفتهم في هذه الفتوى فعلل ع نهيه بذلك التعليل تقية فينبغي ان نعد هذه الرواية من أدلة النجاسة لا الطهارة. منها صحيح العيص سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى والمجوس فقال عليه السلام ان كان من طعامك وتوضأ فلا بأس. (4) ويمكن أن يقال في توجيه هذه الرواية أن المؤاكلة اعم من المساورة بل غيرها لان معنى المؤاكلة أن يكون معه مائدة واحدة وان كان يأكل في ظرف مستقل و مختص به فلا تدل على طهارتهم أما التقييد بالتوضأ فيمكن ان يكون لاجل النظافة

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 6، ص 264، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 9، تهذيب الاحكام ج 9، ص 87، ح 368، باب الذبائح والاطعمة، ح 103، المحاسن ص 454، ح 377، وسائل الشيعة ج 16، ص 385، أبواب الاطعمة المحرمة، باب 54، ح 4. 2. مصباح الفقيه ج 1، ص 560. 3. كتاب الطهارة ص 309. 4. الكافي ج 6، ص 263، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 3، وسائل الشيعة ج 16، ص 383، أبواب الاطعمة المحرمة، باب 53، ح 1. (*)

 

لكي يرغب الجلوس معه على مائدة واحدة. ولكن الانصاف ان هذا التوجيه خلاف ظاهر الرواية وأما التقييد والاشتراط بكونه من طعامه فلا ينافي طهارتهم لان المراد منه ان لا يكون الطعام مما حرم الله اكله كلحم الخنزير مثلا. منها صحيح إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام الجارية النصرانية تخدمك وانت تعلم انها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة قال عليه السلام لا بأس تغسل يدها. (1) منها صحيحة الآخر قال قلت للرضا عليه السلام الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا وانت تعلم انه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال عليه السلام: لا بأس. (2) ويمكن المناقشة في دلالة هاتين الصحيحتين على طهارتهم أما في الاولى فلانها قضية خارجية وجهها غير معلوم فلعل تلك الجارية مأمورة بالخدمة من طرف سلطان الجور من دون إذنه، بل وبدون رضاه عليه السلام ومن الممكن أن يكون الامام عليه السلام يجتنب عما يلاقي بدنها مع الرطوبة ومن الممكن انها كانت تخدمه عليه السلام في غير المطاعم والمشارب والملابس، كل ذلك مع احتمال ان الامام عليه السلام كان مضطرا في معاشرتها فليس كونها كذلك دليلا على إمضائه عليه السلام طهارتها وتقريره عليه السلام لها. وأما قوله عليه السلام لا بأس تغسل يديها، فلاجل أن المحذور في نظر الراوي كان عدم اغتسالها عن الجنابة وعدم التوضأ عن النجاسات أي الاستنجاء فاجابه عليه السلام بذلك الجواب بان ذلك المحذور يرتفع بان تغسل يديها.

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، ص 399، ح 1245، باب الحيض والاستحاضة والنفاس، ح 68، وسائل الشيعة ج 2، ص 1020، أبواب النجاسات، باب 14، ح 11. 2. تهذيب الاحكام ج 6، ص 385، ح 1142، باب المكاسب، ح 263، الوافي ج 6، ص 209، ح 4128، باب تطهير من مس الحيوانات، ح 25. (*)

 

وأما في الثانية فلان السؤال في الحقيقة عن حكم الشك خصوصا في الخياط لانه في الخياط من الممكن بل هو الغالب عدم ملاقات الثوب مع بدن الخياط مع رطوبة أحدهما. وأما القصار وان كان يلاقي بدنه الثوب لا محالة لكن السؤال عن تنجسه بواسطة عدم التوضأ عن بوله فكأنه عدم نجاسته الذاتية كان مفروغا عند السائل ويسأل عن تنجس الثوب الذي يغسله بواسطة وصول النجاسة العرضية من طرف بوله وعدم التوضأ إلى ذلك الثوب ومعلوم ان وصول تلك النجاسة العرضية إلى الثوب الذي يغسله مشكوك ولذلك لو كان القصار مسلما لا يتوضأ عن بوله لا نحكم بنجاسة الثوب الذي يغسله وإن كان غسله بالماء القليل. نعم يأتي اشكال آخر وهو أنه عليه السلام لماذا لم يردعه عن اعتقاده بطهارة الكتابي بل قرره على ذلك بقوله عليه السلام لا بأس. ويمكن ان يجاب عنه بأن تقريره عليه السلام له لعله من جهة التقية وذلك من جهة ان تلك الاعصار كانت أعصار تقية لغلبة سلاطين الجور فكان الحكم الواقعي يخفى على أغلب الرواة ومع ذلك لا يردعهم الامام عليه السلام إما خوفا على نفسه وإما خوفا عليهم، ولذلك ترى أن إبراهيم بن ابي محمود يسئل عن النجاسة العرضية لجهله بالنجاسة الذاتية والامام عليه السلام لا يردعه عن ذلك خوفا عليه أو لجهة اخرى. منها حسنة الكاهلي قال سئل الصادق عليه السلام وأنا عنده عن قوم مسلمين وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم قال أما أنا فلا ادعوه ولا اواكله وإني لاكره أن احرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم (1) وقد تقدم الكلام في هذه الرواية وأنها اظهر في نجاستهم من ظهورها في الطهارة، وأن عدم بيان الحكم الواقعي لهم من جهة الخوف عليهم لكثرة البانين على طهارتهم

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 6، ص 263، باب طعام أهل الذمة ومؤالكلتهم وآنيتهم، ح 4، وسائل الشيعة ج 2، ص 1018، أبواب النجاسات، باب 14، ح 2. (*)

 

في بلادهم. منها صحيح معاوية بن عمار قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم اخباث، وهم يشربون الخمر، ونسائهم على تلك الحال البسها ولا اغسلها واصلي فيها؟ قال نعم. قال معاوية فقطعت له قميصا وخططته وفتلت أزرارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما اريد فخرج بها إلى الجمعة. (1) والخدشة في هذه الصحيحة بنفس ما حدثنا به صحيحة إبراهيم بن ابي محمود الثانية، فلا نعيد فالسؤال عن النجاسة العرضية وهي مشكوكة بل هاهنا تنجسه من قبل النجاسة أيضا مشكوكة فلا تقرير في البين. منها صحيح ابن سنان قال سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر أني اعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير. فيرده علي فاغسله قبل أن اصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام صل فيه ولا تغسله من اجل ذلك فانك اعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن انه نجسه. (2) وهذه الصحيحة ايضا كما ترى سؤال عن النجاسة العرضية في مورد الشك فلا دلالة لها في ما هو محل البحث نعم هذا التعليل يكون دليلا على حجية الاستصحاب وأجنبي عن محل بحثنا. منها رواية زكريا بن ابراهيم قال دخلت على ابي عبد الله عليه السلام فقلت اني رجل

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 2، ص 362، ح 1497، باب ما يجوز الصلاة فيه...، ح 29، وسائل الشيعة ج 2، ص 1093، أبواب النجاسات، باب 73، ح 1. 2. تهذيب الاحكام ج 2، ص 361، ح 1497، باب ما يجوز الصلاة فيه...، ح 27، الاستبصار ج 1، ص 392، ح 1497، باب الصلاة في الثوب الذى يعار...، ح 1، وسائل الشيعة ج 2، ص 1095، أبواب النجاسات، باب 74، ح 1. (*)

 

من اهل الكتاب واني اسلمت وبقى اهلي كلهم على النصرانية وأنا معهم في بيت واحد لم افارقهم فآكل من طعامهم؟ فقال عليه السلام لي: يأكلون لحم الخنزير فقلت لا ولكنهم يشربون الخمر فقال لي كل معهم واشرب. (1) وأنت خبير بأن قوله عليه السلام كل معهم واشرب مع اعتراف السائل بأنهم يشربون الخمر ظاهر في التقية لان الخمر طاهر عندهم بخلاف لحم الخنزير، ولذلك سئل عليه السلام عن أكلهم لحم الخنزير فلو كان جوابه أنهم ياكلون، لم يكن مورد التقية. ولكن السائل حيث نفى ذلك واعترف بأنهم يشربون الخمر والخمر عندهم طاهر حكم بجواز الاكل والشرب معهم تقية إذ المنع عن الاكل والشرب معهم لابد وأن يكون لاحد امرين إما لنجاستهم ذاتا أو لكون الخمر نجسا، فإذا شربوا يتنجسون وكلاهما مخالفان للتقية لانهم لا يقولون بنجاسة أهل الكتاب ولا بنجاسة الخمر، فلو كان عليه السلام بصدد بيان الحكم الواقعي فلابد له من الحكم بعدم جواز الاكل والشرب معهم لا الجواز، فمعلوم أن حكمه بجواز الاكل والشرب معهم ليس حكما واقعيا فلا يستكشف من حكمه هذا طهارتهم. منها موثق عمار عن ابي عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو اناء غيره إذا شرب منه على انه يهودي فقال نعم فقلت من ذلك الماء الذي يشرب منه قال عليه السلام نعم. (2) ولكن يمكن ان يقال لعل حكمه عليه السلام بجواز التوضي عن ذلك الماء الذي شرب منه اليهودي مبنى على عدم انفعال ماء القليل بملاقات النجاسة فيكون سياق هذه

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 9، ص 87، ح 369، باب الذبائح والاطعمة، ح 104، المحاسن ص 453، ح 373، وسائل الشيعة ج 16، ص 385، أبواب الاطعمة المحرمة، باب 54، ح 5. 2. تهذيب الاحكام ج 1، ص 223، ح 641، باب المياه وأحكامها، ح 24، الاستبصار ج 1، ص 18، ح 38، باب استعمال أسائر الكفار، ح 3، وسائل الشيعة ج 1، ص 165، أبواب الاسئار، باب 3، ح 3. (*)

 

الموثقة سياق الروايات التي تدل على عدم انفعال ماء القليل بملاقات النجس أو النجاسة. واما الرواية الواردة (1) في تغسيل النصراني للرجل المسلم إذا لم يكن مماثلا للميت المسلم أو ذات محرم مسلمة وكذلك تغسيل النصرانية للمرأة المسلمة إن لم يكن مماثلة مسلمة أو محرم عن الرجال. ففيها أولا يمكن أن تكون هذه الرواية أيضا من الروايات التي تدل على عدم انفعال ماء القليل بملاقات النجاسة وثانيا أنه يمكن تغسيله بصب الماء من ابريق مثلا من دون ملاقاة بدنه لبدن الميت، وثالثا يمكن أن يكون تغسيله بالماء الكثير. وخلاصة الكلام أن هذه الروايات جميعها لا يخلو من المناقشات في دلالتها على طهارة اهل الكتاب ولو سلمنا ظهور بعضها أو جميعها في ذلك وخلوها عن المناقشات فايضا لا يصح الاستدلال بها، بل لابد من طرحها وعدم الاعتناء بها. بيان ذلك أن عمدة الدليل على حجية خبر الواحد هو بناء العقلاء والاخبار التي تدل على ذلك يكون مفادها هو امضاء ذلك البناء وذكرنا المسألة مشروحا مفصلا في كتابنا منتهى الاصول، (2) ولا شك في أن بناء العقلاء على حجية خبر موثوق الصدور، وأما إذا لم يثقوا بصدوره فلا يرون حجيته، وإن كان الراوي إماميا ثقة عدلا. نعم أحد اسباب الوثوق بالصدور كون الراوي ثقة إن لم يعارضه جهة اخرى

 

(هامش) *

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، ص 340، ح 997، باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة، ح 165، وسائل الشيعة ج 2، ص 704، أبواب غسل الميت، باب 19، ح 1. 2. منتهى الاصول ج 2، ص 113. (*)

 

ولا شك في أن اعراض قدماء الاصحاب عن رواية وعدم العمل بها مع كونها بمرأى منهم ومضبوطة في كتبهم، ووصلت إلينا بواسطتهم ومع تعبدهم بالعمل بالاخبار، وعدم الاعتناء بالاستحسانات والظنون التي ليس على حجيتها دليل عقلي أو نقلي. حتى أن جماعة منهم رضوان الله تعالى عليهم كانت فتاويهم بعين ألفاظ الرواية حذرا من أن يكون ظاهر لفظ فتواه غير ما هو ظاهر ألفاظ الرواية، ولذا اشتهر عنهم ان عند إعواز النصوص يرجع إلى فتاوى علي بن بابويه قده وذلك لان فتاواه كانت بعين ألفاظ الرواية. فمع هذا التعبد الشديد بالعمل بالروايات الموثوق صدورها إن أعرضوا عن العمل برواية مع عدم إجمالها وظهورها وصحة سندها، فيستكشف من إعراضهم وعدم عملهم بها انهم رأوا خللا في صدورها أو جهة صدورها فيوجب إعراضهم عنها عدم حصول الوثوق بصدورها أو جهة صدورها. وهذا بعد تمامية ظهورها وعدم إجمالها فتسقط عن الحجية التي موضوعها الوثوق بصدورها وجهة صدورها بعد تمامية ظهور الرواية لان الحجية متوقفة على هذه الامور الثلاثة: الوثوق بصدورها، والوثوق بجهة صدورها، وعدم خلل في ظهورها. وإلى هذا يرجع ما اشتهر في ألسنتهم في مورد إعراض الاصحاب عن خبر أنه كلما ازداد صحة ازداد وهنا وهذا معنى أن الاعراض كاسر للسند القوي، وأن عمل الاصحاب جابر للسند الضعيف. إذا عرفت ذلك فنقول: إن إجماع علماء الامامية وفقهائهم رضوان الله تعالى عليهم الا الشاذ ممن لا يعتنى بخلافهم كابن الجنيد (1) من الصدر الاول إلى زماننا هذا على نجاسة أهل الكتاب حتى

 

(هامش)

 

1. نقله عنه في كشف اللثام ج 1، ص 46. (*)

 

أنها صارت شعارا للامامية رضوان الله تعالى عليهم ويعرفها نسائهم وصبيانهم بل هم أي أهل الكتاب يعرفون هذه الفتوى منهم. فمع هذا الاعراض لا يبقى وثوق بصدور هذه الروايات، أو وإن كانت صادرة فليست لبيان حكم الله الواقعي بل صدرت تقية وخوفا من اشتهارهم بمذهب خاص وطريقة مخصوصة على خلاف سائر الفقهاء، ولخوف الائمة عليهم السلام من أن يكون لهم ولاصحابهم مسلك خاص في الفقه وفتاوى مخصوصة بهم عليهم السلام ولذلك كانوا يلقون الخلاف بين أصحابهم كي لا يتميزون ولا يعدون طائفة خاصة منسوبين إليهم عليهم السلام. والسر في ذلك عدم خوف الفقهاء من التفرد في الفتوى، لان سلاطين الوقت قد علموا بأنهم لا يدعون الامامة والخلافة ولم يكونوا في معرض هذا الامر ومراجعة الناس إليهم كان صرف تقليد لهم في المسائل الشرعية والاحكام الدينية بخلاف الائمة عليهم السلام فانهم كانوا في معرض هذا الامر، ورجوع الناس إليهم لم يكن بعنوان تعلم الحكم الشرعي والمسألة الفقهية فقط. بل كان بعنوان أنهم أئمة معصومون مفترضو الطاعة، ولذلك كانوا يخافون من التفرد في الفتوى والتميز عن فتاوى سائرر الفقهاء. إذا عرفت ذلك فنقول: في كل مورد كان أصحابنا القدماء متفقين على فتوى مخالفا لفتاوى سائر الفقهاء وصدرت عنهم عليهم السلام أخبار موافقة لفتاوى سائر الفقهاء فليست تلك الاخبار حجة وإن كانت معلوم الصدور فضلا عما لا يكون كذلك، لان أصالة جهة الصدور أصل عقلائي والدليل على حجيتها بناء العقلاء، إذ بناء العقلاء على ان كل متكلم إذا تكلم بكلام يكون بصدد بيان مراده ومقصوده، وتشخيص مراده من كلامه يكون بأصل عقلائي آخر، وهو أصالة الظهور. ولكن في مثل المقام لا تجري ذلك الاصل العقلائي، أي أصالة جهة الصدور وذلك من جهة أنه بعد ما علم أن المتكلم يخاف من التفرد والتميز، فلو تكلم بكلام

 

موافق لهم مع أن أصحابه كلهم يفتون بخلافهم، فلا تجري أصالة جهة الصدور لعدم بناء العقلاء في مثل هذا المورد. بل يحصل القطع غالبا بعدم كونه لبيان حكم الله الواقعي وإن لم يحصل القطع لشخص فأصالة جهة الصدور لا تجري قطعا، وبدون جريانها لا حجية لتلك الروايات قطعا لما ذكرنا أن حجية الاخبار غير القطعية متوقفة على جريان هذه الاصول العقلائية الثلاثة: أصالة الصدور، وأصالة الظهور، وأصالة جهة الصدور. وليس المقام من ترجيح أحد المتعارضين بمخالفة العامة كي يقال بأن هذا الترجيح بعد ثبوت التعارض واستقراره، وثبوت التعارض واستقراره بعد فقد الجمع الدلالي أي العرفي وعدم إمكانه. وفيما نحن فيه الجمع الدلالي العرفي ممكن بحمل الاخبار التي مفادها نجاستهم والنهي عن مواكلتهم وأكل طعامهم وشرب سؤرهم وغير ذلك على الكراهة وأخبار الطهارة على الجواز، فيرتفع التعارض من البين. وذلك لما قلنا من سقوط أخبار الطهارة عن الحجية، وإن لم تكن أخبار النجاسة في البين أصلا، بل كان الصادر منهم عليهم السلام أخبار الطهارة فقط. لعدم جريان أصالة جهة الصدور في نفسه، وإن لم يكن معارض في البين. وبعبارة اخرى إن الخبر تارة يكون بنفسه ظاهرا في التقية، وإن لم يكن له معارض وذلك من جهة ظهور أمارات التقية عليه، واخرى لا يكون كذلك بل ليس في البين شيء إلا صرف مطابقة مضمونه لفتاويهم، وهذا الاخير هو الذي يكون من المرجحات عند التعارض، واعمال المرجحات والترجيح بها وجوبا أو استحبابا كما ادعاه بعضهم بعد فقد الجمع الدلالي العرفي ومع إمكانه ووجوده لا يبقى تعارض في البين كي يحتاج إلى إعمال المرجحات بل ينعدم موضوع الترجيح. وأما الاول فموجب لسقوط الحجية وإن لم يكن معارض له أصلا، وذلك لما قلا أن الحجية متوقفة على الاصول العقلائية الثلاثة التي منها أصالة جهة الصدور ومع

 

تلك القرائن على كون صدوره تقية لا يجري ذلك الاصل العقلائي. ولا نقول إن تلك الامارات والظنون حجج شرعية على أن هذا الخبر صدر تقية كي تقول بأن تلك الامارات والظنون المدعاة في المقام ليست إلا ظنون غير معتبرة فلا يثبت بها صدوره تقية، بل نقول مع وجود تلك الامارات التي عمدتها اتفاق الاصحاب على الافتاء بخلافها والاعراض عنها وعدم العمل بها مع صحة سند بعضها وظهورها في الطهارة، لا يبقى مجال لجريان أصالة جهة الصدور، وأنها لبيان حكم الله الواقعي لانها أصل عقلائي ولا بناء للعقلاء في مثل المورد، وإن كان إعراضهم عن الخبر في حد نفسه ليس حجة شرعية على صدوره تقية. فما ذكره الفقيه النبيه الهمداني قده (1) في هذا المقام وقال: فاعراض الاصحاب عنه بالنسبة إليه أمارة ظنية لا دليل على اعتبارها، واضح البطلان، ثم هو يعترف بأنه إن أثرت وهنا في الرواية من حيث السند إلى آخر ما أفاد، سقطت عن الحجية ولكن لا يوثر فيما هو موضوع أصالة الصدور، لانه ليس موضوعه الظن الشخصي بالصدور بل يكفي وثاقة الراوي. وهذا الكلام عنه وإن كان في حد نفسه لا يخلو عن مناقشة ولكن الاشكال عليه من جهة اخرى، وهو أن كلامنا الان في عدم جريان أصالة جهة الصدور مع وجود أمارة التقية والظن بذلك، وإن كانت تلك الامارة وذلك الظن غير معتبر في حد نفسها. ولا نقول أيضا بأنا نقطع بعدم صدور هذه الاخبار لبيان حكم الله الواقعي كي تقول بأن القطع حجة في حق نفس القاطع لا غيره، بل نقول بعدم جريان ذلك الاصل العقلائي والحجية متوقفة عليه. وأما ما افاده أخيرا بعد كلام طويل وقال: فالحق أن المسألة في غاية الاشكال، ولو قيل بنجاستهم بالذات والعفو عنها عند عموم الابتلاء أو شدة الحاجة إلى

 

(هامش)

 

1. مصباح الفقيه ج 1، ص 561. (*)

 

معاشرتهم ومساورتهم أو معاشرة من يعاشرهم لمكان الحرج والضرورة كما يؤيده أدلة نفي الحرج لم يكن بعيدا إلى آخر ما قال وأفاد قده. ففيه أولا ما عرفت أن المسالة لا إشكال فيها، وأما قوله بالعفو لادلة الحرج فقد بينا في قاعدة الحرج من هذا الكتاب أن لقاعدة الحرج والضرر حكومة واقعية على أدلة الاحكام الواقعية بمعنى رفع الحكم الحرجي والضرري واقعا، فالدليل يدل على ثبوت حكم واقعي لموضوع من الموضوعات فهو بعمومه أو إطلاقه يشمل أي حكم كان حرجيا أو غير حرجي، ولكن القاعدة مفادها ارتفاع ذلك الحكم عن ص التشريع إن كان حرجيا بالنسبة إلى أي شخص من الاشخاص. مثلا مفاد قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم (1) هو وجوب الوضوء على كل واحد من افراد المؤمنين، سواء كان حرجيا في حق شخص أو لم يكن، ولكن قاعدة الحرج توجب رفع الوجوب الحرجي عن كل شخص كان الوجوب حرجيا في حقه، ولكن النفي بلسان نفي المحمول والمحمول على الوضوء هو الوجوب فالنتيجة أن الوجوب الحرجي لم يجعل في الدين ولكن الحرج حرج شخصي. وبعبارة اخرى مفاد القاعدة أن الحكم الحرجي في حق أي شخص كان ليس بمجعول في الدين فلابد وان يكون شخص ذلك الحكم المرفوع حرجيا فيمكن أن يكون حرجيا في حق شخص دون شخص آخر وفي وقت دون وقت آخر، فليس كونه حرجيا نوعا موجبا لارتفاعه عن كل شخص، وإن لم يكن حرجيا في حقه. نعم قد يكون الحرج منشأ لجعل حكم، ولكن ذلك لا يثبت بدليل الحرج بل يحتاج إلى دليل آخر. إذا عرفت ذلك فنقول: إذا كان ترك المؤاكلة أو المساورة معهم حرجيا بالنسبة

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 6. (*)

 

إلى شخص فيرتفع حرمتهما عن ذلك الشخص دون الآخرين الذين ليسا تركهما لهم حرجيا، وهذا ليس تفصيلا في المسألة، بل هذه القاعدة تجري في جميع الاحكام الشرعية إلا في الاحكام التي يكون موضوعها حرجيا دائما مثل الجهاد مثلا. وأما إن اراد بارتفاع الحرمة وعدم لزوم الاجتناب عنهم ارتفاعها مطلقا، ولو لم يكن بالنسبة إليه حرجيا للحرج النوعي، فيحتاج إلى دليل يدل على ذلك، وليس شيء هاهنا من هذا القبيل، بل يجب الاجتناب عما لاقى بدنهم بالرطوبة إلا أن يكون الاجتناب بالنسبة إلى خصوص شخص حرجيا، وهذا لا اختصاص له بالكافر، بل إذا كان الاجتناب عن أي نجس بالنسبة إلى أي شخص حرجيا بالخصوص فلا يجب الاجتناب بناء على جريان القاعدة في المحرمات ايضا مثل الواجبات على إشكال في ذلك خصوصا في الكبائر. فالتمسك بقاعدة الحرج لاثبات طهارتهم أو العفو عن لزوم ترتيب آثار النجاسة مع ملاقاتهم بالرطوبة أو استعمال ما لاقاهم بالرطوبة فيما يشترط فيه الطهارة كالاكل والشرب إذا كان الملاقى لهم في المأكولات والمشروبات، أو الصلاة فيه إذا كان من الثياب مثلا لا وجه له أصلا، وقاعدة الحرج أجنبية عن هذا المقام. وأما الاستدلال لطهارة أهل الكتاب بآية اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم (1): بأن يقال قوله تعالى طعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم مطلق يشمل ما باشروه بالرطوبة وما لم يباشروه فإذا كان ما باشروه مع الرطوبة حلالا فلابد من القول بطهارتهم، والا لو كانوا نجسين فما باشروه مع الرطوبة يصير نجسا فيكون أكله حراما لحرمة أكل النجس فحليته مطلقا تكون ملازمة مع طهارتهم.

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 5. (*)

 

وفي هذا الاستدلال جهات من الاشكال: الاول ان الطعام حسب نقل اهل اللغة إما خصوص البر أو مع الشعير أو الحبوب جميعا، أو باضافة البقول، فهذه الكلمة، وإن كانت في أصل اللغة تستعمل في كل ما يطعم به ولكن عند العرف تستعمل في المذكورات، فتكون من قبيل المنقول العرفي كلفظ الدابة والغائط، والمناط في باب تشخيص الظهورات هو الفهم العرفي والمعاني المذكورة أجنبية عن الاستدلال، إذ مبناه على كون الطعام يشمل مطلق ما يطعم به من المطبوخ وغير المطبوخ، كي يكون شاملا لما يباشره الكتابي مع الرطوبة في مقام الاكل أو الطبخ. الثاني تفسيره بالحبوب المروي عن الائمة المعصومين عليهم السلام في أخبار كثيرة. (1) الثالث أن المراد بالحلية هي أن طعامهم من حيث انتسابه إليهم وكونه ملكا لهم ليس محرما عليكم، فالاية في مقام دفع توهم الحظر كما أن قوله تعالى والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب (2) أيضا في مقام دفع توهم الحظر، فكأنهم كانوا يحتملون حرمة المبايعة والمعاملة معهم، وأن أجناسهم من حيث الانتساب إليهم حرام عليهم مع أنها من الطيبات فلا ينافي هذا المعنى كونها محرمة من جهة حرمتها في نفسه كلحم الخنزير مثلا، أو من جهة نجاستها لملاقاتها لبدنهم مع الرطوبة أو لملاقاتها لنجاسة اخرى، ومن هنا نعرف فائدة ذكر حلية طعام أهل الكتاب مع أنه من الطيبات. وأما الاستدلال لطهارتهم بأصالة الطهارة في الشبهات الحكمية فهو مع هذا الاجماع القوي والاتفاق الذي قلما يتفق في موارد الشبهات الحكمية مثله، وتلك الاخبار التي مرت عليك والاية الشريفة انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام (3) لا يخلو عن غرابة.

 

(هامش)

 

1. انظر وسائل الشيعة ج 16، ص 283، أبواب الذبائح، باب 26، ح 1 و 6، وص 291، باب 27، ح 46. 2. المائدة (5): 5. 3. التوبة (9): 28. (*)

 

ثم انه بعد الفراغ عن دلالة الادلة المتقدمة على نجاستهم فالظاهر شمول هذا الحكم لجميع اجزاء بدنهم سواء كانت مما تحلة الحياة أو لم تكن كالكلب والخنزير. وذلك من جهة أن الدليل إذا دل على نجاسة الكتابي أو بعناوين اليهود والنصارى والمجوس أو المشرك، فظاهره أن بدن هؤلاء نجس لان النجاسة الخبثية من عوارض الجسم، ولو كان معروضها خصوص عضو أو كان بعض الاجزاء أو الاعضاء خارجا عنه. ولم يكن معروضا للنجاسة، لكان عليه البيان، واذ ليس فاللفظ يشمل البدن بجميع أعضائه وأجزائه سواء كانت مما تحله الحياة أو لم تكن. هذا مضافا إلى اطلاق معقد الاجماع على نجاستهم وعدم تفريقهم بين القسمين وأما ما يقال من مخالفة السيد لهذا الاجماع المدعى في المقام لانه يقول هناك بعدم نجاسة شعر الخنزير، ففيه أولا لا ملازمة بين المقامين لانه من الممكن أن يكون شعر الخنزير طاهرا ويكون شعر الكافر نجسا كما أن شعر الكلب نجس. وثانيا قوله بطهارة شعر الخنزير لوجود رواية على جواز جعله حبلا والاستقاء به، وهو مخصوص بمورده، مع أن هذا الاستنباط لا يخلو عن اشكال إذ لا ملازمة لا عقلا ولا شرعا ولا عرفا بين جواز جعله حبلا مع طهارته. وثالثا مخالفته لا يضر بتحقق الاجماع. واما استشكال صاحب المعالم (1) في نجاسة ما لا تحله الحياة من أجزاء بدن الكافر وأعضائه: بأن قياس الكافر على الكلب والخنزير ليس في محله، لان الحكم في الكلب والخنزير على المسمى وعلى هذين العنوانين، فيشمل جميع أجزائهما، واما في الكافر فليس الامر كذلك لان دلالة الآية ضعيفة، والاخبار لا تدل على نجاسة هذا العنوان، فلا دليل على نجاسة أجزائه التي لا تحلها الحياة، والاجماع دليل لبي لا إطلاق له.

 

(هامش)

 

1. المعالم ص 299. (*)

 

ولكن قد عرفت دلالة الآية والاخبار على العناوين المذكورة مضافا إلى إطلاق معقد الاجماع. وأما اولاد الكفار غير البالغين فبناء الاصحاب على نجاستهم، ويظهر عن كلام جماعة أنهم ادعوا الاجماع عليه، واستدلوا على ذلك بامور: الاول الاجماع. الثاني السيرة المستمرة من المتدينين الملتزمين بالعمل، باحكام الدين على معاملة آبائهم، والانصاف أن هذه السيرة مما لا يمكن أن ينكر وجودها وتحققها، بل البحث عن نجاستهم وعدم نجاستهم مخصوص بالكتب العلمية، وإلا فالمرتكز في اذهان المسلمين أن حالهم حال آبائهم في النجاسة وعدمها، ولا يخطر ببالهم خلاف هذا. الثالث التبعية في النجاسة والطهارة، وفيه أن التبعية في الحكم يحتاج إلى دليل، والا لا وجه لاسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر، بناء على عدم صدق عنوان الكافر على اولادهم، وإلا لو صدق لا تصل النوبة إلى الاستدلال بالتبعية، بل يشملهم ادلة نجاسة الكفار مثل شمولها لآبائهم، من دون احتياج إلى التبعية. واما التمسك على تبعيتهم لآبائهم بالسيرة، فهذا عدول عن هذا الدليل إلى دليل آخر. الرابع أنهم كفار فيشملهم أدلة نجاسة الكفار من الآيات والروايات والاجماع والسيرة، وتوضيح هذا المطلب يحتاج إلى بيان معنى الكافر والمشرك واليهود

 

والنصارى والمجوس، أي العناوين الواردة في الآيات والروايات ومعاقد الاجماعات فنقول: إن كان الكفر بمعنى صرف عدم الاعتقاد بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله وما جاء به وبعبارة اخرى عدم الاعتقاد باصول دين الاسلام كي يكون التقابل بينه وبين الاسلام تقابل السلب والايجاب، فأولاد الكفار كافرون لانهم لا يعتقدون بالعقائد الاسلامية مميزهم وغير مميزهم. وأما إن كان بمعنى عدم الاعتقاد في الموضوع القابل، كي يكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، وهو الصحيح، فلا يمكن أن يقال بكفر الطفل غير المميز، لعدم قابليته لهذا الاعتقاد. اللهم إلا أن يقال بصحة إطلاقه على الطفل المميز القابل لهذا الاعتقاد وثبوت الحكم في سائر الاطفال بعدم القول بالفصل. الخامس استصحاب نجاسته حينما كان في بطن امه خصوصا قبل ولوج الروح فيه لانه قبل ولوج الروح هو بعد جزء من أجزاء امه كسائر ما في احشائها من أعضائها الباطنية. وفيه اولا كونه جزءا منها بحيث يكون نجسا كسائر اعضائها الباطنية مشكل، وعلى تقدير كونه كذلك فاستصحاب بقائها أيضا لا يخلو من إشكال للشك في بقاء الموضوع بعد الولادة والانفصال. السادس الروايات منها صحيحة ابن سنان سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث، قال عليه السلام: كفار، والله أعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم (1) فصرح عليه السلام بأنهم كفار.

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 491، باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفار، ح 4740. (*)

 

وأما الاشكال على دلالة هذه الرواية بأنها واردة في مقام بيان حالهم بعد الموت وأنهم يعاقبون أم لا؟ فلا دخل لها بنجاستهم في حال الحياة، فعجيب لان جهة الاستدلال بهذه الرواية ليست باعتبار أنهم يعاقبون بعد الموت أم لا كي يرد هذا الاشكال، بل جهة الاستدلال بها هي حكمه عليه السلام بأنهم كفار، ولا شك في أن كفرهم ليس باعتبار كونهم بعد الموت كذلك، وذلك لوضوح ان من ليس بكافر حال الحياة لا يصير كافرا بعد الموت. فالانصاف أن الرواية تدل على أنهم كفار في حال الحياة فقهرا يترتب على هذا العنوان حكمه أي النجاسة فظاهر الرواية أن كونهم كافرين حكم ظاهري لعدم العلم بحالهم والله يعلم بما كانوا يعملون بعد بلوغهم، وظاهر حالهم أنهم يدخلون مداخل آبائهم في اعتقاداتهم كما هو المعهود من أغلب الطوائف والامم. منها خبر حفص بن غياث: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من اهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك، فقال عليه السلام إسلامه اسلام لنفسه ولولده الصغار، وهم أحرار وولده ومتاعه ورقيقه له، فأما الولد الكبار فهم فيئ للمسلمين، إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك. (1) وهذه الرواية وإن دلت على تبعية ولد الصغار لآبائهم في الاسلام، ولكن إسراء تبعيتهم في الاسلام إلى تبعيتهم في الكفر يكون قياسا رديئا، لان من الممكن أن يكون الاسلام لشرافته يؤثر في إسلام أولاده الصغار، وأما الكفر حيث ليس له شرافة يقف على نفسه ولا يستتبع أولاده كما أن ولادة الطفل لو صار في حال إسلام إحد أبويه يستتبعه في الطهارة فهذه الرواية أجنبية عن محل بحثنا. وأما استدلال الايضاح (2) في محكى مفتاح الكرامة لكفرهم بقوله تعالى ولا

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 6، ص 151، ح 262، باب المشرك يسلم في دار الحرب...، ح 1، وسائل الشيعة ج 11، ص 89، أبواب جهاد العدو وما يناسبه، باب 43، ح 1. 2. إيضاح الفوائد ج 1، ص 364. (*)

 

يلدوا إلا فاجرا كفارا (1) فلا وجه له أصلا، لان ظاهر الآية الشريفة أن نوحا عليه السلام بعد تلك الدعوة الطويلة وعدم اجابتهم يأس من قبولهم الايمان، أو يلدوا من يقبل الايمان بعد بلوغه، أو أخبره الله تعالى بانهم لا يلدون من يقبل الايمان بعد بلوغهم كما احتمله في تفسير مجمع البيان، (2) ولذلك دعا عليهم وقال هذا الكلام. وقال في مجمع البيان والمعنى لا يلدوا إلا من يكون عند بلوغه كافرا وربما يؤيد هذا المعنى ذكر فاجرا قبل ذكر كفرهم، بناء على أن يكون الفجور هاهنا بمعنى الزنا كما هو أحد معانيه المشهورة. وقد ظهر مما ذكرنا أنه لا دليل على نجاسة أولاد الكفار غير البالغين إلا السيرة التي تقدم ذكرها والحكم بانهم كفار في صحيحة ابن سنان. وأما خبر وهب بن وهب عن الامام الصادق عليه السلام قال: أولاد المشركين مع آبائهم في النار وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة (3) وكذلك الخبر الآخر فأما اطفال المؤمنين فانهم يلحقون بآبائهم وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم وهو قول الله عز وجل والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم (4) فدلالتهما على نجاسة أولاد الكفار لا يخلو من نظر و تأمل. هذا حال أولاد الكفار الذين هم غير بالغين المعلوم أنهم أولاد الكفار. وأما اللقيط الذي لا يعلم انه من أولاد المسلمين أو الكفار، فان وجدت حجة و امارة شريعة على أنه من اولاد احدى الطائفتين يلحقه حكمها والا فمقتضى الاصل

 

(هامش)

 

1. نوح (71): 27. 2. مجمع البيان ج 5، ص 365. 3. الفقيه ج 3، ص 491، باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفار، ح 4739. 4. الكافي ج 3، ص 248، باب الاطفال، ح 2، والاية في سورة الطور (52): 21. (*)

 

هي الطهارة. وأما بالنسبة إلى غيرها من سائر الاحكام، فكل حكم كان الاسلام تمام موضوعه أو جزئه أو شرطه فلا يترتب عليه للزوم إحراز الموضوع وليس ما يحرزه في المقام إلا ما توهم من كونه في بلد أو مكان يغلب عليه المسلمون، أو التمسك بقوله صلى الله عليه وآله كل مولود يولد على الفطرة. (1) اما الاول اي كون الغالب فيه المسلمون وان ورد ما يدل على انه امارة التذكية ولكن اثبات اماريته مطلقا بحيث يثبت به اسلامه، أشبه بالقياس، إذ لا دليل عليه بالخصوص واسراء اماريته على التذكية بكونه أمارة على الاسلام، مرجعه إلى القياس الذي لا نقول بحجيته. وأما الثاني فمعناه ان المولود بحسب خلقته الاصلية وما فطره الله عليه يولد غير مائل عن الحق وغير مائل عن الطريق المستقيم وغير معاند للحق خاليا عن التعصب وعن الاخلاق الرذيلة، وإنما أبواه يحدثان فيه هذه الامور فحب أخذ طريقة الآباء أمر عارضي فيهم حدث من تربية أبويه فلا يدل أن الولد مسلم حتى يثبت خلافه وبعبارة اخرى لا يدل على أن في مورد الشك في اسلامه يحكم باسلامه حتى يثبت خلافه. هذا مضافا إلى أن الولد في ابتداء تولده ليس قابلا لان يكون مسلما بالمعنى الحقيقي لانه عبارة بذلك المعنى من اعتقادات مخصوصة والولد غير قابل ذلك فهو ليس بمسلم حقيقة، وإنما الكلام في أنه بحكم الاسلام أم لا، وهذه الرواية اجنبية عن هذا المعنى. وأما ما تمسك به الشيخ قده لاسلام الطفل المشكوك بقوله صلى الله عليه وآله الاسلام يعلو و لا يعلى عليه . (2)

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 2، ص 13، باب قطرة الخلق على التوحيد، ح 3، عوالي اللئالي ج 1، ص 35، ح 18. 2. الفقيه ج 4، ص 334، باب ميراث أهل الملل، ح 5719، وسائل الشيعة ج 17، ص 376، أبواب موانع (*)

 

ففيه أن ظاهر هذه الجملة ان كانت انشاء وفي مقام التشريع كما هو الظاهر هو أنه بعد الفراغ عن اسلام شخص وأنه مسلم يعلو على غير المسلم في عالم التشريع و لا يعلو غير المسلم عليه، مثلا لا مانع من أن يكون هو مالكا أو زوجا لغير المسلم و لكن لا يمكن أن يكون غير المسلم زوجا أو مالكا له، الا أن يأتي دليل مخصص لهذا العموم في القضيتين: اي جملة الاسلام يعلو وجملة الاسلام لا يعلى عليه وأنت خبير ان مثل هذا المعنى حكم بعد الفراغ عن ثبوت الموضوع، فلا يمكن اثبات الموضوع اي الاسلام حكما أو موضوعا به. وأما إن كانت إخبارا كما هو خلاف الظاهر فلابد وان تحمل إما على الآخرة أي في الآخرة يعلو الاسلام على الكفر، لان الكفار في الآخرة يصيرون أذلاء صاغرين أو تحمل على الدليل والبرهان أي الاسلام في مقام الدليل والبرهان يغلب على سائر الاديان الباطلة الحقة أو المنسوخة إن تحمل على آخر الزمان بعد ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه، كل ذلك لاجل أن لا يلزم الكذب في كلامه صلى الله عليه وآله حاشاه. وعلى كل واحد من التقديرين لا ربط له بمسألة كون اللقيط المشكوك محكوما بالاسلام موضوعا أو حكما. وأما اولادهم الصغار المسبيون الذين سباهم المسلمون، فلا يخلو الحال إما هم مع أبويهم أو أحدهما، وإما هم وحدهم، فان كانوا مع أبويهم أو مع أحدهما، فالظاهر هو إلحاقهم بهما على إشكال فيما إذا كانوا مع امهم وحدها، وذلك لشمول السيرة المدعاة على إلحاقه بالسابي لمثل هذا المورد أيضا وأما إذا كانوا وحدهم فالظاهر هو اتفاق الاصحاب وتسالمهم على إلحاقه بالسابي وطهارته لعدم شمول إطلاقات أدلة نجاسة الكفار لمثل المقام ولا أدلة تبعية الصغار لآبائهم الكفار له، فيكون المرجع هي

 

(هامش)

 

. الارث باب 1، ح 11، عوالي اللئالي ج 1، ص 226، ح 118، وج 3، ص 496، ح 15. (*)

 

أصالة الطهارة بعد ما لم يكن دليل على نجاستهم. اللهم الا أن يقال باستصحاب نجاستهم قبل السبي، بناء على عدم تغير الموضوع وأن لا يكون موضوع الالحاق بآبائهم مقيدا بما إذا كانوا معهم، ولكن على فرض جريان هذا الاستصحاب وصحته تكون السيرة المدعاة على تبعيته للسابي، حاكمة على هذا الاستصحاب فالعمدة في هذا المقام هو تحقق هذه السيرة وعدمه. وأما اولاد الكفار الذين بلغوا وهم مجانين فربما يتوهم طهارتهم لاجل ارتفاع التبعية بالبلوغ، وعدم صدق الكافر عليهم، وان كان الكفر على ما هو الحق عندي عبارة عن عدم الاعتقاد بالمبدء والمعاد، ونبوة نبينا صلى الله عليه وآله وحقية ما جاء به فهو معنى عدمي ولكن ذلك العدم لابد وأن يكون في موضوع قابل، ولذلك لا يقال للجمادات والنباتات والحيوانات كفرة مع عدم اعتقادها بما ذكرنا قطعا. وفيه أن ما ذكر وإن كان حقا ولكن هنا وجه آخر لعدم جريان أصالة الطهارة في حقهم، وهو احد الامور الثلاثة: إما شمول اطلاقات أدلة نجاسة الكفار لهم عرفا لانهم عندهم كفار، لا من باب خطائهم في التطبيق كي يقال ليس التطبيق بيد العرف، فإذا كان تطبيقهم على غير ما هو مصداق حقيقي للمفهوم، فلا اثر بل من جهة أن المفهوم عندهم معنى أوسع، فينطبق على من بلغ مجنونا حقيقة، ولكن في هذا الوجه تأمل واضح. وإما قيام السيرة المستمرة من المتدينين على الاجتناب عنهم ومعاملة النجاسة معهم ولكن وجود مثل هذه السيرة المتصلة بزمانهم عليهم السلام غير معلوم. وإما محكومة بالاستصحاب ولا شك في عدم تغيير موضوع النجاسة عند

 

العرف بدقايق قليلة بعد البلوغ مع ما قبله فلا مجال لجريان أصالة الطهارة أصلا. هذا فيما إذا كان الجنون متصلا بالصغر وعدم البلوغ وأما لو جن بعد ما بلغ عاقلا ولو بمدة قليلة فلا ينبغي أن يشك في نجاسته وعدم جريان أصالة الطهارة في حقه لصدق الكافر عليه في ذلك الزمان الذي كان عاقلا وان كان ذلك الزمان قليلا وأنت خبير بانه لا فرق بين ان يكون الكافر عشرين سنة عاقلا فيصير مجنونا أو كان ساعة عاقلا وصار بعدها مجنونا، لان المناط فيهما واحد. نعم لو كان جنونه بعد مدة الفسحه للنظر بعد أن صار بالغا بدون فاصل فبناء على طهارته أيام الفسحة للنظر والاجتهاد كما هو الصحيح، فالظاهر طهارته لانه بناء على هذا صار طاهرا بعد أن كان نجسا، فطرأ جنونه على الانسان الطاهر. وذلك لان تبعيته ارتفعت بالبلوغ فارتفعت بالنجاسة التبعية التي كانت فيه بارتفاع عليها، أو موضوعها بناء على ما هو الصحيح والمفروض أنه في مدة الفسحة أي النظر والاجتهاد لتشخيص ما هو الحق من العقائد والاديان يكون طاهرا و بحكم المسلم ثم جن بلا فصل فيكون كمسلم جن لا من باب القياس بل من باب عدم شمول اطلاقات أدلة نجاسة الكافر له فيكون المرجع أصالة الطهارة بل لا مانع من جريان استصحاب طهارة زمان الفسحة. وأما اولاد الكفار من الزنا فأيضا يتبعون آبائهم في النجاسة، وذلك لان نفي الولدية عنهم باعتبار الارث لا مطلقا وقد بينا (1) في قاعدة الولد للفراش أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر سؤدة بنت زمعة بالاحتجاب عن ولد ولد على فراش أبيها زمعة لكثرة شبهها بالزاني. (2)

 

(هامش)

 

1. القواعد الفقهية ج 4، ص. 2. صحيح بخاري ج 2، ص 3 و 4، كتاب البيوع، باب تفسير المشتبهات، صحيح مسلم ج 3، ص 256، كتاب الرضاع، باب 10، ح 36 و 37. (*)

 

والحاصل كون الولد المخلوق من ماء رجل ومن بطن امرأة ولدا لها أمر تكويني بمعنى أن الانتساب بينه وبينها ليس أمرا اعتباريا بل عرض خارجي وله حظ من الوجود في الخارج، ولا يرتفع بالرفع التشريعي. نعم يمكن أن يرفعه الشارع باعتبار آثاره الشري أي يجعل في عالم الاعتبار التشريعي وجوده كالعدم، ولكن ليس في ولد الزنا دليل ينفي الولدية باعتبار جميع آثارها فيجب ترتيب آثار الولدية ما عدا الذي يكون النفي باعتباره. ولذلك لا يجوز للزاني تزوج بنته من الزنى ولا أمه ولا أخته إذا كانت هذه النسبة حاصلة من الزنا، فإذا جاء دليل على الحاق أولاد الكفار بآبائهم في النجاسة و تبعيتهم لهم فيمشمل الولد الذي حصل له من الزنا كما يشمل من لم يكن من الزنا ولا فرق بين أن يكون الزنا من طرف واحد أو من الطرفين واتضح وجه ذلك. هذا إذا كان الابوان كلاهما كافرين واما لو كان احدهما مسلما لا يلحقه هذا الحكم لان الولد ملحق بأشرف الابوين وهو المسلم منهما، هذا معلوم إذا كان الولد شرعيا كما إذا كان الاب مسلما في النكاح الصحيح أو كان الوطى من طرف الام المسلمة وطى شبهة، وأما إذا كان المسلم الاب فالمسلمة التي تكون إما زان أو زانية فهل يلحق الولد بالطرف المسلم أيضا أم لا؟ الظاهر هو الالحاق أيضا لما تقدم أن النفي ليس إلا بلحاظ بعض الاثار لاجميعها. اللهم الا أن يقال النسبة الحاصلة من الزنا ليست لها شرافة كي تكون موجبة للالحاق بالزاني المسلم أو الزانية المسلمة. ولكن يمكن أن يقال إن الحكم بالطهارة في المفروض ليس من جهة الالحاق بالمسلم، بل من جهة أن القدر المتيقن من الاجماع على إلحاق ولد الصغير الكافر به في النجاسة فيما إذا كان الابوان كافرين، وأما إذا كان احدهما مسلما فليس اجماع في البين، وليس دليل لفظي على التبعية كي يؤخد باطلاقه فيكون المرجع هي أصالة الطهارة لا الالحاق بالمسلم.

 

هذا مضافا إلى اطلاق معاقد الاجماعات فيما إذا كان احد ابويه مسلما في الحكم بالحاقه بالطرف المسلم وان كانت النسبة من الزنا فعلى كل حال لا ينبغي الشك في ان الولد إذا كان احد ابويه مسلما وان كان من الزناء لا يلحق بالكافر نعم حكى عن كاشف الغطا خلاف ذلك فقال بالحاق الولد بالكافر إذا كان الحل من طرفه وكان الزنا من طرف المسلم وهو محجوج بما ذكرناه فلا نعيد. ثم انه بعد ما عرفت ان الكافر بجميع اقسامه محكوم بالنجاسة يقع الكلام في عناوين اخر وأنها هل داخة في عنوان الكافر موضوعا أو حكما أولا هذا ولا ذاك، فنختم هذه المسألة ببيان أمور لتوضيح هذا المطلب فنقول. الامر الاول في منكر الضروري وهو من جحد ما ثبت أنه من الدين ضرورة والمراد بثبوته من الدين بالضرورة أنه لا يحتاج إثبات أنه من الدين إلى نظر واستدلال بل يعرف كونه من الدين كل أحد إلا أن يكون جديد الاسلام بحيث لا علم ولا اطلاع له على أحكام الاسلام ولا على عقائده، أو عاش في بلد بعيد عن بلاد الاسلام ولا تردد له إلى بلاد المسلمين، ولا معاشرة له معهم. ثم إنه وقع خلاف عظيم بين الفقهاء في أن كفر منكر الضروري هل هو لانه سبب مستقل له تعبدا ولو لم يكن موجبا لانكار النبوة والرسالة، أو من جهة رجوعه إلى ذلك، والمشهور بل ادعى في مفتاح الكرامة (1) أنه ظاهر الاصحاب وهذه العبارة مشعر بالاجماع هو أنه سبب مستقل،

 

(هامش)

 

1. مفتاح الكرامة ج 1، ص 143. (*)

 

وقال جماعة اخرى منهم المحقق الخونساري وابنه وآغا جمال (1) والاردبيلي وكاشف اللثام وصاحب الذخيرة (2) والمحقق القمي قدهم أن جحود الضروري ليس بكفر في نفسه، إلا إذا كشف عن إنكار النبوة. واستدل للقول الاول بالاجماع والاخبار التي منها صحيحة الكناني وهي عمدتها عن أبي جعفر عليه السلام قال قيل لامير المؤمنين عليه السلام من شهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم كان مؤمنا قال عليه السلام فأين فرائض الله؟ قال: وسمعته يقول كان علي عليه السلام يقول لو كان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلوة ولا حلال ولا حرام. قال: وقلت لابي جعفر عليه السلام إن عندنا قوما يقولون إذا شهد ان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فهو مؤمن قال عليه السلام: فلم يضربون الحدود؟ ولم تقطع أيديهم؟ وما خلق الله عزوجل خلقا أكرم على الله عزوجل من مؤمن، لان الملائكة خدام المؤمنين، وإن جوار الله للمؤمنين، وإن الجنة للمؤمنين، وإن الحور للمؤمنين ثم قال عليه السلام فما بال من جحد الفرائض كان كافرا. (3) وموضع الاستدلال لقولهم بأن إنكار الضروري موجب للكفر وإن لم يكن موجبا لتكذيب النبوة هي الجملة الاخيرة من هذه الرواية فكأنه عليه السلام جعل كفر من يجحد الفرائض من المسلمات ومفروغا عنه فيقول عليه السلام لو كان صرف قول الشهادتين كافيا في تحقيق الاسلام فلماذا يكون جاحد الفرائض كافرا؟ فالنتيجة أن جاحد الفرائض كافر مع إقراره بالشهادتين فمنكر الضروري الجاحد للفرائض ليس كفره من جهة تكذيبه للنبوة، بل كافر مع إقراره بالتوحيد والنبوة. وفيه أن الجحد هو الانكار مع العلم قال في القاموس جحد حقه أنكره مع

 

(هامش)

 

1. التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية ص 24. 2. ذخيرة المعاد ص 152. 3. الكافي ج 2، ص 33، باب بدون العنوان من كتاب الايمان والكفر، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 23، أبواب مقدمة العبادات: باب 2، ح 13. (*)

 

علمه (1)، فلا محالة يكون جاحد الفرائض التي من الضروريات مكذبا للنبوة فلا يتم الاستدلال فجحده للفرائض ينقض إقراره فيكون كافرا من جهة أن إنكار وجوب الفرائض يرجع إلى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وتكذيب أن كل ما جاء به هو من عند الله. ومنها صحيح عبد الله بن سنان من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك من الاسلام وعذب أشد العذاب، وإن كان معترفا أنه ذنب ومات عليها أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام، وكان عذابه أهون من عذاب الاول. (2) والاستدلال بهذه الصحيحة على أن إنكار الضروري كفر بنفسه من دون كونه موجبا لتكذيب النبوة، قوله عليه السلام فزعم أنها حلال فان زعم حلية شرب الخمر مثلا التي هي إحدى الكبائر إنكار للضروري، لان حرمته من الضروريات وهذا الانكار والزعم سبب لخروجه عن الاسلام، مع عدم إنكاره للنبوة. وفيه أن حرمة الكبائر معلومة لنوع المسلمين ولا يجهله إلا من هو جديد العهد بالاسلام أو كان في بلاد بعيدة عن بلاد الاسلام، مع عدم معاشرته مع المسلمين، وإلا فزعم حلية الكبيرة غالبا ملازم مع تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وهذا هو ظاهر الرواية فلا تدل على أن انكار الضروري بنفسه سبب مستقل للكفر الذي هو مدعاهم. وهنا روايات اخر ذكروها لمدعاهم تركنا ذكرها لوضوح عدم دلالتها فقد عرفت عدم دلالة هذه الاخبار على أن إنكار الضروري سبب مستقل للكفر. وأما الاجماع الذي ادعوه في المقام فلا صغرى له ولا كبرى أما الصغرى فلكثرة القائلين بالخلاف من الذين هم العظماء من الفقهاء، وأما الكبرى فلان إجماعهم ليس من الاجماع المصطلح الذي نقول بحجيته الذي كاشف قطعي عن رأي

 

(هامش)

 

1. القاموس الحيط ج 1، ص 290 (حجد). 2. الكافي ج 2، ص 285، باب الكبائر، ص 23، وسائل الشيعة ج 1، 22، أبواب مقدمة العبادات، باب 2، ح 10. (*)

 

المعصوم عليه السلام لاحتمال أنهم بل المظنون اعتمادهم واتكائهم على أمثال هذه الروايات. فبناء على هذا لو أنكر ضروريا من الضروريات لشبهة علمية حصلت من دون تكذيبه للنبي صلى الله عليه وآله بل مع كمال إخلاصه والتصديق بنبوته صلى الله عليه وآله لا يحكم بكفره كما أنه ربما حصل مثل هذه الشبهة لبعض المحققين في الحكمة الالهية في المعاد الجسماني فانه بعد ما يبنى على تركب الجسم من المادة والصورة يقول بأن المعاد هي الصورة الجسمية من دون مادة وجسمية الجسم بصورته لا بمادته، وذلك بناء منهم على أن شيئية الشيء بصورته لا بمادته، فالمعاد في يوم النشور هو عين البدن الموجود في دار الغرور ولكن العينية بالصورة لا بالمادة. وأنت خبير بأن هذا القول مخالف للضروري لما هو الثاب في الدين الاسلامي بالضرورة ان المعاد في يوم القيامة عين البدن الدنيوي صورة ومادة لا صورة فقط، وأمثال ذلك مما أنكروه بشبهة علمية حصلت لهم، فلا يوجب امثال ذلك الكفر بناء على قول من يقول بان صرف انكار الضروري لا يوجب الكفر ما لم يكن تكذيبا للنبي صلى الله عليه وآله. إن قلت: إن الخوارج والنواصب الذين يبغضون امير المؤمنين عليه السلام واولاده المعصومين وسيدة نساء العالمين ويسبونهم ويقتلونهم لا يكذبون النبي صلى الله عليه وآله ومع ذلك يعتقدون بأمثال هذه الآراء الباطلة فلماذا يفتون بنجاستهم. قلنا إن الحكم بنجاستهم ليس من جهة إنكارهم الضروري بل لاجل ادلة خاصة وردت فيهم وسنتكلم عنها إنشاء الله تعالى، ويمكن أن يكون من جهة ان جهلهم بلزوم مودة هؤلاء المكرمون عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه وآله وأن بغضهم بغض رسول الله صلى الله عليه وآله يكون عن تقصير، وإلا لو كانوا يفحصون ويلقون حب طريقة الاباء والعصبية يهديهم الله إلى طريق الحق والصواب قال الله تبارك وتعالى والذين

 

جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (1) والجاهل المقصر ليس معذورا. فكما أن الجاهل المقصر في الاحكام الفرعية الالزامية لو خالف جهلا لا يعذر ويكون معاقبا مثل العالم، كذلك في الامور الاعتقادية لو لم يعتقد بما يلزم الاعتقاد به كالمعاد الجسماني أو اعتقد الخلاف لا يكون معذورا. وخلاصة الكلام أنه لا يظهر من الادلة إلا أن انكار الضروري موجب للكفر لكونه موجبا لتكذيب النبي صلى الله عليه وآله لا انه سبب مستقل للكفر. الامر الثاني الخوارج والنواصب فالاول هم الذين يستحلون قتل امير المؤمنين عليه السلام والثاني هم الذين يبغضونه أو يبغضون أهل البيت الذين امر الله بمودتهم فالظاهر هو الاتفاق على نجاستهم مضافا إلى ورود روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة تدل على نجاستهم. وفي بعض تلك الاخبار المروي عن العلل في الموثق أن الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا اهل البيت أنجس منه (2) وكل ما يدل على نجاسة النواصب يدل على نجاسة الخوارج بطريق اولى لانهم اشد نصبا منهم. الامر الثالث الغلاة وهم الذين يألهون عليا أمير المؤمنين أو أحد الائمة المعصومين عليهم السلام، فيقولون بربوبيتهم أو حلوله تعالى العياذ بالله فيهم كافرون أنجاس ولا فرق بينهم وبين سائر المشركين، وقد ورد اللعن عليهم من الائمة المعصومين. الامر الرابع المجبرة والمفوضة، والمراد بالاول هو أن العباد مجبورون في أفعالهم مسخرون في إراداتهم بحيث لا يقدر العاصي على ترك العصيان ولا المطيع على ترك الاطاعة، وذلك لانتهاء إراداتهم إلى إرادة الله تعالى شأنه الازلية القديمة بنحو ترتب

 

(هامش) *

 

1. العنكبوت (29): 69. 2. علل الشرائع ص 292، وسائل الشيعة ج 1، ص 159، أبواب الماء المضاف والمستعمل، باب 11، ح 5. (*)

 

المعاليل على عللها كما هو الظاهر من آراء الاشاعرة. ومقابلهم المعتزلة القائلين بالتفويض، وقد نسب إليهم أنه لو جاز العدم العياذ بالله على إله العالم لما ضر عدمه بالعالم، وأن العباد مستقلون في أفعالهم ولازم القول الاول صدور القبيح العياذ بالله من الله تعالى، لان العقاب على الفعل غير الاختياري قبيح خصوصا إذا كان سلب القدرة منه تعالى بارادته تعالى، واسناد القبيح العياذ بالله إلى الله إنكار للضروري، وهو أنه تعالى لا يفعل القبيح. وأما الثاني أي المفوضة فيرجع كلامهم إلى استغناء العالم العياذ بالله وان إرادة الله العياذ بالله ليست محيطة بالافعال والاشياء وهذا أسوء من الاول، ولذا قال الائمة المعصومون لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين. (1) ولكن هذه أبحاث كلامية لا ربط لهما بعقائد المسلمين يصيب فيها بعض ويخطئ بعض، ولذلك لو سئلت عن أي واحد من المسلمين هل أنت مجبور على فعل كذا يقول لا، حسب ارتكازه، وأيضا لو يسأل عنه أنه هل الله تبارك وتعالى يفعل القبيح يقول لا، وكذلك لو سئل أن هذا الفعل الذي تريد أن تفعل تقدر ان تفعل ولو لم يرد الله ذلك يقول لا بل بارادة الله، ولذلك في أمر يقول افعل انشاء الله، ويعلقه على مشية الله جل جلاله، فلوازم هذه الآراء الباطلة لا يلتزم بها أحد من المسلمين، وإنما هي صرف أبحاث علمية التي يقع فيها الخطأ كثيرا من كثير من الباحثين. الامر الخامس المجسمة والمشبهة والنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، وذلك من جهة أن تجسيمه تعالى نوع وقسم من التشبيه ودائرة التشبيه اعم إذ يمكن تشبيهه بغير الاجسام من الممكنات والمخلوقات مثل أن يقال مثل الله تبارك وتعالى إلى المخلوقات والعالم نسبة النفس الناطقة المجردة إلى أبدان الآدميين، وعلى كل حال

 

(هامش)

 

1. التوحيد ص 360، ح 3. (*)

 

من الضروري أنه تعالى ليس بجسم ولا شبيه بخلقه في كونه محلا للعوارض والطواري. فالقول بأنه جسم أو شبيه بالمخلوقات إنكار للضروري فان قلنا بأن إنكار الضروري سبب مستقل للكفر وإن لم يكن موجبا لتكذيب النبي صلى الله عليه وآله فحالهم معلوم وأما إن قلنا بأنه ليس سببا مستقلا فان كان ملتفتا إلى لوازم ما يقول من أن التجسم واحتياجه إلى المكان والحيز ينافي القدم ووجوب الوجود فهو كفر، لانه في الحقيقة بناء على هذا لم يذعن بوجود صانع قديم فليس مقرا بالله خالق السموات والارضين. وأما القول بأن التجسيم والتشبيه بالنسبة إليه تعالى ليس إنكارا للضروري، لان ظاهر بعض الايات وبعض الاخبار يوهم ذلك، فلا يخلو من غرابة، وعلى كل حال لا شك في أن التجسيم كفر بالله العظيم، إلا أن يكون ضعيف العقل قاصرا عن فهم لوازم كلامه. الامر السادس القائلون بوحدة الوجود من الصوفية بمعنى أنه ليس في عالم الوجود إلا وجود هو الله تعالى فيدعون أن وجود جميع الموجودات ليس أمرا مباينا مع وجود الله جل جلاله بل هي عينه تعالى. وخلاصة الكلام والاقوال في هذه المسألة هو أنه بناء على أصالة الوجود واعتبارية الماهية فالوجودات المنسوبات إلى الاشياء المحمولات على موضوعاتها إما حقائق متباينة بتمام ذواتها البسيطة كما يقول به المشاؤن، وهذا القول والرأي لا اشكال فيه شرعا ولا يخل بالاعتقادات، وإن أشكل عليه أيضا بعض بانه لا يمكن اثبات وحدانيته تعالى مع اتخاذ هذا الرأي، ولا يمكن دفع شبهة الثنوية المنسوبة إلى ابن كمونة (1) ولكن على فرض صحة هذا الكلام هذا من اللوازم البعيدة المغفول عنها

 

(هامش)

 

1. انظر: الاسفار ج 6، ص 58، لمعات الهية ص 151، شرح المظومة ج 3، ص 514. (*)

 

لغالب أهل البرهان والتحقيق، فضلا عن العوام، فلا يوجب كفرا قطعا. واما حقيقة واحدة، ولكن لها مراتب متفاوتة بالكمال والنقص والشدة والضعف فوجود كل شيء من الاشياء غير وجودات الاخر، ولكن الجميع سنخ واحد والاختلاف بينها باختلاف المراتب غاية الامر أن وجود الواجب تعالى المرتبة غير المتناهية غير المحدودة بحد مطلقا حتى الحد الذهني والعقلي لان كل ما ميزتموه باوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم (1) وليس هو الجواب. فالقول بالوحدة السنخية مع تعدد الوجودات واقعا وخارجا لا إشكال فيه من ناحية العقائد الدينية، فان كان فيه إشكال فهو من حيث البراهين والادلة العقلية وأن التشكيك في الذاتيات هل يمكن أو لا يمكن. وبناء على هذا القول في عين الكثرة العددية والفردية وحدة وهي المعبر عنها بالوحدة السنخية وفي عين الوحدة كثرة فردية وهي المعبر عنها بالكثرة العددية أو الفردية. وإما حقيقة واحدة ووجود واحد وموجود واحد لا تعدد في الوجود أصلا، ويظهر ذلك الوجود الواحد في المظاهر والمجالي المتعددة وكل واحد من هذه المظاهر والمجالي وجوده نفس ذلك الوجود الواحد وليس شيء غيره، فيصح أن يقول ذلك المظهر والمجلى باعتبار وجوده أنا هو. وحيث إن ذلك الوجود الواحد هو الله والمظاهر والمجالي هي الممكنات والمخلوقات قاطبة، فكل واحد من الممكنات بالنظر إلى وجوده هو الله جل جلاله، العياذ بالله من هذه الاباطيل التي ينكرها العقل والنقل، وجميع الشرايع والاديان الحقة.

 

(هامش)

 

1. بحار الانوار ج 66، ص 293، باب صفات خيار العباد واولياء الله، ذيل ح 23، وفيه كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانية مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم . (*)

وأما إن كانوا يقولون بأن ذلك الوجود الواحد هو الله والممكنات لا وجود لها وليست إلا صرف خيال وأوهام وبعبارة اخرى ينفون الوجود عما سوى الله، ولا يدعون أن للمكنات وجودا ووجودها عين وجود الله جل جلاله. فهذا القول وإن لم يكن كفرا لكن انكار للبديهي وخلاف ما يدركه العقل السليم عن شوائب الاوهام وكيف يمكن أن يدعى أن هذه السموات مع أنجمها والارض مع جبالها وأنهارها وأشجارها وأبحرها ومعادنها ونباتاتها وحيواناتها على اختلاف مراتبها وآثارها لا وجود لها، وجميعها أوهام وخيالات، فبطلان هذا القول أوضح من أن يحتاج إلى بيان أو برهان. ولكن الذي يسهل الخطب أن كثيرا من الشعراء الذين يذكرون امثال هذه الخرافات والاباطيل في أشعارهم وأقوالهم ليس الا صرف لقلقة لسان من دون تدبر وتفكر في معاني هذه الجمل والكلمات، ولعله إلى ما ذكرنا يشير فقيه عصره في كتابه عروة الوثقى بقوله وأما المجسمة والمجبرة والقائلين بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الاسلام فالاقوى عدم نجاستهم إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد. (1) الامر السابع ولد الزنا طاهر إن كان من المسلمين، بل وإن كان أحد أبويه مسلما خصوصا إذا لم يكن الطرف الآخر أي الكافر أو الكافرة غير زان. وبعبارة اخرى تارة يكون الزنا من الطرفين، ففي هذه الصورة لو كان أحد أبويه مسلما يكون الولد تابعا له، واخرى يكون من طرف واحد وفي هذه الصورة إن كان الزنا من طرف من ليس بمسلم، فلا شك في إلحاقه بالطرف الذي هو مسلم، وأما إن كان الزنا من طرف المسلم، فربما يستشكل إلحاقه بالمسلم، لان الطرف الآخر الذي هو غير المسلم ينسب إليه الولد ولا يعارضه انتساببه التكويني

 

(هامش)

 

1. العروة الوثقى ج 1، ص 54. (*)

 

إلى المسلم لان المفروض أنه زان والشارع لم يعتبر الانتساب الذي يكون سببه الزنا وألقاه وجعله كالعدم. وفيه أن الشارع لم يلقه بالمرة وإلا كان تزويج بنته من الزنا جائزا، وأيضا لو كان الابوان كلاهما مسلمين زانيين أيضا لا يلحق بهما، والحديث الشريف الولد للفراش وللعاهر الحجر (1) في مورد الشك، والمورد المفروض في مورد اليقين بالانتساب إليهما، فلا يشمله الحديث فهذا الاشكال أو التوهم في غير محله، وإن صدر عن بعض أعاظم أساتيذنا. ثم ان الحكم بطهارته يكون بمقتضى الاصل مع عدم دليل يوجب الخروج عن مقتضاه، والمسألة ذات قولين، والمشهور على الطهارة وحكى عن الصدوق (2) وعن السيد (3) والحلي (4) نجاسته، ونسب صاحب الجواهر إلى الكليني أيضا احتمالا وهذه عبارته بل ربما قيل إنه ظاهر الكليني أيضا (5)، وحكى صاحب الجواهر عن الحلي في سرائره (6) أن ولد الزنا قد ثبت كفره بالادلة بلا خلاف بيننا. ثم إن الكلام في ولد الزنا تارة من حيث كفره واخرى من حيث طهارته ونجاسته. فالاول أي كفره فالظاهر أن هذه الدعوى كما يقول صاحب الجواهر ضروري البطلان لانه كيف يمكن أن يقال للمؤمن الموحد المعترف بنبوة محمد والمعتقد بالمعاد والمصدق لما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وأن كل ما جاء به حق ومن عند الله والمقر والمعترف

 

(هامش)

 

1. صحيح البخاري ج 2، ص 3 و 4، كتاب البيوع، باب تفسير المشتبهات، صحيح مسلم ج 3، ص 256، كتاب الرضاع، باب 10، ح 36 و 37، عوالي اللئالي ج 2، ص 132، ح 359، وص 275، ح 41. 2. الفقيه ج 1، ص 9، باب المياه وطهرها ونجاستها، ذيل ح 11، الهداية ص 14. 3. الانتصار ص 273. 4. السرائر ج 1، ص 357. 5. جوهر الكلام ج 6، ص 68. 6. السرائر ج 2، ص 122، وج 1، ص 357. (*)

 

بولاية الائمة الطاهرين أنه كافر، وهل هذا إلا مثل أن يقال للحار بارد وللابيض أسود. واما الثاني أي نجاسته فعمدة مستند القائلين بها هي الاخبار الواردة فيهم وإلا فاستدلال الحلي على نجاستهم بعدم الخلاف مع ذهاب المشهور إلى طهارتهم غريب. وأما الاخبار فمنها مرسلة الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الاسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب. (1) والاستدلال بهذه المرسلة باعتبار كراهته عليه السلام من سؤر ولد الزنا، وجعله في رديف اليهودي والنصراني والمشرك الذين اثبتنا أنهم أنجاس. وفيه أن كراهته السؤر أعم من نجاسة ما بقى من شربة السؤر، لانه من الممكن أن تكون لجهات اخر وكون الجهة في الانجاس نجاستهم لا يوجب أن تكون الجهة في ولد الزنا ايضا تلك الجهة. وذلك لانه لا مانع من أن يكون الحكم الواحد على الافراد أو الانواع التمعددة بملاكات متعددة، بأن يكون في كل واحد منها ملاك يخصه مع أنه من الممكن أن يكون الملاك في الجميع واحدا في المرسلة أيضا وهي الخباثة المعنوية الموجودة في الجميع. ومنها رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، وفيها

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 3، ص 11، باب الوضوء من سؤار الحائض والجنب...، ح 6، تهذيب الاحكام ج 1، ص 223، ح 639، باب المياه وأحكامها، ح، 22، الاستبصار ج 1، ص 18، ح 37، باب استعمال أسئار الكفار، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 165، أبواب الاسئار، باب 3، ح 2. (*)

 

غسالة الناصب الحديث. (1) وجه الاستدلال بها واضح خصوصا مع تعليل النهي عن الاغتسال فيها بعدم طهارة ولد الزنا إلى سبعة آباء. وفيه أن نفس هذا التعليل دليل على أنه ليس المراد بقوله عليه السلام وهو لا يطهر إلى سبعة آباء هي الطهارة عن الخبث، لان هذا شيء مستنكر لم يقل به أحد ان الولد الشرعي لولد الزنا نجس خصوصا إذا كان ولدا سابقا له، والمراد هي الخباثة المعنوية التي ربما ترثه الاولاد من الآباء، ومن الممكن بقاء هذه القذارة إلى سبعة آباء. ومنها رواية حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الاول عليه السلام في حديث قال فيه ولا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزناء والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم. (2) وفيه أن سياقها استدلالا وجوابا سياق رواية ابن أبي يعفور. ومنها مرفوعة سليمان الديلمي إلى الصادق عليه السلام قال يقول ولد الزنا يا رب فما ذنبي فما كان لي في أمري صنع فيناديه مناد ويقول له أنت شر الثلاثة أذنب والداك فنشأت عليهما، وأنت رجس ولن يدخل الجنة إلا طاهر. (3) وفيها أن المراد بالرجس في هذه المرفوعة هي القذارة والخباثة المعنوية بقرينة قوله فنشأت عليهما أي نشأتك نشأة الطغيان والتمرد اللذين كانا في أبويك، وإلا لم يكن أبواه نجسين، لان المسلم والمسلمة لا ينجسان بصدور الزنا منهما كي يكون نشأته في النجاسة نشأتهما.

 

(هامش)

 

. الكافي ج 3، ص 14، باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس، ح 1، وسائل الشيعة ج 1، ص 159، أبواب الماء المضاف وغيره، باب 11، ح 4. 2. تهذيب الاحكام ج 1، ص 373، ح 1143، باب دخول الحمام وآدابه وسننه، ح 1، وسائل الشيعة ج 1، ص 158، أبواب الماء المضاف والمستعمل، باب 11، ح 1. 3. علل الشرائع ص 188. (*)

 

وأما الصفات النفسانية والحالات والملكات، سواء كانت فضائل ورذائل ترثه الابناء في الاغلب عن الآباء، فتفسير الرواية أن شقائك من قبل ابويك فليس في المرفوعة ما يكون دليلا على نجاسة بدن ولد الزنا. ومنها ما ورد من أن نوحا لم يحمل معه ولد الزناء في السفينة، مع أنه حمل الكلب الخنزير فيستكشف من هذا أنه أنجس من الكلب والخنزير. (1) وفيه أنه لا دلالة فيه أصلا، بل ولا تأييد من قبله لهذا المطلب أي نجاسة ولد الزنا، وذلك من جهة بناء السفينة وصنعها لاجل خلاص المؤمنين عن الغرق وهلاك الكافرين ولم يكن في المؤمنين ولد الزنا، لاجل ذلك لم يحمل، لا أنه كان في المؤمنين وتركه لاجل نجاسته. هذا أولا وثانيا على فرض أن يقال بوجوده ومع ذلك لم يحمله، وإن كان في كمال الاستبعاد ويمكن أن يكون ترك حمله لاجل شقاوته وشؤمه، فربما يوجب حمله ضررا على السفينة. ومنها موثق زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام لا خير في ولد الزنا وبشره ولا في شعره ولا في لحمه. (2) وفيه أنه أجنبي عن محل البحث. ومنها حسنة ابن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من لبن ولد الزنا. (3) وفيه أيضا أنه أجنبي عن محل البحث من جهة أن اللبن غذاء ينمو به الجسم

 

(هامش)

 

1. عقاب الاعمال ص 252. 2. المحاسن ص 108. 3. الكافي ج 6، ص 43، باب من يكره لبنه ومن لا يكره، ح 5، تهذيب الاحكام ج 8، ص 109، ح 371، باب الحكم في أولاد المطلقات، ح 20، الاستبصار ج 3، ص 322، ح 1147، باب كراهية لبن ولد الزنا، ح 5، وسائل الشيعة ج 15، ص 184، أبواب أحكام الاولاد، باب 75، ح 2، وباب 75، ح 2، وباب 76، ح 2. (*)

 

ولا شك في أن الغذاء يؤثر في الجسم أولا وبالذات، وفي الروح ايضا بتوسط تأثيره في الجسم، وربما يكون أثر السوء كحصول الاخلاق الذميمة والملكات الرذيلة في نفس الولد من لبن ولد الزنا أزيد من لبن الكفار، ولذلك قال عليه السلام إن لبن الكفار الثلاثة أحب الي من لبن ولد الزنا، فلا ربط لهذه الرواية بمسألة نجاسة بدن ولد الزنا. وخلاصة الكلام أن هذه الاخبار وغيرها مما وردت في ذم ولد الزنا، يستفاد منها أن المولود الذي يتولد من الزنا فيه اقتضاء الشقاوة والفساد والضلالة والميل إلى الجور والباطل والخروج عن جادة الحق والطريق المستقيم، ولكن لا بحيث يسلب عنه الاختيار كي يكون عقابه ومؤاخذته قبيحا وظلما عليه، بل يرتكب القبائح بسوء اختياره فيعاقب على قبائح أعماله وأفعاله. فمعنى قوله عليه السلام أنه رجس أو شر أو لا خير فيه أو لا يطهر إلى سبعة آباء أو انه لا يحب أمير المؤمنين عليه السلام وأمثال ذلك من العبارات التي وردت في الازدراء به، هو ما صرح به عليه السلام في مرفوعة سليمان الديلمي بقوله عليه السلام أنت شر الثلاثة أذنب والداك فنشأت عليهما وأنت رجس (1) أي أنت نتيجة فسادهما وعملهما القبيح فورثت الخباثة والتمرد والطغيان من ذلك الطاغي والمتمرد وتلك الطاغية والمتمردة ومعلوم أن من كان جوهر ذاته ناشئة من عمل القبيح يكون فيه اقتضاء جميع الشرور ولكن لا بحد يسلب الاختيار كي يكون عقابه قبيحا كما ذكرنا. وبما ذكرنا يرتفع الاشكالات المتوهمة بالنسبة إلى ما ورد في حق ولد الزنا من أنه لا يدخل الجنة، وان اطاع ولم يعص أبدا، فيقال بأن هذا ظلم في حق ولد الزنا وأي ذنب أذنب كي يكون مستحقا لمثل هذا الطرد، وعدم شمول حرمة الله له، مع أنه تعالى يقول في كتابه العزيز جزاءا وفاقا (2) وأيضا قوله تعالى جزاء بما كانوا

 

(هامش)

 

1. علل الشرائع ص 188. 2. النباء (78): 26. (*)

 

يكسبون (1) وايضا قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك (2) إلى غير ذلك من الايات والروايات. والحاصل أن كل رواية كان في هذا المقام مخالفا للعدل الالهي فلابد وأن يؤول وإن لم يمكن تأويله فلابد وأن يطرح. الامر الثامن في سائر الفرق من الشيعة غير الاثني عشرية، فانهم أيضا طاهرون كسائر المسلمين ما لم يكونوا ناصبين وسابين لبعض الائمة الاثني عشر، وأما إن كانوا ناصبين أي مبغضين لغير من يعتقدون بامامته أو سابين له، فيدخلون في جملة الناصبين وقد تقدم حكم الناصب، ولا فرق في الناصب بين أن يكون معتقدا بامامة بعض الائمة أو لم يكن معتقدا بالامامة أصلا لان المناط في كونه ناصبا هو بغضه وسبه لامير المؤمنين عليه السلام أو لاحد أولاده الطاهرين الذين هم مطهرون بنص القرآن الكريم. وخلاصة الكلام أنه فرق بين عدم الاعتقاد بامامة بعض الائمة أو جميعهم وصرف هذا لا ينافي طهارتهم وجريان أحكام الاسلام في حقهم، فان أغلب المسلمين لا يقولون بامامة الائمة بالمعنى الاخص الذي يعتقدون به الامامية الاثنى عشرية، وأحكام الاسلام جارية في حقهم من طهارة أبدانهم وجواز المناكحة معهم، وحلية ذبائحهم، ووجوب دفن موتاهم وسائر أحكام الاموات، واحترام أموالهم ونفوسهم إلى غير ذلك من احكام الاسلام وبين بغضهم وعدواتهم وسبهم، والثاني هو الناصب ويكن مشمولا لحكمة وقد تقدم حكمه. والدليل على أنهم ما لم يبغضوا ولم يسبوا يكونون بحكم الاسلام ويجري عليهم أحكامه من طهارة أبدانهم إلى آخر ما ذكرنا، هو شمول اطلاقات أدلة احكام

 

(هامش)

 

1. التوبة (9): 82 و 95. 2. النساء (4): 79. (*)

 

الاسلام لهم، لان موضوع تلك الاحكام هو الاسلام وفسر الاسلام في الروايات (1) بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فالاعتراف بوجوب الصلوة والزكاة وصوم شهر رمضان لمن لا يكون معذورا وحج بيت الله الحرام كما في رواية سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكوة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام (2) الخ وغيرها من الروايات الكثيرة الواردة في بيان معنى الاسلام وما هو الموضوع لتلك الاحكام، ولا شك في أن سائر فرق الشيعة غير الامامية الاثنى عشرية معترفون بهذه الامور. والدليل على أنهم إذا أبغضوا بعض الائمة أو سبوا يكونون من النصاب ويلحقهم حكمهم مضافا إلى إطلاقات أدلة نجاسة الناصبي، فانه لا فرق في شمول تلك الادلة بين ان يكون الناصب معترفا بامامة بعض الائمة أو كان منكرا لامامة جميعهم هو الروايات الواردة في هذا المقام، وهي كثيرة. منها ما رواه ابن المغيرة قال قلت لابي الحسن عليه السلام إني ابتليت برجلين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولابد من معاشرتهما فمن أعاشر؟ فقال عليه السلام: هما سيان من كذب بآية من آيات الله فقد نبذ الاسلام وراء ظهره، وهو المكذب لجميع القرآن والانبياء والمرسلين ثم قال: هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا (3) فتأمل. الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

 

(هامش)

 

1. انظر: وسائل الشيعة ج 1، ص 7، أبواب مقدمة العبادات، باب 1 و 2. 2. الكافي ج 2، ص 20، باب أن الاسلام يحقن به الدم...، ح 4، وسائل الشيعة ج 1، ص 11، أبواب مقدمة العبادات، باب 1، ح 13. 3. الكافي ج 8، ص 235، ح 314. (*)