قاعدة كل ما يصلح إعارته يصح إجارته

52 - قاعدة كل ما يصلح إعارته يصح إجارته 

 

قاعدة كل ما يصح اعارته يصح اجارته * ومن القواعد الفقهية المشهورة هي قاعدة كل ما صح إعارته صح إجارته والبحث فيها من جهات: الاولى في بيان المراد منها فنقول إن مفاد هذه القاعدة ان كل شيء يصح اعارته من جهة أنه عين يصح الانتفاع بها مع بقاء نفسها، يصح إجارته، فمثل الاطعمة والاشربة مما ينتفع بها، ولكن الانتفاع بها باتلافها وإعدامها لا مع بقاء عينها، لا يصح إعارتها، وذلك لان حقيقة العارية عبارة عن تمليك منفعة شيء أو الانتفاع به مع بقاء ذلك الشيء في ملك المعير. وقد يقال بأنها عبارة عن تسليط المستعير على الانتفاع به مع بقاء العين في ملكه وهذا أحسن واجود من التعريف الاول، أما كونه أجود من تمليك المنفعة، فلانه ليس له أن ينقلها إلى شخص آخر، وايضا لا ترثها الورثة، ولو كانت العارية تمليك المنفعة لجاز النقل إلى غيره، وكانت ترثها الورثة، وأما كونها تمليك الانتفاع ففرع قابلية الانتفاع لكونه ملكا. وهذا مشكل، لان الملكية اعتبار عقلائي أمضاها الشارع في موارد وأسقطها في

 

(هامش)

 

الحق المبين ص 72. (*)

 

موارد اخر، وموضوع هذا الاعتبار عند العقلاء إما الاعيان التي تحتاج إليها الناس للاغراض التي عندهم، أو منافع تلك الاعيان، وأما الانتفاع بتلك المنافع فجوازه وعدم جوازه من آثار ملكيتها وعدم ملكيتها، وإلا فنفس الانتفاع ليس قابلا لاعتبار الملكية فيه، فلا يصح أن يقال بأنها تمليك الانتفاع بالشئ الذي يعطيه. اللهم الا أن يراد بالتمليك التسليط، لا ذلك الامر الاعتيادي المذكور، فيكون المراد به هو التعريف الثاني أي التسليط على الانتفاع. وقد ورد التمليك بهذا المعنى في الكتاب العزيز في قوله تعالى لا أملك إلا نفسي وأخي (1) وعلى كل حال تعريفها بأنه عقد ثمرته التبرع بالمنفعة كما عن المحقق في الشرائع (2) وغيره في غيره لا يخلو من تأمل، لانه اولا المتعارف والمتداول بين الناس في باب العارية هو إعطاء شيء يصح الانتفاع به لغيره أن ينتفع به، من دون عقد وتعهد بينهما، فليس عقد في البين وأما إعطائه بعد العقد بايجاب من قبل المعير وقبول من طرف المستعير يكاد أن لا يوجد، لان المتعارف بين العقلاء غير هذا المعنى. فهو التسليط مجانا وبلا عوض على العين التي لها منفعة لكي ينتفع بها مع بقاء نفسها فلا يصدق العارية على المأكولات والمشروبات التي يكون الانتفاع بها باتلافها أي أكلها وشربها. نعم لو كانت لها منفعة غير الاكل والشرب كما قد يتفق بل المتعارف في بعض البلاد يزينون مجالسهم التي تنعقد لاجل عقد القران بين الزوجين بانواع الفواكه والحلويات والشرابت من دون أكلها وشربها فلا بأس حينئذ باعارتها كما أنه لا بأس باجارتها كذلك. ثم إنه لابد وأن يكون الانتفاع بمنافع العين المعارة محللة فان كان كل منافعه

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 25. 2. شرائع الاسلام ج 2، ص 135. (*)

 

محرمة فلا يجوز لا اعارته ولا اجارته كأدوات اللهو والاغاني وأواني الذهب والفضة بناء على عموم حرمة الانتفاع بها لا خصوص الاكل والشرب. وأما إن كان بعض منافعه محللة وبعضها محرمة كأواني الذهب والفضة، بناء على عدم عموم حرمة الانتفاع بها واستعمالها، بل يكون الحرام خصوص الاكل والشرب فيها وكالجارية التي يحرم بعض المنافع منها كوطيها، لانه لا يحل الا بالتزويج أو الملك أو التحليل، ويحل بعض منافعها الاخر كاستخدامها في البيت، فلا يجوز إعارته إلا باعتبار منافعه المحللة. فمفاد القاعدة هو أن كل عين يصح اعارتها باعتبار ان لها منفعة محللة يمكن الانتفاع بها مع بقاء نفسها، تصح اجارتها. واما ما ليس لها منفعة محللة فليس لنفس المالك ان ينتفع بها باعتبار منافعها المحرمة فكيف له أن يسلط غيره عليه باعتبار تلك المنافع أو يملكها لغيره أو يملك انتفاع الغير بها. فيجوز إعارة كل ماله منفعة محللة باعتبار تلك المنافع المحللة مع بقاء عينه كالاراضي والبساتين والدواب والثياب والمساكن والدكاكين وأنواع الفرش والالبسة والامتعة واثاث البيت والكتب التي لا يوجب الاضلال وأدوات الطبخ وأقسام الحلى وكلب الصيد المحلل وحراسة الدار والمراكب والسيارات والطيارات وادوات الزراعة والفلاحة والمكائن بجميع اقسامها وأنواعها وغيرها مما لم نذكرها، وكان مصداقا لعنوان ماله منفعة محللة ويمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، فهذه الامور جميعا كما يجوز إعارتها كذلك يجوز اجارتها وهذا هو مفاد هذه القاعدة. نعم ربما يستشكل على هذه الكلية بان اعارة الشاة المنحة يجوز للانتفاع بلبنها ولا يجوز اجارتها لذلك وكذلك يجوز اعارة جاريته المرضعة للانتفاع بلبنها بان يشرب الطفل من ذلك اللبن أو للانتفاع بارضاعها للطفل، وكذلك يجوز إعارة البئر للاستقاء منها ولا يجوز اجارتها لذلك، وكذلك يجوز إعارة البستان للانتفاع باثمار اشجارها ولا يجوز اجارته لذلك وفي بعض هذه المذكورات قيل بالعكس.

 

ويظهر من كلام صاحب الجواهر (1) أن إجارة المرضعة للرضاع جائزة ولا يجوز اعارتها لذلك وهذه عين عبارته ولا يقدح في هذا الضابط جواز عارية المنحة للحلب دون الاجارة له عكس المرءة للرضاع بعد ان كان ذلك بالدليل وعلى كل حال هذه النقوض غير واردة على هذه الكلية اما جواز عارية الشاة المنحة فاولا يمكن ان يقال بانه ليس من باب العارية بل يكون اباحة للبنها من طرف المالك لمن يعطيها بيده. وثانيا يمكن أن يكون هذا الدليل خاص ورد في المقام فيكون مخصصا لهذه القاعدة وهو الاجماع كما حكاه في الجواهر (2) عن بعض متأخري المتأخرين أو ما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سمنا شيئا معلوما أو دراهم من كل شاة كذا وكذا، قال عليه السلام لا بأس بالدراهم ولست احب بالسمن. (3) أو صحيح ابن سنان سأله أيضا عن رجل دفع إلى رجل غنمه بسمن ودراهم معلومة لكل شاة كذا وكذا في كل شهر، قال لا بأس بالدراهم واما السمن فلا احب ذلك إلا أن تكون حوالب. (4) وقرب في الجواهر (5) الاستدلال بهاتين الروايتين على جواز عارية الشاة المنحة (6)

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 27، ص 173. 2. جواهر الكلام ج 27، ص 172. 3. الكافي ج 5، ص 223، باب الغنم تعطى بالضريبة، ح 1، تهذيب الاحكام ج 7، ص 127، ح 554، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة، ح 25، الاستبصار ج 3، ص 103، ح 359، باب إعطاء الغنم بالضربية، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 260، أبواب عقد البيع وشروطه، باب 9، ح 1. 4. الكافي ج 5، ص 224، باب الغنم تعطى بالضربية، ح 4، تهذيب الاحكام ج 7، ص 127، ح 556، باب الغرر والمجازفة وشراء السرقة، ح 27، الاستبصار ج 3، ص 103، ح 362، باب إعطاء الغنم بالضريبة، ح 4، وسائل الشيعة ج 12، ص 260، أبواب عقد البيع وشروطه، باب 9، ح 4. 5. جواهر الكلام ج 27، ص 173. 6. المنحة - بالكسر - في الاصل الشاة أوالناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن. (*)

 

للانتفاع بلبنها بان مفاد هاتين الروايتين جواز اعطاء الشاة بعوض وبضريبة للانتفاع بلبنها فتدلان على جواز الاعطاء مجانا بطريق أولى أي بالفحوى، وإعطاء الشاة بضريبة لابد وان يكون للانتفاع بلبنها أو بصوفها أو بكليهما فإذا دلتا بالفحوى على جواز الاعطاء للانتفاع بهاتين المنفعتين مجانا فيكون هذا عن العارية. وفيه على فرض تسليم أن الرواية تدل على جواز إعطاء الشاة المنحة مجانا لهاتين المنفعتين لا تدل على أن جواز الاعطاء من باب العارية بل من الممكن أن يكون من باب الاباحة أو الصلح المجاني. واستدل في التذكرة على جواز عارية الشاة المنحة بما عن النبي صلى الله عليه وآله العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم والغريم غارم (1) ولكن الانصاف ان هذا الحديث الشريف على فرض تسليم صدوره عنه صلى الله عليه وآله على خلاف المطلوب وأن المنحة ليست بعارية أدل، لما جعله صلى الله عليه وآله مقابلا وعدلا للعارية. نعم يدل على أن رد المنحة واجب، كما ان تأدية العارية وقضاء الدين لازم والغريم غارم أي المديون يجب عليه أن يؤدي دينه. هذا بناء على نقل التذكرة وأما بناء على ما في سنن أبي داود وصحيح الترمذي الزعيم غارم (2)، فمعناه ان الكفيل يجب عليه أداء الغرامة إذ الزعيم بمعنى الكفيل كما في قوله تعالى: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم. (3)

 

(هامش)

 

المصباح المنير ص 580. 1. تذكرة الفقهاء ج 2، ص 206. وانظر: عوالي اللئالي ج 3، ص 252، ح 8. 2. سنن ابي داود ج 3، ص 295، كتاب البيوع، ح 3565، سنن ترمذى ج 3، ص 565، كتاب البيوع، باب 39، ح 1265، عوالي اللئالي ج 2، ص 257، ح 3، مستدرك الوسائل ج 13، ص 435 أبواب كتاب الضمان، باب 1، ح 2. 3. يوسف (12): 72. (*)

 

فالمستفاد من الحديث الشريف أن الشاة المنحة التي اعطاها المالك لشخص واباح له لبنها يجب على ذلك الشخص رده، وهذا لا ربط له بالعارية هذا مع ان التحقيق انه كما يجوز اعارة الشاة المنحة اجماعا يجوز اجارتها أيضا. وأما الاشكال عليه بان الاجارة تمليك المنفعة مع بقاء العين واما تمليك الاعيان فليس باجارة بل اما بيع إذا كان بعوض مالي أو هبة ان كان مجانا وبلا عوض أو صلح إذا وقع التسالم عليه أو غير ذلك. فجوابه ان متعلق الاجارة في المفروض هي الشاه باعتبار تمليك منافعها غاية الامر ان المنفعة قد تكون من الاعراض القائمة بعين في الخارج كسكنى الدار وركوب الدابة والتفرج في بستان وقد تكون من الامور الاعتبارية كما أنهم يستأجرون الحلويات الكثيرة وكذا الفواكه لاجل مجلس عقد القران بين الزوجين لا لاكلها بل لاظهار الجلالة والعظمة وأمثلة هذا القسم كثيرة. وقد تكون من الاعيان الخارجية ومن الجواهر التي ي لها وجود تبعي قبل الانفصال عن متبوه ووجود استقلالي بعد الانفصال كاللبن بالنسبة إلى الشاة المنحلة والمرأة المرضعة وكالاثمار بالنسبة إلى الاشجار وكالمياه بالنسبة إلى الآبار وفي هذا القسم إذا ورد التمليك على هذه الاشياء باعتبار وجودها الاستقلالي أو كان بعد انفصالها عن متبوعها فلا شبهة في ان مثل هذا التمليك لا يمكن أن يكون اجارة لان حقيقة الاجارة تمليك المنفعة وهذه تمليك عين لا تمليك منفعة وهذا واضح جدا. واما إذا ورد التمليك عليها باعتبار وجودها قبل الانفصال اي باعتبار كونها من توابع متبوعاتها وصفات موضوعاتها ولذلك يقولون شاة منحة وامرأة مرضعة وشجرة مثمرة إلى غير ذلك من الامثلة، فهذا يعد من تمليك المنافع بهذا الاعتبار عند العرف. فإذا قال آجرتك هذه الشاة بكذا لا يفهم منه العرف الا تمليك منافع هذه الشاة

 

التي هي بنظرهم عبارة عن صوفه ولبنه ولم يقم دليل عقلي ولا نقلي على ان منفعة عين لا يمكن ان تكون عين اخرى فهل يشك احد في ان منفعة شجر الكرم هو العنب أو في ان منفعة النخيل هي التمور. فإذا كان المتفاهم العرفي في باب العارية والاجارة هو إعطاء العين الخارجية وإن شئت قلت هو تسليط على العين باعتبار كون منافعها ملكا له مدة معلومة، فان كان هذا التسليط والتمليك مجانا وبلا عوض يسمى عارية، وإن كان بعوض يسمى اجارة. فبناء على هذا التسليط على الشاة المنحة مع تمليك اصوافها والبانها وسائر منافعها المتصلة بها لا بعد انفصالها عنها يكون اجارة حسب المتفاهم العرفي من هذا اللفظ الذي هو معنى ظهور اللفظ في معنى إن كان بعوض وإن لم يكن بعوض يكون عارية. ولا فرق في المتفاهم العرفي بين ان تكون تلك المنافع من الاعراض الخارجية أو كانت من الاعتبارات أو تكون من الاعيان الخارجية بشرط عدم انفصال هذا الاخير عن موصوفه ومتبوعه. ولا فرق فيما ذكرنا بين الشاة المنحة والمرأة المرضعة والشجرة المثمرة والبئر التي لها ماء بالنسبة إلى الاستقاء منها ففي جميع ذلك تصح اجارتها وايضا اعارتها الا أن يأتي دليل خاص من إجماع أو رواية معتبرة على عدم صحة كليهما أو احدهما فلا يرد نقض على هذه القاعدة بهذه الامور. وأما ما يقال أو يتوهم بأنهم متفقون على ان الاجارة تمليك منافع العين التي يوجرها المؤجر ويذكرون ان المنفعة مقابل العين ونقل الاعيان مقابل نقل المنفعة فلا يجتمعان. فقد عرفت ما فيه، وأن هذه الاعيان ما دامت متصلة بالعين المتعلقة للاجارة

 

تعد منفعة ومفهوم المنفعة لابد وان يؤخذ من العرف كسائر المفاهيم فإذا كانت هذه المنافع المذكورة التي من الاعيان الخارجية منفعة للعين مادامت متصلة بها فتشمل الاطلاقات أدلة الاجارة والعارية أيضا مثل هذه الموارد أي التسليط على الشاة المنحة والجارية المرضعة والشجرة المثمرة، والبئر التي لها ماء وغير هذه الامور مما يشبهها مع انشاء تمليك المنافع المذكورة لهذه الامور. ولا يخفى أنه ليس مرادنا من انشاء تمليك هذه الامور أن يكون بانشاء مستقل والا يخرج عن كونه اجارة بل مرادنا من تمليك منافع هذه الامور هو انشاء تمليكها بلفظ الاجارة المتعلقة بنفس هذه الامور باعتبار تلك المنافع. واما الاشكال والنقض على ما ذكرنا بأنه لا يجوز إجارة الشاة بلحاظ سخلها ولا الجارية بلحاظ ولدها ولا البذر بلحاظ الزرع فغير تام وذلك لان السخل والولد موجودان منفصلان عن الشاة والجارية ورحم الشاة والجارية وعاء نمائهما وتربيتهما. مع أن هذه المفاهيم تخلتف بنظر العرف فلو قال آجرتك هذه الشاه مثلا يفهم العرف من هذه العبارة تمليك صوفها ولبنها ولا يفهم منها تمليك سخلها التي في بطنها وقلنا إن المدار في تشخيص المفاهيم وتعيين مداليل الالفاظ والجمل هو الفهم العرفي. مضافا إلى أن السخل والولد إن كانا من منافع الشاة والجارية في المتفاهم العرفي نقول بصحة إجارتها وإعارتها، إلا أن يأتي دليل من اجماع أو رواية على عدم صحتها أو عدم صحة أحدهما وأما البذر والزرع والبيض والدجاج والنواة والنخلة وأمثالها فالزرع والدجاج والنخلة هي عن البذر والبيض والنواة لا أنها من منافعها. وأما ما افاده سيدنا الاستاد قده في حاشية العروة بقوله: نعم ربما يشكل في اجارة الاشجار للثمار بان الانتفاع الحاصل فيها يعد في العرف انتفاعا بالثمر لا بالشجر.

 

فكلام عجيب لانه بعد قبوله المبني الذي ذكرنا وانه من الممكن ان تكون منفعة الشيء من الاعيان الخارجية، فاي فرق بين الشاة المنحة والانتفاع بلبنها وبين النخلة مثلا والانتفاع بثمرها، بل كون ثمار الاشجار منفعة لها أبين من كون الماء الموجود في البئر منفعة لها وأيضا أبين من كون اللبن من منافع الشاة أو المرضعة. وشيخنا الاستاد قده حيث إنه لم يختر هذا المبنى ذهب إلى عدم صحة اجارة هذه الامور وقال في اجارة الشجر لا ثماره في مقام انكار صحة اجارة هذه الامور في حاشيته على العروة: خصوصا في اجارة الاشجار للانتفاع باثمارها فكأنه قده يرى القول باجارة الاشجار بلحاظ الانتفاع بأثمارها أبعد عن الصحة من إجارة الشاة المنحة بلحاظ لبنها والمرءة المرضعة بلحاظ ارضاعها أو لبنها، والبئر بلحاظ الانتفاع بمائها، ونحن لم نفهم فيها خصوصية اوجب من ذلك. الجهة الثانية في بيان الدليل على هذه القاعدة وهو أمران: الاول الاجماع فهذا صاحب الجواهر قده يقول في مقام شرح هذه العبارة التي في الشرايع وهي: كلما صح إعارته صح اجارته (1): بلا خلاف أجده نقلا وتحصيلا، بل إجماعا كذلك، (2) ومثل هذه العبارة من هذا الفقيه المحقق المتتبع لها قيمتها وإن كان قد تقدم منا مرارا الاشكال على امثال هذه الاجماعات التي من المحتمل القريب أن يكون اتفاقهم مستندا إلى مدرك يعتمدون عليه من دون أن يكون سبب اتفاقهم تلقيهم عن

 

(هامش)

 

1. شرائع الاسلام ج 2، ص 140. 2. جواهر الكلام ج 27، ص 213. (*)

 

الامام عليه السلام فلابد من الرجوع إلى نفس المدرك المحتمل إن كان معلوما وأنه هل يصح الاعتماد عليه أم لا كما أنه في المقام من المحتمل القريب أن يكون مدركهم هذا الامر الثاني الذي نبينه إنشاء الله تعالى. الامر الثاني هو ان الاعارة والاجارة لا تختلفان في الحقيقة وكلاهما عبارتان عن تلسيط المالك المستعير والمستأجرب على عين ماله لتمليك منفعته إياهما، ولا فرق بينهما إلا بأن تمليك المنفعة أو الانتفاع بتلك العين في العارية مجاني وبلا عوض وفي الاجارة يكون بعوض وليس مجانا. فمورد الاجارة والاعارة واحد وهو العين التي لها منفعة محللة يمكن الانتفاع بها فيسلط الطرف عليه ويملكه منفعتها أو الانتفاع بها فينتفع بها واما كون الانتفاع بها بلا عوض أو مع العوض لا يغير المورد فالمورد في كليهما واحد إلا أن يأتي دليل خاص من اجماع أو رواية معتبرة على صحة احديها دون الاخرى، والا فمقتضى الاصل الاولى هو أنه لو صح أحدهما صح الاخر. ومقتضى هذا الدليل ان الكلية من الطرفين أي كما أن كلما صح اعارته صح اجارته كذلك وكلما صح اجارته صح اعارته وهو كذلك الا أنهم ذكروا الكلية الاولى دون الثانية ولعله لان الاجارة عقد لازم لا يمكن حله الا باحد موجبات الفسخ بخلاف العارية فان العارية قابلة للاسترداد والرد في أي وقت أراد كل واحد من الطرفين. فالاجارة تحتاج إلى دليل الاثبات وصحة عقده كي يحكم عليها باللزوم وأما العارية في الحقيقة هو إذن في التصرفات ولا اثر لكونها صحيحة أو فاسدة، لان فاسدها أيضا لا ضمان فيها لقاعدة كلما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فلا أثر مهم لمعرفة أنها صحيحة أو فاسدة، ولذلك أهملوا ذكر الكلية الثانية. أو لان السيرة العملية بالنسبة إلى موارد العارية أوسع فان الناس يستعيرون

 

اغلب الاشياء لقضاء حوائجهم من الظروف والفرش وادوات الطبخ من القدور والمكائن التي يطبخون عليها والبسط والابر وأدوات شرب الچاي من السماور والكتلى والغوري والاستكان والمواعين على انواعها وأقسامها، والكتب العلمية في مختلف العلوم وكتب الادعية والزيارة وغير ذلك مما يطول إحصائها. وخلاصة الكلام: ما من شيء له منفعة ويقضى الحاجة في مدة قليلة الا وقد يقع موردا للاستعارة بخلاف الاجارة، فان السيرة العلمية لم تنعقد إلا في المهمات من الجوائج وفيما لم يكن الاحتياج إليها في المدة القليلة بل يكون الاحتياج إليها في مدة معتده بها فيمكن أن تكون في بعض الموارد صحة الاجارة مشكوكة لعدم قيام سيرة عملية عليها، ولكن صحة العارية تكون معلومة لقيام السيرة عليه، فيستدل بها على صحة الاجارة لاجل هذه القاعدة. ولكن ليس هناك مورد تكون صحة الاجارة معلومة وصحة العارية مشكوكة في ذلك المورد كي يستدل بالكلية الاخرى على صحة تلك العارية، فلذلك ذكروا الكلية الاولى وأهملوا ذكر الثانية. الجهة الثالثة في موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول أولا: إن هذه القاعدة تجري في إجارة الاعيان بلحاظ منافعها واما في باب الاجراء الاحرار فلا تجري الكلية الثانية لانه يجوز استيجارهم ولا يجوز اعارتهم لانهم وان كانوا اعيانا ولهم منافع محللة، ولكن لا يدخلون تحت يد أحد ولا يملكهم أحد وهم وان كانوا يملكون اعمالهم ولكن لا ينطبق على أعمالهم عنوان العارية لان العارية كما قلنا عبارة عن تسليط الغير على عين من أعيان ما يملكه لاجل أن ينتفع بها وفي الاجراء الاحرار لا يمكن ذلك لا من قبل أنفسهم ولا من

 

قبل غيرهم. نعم لو كان الاجير من العبيد فكما تصح اجارته كذلك تصح إعارته وثانيا إن مورد تطبيق هذه القاعدة جميع الموارد التي قامت السيرة على صحة اعارتها فمفاد هذه القاعدة صحة إجارتها. فما ذكرنا من الموارد الكثيرة التي بناء العقلاء على صحة إعارتها وقامت السيرة على ذلك حتى المحقرات كما إذا استعار ابرة لخياطة خرق في ثوبه مثلا فاجارته لذلك أيضا صحيحة اللهم الا أن يكون منفعته قليلة بحد أن العقلاء لا يبذلون بازائه المال، فيمكن أن يقال حينئذ بالتفكيك بينهما بأن إعارته في ذلك المورد جائزة، إذ لا مانع من اعطاء ذلك الشيء بيد الطرف للانتفاع بتلك المنفعة القليلة مجانا وبلا عوض ولكن لا يجوز إجارته لان الاجارة لا يمكن بدون العوض، والمفروض أن العقلا لا يبذلون بازاء تلك المنفعة القليلة مالا، فيمكن أن يكون هذا نقضا على هذه الكلية لجواز الاعارة دون الاجارة فتدبر. والحمد لله اولا وآخرا وظاهرا وباطنا.