قاعدة كل مسكر مائع بالأصالة فهو نجس

54 - قاعدة كل مسكر مائع بالأصالة فهو نجس 

 

قاعدة كل مسكر مايع بالاصالة فهو نجس * ومن القواعد الفقهية المشهورة كل مسكر مايع بالاصالة نجس وحرام شربه وفيها جهات من البحث: الجهة الاولى في بيان المراد منها فنقول: أما المسكر فقد اختلف كلمات الفقهاء واللغويين في شرح مفهومه، فقال في القاموس: سكر كفرح ثم يذكر مصادر هذا الفعل ثم يفسره بأنه نقيض صحي (1)، ثم يأتي في مادة الصحو ويقول الصحو ذهاب الغيم والسكر (2)، وهو عجيب لانه يحيل معرفة كل واحد منهما إلى معرفة الآخر، وهذا دور إن كان مراده من هذا التفسير لهما تعريفهما، ومثل هذا الامر في كلام اللغويين كثير. وقال في لسان العرب السكران خلاف الصاحي والسكر نقيض الصحو، والسكر ثلاثة: سكر الشباب، وسكر المال، وسكر السلطان. (3) وفي قوله تعالى وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله

 

(هامش)

 

مستقصى مدارك القواعد ص 100. 1. القاموس المحيط ج 2، ص 45 (سكر). 2. القاموس المحيط 4، ص 507 (صحر) 3. لسان العرب ج 4، ص 372 (سكر) (*)

 

شديد: سكارى بالضم جمع سكران فان فعلان يجمع على فعالى بالضم، وسكرهم عبارة عن دهشهم من هول العذاب، فعقولهم ذاهبة من خوف العذاب، فعرض عليهم حالة كحالة السكران واضطرابه. وقال بعض الفقهاء: هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم، وقيل هو ما يغير العقل ويحصل معه نشو النفس وقيل في الفرق بينه وبين الاغماء أن السكر حالة توجب اختلالا في العقل بالاستقلال والاغماء يوجبه بالتبع لضعف القلب واليد، وقيل إن السكر حالة توجب ضعف العقل وقوة القلب والاغماء حالة توجب ضعفهما. هذا ما ذكروه والذي يظهر من مجموع المعاني الذي ذكروه أن السكر هو وجود حالة في النفس توجب اضطرابا في الفكر وزوال مرتبة من العقل بحيث لو كانت هذه الحالة فيه دائمة من غير شرب المسكر لكانت فيه مرتبة من الجنون، وذلك لان تلك الحالة ربما توجب ارتكاب بعض القبائح والجرائم التي لا يصدر من العاقل. نعم لا شك في أن هذه الحالة المذكورة تختلف بالنسبة إلى أشخاص شاربي المسكرات وأنواع نفس المسكرات وبالنسبة إلى القلة والكثرة ما يشرب وبعض الجهات الاخر شدة وضعفا. والظاهر أن مفهوم السكر مثل مفهوم الجنون والعقل من المفاهيم الواضحة عند كل أحد، فلا يحتاج إلى التعريف، بل هو أجلى من التعاريف التي ذكروها وإذا تبين معنى السكر، فالمسكر هو الذي يكون شربه أو أكله سببا لوجود السكر فالمسكر من المشتقات التي يكون مبدء الاشتقاق قائما بموضوعه قياما صدوريا لا حلوليا كالكاتب مثلا.

 

(هامش)

 

. الحج (22): 2. (*)

 

وأما المراد من المايع بالاصالة فهو أن الشيء الذي يوجب وجود هذه الحالة على اختلاف مراتبها على قسمين مايع وجامد، فالمايع كاقسام الخمور والفقاع وما يسمونه العرق وغير ذلك مما ينطبق عليه هذا التعريف وكان في أصله مايعا، لا أنه صار مايعا بواسطة مزجه بالماء، والجامد كالحشيش أو شيء آخر إذا كان هناك شيء آخر جامد بالاصل يوجب وجود هذه الحالة. وإنما خصصنا الموضوع في هذه القاعدة وقيدناه بكونه مايعا بالاصالة لان ما ليس من المسكرات كذلك وإن صار مايعا بواسطة مزجه بالماء كالحشيش ليس بنجس إجماعا وأدلة نجاسة المسكرات أيضا منصرفة عن المسكر الجامد بالاصالة كما سننبه على هذا فيما سيأتي إنشاء الله تعالى. الجهة الثانية في بيان الدليل على هذه القاعدة، وقبل ذلك نذكر الاقوال فيها فنقول: المشهور عند الفقهاء قديما وحديثا هو نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة، وخالف المشهور جماعة من القدماء والمتأخرين، من أصحابنا الامامية وغيرهم. أما من الامامية حكى عن العماني حسن وهو المشهور بابن أبي عقيل (1) وعن الصدوقين علي بن بابويه وابنه محمد بن علي ابن بابويه (2) قدهما ومن متاخريهم المقدس الاردبيلي (3) وصاحب المدارك (4) وصاحب الذخيرة السبزواري (5)

 

(هامش)

 

1. نقله عنه في المعتبر ج 1، ص 422. 2. الفقيه ج 1، ص 74، باب ما ينجس الثوب والجسد، ذيل ح 167، علل الشرائع ص 357. 3. مجمع الفائدة والبرهان ج 1، ص 309. 4. مدارك الاحكام ج 2، ص 292. 5. ذخيرة المعاد ص 153. (*)

 

ومشارق الشموس في شرح الدروس الخونساري قده. (1) وأما من غير الامامية فظاهر عبارة الفقه على المذاهب الاربعة (2) نجاسة المسكر المايع بالاصالة من غير نقل خلاف، ويستدل على ذلك بأن كل مسكر خمر وكل خمر نجس. أما أن كل مسكر خمر لقوله صلى الله عليه وآله على ما رواه في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وآله وكل مسكر خمر وكل خمر حرام (3) وأما أن كل خمر نجس لقوله تعالى إنما الخمر والمسير والانصاب والازلام رجس (4) فحمل الرجس على الخمر والمراد من الرجس هو النجس لانه معناه عند العرف، وحكى القول بطهارة الخمر من ربيعة الرأي، (5) وعلى كل حال لا شك في أن فتوى أكثر فقهاء الاسلام على النجاسة بل المخالف أي القائل بالطهارة منا ومن غيرنا في غاية القلة على كلام في النسبة إلى بعضهم. ثم بعد ما ظهر لك من الاقوال في المسألة دليل القائلين بالنجاسة امور الاول الاجماع نقلا وتحصيلا فهذا صاحب الجواهر الفقيه المتتبع يقول: المشهور نقلا وتحصيلا قديما وحديثا بيننا وبين غيرنا شهرة كادت تكون اجماعا بل هي

 

(هامش)

 

1. مشارق الشموس ص 326. 2. الفقه على المذاهب الاربعة ج 1، ص 15. 3. صحيح مسلم ج 4، ص 245، باب بيان أن كل مسكر خمر...، ح 2003. 4. المائدة (5): 90. 5 . انظر: المجموع ج 2، ص 563، فتح العزيز ج 1، ص 156، تفسير القرطبي ج 6، ص 288، مغنى المحتاج ج 1، ص 77، الميزان ج 1، ص 105. (*)

 

كذلك النجاسة (1) وعن البهائي في حبل المتين أطبق علماء الخاصة والعامة على نجاسة الخمر إلا شرذمة منا ومنهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم، (2) وفي السرائر بعد أن نفى الخلاف عن نجاسة الخمر حكى عن ابن بابويه في كتاب له أن الصلاة تجوز في ثوب أصابته الخمر، قال: وهو مخالف لاجماع المسلمين، (3) وقال الشهيد في الذكرى: إن الصدوق وابن أبي عقيل والجعفي أي القائلين بالطهارة تمسكوا بأحاديث لا تعارض القطعي. (4) وقال الشيخ في المبسوط: والخمر نجسة بلا خلاف وكل مسكر عندنا حكمه حكم الخمر، وألحق أصحابنا الفقاع بذلك. (5) وقال ابن زهرة في الغنية والخمر نجسة بلا خلاف ممن يعتد به، وقوله تعالى إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس يدل على نجاستها وكل شراب مسكر نجس، والفقاع نجس بالاجماع (6) انتهى. ثم إن دعوانا الاجماع تحصيلا مبني على عدم الاعتداد بهؤلاء المخالفين للقول بنجاسة كل مسكر مايع بالاصالة القائلين بالطهارة مع أن في اصل النسبة إليهم إشكالا كما ذكره في الجواهر. (7) والسر في عدم الاعتناء بمخالفة هؤلاء إن صحت المخالفة أننا نقول بحجية

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 6، ص 2. 2. الحبل المتين ص 102. 3. السرائر ج 1، ص 178. 4. ذكرى الشيعة ص 14. 5. المبسوط ج 1، ص 36. 6. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 550. 7. جواهر الكلام ج 6، ص 3. (*)

 

الاجماع من باب أن اتفاق هذا العدد الكثير من الفقهاء على حكم مع اختلاف أعصارهم وبلدانهم وسلائقهم وتعبد جمع كثير منهم بالعمل بالاخبار المروية عن المعصومين وعدم اعتنائهم بالاستحسانات والظنون وعمل جمع آخر على طبق تلك الامور، وعدم مدرك من آية أو رواية يدل على ثبوت هذا الحكم الذي اتفقوا عليه. فيستكشف من مثل هذا الاتفاق تلقيهم هذا الحكم من المعصوم عليه السلام أو وجود دليل معتبر عند الكل كخبر قطعي الصدور وقطعي الدلالة، ولكن نحن لم نجده لضياعه بطول الزمان وأنت خبير بأن مثل هذا المعنى لا يضر به مخالفة عدة قليلة خصوصا إذا علمنا بأن اعتمادهم على أخبار ضعيفة معرضة عنها. نعم ها هنا إشكال آخر على هذا الاجماع ذكرناه مرارا في هذا الكتاب في أمثال المقام، وهو أن الاتفاق الذي من المحتمل القريب أن يكون اعتمادهم على الآية الموجودة في المقام أو الروايات الموجودة كذلك بل صرح بعضهم بذلك كما أن ما نقلناه عن ابن زهرة في الغنية من استدلاله بالاية على نجاسة الخمر بعد ادعائه عدم الخلاف ممن يعتد به، فمثل هذه الاجماعات لا اعتبار لها ولابد من مراجعة مداركها. الثاني قوله تعالى: انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. (1) ولا يخفى أن الاستدلال بهذه الاية على نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة على تقدير دلالتها على نجاسة الخمر منوط بأحد هذه الامور: اما أن يكون كل مسكر خمرا حقيقة وموضوعا كما حكينا عن صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله أن كل مسكر خمر (2)

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 90. 2. صحيح مسلم ج 4، ص 245، باب بيان أن كل مسكر خ مر...، ح 2003. (*)

 

واما يكون خمرا تنزيلا بلحاظ جميع الاثار من الحرمة والنجاسة وغيرهما أو بلحاظ خصوص هذا الاثر. ولا يبعد احتمال الاول، لان الخمر بمعنى الستر ومنه خمار المرأة لانه يسترها ولا شك في أن كل مسكر يستر العقل على اختلاف مراتب الستر شدة وضعفا حتى أن في بعض أقسامها ربما يتخيل من يراه من ارتكاب القبايح بأنه مجنون ولا فرق في هذا المعنى بين ما يسمونه خمرا حقيقة وبين سائر أقسام المسكرات على تقدير أن لا تكون خمرا في لغتهم ومحاوراتهم. وأيضا على فرض أن لا تكون خمرا حقيقة لا شك في أن ظاهر قوله صلى الله عليه وآله كل مسكر خمر عموم المنزلة أي في جميع الآثار، وعلى فرض أن لا يكون ظاهرا في عموم المنزلة وكان التنزيل بلحاظ الاثر الظاهر، لا شك في أن الاثر الظاهر للخمر عند المسلمين ليس خصوص الحرمة، بل يكون هي الحرمة والنجاسة كلتاهما. وإما أن يكون دليل على إلحاقه بالخمر حكما من إجماع أو غيره كعموم التعليل مثلا، لو كان في رواية أن الخمر نجسة لانه مسكر، فهذا يكون بمنزلة كبرى كلية تدل على نجاسة كل مسكر فحينئذ لابد وأن نقول بأن خروج المسكرات الجامدة بالاصل عن تحت هذا العموم بالاجماع أو بالانصراف. وخلاصة الكلام أن الآية أو الروايات على تقدير دلالتها على نجاسة الخمر تدل على نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة بأحد الوجوه المذكورة والمسكر الجامد بالاصالة خارج بما ذكرنا. وأما الاخبار الواردة من طريق أهل البيت عليهم السلام بأن كل مسكر خمر، فكثيرة، فمنها رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام 1 قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله كل مسكر حرام وكل مسكر خمر. (1)

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 6، ص 408، باب أن رسول الله صلى الله وآله - حرم كل مسكر... ح 3، تهذيب (*)

 

ومنها ما عن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس الخ قال: يريد بالخمر جميع الاشربة التي تسكر. (1) ومنها ما عن تفسير علي بن إبراهيم القمي في تفسير الاية المذكورة عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر، وما أسكر كثيره فقليله حرام. (2) ومنها خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: ان الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر. (3) ولكن ظاهر هذه الرواية هو التنزيل في الحرمة لا أنه خمر حقيقة، وبعد ما ظهر لك ما قلنا فتقريب دلالة الآية على نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة هو أن الرجس بمعنى النجس فتدل الاية على أن الخمر نجس وقد ظهر مما تقدم أن كل مسكر إما خمر حقيقة كما أنه لم نستبعده أو حكما فيكون بمنزلة الخمر لقوله صلى الله عليه وآله كل مسكر خمر، أو لان علة نجاس الخمر إسكارها، وهذه العلة موجودة في كل مسكر. فالعمدة إثبات أن الرجس بمعنى النجاسة العينية في متفاهم العرف، وإثبات هذا الامر خصوصا في هذه الاية مشكل، أما أولا فلان الرجس كما يطلق على النجس كذلك يطلق على معان اخر:

 

(هامش)

 

الاحكام ج 9، ص 111، ح 482، باب الذبائح والاطعمة، ح 217، وسائل الشيعة ج 17، ص 260، أبواب الاشربة المحرمة، باب 15، ح 5. 1. مجمع البيان ج 2، ص 239. 2. تفسير العياشي ج 1، ص 180، وسائل الشيعة ج 17، ص 222، أبواب الاشربة المحرمة، باب 1، ح 5. 3. الكافي ج 6، ص 412، باب أن الخمر انما حرمت لفعلها... ح 2، تهذيب الاحكام ج 9، ص 112، ح 486، باب الذبائح والاطعمة، ح 221، وسائل الشيعة ج 17، ص 273، أبواب الاشربة المحرمة، باب 19، ح 1. (*)

 

قال في النهاية: الرجس القذر، وقد يعبر به عن الحرام والفعل القبيح والعذاب واللعنة والكفر، وقال في القاموس: والرجس بالكسر القذر، والمأثم، وكل ما استقذر من العمل المؤدي إلى العذاب، والشك والعقاب والغضب. (1) فاستظهار هذا المعنى أي كونه بمعنى النجاسة العينية يحتاج إلى قرينة معينة لها من بين المعاني المذكورة، وليس شيء في البين، بل القرينة على خلافه وهي وحدة السياق. وذلك لان ظاهر الآية هو أن الرجس خبر إنما في جميع الفقرات لا أنه خبر لخصوص الخمر، ولا شك في أن الميسر والانصاب والازلام لا يمكن أن يكون رجسا بهذا المعنى فلابد وأن يكون بمعنى قابلا للحمل على الجميع، وهذا هو المراد بوحدة السياق، والظاهر أن ذلك المعنى الذي هو قابل للحمل على الجمع هو المأثم الذي ذكره في القاموس أو الحرام الذي ذكره في النهاية، والظاهر أنهما واحد وعلى كل حال فلا تكون الآية مربوطة بمحل الكلام. وأيضا قوله تعالى رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لا يناسب هذا المعنى، لان نجاسة الخمر كنجاسة سائر النجاسات العينية من الاحكام الشرعية وليست عملا للشيطان، نعم شربه رجس أي حرام ومن عمل الشيطان. فالانصاف أن الاستدلال بهذه الآية على نجاسة الخمر لا مجال له، وإن استدل بها بعض القدماء كابن زهرة في الغنية (2) وقد تقدم عبارته. الثالث الاخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام وهي العمدة في المقام، وهي على طائفتين

 

(هامش)

 

1. القاموس المحيط ج 2، ص 227 (رجس). 2. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 550. (*)

 

إحداهما تدل على النجاسة والاخرى على الطهارة، أما الطائفة الاولى: فمنها صحيحة عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل لحم الجري أو يشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال عليه السلام لا يصلي فيه حتى يغسله. (1) ومنها ما رواه خيران الخادم قال كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه أم لا؟ فان أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم صل فيه فان الله إنما حرم شربها، وقال بعضهم لا تصل فيه فكتب عليه السلام لا تصل فيه فانه رجس. (2) ومنها ما عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض من رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله، وإن صليت فيه فأعد صلاتك. (3) ومنها رواية هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع فقال

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 3، ص 405 باب الرجل يصلي في الثوب...، ح 2، تهذيب الاحكام ج 20، ص 361، ح 1494، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان، ح 26 الاستبصار ج 1، ص 393، ح 1498، باب الصلاة في الثوب يعار لمن يشرب الخمر، ح 2، وسائل الشيعة ج 2، ص 1054 أبواب النجاسات، باب 38، ح 1. 2. الكافي ج 3، ص 405، باب الرجل يصلي في الثوب...، ح 5، تهذيب الاحكام ج 1، ص 279، ح 819، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 106، وسائل الشيعة ج 2، ص 1055، أبواب النجاسات، باب 38، ح 4. 3. الكافي ج 3، بص 405، باب الرجل يصلي في الثوب...، ح 4، تهذيب الاحكام ج 1، ص 278، ح 818، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 105، والاستبصار ج 1، ص 189، ح 661، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر، ح 2، وسائل الشيعة ج 2، ص 1055، أبواب النجاسات، باب 38، ح 3. (*)

 

لا تشربه فانه خمر مجهول، فإذا أصاب ثوبك فاغسله. (1) ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث النبيذ قال: ما يبل الميل ينجس حبا من ماء يقول لها ثلاثا. (2) ومنها رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل في بيت فيه خمر ولا مسكر، لان الملائكة لا تدخله، ولا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى تغسله. (3) وهذه الرواية صريحة في أن النجاسة ليست مختصة بالخمر على فرض أن يكون الخمر اسما لمسكر خاص، ولا يشمل سائر المسكرات، وذلك لعطفه عليه السلام كلمة مسكر على الخمر بأو، ولا شك في أن الامر بالغس في جميع هذه الروايات ظاهر في الوجوب أيضا و لا شك في أن وجوب الغسل من اللوازم الشرعية للنجاسة، فيكون دليلا عن نجاسة الخمر. فهذه الروايات كلها تدل على نجاسة الخمر بل على نجاسة كل مسكر خصوصا رواية عمار كما عرفت. ومنها رواية زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير قال عليه السلام: يهراق المرق أو يطعمه

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 6، ص 423، باب الفقاع، ح 7، وسائل الشيعة ج 2، ص 1056، أبواب النجاسات، باب 38، ح 5. 2. الكافي ج 6، ص 413، باب اضطر إلى الخمر للدواء... ح 1، وسائل الشيعة ج 2، ص 1056، أبواب النجاسات، باب 38، ح 6. 3. تهذيب الاحكام ج 1، ص 278، ح 817، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 104، وسائل الشيعة ج 2، ص 1056، أبواب النجاسات، باب 38، ح 7. (*)

 

أهل الذمة أو الكلب واللحم اغسله وكله إلى آخر الحديث. (1) والروايات التي تدل على نجاسة الخمر وكل مسكر كثير، وعدها بعضهم وأنهاها إلى عشرين، ولو كانت هذه الروايات هي وحدها لم يكن شك في نجاسة الخمر بل كل مسكر بالاصالة. ولكن هناك روايات اخر أيضا كثيرة تدل على طهارتها. منها رواية أبي بكر الحضرمي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام أصاب ثوبي نبيذ أصلي فيه؟ قال: نعم، قلت: قطرة من نبيذ قطر في حب أشرب منه؟ قال: نعم إن أصل النبيذ حلال وإن أصل الخمر حرام. (2) قال في الوسائل: حمله الشيخ رحمه الله على النبيذ الذي لا يسكر أقول: الانصاف أنه حسن لا بأس به. (3) ومنها صحيحة ابن أبي سارة قال قلت لابي عبد الله عليه السلام إن أصاب ثوبي شيء من الخمر اصلي فيه قبل أن أغسله؟ قال عليه السلام: لا بأس إن الثوب لا يسكر. (4) ومنها موثقة ابن بكير قال: سأل رجل أبا عبد الله وأنا عنده عن المسكر

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، 279، ح 820، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 107، وسائل الشيعة ج 2 ص 1056، أبواب النجاسات، باب 38، ح 8. 2. تهذيب الاحكام ج 1، 279، ح 821، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 108، الاستبصار ج 1، ص 189، ح 663، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر، ح 4، وسائل الشيعة ج 2، ص 1056، أبواب النجاسات، باب 38، ح 9. 3. وسائل الشيعة ج 2، ص 1057، أبواب النجاسات، باب 38، ذيل ح 9. 4. تهذيب الاحكام ج 1، 280، ح 822، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 109، الاستبصار ج 1، ص 189، ح 664، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر، ح 5، وسائل الشيعة ج 2، ص 1057، أبواب النجاسات، باب 38، ح 10. (*)

 

والنبيذ يصيب الثوب قال لا بأس. (1) ومنها صحيحة علي بن رئاب المروية عن قرب الاسناد قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو اصلي فيه؟ قال عليه السلام صل فيه، إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الاثر إن الله تبارك وتعالى إنما حرم شربها. (2) ومنها رواية الحسين بن موسى الحناط قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشربب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي، قال عليه السلام: لا بأس. (3) ومنها رواية حسن بن أبي سارة قال قلت لابي عبد الله إنا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمر ساقيهم ويصب على ثيابي الخمر، فقال لا بأس به، إلا أن تشتهى أن تغسله لاثره. (4) ومنها رواية حفص الاعور قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف ويجعل فيه الخل؟ قال نعم. (5) ومنها مرسلة الصدوق قال سئل أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام فقيل لهما إنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها، أفنصلي فيها قبل أن نغسلها؟

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 1، 280، ح 823، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 110، الاستبصار ج 1، ص 190، ح 665، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر، ح 6، وسائل الشيعة ج 2، ص 1057، أبواب النجاسات، باب 38، ح 11. 2. قرب الاسناد ص 74، وسائل الشيعة ج 2، ص 1058، أبواب النجاسات، باب 38، ح 14. 3. تهذيب الاحكام ج 1، 280، ح 825، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 112، الاستبصار ج 1، ص 190، ح 667، باب الخمر يصيب الثوب والنبيذ المسكر، ح 8، وسائل الشيعة ج 2، ص 1059، أبواب النجاسات، باب 39، ح 2. 4. تهذيب الاحكام ج 1، 280، ح 824، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح 111، وسائل الشيعة ج 2، ص 1057، أبواب النجاسات، باب 38، ح 12. 5. الكافي ج 6، ص 428، باب الخمر تجعل خلا، ح 2، تهذيب الاحكام ج 9، ص 117، ح 503، باب الذبائح والاطعمة، ح 238، وسائل الشيعة ج 2، ص 1074، أبواب النجاسات، باب 51، ح 2. (*)

 

فقالا نعم لا بأس، إن الله حرم أكله وشربه ولم يحرم لبسه ولمسه والصلاة فيه. (1) ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام أنه سئل عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسل ثوبه قال لا يغسل ثوبه ولا رجله، ويصلي فيه ولا بأس. (2) ومنها رواية علي الواسطي قال: دخلت الجويرية وكانت تحت موسى بن عيسى على أبي عبد الله عليه السلام وكانت صالحة فقالت إني أتطيب لزوجي فنجعل في المشطة التي أتمشط بها الخمر وأجعله في رأسي، قال لا بأس. (3) ولا شك في أن بين هاتين الطائفتين من الروايات تعارض مستقر مستحكم، ولا يمكن الجمع بينهما عرفا، وإن كان من الممكن الخدشة في دلالة بعض روايات هذه الطائفة الاخيرة الدالة على الطهارة تركنا ذكرها لعدم خفائها على المتضلع الخبير ولانه ذكر أغلبها الآخرون. ولكن مع ذلك كله لا يمكن إنكار دلالة مجموعها على الطهارة، ولا إنكار حجيتها فلابد من الرجوع إلى مرجحات باب التعارض: ورجح البعض أخبار النجاسة لمخالفتها مع فتوى ربيعة الرأي (4) الذي كان في زمان الصادق عليه السلام وذلك لحمل أخبار الطهارة على التقية لموافقتها مع فتوى ربيعة الذي كان يؤيده سلطان الوقت، وذلك لان الفتوى المخالف لفتوى ربيعة من الامام

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 1، ص 248، باب ما يصلى فيه ومالا يصلى فيه من الثياب، ح 751، علل الشرائع ص 357، وسائل الشيعة ج 2، ص 1057، أبواب النجاسات، باب 38، ح 13. 2. الفقيه ج 1، ص 8، باب المياه وطهرها ونجاستها، ح 7، تهذيب الاحكام ج 1، ص 418، ح 1321، باب المياه وأحكامها، ح 40، وسائل الشيعة ج 1، ص 108، أبواب الماء المطلق، باب 6، ح 2. 3. تهذيب الاحكام ج 9، ص 123، ح 530، باب الذبائح والاطعمة، ح 265، وسائل الشيعة ج 17، ص 304، أبواب الاشربة المحرمة، باب 37، ح 2. 4. انظر: المجموع ج 2، ص 563، فتح العزيز ج 1، ص 156، تفسير القرطبي ج 6، ص 288، مغنى المحتاج ج 1، ص 77. (*)

 

الصادق عليه السلام كان بعنوان أنه إمام، ومذهب مقابل سائر مذاهب المسلمين. وهذا هو الذي كان يضر بسلاطين الوقت، وكان الامام الصادق عليه السلام كثيرا ما يأمر باخفاء أمرهم، وكان عليه السلام يخاف من ظهوره، ولذلك ترى الائمة عليهم السلام كانوا يفتون طبق فتوى مفتي عصرهم وزمانهم لاجل هذه الجهة، وإن كان رأي أغلب المخالفين لنا مخالفا للفقيه المعاصر معهم فحمل اخبار الطهارة على التقية مع أن أغلب المخالفين يفتون بالنجاسة ليس بعيدا عن الصواب كثيرا. ولكن مع ذلك رفع اليد عن هذه الاخبار الكثيرة التي يطمئن الانسان بصدورها إجماعا عن الامام عليه السلام مع أن الطائفة الاخرى المعارضة لها موافقة مع أغلب المخالفين لنا لاجل الاحتمال المذكور مما لم تركن النفس إليه، ولا تطمئن به. ورجح البعض أخبار النجاسة لاجل موافقتها مع المشهور الشهرة التي كادت أن تكون إجماعا، وفيه أن الشهرة التي من المرجحات هي على الظاهر الشهرة الروائية وهي أن يكون نقل الرواية مشهورا بين أصحابنا الامامية رض. وأما الشهرة العملية الفتوائية تكون موجبة لجبر ضعف السند كما أن إعراض الاصحاب عنها يكون سببا لوهنه، بل كلما ازداد صحة ازداد وهنا، وفيما نحن فيه كلتا الطائفتين مشهورتان من حيث الرواية، ورواهما أصحاب الكتب المعتبرة، وأرباب الجوامع العظام. وأما مسألة الاعراض والفتوى على خلافها، فلعله ليس من جهة عدم الاعتماد على سندها، بل للتصرفات في دلالتها، أو لحملها على التقية كما تقدم بيانه، فمثل هذا الاعراض لا يوجب وهنها. نعم هاهنا روايتان وردتا في مقام علاج التعارض بين هاتين الطائفتين، وبأية واحدة يأخذ ويجب العمل بها،

 

إحداهما رواية خيران الخادم التي تقدم ذكرها (1) وهي أنه قال: كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلى فيه أم لا؟ قال أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم صل فيه فان الله حرم شربها، وقال بعضهم لا تصل فيه فكتب: لا تصل فيه فانه رجس. ففي مقام الجواب عن السؤال عن العلاج بين الطائفتين المتعارضتين رجح عليه السلام الطائفة الدالة على النجاسة، ولا يمكن أن يقال إن هذه الرواية أيضا داخلة في الطائفة المتعارضة الدالة على النجاسة، لان ورود هذه الرواية في العلاج بين الطائفتين بعد فرض وجودهما فتكون في الرتبة المتأخرة عن وجودهما فلا يمكن أن تكون داخلة في إحداهما. وكذلك صحيح علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا: لا بأس بأن تصلي فيه إنما حرم شربها وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وان لم تعرف موضعه فاغسله كله، وإن صليت فيه فاعد صلاتك، فأعلمني ما آخذ به؟ فوقع عليه السلام بخطه وقرأته: خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام. (2) وهذه الرواية أيضا كالاولى صريحة في تقديم إحدى الطائفتين، وهي الطائفة الدالة على النجاسة على الاخرى، فبملاحظة هاتين الروايتين يتعين الاخذ باخبار النجاسة وترك الطائفة الاخرى ورد علمها إلى أهلها أو حملها على التقية بما ذكرنا والانصاف أن مع هذا الاتفاق من فقهاء الاسلام قاطبة، إلا الشاذ ممن لا يعتد بخلافهم وهذه الروايات التي ذكرناها وأنها صحاح واضح الدلالة على النجاسة، وهاتين

 

(هامش)

 

1. تقدم في ص 316، رقم (2). 2. الكافي ج 3، ص 407، باب الرجل يصلي في الثوب...، ح 14، وسائل الشيعة ج 2، ص 1055، أبواب النجاسات، باب 38، ح 2. (*)

 

الروايتين في مقام علاج التعارض بين الطائفتين، لا يبقى شك للفقيه في نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة. تتميم وهو أنه هذا المطهر الطبي ي أي المايع المعروف باسبرتو هل هو نجس بعد الفراع عن نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة أم لا؟ فالبحث يكون فيه صغرويا، وأنه هل هو نوع من أنواع المسكر المايع بالاصالة أم لا. فبناء على هذا ليست هذه المسألة من المسائل الفقهية، وليس معرفتها من وظيفة الفقيه بما هو فقيه، بل لابد وأن يرجع فيها إلى أهل الخبرة في هذا الفن. نعم حكم الشك في أنه هل هو من المايع المسكر بالاصالة أو ليس منه راجع إلى الفقيه، ولا شك في أن في الشبهة الموضوعية لما هو النجس المرجح هو أصل الطهارة إن لم يكن دليل حاكم في البين وكذلك في الشبهة الحكمية إذا كان منشأ الشك هو اجمال المفهوم الذي جعل موضوعا للنجاسة من جهة الشك في سعته وضيقه. فإذا شككنا في هذا المايع المعروف والمطهر الطبي المسمى باسبرتو هل يطلق عليه المسكر المايع بالاصالة اطلاقا حقيقيا بحيث لا يصح سلب هذا العنوان عنه، وكان منشأ الشك عدم الاحاطة بحدود مفهوم المسكر املايع بالاصالة أي لم نتحقق المفهوم العرفي من هذا العنوان أنه هل هو خصوص ما يكون صالحا للشرب فعلا من دون احتياجه إلى علاج، وإن كان ذلك العلاج مزجه بالماء، فلا يطلق على هذا المايع المعروف إطلاقا حقيقيا أو اعم منه ومما يصير صالحا للشرب والاسكار، وإن كان صلاحيته للامرين أي الشرب والاسكار يحتاج إلى العلاج، وإن كان بمزجه بالماء. فإذا حصل مثل هذا الشك ولم يقم دليل على أحد الطرفين فالرمجع هي أصالة الطهارة، وحيث إن ظاهر أدلة نجاسة المسكر المايع بالاصالة هو كون المايع بالفعل

 

صالحا للشرب وموجبا للاسكار من دون الاحتياج إلى علاج ولو بمزجه بالماء فيكون مقتضى ظاهر الادلة عدم نجاسته من هذه الجهة، وقد عرفت أنه لو شككنا أيضا مقتضى الاصل هي الطاهرة. وأما انكار اجمال المفهوم وأنه عبارة عما يكون صالحا للشرب والاسكار، وان كان بعلاج، فالانصاف أنه مكابرة، وقد حكى لي بعض الثقات من أهل الفن أن هذا المايع الذي يسمى الان بأسبرتو ويستعمله الاطباء لتطهير الابر وأدوات وآلات تطعيم الادوية وتزريقها في بدن المرضى، ليس مما يشرب، وانما هو يعد من جملة السموم الخفيفة. نعم فيه قوة الاسكار بالمرتبة الشديدة وبمزجه بالماء تخف عاديته، وربما يكون صالحا لشرب بعض مدمني الخمور، ولكن بعد مزجه بالماء وقبل المزج ليس صالحا للشرب، لاي شخص كان وأنت خبير بأن مدمني الخمور والمكثرين لشرب الكل لمدة طويلة بالاخرة يتسمم بدنهم، فعدم تأثيره فيهم من هذه الجهة، لا أنه يصير من المشروبات العادية كسائر المسكرات التي يشربها شاربو الخمور والمسكرات. وقد حكي لي أيضا أن بعض المفرطين في شرب الافيون وبلعها بالاخرة انجر أمره إلى أن حبس حية سامة في جعبة وكان يعرض نفسه للدغها كي ينوب عن سم الافيون الذي تعود بشربه، وكان لم يجده لعوز المال فمثل هذه الموارد الشاذة لا توجب صدق المسكر على هذا المايع المعروف باسبرتو. مضافا إلى انه لو كان من مصاديق المسكر حقيقة تكون الادلة منصرفة عنه، لان الظاهر والمتفاهم العرفي من قوله تعالى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه (1) هو المسكر المعروف الذي كان المتعارف شربه

 

(هامش)

 

1. المائدة (5): 90. (*)

 

بين شراب الخمور، وأما مثل هذا المايع الذي لا يشربه أحد إذ ليس صالحا للشرب عندهم، فلفظ الخمر منصرف عنه، وان قلنا بأن الخمر اسم لكل مسكر. وأما عموم التعليل بأن حرمة الخمر ليست لاسمها بل لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر، فالظاهر أنه تعليل للحرمة، وتنزيل لما كان عاقبته الخمر منزلة الخمر في خصوص الحرمة، لا في جميع الآثار حتى النجاسة. هذا مع أنه يمكن أن يقال ان هذا التعليل راجع إلى المايعات التي يتعارف شربها بين شراب المسكرات، وأما المايع الذي لا يشربه أحد فخارج عن موضوع الكلام فهو عليه السلام بصدد بيان أن اسم الخمر لا خصوصية له في هذا الحكم بل كل مايع من هذه الاشربة التي يشربونها إذا كان مسكرا يكون مثل الخمر حراما، وان لم يسم بالخمر فمثل الفقاع والنبيذ المسكرين يكونان بحكم الخمر وان لم يطلق عليهما لفظ الخمر. وخلاصة الكلام أن الفقيه المدقق المتأمل ربما يقطع بخروج مثل هذا المايع عن موضوع أدلة نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة ولا أقل من الشك فلا تشمله الاطلاقات والعمومات التي تدل على نجاسة كل مسكر مايع بالاصالة فيكون مجرى لاصالة الطهارة، والله العالم بحقائق الاحكام وجميع الامور. عصمنا الله عن الخطاء والزلل. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.