قاعدة لا ربا الا فيما يكال أو يوزن

48 - قاعدة لا ربا الا فيما يكال أو يوزن 

 

قاعدة لا ربا الا فيما يكال أو يوزن * وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في مدركها وهو الاجماع والاخبار. الاول: الاجماع وهو وإن كان ثبوته لا ينكر، ولكن قد ذكرنا في هذا الكتاب مرارا أن مثل هذه الاجماعات التي مداركها معلوم وأنه في المقام هي الاخبار الواردة في هذا الباب، وقد عقد في الوسائل بابا بعنوان أن الربا لا يثبت إلا في المكيل والموزون (1)، فلابد من مراجعة نفس المدرك وليس الاجماع من الذي يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام من ناحية اتفاق الاصحاب الذي بنينا على حجيته في الاصول. الثاني: الاخبار. فمنها: ما رواه علي بن رئاب عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن (2).

 

(هامش)

 

القواعد ص 239. 1. وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 6. 2. تهذيب الاحكام ج 7، ص 19، باب فضل التجارة وآدابها، ح 81، تفسير العياشي ج 1، ص 152، ح 504، وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 6، ح 1. (*)

 

ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن (1). ومنها: ما رواه منصور قال: سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ قال: لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا (2). ودلالة هذه الاخبار على هذه القاعدة واضحة وغنية عن البيان، وذلك لان مضمونها عين مضمون القاعدة. الجهة الثانية في شرح مضمون القاعدة فنقول: أما الربا بالكسر فهي اسم مصدر بمعنى الزيادة والفضل على ما ذكره اللغويون أو مصدر ثان من ربى يربو ربوا ورباء، وعلى كل حال الذي يظهر من نقل كلام اللغويين وموارد الاستعمال هو أن معناه الزيادة والنمو، وعند الفقهاء وفي اصطلاح الشرع عبارة عن اخذ الزائد مما يعطى للطرف في أبواب المعاوضات، بل ربما يطلق على المعاملة المشتملة على هذه الزيادة. والظاهر: أنه من هذا القبيل قوله تعالى: (أحل الله البيع وحرم الربا) (3) إذ المراد منه ليس حرمة تلك الزيادة فقط، بل المراد منه حرمة المعاملة المشتملة على تلك الزيادة بقرينة المقابلة للبيع.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5 ص 146، باب الربا، ح 10، الفقيه ج 3 ص 275، باب الربا، ح 3996، وسائل الشيعة ج 12، ص 435، أبواب الربا، باب 6، ح 3. 2. الكافي ج 5، ص 191، باب المعاوضة في الحيوان والثياب وغير ذلك، ح 8، وسائل الشيعة ج 12، ص 435، أبواب الربا، باب 6، ح 5. 3. البقرة (2): 275. (*)

 

وذلك من جهة أن المشركين قاسوا وقالوا إن المعاملة الربوية مشتركة مع البيع في طلب الزيادة، لان البايع في البيع الغير الربوي أيضا يطلب الزيادة والربح مثل ان كان الثمن والمثمن من غير المتجانسين فإذا كان طلب الزيادة موجبا لحرمة المعاملة، فلم لا يكون البيع أي المعاملة والمعاوضة في غير المتجانسين حراما فأنكر - الله تعالى قياسهم وأبطله بقوله (أحل الله البيع وحرم الربا) وذلك لعله مخفية عليكم فليس لكم الاعتراض ولذلك قالوا إن هذه الآية تدل على حرمة القياس. هذا مضافا إلى أن قياسهم باطل حتى بناء على حجية القياس، وذلك من جهة انه في البيع بناء البائع والمشتري على مساواة الثمن والمثمن من حيث القيمة، وإنما ف ائدة البائع باختلاف الاسواق أو الازمان، فيشتري البايع من سوق أرخص أو في زمان أرخص ويبيع في سوق أغلى أو زمان أغلى، وإلا ففي نفس ذلك السوق أو ذلك الزمان لابد وأن لا يخسر أحدهما بما لا يتسامح فيه، وإلا فيأتي خيار الغبن ولذلك لو قال أحد للبايع: إن متاعك لا يسوى بهذه القيمة يتأذى، فالقياس في غير محله. وعلى كل حال الربا تارة يكون في البيع وأخرى في القرض. فنتكلم في مقامين: الاول: الربا في البيع بل في جميع المعاوضات. وهذا القسم هو مورد قاعدتنا هذه، أي عدم إتيان الربا إلا فيما إذا كان العوضان في البيع أي الثمن والمثمن من المكيل أو الموزون. وقبل ذلك نتكلم في حكم الربا بكلا قسميه: أي سواء كان في البيع أو كان في القرض فنقول: ويدل على حرمته الكتاب العزيز والاحاديث المستفيضة بل المتواترة، فحرمته من القطعيات، بل من الضروريات بحيث يكون منكرها كافرا مرتدا، ولا ينافي ما قلنا من أن حرمته من الضروريات اختلافهم في بعض الفروع لان ذلك إما من جهة

 

إنكار كونه من الربا موضوعا، وإما من جهة التخصيص في الحكم كموارد قاعدتنا هذه. أما الايات التي تدل على حرمة الربا فمنها قوله تعالى الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الرباء إلى آخر الاية (1). ومنها قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (2). ومنها قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (3). وأما الروايات فكثيرة جدا نذكر جملة منها. فمنها ما رواه في الكافي باسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: درهم ربا عند الله أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم. (4) ومنها ما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال: أخبث المكاسب كسب الربا. (5) ومنها رواية سماعة قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إني رأيت الله تعالى قد ذكر

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 275. 2. البقرة (2): 278 - 279. 3. آل عمران (3): 130. 4. الكافي ج 5، ص 144، باب الربا، ح 1، الفقيه ج 3، ص 274، باب الربا، ح 3991، وسائل الشيعة ج 12، ص 422، أبواب الربا، باب 1، ح 1. 5. الكافي ج 5، ص 147، باب الربا، ح 12، وسائل الشيعة ج 12، ص 423، أبواب الربا، باب 1، ح 2. (*)

 

الربا في غير آية وكرره، قال: أو تدري لم ذاك؟ قلت: لا، قال: لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف. (1) ومنها ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: درهم من ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية كلها بذات محرم مثل عمة وخالة. (2) وما رواه سعيد بن يسار عن الصادق عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: درهم واحد ربا أعظم من عشرين زنية كلها بذات محرم رحم (3) خ ل. وما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إني سمعت الله يقول يمحق الله الربا ويربي الصدقات (4) وقد أرى من يأكل الربا يربو ماله؟ فقال عليه السلام: أي محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر (5). وما رواه هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن علة تحريم الربا فقال: إنه لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه، فحرم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال، وإلى التجارات: من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض (6). وما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما حرم الله الربا كيلا يمتنعوا

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 146، باب الربا، ح 7، وسائل الشيعة ج 12، ص 423، أبواب الربا، باب 1، ح 3. 2. الفقيه ج 3، ص 274، باب الربا، ح 3991، تهذيب الاحكام ج 7، ص 14، باب فضل التجارة وآدابها، ح 62، وسائل الشيعة ج 12، ص 423، أبواب الربا، باب 1، ح 5. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 15، باب فضل التجارة وآدابها، ح 63، وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 1، ح 6. 4. البقرة (2) ب: 276. 5. تهذيب الاحكام ج 7، ص 15، باب فضل التجارة وآدابها، ح 65،، وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 1، ح 7. 6. الفقيه ج 3، ص 567، باب معرفة الكبائر، ح 4937، وسائل الشيعة ج 12، ص 424، أبواب الربا، باب 1، ح 8. (*)

 

من صنائع المعروف (1). وما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما حرم الله عزوجل الربا لئلا يذهب المعروف (2). وما رواه حماد بن عمر وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله في وصيته لعلي عليه السلام قال: يا علي الربا سبعون جزء أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام (3). وما رواه ابن بكير قال: بلغ أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللباء، فقال عليه السلام لئن أمكنني الله منه لاضربن عنقه (4). والروايات في هذا الباب كثيرة وشديدة. ثم إن الربا بالمعنى الذي ذكرنا له، قد يكون في البيع وقد يكون في القرض، ومورد هذه القاعدة هو الربا في البيع، وأما الربا في القرض الذي سنتكلم فيه، فيثبت فيه مطلقا في أي جنس كان، وإن لم يكن مكيلا ولا موزونا، بل وإن كان معدودا مثلا، فلو أعطى قرضا بيضة ببيضتين، أو جوزا بجوزين، وكذلك في غيرهما، يكون من الربا المحرم. أما القسم الاول أي الربا في البيع فهو أن يبيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة إذا كان من المكيل أو الموزون،

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 566، باب معرفة الكبائر، ح 4935، علل الشرائع ص 482، ح 2، وسائل الشيعة ج 12، ص 424، أبواب الربا، باب 1، ح 9. 2. الفقيه ج 4، ص 566، باب معرفة الكبائر، ح 4936، وسائل الشيعة ج 12، ص 425، أبواب الربا، باب 1، ح 10. 3. الفقيه ج 4، ص 367، باب النوادر وهو آخر أبواب الكتاب، في وصايا النبي لعلي عليه السلام، ح 5762، وسائل الشيعة ج 12، ص 426، أبواب الربا، باب 1، ح 12. 4. الكافي ج 5، ص 147، باب الربا، ح 11، وسائل الشيعة ج 12، ص 428، أبواب الربا، باب 2، ح 1. (*)

 

فثبوت الربا في البيع يشترط فيه أمران: الاول اتحاد جنس الثمن والمثمن، والثاني كونهما من المكيل أو الموزون، والدليل على الاول مضافا إلى صعوبة تصوير الزيادة إذا كانا من جنسين: الاجماع والاخبار. نعم يمكن أن يكون أحد العوضين في نظر العرف وأهل الاسواق أكثر قيمة ومالية، فيكون لصاحبه خيار الغبن إذا كانت التفاوت فاحشا لا يتسامح فيه، ولم يكن عالما بهذا التفاوت حال البيع، وإلا فليس له حتى الخيار نعم لو كانت التفاوت بحد تعد مثل هذه المعاملة سفهيا فيكون أصل المعاملة باطلا. أما الاجماع فلاتفاقهم على جواز بيع المتخالفين في الجنس أي مقدار من أحدهما بأي مقدار من الآخر نقدا، ما لم يبلغ إلى حد كون المعاملة سفهيا، نعم قلنا إنه يثبت خيار الغبن، مع تفاوت قيمتها وجهل صاحب ما هو أزيد قيمة بالزيادة إذا كان التفاوت لا يتسامح فيه. وأما الاخبار فلقوله صلى الله عليه وآله إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (1) ولما رواه محمد بن مسلم في حديث قال: إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد. (2) والمراد من قوله عليه السلام يدا بيد أي نقدا. ولما رواه جماعة عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الاشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، وأما نظرة

 

(هامش)

 

1. عوالي اللئالي ج 3، ص 221، ح 86، مستدرك الوسائل ج 13، ص 341، أبواب الربا، ح 4. 2. تهذيب الاحكام ج 7، ص 95، ح 404، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر م ذلك، ح 10، وسائل الشيعة ج 12، ص 442، أبواب الراب، باب 13، ح 1. (*)

 

فلا يصلح (1). ومراده عليه السلام من الجملة الاخيرة هو ما قلنا بجواز بيع المختلفين في الجنس مثلين بمثل كيلا أو وزنا فيما إذا كانت المعاملة نقدا لا نظرة ونسيئة. ولما رواه سماعة قال سألته عن الطعام والتمر والزبيب فقال: لا يصلح شيء منه اثنان بواحد، إلا أن يصرفه نوعا إلى نوع آخر فإذا صرفته فلا بأس اثنين بواحد وأكثر من ذلك (2). ولما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المختلف مثلان بمثل يدا بيد لا بأس. (3) ولما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل اشترى سمنا ففضل له أيحل له أن يأخذ مكان رطلا أو رطلين زيتا قال عليه السلام: إذا اختلفا وتراضيا فلا بأس. (4) ولا شك في ظهور هذه الروايات بل نصوصيتها في جواز بيع المتخالفين في النوع والجنس، مع زيادة مقدار أحد العوضين عن الآخر في المقدار كيلا أو وزنا، ولا فرق بين أن يكون الزيادة التي في أحدهما قليلة أو كثيرة، لكن بشرط أن تكون المعاملة نقدا ويدا بيد، لا نسيئة. وقد ظهر مما ذكرنا أن الربا في البيع لا يثبت إلا بأمرين:

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 7، ص 93، ح 396، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 2، وسائل الشيعة ج 12، ص 442، أبواب الربا، باب 13، ح 2. 2. الفقيه ج 3، ص 281، باب الربا، ح 4014، تهذيب الاحكام ج 7، ص 95، ح 406، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 12، وسائل الشيعة ج 12، ص 443، أبواب الربا، باب 13، ح 5. 3. الكافي ج 5، ص 190، باب المعاوضة في الطعام، ج 17، وسائل الشيعة ج 12، ص 444، أبواب الربا، باب 13، ح 9. 4. قرب الاسناد ص 114، وسائل الشيعة ج 12، ص 445 أبواب الربا، باب 13، ح 11. (*)

 

أحدهما اتحاد الثمن والمثمن في الجنس، وأن يكونا من نوع واحد، الثاني كونهما مما يعتبر في بيعهما الكيل أو الوزن، فلابد من توضيح هذين الامرين، وأنه ما المراد من اتحاد الجنس والنوع في الشرط الاول، وأنه ما المناط في كون الشيء مكيلا أو موزونا في الشرط الثاني فنقول: أما المراد من اتحاد الجنس والنوع في الشرط الاول بعد الفراغ من أنه ليس المراد به اتحاد الجنس والنوع المنطقي أي تمام المشترك الذاتي بين الحقائق المختلفة المقول عليه، ولا الكلي المقول على الكثرة المتفقة الحقيقة في جواب ما هم، لعدم كون المناط في اتحاد الجنس أو النوع هذا المعنى في باب الربا في البيع بالضرورة. فقد يقال إن المناط في اتحاد الجنس والنوع هو كونهما بحسب الاسم متحدين عند العرف، بحيث لا يصح عندهم سلب الاسم الذي يطلق على أحدهما اطلاقا حقيقيا عن الآخر، ولا شك في أن هذا المعنى غير جار في اكثر موارد الربا، فان الشعير والحنطة مختلفان اسما ولا يصح اطلاق اسم أحدهما على الاخر إطلاقا حقيقيا مع أنهما يعدان في الربا جنسا واحد، وكذلك السمسم مع الشيرج واللبن مع الاقط (1) أو الزبد، وكذلك مع الجبن، وكذلك الجبن معهما، كما أنه ربما يكون العوضان متحدين في الاسم ومع ذلك لا يثبت الربا فيهما، وذلك كلحم الغنم والبقر فكلاهما يطلق عليهما اللحم اطلاقا حقيقيا، ومع ذلك لا يجري الربا فيهما فهذا الضابط غير تام لا كلية له: لا طردا ولا عكسا. وربما يقال بأن الضابط في اتحاد جنس العوضين هو رجوعهما إلى أصل واحد، وإن كانا فعلا بحسب الاسم مختلفين، ولا يطلق اسم أحدهما على الآخر، والامثلة

 

(هامش)

 

1. الاقط: لبن يابس مستحجر يتخذ من مخيض الغنم. القاموس المحيط ج 2، ص 362. (*)

 

المذكورة التي قلنا يأتي فيها الربا مع عدم اتحادهما في الاسم، كلها من هذا القبيل، أي ترجع إلى أصل واحد. إن قلت إن ظاهر أدلة حرمة الربا في المعاملات والمعاوضات هو بيع المثل بالمثل مع الاختلاف في المقدار، ولا شك في أن الاقط والزبد ليسا مثلين للبن وكذلك التمر والعنب، مع الخل المصنوع من أحدهما. قلنا قد علل الامام عليه السلام إتيان الربا وجريانه في الشعير والحنطة بكونهما من أصل واحد: ففي الكافي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الاكراد فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه، فيقول له خذ مني مكان كل قفيز حنطة قفيزين شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل، قال عليه السلام لا يصلح، لان أصل الشعير من الحنطة ولكن يرد عليه الدراهم بحساب ما ينقص من الكيل. (1) فقوله عليه السلام لان أصل الشعير من الحنطة تعليل لعدم جواز معاوضتهما بالزيادة، وثبوت الربا، فيؤخذ بعموم التعليل ويسري الحكم إلى كل مورد يكون انتهاء العوضين إلى أصل واحد، وإن لم يكونا متحدين في الاسم، وروى في الوسائل بهذا المعنى روايات كثيرة. (2) ولكن هذا أيضا لا يخلو عن نظر وتأمل، وذلك من جهة أن انتهاء الثمن والمثمن مثلا إلى أصل واحد، لو كان هو الضابط في اتحاد الجنس وثبوت الربا، يلزم أن لا يجوز بيع الملح الذي استحيل اللحم إليه باللحم متفاضلا في الكيل أو الوزن، ولا يمكن للفقيه الالتزام بذلك.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5 ص 187، باب المعاوضة في الطعام، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 438، أبواب الربا، باب 8، ح 1. 3. راجع وسائل الشيعة ج 12، ص 438، أبواب الربا، باب 7: إن الحنطة والشعير جنس واحد في الربا لا يجوز التفاضل فيهما ويجوز التساوي. (*)

 

اللهم إلا أن يقال إنه ليس المراد هو صرف انتهائها إلى أصل واحد، وإن كانا متباينين في أغلب الجهات، بل المراد أن يكونا بنظر العرف حقيقة واحدة ومن سنخ واحد بحيث يحكم العرف باتحادهما وكونهما من جنس واحد، وإن اختلفا في بعض الخواص والآثار، فالدهن والزبد مثلا حقيقة واحدة، لان الدهن عبارة عن الزبد المذاب وإن كانا مختلفين في كثير من الخواص والآثار، وكذلك الاقط واللبن. وبعبارة اخرى المشتقات من حقيقة واحدة تعد في نظر العرف سنخا واحدا، وإن كانت مختلفة في خواصها وآثارها، فالدبس والتمر مثلا عند العرف حقيقة واحدة. نعم هذا الاتحاد في بعض ما يرجع إلى أصل واحد أظهر، وفي بعضها أخفى، بل ربما يتخيل العرف أنهما حقيقتان مختلفتان لولا تنبيه الشارع بذلك وأنهما من أصل واحد، كما نبه بذلك في اتحاد جنس الشعير والحنطة فيما رواه الصدوق باسناده أن علي بن أبيطالب عليه السلام سئل مما خلق الله الشعير؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أمر آدم أن ازرع مما اخترت لنفسك، وجائه جبرئيل عليه السلام بقبضة من الحنطة، فقبض آدم عليه السلام على قبضة وقبضت حوى على اخرى، فقال آدم عليه السلام لحوى: لا تزرعي أنت فلم تقبل من آدم فكلما زرع آدم جاء حنطة، وكلما زرعت حوى جاء شعيرا. (1) فما هو التحقيق في المقام هو أن يقال إن المناط في كونهما من المتماثلين هو أن يكونا من نوع واحد بنظر العرف، وإن كانا مختلفين بحسب الجودة والرداءة، وكانا من صنفين أو كانا فرعين ومشتقين من حقيقة واحدة، كالدبس والخل، حيث إنهما مشتقان من التمر أو العنب أو كانا فرعا مع أصله كالخبز مع الحنطة، وهذا القسم الاخير يكون من المتماثلين فيما إذا لم يتبدل الاصل إلى حقيقة اخرى بذهاب صورته النوعية واستحالته إلى نوع آخر كاللحم إذا تبدل إلى الملح. ثم إنه لا يخفى أن الفرعين من الحقيقتين ربما يشتركان في الاسم بل ربما يكونان

 

(هامش)

 

1. علل الشرائع ج 2، ص 574، ح 2، مستدرك الوسائل ج 13، ص 344، أبواب الربا، باب 17، ح 2. (*)

 

بنظر العرف حقيقتهما واحدة كلحم البقر والغنم، ولكن حيث إنهما فرعان من حقيقتين مختلفتين لا يأتي فيهما الربا وإن كان أحدهما أزيد من الاخر بحسب المقدار كيلا أو وزنا، بل المدار في التماثل والاختلاف هو الاتحاد أو اختلاف حقيقتي أصليهما، وبناء على هذا فزبد الغنم أو دهنه أو لبنه من المختلفين مع زبد البقرة أو دهنها أو لبنها وإن كانا بنظر العرف ربما يكونان من المتماثلين. وأما خل التمر فيصح بيعه بخل العنب وإن كان أحدهما أزيد من الاخر بحسب الوزن أو الكيل، لما ذكرنا من اختلاف أصليهما بحسب الحقيقة. والدليل على ما ذكرنا من الضابط في تحقق الربا هو الاخبار الواردة في هذا الباب والاجماعات المدعاة في المقام، وقد تقدم تعليل الامام الصادق عليه السلام فيما رواه هشام بن سالم عنه عليه السلام عدم جواز بيع الشعير بالحنطة متفاضلا كأن يأخذ مشتري الحنطة من بايعها، مكان كل قفيز من الحنطة قفيزين من شعير، بأن أصل الشعير من الحنطة مشيرا بذلك إلى قصة آدم وحوا وزرعهما الحنطة ومجيئ زرع حوا شعيرا وقد تقدم رواية الصدوق ذلك ولا شك في أن الاخذ بعموم هذا التعليل يوجب عدم جواز بيع كل فرد مع أصله مع التفاضل. نعم خالف ابن إدريس قدس سره (1) في هذه المسألة وقال بجواز بيع الحنطة بالشعير متفاضلا لانهما جنسان، وحكى الجواز عن ابن أبي عقيل أيضا واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله: إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم. (2) ويدل أيضا على ما قال من الجواز رواية سماعة وكذلك رواية علي بن جعفر عليه السلام المتقدمتان ولكن أنت خبير بأن عمون التعليل مخصص لهذه العمومات، فلا يبقى وجه

 

(هامش)

 

1. السرائر ج 2، ص 254. 2. عوالي اللئالي ج 3، ص 221، ح 86، مستدرك الوسائل ج 13، ص 341، أبواب الربا، باب 12، ح 4. (*)

 

لخلاف ابن إدريس، هذا مضافا إلى الاجماع وورود روايات متعددة في خصوص المقام أي بيع الحنطة بالشعير أو بالعكس متفاضلا، وقد عقد في الوسائل بابا لذلك، إن شئت فراجع. وأما المراد من المكيلل والموزون في الشرط الثاني أقول: أما مفهوم المكيل والموزون أو ما يكال ويوزن، فواضح لا خفاء فيهما. وذلك من جهة أن وقوع المعاملة على متاع لا يصح إلا بتعيين ذلك المتاع كي لا يكون مجهولا وغرريا وارتفاع الغرر والجهل عند العرف والعقلاء يختلف بالنسبة إلى الامتعة وما يقع عليه المعاوضة والمعاملة، ففي بعضها بالمشاهدة، وفي بعضها بالتوصيف وبيان الخصوصيات، وفي بعضها بالذرع، وفي بعضها بالعدد، وفي بعضها بالكيل أو الوزن، وكلامنا في هذا القسم الاخير أي فيما لا يصح المعاملة فيها إلا بالكيل أو الوزن، وقد ذكرنا أن هذين المفهومين أي الكيل والوزن من المفاهيم الواضحة التي لا تحتاج إلى الشرح والايضاح. نعم حيث إن المكيلية والموزونية عند العرف والعقلاء في باب المعاوضات والمعاملات تختلف بحسب الازمنة والبلاد: فرب متاع يكون من المكيل أو الموزون في زمان ومن المعدود في زمان آخر، وكذلك بالنسبة إلى البلاد فيكون من المعدود في بلد ومن الموزون في بلد آخر. فبعد قيام الحجة على اشتراط ثبوت الربا في المعاملات عدا القرض بأن يكون العوضان من المكيل أو الموزون والمفروض اختلافهما باختلاف الازمنة والامكنة، فيبقى مجال للكلام في أنه هل المدار على كونهما أي العوضين من المكيل والموزون في زمان الشارع أو في زمان وقوع المعاملة وكذلك الامر في اختلاف البلاد هل المدار هو عرف البلد الذي صدرت فيه هذه الروايات التي تدل على اعتبار

 

هذا الشرط في خصوص زمان الصدور أو مطلقا أو المدار على عرف البلد الذي تقع فيه هذه المعاملة؟ أقول لا شك في أن تشخيص المراد وتعيينه من الالفاظ المستعملة في الروايات يكون بما يفهمه العرف منها بعد الفراغ عن أن الشارع لم يخترع طريقة خاصة للتفهيم، بل يلقى مراداته إلى المكلفين على طريقة اهل المحاورة والعرف. فبناء على هذا مقتضى القواعد الاولية هو أن يكون المراد منهما ما هو المكيل والموزون في زمان الشارع وفي لسانه وعرف بلده، ولعله لذلك ادعى بعضهم الاجماع على ان ما كان موزونا أو مكيلا في زمان النبي صلى الله عليه وآله يدخل فيه الربا وإن تغير فيما بعد وصار معدودا كما أن الخبز كان موزونا والآن في زماننا صار معدودا في بعض البلاد. فبناء على هذا المدار في الكيل والوزن هو المكيلية والموزونية في زمانه صلى الله عليه وآلله في الاجناس التي كانت في زمانه وبلاده، وأما الاجناس التي لم تكن في ذلك الزمان كالطماطة والبطاطة فيعتبر حالها بالنسبة إلى البلد التي يقع البيع في ذلك البلد، فان كانت مكيلة أو موزونة فيدخل فيه الربا وإلا فلا. وقد ذكر العلامة قدس سره في التذكرة أنه قد أجمع المسلمون على ثبوت الربا في الاشياء الستة لقول النبي صلى الله عليه وآله الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، والتمر بالتمر مثلا بمثل، والبر بالبر مثلا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد واختلف فيما سواها. (1) ثم ذكر اختلاف الفقهاء في بعض الفروع ثم قال بلزوم الاخذ باطلاق قوله

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 476. (*)

 

تعالى وحرم الربا (1) في موارد الشك إلا أن يثبت التقييد، والتحقيق بدخول الربا في هذه الاجناس الستة التي ي صرح صلى الله عليه وآله بدخول الربا فيها، سواء كانت في الازمنة المتأخرة عنه صلى الله عليه وآله يباع بالكيل أو الوزن أم لا، وذلك لجعله صلى الله عليه وآله موضوع الحكم نفس هذه العناوين من دون تعليقه على كونها مكيلة أو موزونة، واحتمال أن يكون الحكم لاجل كونها من المكيل أو الموزون لا شاهد له. وأما ما عداها فان كان في عصره صلى الله عليه وآله من المكيل أو الموزون، فيدخل في الربا مع اتحاد الجنس أو كان العوضين فرعا للعوض الآخر كالدبس مع التمر مثلا أو كان العوضان فرعين لجنس واحد كما إذا باع الدبس بالخل، إذا كان كلاهما من فروع التمر مثلا أو كان كلاهما متخذين من العنب مثلا للاجماع وأما لو لم يكن في عصره صلى الله عليه وآله من المكيل والموزون فدخول الربا فيه مشروط بكونه من المكيل أو الموزون حال وقوع المعاملة. وأما لو كان مختلفا بحسب البلاد بأن يكون في بلد من المكيل أو الموزون وفي بلد آخر من المعدود كما في الخيار والبرتقال في هذا الزمان فانهما في بعض البلاد يباع بالوزن، وفي بعض البلاد يباع بالعدد، فيلحقه في كل بلد حكم ما هو المتعارف في ذلك البلد. ففي البلد الذي يباع بالكيل أو الوزن يدخ فيه الربا بشرط أن يكون العوضان من المتحد في الجنس أو كان رجوعهما إلى جنس واحد وذلك من جهة أن مفاد قوله عليه السلام لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن (2) وهو أن دخول الربا في معاملة منوط بأن يكون العوضان المتحدان في الجنس مما يكال أو يوزن.

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 275. 2. الكافي ج 5، ص 146، باب الربا، ح 10، الفقيه ج 3، ص 275، باب الربا، ح 3996، تهذيب الاحكام ج 7، ص 17، ح 74، وص 19، ح 81، وص 118، ح 515، وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 6، ح 1 و 3. (*)

 

فهذا حكم كلي مجعول بنحو القضية الحقيقية على الموضوع المقدر وجوده، فمتى وجد مصداق في الخارج لهذا الموضوع الكلي المقدر وجوده، يصير حكمه فعليا كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية، وقد أوضحنا في محله (1) أن جعل جميع الاحكام الشرعية يكون على نهج القضايا الحقيقية. ومقتضى ما ذكرنا هو أنه لو كان العوضان من المكيل والموزون في زمان الشارع ولم يكن منهما في هذا الزمان عدم دخول الربا في تلك المعاملة لانه من تبدل موضوع الحكم كما أنه بالعكس لو كانا من المكيل أو الموزون في هذا الزمان ولم يكونا منهما في زمان الشارع يجب الحكم بدخول الربا لتحقق الموضوع ومعلوم أن وجود الحكم وتحققه تابع لوجود موضوعه وتحققه. ولكن تقدم أنه صلى الله عليه وآله رتب الحكم في تلك الستة المتقدمة على نفس عناوينها أي عنوان البر والشعير والتمر والملح والفضة والذهب، فمتى وجدت هذه العناوين أي صار العوضان من أحدها، يترتب الحكم، سواء كان من المكيل أو الموزون أو لم يكن. وأما بالنسبة إلى غيرها فان كان من المكيل أو الموزون في عصره فيدخل فيه الربا إلى يوم القيامة وإن تبدل وصار من غيرهما في الازمنة المتأخرة مع انه خلاف ما ذكرنا من جعل الاحكام على نحو القضايا الحقيقية وذلك للاجماع الذي ادعوه في المقام. فان ثبت الاجماع فهو وإلا فللكلام مجال بأن يقال بان صرف كونه من المكيل والموزون في زمان النبي صلى الله عليه وآله مع عدم كونه منهما في زمان وقوع المعاملة لا يوجب دخول الرباء فيه، بل مقتضى القاعدة المتقدمة، وهو جعل الاحكام على نهج القضايا الحقيقية، هو كونه من المكيل أو الموزون في زمان وقوع المعاملة، وإلا لا يدخل

 

(هامش)

 

1. منتهى الاصول ج 1، ص 157. (*)

 

فيه الربا. وخلاصة الكلام أن قوله عليه السلام لا يكون الربا الا فيما يكال أو يوزن مشتمل على عقدين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وكل واحد منهما متكفل لبيان حكم على نحو القضية الحقيقية، والعقد السلبي مفاده عدم تحقق الربا في غير المكيل والموزون، والعقد الايجابي تحققه فيهما. ففي كل عصر أو مصر كان متاع من المكيل أو الموزون فبيعه بما هو من جنسه أو بما هو من فروعه أو بما هو معه يرجعان إلى أصل واحد ويكون فرعين من جنس واحد بزيادة أحدهما على الآخر في المقدار يكون من الربا المحرم. وأما العقد السلبي فمفاده هو أن كل متاع لم يكن منهما في أي عصر وفي أي مصر كان فلا يدخل فيه الربا، فتحقق الربا يدور مدار كون المتاع من المكيل أو الموزون في زمان وقوع المعاملة، ولا أثر لكونه كذلك في زمان قبل وقوع المعاملة أو بعده، كما أن عدم الربا كذلك يدور مدار عدم كونه منهما حال المعاملة، ولا أثر للعدم قبله أو بعده. فهذه قاعدة كلية يجب العمل بها إلا أن يأتي دليل بالخصوص في مورد من إجماع أو غيره يكون مخصصا لها. ثم إن الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم ذكروا موارد لتخصيص هذه القاعدة منها انه لا رباء بين الوالد وولده والزوج وزوجته والسيد ومملوكه وبين المسلم والحربي بمعنى أخذ المسلم الفضل منه وسنتكلم في هذه الفروع تفصيلا ان شاء الله تعالى. هذا كله فيما إذا علم أن الشيء الفلاني كان من المكيل أو الموزون في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله فعلى تقدير ثبوت الاجماع المذكور نحكم بدخول الربا فيه إلى يوم القيامة، وإن لم يكن منهما من الازمنة المتأخرة عنه صلى الله عليه وآله أما لو شك في كونه كذلك في زمنه صلى الله عليه وآله فدليل حرمة الربا وإن كان لا يشمله –

 

بناء على تقييده بما إذا كان مكيلا أو موزونا في زمن الرسول فيما إذا لم يكن كذلك في الازمنة المتأخرة، فيكون حرمة مثل تلك المعاملة مشكوكة ولا يمكن التمسك للحرمة باطلاقات أدلة حرمة الربا، لكونه من التمسك بعموم العام في الشبهات المصداقية لنفس العام، ومقتضى الاصل العملي هي البرائة بالنسبة إلى الحرمة، ولكن بالنسبة إلى صحة المعاملة وتأثيرها في النقل والانتقال، فمقتضى الاصل عدم النقل والانتقال. والذي يسهل الخطب أن ثبوت مثل هذا الاجماع غير معلوم، فيكون مقتضى القواعد وجعل الاحكام على نحو القضايا الحقيقية هو أن موضوع الحرمة والفساد هو كونه مكيلا أو موزونا في وقت وقوع المعاملة. ثم إن ما ذكرنا من صحة بيع المختلفين في الجنس وان كانت في احد العوضين زيادة وزنا أو كيلا أو عددا كمن من العدس مثلا بمنين من الحنطة، أو قفيز بقفيزين أو فرس ببقرين وأمثال ذلك فيما إذا كانت المعاملة نقدا أما لو كانت نسيئة فربما يقال بعدم صحته، وذلك لقول الصادق عليه السلام ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الاشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلا يصلح (1) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس (2) ولغير ما ذكرنا من الاخبار الاخر التي تركنا ذكرها، وذلك لان سياق كلها سياق ما ذكرنا. وأنت خبير بأن دلالة هذه الاخبار على ثبوت البأس فيما إذا كانت نسيئة بمفهوم الوصف بل اللقب، وقد أشكلنا في الاصول (3) في ثبوت المفهوم في أمثال المقام، وعلى

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 191، باب المعاوضة في الحيوان والثياب، ح 6، الفقيه ج 3، ص 279، باب الربا، ح 4006، تهذيب الاحكام ج 7، ص 93، ح 395، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 442، أبواب الربا، باب 13 ح 2. 2. الفقيه ج 3، ص 279، باب الربا، ح 4007، وسائل الشيعة ج 12، ص 449، أبواب الربا، باب 17، ح 1. 3. منتهى الاصول ج 1، ص 435. (*)

 

تقدير ثبوت المفهوم لها تكون معارضة بما هو أقوى منها دلالة، وجهة لموافقة هذه الاخبار لما هو المشهور عند العامة. نعم الخبر الاول وهو قوله عليه السلام فأما نظرة فلا يصلح دلالته على عدم جواز النسيئة بالمنطوق، ولكن الكلام في أن نفي الصلاح ليس صريحا ولا ظاهرا في الفساد بل له كمال المناسبة مع الكراهة فهو اعم من الفساد فالاقوى ما ذهب إليه المشهور من الكراهة دون الفساد. واستدل المشهور على الجواز بعدة روايات منها ما عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن. (1) ومنها ما عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن. (2) ومنها قوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم. (3) وروايات اخر (4) نترك ذكرها لان سياق جميعها سياق ما ذكرنا. ولكن الانصاف أن الروايات المتقدمة التي قلنا إن مفادها عدم ثبوت الربا في المختلفين فيما إذا كانت يدا بيد لا مطلقا يمكن ان تقيد هذه المطلقات إلا أن يقال بأن مطابقتها لفتوى المشهور من العامة أسقطها عن الاعتبار، وكذلك إعراض المشهور

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 7، ص 19، باب فضل التجارة وآدابها وغير ذلك، ح 81، تفسير العياشي ج 1، ص 152، ح 504، وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 6، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 146، باب الربا، ح 10، الفقيه ج 3، ص 275، باب الربا، ح 3996، وسائل الشيعة ج 12، ص 434، أبواب الربا، باب 6، ح 3. 3. عوالي اللئالي ج 3، ص 221، ح 86، مستدرك الوسائل ج 13، ص 341، أبواب الربا، باب 12، ح 4. 4. راجع: وسائل الشيعة ج 12، ص 442، أبواب الربا، باب 13. (*)

 

عنها حيث إنهم افتوا بكراهة بيع المختلفين جنسا نسيئة مع الزيادة في أحدهما كالثوب بثوبين، والفرس بفرسين، ولا يقول بحرمته إلا الشيخ في النهاية (1) والمفيد (2) وابن أبي عقيل وابن الجنيد. (3) وحاصل الكلام أنه إما أن يجمع بين الطائفتين بحمل أخبار المانعة على الكراهة، أو يرفع اليد عنها لموافقتها للعامة وإعراض المشهور عنها، فتأمل. والاحسن هو الجمع بينهما بحمل أخبار المانعة على الكراهة فانه جمع عرفي في أمثال المقام، وربما يؤيد هذا الجمع ما في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع، والبعير بالبعيرين، والدابة بالدابتين؟ فقال عليه السلام كره ذلك علي عليه السلام فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان (4) الخ. وهذا بناء على أن يكون الكراهة بمعناها المصطلح أي ما هو أحد الاحكام الخمسة، ولكن يمكن أن يقال ان المراد من الكراهة ههنا هو معناها اللغوي، فلا ينافي الحرمة، خصوصا بضميمة قوله عليه السلام ولم يكن علي عليه السلام يكره الحلال. (5) هذا كله مضافا إلى أن مورد هذه الرواية ليس من المختلفين في الجنس الذي هو محل الكلام، نعم ليس المورد من الربويين، وإن كانا متحدين جنسا، لانهما ليسا مما يكال أو يوزن.

 

(هامش)

 

1. النهاية ص 377. 2. المقنعة ص 603. 3. نقله عنهما في مختلف الشيعة ج 5، ص 117. 4. تهذيب الاحكام ج 7 ص 120، ح 521، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 127، الاستبصار ج 3، ص 101، ح 353، باب بيع ما لا يكال ولا يوزن... ح 7، وسائل الشيعة ج 12، ص 449، أبواب الربا، باب 16، ح 7. 5. الكافي ج 5، ص 188، باب المعاوضة في الطعام، ح 7، تهذيب الاحكام ج 7، ص 96، ح 412، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 18، وسائل الشيعة ج 12، ص 447، أبواب الربا، باب 15، ح 1. (*)

 

هذا كله فيما إذا لم يكن العوضان ربويين، وأما إذا كانا واجدين لشرائط الربا أي كانا متحدي الجنس، وكانا مما يكال أو يوزن، فلا شك في جواز بيعهما مثلا بمثل بغير تفاضل نقدا، ولكن الكلام في جواز بيعهما نسيئة، وإن كان مثلا بمثل وزنا أو كيلا، والمشهور عدم جوازه بل ادعى الاجماع على عدم الجواز. وذلك كما إذا باع قفيزا من الحنطة الرديئة نقدا بقفيز من الحنطة الجيدة نسيئة، أو مطلق الحنطة بمطلقها وإن لم يكن بينهما اختلاف في الجودة والردائة، وذلك من جهة أن الاجل زيادة حكمية. ففي المفروض وإن لم يكن زيادة عينية في البين، ولكن الزيادة الحكمية موجودة لان للاجل قسطا من الثمن لا يجوز، للاجماع، ولما رواه الصدوق قدس سره في الفقيه عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الفضة بالفضة مثل بمثل، والذهب بالذهب مثل بمثل ليس فيه زيادة ولا نظرة، الزائد والمستزيد في النار. (1) نعم إنه بعد ما عرفت معنى الربا وأنه عبارة عن الزيادة في أحد العوضين، إن كانا متحدي الجنس وكانا مما يكال أو يوزن، فاعلم أنه وقع الخلاف في أنه مختص بالبيع والقرض أم يأتي في سائر المعاوضات، قال الشهيد (2) والمحقق (3) الثانيان بثبوته في جميع المعاوضات، وكلام المحقق والعلامة مختلف في كتبهما، فالمحقق في الشرائع (4) والعلامة في القواعد (5) والارشاد (6) قالا

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 288، باب الصرف ووجوهه، ح 4037، وسائل الشيعة ج 12، ص 456، أبواب الصرف، باب 1، ح 1. 2. مسالك الافهام ج 3، ص 317. 3. جامع المقاصد ج 4، ص 266. 4. شرائع الاسلام ج 2، ص 37. (*)

 

باختصاصه بالبيع، وقال المحقق في كتاب الغصب (7) بثبوت الربا في كل معاوضة، ونسب الاردبيلي (8) قدس سره هذا القول إلى الاكثر. والعمدة هو ملاحظة أدلة القولين واختيار ما هو الصواب والاحق: فأما ما يقال بأن الربا هو الزيادة في البيع والقرض فقط، وأن الزيادة في سائر المعاوضات فلا يطلق عليه الربا، فصرف ادعاء من دون دليل، وذلك لان الربا في اللغة هي الزيادة وعند العرف الذي هو المناط في تشخيص معاني الالفاظ وتعيين مرادات المتكلمين من ألفاظ كلامهم، هو زيادة أحد العوضين من متحدي الجنس في المعاملات، خصوصا إذا كانا من المكيل والموزون، فمن أين جاء هذا التخصيص والتضييق. اللهم إلا أن يدعى أن الشارع وضعه لخصوص الزيادة لاحد العوضين في خصوص باب البيع والقرض، وأنت خبير بأن هذا دعوى بلا بينة ولا برهان، بل معنى الربا في أبواب المعاملات عرفا هو زيادة العوضين على الاخر، وزنا أو كيلا إذا كانا متحدي الجنسين فلو صالح منا من الحنطة الجيدة مثلا بمنين من غير الجيدة يكون من الربا المحرم، ويشمله عموم قوله تعالى: وحرم الربا. وأما ورود لفظ البيع أو القرض كثيرا خصوصا الاول منهما في الروايات الواردة في أبواب الربا فمن جهة أنهما المعاملتان الشايعتان في الاسواق وعند الناس رباء. هذا مضافا إلى المطلقات الواردة في طائفة من الروايات، بحيث يشمل كل

 

(هامش)

 

5. قواعد الاحكام ج 1، ص 140. 6. إرشاد الاذهان ج 1، ص 377. 7. شرائع الاسلام ج 3، ص 189. 8. مجمع الفائدة والبرهان ج 8، ص 452. (*)

 

معاوضة تقع على متحدي الجنسين بالزيادة منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي لكل عشرة أرطال اثني عشر دقيقا قال لا: قلت فالرجل يدفع السمسم إلى العصار يضمن له لكل صاع أرطالا مسماة، قال لا (1) ومعلوم أن هذا ليس بيعا بل الاول صرف التزام ومقاطعة بأن يعطي بدل عشرة أرطال من الحنطة اثني عشر من الدقيق وفي الثاني ضمان وليس من باب البيع أو القرض. ومنها أيضا ما رواه محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: الحنطة بالدقيق مثلا بمثل، والسويق بالسويق مثلا بمثل، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس. (2) وبهذا المضمون روايات كثيرة (3) لا اختصاص لها بالبيع، ولا ذكر منه فيها بل يشمل مطلق المبادلة والمعاوضة، اللهم الا أن يقال بانها منصرفة إلى خصوص البيع، لانه هي المعاملة المتعارفة بين الناس والمتداولة فيما بينهم في أمثال المقام، وأنت خبير بان صرف كثرة الوجود لا يكون من اسباب الانصراف بل المبادلة والمعاوضة اعم من البيع ويشمل سائر المعاوضات أيضا. وكذلك يدل على عدم اختصاصه بخصوص البيع والقرض الروايات الواردة في

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 189، باب المعاوضة في الطعام، ح 11، وسائل الشيعة ج 12، ص 440، أبواب الربا، باب 9، ح 3. 2. الكافي ج 5، ص 189، باب المعاوضة في الطعام، ح 10، وسائل الشيعة ج 12، ص 440، أبواب الربا، باب 9، ح 2. 3. راجع: وسائل الشيعة ج 12، ص 437 - 441، باب 8، 9 و 10. (*)

 

حرمة الربا وهي كثيرة منها ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: درهم ربا عند الله أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم. (1) وأيضا يدل على التعميم لكل معاوضة الروايات الكثيرة (2) الواردة في حكمة تحريم الرباء، وهي كثيرة منها ما رواه سماعة قال قلت لابي عبد الله عليه السلام إني رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرره؟ قال أو تدري لم ذاك؟ قلت: لا، قال: لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف. (3) ثم إنه لا يخفى أن دلالة هذه الروايات على التعميم منوط بكون الربا عبارة عن الزيادة في أحد العوضين المجانسين في مطلق المعاوضات لا خصوص الزيادة في باب البيع أو القرض، ومما ذكرنا ظهر أنه لا مجال للتمسك لعدم عمومه واختصاصه بالبيع وحده أو مع القرض فقط باصالة الحل والاباحة، وذلك لحكومة الاطلاقات عليهما. وأما ما ذكره الطبرسي في تفسير آية أحل الله البيع وحرم الربوا بقوله أي أحل الله البيع الذي لا ربا فيه وحرم البيع الذي فيه الربا، (4) فأولا لا حجية لتفسيره إن لم يكن مستندا إلى الرواية المعتبرة، مع أنه خلاف ظاهر الآية، لان ظاهرها الاطلاق وعدم اختصاصه بالبيع،

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 144، باب الربا، ح 1، الفقيه ج 3، ص 274، باب الربا، ح 3992، وسائل الشيعة ج 12، ص 422، أبواب الربا، باب 1، ح 1. 2. راجع: وسائل الشيعة ج 12، ص 422، أبواب الربا، باب 1. 3. الكافي ج 5، ص 146، باب الربا، ح 7، وسائل الشيعة ج 12، ص 423، أبواب الربا، باب 1 ح 3. 4. مجمع البيان ج 1، ص 389. (*)

 

وثانيا هو في مقام بيان مورد نزول الآية ردا على ما كانوا يقولون بأن الربا مثل البيع، والعبرة بعموم ألفاظ الايات لا بخصوصية مواردها، وثالثا أن المطلقات والعمومات التي تدل على حرمة الربا في جميع المعاوضات كثيرة لا تنحصر في هذه الآية فقط. وخلاصة الكلام أن الروايات التي تدل على حرمة الربا مطلقا في أي معاوضة كانت كثيرة فلا بد من الحكم بدخوله في جميع المعاوضات التي تقع بين متحدي الجنسين، إذا كانا من المكيل أو الموزون، إلا إذا جاء دليل على التخصيص في مورد. وأما رواية ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه السلام قال الربا رباءان رباء يؤكل ورباء لا يؤكل، فأما الذي يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها، فذلك الربا الذي يؤكل، وهو قول الله عزوجل وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله (1) وأما الذي لا يؤكل فهو الذي نهى الله عزوجل عنه وأوعد عليه النار. (2) فاطلاق الربا على الثواب الذي يعطيه الله تبارك وتعالى عوضا عن الصدقة أو الهدية إلى المؤمن ليس من الربا المعاملي الذي هو محل الكلام، فعلى تقدير القول بالعموم ليس هو مخصصا للعموم. ثم إن هاهنا فروعا بعضها راجع إلى الشرط الاول، أي اشتراط ثبوت الربا بكون العوضين متحدي الجنسين، وبعضها راجع إلى الشرط الثاني أي كونهما من المكيل أو الموزون.

 

(هامش)

 

1. الروم (30): 39. 2. الكافي ج 5، ص 145 باب الربا، 6، وسائل الشيعة ج 12، ص 429، أبواب الربا، باب 3 ح 1. (*)

 

أما القسم الاول فنذكره في ضمن مسائل المسألة الاولى ذهب أكثر الاصحاب إلى أنه لا يجوز بيع الحنطة بالشعير الا مثلا بمثل، بل هذا القول هو المشهور، بل لم ينقل الخلاف الا من ابن ادريس (1) ولذلك قال في الجواهر: بل كادت تكون اجماعا وحكى الاجماع على الغنية (2) ومحكى خلاف الشيخ. (3) والاقوى هو القول المشهور وذلك اولا لما تقدم من رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الاكراد فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه، فيقول له خذ مني مكان كل قفيز من حنطة قفيزين من شعير، حتى تستوفي ما نقص من المكيل، قال عليه السلام لا يصلح لان أصل الشعير من الحنطة ولكن يرد عليه الدراهم بحساب ما نقص من الكيل. (4) وثانيا لرواية أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزاد واحد على الآخر (5) وأيضا لرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال عليه السلام لا يباع مختومان من

 

(هامش)

 

1. السرائر ج 2، ص 255. 2. الغنية ضمن الجوامع الفقهية ص 588. 3. جواهر الكلام ج 23، ص 344. 4. الكافي ج 5 ص 187، باب المعاوضة في الطعام، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 438، أبواب الربا، باب 8، ح 1. (*)

 

شعير بمختوم من حنطة، ولا يباع إلا مثلا بمثل، والتمر مثل ذلك (1) وروايات كثيرة بهذا المضمون أو ما هو قريب منه جمعها في الوسائل في الباب الثامن من ابواب الرباء، (2) إن شئت فراجع. وثالثا لما ذكره العلامة في التذكرة أن معمر بن عبد الله بعث غلاما له ومعه صاع من قمح فقال اشتر شعيرا فجاءه بصاع وبعض صاع فقال له رده، فان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل، وطعامنا يومئذ الشعير. (3) وأيضا تقدم ما رواه الصدوق باسناده عن علي عليه السلام قصة زرع آدم وحوى وأن كل واحد منهما قبض قبضة من الحنطة التي جاء بها جبرئيل عليه السلام وقال آدم لحوى لا تزرعي أنت فلم تقبل من آدم فكلما زرع آدم من تلك الحنطة جاء حنطة وكلما زرعت حواء جاء شعيرا. (4) والمقصود من نقل هذه الرواية أن أصل الحنطة والشعير واحد فيكونان فرعين من اصل واحد وكلما كان هكذا فبيعه مع الفرع الاخر من متحدي الجنس يدخل فيه الرباء وقد ذكرنا فيما تقدم أنه عليه السلام علل عدم جواز بيع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل بأنهما من أصل واحد وفي أغلب هذه الروايات هذا التعليل موجود، وقلنا يلزم الاخذ بهاذ التعليل في جميع الموارد والفروع التي من هذا القبيل. فالاختلاف في الاسم والعنوان لا أثر له مع هذا التعليل، ولذلك ترى أنه في أغلب الفروع التي مرجعها إلى اصل واحد، الاسماء والعناوين مختلفة، ومع ذلك حكم الاصحاب بدخول الربا فيها.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 187، باب المعاوضة في الطعام، ح 3، تهذيب الاحكام ج 7، ص 94، ح 399، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 5، وسائل الشيعة ج 12، ص 438، أبواب الربا، باب 8، ح 4. 2. وسائل الشيعة ج 12، ص 437. 3. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 477. 4. علل الشرائع ج 2، ص 574، ح 2، مستدرك الوسائل ج 13، ص 344، أبواب الربا، باب 17، ح 2. (*)

 

ألا ترى أن الاقط مع الدهن فيما إذا اخذا من حليب واحد اسمان وعنوانان مختلفان، بل يمكن أن يقال هما نوعان ومهيتان، ومع ذلك له عدهما الاصحاب من جنس واحد لرجوعهما إلى أصل واحد، فكل واحد منهما بعض من ذلك الحليب الذي اخذا منه. فإذا أحطت بما ذكرنا تعرف ما في كلام إدريس (1) أنه لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة ولا بين أهل اللغة واللسان في انهما مختلفان، وأنه لم يذهب إلى الاتحاد غير شيخنا أبي جعفر والمفيد ومن قلده في مقالته من العجب والغرابة. وأما استشهاده بفتاوى ابني بابويه أي الصدوقين والمرتضى أعلى الله مقامهم من عدم البأس ببيع الواحد بالاثنين إذا اختلف الجنس ففي غير محله، من جهة أن الدعوى هاهنا أنهما من جنس واحد باعتبار أنهما من اصل واحد، فقياسهما بمختلفي الجنس وإدراجهما فيه لا يجوز، وأما ذهاب ابن عقيل وابن الجنيد (2) إلى جواز بيعهما بأن يكونا العوضين مع التفاضل، فلا يضر بما ذكرنا لوضوح الدليل فيما هو خلاف ما أفادا، فلا ينبغي التأمل في عدم جواز بيع الحنطة بالشعير مع التفاضل في أحدهما، بل لابد وأن يكون مثلا بمثل وزنا أو كيلا. المسألة الثانية قال في الشرائع (3) ثمرة النخل جنس واحد وإن اختلفت أصنافه فلا يجوز بيع من من الخستاوي الذي هو من الصنف الجيد مثلا بمنين من الدقل الذي هو من الصنف الردي وهكذا الامر في الزاهدي والبرني والدقل، فلا يجوز بيع مد من البرني بمدين من الدقل.

 

(هامش)

 

1. السرائر ج 2، ص 254. 2. نقله عنهما في السرائر ج 2، ص 255. 3. شرائع الاسلام ج 2، ص 38. (*)

 

ويدل على ذلك روايات. منها ما رواه سيف التمار قال قلت لابي بصير احب أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استبدل قوصرتين (1) فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها نمر مشقق، قال: فسأله أبو بصير عن ذلك فقال عليه السلام: هذا مكروه، فقال أبو بصير ولم يكره؟ فقال عليه السلام إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لان تمر المدينة أجودهما [ أدومهما ] خ ل ولم يكن علي عليه السلام يكره الحلال. (2) ومنها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال عليه السلام لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة، ولا يباع إلا مثلا بمثل، والتمر مثل ذلك. (3) ومنها ما رواه سماعة قال: سألته عن الطعام والتمر والزبيب فقال عليه السلام لا يصلح شيء منه اثنان بواحد إلا أن يصرفه نوعا إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس اثنين بواحد أو أكثر من ذلك. (4) ويظهر من هذه الروايات أنه لا يجوز بيع التمر بالتمر إلا مثلا بمثل، وان كان العوضان مختلفين صنفا كما لو كان أحدهما جيدا والآخر رديا، ثم إن ثمرة الكرم أيضا مثل ما ذكرنا في ثمرة النخل، جميعها من جنس واحد، فالعنب على كثرة أقسامه حتى قيل إن في بعض البلاد خمسة وعشرين قسما منها موجود، وقد نظم الشيخ الجليل

 

(هامش)

 

1. القوصرة: وعاء من قصب يعمل للتمر يشدد ويخفف. ولعل المراد بالمشقق ما أخرجت نواته، أو اسم نوع منه. ويحتمل ان يكون تصحيف المشقة، قال في النهاية: نهى عن بيع التمر حتى يشفه، وجاء تفسيره في الحديث الاشقاة أن يحمر أو يصفر. مرآة العقول. 2. الكافي ج 5، ص 188، باب المعاوضة في الطعام، ح 7، وسائل الشيعة ج 12، ص 447، أبواب الربا، باب 15، ح 1. 3. الكافي ج 5، ص 187، باب المعاوضة في الطعام، ح 3، تهذيب الاحكام ج 7، ص 94، ح 399، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 5، وسائل الشيعة ج 12، ص 438، أبواب الربا، باب 8، ح 4. 4. الفقيه ج 3، ص 281، باب الربا، ح 4014، تهذيب الاحكام ج 7، ص 95، 406 باب بيع الواحد بالاثنين... ح 12، وسائل الشيعة ج 12، ص 443، أبواب الربا، باب 13، ح 5. (*)

 

بهاء الدين العاملي رحمه الله تعالى قصيدة في أقسام عنب بلدة هراة فلا يجوز بيع أي قسم منها بلغ ما بلغ في الجودة بالتفاضل بأي قسم، بلغ ما بلغ في الرداءة. والذي يستفاد من الاخبار الصادرة عن الائمة الاطهار أن الشارع بعد ما حكم بدخول الربا في متحدي الجنسين اعتبر في الاتحاد كونهما من نوع واحد ومهية واحدة، ولم يعتن بالمميزات الصنفية نعم ألحق الشارع بمتحدي الجنس كونهما فرعين لجنس واحد أو كون أحدهما فرعا والآخر أصلا كالسمن والاقط أو الحليب والزبد وهكذا وهذا الحكم يجري في جميع أنواع الفواكه التي من المكيل أو الموزون ولا اختصاص له بالنخل والكرم. مثلا المشمش له أصناف بعضها في غاية الجودة وبعضها الآخر في غاية الرداءة فلا يجوز استبدال من الجيدة بمنين من الردي، وكذلك التفاح وكذلك المخضرات التي من المكيل والموزون، فلا يجوز تبديل كيلو واحد من الباذنجان الطرحي العراقي بكيلوين من باذنجان الهندي ولا وقية واحد من اليقطين الصغير الطري الجديد بوقيتين من الكبار الغير الطري العتيق الذي يبس وذهب ماؤه. وأيضا لا يجوز تبديل من من بطيخ گرگاب اصفهان بمنين أو اكثر من البطيخ العادي، وكذلك الامر في سفرجل اصفهان مع السفرجل العادي، وكذا الحال في سفرجل نطنز مع العادي منه الموجود في سائر البلاد. وخلاصة الكلام أن المناط في الجميع واحد وهو الاختلاف في الصنف والاتحاد في النوع، وإن كان أحدهما جيدا والاخر رديا، وعلى هذه المذكورات فقس ما سواها. المسألة الثالثة الاختلاف والاتحاد في الجنس في اللحوم تابع للاختلاف والاتحاد في اصولها، بمعنى أنه ينظر إلى الحيوان الذي هذا اللحم منه، فان كان في كلا العوضين حيوانا واحدا شخصا أو صنفا أو نوعا فيكون العوضان من متحدي الجنس. وأما إن كان أحدهما من نوع والآخر من نوع آخر، مثل أن يكون احدهما من

 

البقر والآخر من الغنم فلا يكونان من متحدي الجنس ولا يثبت الربا فيهما ويجوز هما بيع متساويا ومتفاضلا ولا اعتبار بوحدة الاسم وإطلاق لفظ اللحم عليهما، لان لفظ اللحم مثل لفظ الحيوان موضوع للمعنى الجنسى لا النوعى، واللحوم المندرجة تحت اسم اللحم حقائق مختلفة مثل الحيوانات المندرجة تحت مفهوم الحيوان، وعلى كل حال هذه المسألة أي كون الاختلاف في اللحوم بحسب اختلاف اصولها اجماعي لا خلاف فيها. نعم قد يكون الاصلان في العوضين مختلفين بحسب الاسم ولكن متحدان بحسب الحقيقة كالبقر والجاموس في نوع الابقار، والعرابي والبخاتي في نوع الابل والماعز والضأن في نوع الغنم، وهكذا، وهذه المذكورات ليست من اختلاف الاصول بل هي أصناف حقيقة واحدة، ومثل هذا الاختلاف الاسمي دون الحقيقي في أغلب أصناف الانواع موجود ومع ذلك يثبت الربا فيها إن كانت من المكيل والموزون. إذا عرفت ما ذكرنا ففي هذه المسألة فروع يعرف حكمها مما ذكرنا. منها أن لحم الطيور يختلف باختلاف نفس الطيور، وأنها حقيقة واحدة أو مختلفة، فان كان اللحم في العوضين من الطيرين المختلفين بحسب الحقيقة فلا رباء، وأما إن كان من واحد شخصا أو صنفا أو نوعا فيثبت فيه الرباء، والذكورة والانوثة في كل نوع ليس من الاختلاف في الحقيقة، فلحم الديك والدجاجة ليسا من المختلفين. نعم وقع الخلاف في بعض العناوين والاسماء: في أن الاقسام المندرجة تحت ذلك الاسم أنواع وحقايق مختلفة، أو أصناف وكلها من أفراد حقيقة واحدة؟ وذلك كالحمام والغراب والعصفور، فالعصفور بناء على أن يكون عبارة عن الطيور الصغار فلا شك في أنها أنواع مختلفة وكذلك الحمام إذا كان عبارة عما هدر فأيضا أنواع

 

مختلفة، لان الفراخت غير القماري. وخلاصة الكلام أنه إذا عرف وعلم أنها حقيقة واحدة أو مختلفة فهو وإلا فلابد من الاحالة إلى العرف، وأنهم هل يرونها حقيقة واحدة أو حقايق مختلفة فتأمل. ومنها ان لحوم الاسماك هل هي مختلفة مع لحوم سائر الحيوانات أم لا، ومما ذكرنا وتقدم لا ينبغي أن يشك في اختلافها مع سائر اللحوم في ذلك، لاختلاف الاصول إذ لا شك في اختلاف السمك من أي قسم كان مع البقر أو الغنم مثلا. نعم يحتمل أن يكون لحوم انواع الاسماك كالشبوط والقطان والبني من حقيقة واحدة، وأن يكون هذه الاسماك عناوين الاصناف لا الانواع، ويحتمل أن يكون حقايق مختلفة، والاشبه هو الاول، وذلك لان الاختلاف بين هذه الاقسام الثلاثة المذكورة، ليس أشد من الاختلاف بين اصناف الغنم كالماعز والضأن، فلا يجوز بيع البني بالقطان مثلا مع التفاضل، بناء على انهما من الموزون، وأما لو كان يباع جزافا ولم يكن من الموزون فهو خارج عن محل الكلام. ومنها أن الجراد مع سائر اللحوم مختلف وليس من متحد الجنس مع كل واحد منها، بل هو جنس بانفراده وهذا واضح. ومنها أن الوحشي من كل نوع ليس من المتحد في الجنس مع الاهلي منه وذلك من جهة أنهما في الحقيقة ليسا من نوع وحقيقة واحدة، وإطلاق الاسم غالبا من جهة الشباهة في الشكل وهكذا البري والبحري منه، نعم قد يتفق في بعض أنواعهما وحدة حقيقتهما كما أنه يقال إن الجاموس الوحشي مع الاهلي كذلك وأيضا يقال في الثور الوحشي والاهلي انهما كذلك والحاصل ان المدار على وحدة الحقيقة.

 

نعم ما ذكرنا من الاختلاف ظاهر في الغنم الوحشي وهي الظباء مع الغنم الاهلي وكذلك الحمر الوحشية مع الاهلية ولكن الظاهر من جماعة دعوى الاجماع على الاختلاف وعدم الاتحاد في الجميع. قال في الجواهر: ولولا هذا الاتفاق لامكن المناقشة في ذلك أي في هذه الكلية اي الاختلاف في الجميع (1) وما ذكره متين جدا. ومنها أن أعضاء الحيوان ملحق بلحمه أم لا، بمعنى أن كبد حيوان مثلا أو كرشه أو قبله أو كليته في حكم لحمه فلا يجوز تبديل ما ذكر من لحم حيوان يكون من جنس ماله هذه المذكورات؟ الظاهر هو الاول، لانها اجزاء الحيوان، فإذا كان هذا الحيوان من المتحد في الجنس مع الحيوان الاخر فأجزاؤه أيضا تكون كذلك، فحال أعضائه حال لحمه. المسألة الرابعة قال في الشرائع، الالبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف، (2) وقال في الجواهر بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة (3) الاجماع عليه، فلبن الغنم مخالف للبن البقر كما أن لبن البقر مخالف للبن الابل، والغنم ماعزه وضأنه حيث إنهما ولحمهما متحدان، فلبنهما أيضا كذلك، وحيث ان البقر والجاموس جنس واحد فلبنهما ايضا من الجنس الواحد، وبناء على أن يكون الوحشي من كل نوع مخالفا للاهلي منه فكذلك لبنهما أيضا. (4) وما تقدم منا من المناقشة في بعض أقسام الوحشي والاهلي، والاحتمال بل ظهور الاتحاد يأتي في ألبانهما أيضا لما تقدم أن الالبان في حكم ذي اللبن، والعمدة في هذا الحكم هو الاجماع المدعى في المقام، وإلا فالاستحسانات التي

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 23، ص 357. 2. شرائع الاسلام ج 2، ص 39. 3. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 479. 4. جواهر الكلام ج 23، ص 357. (*)

 

ذكروها لا اعتبار بها، فان دين الله لا يصاب بالعقول. وما يقال من أننا نرى بالوجدان اختلاف الالبان من حيث الاثار باختلاف ذوي الالبان، وإن كان حقا حتى أن الحيوان الشخصي يختلف البانه من حيث الاثار باختلاف الاغذية ولذلك كانت الاطباء يعطون الدواء للام التي رضيعها كان مريضا، فضلا عن ألبان الحيوانات المختلفة نوعا ومهية، ولكن مع ذلك لو لم يكن الحكم اتفاقيا ومورد الاجماع لا يمكن اثباته بهذه الامور، مع حكم العرف بأن اللبن عن جميع الحيوانات حقيقة واحدة اللهم إلا أن يقال بأنه عند العرف أيضا مختلف باختلاف ذي اللبن أو علمنا بالتجزية والتحليل أنها حقائق مختلفة. المسألة الخامسة قال المحقق في الشرايع الادهان تتبع ما تستخرج منه. (1) أقول: الادهان إما تستخرج من حليب الحيوانات وإما من شحومها ولحومها أو سائر أعضائها، وإما من النباتات أي من أثمارها كدهن اللوز والجوز والزيتون وأمثالها فهذه اقسام ثلاثة. أما القسم الاول فحالها حال الحليب الذي استخرج منه وقد تقدم في المسألة السابقة أن الالبان تتبع اللحمان في التجانس والاختلاف، فبناء على هذا: الدهن المستخرج من حليب الغنم بأقسامه ماعزه وضأنه لا يجوز بيعه بالتفاضل مع دهن آخر من حليب الغنم، وأما دهن حليب الغنم مع دهن حليب البقر أو الابل أو غيرهما من نوع آخر غير الغنم فلا يأتي فيه الربا. والحاصل أن حال الدهن في التجانس والاختلاف حال اللبن الذي يستخرج منه. وأما القسم الثاني أي الدهن الذي يستخرج من بدن الحيوان، فحاله حال بدن الحيوان ولحمه وأعضائه، وقد تقدم تفصيل ذلك.

 

(هامش)

 

1. شرائع الاسلام ج 2، ص 39. (*)

 

وأما القسم الثالث أي دهن النباتات فلا شك في أن دهن الزيتون مثلا غير دهن الجوز واللوز وليس من جنسهما بل هي حقيقة اخرى، وكذلك دهن الزيت غير السمن بحسب الحقيقة. وقد ورد في الروايات جواز بيع الزيت بالسمن اثنين بواحد كما في رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال وسئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد، قال عليه السلام يدا بيد لا بأس به (1) فرتب عليه السلام حكم المختلفين عليهما. فقد ظهر مما ذكرنا أن الادهان كما أفاده المحقق (2) قدس سره تتبع ما يستخرج منه في التجانس والاختلاف. وأما الخلول فواضح أنها في التجانس والاختلاف تتبع ما يعمل منه لانها في الحقيقة نفس ما يعمل منه، مع تبدل في الصفة، فخل العنب ليس من جنس خل التمر لان العنب ليس من جنس التمر، فيجوز بيع خل العنب بخل التمر بالتفاضل يدا بيدا أي نقدا. وبعد ما ظهر مما تقدم أن حكم الفرع حكم الاصل، وأنه لا يجوز بيع الاصل بالفرع مع التفاضل، ولا أحد الفرعين من أصل واحد بالآخر مع التفاضل، فلا يجوز بيع عصير العنب بخل العنب متفاضلا، ولا عصير التمر بخل التمر متفاضلا، ولا نفس العنب بخله كذلك، ولا نفس التمر بخله كذلك. المسألة السادسة يجوز بيع المركب من الجنسين أو المجموع من جنسين باحدهما وبالمركب منهما وبالمجموع منهما وبغيرهما متساويا ومتفاضلا في الجميع، ولكن فيما إذا كان بيع المجموع أو المركب منهما بأحدهما، يشترط في الثمن أن يكون فيه زيادة على مقابلة المجانس له، كي تكون تلك الزيادة عوضا عن ذلك الجزء الآخر

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 7، ص 94، ح 399، باب بيع الواحد بالاثنين... ح 5، وسائل الشيعة ج 12، ص 4 43، أبواب الربا باب 13، ح 4. 2. شرائع الاسلام ج 2، ص 39. (*)

 

الغير المتجانس له، وإلا يلزم احد الامرين إما الربا وإما دخول ذلك الجزء الآخر الغير المجانس للثمن في ملك المشتري بلا عوض ومجانا، وكلاهما باطلان. واشترط بعضهم في تلك الزيادة أن تكون بمقدار يكون قابلا لان تقع ثمنا لذلك الجزء منفردا، بل ومع الانضمام، وادعى في الجواهر (1) عدم وجدان الخلاف في ذلك، بل الاجماع بقسميه ولكن عرفت أن هذا الحكم مع الشرط المذكور مقتضى القواعد الاولية، ولو لم يكن إجماع في البين. نعم يجب تحصيل العلم بزيادة الثمن فيما إذا باع المجموع بأحدهما بمقدار يصلح للمقابلة مع الجزء الآخر الغير المجانس له، وإلا لا يمكن الحكم بصحة مثل هذه المعاملة لان التمسك بالعمومات والاطلاقات عند الشك هاهنا يكون من التمسك بالعموم والاطلاق في الشهبة المصداقية للمخصص. المسألة السابعة يجوز بيع لحم بحيوان من جنسه، وذلك كأن يبيع لحم الغنم بشاة، أو لحم الماعز بضأن، أو لحم البقر ببقرة أو ثور وهكذا، والعمدة في دليله قوله عليه السلام في رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه أن عليا عليه السلام كره بيع اللحم بالحيوان. (2) والاستدلال بهذه الرواية على الحرمة مبني على ما روي في الروايات المعتبرة وتقدم ذكرها أن عليا عليه السلام كان لا يكره الحلال (3) مؤيدا بالنبوي صلى الله عليه وآله وإن كان عاميا نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع اللحم بالحيوان. (4)

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 23، ص 354. 2. الفقيه ج 3، ص 278، باب الربا، ح 4004، وسائل الشيعة ج 12، ص 441، أبواب الربا باب 11، ح 1. 3. الكافي ج 5، ص 188، باب المعاوضة في ا لطعام، ح 7، تهذيب الاحكام ج 7، ص 96، ح 412، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 18، وسائل الشيعة ج 12، ص 447، أبواب الربا باب 15، ح 1. 4. سنن البيهقي ج 5، ص 296، كنز العمال ج 4، ص 77، ح 9605. (*)

 

مضافا إلى الاجماع المدعى في المقام وحكى في الجواهر (1) عن المختلف أنه لم نقف فيه على مخالف منا غير ابن إدريس فجوز، وقوله محدث لا يعول عليه ولا ينثلم به الاجماع، ونسب في الدروس قوله إلى الشذوذ، وعلى كل حال رواية غياث في حد نفسها موثقة وبضميمة الاجماع على مضمونه بعد ما كان المراد من الكراهة الحرمة بضميمة الروايات المعتبرة، يكون اعتباره قويا فتكون حجة قوية عند الحرمة. والظاهر من لفظ الحيوان في الحديث وفي رواية غياث هو الحيوان الحي، وهو ليس من الموزون، ولذلك يجوز بيع شاة بشاتين لانه لا ربا في غير المكيل والموزون، فالحرمة ليست من ناحية كونه رباء بل من ناحية ورود النهي والتعبد. فما ذكره العلامة قدس سره في التذكرة (2) من القول بالكراهة ونفي الحرمة من جهة عدم كونه رباء لفقد شرطه وهو كونه مكيلا أو موزونا فيكون الاصل سالما عن المعارض الحاكم عليه لا يتم لما ذكرنا من أن عدم صحته وحرمته ليس من جهة كونه رباء، بل من جهة الادلة المذكورة. ثم إنه بناء على ما ذكرنا من أن حرمة بيع اللحم بحيوان من جنسه ليس من جهة كونه رباء، فهل يحرم بغير جنسه ايضا كما إذا باع لحم شاة ببقرة أم لا، مبني على أن المراد من الحيوان في الرواية وفي الحديث خصوص الحيوان الذي من جنس اللحم أم مطلق الحيوان، وكذلك معقد الاجماع خاص أو عام. أقول أما الاخير أي معقد الاجماع فمن الواضح عدم شموله لبيع اللحم بغير جنسه لان المشهور بين المتأخرين بل ادعى الاجماع بعضهم، هو جواز البيع بغير جنسه مثل أن يبيع لحم الشاة بالبقر مثلا، ومع ادعاء هذا الاجماع والشهرة المحققة خصوصا بين المتأخرين كيف يمكن القول بشمول اجماع المنع عن بيع اللحم بجنسه للبيع بغير جنسه.

 

(هامش)

 

1. جواهر الكلام ج 23، ص 355. 2. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 478. (*)

 

نعم لفظ الحيوان في رواية غياث وفي الحديث الذي رواه الجمهور عن سعيد بن المسيب مطلق يشمل ما كان من جنس اللحم وما لم يكن، وغاية ما يمكن ادعاء الانصراف فيه هو كونه حيا، وأما كونه من جنس اللحم فلا موجب له أصلا، وقد تقدم أن النهي ليس من جهة كونه ربا كي يقال بأنه لا يأتي إلا في مورد اتحاد جنس الحيوان مع اللحم، فمقتضى الاطلاق لولا الاجماع المدعى في المقام، هو المنع حتى عن بيعه بغير جنسه، وهو الموافق للاحتياط فلا يبعد حرمة بيعه حتى بغير جنسه. وأما ما استدل به العلامة قدس سره في التذكرة (1) بأنه يجوز بيع لحم الحيوان بلحم غير جنسه فبيعه به حيا أولى، فهذا القياس على تقدير صحته والقول به يأتي فيما إذا كان منشأ المنع هو حصول الرباء، وأما لو كان منشأ المنع اطلاق الحديث والرواية كما ذكرنا، فلا مورد له أصلا. نعم بناء على هذا يجب الاقتصار على ما يصدق عليه اللحم، فمثل الكرش والكبد والكلى والقلب وكل ما لم يصدق عليه اللحم، خارج عن هذا الاطلاق. ثم إن ظاهر الحديثين هو وقوع اللحم مثمنا لان هذا هو معنى بيع اللحم بالحيوان، فالمبيع هو اللحم والثمن هو الحيوان، ولكن ظاهر الفتاوى عدم الفرق في الحرمة بين كونه ثمنا أو مثمنا، بل ظاهر معقد الاجماع هو شموله لكلا القسمين. ثم إن في هذه المسألة فروعا لا بأس بذكرها. الاول هل يجوز بيعه بالحيوان غير مأكول اللحم أم لا؟ ظاهر كلام العلامة في التذكرة (2) هو الاجماع على الجواز لتعبيره بأنه يجوز عندنا وكلمة عندنا ظاهر في اتفاق الطائفة، وهو الاجماع،

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 478. 2. المصدر.

 

ولكن الدليل الذي يذكره للجواز قياس أولا وثانيا في غير محله، لان إتيانه مبني على كون الحرمة والمنع لاجل كونه من الربا، وقد بينا فساد هذا التوهم وعمدة الدليل على الجواز قصور أدلة المنع عن شمولها للحيوان غير مأكول اللحم آدميا كان أو غيره كالسباع مثلا. أما الاجماع فالقدر المتيقن منه هو حيوان مأكول اللحم، وأما الحديثان فلانصراف لفظ الحيوان عن الآدمي قطعا وعن السباع وأمثالها ظاهرا، فالمنع لا دليل عليه، فمقتضى الاطلاقات صحة المعاملة ولو وصلت النوبة إلى الاصل فهي الصحة والجواز. الثاني أنه يجوز بيع اللحم بالسمكة الحية، وبيع لحم السمك بالحيوان الحي، وذلك لان القدر المتيقن من الاجماع ما عدا ذلك، وانصراف الحديثين عن مثل هذه الموارد، وقال العلامة (1) قدس سره في دليله لما تقدم وجوابه ما تقدم. الثالث قال في الشرائع (2) وفي التذكرة (3) أيضا: إنه يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة خالية، وزاد في الجواهر (4) كما في التذكرة أيضا أو دجاجة فيها بيضة أو بيضة فقط من دون كون دجاجة معها، والوجه في الجميع أن شمول الاطلاقات وأدلة صحة البيع لا مانع عنها، إلا كون المعاملة ربوية، ولا رباء هاهنا، لان المورد ليس بمكيل ولا بموزون، ولا رباء إلا فيما يكال أو يوزن، ولذلك لا مانع من بيع البيضة الواحدة ببيضتين، لانه ايضا ليس بمكيل ولا بموزون، كما أنه يجوز بيع شاة في بطنها ولد بشاة ليس كذلك كما أنه يجوز بيع شاة بشاتين وبيع شاتين بشاة كل ذلك لاجل

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 478. 2. شرائع الاسلام ج 2، ص 41. 3. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 479. 4. جواهر الكلام ج 23، ص 389. (*)

 

انتفاء شرط الرباء وهو عدم كونه من المكيل أو الموزون. المسألة السابعة قال في التذكرة: كل ماله حالتا رطوبة وجفاف من الربويات يجوز بيع بعضه ببعض مع تساوي الحالين، إذا اتفق الجنس، وإن اختلف جاز مطلقا. (1) أقول الاشياء التي لها حالتا رطوبة وجفاف كالعنب والتمر بل اغلب الفواكه والمخضرات كباذنجان وبانيه مثلا ففي جميعها تارة تقع المعاملة بين متفقي الجنس والحالة، مثل أن بيبع العنب بالعنب، أو الرطب بالرطب، أو التمر بالتمر، أو الزبيب بالزبيب، وهكذا في سائر الموارد، فمع الاختلاف كيلا في المكيل ووزنا في الموزون باطل، لكونه من الربا المحرم، وأما مع التساوي فلا مانع في البين لعدم الربا، وشمول الاطلاقات له. وربما يقال بعدم صحة الرطب بالرطب لعدم العلم بتساويهما بعد الجفاف وفي حال الادخار، مع أن الغرض والمقصود من المعاملة هو الادخار. وفيه أولا أن التفاوت بينهما غالبا يكون بمقدار يسير بحيث يتسامح العرف في ذلك المقدار ولا يعتنى به، وذلك كما إذا بيع الحنطة التي فيها شيء يسير من التراب أو خليط آخر الذي لا يخلو الحنطة منه غالبا، فبعد ما جفا وان كان من الممكن أن يكون الجفاف في احدهما اكثر وازيد، فيختلف وزنهما بالدقة، ولكن الاختلاف قليل بحيث لا يعتنى به. وثانيا أن المعتبر في عدم تحقق الربا تساويهما حال وقوع المعاملة وصدور العقد، أي النقل والانتقال شرعا، وأما خروجه عن المساواة بعد وقوع المعاملة فلا يوجب صيرورتها رباء. وثالثا ليس الغرض من المعاملة دائما هو الادخار والابقاء، بل المقصود أكلها رطبا وانما يكون التبديل لاجل أغراض اخر.

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 482. (*)

 

ورابعا هناك بعض اقسام العنب والرطب ليس قابلا لان يزبب أو يتمر، وكذلك البطيخ فلا تبقى امثال هذه الامور كي يقع التفاوت بين يابسهما فيستشكل بلزوم الربا، فالاقوى جواز بيع الرطب منها بالرطب، واليابس باليابس، فيجوز بيع الرطب بالرطب، والتمر بالتمر، والعنب بالعنب، والزبيب بالزبيب، والحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة، واليابسة منها باليابسة، واللحم الطري بمثله، والقديد بالقديد، كل ذلك مع التساوي كيلا أو وزنا حال العقد. هذا فيما إذا كان العوضان متفقي الجنس والحالة، وأما إذا كانا مختلفي الجنس فلا مانع، ومقتضى العمومات والاطلاقات هي الصحة، وسواء كانا من المكيل أو الموزون، أو لم يكونا كذلك، وسواء كانا متفقي الحالة أو كانا من مختلفيها، وذلك لانتفاء شرط الربا وهو الاتفاق في الجنس. وأما إذا كانا من مختلفي الحالة ومتفقي الجنس أي كان أحد العوضين المتجانسين رطبا والاخر يابسا مثل أن يبيع العنب بالزبيب، أو الرطب بالتمر، أو باع لحمانيا بمقدد، أو بسرا برطب، أو حنطة مبلولة بيابسة، فهل يجوز بيع المذكورات وأمثالها متساويا أم لا؟ قال في الشرائع (1) يجوز لتحقق المماثلة، وقيل بالمنع ونسب في التذكرة (2) هذا القول أي المنع إلى المشهور عند علمائنا، ولكن ظاهر الشرائع ترجيح القول الاول أي الجواز لاسناده القول بالمنع إلى القيل، وإن كان قائله كثيرا بل ادعى العلامة في التذكرة أنه المشهور عند علمائنا. وقال في الشرائع إن نظر المانعين إلى حصول النقصان عند الجفاف، وقد أجبنا عن ذلك بكفاية التساوي حال العقد، وبه يثبت عدم كونه رباء، ولا يلزم بقائه على هذه الصفة دائما،

 

(هامش)

 

1. شرائع الاسلام ج 2، ص 46. 2. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 482. (*)

 

فالعمدة في دليل المنع الاخبار والحديث الوارد في المقام. أما الحديث فقد روى الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال صلى الله عليه وآله: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا نعم، فقال: فلا اذن. (1) وأما الرواية فمن طريق الخاصة: ما رواه الحلبي في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال عليه السلام: لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن اليابس يابس والرطب رطب، فإذا يبس نقص. (2) وما رواه داود بن سرحان: لا يصلح التمر بالرطب، إن الرطب رطب، والتمر يابس، فإذا يبس الرطب نقص. (3) وما رواه داود الابزاري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يصلح التمر بالرطب إن التمر يابس والرطب رطب. (4) وما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في حديث أن امير المؤمنين عليه السلام كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل من أجل أن التمر ييبس فينقص من كيله، (5) ودلالة الخبر الاخير على المنع مبنى على ما تقدم ذكره أن أمير المؤمنين عليه السلام كان

 

(هامش)

 

1. سنن البيهقي ج 5، ص 294. 2. تهذيب الاحكام ج 7، ص 94، ح 398 باب بيع الواحد بالاثنين... ح 4، الاستبصار ج 3، ص 93، ح 314، باب بيع الرطب بالتمر، ح 2، وسائل الشيعة ج 12، ص 445، أبواب الربا باب 14، ح 1. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 90، ح 384، باب بيع الثمار، ح 27، الاستبصار ج 3، ص 93، ح 315، باب بيع الرطب بالتمر، ح 3 وسائل الشيعة ج 12، ص 446، أبواب الربا، باب 14، ح 6. 4. تهذيب الاحكام ج 7، ص 90، 385، باب بيع الثمار، ح 28. 5. الفقيه ج 3، ص 281، باب الربا، ح 4015، تهذيب الاحكام ج 7، ص 95، ح 408، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 14، وسائل الشيعة ج 12، ص 445، أبواب الربا باب 14، ح 2. (*)

 

لا يكره الحلال، (1) فكراهته كاشفة عن كونه حراما. ولكن هاهنا أخبار اخر تدل على الجواز كرواية سماعة عن الصادق عليه السلام قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن العنب بالزبيب، قال: لا يصلح، إلا مثلا بمثل، قال والتمر والرطب بالرطب مثلا بمثل. (2) ورواية ابن أبي الربيع قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما ترى في التمر والبسر الاحمر مثلا بمثل؟ قال لا بأس قلت فالبختج والعنب مثلا بمثل؟ قال لا بأس. (3) ولا يخفى أن ظاهر هاتين الطائفتين من الاخبار هي المعارضة، لان الطائفة الاولى ظاهرة في عدم جواز بيع التمر بالرطب أو الرطب بالتمر، بل كل رطب باليابس من جنسه ومثله لعموم التعليل، وهو قوله صلى الله عليه وآله فلا اذن، لان المراد من هذه الجملة حسب المتفاهم العرفي انه لا يجوز، لانه ينقص. فكأنه صلى الله عليه وآله قال: إن كل ما ينقص بعد بيعه بمثله وجنسه مساويا كيلا أو وزنا فلا يجوز بيعه بمثله مثلا بمثل، فيشمل كل فاكهة رطبة باليابس من جنسه، بل وغير الفاكهة، سواء كان رطوبته ذاتية كالفواكه الغضة وغيرها، أو عرضية كالحنطة المبلولة وغيرها مما يرش عليه الماء، وإن كان الرش لاصلاحه. والطائفة الثانية ظاهرة في جواز بيع الرطب باليابس، واليابس بالرطب نعم لا عموم لها بحيث يشمل كل رطب ويابس، ولكن تدل على الجواز في نفس المورد الذي تدل الطائفة الاولى على عدم الجواز، وهو بيع التمر بالرطب.

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5 ص 188، باب المعاوضة في الطعام، ح 7، تهذيب الاحكام ج 7، ص 96، 412، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 18، وسائل الشيعة ج 12، ص 447، أبواب الربا باب 15، ح 1. 2. تهذيب الاحكام ج 7، ص 97، ح 417، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 23، الاستبصار ج 3، ص 92، ح 313، باب بيع الرطب بالتمر ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 445، أبواب الربا باب 14، ح 3. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 97، ح 418، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 24، وسائل الشيعة ج 12، ص 446، أبواب الربا باب 14، ح 15. (*)

 

فالمشهور على ما في التذكرة (1) ذهبوا إلى عدم الجواز مطلقا، وفي جميع صور المسألة، بناء منهم على عدم قابلية الطائفة الثانية للمعارضة مع الاولى لضعفها، وإعراض المشهور عنها، فلا جابر لها. وهذا القول قوى لو لم يكن جمع دلالي في البين، وذهب إليه جمع كثير من أساطين الفقه وهم: القديمان (2) والشيخ في المبسوط (3) وابن حمزة في الوسيلة (4) والعلامة في التذكرة (5) والتحرير (6) والارشاد (7) والمختلف (8) والقواعد (9) وغيره في اللمعة (10) والمقتصر (11) والمهذب (12) والتنقيح (13) وإيضاح النافع والميسية والمسالك (14) والروضة (15) والدروس وقد تقم ان العلامة وهو الفقيه المحقق المتتبع ادعى الشهرة. ومقابل هذا القول هو القول بالجواز مطلقا، حتى في بيع التمرر بالرطب الذي هو مورد روايات المنع، وهذا القول هو المحكي عن الشيخ في الاستبصار (16) وموضع من

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 482. 2. نقله عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل في مختلف الشيعة ج 5، ص 124. 3. المبسوط ج 2، ص 90. 4. الوسيلة ص 253. 5. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 482. 6. تحرير الاحكام ج 1، ص 170. 7. إرشاد الاذهان ج 1، ص 379. 8. مختلف الشيعة ج 5، ص 141. 9. قواعد الاحكام ج 1، ص 141. 10. اللمعة الدمشقية ج 3، ص 445. 11. المقتصر ص 178. 12. المهذب ج 1، ص 462. 13. تنقيح الرائع ج 2، ص 93. 14. المسالك الافهام ج 3، ص 445. 15. الروضة البهية ج 3، ص 445. 16. الاستبصار ج 3، ص 93. (*)

 

المبسوط، وعن ابن إدريس (1) وصاحب الكفاية (2) وصاحب الحدائق. (3) ووجه هذا القول هو الجمع بين الطائفتين بحمل الاولى على الكراهة والثانية على الجواز بالمعنى الاعم الذي لا ينافي الكراهة، بل أنكروا ظهور الطائفة الاولى في التحريم، لان المنع فيها إما بلفظ لا يصلح، وهو ظاهر في الكراهة من أول الامر وإما بلفظ كره علي أن يباع التمر بالرطب ولفظ الكراهة لا ظهور له في الحرمة وإن ورد أن عليا كان لا يكره الحلال، وفي بعض الروايات أنه عليه السلام لا يكره إلا الحرام، ومع ذلك كله لم يخرج لفظ الكراهة عن ظهوره في المعنى العرفي وهو مطلق المرجوحية وبناء على هذا لا تعارض ولا تنافي في البين كي يحتاج إلى الجمع الدلالي. ثم على تقدير ظهورها في الحرمة يرفع عن ظهورها في الحرمة بنص الطائفة الثانية في الجواز، وهذا جمع عرفي معمول به في المحاورات وعند الفقهاء، ومعلوم أن الجمع الدلالي مقدم على الترجيح السندي، ومعه لا تصل النوبة إليه. وفصل بعض فقال بالمنع في خصوص بيع التمر والرطب أو بالعكس، والجواز في غيره من الرطب واليابس، وذلك لاجل النص في نفس هذا المورد واستظهار عدم العموم للعلة، بل تكون مختصة بنفس المورد. ولعله قال به المحقق، لانه يقول في الشرائع: (4) وفي بيع الرطب بالتمر تردد، والاظهر اختصاصه بالمنع اعتمادا على اشهر الروايتين، ثم يقول في الفرع الثاني: بيع العنب بالزبيب جائز، وقيل لا، اطرادا للعلة، والاول أشبه، وكذا البحث في كل رطب مع يابسه، فهذا القول من عقدين: عدم الجواز في الرطب والتمر، والجواز في سائر موارد

 

(هامش)

 

1. السرائر ج 2، ص 258. 2. كفاية الاحكام ص 98. 3. الحدائق الناضرة ج 19، ص 246. 4. شرائع الاسلام ج 2، ص 40. (*)

 

الرطب واليابس، أما الاول للنص وأما الثاني فلعدم دليل على المنع، وعدم عمومه للعلة، وشمول اطلاقات أدلة صحة البيع له. وهناك تفصيل آخر بعد الفراغ عن القول بالمنع في خصوص الرطب والتمر بين كون الرطوبة ذاتية كرطوبة الفواكه الغضة وكونها عرضية كرطوبة الحنطة المبلولة مثلا، فقالوا بالجواز في الاول لان الرطوبة الذاتية التي في الجسم المرطوب تعد جزءا من ذلك الجسم المرطوب عرفا، بل بالدقة، بخلاف الرطوبة العرضية فانها أجنبية عنه، وأمر خارج عن حقيقة ذلك الجسم المرطوب حقيقة وعرفا، ولا مالية لها كي يكون مجموع المالين بازاء ذلك الآخر، فيخرج عن كونه ربا، بل يكون المبلول وحده من دون بلله عوضا عن الآخر والمفروض أنه وحده متساو معه فيكون من البيع الربوي. وهذان التفصيلان في حد نفسهما وإن كانا لا يخلوان عن حسن، ولكن لا تصل النوبة إليهما إلا بعد الفراغ عن عدم عموم للعلة بالنسبة إلى التفصيل الاول، إذ مع عموم التعليل لا يبقى فرق بين الرطب والتمر وبين سائر الفواكه الرطبة كل واحد منها مع اليابس من جنسه. وأما التفصيل الثاني فمضافا إلى ما تقدم لا يأتي إلا فيما إذا قلنا بأن المعتبر في التساوي وعدم تحقق الربا هو أن يكون التساوي حال وقوع العقد لابقائه إلى الاخر، وإلا لو قلنا بلزوم بقاء التساوي إلى الاخر، فلا يبقى في كلا الشقين فيبطل في كلتا الصورتين، سواء كانت الرطوبة حال وقوع المعاملة ذاتية أو عرضية. هذا مضافا إلى أن الفرق بينهما مبني على كون الرطوبة الذاتية جزءا للمرطوب حقيقة أو عرفا دون الرطوبة العرضية كي تكون التساوي بين العوضين موجودا حال العقد في الاول دون الثاني، وجميع هذه المباني والمقدمات غير ثابت بل معلوم العدم. والانصاف أن هذه الظنون لا يصح أن يبتني ي عليها الاحكام الشرعية، ولا ينبغي

 

ان يعتنى بها فالعمدة في المسألة هو القول المشهور، أي عدم الجواز مطلقا أو الجواز كذلك لدلالة الروايات المتقدمة على المنع، وما ذكروه من أن مفادها الكراهة لا الحرمة غير تام، وإنكار اطراد العلة وعمومها لا وجه له وخلاف المتفاهم العرفي فالاحوط بل الظاهر هو القول المشهور أي المنع مطلقا والله العالم. وخلاصة الكلام أن التفاصيل التي ذكروها في المقام لا أساس لها، وإن كان التفصيل الاول يستظهر من المحقق شيخ الفقهاء في الشرائع، (1) وتقدم نقل عبارته، فيدور بين القول بالمنع مطلقا أو الجواز مطلقا. ولكن لما مجال للقول بالجواز مطلقا إلا بأحد أمرين، وهما إما أن تكون الروايات المانعة غير ظاهرة في الحرمة، بل تكون ظاهرة في الكراهة من جهة اشتمال بعضها على كلمة لا يصلح التي تكون ظاهرة في الكراهة، أو كلمة كره كما في رواية محمد بن قيس التي تقدمت ايضا كذلك، إذ بناء على هذا لا مانع من شمول الاطلاقات وعمومات الصحة للمقام، وإما من جهة الجمع الدلالي بينهما وبين الطائفة الاخرى التي ظاهرها الجواز بحمل الاولى على الكراهة تحكيما للنص على الظاهر. وأنت خبير بعدم صحة كلا الامرين. أما الاول فلان قوله صلى الله عليه وآله فلا اذن، بعد السؤال عن صحة مثل ذلك البيع أو عدم صحته في غاية الظهور في عدم جوازه وفساده وكذلك قوله عليه السلام لا يصلح في الروايات الثلاث، حيث إنه عليه السلام ينفي الصلاحية عن مثل هذا البيع معللا بأن ما هو الرطب ينقص لجفافه فيما بعد، فيخرج عن التساوي مع مقابله وهو شرط في صحة بيع المتجانسين، فبفقده ينتفي الصحة، فيكون نفي الصلاح في مثل هذا المور مع هذا التعليل، ظاهرا في فساد المعاملة، وعدم جوازها، وإن كان في حد نفسه يلائم مع الحرمة

 

(هامش)

 

1. شرائع الاسلام ج 2، ص 40. (*)

 

والكراهة كليهما. نعم ظاهر هذه الروايات لزوم بقاء التساوي في العوضين المتجانسين. وأما الثاني فتقديم الجمع الدلالي على الترجيح السندي بعد الفراغ عن حجيته، بمعنى عدم خروجه عن موضوع الحجية، وأما إذا قلنا بأن موضوع الحجة هو الموثوق المصدر، وإعراض المشهور كان سببا لسلب الوثوق بصدوره وخروجه عما هو موضوع الحجية، فلا يبقى حجة كي تصل النوبة إلى الجمع الدلالي. فمورد هذا الكلام هو أنه لو كان هناك خبران كلاهما مما يوثق بصدورهما، ولم يعرض الاصحاب عن كل واحد منهما، بل بعضهم عملوا بذاك وبعضهم عملوا بهذا وكان لاحدهما مرجح سندي ولكن يمكن الجمع العرفي الدلالي بينهما، ففي مثل هذا المورد يجب الجمع، ولا يجوز الاخذ بذي المزية، وطرح الاخر رأسا. وهذا الذي ذكرنا جار في كثر من موارد الاخبار المتعارضة: منها الاخبار الواردة في نجاسة الكفار مع الواردة في طهارتهم. إذا تأملت فيما ذكرنا فنقول: إعراض المشهور عن الروايات التي لها ظهور في جواز مثل هذا البيع، صار سببا لسلب الوثوق بصدورها، فلا يبقى مجال للجمع الدلالي، هذا مضافا إلى التوجيهات التي ذكروها للروايات المجوزة، تركنا ذكرها لعدم الاحتياج إليها مع ضعف كثير منها. المسألة الثامنة فيما إذا باع أحد المتجانسين الربويين، وفيه خليط بالاخر الخالص، مثل أن باع حنطة فيها خليط بالاخرى الخالصة التي ليس فيها خليط من غير جنسه، فلا يخلو إما أن يكون الخليط قليلا بحيث يتسامح فيه ولا يعتنى به في مقام المعاملة فلا اشكال فيه، لان العوضين بناء على هذا لا يخرجان عن التساوي عرفا فلا رباء، وإما يكون مما لا يتسامح فيه فان لم يكن له مالية فالمعاملة باطلة، لاجل حصول الربا لاجل عدم التساوي بين العوضين، مع أنهما من جنس واحد إذ الخليط لا يقع عوضا لعدم ماليته، والمفروض أن ما فيه الخليط أقل من الاخر بدون الخليط،

 

وبعد حذفه عنه. وأما إن كان له مالية فالمعاملة صحيحة ولا رباء، إذ الخليط يقع بازاء الزيادة التي في الاخر قهرا، وإن لم يكن مقصودا، وذلك لقصد معاوضة المجموع بالمجموع فالخليط أيضا داخل في المجموع الذي قصد. هذا إذا كان الخليط في احدهما وأما إذا كان فيهما وليس له مالية فإذا كان العوضان المتجانسان متساويين مع قطع النظر عن الخليط، فلا اشكال ولا رباء والوجه واضح، وأما إذا لم يكونا متساويين فرباء وباطل، والوجه أيضا واضح. وأما إذا كان لخليط كل واحد منهما مالية، ففيما إذا لم يكن الخليط في كل واحد منهما من جنس المخلوط، فالمعاملة صحيحة، ولا إشكال لوقوع كل واحد من الخليطين مقابل العوض الاخر ولا رباء، وعلى فرض أن يكون مقصود المتعاملين وقوع مجموع الخليط والمخلوط مقابل مجموع الاخر، فلا إشكال لان المجموع من كل واحد منهما ليس من جنس المجموع الاخر فيما إذا كان الخليط في كل واحد منهما من غير جنس الخليط الاخر. ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أنه الخليط إن كان فيهما ولم يكن له مالية، وكان العوضان المتجانسان متساويين مع قطع النظر عن الخليط، فلا إشكال أنه يجب العلم بمقدار الخليط للزوم العلم بتساوي العوضين المتجانسين. المسألة التاسعة قال في الشرائع يجوز بيع درهم ودينار بدينارين ودرهمين ويصرف كل واحد منهما إلى غير جنسه، وكذا لو جعل بدل الدينار والدرهم شيء من المتاع، وكذا مد من تمر ودرهم بمدين أو أمداد ودرهمين أو دراهم. (1) وخلاصة ما ذكره قدس سره في هذه المسألة هو أنه في بيع المتجانسين غير المتساويين إن ضم إلى الناقص شيء آخر له مالية من غير جنسه، كما إذا باع درهما ودينارا بدينارين

 

(هامش)

 

1. شرائع الاسلام ج 2، ص 41. (*)

 

أو باعهما بدرهمين فيجوز مثل هذا البيع ولا رباء إذ يرتفع الرباء بواسطة الضميمة. ففي القرض الاول يقع الدينار مقابل أحد الدينارين، والدرهم مقابل الدينار الاخر، وما قلنا من وقوع كل واحد من الدينار والدرهم في مقابل الزائد الذي من غير جنسه جار فيما إذا كانت الضميمة شيء من المتاع، كأن يبيع درهما ومدا من تمر بمدين أو أمداد، ودرهمين أو دراهم، وكلامنا في صحة هذه المعاملة من ناحية رفع الرباء بواسطة تلك الضميمة، وأما كونها فاسدة من جهة اخرى ككونها سفهية أو من ناحية فقد شرط أو وجود مانع فلسنا في مقام تصحيحها من تلك الجهات. وأما ما يقال من أن مجموع المجانس من ذلك الاخر مع الضميمة ليس مجانسا معه، فبواسطة الضميمة يخرج العوضان عن كونهما متجانسين، ولا يحتاج إلى التكلف: بأن الزيادة في مقابل الضميمة وما عدا الضميمة في مقابل المقدار المساوي معه كيلا أو وزنا من مجانسه. وكذا لا يحتاج إلى القول بأنه فيما إذا كان العوضان مركبا من جنسين يكون كل جنس من كل واحد من العوضين مقابل ما يخالفه من العوض الاخر، مثلا لو باع مدا من تمر ودرهمين بمدين ودرهمين، فيقع المد مقابل درهمين ويقع الدرهمان مقابل مدين، ففيه أن المجموع ليس له وجود غير وجود أجزائه، فلو لم نقل بما ذكرنا لزم الربا في بعض صور المسألة لا محالة. مثلا لو باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين فلو لم يكن الدرهم مقابل المدين والمد مقابل درهمين يكون نصف الدرهمين وهو درهم واحد ونصف المدين وهو مد واحد مقابل نصف المبيع، وهو نصف الدرهم ونصف المد، ومرجع هذا إلى أن درهما واحدا تاما وقع مقابل نصف درهم، ومدا كاملا وقع مقابل نصف، بل من أول الامر درهم ومد

 

وقع مقابل درهم ومد، ودرهم وقع مقابل مد فيما إذا كان قيمة المد والدرهم متساويين، فكل واحد من جزئي المبيع وقع في مقابله ما يساويه من مماثله مع الزيادة من غير مماثله. وأما ما يقال من أن ما قلتم من أن كل واحد من جزئي المبيع يقع في مقابل ما يخالفه في الجنس فلا رباء في البين، هو ليس بمقصود للمتبايعين، بل مقصودهم معاوضة المجموع بالمجموع، والعقود تابعة للقصود. فهذا كلام حق ولذلك نقول صحة هذه المعاملة ليس بمقتضى القواعد، بل من جهة الاجماع والنص. أما الاجماع فادعاه جمع، وقال العلامة في التذكرة (1) في المفروض أي بيع الجنسين المختلفين بأحدهما إذا زاد على ما في المجموع من جنسه بحيث تكون الزيادة في مقابلة المخالف، يجوز عند علمائنا أجمع. وقال في الجواهر في شرح ما نقلنا عن الشرائع بلا خلاف بيننا، (2) والحاصل أن جواز مثل هذه المعاملة اتفاقي بين الامامية وحكى في التذكرة (3) عن أبي حنيفة أيضا جواز هذه المعاملة، وقال حتى أن أبا حنيفة يقول بجواز بيع دينار في خريطة بمأة دينار. والظاهر أن مراده أن الخريطة تكون في مقابل تسع وتسعين والدينار الذي فيها مقابل دينار فلا يكون رباء في البين، ولكن الاشكال أن الخريطة ربما ليس فيها صلاحية أن تقع في مقابل ذلك المبلغ الكثير، ولذلك نشترط في الزيادة أن يكون لها مالية بمقدار يصلح للعوضية.

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1 ص 483. 2. جواهر الكلام ج 23، ص 391. 3. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 483. (*)

 

وأما النصوص الواردة في المقام: فمنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها: فقلت له أشترى ألف درهم ودينار بألفي درهم؟ فقال عليه السلام لا بأس بذلك، إن أبي عليه السلام كان أجرء على أهل المدينة مني، وكان يقول هذا، فيقولون: إنما هذا الفرار: لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، وكان عليه السلام يقول لهم: نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال. (1) ومنها ايضا عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان محمد ابن المنكدر يقول لابي عليه السلام: يا أبا جعفر رحمك الله والله إنا لنعلم أنك لو اخذت دينارا والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته، وما هذا إلا فرارا، فكان أبي عليه السلام يقول: صدقت والله، ولكن فرار من باطل إلى حق. (2) ومنها عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل يأتي بالدراهم إلى الصيرفي: فيقول له: آخذ منك المأة بمأة وعشرين وعشرين أو بمأة وخمسة حتى يراوضه على الذي يريد، فإذا فرغ جعل مكان الدراهم الزيادة دينارا أو ذهبا ثم قال قد زادت البيع وإنما ابايعك على هذا، لان الاول لا يصلح أو لم يقل ذلك، وجعل ذهبا مكان الدراهم، فقال إذا كان آخر البيع على الحلال فلا بأس بذلك، قلت فان جعل مكان الذهب فلوسا: قال ما أدري ما الفلوس. (3) ومنها ما عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بألف درهم ودرهم

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 246، باب الصروف، ح 9، وسائل الشيعة ج 12، ص 466، أبواب الصرف، باب 6، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 247، باب الصرف، ح 10، وسائل الشيعة ج 12، ص 467، أبواب الصرف، باب 6، ح 2. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 105، ح 449، باب بيع الواحد بالاثنين... ح 55، وسائل الشيعة ج 12، ص 4 67، أبواب الصرف، باب 6، ح 3. (*)

 

بالف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس. (1) فهذه الروايات لها دلالات واضحة على صحة هذه المعاملة وعدم الاشكال فيها فهذا حكم تعبدي من قبل الشارع. المسألة العاشرة في أنه لو خرجت الضميمة التي ذكرناها في المسألة السابقة عن ملك البايع بواسطة تلفها قبل قبض المشتري، أو كانت مما لا يجوز للبايع التصرف فيها لكونها ملكا للغير، أو كانت متعلقة لحق الغير، فها هنا فرعان الاول كونها مستحقة للغير، الثاني تلفها قبل القبض. أما الاول فان أجاز صاحب الحق فلا إشكال وأما إن لم يجز فلا شبهة في بطلان المعاملة بالنسبة إليها، فان حصل الربا في الباقي وذلك كما إذا باع مدا من التمر ودرهما بمدين منه ودرهمين، فظهر أن درهما معينا منهما ملك لغير البايع أو مرهون عند غيره ولم يجز المالك أو صاحب الحق، فيبطل المعاملة بالنسبة إلى ذلك الدرهم. فان قلنا انه يسقط من الثمن بمقدار ما يقابله واقعا وهو مثله أي أحد الدرهمين فيبقى درهم ومدان مقابل مد واحد، ولا شك في كون الباقي بناء على هذا معاملة ربوية. وأما إذا قلنا ان الثمن يسقط بالنسبة، وفرضنا أن قيمة المد درهم واحد، فيكون مقابل الدرهم الذي ليس للبايع التصرف فيه مد ودرهم، ويبقى للمد الباقي من المبيع مد ودرهم، فأيضا يحصل الربا وفي كلتا الصورتين تبطل المعاملة من أول الامر، لانه

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 7، ص 106، ح 456، باب بيع الواحد بالاثنين... ح 62، وسائل الشيعة ج 12، ص 468، أبواب الصرف، باب 6، ح 4. (*)

 

في الحقيقة من أول الامر باع في المفروض مدا من التمر إما بمدين ودرهم، وإما بمد ودرهم. وأما إن لم يحصل الربا كما أنه لو باع درهما ومدا بمدين فظهر ان الدرهم المبيع ملك الغير أو متعلق حق الغير، وفرضنا أن المد يساوي درهما فها هنا بعد بطلان المعاملة وإسقاط ما يقابل الدرهم المبيع من الثمن أو إسقاط ما هو قيمته الواقعية لذلك الدرهم الذي ليس ملكا للبايع أو يكون متعلقا لحق الغير يبقى مد أو درهم مقابل المد الباقي فلا رباء ولا بطلان للمعاملة نعم يأتي خيار تبعض الصفقة للمشتري. هذا هو الظاهر، ولكن يمكن تصحيح المعاملة في الفرض الاول بشكل لا يأتي فيها الربا، بأن يقال باسقاط نصف الدرهم من الثمن مقابل نصف الدرهم من الدرهم المبيع، ومد ونصف مد من الثمن مقابل النصف الاخر من الدرهم المبيع، فيبقى من الثمن درهم ونصف مع نصف مد مقابل مد من المبيع فيكون الدرهم ونصف الدرهم الباقي من الثمن مقابل نصف المد من المبيع ونصف المد الباقي من الثمن مقابل ما يساويه من المبيع. ولكن فيه أولا أن هذه المعاملة من اول الامر وقعت باطلة وربوية، فلا يبقى مجال لتصحيحها بما ذكر، وثانيا هذا الترتيب الذي ذكرنا لخروجها عن كونها ربوية أجنبي عما قصده المتبايعان، والعقود تابعة للقصود، ولا ضرورة توجب الالتزام بما ذكر على خلاف ما قصد. وأما الثاني أي تلف الضميمة قبل أن يقبضها المشتري، وحيث إن المعاملة وقعت صحيحة من أول الامر، فيمكن ان يقال بعدم شمول ادلة حرمة الربا لمثل هذا الرباء الحادث بعد وقوع المعاملة صحيحة وانصرافها عنه، ويمكن أن يصحح بما تقدم في الفرع الاول، ولا يأتي الاشكال الذي تقدم هاهنا

 

لان المعاملة هاهنا وقعت صحيحة فما ذكرنا يكون لابقاء الصحة. ولكن الانصاف أن هذا القسم من التصحيح خلاف ما قصده المتعاملان، وتقدم في المسألة السابقة أن القول بالصحة من جهة التعبد للنص والاجماع، وإلا فمقتضى القواعد هو البطلان، فلابد من القول بالبطلان ان قلنا بشمول ادلة حرمة الربا للمقام وأما إن قلنا بالانصراف وعدم الشموم فالمعاملة صحيحة بلا كلام، والقول بعدم شمول أدلة حرمة الربا لمثل المورد لا يخلو عن قوة. هذه الفروع كلها كانت راجعة إلى الشرط الاول أي اتحاد الجنس في الثمن والمثمن. وأما القسم الثاني أي الفروع الراجعة إلى الشرط الثاني اي كونهما مكيلا أو موزونا فأيضا نذكرها في ضمن مسائل. المسألة الاولى إذا كان جنس قد يباع بالوزن وقد يباع بالعدو أو في بلد أو في زمان بأحدهما وفي الاخر بالاخر، فالظاهر أن حرمة التفاضل منوط بوقوع المعاملة بالوزن أو كيلا وأما لو بيع عددا أو كان في بلد أو زمان يباع عددا فلا حرمة إن كان بيع عددا. وذلك من جهة أن حكم الحرمة على عنوان ما يباع كيلا أو وزنا على نحو القضية الحقيقية، فكل وقت تحقق هذا العنوان يتحقق الحرمة، لعدم تخلف الحكم عن موضوعه اللهم إلا أن يقال إن عنوان الموضوع في قوله عليه السلام إلا فيما يكال أو يوزن هو أن يكون نوع معاملاته بالوزن أو الكيل فوقوعه في بعض الاحيان أو في بعض البلدان أو الازمان بالعد لا ينافي وجود موضوع الحرمة، لان هذا المقدار القليل

 

وقوعها بالعد لا يضر بكونه مما يكال أو يوزن عند العرف. نعم لو كان في بلد أو في زمان نوع أهل ذلك البلد أو أهل ذلك الزمان يبيعونه بالعد فلا يصدق أنه مما يكال أو يوزن عندهم، فالمدار على نوعية بيعه بالوزن أو الكيل، ويؤيد هذا المعنى بل يدل عليه مرسل علي بن إبراهيم: لا ينظر فيما يكال أو يوزن إلا إلى العامة، ولا يؤخذ بالخاصة. (1) المسألة الثانية إذا شك في صدق المكيل والموزون على جنس ولم يحرز أنه منهما أو من غيرهما لعدم ضبط حدود مفهوميهما، فمقتضى عمومات صحة البيع وحليته عدم حرمة التفاضل في مثل ذلك الجنس، إذا بيع بمثله، لان الخارج عن تحت العمومات هو المكيل والموزون، فإذا شككنا في خروجه عنها نتمسك باصالة العموم، لان الشبهة مفهومية لا مصداقية، والمسألة محررة في الاصول، وكذلك الامر في صورة الشك في اتحاد الجنس فيما لم يكن دليل وأمارة يثبت الاتحاد حكما أو موضوعا، وأما أصالة عدم ترتب الاثر على مثل تلك المعاملة المعبر عنها بأصالة الفساد فهو محكوم بالعمومات، نعم لو كانت الشبهة مصداقية لا يمكن التمسك بالعمومات لما حققناه في كتابنا منتهى الاصول. (2) المسألة الثالثة قد ذكرنا في بعض المسائل السابقة أن فروع الاصل الواحد كل واحد مع الاخر وجميعها مع ذلك الاصل، في حكم متحدي الجنسين، لا يجوز بيع بعضها ببعض مع التفاضل، ولكن إذا اختلف الفرع مع الاصل بأن يكون أحدهما من

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5 ص 192، باب فيه جملمن المعاوضات، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 435، أبواب الربا، باب 6، ح 6. 2. منتهى الاصول ج 1، ص 449. (*)

 

المكيل أو الموزون والاخر من غيرهما، فيختلف حكمهما حسب اختلاف عناوينهما. فيجوز بيع الجوز بمثله مع التفاضل لانه معدود، ولا يجوز بيع دهنه بالتفاضل، لانه موزون فيختلف حكم الفرع والاصل وكذلك لا يجوز بيع القطن والغزل بمثلهما مع التفاضل، لانهما من الموزون ولكن الثياب المنسوج منهما يجوز بيعها مع التفاضل، لانها ليست من الموزون فاختلف حكم الاصل والفرع. والسر في ذلك أن الفرع داخل تحت عنوان والاصل تحت عنوان آخر والعنوانان مختلفان في الحكم من حيث دخول الربا وعدم دخوله. المسألة الرابعة هل يجوز بيع المكيل موزونا وبالعكس ام لا؟ فيه خلاف، والبحث في هذه المسألة تارة في جواز البيع من ناحية لزوم الغرر، واخرى من ناحية دخول الربا إذا كان العوضان من جنس واحد. اما البحث من الجهة الاولى أي من ناحية لزوم الغرر الذي يكون منهيا ففيه أقوال: قول بعدم الجواز مطلقا، وقول بالجواز مطلقا، وقول بالتفصيل أي جواز بيع المكيل موزونا دون العكس. وذلك من جهة ان اعتبار الكيل في المكيل أو الوزن في الموزون لاجل ارتفاع الغرر والجهالة والعلم بمقدار العوضين، وفي هذه الجهة ربما يكون الوزن أضبط وارتفاع الغرر والجهالة به أوضح وأجلى، حتى قيل إن الاصل في تعيين العوضين في أبواب المعاوضات التي من المكيل أو الموزون هو الوزن، والكيل أمارة عليه. والتحقيق في هذا المقام هو أن اعتبار الكيل في المكيل والوزن في الموزون إن كان من جهة ارتفاع الغرر بهما وعدم كون البيع جزافا كما هو الظاهر، فلا يبعد صحة

 

بيع المكيل موزونا إذ ارتفاع الغرر بالوزن أوضح، ومعرفة المقدار به أدق، وأما ما يقال من أن الوزن يعين وأما ما يقال من أن الوزن يعين المقدار من حيث الثقل والخفة والكيل من حيث الابعاد، فلا يقاس أحدهما بالاخر، فانه وإن كان صحيحا لكن عمدة النظر في غالب أفراد المبيع: المكيل والموزون عند العرف والعقلاء إلى معرفة مقدارها من حيث الوزن والثقل لا الابعاد. نعم إذا كان الغرض في مورد يتعلق بالمبيع من حيث حجمه وابعاده دون ثقله ففي ذلك السنخ من المبيع لا يبعد أن يكون المناط في رفع الغرر والجهالة هو الكيل دون الوزن إذا كان مما يكال كما أنه إذا كان الكيل أمارة على الوزن فيرتفع الغرر بالكيل، وإن كان موزونا، فيكفي الكيل في صحة المعاملة. ويدل على ذلك أيضا رواية عبد الملك بن عمرو: قلت أشترى مأة راوية من زيت فاعترض رواية أو اثنتين فأتزنها ثم آخذ سائره على قدر ذلك؟ قال عليه السلام لا بأس (1) ولكن هذا في الحقيقة يرجع إلى معرفة المقدار بالوزن لا الكيل. والحاصل أن تعيين المقدار ومعرفته بالوزن يكفي في صحة البيع، وإن لم يكن المبيع مما يوزن، ولذلك ترى أن الحنطة والشعير مع انهما من المكيل في زمن الشارع إجماعا يجوز بيعهما بالوزن، وفي الجواهر (2) الاجماع أيضا على صحة بيعهما بالوزن. وقال العلامة في التذكرة إنه لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا وكذا لا يجوز بيعه مكيلا إلا إذا علم عدم التفاوت فيه، وكذا المكيل لا يجوز بيعه جزافا ولا موزونا إلا مع العلم بعدم التفاوت (3)، وقد عرفت ما هو الحق في المقام. هذا كله كان من ناحية الغرر

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 194، باب بيع العدد والمجازفة والشئ المبهم، ح 7، الفقيه ج 3، ص 226، باب البيوع، ح 3836، وسائل الشيعة ج 12، ص 255، أبواب عقد البيع وشروطه باب 5، ح 1. 2. جواهر الكلام ج 23، ص 373. 3. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 483. (*)

 

وأما البحث من ناحية دخول الربا فالعبارات الواردة في بيع المتجانسين وصحته وعدم كونه ربا على أقسام: تارة بأن يكون مثلا بمثل كما في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له ما تقول في البر بالسويق؟ فقال: مثلا بمثل لا بأس (1) وبهذا المضمون روايات كثيرة. واخرى أن يكون رأسا برأس كما في رواية صفوان عن رجل من أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الحنطة والدقيق لا بأس به رأسا برأس. (2) وثالثة أن يكون العوضان سواء كما في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحنطة بالدقيق؟ فقال: إذا كان سواء فلا بأس. (3) ففي صحة بيع المتجانسين وعدم تحقق الربا لابد من صدق أحد هذه العناوين الثلاث عرفا فنقول: العوضان اللذان من جنس واحد أو كانا في حكم الجنس الواحد كفروع الاصل الواحد بعضها بالنسبة إلى البعض كالخبز بالنسبة إلى السويق أو جميعها بالنسبة إلى ذلك الاصل كالخبز بالنسبة إلى الحنطة مثلا أو الشيرج بالنسبة إلى التمر أو العنب مثلا فاما أن يكون كلاهما من الموزون أو كلاهما من المكيل، أو يكونان من المختلفين. فالاول كالحنطة والشعير مثلا، والثاني كالدقيق بالدقيق، والثالث كالحنطة

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 189، باب المعاوضة في الطعام، ح 9، وسائل الشيعة ج 12، ص 440، أبواب الربا، باب 9، ح 1. 2. تهذيب الاحكام ج 7، ص 95، ح 403، باب بيع الواحد بالاثنين..، ح 9، وسائل الشيعة ج 12، ص 440، أبواب الربا، باب 9، ح 5. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 95، 407، باب بيع الواحد بالاثنين... ح 13، وسائل الشيعة ج 12، ص 441، أبواب الربا، باب 9، ح 6. (*)

 

بالدقيق. اما الاول فلا شك في أنه إذا باع منا من الحنطة بمن منها يصدق العناوين الثلاثة أي مثلا بمثل، وكذلك رأسا برأس وكذلك كونهما سواء، وهناك في بعض روايات باب الصرف (1) علق عليه السلام صحة بيع الورق بالورق والذهب بالذهب بكونه وزنا بوزن، وبأن لا يكون فيه زيادة ونقصان. فإذا كان المراد من بيع الورق بالورق والذهب بالذهب بيع المتجانسين، وذكر الذهب والورق من باب المثال، فأيضا يصدق فيما ذكرنا من المثال أنه بيع مثلا بمثل وبلا زيادة ولا نقصان أي من حيث الوزن ففيما إذا كان العوضان من الموزون لا شك في صحة بيعهما موزونا لصدق جميع العناوين الخمسة. وأما بيعهما بالكيل فلا يخلو من اشكال إذا كان بينهما تفاوت بحسب الوزن كما أنه لو باع التمر بالدبس منه متساويا كيلا فالتمر والدبس منه كلاهما من الموزون فإذا بيع أحدهما بالاخر كيلا متساويا يكونان متفاوتين بحسب الوزن لان الكيل من الدبس اثقل من نفس ذلك الكيل من التمر فلا يصدق على مثل ذلك البيع أن العوضين المتجانسين متساويان بلا زيادة ولا نقصان. وذلك من جهة أن العرف يفهم من التساوي فيما يباع عندهم بالوزن التساوي في الوزن لا التساوي كيلا ومن قوله عليه السلام بلا زيادة ولا نقصان عدمهما بحسب الوزن وهكذا قوله عليه السلام في الموزون مثلا بمثل يفهم المثلية بحسب الوزن، وكذلك قوله عليه السلام رأسا برأس وأما قوله عليه السلام وزنا بوزن فصريح في ذلك. نعم لو لم يكن بينهما تفاوت بحسب الوزن فلا يأتي هذا الاشكال كما أنه إذا كان الكيل أمارة على الوزن فأيضا لا يأتي هذا الاشكال كما أنه لو وزن كيلا ويعطى الباقي بذلك الحساب كما تقدم في رواية عبد الملك بن عمرو.

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 12، ص 456، أبواب الصرف، باب 1، ح 3 و 4. (*)

 

وأما الثاني أي فيما إذا كانا من المكيل فلا شك في صحة بيعهما كيلا، لان العرف لا يفهم من التساوي إلا التساوي بحسب الكيل وكذلك الكلام في مثلا بمثل ورأسا برأس، وأما قوله عليه السلام وزنا بوزن فهو في مورد الموزون فلا ربط له بمورد كون المبيع مكيلا أصلا، إنما الكلام في صحة بيعهما بالوزن هل يجوز. فقال جماعة نعم لان الوزن أضبط في معرفة التساوي وعدم الزيادة والنقصان الذي هو المناط في عدم تحقق الربا وقد تقدم أنه عليه السلام فسر المثلية بقوله بلا زيادة ولا نقصان، وهو الصحيح، بل ربما يظهر من الشهيد في المسالك (1) دعوى الاجماع على صحة بيع المكيل موزونا حيث قال كما في الجواهر حكاية عن المسالك: ونقل بعضهم الاجماع على جواز بيع الحنطة والشعير وزنا مع الاجماع على كونهما مكيلين في عهده صلى الله عليه وآله. (2) ولكن ظاهر هذا الاجماع على جواز بيع المكيل موزونا على تقدير ثبوته هو في خصوص ارتفاع الغرر بالوزن وخروج المعاملة عن كونها جزافا، فلا ينافي عدم صحة بيع المكيل موزونا مثلا بمثل من ناحية الربا، لعدم صدق التساوي عرفا فيما إذا بيع العوضان من المكيل بالتساوي وزنا. فالاوجه في وجه الصحة ما ذكرنا من أن المراد بقوله عليه السلام مثلا بمثل أو رأسا برأس أو غيرهما من العناوين التي ذكرناها، هو عدم زيادة أحد العوضين على الاخر حيث إن هذا هو المناط في باب الربا ثبوتا وعدما فبثبوتها يثبت الربا وبعدمها يرتفع، ولا شك في أن التساوي بحسب الوزن أدل على عدم تحقق الزيادة والنقصان من التساوي بحسب الكيل حتى فيما يكال عند العرف.

 

(هامش)

 

1. مسالك الافهام ج 3، ص 317. 2. جواهر الكلام ج 23، ص 374. (*)

 

وأما الثالث أي فيما إذا كان احد العوضين من المكيل والاخر من الموزون كالحنطة مع الدقيق، بناء على أن الحنطة من الموزون والدقيق من المكيل فبناء على ما ذكرنا من صحة بيع المكيل بالوزن جواز بيعهما متساويا بالوزن لما ذكرنا من أن الوزن أضبط وأدل في معرفة عدم الزيادة والنقصان الذي هو المناط في جواز بيع المتجانسين أحدهما بالاخر وزنا بوزن ومثلا بمثل، وأما كيلا فلا يخلو من اشكال. وأما قياس بيعهما من حيث لزوم الربا على بيعهما من حيث الغرر، بأن يقال انه كما يرتفع الغرر بكل واحد من الكيل والوزن فكذلك التساوي يحصل بكل واحد من الكيل والوزن، ففي غير محله، وذلك من جهة اختلاف الموضوع في المسألتين. فالموضوع في جواز البيع في باب الغرر هو ارتفاع الغرر والجهالة، وعدم كونه جزافا، والموضوع في باب الربا هو كون العوضين في متحدي الجنسين أو ما كان في حكم متحدي الجنسين متساويين بلا زيادة ولا نقصان فيمكن القول بارتفاع الغرر بكل واحد من الكيل والوزن وأما التساوي وكونهما مثلا بمثل لا يتحقق في الموزون إلا بالوزن وفي المكيل إلا بالكيل، وفيما كان أحدهما مكيلا والاخر موزونا لا يحصل بكل واحد منهما. فلابد من علاج آخر لتصحيح بيعهما، وهو أن يبيع كل واحد منهما بما هو من سنخه، فالمكيل بالمكيل كيلا والموزون بالموزون وزنا، أو يباع كل واحد منهما بغير جنسه كي يخرج عن موضوع الربا. المسألة الخامسة إذا كان البيع في شيء مختلفا بحسب الحالات فيباع في حال بمشاهدة وفي حال بالوزن، وذلك ما في بيع الاثمار، فما دام الثمر على الشجر يباع بالمشاهدة ولكن بعد الانفصال يباع وزنا أو كيلا مثل التمر والعنب وغيرهما، فالظاهر أنه في كل حال يلحقه حكم ذلك الحال، فإذا بيع أو صولح عليه في حال كونه على الشجر لا يدخل فيه الربا لعدم كونه مكيلا أو موزونا وأما بعد الانفصال يدخل فيه

 

لتحقق موضوعه، وهو كونه مكيلا أو موزونا. هذا فيما إذا كان الاختلاف بحسب الاحوال، أما فيما إذا كان الاختلاف بحسب نوع المعاملة، فما إذا بيع لا يباع إلا مكيلا أو موزونا، وأما الصلح فيقع عليه بالمشاهدة كما إذا قلنا بصحة الصلح على صبرة من الحنطة أو الشعير من دون أن يكال أو يوزن، فالظاهر دخول الربا حتى في ذلك النوع الذي لا يكال ولا يوزن، بل يكفي المشاهدة في صحة وقوع الصلح عليه. فلو أراد أن يصالح على صبرة من الحنطة أو الشعير أو غيرهما بصبرة اخرى من جنسه فلا بد وأن يكونا متساويين وإلا يكون من الربا المحرم لتحقق موضوعه، وهو نقل أحد متحدي الجنسين بعوض الاخر إلى الاخر مع أنهما من المكيل أو الموزون بدون أن يكونا متساويين ومثلا بمثل. المسألة السادسة إذا كان شيء يباع بكل من الوزن والعد فإذا كان باختلاف الازمنة أو الامكنة: مثلا يباع في بلد أو زمان بالوزن وفي بلد أو زمان آخر بالعد ففي كل زمان أو مكان يلحقه حكم ذلك الزمان أو ذلك المكان، والوجه واضح. وأما لو كان في زمان واحد أو مكان كذلك يختلف بحسب اشخاص المعاملات، فقد يكون بيعه بالعد وقد يكون بالوزن، فان كان الغالب هو الوزن بحيث يصدق عند العرف أنه موزون، فيدخل فيه الربا لشمول الاطلاقات له، للزوم حملها على المعنى العرفي، وكذلك الامر لو كان الغالب هو العد، وأما لو لم تكن غلبة في البين وصار موردا للشك فيمكن أن يقال إذا بيع بالوزن فيدخل فيه الربا وإن بيع بالعد فلا. ولكن التحقيق أن موضوع الحرمة وفساد المعاملة هو كون العوضين المتفاضلين المتحدي الجنسين من المكيل أو الموزون فلابد من إحراز الموضوع لاثبات هذا الحكم، وإلا فمع الشك في كونه مكيلا أو موزونا، فلا يثبت، نعم التمسك باطلاقات أدلة

 

صحة البيع وغيره من المعاملات لصحة مثل هذه المعاملة يكون من التمسك بعموم العام أو إطلاق المطلق في الشبهات المصداقية، فالاحوط مراعات التساوي كيلا أو وزنا في مثل هذه المعاملة إذا كان العوضان من متحدي الجنسين. المسألة السابعة الاوراق المالية المتعارفة الآن في الاسواق التي عليها مدار المعاملات من أي قسم كانت، وبأي اسم سميت، دينار أو اسكناسا أو نوطا أو ريالا أو ليرة أو غير ذلك حيث إنها ليست من المكيل ولا الموزون، فلا يدخل فيها الربا، وليست معرفا وأمارة على مقدار من الذهب المسكوك أو الفضة المسكوكة، وإن كانت في بعض الازمنة السابقة كذلك، بل هي بنفسها تكون أموالا بواسطة اعتبارها من الذين بيدهم الاعتبار. فلا يجري عليها أحكام النقدين من لزوم القبض في المجلس إذا وقعت المعاملة بينها بعضها ببعض ولا زكوة فيها ولا يدخل فيها الربا. المسألة الثامنة إذا لم يكن الشيء من المكيل ولا من الموزون، فيجوز أن يبيع شاة بشاتين أو يبيع شاة ليس في بطنها شيء بالشاة التي حامل وفي بطنها شيء، أو الشاة التي في ضرعها حليب بالتي ليس في ضرعها حليب، كما أنه يجوز بيعها بنفس الحليب والبعير بالبعيرين والثوب بالثوبين وإن كانا من جنس واحد. وكذلك يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة كذلك أو خالية عنها كما يجوز بيعها بنفس البيضة ويجوز بيع نخلة فيها ثمرة بالتي ليست فيها ثمرة وايضا بنفس الثمرة وكتاب بكتابين وفرش بفرشين وجميع ما ذكرناه وما لم نذكره من هذا القبيل من بيع واحد باثنين أو أكثر لا مانع فيه من اجل عدم كونه مكيلا أو موزونا، كي يدخل فيه الربا. المسألة التاسعة لو كان جنس بعضه جيد وبعضه ردئ مثلا كان وزنه من الارز نصفه من العنبر الغالي قيمته وهو لشخص ونصفه الآخر من صنف آخر رخيص، وكان هذا النصف لشخص آخر فالمالكان باعا المجموع بوزنة من الصنف

 

الجيد، فان تبانيا على أن يكون عوض مالهما لكل واحد منهما بمقدار نفس ماله فلا إشكال، إذ لا يكون رباء في البين، وأما لو تبانيا على أن يكون عوض مالهما لكل منهما بنسبة قيمة ماله إلى الثمن، كما لو تباينا على ان يكون ثلثي الثمن لمالك النصف الجيد والثلث الباقي لمالك النصف الردي فالمعاملة باطلة قطعا لكونها رباء. وأما لو أطلقا ولم يكن تبان بينهما، فربما يتولد إشكال في الين، وهو أن كل واحد من المالكين للمبيع يملك من الثمن بنسبة قيمة ماله لا بنسبة مقداره وكمه، فإذا كان قيمة النصف الجيد ضعف قيمة النصف الردى فيملك مالك النصف الجيد ثلثي الثمن ومالك النصف الردي ثلثا من تلك الوزنة التي هي ثمن للنصفين فتكون المعاملة باطلة لكونها رباء، فيكون الاطلاق كالتصريح بأن يكون ثلثي الثمن لمالك النصف الجيد الذي قلنا فيه ببطلان المعاملة، لكونا رباء. اللهم إلا أن يقال بأن ظاهر بيع مجموع النصفين بالوزنة الجيدة هو اشتراكهما في الثمن بالسوية، من حيث المقدار، وبعبارة اخرى حيث إن كل واحد منهما مالك لنصف المبيع فبواسطة البيع يصير مالكا لنصف الثمن. ولكن فيه أنه لو فرضنا أن الثمن في نفس المفروض ليس من جنس المثمن، فبناء المعاملات على أن كل واحد من المالكين لنصف مقدار المبيع يملك من الثمن بنسبة قيمة ما يملكه من المبيع، لا بنسبة مقداره، ولذلك ترى في باب تبعض الصفقة لو باع شخص وزنتين من الحنطة إحداهما جيدة واخرى رديئة وفرضنا أن قيمة الجيدة ضعف الرديئة بستة دنانير، فظهر أن الجيدة ملك لغير البايع ولم يجز المعاملة صاحب الجيدة فلا يملك مالك الرديئة إلا دينارين من الثمن، ويسترد الاربعة منه إن كان قبض الكل. فالانصاف أن المعاملة المفروضة في هذه المسألة في صورة الاطلاق كالصورة التي يصرح مالك الجيدة بأن يكون له من الثمن أزيد من النصف باطلة، لكونها رباء

 

وذلك لاجل أن المعاملة في المفروض وفي امثاله وفي باب تبعض الصفقة تنحل إلى معاملتين وفي كل واحد منهما المبيع غير المبيع في الاخر، فلكل واحد منهما من الثمن ما يقابل قيمته لا كميته. هذا كله فيما إذا لم يحصل الاشتراك في المبيع بين النصفين بواسطة الاختلاط أو الامتزاج، وإلا فإذا حصل الاشتراك في المبيع قبل البيع بواسطة الاختلاط فبناء على ما هو الصحيح من كون الاشتراك بنسبة مالية المختلفين لا بنسبة كميهما، فلا يبقى إشكال في البين، ولا يأتي الربا في البيع المذكور لانه بناء على هذا مالك النصف الجيد من المبيع يملك ثلثي المبيع بواسطة اختلاط ماله الجيد، مع المال الردي الذي لشريكه، فكون ثلثي الثمن له في المفروض يكون على القاعدة. نعم يأتي كلام في نفس الاشتراك بنسبة مالية ماليهما لا كميهما وأنه بناء على على ان يكون الاشتراك معاوضة وبناء على إتيان الربا في جميع المعاوضات حتى المعاوضات القهرية، فيكون للاشتراك بالنحو المذكور ربا مردوعا من قبل الشارع، فلابد من القول بعدم كون نتيجة الاشتراك بين المالين الجيد والردي إذا كانا من جنس واحد أو إذا كانا في حكم جنس واحد وهو الاشتراك، بنسبة مالية المالين وقيمتهما وعلى كل حال محل هذا البحث ليس هاهنا وموكول إلى كتاب الشركة. المسألة العاشرة الظاهر أن المعاملة الربوية حرام وفاسدة بتمامها، فلا يملك البايع مثلا شيئا من الثمن ولا المشتري شيئا من المثمن، لا أن الحرمة أو الفساد مخصوص بالمقدار الزائد على أحد العوضين وذلك لوجوه: الاول أن ظاهر قوله تعالى أحل الله البيع وحرم الربا (1) تقسيم المعاملات على قسمين في متحدي الجنسين أحدهما أن لا تكون لاحد العوضين زيادة على

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 275. (*)

 

الاخر وهو حلال وصحيح، الثاني أن تكون المعاملة مشتملة على زيادة في أحدهما جزءا أو شرطا وهو حرام وباطل، ومعلوم أن المعاملة إذا كانت فاسدة فلا ينتقل شيء من العوضين إلى صاحب العوض الاخر، بل يبقى كل واحد منهما بتمامه في ملك من كان له قبل وقوع هذه المعاملة الفاسدة، وهكذا فسر الاية الشريفة في مجمع البيان وقال أي أحل الله البيع الذي لا رباء فيه وحرم البيع الذي فيه الربا. (1) الثاني ما قررنا وأثبتنا في إحدى قواعد هذا الكتاب أن العقود تابعة للقصود، إذ لا شك في أن المتعاملين قصدا انتقال العوض المشتمل على الزيادة جزءا أو شرطا إلى الطرف المقابل بعوض ما ينتقل منه إليه، فلو قيل: إن ما انتقل إليه هو العوض بدون تلك الزيادة فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، ويخالف هذا تبعية العقود للقصود. ولا يأتي هاهنا ما يقال في باب تبعض الصفقة من جهة أنه هناك يمكن القول بل لابد منه بأن العقد الواحد ينحل إلى عقدين كلاهما مقصودان، غاية الامر أن شرائط الصحة في احدهما موجودة دون الاخر وأما في المقام، القول بالانحلال لا معنى له، إذ ليس في مقابل الزيادة شيء كي يقال إنه عقد آخر الثالث الاخبار فان ظاهرها بطلان المعاملة الربوية وفسادها لا عدم انتقال الزائد فقط إلى صاحب العوض الآخر منها قوله عليه السلام: لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب فإذا يبس نقص، (2) وقوله عليه السلام وقد سئل عن العنب بالزبيب قال لا يصلح إلا مثلا بمثل، (3)

 

(هامش)

 

1. مجمع البيان ج 1، ص 389. 2. الكافي ج 5 ص 189، باب المعاوضة في الطعام، ح 12، تهذيب الاحكام ج 7، ص 94، ح 398، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 4 الاستبصار ج 3، ص 93، ح 314، باب بيع الرطب بالتمر، ح 2، وسائل الشيعة ج 12، ص 445، أبواب الربا، باب 14، ح 1. 3. الكافي ج 5، ص 190، باب المعاوضة في الطعام، ح 16، تهذيب الاحكام ج 7، ص 97، ح 417، باب (*)

 

وبهذا المضمون أخبار كثيرة ولا شك في أن ظاهر هذه الاخبار بطلان المعاملة المشتملة على تلك الزيادة للنقص الحاصل فيما بعد. ومنها ما قاله الصادق عليه السلام في رواية سيف التمار أن علي بن أبيطالب عليه السلام كان يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لان تمر المدينة أدونهما ولم يكن علي يكره الحلال، (1) ومعلوم أن ظاهر هذه الرواية أن نفس المعاملة ليست بحلال وفاسد لا الزيادة فقط. ومنها رواية سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال عليه السلام أخبث المكاسب كسب الربا، (2) فجعل عليه السلام المعاملة المشتملة على الزيادة من أخبث المكاسب، ومعلوم أن خبث الكسب ظاهر في فساده وحرمته أي نفس المعاملة لا خصوص الزيادة. ومنها قوله عليه السلام في رواية حماد عن الحبلي عن ابي عبد الله عليه السلام: الزائد والمستزيد في النار، (3) وظاهر هذا الكلام أن كون الزائد والمستزيد أي المتعاملين في النار يكون لاجل معاملتهم فتكون تكون المعاملة التي تكون سببا لدخول النار حراما وفاسدا. وهناك روايات اخر كثيرة لا يشك المتأمل فيها في دلالتها على حرمة المعاملة

 

(هامش)

 

بيع الواحد بالاثنين...، ح 1، الاستبصار ج 3، ص 92، ح 313، باب بيع الرطب بالتمر، ح 1، وسائل الشيعة ج 12، ص 445، أبواب الربا، باب 14، ح 3. 1. الكافي ج 5، ص 188، باب المعاوضة في الطعام، ح 7، وسائل الشيعة ج 12، ص 447، أبواب الربا، باب 15، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 147، باب الربا، ح 12، وسائل الشيعة ج 12، ص 423، أبواب الربا، باب 1، ح 2. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 98، ح 419، باب بيع الواحد بالاثنين...، ح 25، وسائل الشيعة ج 12، ص 456، أبواب الصرف، باب 1، ح 1. (*)

 

الربوية لا الزيادة فقط، وبناء على هذا يكون اصل المعاملة فاسدة، ويكون ما يقبضه البايع فيها من الثمن وكذلك المشتري من المثمن من قبيل المقبوض بالعقد الفاسد، فيجب رده إلى مالكه مع بقائه، ومع تلفه يضمن القابض. نعم مع علم المعطى بفساد المعاملة يمكن أن يقال هو الذي أقدم على إتلاف ماله وهتك احترامه، فلا يضمن القابض. ثم إن ما ذكرنا في وجوب رد ما قبض في المعاملة الربوية هو فيما إذا كان القابض عالما بالحكم والموضوع، وأما إذا كان جاهلا بهما أو باحدهما فسيأتي الكلام فيها. ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان المعاملة الربوية بين أن تكون الزيادة جزء أو شرطا، وما توهم من أنها لو كانت شرطا فيكون البطلان مبتنيا على أن الشرط الفاسد مفسد للعقد واما إذا لم نقل بأن الشرط الفاسد مفسد فلا وجه للقول ببطلان المعاملة لا أساس له: أما لو كان مدرك البطلان هي الآية أو الاخبار، فقد تقدم أن مفادهما هو بطلان البيع الربوي أو مطلق المعاوضات الربوية، سواء كان منشأ كونها ربوية هو زيادة الجزء أو الشرط. وأما لو كان المنشأ هو قاعدة تبعية العقود للقصود، فلا شك أن قصد المتعاملين متعلق بالمبادلة بين العوضين أي متحدي الجنسين مشروطا بذلك الشرط وبعبارة اخرى المبادلة بين العوضين مع الشرط من قبيل بشرط شيء فالمبادلة بين نفس العوضين ليس مقصودا أصلا لان النسبة بين العوضين من دون الشرط وبينهما مع الشرط نسبة المتباينين، إذ هي من قبيل نسبة بشرط لا إلى بشرط شيء، وهما متباينان ولا يقاس ما نحن فيه بمسألة خيار تخلف الشرط، لانه هناك المبيع شخص خارجي قصد نقله إلى المشتري غاية الا أنه التزم بكونه متصفا بصفة كذا، وهذا

 

التزام آخر غير قصد كونه مبيعا ومنقولا إلى الغير فتخلف الشرط أو الوصف هناك لا يوجب عدم قصد نقل ذلك الموجود الخارجي. نعم لو كان المبيع أمرا كليا موصوفا بوصف فذات ذلك الكلي ليس مقصودا ووصفه مقصودا آخر وبعبارة اخرى ليس من قبيل الالتزام في الالتزام، فلو تعذر الوصف يمكن القول بعدم إتيان خيار تخلف الوصف أو الشرط بل تنفسخ المعاملة ويكون من قبيل تعذر نفس المبيع فبناء على هذا في صورة كون الزيادة شرطا يمكن أن يقال بأن ما قصد لم يقع للمنع الشرعي، وما وقع أي انتقال العوضين بدون الشرط لم يكن مقصودا. والفرق بين المقام وبين مورد خيار تخلف الوصف والشرط، هو أنه حيث ان المعاملة وقعت هناك على العين الشخصية، فالقصد تعلق بنقلها على كل حال أي سواء وجد الوصف أو الشرط أو لم يوجد، لان العين الخارجية لا تتغير عما هي عليه بوجود الوصف والشرط، وعدم وجودهما، وأما في المقام فالقصد تعلق بمبادلة شيء بمقداره من جنسه مشروطا بشرط، فإذا لم يوجد الشرط فما هو المقصود لم يقع. نعم ها هنا أيضا لو وقعت المعاوضة بين العينين الشخصيتين المتحدتين في الجنس والمقدار وكانت المعاوضة مشروطة بشرط غير جائز شرعا ولو من جهة كونه رباء فبطلان مثل هذه المعاملة لابد وان يكون مستندا إلى دليل آخر غير تبعية العقود

 

للقصود وهو كما تقدم، الاية والاخبار. المسألة الحادية عشر في انه بعد الفراغ عن بطلان المعاملة الربوية وفسادها هل هو فيما إذا ارتكب متعمدا مع العلم بالحكم والموضوع أم لا بل يكون مطلقا باطلا وان كان جاهلا بالحكم أو الموضوع بل وبهما والفرق بين القولين واضح. ففي الصورة الاولى لو اخذ الربا جهلا بالحكم أو الموضوع أو بكليهما فيكون

 

الزائد ماله ولا يجب رده بالخصوص أو جميع العوض المأخوذ إلى صاحبه لعدم علمه بانه رباء أو انه حرام وان كان يعلم بانه رباء. وهذا بخلاف الصورة الثانية فانه يجب عليه الرد مطلقا وان كان جاهلا باحدهما أو بكليهما. وفي المسألة أقوال: قول بعدم وجوب الرد مطلقا أي سواء كان جاهلا بالحكم أو الموضوع أو بهما فلا يجب رد الزائد أو الجميع مطلقا وفي جميع الصور التي للجهل وهذا القول منقول عن الصدوق والشيخ (1) والشهيد (2) والاردبيلي (3) والحدائق (4) والرياض. وقول بوجوب الرد وبطلان المعاملة مطلقا وانه لا فرق بين صور الجهل حكما أو موضوعا مع العلم فحال الجاهل حال العالم وقول بالتفصيل بين كون ما اخذ رباء موجودا ومعلوما وصاحبه الذي اخذ منه ايضا كذلك موجودا ومعروفا وبين ما لا يكون كذلك بان يكون ما اخذه رباء تالفا ان كان مخلوطا أو ممتزجا غير معلوم أو كان صاحبه الذي اخذ منه غير موجود أو غير معروف ومعلوم فيجب الرد في الاول ولا يجب في الثاني. والقول الاول اي عدم وجوب الرد مطلقا إما لصحة المعاملة الربوية حال الجهل بالحكم أو الموضوع أو الجهل بكليهما كما هو ظاهر كلام القائلين بهذا القول واما تعبدا للاية والرواية مع بطلان المعاملة وفسادها وذهب إلى هذا القول صاحب

 

(هامش)

 

1. النهاية ص 376. 2. الدروس ج 3، ص 299. 3. مجمع الفائدة والبرهان ج 8، ص 489. 4. الحدائق الناضرة ج 20، ص 220. (*)

 

الحدائق (1) وعو عجيب. وحكى احتمال التفصيل بين الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع وايضا بين الجاهل باصل الحكم وبين الجاهل بالخصوصيات والاقوى من هذه الاقوال هو التفصيل بين ما كان المأخوذ رباء معزولا موجودا يعرفه من دون خلطه أو امتزاجه بسائر امواله خصوصا إذا كان صاحبه موجودا ويعرفه فيجب رده عليه وبين ما ليس كذلك فلا يجب رده وحلال اكله. ومدرك هذا التفصيل هو صحيح الحلبي وما رواه أبو الربيع الشامي وإلا فمقتضى القواعد الاولية وأدلة حرمة الربا وبطلان المعاملة الربوية وجوب رد جميع ما اخذه عوض ماله في المعاملة الربوية، لانه مقبوض بالعقد الباطل الفاسد، ولم ينتقل إليه شيء بذلك العقد. فيده على ما قبض يد عادية ويجب رده إلى مالكه إن لم يكن تالفا وكان موجودا وان تلف فهو ضامن لان يده يد ضمان إلا ان يكون هو اقدم على اتلافه وهتك احترام ماله بواسطة علمه بالفساد وإن لم يعرف المالك يكون من قبيل مجهول المالك يجب التصدق عنه باذن الحاكم. وخلاصة الكلام ان ما قبضه من الطرف في المعاملة الربوية يكون من المقبوض بالعقد الفاسد وهو يجري الغصب فيكون القابض ضامنا وادعى الشيخ وفقيه عصره كاشف الغطاء قدهما الاجماع على ضمان القابض (2) وقال ابن ادريس ان البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجرى الغصب في الضمان. (3) هذا حسب القواعد واما مقتضى الروايات الواردة في الباب هو التفصيل الذي

 

(هامش)

 

1. الحدائق الناضره ج 20، ص 220. 2. المكاسب ص 101. 3. السرائر ج 2، ص 326. (*)

 

ذكرناه. منها ما رواه هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يأكل الربا وهو يرى انه له حلال قال لا يضره حتى يصيبه متعمدا فإذا اصابه فهو بالمنزل الذي قال الله عزوجل. (1) ومنها ما رواه الوشاء عن ابي المغرا قال قال أبو عبد الله عليه السلام كل ربا اكله الناس بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة وقال لو ان رجلا ورث من ابيه مالا وقد عرف ان في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله وان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا وايما رجل افاد مالا كثيرا قد اكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد فاراد ان ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف. (2) ومنها ما عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه السلام قال اتى رجل ابي فقال اني ورثت مالا وقد علمت ان صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد عرف ان فيه ربا واستيقن ذلك وليس يطلب لي حلاله لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء اهل العراق واهل الحجاز فقالوا: لا يحل اكله. فقال أبو جعفر عليه السلام ان كنت تعلم بان فيه مالا معروفا ربا وتعرف اهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وان كان مختلطا فكله هنيئا فان المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقى فمن جهم وسع له جهله حتى يعرفه فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا. (3)

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5 ص 144، باب الربا، ج 3، وسائل الشيعة ج 12، ص 430، أبواب الربا، باب 5، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 145، باب الربا، ح 4، وسائل الشيعة ج 12، ص 431، أبواب الربا، باب 5، ح 2. 3. الكافي ج 5 ص 145، باب الربا، ح 5، وسائل الشيعة ج 12، ص 431، أبواب الربا، باب 5، ح 3. (*)

 

ومنها ما رواه أبو الربيع الشامي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أربى بجهالة ثم اراد ان يتركه قال عليه السلام أما ما مضى فله فليتركه فيما يستقبل ثم قال ان رجلا اتى ابا جعفر عليه السلام فقال اني ورثت مالا وذكر الحديث نحوه. (1) ومنها ما رواه محمد بن مسلم قال دخل رجل على ابي جعفر عليه السلام من اهل خراسان قد عمل الربا حتى كثر ماله ثم انه سال الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شيء إلا ان ترده إلى اصحابه فجاء إلى ابي جعفر عليه السلام فقص عليه قصته فقال له ابو جعفر عليه السلام مخرجك من كتاب الله: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره إلى الله (2) والموعظة التوبة. (3) ومنها ما رواه الطبرسي في مجمع البيان عن ابي جعفر عليه السلام قال ان الوليد ابن المغيرة كان يربي في الجاهلية وقد بقى له بقايا على ثقيف واراد خالد بن الوليد المطالبة بعد ان اسلم فنزلت واتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين الايات. (4) ومنها ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى عليه السلام قال سألته عن رجل اكل ربا لا يرى إلا انه حلال قال عليه السلام لا يضره حتى يصيبه متعمدا فهو ربا. (5) ومنها ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن ابيه قال ان رجلا اربى دهرا من الدهر فخرج قاصدا ابا جعفر الجواد عليه السلام فقال له: مخرجك من كتاب الله يقول الله فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف والموعظة هي التوبة: فجهله بتحريمه ثم معرفته به. فما مضى فحلال وما بقى فليستحفظ. (6)

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 146، باب الربا، ح 9، وسائل الشيعة ج 12، ص 432، أبواب الربا، باب 5، ح 4. 2. البقرة (2): 275. 3. تهذيب الاحكام ج 7، ص 15، باب فضل التجارة وآدابها، ح 68، وسائل الشيعة ج 12، ص 430، أبواب الربا، باب 5، ح 1. 4. مجمع البيان ج 1، ص 392، والاية في سورة البقرة (2): 278. 5. مسائل علي بن جعفر ص 147، ح 180، وسائل الشيعة ج 12، ص 433، أبواب الربا، باب 5، ح 9. 6. نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 161، ح 413، وسائل الشيعة ج 12، ص 433، أبواب الربا، (*)

 

وايضا عن ابيه قال قال أبو عبد الله عليه السلام لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن ومن اكله جاهلا بتحريمه [ بتحريم الله ] لم يكن عليه شيء. (1) وبعد التأمل في هذه الاخبار ورد بعضها إلى بعض تكون ظاهرة فيما اخترنا من التفصيل بيان ذلك ان بعض هذه الروايات وان كانت تدل على العفو عما مضى وعدم وجوب غرامته عليه بعد التوبة مطلقا أو فيما إذا كان المرتكب حين ارتكابه جاهلا بتحريمه سواء كانت عين المال الربوي موجودة أو ليست بموجودة وكانت تالفة وسواء كان مشخصا معزولا أو كان مشاعا مخلوطا. ولكن قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي إن كنت تعلم بان فيه مالا معروفا ربا وتعرف اهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وإن كان مختلطا فكله هنيئا فان المال مالك يقيد المطلقات بما إذا كان المال الربوي موجودا معروفا معزولا وتعرف صاحبه ففي هذه الصورة ليس مشمولا لحكم المطلقات من حلية أكله وعدم ضمان عليه، بل يجب رده إلى صاحبه. وهكذا في رواية ابي الربيع الشامي لان سياقها عين سياق صحيحة الحلبي لان فيها ايضا ان كنت تعرف شيئا معزولا وتعرف اهله وتعرف انه ربا فخذ رأس مالك ودع ما سواه إلى آخر الحديث. والحاصل ان صحيحة الحلبي المنقولة بطرق متعددة فرق بين كون المال الربوي معروفا معزولا وبين كونه مشاعا ومخلوطا ففي الاول حكم بوجوب الرد وان كان المرتكب حال ارتكابه جاهلا بالحكم أو الموضوع وفي الثاني حكم بجواز اكله وعدم

 

(هامش)

 

باب 5، ح 10. 1. نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 162، ح 414، وسائل الشيعة ج 12، ص 433، أبواب الربا، باب 5، ح 11. (*)

 

وجوب رده بل هناك قيد آخر وهو ان يعرف اهله اي من اخذ منه الربا اي صاحب الزيادة ومالكه وكذلك الكلام في رواية ابي الربيع الشامي ولا وجه لما ذكروه من حمل الامر على الاستحباب. ولا شك في ان قوله عليه السلام فيما إذا كانت عين الزيادة معلومة مشخصة معزولة مع أنها ملك الغير يقينا خذ رأس مالك ودع ما سواء لا مجال لحمله على الاستحباب إذ وجوب رد المال المعين المشخص للغير مع معلومية ذلك الغير امر عقلي فمع كون الامر من طرف الشارع برده والقول بكون الامر ظاهرا في الوجوب حمل الامر على الاستحباب لا يخلو من غرابة. فالاقوى هو التفصيل الذي ذكرناه بل الاحوط معاملة مجهول المالك معه إذا لم يعرف صاحبه خصوصا إذا كان المال معلوما ومعزولا ولا يكون مختلطا ومشاعا. هذا مفاد الاخبار في المقام واما الآية أي قوله تعالى فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (1) فمع قطع النظر عن استشهاد الامام عليه السلام بها وتطبيقها على موارد مذكورة في الروايات المتقدمة، ففيها احتمالات: الاول لو تاب المرتكب للربا عنه بعد ارتكابه مدة من الزمن سواء كان عالما بتحريمه ام لا ثم عرف فتاب بناء على ان تكون الموعظة بمعنى التوبة كما انها فسر بها في بعض الاخبار (2) فله ما سلف اي الاموال التي اخذها رباء قبل ان يتوب يكون له وحلال له ولا يجب رده إلى صاحبه وان كان المال معلوما معزولا وصاحبه الذي

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 275. 2. مجمع البيان ج 1، ص 392 تفسير العياشي ج 1، ص 152، ح 156، مسائل علي بن جعفر ص 147، ح 180، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 161، ح 413 و 414، وسائل الشيعة ج 12، ص 433، أبواب الربا، باب 5، ح 7، 10 و 12. (*)

 

اخذ منه معروفا غير مجهول. ولكن هذا المعنى والاحتمال مردود اجماعا ومخالف لقوله تعالى وإن تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. (1) الثاني أن يكون المراد من الموعظة التحريم والنهي من قبل الشارع فيكون معنى الاية انه لو ارتكب المعاملات الربوية واخذ الربا قبل ورود النهي وقبل مجئ التحريم فلما ورد النهي من ربه انتهى فله ما أخذ قبلا ولا يجب رد ما اخذ قبلا قبل ورود النهي والتحريم. قال في مجمع البيان في تفسير هذه الجملة من الاية: فله ما اخذ واكل من الربا قبل النهي لا يلزمه رده، ثم قال قال الباقر عليه السلام من ادرك الاسلام وتاب ممن كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف. (2) وبناء على هذين المعنيين لا ربط للآية بمحل كلامنا، لان محل كلامنا هو أنه لو ارتكب الرباء جهلا بالحكم أو الموضوع بعد ورود النهي عن قبل الشارع، فبعدما التفت إلى ان في ماله ربا محرم هل يجب رده إلى مالكه أم لا، وهذا لا ربط له بأحد المعنيين. نعم الآية بحسب الظاهر الاولي ظاهر في المعنى الاول ولكن لابد من التصرف فيه لمناقضته مع قوله تعالى وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وبحسب شان النزول والمورد في الاية التي بعدها يكون ظاهرا في المعنى الثاني، وذلك من جهة أنه روى عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ان الوليد بن المغيرة كان يربى في الجاهلية وقد بقى له بقايا على ثقيف فأراد خالد بن الوليد المطالبة بها بعد أن أسلم فنزلت الآية.

 

(هامش)

 

1. البقرة (2): 279. 2. مجمع البيان ج 1، ص 390. (*)

 

الثالث أن يكون المراد منه ان الذي ارتكب البا جهلا بالحكم أو الموضوع ثم التفت إلى النهي فله ما سلف ولا يجب رد ما ليس بمعزول ولا معلوم أنه ربا، بل كان مخلوطا ومشاعا، فيكون له حلال ويجوز أكله. وهذا المعنى متعين لهذه الآية لاستشهاد الامام عليه السلام بهذه الآية لحلية أكل الربا المتقدم الذي ارتكبه جهلا بالحكم أو الموضوع في الروايات المتعددة حيث قال عليه السلام مخرجك من كتاب الله ثم تلا هذه الآية. ولا يرد على هذا المعنى ما أشكلنا على المعنى الاول من المناقضة مع قوله تعالى وان تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وذلك من جهة ان هذه الاية في مورد الجهل حكما أو موضوعا، واما قوله تعالى وان تبتم فلكم رؤس أموالكم في صورة التعمد والعلم بالحكم والموضوع. وخلاصة القول أن هذه الآية بضميمة استشهاد الامام عليه السلام بها على حلية أكل الربا فيما إذا كان ارتكابه في حال الجهل به حكما أو موضوعا فيما إذا لم يكن المأخوذ رباء معلوما ومعزولا، بل كان مختلطا ومشاعا خصوصا إذا لم يعرف اهله اي صاحب تلك الزيادة تدل على التفصيل الذي اخترناه، فالآية الشريفة كالاخبار المتقدمة دليل على هذا القول. المسألة الثانية عشر إذا تعاملا بين شيئين رطبين متحدي الجنس كالعنب بالعنب أو الرطب بالرطب، مثلا وكانت المعاملة صادرة من الفضول فأجاز الاصيل بعد مدة يبس أحد العوضين ونقص عن وزن ما يقابله إن كانا من الموزون أو عن كيله إن كانا من المكيل، فهل مثل هذه المعاملة صحيحة أو فاسدة؟. لا يبعد ابتناء المسألة على الكشف الحقيقي والنقل، فان قلنا بالاول فالمعاملة صحيحة، وإن قلنا بالنقل تكون فاسدة لكونها من الربا المحرم، وأما الكشف الحكمي فلا أثر له في هذا المقام لانه في الحقيقة نقل لا كشف.

 

المسألة الثالثة عشر إذا اراد الشريكان أو الشركاء تقسيم المال المشترك بينهما أو بينهم بحيث يكون نصيب كل واحد منهم من جنس نصيب الاخر وكان المال المشترك مما يكال أو يوزن، وبعبارة اخرى كان المال المشترك أبعاضه ربويا اي واجدا لشرائط ثبوت الربا بحيث لو وقعت المعاملة والمعاوضة على تلك الابعاض يجب أن يكون العوضان مثلا بمثل، أي متساويين في المقدار، فهل القسمة أيضا معاملة ومعاوضة كي يراعى فيها عدم ثبوت الربا؟ أم لا؟ بل صرف تمييز حق بمعنى أن الحق بمقتضى الشركة مشاع إما نصف أو ثلث أو ربع أو غيرها من الكسور حسب كثرة الشركاء أو قلتهم، أو كثرة نصيب الشريك أو قلته، وعلى كل حال فبناء على الاول لابد وأن تكون القسمة بالكيل أو الوزن كي لا يقع التفاضل بين حقه وبين ما يأخذه بعنوان أنه نصيبه، ولا يجوز بالخرص والتخمين. فلو كان الشريكان لكل واحد منهما النصف فان كان من المكيل يجب أن يكال المال بكيلين متساويين، وإن كان من الموزون يجب ان يوزن القسمان بوزنين متساويين لكي لا يزيد أحدهما على الاخر، فيكون رباء محرما. وأما بناء على الثاني فحيث لا معاوضة ولا معاملة فلا رباء في البين، فلا مانع من أن تكون السهام متفاوتة في المقدار، وأن يكون أحدهما أزيد من الاخر، فيما إذا كان لكل واحد من الشريكين النصف. وهكذا الامر لو كان الشركاء متعددا وكانوا أزيد من اثنين فسهم صاحب كل كسر لا مانع من أن يكون أزيد من ذلك الكسر أو أقل، إذا كان التقسيم بوجه مشروع وأيضا لا مانع من أن يكون سهم أحدهما الرطب من ذلك الجنس المشترك مثل أن يكون رطبا أو عنبا وسهم الآخر اليابس منه مثل أن يكون تمرا أو زبيبا، وإن كانا ينقصان إذا جفا. كل ذلك لانه بناء على هذا لا رباء في البين كي لا يجوز أمثال تلك المذكورات

 

وما ذكرنا كان أثر كل واحد من التقديرين وأما في مقام الاثبات وأن أي واحد منهما هو الحق فيحتاج إلى شرح وبيان. وخلاصة الكلام فيه هو أن مبنى هذه المسألة أي كون القسمة إفراز حق وتمييزه أو معاوضة ومعاملة بين الشريكين، أو الشركاء، هو تحقيق معنى الشركة وبيان حقيقتها فنقول: أما مفهوم الشركة فهو من المفاهيم الواضحة عند العرف ولذلك تعريفه يكون لفظيا ربما يكون هو أوضح من التعاريف التي عرفوها بها، فالعمدة هو بيان أن متعلق حق الشركاء أي شيء هو؟ وفي هذا المقام ذكروا وجوها. الاول هو أن كل واحد من الشريكين، أو الشركاء، يملك كسرا مشاعا من المال المشترك كالنصف أو الثلث أو الربع، وهكذا في باقي الكسور ففي الحقيقة كل واحد من الشريكين أو الشركاء مالك لعنوان كلي قابل للانطباق على أفراد ومصاديق متعددة، وكل واحد من تلك الافراد مصداق حقيقي وفرد واقعي لذلك المفهوم الكلي. فبناء على هذا حقيقة القسمة عبارة عن تطبيق ذلك الكلي المملوك على مصداقه فتمام ذلك الفرد عين مملوكه وليس شيء فيه لشريكه كي يقال بأنه معاوضة ومعاملة مع شريكه بمعنى انتقال أجزاء من مال شريكه إليه بعوض ما ينتقل من ماله إلى شريكه، بل بالقسمة يتعين ماله ويتميز عن مال شريكه، ويخرج عن الاشاعة. وهذا هو المتفق عليه بين أصحابنا الامامية رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، بخلاف ما ذهب إليه الجمهور من أن القسمة مستلزمة للمبادلة والمعاوضة بين ماليهما كما أنه لو حصلت الشركة بين ماليهما بواسطة الخلط كما في خلط الحنطة بالحنطة أو الشعير بالشعير أو في غيرهما أو بواسطة المزج كمزج لبن أحدهما بلبن الآخر أو الدهن المذاب لاحدهما بالدهن المذاب للاخر، فبعد التقسيم لا محالة يوجد في كل

 

قسم مال الاخر، فلابد وان نقول بالمعاوضة ولا يمكن أن يكون إفراز حق وتمييزه عن مال الاخر. ولكن أنت خبير بأن في المثالين أو ما يشبههما يحصل الاشتراك في الرتبة السابقة على القسمة بنفس المزج أو الخلط فيكون لكل واحد منهما الكسر المشاع من النصف أو الثلث أو غيرهما، فإذا كان مبادلة أو معاوضة فذلك في الرتبة السابقة على القسمة أي في نفس حصول الاشتراك. الثاني أن يكون مال كل واحد من الشريكين أو الشركاء معلوما وعند الله متميزا في الواقع وفي مقام الثبوت، ولكن في مقام الاثبات لا يعرف التميز مثل موارد العلم الاجمالي فان المعلوم بالاجمال معلوم ومتميز عند الله وعند من يعرف الواقع، ولكن غير معلوم عند الذي يعلم علما اجماليا مثلا بنجاسة أحد الكاسين أو بزوجية إحدى المرأتين، وهكذا في سائر موارد العلم الاجمالي. ومرجع هذا الوجه هو أن الاشتراك في الحقيقة عبارة عن الالتباس والاشتباه في الظاهر، ولازم هذا الوجه هو أن يكون التقسيم غالبا ملازما مع المبادلة والمعاوضة، لبعد أن ترد القسمة على نفس ماله بمعنى أن يكون سهمه دائما عين ما يملكه واقعا، خصوصا في مورد المزج والخلط بل استحالته عادة. فهذا الوجه يناسب ما ذهب إليه الجمهور في القسمة من أنها مبادلة ومعاوضة ولكن أنت خبير بأن أصل هذا المبنى باطل، وأن الاشتباه والالتباس غير الاشتراك مفهوما ومصداقا، لانه بناء على هذا المبنى ليس اشتراك في البين بل كل واحد منهما مالك لمال نفسه المتعين في الخارج، غاية الامر اشتبه بمال الاخر. والانصاف ان القول بان الاشتراك من هذا القبيل لا يخلو من غرابة، وأما ما يتراءى في بادئ النظر في مورد مزج المالين أو خلطهما، بحيث لا يمكن فصلهما عرفا وعادة، من كونه كذلك، فقد بيناه بأن المزج أو الخلط بتلك المثابة يكون سببا لحصول

 

الاشتراك بنحو الاشاعة، وملكية كل واحد منهما أحد الكسور. ولا شك في أن الكسر المشاع لا تعين ولا تميز له في مقام الثبوت، بل هو من قبيل الكلى قابل للانطباق على الكثير، وما لم ينطبق على الخارج لا تعين له نعم بعد الانطباق يتعين ويتميز. وحيث إن الخصوصية ليست ملكا للشريك اصلا كما إذا اشترى صاعا من صبرة أو بعنوانها الخاص، بل يكون مالكا لاحدى الخصوصيتين أيضا بعنوان كلي كما في باب الارث، فلابد وأن يكون التطبيق إما برضاية الطرفين أو بحكم الشرع من قرعة أو غيرها. وخلاصة الكلام أن المفهوم من الشركة عرفا لا يلائم مع كونها من قبيل الالتباس وكونها متميزا في الواقع وفي عالم الثبوت وغير معلوم في مقام الاثبات. الثالث ان يكون كل واحد من الشريكين إذا كانا اثنين مع التساوي في نصيبهما مالكا لنصف المال المشترك، ولكن لا بنحو الكلي، بمعنى أن يكون مالكا لطبيعة النصف من ذلك المال، فكل نصف فرض في ذلك المال يكون تمامه لكل واحد من الشريكين، غاية الامر على البدل لا في عرض مالكيته لذلك النصف الآخر، كي يلزم منه اجتماع مالكين في مال واحد، وكذلك كي لا يلزم منه مالكية كل واحد منهما لتمام المال المشترك. ومرجع هذا الوجه إلى أن كل جزء فرضته في ذلك المال يكون لكل واحد من الشريكين نصفه، وحيث إن التحقيق عدم وجود الجزء الذي لا يتجزى واستحالته فكل جزء فرضته في ذلك المال قابل للقسمة إلى ما لا يتناهى ففي كل جزء يصح أن يقال نصفه لهذا الشريك ونصفه الآخر للآخر، فهما شريكان في كل جزء من أجزاء ذلك المال المشترك وهذا المعنى هو المتفاهم العرفي من لفظ الشركة. نعم لو قلنا بوجود الجزء الذي لا يتجزى فيلزم من هذا الوجه محذور، وهو

 

اجتماع مالكين على مال واحد، لعدم إمكان أن يقال إن نصف هذا الجزء لهذا الشريك ونصفه الآخر للآخر، لعدم تصوير النصف فيه. فالذي يقول بامكان الجزء الذي لا يتجزى وأن كل جسم مركب منه، فلابد له من الالتزام باحد أمرين إما أن لكل جزء من تلك الاجزاء مالكين، أو يلتزم بأن بعض تلك الاجزاء لاحدهما والبعض الاخر للاخر. وحيث إن الثاني لا يلائم مع الاشاعة والشركة، لانه بناء على الثاني مال كل واحد من الشريكين غير مال الآخر، إلا أنه غير متميز خارجا، فلابد للقائل بالاشاعة والاشتراك من اختيار الوجه الاول، وهو أن يكون لكل جزء مالكين، وهو محال وباطل بالضرورة، مضافا إلى أنه لا يصدق عليه الشركة ولو التزم بذلك لان مرجع هذا الوجه إلى أن تمام المال ملك لهذا الشريك وللآخر ايضا وهذا غير الشركة. ولكن الذي يسهل الخطب ان بطلان الجزء الذي لا يتجزى في عصرنا هذا ينبغي أن يعد من البديهيات. ثم إن الفرق بين هذا الوجه والوجه الاول هو أنه لو تلف مقدار من المال المشترك يكون التلف من كل واحد من الشريكين أو الشركاء، وذلك لما قلنا من أن مرجع هذا الوجه إلى أنه أي جزء فرضت في هذا المال يكون نصفه مثلا لهذا الشريك ونصفه الآخر للاخر، وهكذا في سائر الكسور، وفي سائر الفروض، وإن كان الشركاء أزيد من اثنين، فالتالف بعضه لهذا الشريك وبعضه الآخر للشريك الآخر أو الشركاء الآخرين، فالتلف يكون من كيس جميع الشركاء. ففي الحقيقة إذا قلنا أن نصف هذا المال لاحد الشريكين مثلا مرجعه إلى أن صاف أن جميع الاجزاء المفروضة فيه له، فلو تلف جزء من تلك الاجزاء المفروضة فتلف نصف ذلك التالف من كل واحد منهما.

 

وأما في الاول فالنصف الكلي لاحد الشريكين وكذلك النصف الآخر للاخر، فلو تلف نصف هذا المال لا يبقى لاحد الكليين مصداق فلابد وان يعين التالفة بالقرعة، وذلك من جهة أنه في المفروض للمال المشترك نصفان أحدهما النصف التالف وثانيهما النصف الباقي، فيكون كل واحد من النصفين لاحد الشريكين بلا تعيين، فلا مناص إلا التعيين بالقرعة التي عينها الشارع لكل أمر مشتبه. وبعد ما عرفت ما ذكرنا تعلم أن الصحيح من هذه الوجوه هو الوجه الاخير أي الوجه الثالث، إذ هو الذي يسلم عن النقوض والاشكالات، وهو الذي يفهمه العرف من الشركة، ومقتضاه كون القسمة إفراز الحق لا المعاوضة والمبادلة بين أموال الشركاء أو مالي الشريكين. بيان ذلك أن كل كسر من الكسور إذا اضيف إلى شيء فيكون ما ينطبق عليه ذلك الكسر مصداقا حقيقيا له، مثلا إذا كان الكسر هو النصف مثلا فإذا اضيف إلى تمام المال فيكون كل نصف من أنصاف تمام ذلك المال مصداقا حقيقيا لذلك الكسر، وإذا اضيف إلى نصفه، يكون كل نصف من ذلك النصف مصداقا حقيقيا لذلك الكسر، وهكذا. فإذا فرضنا أن هاهنا شريكين في مال فإذا قسمنا تمام ذلك المال نصفين، فكل واحد من النصفين مصداق حقيقي لمفهوم ذلك الكسر المشاع الذي هو نصف المال، وكذلك الامر في جميع أجزاء ذلك المال إذا قسمناها بقسمين، يكون كل قسم منها مصداقا حقيقيا لذلك الكسر المشاع الذي يملكه كل واحد من الشريكين من ذلك المال. ولا فرق فيما ذكرنا بين ورود التقسيم على الكل أو على أي جزء من أجزاء ذلك المال المشترك، نعم كون هذا القسم بخصوصه لهذا الشريك والاخر للاخر يحتاج إلى معين من قرعة أو تراضيهما، فليس من باب القسمة مبادلة ومعاوضة في البين كي

 

نتكلم في أنه إذا كان المال المشترك متحد الجنس وكان من المكيل أو الموزون هل يأتي فيه الربا أم لا. الجهة الثالثة في موارد الاستثناء عن هذه القاعدة. منها بين الوالد وولده بمعنى أنه يجوز أن يأخذ الفضل كل واحد منهما من الاخر، وإن كان العوضان في المعاملة التي تقع بينهما متحدي الجنس أو في حكمه وكانا من المكيل أو الموزون. ومنها بين المولى ومملوكه. ومنها بين الرجل وزوجته. ومنها بين المسلم والحربي بمعنى أنه يجوز للمسلم أن يأخذ الفضل من الحربي، لا أن يعطيه، وأما غير الحربي سواء كان ذميا أو معاهدا ففيه كلام نتكلم فيه إنشاء الله تعالى، ونسب الخلاف في هذه المسألة إلى المرتضى (1) والاردبيلي (2) قدس سرهما، وقيل برجوع المرتضى عما قال، وأنه وافق المشهور. وعلى كل حال المدرك في هذا الحكم هو الاخبار وأما الاجماعات المدعاة من الاعاظم في هذا المقام، فمخدوش صغرى وكبرى، لما ذكرنا مرارا من أن الاتفاق مع وجود الروايات ليس من الاجماع المصطلح الذي بنينا في الاصول على حجيته، وأما الصغرى فلوجود المخالف،

 

(هامش)

 

1. الانتصار ص 212، رسائل الشريف المرتضى جوابات الموصليات الثانية، ج 10، ص 182. 2. مجمع الفائدة والبرهان ج 8، ص 489. (*)

 

فالاولى أن نذكر أخبار الباب ونرى مفادها ومقدار دلالتها. فمنها رواية عمرو بن جميع عن ابي عبد الله عليه السلام قال قال امير المؤمنين عليه السلام: ليس بين الرجل وولده ربا وليس بين السيد وعبده ربا. (1) وبهذا الاسناد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليس بيننا وبين اهل حربنا ربا نأخذ منهم الف الد درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم (2) وروى هذه الرواية والتي قبلها بعدة طرق في الجوامع العظام. ومنها ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال ليس بن الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين اهله ربا: انما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك قلت فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال: نعم، قلت فانهم مماليك؟ فقال: إنك لست تملكهم إنما تملكهم مع غيرك. أنت وغيرك فيهم سواء. فالذي بينك وبينهم ليس من ذلك، لان عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك. (3) ومنها ما رواه الصدوق مرسلا قال قال الصادق عليه السلام ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ولا بين المرأة وبين زوجها ربا. (4) ومنها رواية علي بن جعفر انه سأل اخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن رجل اعطى عبده عشرة دراهم على ان يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم ايحل ذلك قال عليه السلام

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 147، باب أنه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح 1، الفقيه ج 3، ص 277، باب الربا، ح 4001، تهذيب الاحكام ج 7، ص 18، باب فضل التجارة، ح 76، وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7، ح 1. 2. الكافي ج 5، ص 147، باب إنه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح 2، الفقيه ج 3، ص 277، باب الربا، ح 4000، تهذيب الاحكام ج 7، ص 18، باب فضل التجارة، ح 77، وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7 ح 2. 3. الكافي ج 5، ص 147، باب إنه ليس بين الرجل وبين ولده وما يملكه ربا، ح 3، وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7 ح 3. 4. الفقيه ج 3، ص 278، باب الربا، ح 4002، وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7، ح 5. (*)

 

لا بأس. (1) ومنها ما في الفقه الرضوي عليه السلام ليس بين الوالد وولده ربا. ولا بين الزوج والمرأة ولا بين المولى والعبد ولا بين المسلم والذمي. (2) وهذه الروايات وان ضعفها الاردبيلي (3) وبعضها كذلك، ولا يخلو من الضعف ولكن حيث عمل بها الاصحاب قديما وحديثا بل ادعى بعضهم الاجماع على ما هو مضمونها. حتى أن صاحب الجواهر (4) يقول إجماعا محكيا مستفيضا إن لم يكن متواترا صريحا ظاهرا. بل يمكن تحصيله إذ لا خلاف فيه الا من المرتضى (5) ثم يقول إنه ايضا عدل عن خلافه ووافق الباقين من الاصحاب وينقل عبارته من الانتصار أنه قال: ومما انفردت به الامامية القول بانه لا ربا بين الولد ووالده، ولا بين الزوج وزوجته، ولا بين الذمي والمسلم، ولا بين العبد ومولاه، وخالف باقي الفقهاء، ثم ينقل كلامه أنه قال: وقد كتبت قديما في جواب مسائل وردت علي من الموصل وتأولت الاخبار التي يرويها اصحابنا المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرنا أي الولد والوالد والزوج والزوجة ولى والعبد والذمي والمسلم على أن المراد بذلك وإن كان بلفظ الخبر معنى الامر كانه قال يجب أن لا يقع بين من ذكرناه ربما كما قال تعالى من دخله كان آمنا (6) وكقوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (7) وكقوله صلى الله عليه واله العارية مردودة والزعيم غارم ومعنى ذلك كله الامر والنهي إلى أن قال.

 

(هامش)

 

1. الفقيه ج 3، ص 281، باب الربا، ح 4016، وسائل الشيعة ج 12، ص 437، أبواب الربا، باب 7، ح 6. 2. فقه الرضا عليه السلام ص 258، مستدرك الوسائل ج 13، ص 339،، أبواب الربا، باب 7 ح 1. 3. مجمع الفائدة والبرهان ج 8، ص 489 - 491. 4. جوهر الكلام ج 23، ص 378. 5. الانتصار ص 212، رسائل الشريف المرتضى جوابات الموصليات الثانية ج 1، ص 182. 6. آل عمران (3): 97. 7. البقرة (2): 194. (*)

 

واعتمدنا في نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب، لاني وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين ما ذكرنا، وغير مختلفين في وقت من الاوقات، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة، ويخص به ظاهر القرآن. فانظر إلى كلام هذا الفقيه العظيم وأنه رجع عن فتواه لما رأى من الاجماع والاتفاق من الاصحاب على عدم ثبوت الربا في هذه الموارد الاربعة، فمع اتفاق الاصحاب على الفتوى بمضمون هذه الروايات لا يبقى مجال للشك في حجيتها، وذلك لحصول كمال الوثوق بصدورها واعتبارها لما ذكرنا في الاصول (1) أن موضوع الحجة هو خبر الموثوق الصدور لا خصوص خبر الثقة أو الصحيح كما قيل. فالعمدة في المقام هو بيان دلالتها فنقول: لا شك في ان ظاهر هذه الروايات نفي الربا بين الطوائف الاربع: أي الوالد والولد، والمالك ومملوكه، والزوج وزوجته، والمسلم والكافر إما مطلقا وإن كان ذميا أو خصوص الحربي. وفي أمثال هذه التراكيب التي يكون مفادها رفع موضوع خارجي بلا النافية للجنس يدور الامر بين امور ثلاثة بعد معلومية عدم رفعها تكوينا. أحدها أن يكون النفي بمعنى النهي كقوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (2) ومن الواضح أن هذا خلاف ظاهر النفي ولا يصار إليه إلا بدليل، ولا دليل في المقام فلا مانع من الاخذ بظاهرها كما سنذكره انشاء الله تعالى. ثانيها هو أن يكون المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما قال بهذا جمع من المحققين في حديث لا ضرر وما دل على نفي الحرج، وهذا ايضا خلاف ظاهر

 

(هامش)

 

1. منتهى الاصول ج 2، ص 111. 2. البقرة (2): 194. (*)

 

الكلام، وذلك لان ظاهر الكلام هو أن المنفي والمرفوع نفس الموضوع لا حكمه تقديرا أو تجويزا، لعدم احتياج إلى التقدير، وعدم قرينة على التجوز، بل عدم صحة ارادة الحكم من الموضوع لعدم علاقة بينهما. ويمكن أن يكون المرفوع هاهنا نفس الموضوع حقيقة غاية الامر لا رفعا تشريعيا لا رفعا تكوينيا، نعم نتيجة الرفع التشريعي هو ارتفاع الحكم، وقد شرحنا هذا المطلب وأوضحناه في حديث الرفع في كتابنا منتهى الاصول (1)، وفي شرح قاعدة لا ضرر في كتابنا: القواعد الفقهية. (2) وخلاصة الكلام أن نفي الربا في عالم التشريع في الموارد المذكورة مرجعه إلى نفي تحريمه، ولكن بلسان نفي موضوعه حقيقة، لا ادعاء في عالم الاعتبار التشريعي، وبعبارة اخرى المنفي هو نفس الربا في محل البحث، ولكن النفي نفي تشريعي، ومعنى النفي التشريعي كونه بمنزلة العدم في نظر الشارع، أي عدم ترتب أثر شرعي عليه. وبعد ما ظهر لك اعتبار هذه الروايات وحجيتها أما عند القدماء لاجل صحتها على ما هو المصطلح عندهم من صحة جميع ما هو موجود في الكتب المعتبرة كالكتب الاربعة وغيرها مما هو معتبر عندهم، وأما عند المتأخرين فلاجل جبر ضعفها بالاتفاق المذكور، والاجماعات المنقولة عن أعاظم الفقهاء، حتى أن المرتضى (3) قدس سره عدل عن فتواه لاجل ذلك الاجماع، وقد تقدم ذكر هذا المطلب فلا يبقى مجال لما ذهب إليه ابن الجنيد (4) من حرمة الربا حتى في هذه الموارد الاربعة المتقدمة مستندا إلى عمومات الكتاب، إذ بعد الفراغ عن جواز تخصيص عمومات الكتاب وتقييد مطلقاتها بالخبر الواحد الحجة، وبعد الفراغ عن حجية هذه الاخبار لما ذكرنا، فالعمومات تخصص، والمطلقات تقيد.

 

(هامش)

 

1. منتهى الاصول ج 2 ص 174. 2. راجع القواعد الفقهية ج 1، ص 211. 3. الانتصار ص 212. 4. نقله عنه في مختلف الشيعة ج 5، ص 110 و 112. (*)

 

وايضا لا يبقى مجال لما ذكره الاردبيلي (1) قدس سره وصاحب الكفاية (2) من المناقشات في حجية هذه الاخبار إذ حجيتها واضحة، ودلالتها على عدم حرمة الربا في هذه الموارد أوضح، فلا وجه للتشكيك في حجيتها أو دلالتها، أو كونها مخصصة للعمومات ومقيدة للمطلقات، إذ جميع هذه الامور ثابتة بالادلة والبراهين القاطعة، وعلى الله التوكل وبه الاعتصام. ثم ان هاهنا فروعا. الاول هو انه هل يشمل الولد في قوله عليه السلام لا رباء بين الوالد والولد للبنت أم لا؟ أقول لا وجه لعدم الشمول إلا دعوى الانصراف، وإلا فبحسب اللغة والعرف العام لا شك في أن الولد ومادة التوليد مطلقا أعم من الذكر والانثى. نعم في بعض الاقطار لا يطلقون الولد على الانثى ولذلك في مثل الاقارير والوصايا، يجب الاخذ بعرف المقر والموصي، وذلك لان الاقرار والوصية عبارة عن إنشاء أمر مع قصده لذلك الامر، وإلا فصرف الانشاء بلا قصد لا أثر له، ولا ريب في أن اللفظ الذي يصدر عن المتكلم ظاهر في إرادته لما هو المتعارف عنده وعند بلده قصدهم من ذلك اللفظ حين الاستعمال، وأما الالفاظ المستعملة في لسان الشارع والائمة عليهم السلام، فظاهر فيما هو معنى اللفظ عند العرف العام، وذلك لان خطاباتهم ليست متوجهة إلى شخص خاص أو بلد وقطر خاص أو أهل زمان خاص. نعم لابد وأن يكون المعنى المراد من اللفظ هو ما يفهمه العرف في زمان صدور الكلام، وهذا اصل جار في جميع الموارد، وحيث إن العرف العام في مادة الولد كما تقدم

 

(هامش)

 

1. مجمع الفائدة والبرهان ج 8، ص 489. 2. كفاية الاحكام ص 98. (*)

 

هو الاعم من الذكر والانثى فلا وجه لاختصاصه بالذكر، ودعوى الانصراف لا يخلو من مجازفة. ثم الظاهر أنه لا فرق بين الولد أن يكون من صلبه بلا واسطة، وبين ولد الولد، أي ولد الابن، وذلك لعموم اللفظ وشموله لكليهما، وإن كان العلامة (1) والمحقق (2) والشهيد (3) الثانيان قالوا باختصاص الحكم بالولد بلا واسطة، نعم يمكن أن يقال بانصرافه عن ولد البنت، وإن كان اللفظ بحسب الوضع أعم من ولد الابن والبنت جميعا، ولكن الانصاف أن دعوى الانصراف هاهنا غير بعيد. الثاني هل يختص هذا الحكم بالولد الصلبي أو يشمل الولد الرضاعي؟ الظاهر عدم الشمول، وذلك من جهة أن الولد الرضاعي ليس بولد للاب الرضاعي حقيقة، إذ لم يلده وإنما هو تنزيل من قبل الشارع، فيحتاج إلى اثبات عموم المنزلة وكون الرضاع لحمة كلحمة النسب (4) لا يثبت التنزيل من حيث جميع الاثار. وأما شموله لولد الزنا فبحسب العرف واللغة فلا إشكال فيه، وقوله صلى الله عليه وآله الولد للفراش (5) في مورد الشك وأما مع القطع بأنه خلق من مائه فلا شك في أن هذه القاعدة لا تنفي النسب.

 

(هامش)

 

1. تذكرة الفقهاء ج 1، ص 485. 2. جامع المقاصد ج 4، ص 280. 3. مسالك الافهام ج 3، ص 327. 4. الفقيه ج 3، ص 133، باب ولاء المعتق، ح 3494، تهذيب الاحكام ج 8، ص 926، باب المعتق وأحكامه، ح 159، الاستبصار ج 4، ص 24، ح 78، باب أن ولاء المعتق إذا مات...، ح 3، وسائل الشيعة ج 16، ص 55، أبواب كتاب العتق، باب 42، ح 2 و 6. وفي جميع المصادر: الولاء لحمة كلحمة النسب . نعم ذكر الحديث بنصه في الميزان في تفسير القرآن ج 4 ص 283. 5. عوالي اللئالي ، ج 2، ص 132، ح 359، وص 275، ح 41. (*)

 

وأما ما ورد في باب إرثه وأنه لا يرث، فهذا حكم خاص لا ربط له بنفس النسبة مطلقا وأما دعوى انصراف الولد عن ولد الزنا في موضوعيته لهذا الحكم، فدعوى بلا دليل، نعم الاحوط الاجتناب عن ارتكاب الربا بينهما، فانه حسن على كل حال. الثالث بناء على شمول هذا الحكم للذكر والانثى جميعا، كما هو المختار وبناء على أن الخنثى ليس طبيعة ثالثة كما هو المختار، بل هو إما ذكر أو انثى وأما كونه مشكلا إنما هو في مقام الاثبات لا في مقام الثبوت، يكون الخنثى أيضا مشمولا لهذا الحكم بلا اشكال. وأما الام فلا يكون بمنزلة الاب قطعا لعدم شمول الرواية لها، وليس دليل آخر من اجماع أو غيره في البين فيجب الاخذ بالنسبة إليها بعمومات التحريم. وأما ادعاء أن قوله عليه السلام في ما حكيناه عن الفقه الرضوي ليس بين الوالد وولده ربا، (1) وأيضا ما قاله المرتضى قدس سره ومما انفردت به الامامية القول بأنه لا ربا بين الوالد وولده (2) أن المراد من الوالد وإن كان بصيغة المذكر اعم من الاب والام، مما لا ينبغي الاصغاء إليه، لان الوالد لفظ موضوع للاب، ولا يطلق على الام اصلا. وأما رواية عمرو بن جميع ورواية زرارة (3) فصرح فيهما بأنه ليس بين الرجل وولده ربا وليس فيهما ما يتوهم إمكان انطباقه على الام. وهذه الفروع التي ذكرناها كلها كانت راجعة إلى المورد الاول من الموارد الاربعة،

 

(هامش)

 

1. فقه الرضا عليه السلام ص 258. 2. الانتصار ص 212. 3. سبق ذكرهما في ص 170، رقم (1 و 3). (*)

 

وهاهنا فروع راجعة إلى المورد الثاني من تلك الموارد، أي عدم الربا بين السيد وعبده. فالاول انه هل فرق بين العبد المكاتب وبين غيره أم لا؟ وجه الفرق هو أن المكاتب يملك ما يحصله بالكسب فيكون في حكم سائر الناس، ويحرم عليه أخذ الربا والفضل منه، وأما غير المكاتب فلا يملك وماله مال سيده، فلذلك يجوز أخذ السيد عنه لان أدلة حرمة الربا منصرفة إلى أخذ مال الغير لا مال نفسه. وأما المكاتب حيث إنه يملك فيشمله أدلة حرمة الربا، ولا يجوز أخذ الفضل منه ومن هذه الجهة يكون كسائر الناس ولكن أنت خبير بأنه بناء على أن العبد لا يملك، لا يبقى محل للبحث في أنه يجوز أخذ الفضل والربا عنه أم لا، ولا يبقى مورد لقوله عليه السلام لا ربا بين السيد وعبده (1) إلا المكاتب، لا أنه يجوز الاخذ عن غير المكاتب ولا يجوز عنه. فالظاهر عدم الفرق بين أقسام العبد من القن والمدبر والمكاتب، وحتى ام الولد، بناء على عدم اختصاص هذا الحكم بالرجل وشموله للامة، كما هو الاظهر وإن كان الاحوط عدم الاخذ عنها كل ذلك لاجل إطلاق النص. فقوله عليه السلام في رواية زرارة ومحمد بن مسلم ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين مملوكه (2) وفي بعض النسخ وبين عبده بدل وبين مملوكه وعلى كل واحد من الوجهين فيه إطلاق يشمل جميع أقسام العبد، وهذا حكم تعبدي،

 

(هامش)

 

1. قطعة من رواية عمر بن جميع التي تقدمت ذكرهما في ص 170، رقم (1). 2. تهذيب الاحكام ج 7، ص 17، باب فضل التجارة وآدابها، ج 75، الاستبصار ج 3، ص 71، ح 326، باب أنه لا ربا بين المسلم وبين اهل الحرب، ح 2، وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7، ح 4. (*)

 

والوجوه التي ذكروها تعليلا لهذا الحكم ليست إلا وجوها استحسانية لا اعتبار بها في إثبات الاحكام الشرعية. الثاني الظاهر عدم الفرق بين كون المولى رجلا أو امرأة وقوله عليه السلام في رواية زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين مملوكه من باب الجري على الغالب كما هو المتعارف في بيان أكثر الاحكام، لا لخصوصية في الرجل، وهذا واضح. الثالث إذا كان العبد مشتركا أو مبعضا: أما المشترك بين مالكين أو اكثر فيصدق بالنسبة إلى كل واحد من المالكين أو الملاك أنه عبده، خصوصا بالنسبة إلى حصته منه فلو باع شيئا منه مع الفضل وفرضنا أن له نصف العبد فيملك نصف الفضل مع تمام الثمن إذا كان البايع هو وحده. وذلك من جهة صدق أنه باع هذا المقدار من عبده مع الفضل والربا، ولا رباء بين السيد وعبده، بل يمكن أن يقال بانه يملك تمام الثمن وتمام الفضل، لانه عبده ولا رباء بين السيد وعبده. ولكن هذا الاحتمال بعيد لانه ليس تمام العبد ملكه، بل لا يملك إلا نصفه مثلا ولو كان المثمن لمالكين أحدهما ملك العبد بتمامه أو كان مالكا لنصفه فيمكن القول بصحة المعاملة بالنسبة إلى النصف لصدق البيع من عبده مع الفضل بالنسبة إلى النصف، والربا بالنسبة إليه لا يوجب البطلان نعم بالنسبة إلى النصف الآخر باطل لانه بيع ربوي وداخل في المستثنى منه ولا استثناء بالنسبة إليه، لانه ليس بسيده. نعم لو حصل الشك في شمول قوله عليه السلام لا رباء بين العبد وسيده لمثل هذا العبد المشترك أو المبعض أو المكاتب أو المدبر أو ام الولد، ولم يكن اطلاق يرفع حكم الشك، فمقتضى القاعدة هو الرجوع إلى عمومات ادلة حرمة الربا كما هو الشأن في جميع موارد الشك في الشبهة المفهومية للمخصص للعمومات كما في المقام.

 

ولكن أنت خبير بأن هذا صرف فرض في المقام لوضوح مفهوم السيد والعبد في المقام، وعدم خفاء فيه، فالمالك بالنسبة إلى حصته سيد في العبد المشترك أو المبعض كما أن العبد المشترك أو المبعض بالنسبة إلى تلك الحصة مملوك له يقينا وقد كان في رواية زرارة ومحمد بن مسلم عنوان بين الرجل ومملوكه كما تقدم. هذا في العبد المشترك، والكلام في المبعض عين الكلام في المشترك حرفا بحرف نعم ربا يقال إن ذيل صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم نفي حلية الربا في العبد المشترك وهو قوله عليه السلام نعم وإنك لست تملكهم إنما تملكهم مغ غيرك، أنت وغيرك فيهم سواء والذي بينك وبينهم ليس من ذلك، لان عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك. وهذا الكلام منه عليه السلام بعد قول السائل: قلت: فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال عليه السلام: نعم، قلت فانهم مماليك؟ فأجاب عليه السلام بقوله: نعم، إلى آخر ما ذكرنا. ولا ريب في أن ظاهر كلامه عليه السلام نعم في جواب قول السائل فالمشركون كون بيني وبينهم يدل على ثبوت الربا إذا كان المملوك مشتركا بينك وبين غيرك، ولكن يمكن أن يقال إن هذا الذيل لم يعمل الاصحاب به لمعارضته مع صدر الرواية لان مفاد صدر الرواية عدم ثبوت الربا بين المسلمين والحربي والمشركون منهم، بل الحكم في الكافر غير الذمي اجماعا، ولا شك في أن المشركين ليسوا بذميين. وجمع بعضهم بين ما مفاده عدم ثبوت الربا بين المسلم والكافر الحربي ي، وهذا الذيل الذي يدل على الثبوت، بحمل الطائفة الاولى على غير المعاهد من الحربي والثانية على المعاهد، وذلك لان المعاهد ماله محترم، فيكون كالمسلم في ثبوت عدم جواز اخذ الزيادة. وفيه ان الاحترام لا ينافي جواز اخذ الفضل، لان معنى الاحترام أن لا ياخذ ماله بدون رضاه وغصبا عليه، وأما مع رضاه ورغبته فلا، ولا شك أن الاخذ في المفروض برضائه، فلا ينافي احترام ماله. فهذا الذيل بعد إعراض الاصحاب عنه وحكمهم بعدم ثبوت الربا بين المسلم

 

والحربي سواء كان معاهدا أو غير معاهد اي جواز الاخذ عنه لا اعطائه الفضل ساقط على الاعتبار، فلا يجوز الاخذ به، والحكم بثبوت الربا في العبد المشترك والمبعض. نعم الاحوط عدم جواز الاخذ لا لهذه الرواية بل للشك في صدق عنوان عبده لانه من المحتمل أن يكون صدق هذا العنوان منوطا بكون تمام العبد مملوكا له، لا أن يكون مشتركا بينه وبين غيره أو مبعضا يكون بعضه حرا وبعضه ملكا له. هذه الفروع كانت في مسألة عدم الربا بين السيد وعبده، وأما الاستثناء الثالث أي عدم ثبوت الربا بين الزوج وزوجته ففيه فروع أيضا. الاول هو أنه هل هذا الحكم مختص بالزوجة الدائمة؟ أم لا فرق بينها وبين كونها متعة وموقتة؟ لا شك في أن الزوجة غير الدائمة أي المنقطعة زوجة حقيقة، بل استظهرنا من الادلة أنهما حقيقة واحدة، وكونها موقتة أو دائمة من المصنفات لا من المنوعات، ولذلك حين العقد والانشاء لو نسى ذكر الاجل ولم يذكر تقع دائمة لان الدوام ينتزع من عدم التقييد بالاجل وإطلاق العقد. فقوله عليه السلام ليس بين المرأة وزوجها ربا (1) يصدق على المنقطعة حقيقة، ولكن الكلام في أنه هل ينصرف إلى الدائمة أم لا؟ وفصل بعض بين كون مدة التمتع قليلة كساعة أو ساعتين وبين ما كانت كثيرة كسنة أو سنتين بل سنين عديدة، وكان منشأ هذا التفصيل هو دعوى الانصراف في الاول دون الثاني، فإذا كان زمان التمتع قليلا لا يراها العرف زوجة أو أهلا والشارع

 

(هامش)

 

1. سبق ذكره في ص 170، رقم (4). (*)

 

جعبل موضوع الحكم بعد تحريم الربا بينهما أحد هذين العنوانين، ولا بأس بهذا التفصيل، ولعل المتفاهم العرفي يساعد على هذا التفصيل. وأما التفصيل الاخر بالفرق بين ما إذا اتخذها أهلا كالزوجة الدائمة وبين ما لم يكن كذلك، فأيضا يرجع إلى ما ذكرنا. الثاني هل المطلقة رجعية في حال بقاء عدتها تكون بحكم الزوجة في هذا الحكم أم لا؟ قال في الجواهر: ان المطلقة رجعية وإن كانت زوجة، إلا انه قد يمنع صدق الاهل عليها. (1) وهذا الكلام منه مبني على ما يقول من أنه بين مفهوم الزوجة ومفهوم الاهل عموم وخصوص من وجه، فربما تكون زوجة ولا يصدق عليها الاهل، كالمتعة التي مدتها قليلة جدا كساعة مثلا، فهي شرعا زوجة في تلك المدة القليلة، ولا يصدق عليها الاهل وربما تكون المرأة وليست أهلا بزوجة كبنته وأخته وغير ذلك من أقربائه ومورد الاجتماع واضح كالمرأة التي تزوجها بالعقد الدائم، وهي ربة الدار. وفيما إذا كان موضوع الحكم عامين من وجه كالعالم والعادل، فلابد من اجتماعهما في ثبوت الحكم، ففي ما نحن فيه لابد من اجتماع الزوجية والاهلية لثبوت عدم حرمة الربا بينهما. وفيه أن الظاهر من الاهل في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين مملوكه ولا بينه وبين أهله ربا (2)، هي الزوجة وليس الاهل بالمعنى الاعم فهما مفهومان متساويان، والعمدة في إشكال إلحاق المطلقة رجعة بالزوجة في هذا الحكم أنه منوط بكون

 

(هامش)

 

1. جوهر الكلام ج 23، ص 382. 2. تقدم تخريجه في ص 177، رقم (2). (*)

 

التنزيل عاما وبلحاظ جميع آثار الزوجية، وإثبات هذا لا يخلو من إشكال. وأما الاستثناء الرابع أي عدم الربا بين المسلم والحربي ففيه أيضا فروع. الاول انه يجوز الاخذ منهم ولا يجوز إعطاء الفضل لهم، وذلك لما رواه الصدوق مرسلا وفي الكافي مسندا عن ابي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم ونأخذ منهم ولا نعطيهم. (1) ثم إن هذه الرواية على تقدير تسليم ضعفها تكون منجبرة بعمل الاصحاب فلا مانع فيها من حيث حجيتها، نعم يستفاد منها عدم حرمة أخذ الفضل على المسلم لا الحربي، فلا تدل على صحة المعاملة التي وقعت بينهما، لان جواز اخذ الفضل منهم لازم أعم بالنسبة إلى صحة المعاملة، إذ يمكن ان يكون من جهة عدم احترام مالهم، وإن كانت المعاملة باطلة على حسب العمومات والمطلقات الواردة في باب الربا. الثاني في أنه هل يجوز الاخذ من الكافر غير الذمي المعاهد أيام المعاهدة أو ممن أعطوا الامان أيام أمانهم، أم لا. أقول: الدليل على جواز اخذ الفضل من الحربي إما الاجماع وإما الرواية، أما الاجماع على تقدير ثبوته وحصوله وحجيته في المقام فالقدر المتيقن منه هو ثبوته في غير المعاهد ومن أعطى له الامان، وأما الرواية فالمناط هو إطلاق قوله عليه السلام وبين أهل حربنا عليهم، وأن لا يكون منصرفا عن المعاهد ومن أعطى له الامان، فان اطلق فيجوز الاخذ منهم. هذا مضافا إلى أن قوله صلى الله عليه وآله نأخذ منهم ولا نعطيهم إشارة إلى أنهم ليسوا

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 147، باب أنه ليس بين الرجل وبين ولده...، ح 2، الفقيه ج 3، ص 277، باب الربا، ح 4000، تهذيب الاحكام ج 7، ص 18، باب فضل التجارة وآدابها، ح 77، وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7، ح 2. (*)

 

بمالكين، وإنما أموالهم فيئا للمسلمين فلا احترام لامولاهم ولا لنفوسهم، وأما المعاهد ومن أعطى له الامان فلاموالهم ونفوسهم احترام ظاهري حسب المعاهدة وحسب الامان، وإلا لا يجعلهم ملكا حقيقيا واقعيا فإذا أخذ منهم برضاهم من دون أن يكون مخالفا للوفاء بالمعاهدة أو الامان الذي اعطى لهم، فلا يكون في الاخذ منهم إشكال. الثالث هل يجوز اخذ الفضل والربا من الذمي أو لا؟ الاشهر بل المشهور عدم الجواز، وهذا أيضا مقتضى القواعد والادلة الاولية الدالة على تحريم مطلق الربا من أي شخص كان، وأيضا مقتضى الادلة التي مفادها احترام مال الذمي ونفسه وعرضه ما دام يعمل بشرائط الذمة، وعدم شمول قوله صلى الله عليه وآله ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا. فليس في المقام ما يدل على جواز الاخذ منهم إلا مرسل الفقيه ليس بين المسلم والذمي ربا وهو ضعيف في حد نفسه ولا جابر له مع إعراض المشهور عنه ولذلك حمله بعض الاصحاب على الذمي الخارج عن الذمة لعدم الوفاء بشرائطها كما قاله في الوسائل. (1) نعم هناك شيء وهو أن الذمي ي بالمعنى المصطلح بين الفقهاء المتخذ من الاخبار والاحاديث قليل الوجود أو عديمه، والكفار الموجودون في بلاد الاسلام في هذه الازمان لا ينطبق عليهم أحكام الذمة، لعدم تحقق الموضوع، بل هم داخلون اما في المعاهدين كما هو الغالب، أو فيمن أعطى له الامان، وعلى كل واحد من التقديرين أموالهم ونفوسهم وأعراضهم محترمة لا يجوز الاخذ منها بالقهر وجبرا، ولا بالسرقة وأما برضاهم المعاملي فلا ينافي الاحترام. فبناء على ما ذكرنا يجوز أخذ الفضل في المعاملة الربوية من الكتابيين

 

(هامش)

 

1. وسائل الشيعة ج 12، ص 436، أبواب الربا، باب 7 ذيل الحديث 3. (*)

 

الموجودين في بلاد الاسلام في هذه الازمان، ولا يجوز اعطائهم. الجهة الرابعة في بيان الطرق التي يمكن التخلص من الربا بإعمالها فرارا عن الحرام إلى الحلال، ومن الباطل إلى الحق، كما أنه ورد في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقلت له أشتري ألف درهم ودينار بألفي درهم؟ فقال عليه السلام لا بأس بذلك إن أبي كان أجرء على اهل المدينة مني، وكان يقول هذا فيقولون إنما هذا الفرار لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، وكان يقول لهم: نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال. (1) وهناك روايات اخر (2) بهذا المضمون من مدحهم عليهم السلام إعمال الحيل للفرار عن الحرام، وعلى كل حال ذكر الفقهاء أمورا للفرار عن الربا. منها ما تقدم من ضم ضميمة من غير جنس العوضين إلى أحدهما أو إلى كليهما كي تقع تلك الضميمة مقابل الفضل الذي يأخذ من ذلك الطرف كما كان في مورد السؤال في الصحيح المتقدم، وقد شرحنا هذا الفرع مفصلا فيما تقدم فلا نعيد. ومنها أن يبيع سلعته من الآخر الذي هو طرفه في المعاملة الربوية بغير جنس سلعته، ثم يشتري بذلك الجنس أي مقدار يريد من جنس سلعته زائدا كان على سلعته بحسب الكمية أو ناقصا عنها أو مساويا لها، فلا يكون رباء في البين، لعدم اتحاد جنس العوضين الذي هو الشرط الاساسي في تحقق الربا. مثلا لو أراد أن يبدل جنسه الجيد بالردئ من ذلك الجنس مع الاختلاف في

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 246، باب الصروف، ح 9، وسائل الشيعة ج 12، ص 466، أبواب الصرف، باب 6، ح 1. 2. راجع: وسائل الشيعة ج 12، ص 455، أبواب الربا، باب 20. (*)

 

الكمية، وذلك كما إذا أراد أن يبيع وزنة من الارز العنبر الذي عنده بوزنتين من الارز النعيمة لغرض عقلائي عنده. فهذه المعاملة لو كانت بالصورة التي ذكرناها أي الوزنة من أحدهما الجيد بوزنتين من ذلك الردئ تكون ربوية، فله أن يحتال بأن يبيع الوزنة الجيدة التي عنده من العنبر بوزنتين من الحنطة مثلا ثم يبيع الوزنتين من الحنطة بوزنتين من النعيمة، فلا يتحقق رباء مع أنه وصل إلى مقصوده. ويمكن أن يبيع تلك الوزنة التي عنده بالنقود مثل أن يبيعها بأربعة دنانير مثلا ثم يشتري بتلك الاربعة دنانير وزنتين من النعيمة، ولا يكون رباء في البين ويتخلص منه بهذه الحيلة مع حصول مقصوده، ولا فرق في صحة ما ذكرنا بين أن يشترط على المشتري الاول البيع الثاني أو لا يشترط، لصحة الشرط وعدم وجود المانع عن نفوذه. نعم حكى عن الشيخ قدس سره أن صحة البيع الثاني بالشكل المذكور مشروط بأن لا يكون الثمن في البيع الثاني عين الثمن في البيع الاول، وذلك لان عوض العوض عوض، فهذا العوض وإن لم يكن من جنس ما يأخذ مع الفضل، ولكنه حيث يكون عوضا عما يكون من جنسه فهو في حكمه فيتحقق الربا. ولكن أنت خبير بأن هذا كلام لا أساس له من جهة أن الربا لا يثبت إلا بأن يكون العوضان في المعاملة من جنس واحد، وليس عوض المبيع في البيع الاول أي الثمن في البيع الاول الذي يجعل عوضا في البيع الثاني من جنس عوضه في هذا البيع، فلا رباء لا في البيع الاول، لانه باع ماله بغير جنسه، ولا في البيع الثاني لانه ايضا ليس فيه العوضان من جنس واحد، وأما القول بأن عوض العوض عوض فهو كلام لا دليل عليه. نعم هناك رواية يمكن أن يكون نظر الشيخ قدس سره ومن تبعه إلى تلك الرواية، وهي

 

رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم قال عليه السلام إذا قومها دراهم فسد لان الاصل الذي يشترى به دراهم فلا يصح دراهم بدراهم. (1) فهذه الرواية تدل على عدم جواز بيع هذه الامور الثلاثة بالدراهم معللا بأنها عوض الدراهم لانه اشتراها بها، فلو باعها بالدراهم فكأنه باع الدراهم بالدراهم وهذا عين ما حكى عن الشيخ عن جوازه. وفيه أن هذه الرواية أعرض عنها الاصحاب ولم يعملوا بها فلا يصح الاعتماد عليه مضافا إلى بعض المناقشات التي في دلالتها ومعارضتها ببعض الاخبار الاخر. ومنها أن صاحب أحد العوضين المتجانسين المتماثلين في الكمية وزنا أو كيلا يقرض الاخر، وكذلك صاحب الاخر ثم يتباريان ويسقط كل واحد منهما ذمة الاخر، ولا يخفى أنه يلزم أن يكون الاقراض من كل واحد من الطرفين بدون أن يشترط الاقراض على الاخر. ومنها أن يكون قصد الطرفين المعاوضة والمبادلة بين المثلين في الكمية والطرف الذي يعطي الفضل والزيادة يقصد كونها هبة. ومنها أن يهب كل واحد منهما ماله للآخر من دون أن يشترط على صاحبه هبة ماله له، كي يكون هبة بازاء هبة، وإلا يدخل في باب المعاوضات فيثبت الربا فيه بناء على ما هو الحق عندنا وقد تقدم بيانه من عدم اختصاص الربا بالبيع، فقط بل يدخل في جميع المعاوضات. ومنها أن يصالح صاحب الزيادة مقدار الفضل لصاحبه ويشترط عليه أن يبيع ماله منه مثلا بمثل.

 

(هامش)

 

1. تهذيب الاحكام ج 7، ص 30، ح 129، باب بيع المضمون، ح 17، الاستبصار ج 3، ص 74، ح 246، باب من سلف في طعام أو غيره...، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 71، أبواب السلف، باب 11، ح 12. (*)

 

الجهة الخامسة في الربا في باب القرض أقول: القرض عبارة عن تمليك مال للاخر بالضمان، وربما يقال بدل قولنا بالضمان بعوضه الواقعي، وعلى كل حال لسنا في مقام بيان حقيقة القرض وأنه من العقود اللازمة أو الجائزة ويجري فيه المعاطاة أم لا، وأن المعاطاة فيه يوجب ملكية المستقرض لما اقترضه أو لا يوجب إلا الاباحة وإنما الملكية تحصل بالتصرف، لان هذه المذكورات محل بحثها كتاب القرض، وإنما المهم في المقام هو أن أخذ المقرض عن المستقرض الزيادة عما أعطاه الذي يسمى بالربا مطلقا حرام أو حرمته مشروطة بشرط؟ وأيضا ان القرض أي المعاملة الكذائية تكون فاسدة إذا اشترط الزيادة أو أخذ الزيادة فقط حرام وأما المال الذي أقرضه المقرض فهو حلال ولا بأس به، وأنه هل حرمة الزيادة فيما إذا اشترط ذلك أو حرام وإن لم يشترط. فهذه امور نريد أن نتعرض لها في هذا المقام فنقول: تحقيق الحق في هذه الامور موقوف على ذكر الاخبار الواردة في هذا الباب كي نستظهر منها ما هو الصحيح: فمنها ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره باسناده عن جعفر بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال الربا رباءان أحدهما رباء حلال والآخر حرام، فاما الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا طمعا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما اخذه بلا شرط بينهما فان أعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه، وهو قوله عزوجل: فلا يربو عند الله (1) وأما الربا الحرام فهو الرجل

 

(هامش)

 

1. الروم (30): 39. (*)

 

يقرض قرضا، ويشترط أن يرد أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام. (1) وهذه الرواية صريح في جواز أخذ الفضل والزيادة إذا لم يشترط. ومنها رواية خالد بن الحجاج قال سألته عن الرجل كانت لي عليه مأة درهم عددا قضانيها وزنا، قال لا بأس ما لم يشترط قال: وقال: جاء الربا من قبل الشروط إنما يفسده الشرط. (2) ومنها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا أقرضت الدراهم ثم أتاك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط. (3) وبهذا المضمون روايات كثيرة وقد عقد لها بابا في الوسائل (4) وكل هذه الروايات مرجعها إلى أن القابض يحل له قبض الفضل والزيادة أو ما هو الاجود إذا كان من غير شرط، وظاهر رواية خالد بن الحجاج المتقدم أن القرض الذي شرط فيه الزيادة أو رد الاجود مما أخذ تكون القرض والمعاملة فاسدة لقوله عليه السلام فيها إنما يفسده الشرط. وأما الحديث النبوي كل قرض يجر منفعة فهو حرام (5) فلا إطلاق له يشمل صورة عدم الاشتراط بل ظاهر قوله صلى الله عليه وآله يجر منفعة هو الاشتراط في ضمن عقد (هامش)

 

1. تفسير القمي ج 2، ص 159. وفي وسائل الشيعة ج 12،، ص 454، أبواب الربا، باب 18، ح 10 عن حفص بن غياث، بدل جعفر بن غياث. 2. الكافي ج 5، 244، باب الصروف، ح 1، تهذيب الاحكام ج 7، ص 112، ص 483، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 89، وسائل الشيعة ج 12، ص 476، أبواب الصرف، باب 12، ح 1. 3. الكافي ج 5، ص 254، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها، ح 3، تهذيب الاحكام ج 6. ص 21، ح 449، باب القرض وأحكامه، ح 3، وسائل الشيعة ج 12، ص 477، أبواب الصرف، باب 12، ح 3. 4. وسائل الشيعة ج 12، ص 476، أبواب الصرف، باب 12: باب أنه يجوز قضاء الدين من الدراهم و الدنانير وغيرها بأجود منها وبأزيد وزنا وعددا.... 5. دعائم الاسلام ج 2، ص 161، ح 167، مستدرك الوسائل ج 13، 409، أبواب الدين والقرض، باب 19، ح 2. (*)

 

القرض وإلا لا يصدق جر القرض ان كان المقترض من عند نفسه يعطي شيئا زائدا أو أجود مما أخذ أو منفعة اخرى. وخلاصة الكلام أن المقترض إن أعطى أجود مما أخذ أو أزيد منه بدون الشرط فجائز ولا يكون موجبا لفساد القرض بل ظاهر بعض الاخبار استحباب ذلك فيستحب إعطاء الزيادة إذا كان من غير شرط ويحل للمقرض أخذه وقبضه ولعله إلى هذا يشير قول أبي جعفر عليه السلام في مرسلة مسلم: خير القرض ما جر منفعة. (1) ويدل على استحباب إعطاء الزيادة إن كان من غير شرط صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال أو يستقرض المثقال، فيرد عليه الدراهم، فقال عليه السلام إذا لم يكن شرط فلا بأس وذلك هو الفضل إن أبي عليه السلام كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد الجلال فيقول يا بني ردها على الذي استقرضتها منه. فأقول: يا أبه إن دراهمه كانت فسولة وهذه أجود خير منها، فيقول يا بني إن هذا هو الفضل فأعطه إياها. (2) فقوله عليه السلام إن هذا هو الفضل فأعطه إياها ظاهر في حسن هذا الفعل واستحبابه وروايات اخر بهذا المضمون وأصرح منها مذكورة في الوسائل وغيره. ثم إن الزيادة قلنا إنها حرام في القرض مع الشرط بل موجب لفساد القرض فإذا قبض المقترض المال الذي أقرضه المقرض يكون من المقبوض بالعقد الفاسد لا

 

(هامش)

 

1. الكافي ج 5، ص 255، باب القرض يجر المنفعة، ح 1، تهذيب الاحكام ج 6، ص 201، ح 452، باب القرض وأحكامه، ح 6، الفقيه ج 3، ص 285، باب الربا، ح 4029، وسائل الشيعة ج 13 * ص 104، أبواب الدين والقرض، باب 19، ح 4. 2. الكافي ج 5، ص 254، باب الرجل يقرض الدراهم ويأخذ أجود منها، ح 6، تهذيب الاحكام ج 7، ص 115، ح 500، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك، ح 106، الفقيه ج 3، ص 284، باب الربا، ح 4026، وسائل الشيعة ج 12، ص 477، أبواب الصرف، باب 12، ح 7. (*)

 

فرق بين أن تكون تلك الزيادة عينية أو عملا من المقترض للمقرض أو انتفاعا بمال المقترض أو تكون صفة زائدة في عوضه كما إذا شرط المقرض على المقترض أن يعطي دراهم جديدة وصحيحة عوض ما يعطيه من الدراهم المكسورة، فجميع هذه الامور مع الشرط رباء محرم وتكون موجبة لفساد القرض كما هو مفاد الاخبار الصحيحة الصريحة. ثم إنه لا فرق في كون الزيادة في القرض حراما وموجبة لفساد القرض مع الشرط بين أن يكون الشرط صريحا ومذكورا في متن العقد أو وقع المعاملة مبنيا عليه وذلك لشمول قوله صلى الله عليه وآله كل قرض يجر المنفعة فهو حرام لكلتا الصورتين والخارج عن هذا العموم هو ما لم يكن شرط في البين لا صريحا ولا بحيث يقع العقد مبنيا عليه. خاتمة: اعلم أن هذه القاعدة أي قاعدة لا رباء إلا فيما يكال أو يوزن لا تأتي في القرض بل شرط الزيادة مطلقا أي قسم كان من الزيادة عينية كانت أو صفة أو منفعة أو انتفاعا موجب لحرمة تلك الزيادة وفساد القرض، وقد تقدم جميع ذلك سواء كان المال الذي يقترضه من المكيل أو الموزون أو لم يكن منهما كالمعدود وما يباع مشاهدة أو مذروعا أو غير ذلك. والدليل عليه أولا الاجماع وثانيا قوله صلى الله عليه وآله كل قرض يجر منفعة فهو حرام وثالثا الاخبار الكثيرة التي تقدم بعضها أن الشرط يفسد القرض وفيها إطلاق يشمل المكيل والموزون وغيرهما. وخلاصة الكلام أن المراجعة إلى الروايات الواردة في باب القرض وأقوال الفقهاء والمحدثين يوجب الاطمينان بأن شرط الزيادة والنفع بالتفصيل المتقدم موجب لحرمة تلك الزيادة وفساد القرض، سواء كان المال الذي يقترضها المقترض من

 

الاجناس الربوية أي من المكيل والموزون، أو لم يكن كذلك. والله الهادي إلى الصواب، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.