قاعدة لا ضمان على المستعير

60 - قاعدة لا ضمان على المستعير  

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأولين والآخرين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين. قاعدة لا ضمان على المستعير (*) ومن جملة القواعد الفقهية أنه ليس على المستعير ضمان إلا أن تكون العارية ذهبا أو فضة، أو شرط عليه . وفيها جهات من البحث: الأولى: في بيان المراد منها وشرح ألفاظها ; الثانية: في الدليل عليها ; الثالثة: في فروعها. الجهة الأولى في معنى العارية وفروعها فالمراد من الضمان كون الشيء بما له من المالية في عهدة الضامن، فيجب أداؤه للمضمون له وتفريغ ذمته عن حق الغير.

 

 

(هامش)

 

(*). القواعد ص 251، المبادي العامة للفقه الجعفري ص 286. (*)

 

والمراد من المستعير هو الشخص الذي أخذ عينا ذات منفعة لكي ينتفع بها مجان وبلا عوض، فلابد من بيان معنى العارية والمعير والمستعير والعين المعارة وأحكامه وفروعها التي تترتب عليها. فنقول: قال في المسالك ناقلا عن الخطابي في غريبة: إن اللغة الغالبة في العارية أن تكون مشددة وقد تخفف (1)، وحكى عن الجوهري وابن الأثير في نهايته أنها منسوبة إلى العار، لان طلبها عيب وعار على المستعير، وقيل: منسوبة إلى العارة التي هي مصدر ثان للإعارة، كالطاقة والجابة للإطاقة والإجابة (2). وبناءا على هذا القول يكون معنى العارية والإعارة واحدا مثل الطاقة والإطاقة، وقيل: بمعنى التعاور، أي الذي يأتي ويذهب إلى الإنسان أو يتداول الشيء بينهم، بمعنى أنه يتحول من يد إلى يد. ولكل واحد من هذه الأقوال والاحتمالات وجه، ولكن الأظهر هو الاحتمالان الأولان، أي كونها منسوبة إلى العار أو إلى العارة، فتكون ياؤها مشددة، لأنها ياء النسبة. أقول: العارية عبارة عن تسليط شخص على عين ذات منفعة لكي ينتفع بها مجانا وبلا عوض. وهذا معنى العارية إذا أضيفت إلى المعير بالمعنى المصدري، فتكون العارية بناءا على هذا بمعنى الإعارة الذي هو فعل المعير. والفرق بينها وبين الإجارة - بناءا على ما هو المشهور من تعريف الإجارة بأنها تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم - من جهتين: إحداهما: أن الإجارة تمليك المنفعة، والعارية صرف تسليط للانتفاع، لا أن

 

(هامش)

 

(1). مسالك الإفهام ج 1، ص 248، نقل عن الخطابي، الخطابي في غريب الحديث ج 3، ص 232. (2) مسالك الإفهام ج 1، ص 248، حكى عن الجوهري وابن الأثير، الجوهري في الصحاح ج 2، ص 761، ابن الأثير في النهاية ج 3، ص 320 مادة (عور). (*)

 

تكون المنفعة ملكا للمستعير. ويترتب عليه آثار مذكورة في محله. الثانية: أن جواز الانتفاع واستيفاء المنافع في العارية مجاني وبلا عوض، وفي الإجارة يكون بعوض معلوم. ولا فرق في هذه الجهة الثانية بين أن تكون حقيقة الإجارة هي تمليك المنفعة كما هو المشهور، أو صرف التسليط على الانتفاع كما أنه ربما يقال. وفي إجارة الأعيان هما متفقان في أن ما تعلقا به لابد وأن يكون عينا ذات منفعة محللة يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها. ولعله إلى هذا يرجع قولهم: كلما صحت إعارته صحت إجارته. ثم إن العارية حيث أن قوامها بإذن المالك أو من بيده الأمر - وفي هذه الجهة بمنزلة المالك - فتكون جائزة من الطرفين، لان المالك أو من هو بمنزلته متى رجع عن إذنه فتنتفي العارية لانتفاء ما به قوامها، فهي من العقود الإذنية إن صح القول بأنها من العقود. والغالب المتعارف عند الناس وقوعها بالمعاطاة، وإن صح وقوعها بالعقد أيضا. ولا فرق في كونها جائزة بين وقوعها بالعقد أو بالمعاطاة، لما ذكرنا من أن قوامها بالإذن، فإذا انتفى تنتفي. هذا هو معنى العارية والمراد منها. وأم المعير فمفهومه بين لا يحتاج إلى بيان. ويشترط فيه أن يكون جائز التصرف، ولا يكون محجورا عليه بصغر، أو بفلس، أو بسفه، أو بجنون، أو بمرض يقع موته فيه، وذلك لأنه لو كان ممنوعا عن التصرف يكون إذنه كالعدم، وتقدم أن قوام العارية بالإذن، وبانتفائه تنتفي. نعم قال في الشرائع: ولو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة (1). وحكى في الجواهر ذلك عن الإرشاد والتحرير واللمعة أيضا (2).

 

(هامش)

 

(1) شرائع الإسلام ج 2، ص 171. (2) جواهر الكلام ج 27، ص 160، العلامة في إرشاد الأذهان ج 1، ص 439، تحرير الأحكام ج 1، (*)

 

وخلاصة استدلالهم على الجواز: أنه بالإذن يخرج عن كونه ممنوع التصرف فيرتفع المانع، وأيضا تقدم أن قوام صحة العارية بالإذن من قبل المالك أو من يكون بمنزلته وله الإذن، فإذا أذن الولي يحصل ذلك. نعم اشترط بعضهم - مضافا إلى إذن الولي - أن يكون مميزا كي يعرف مراعاة المصلحة. وفيه: أن إذن الولي لا يجعل غير المشروع مشروعا، فبعد دلالة الآيات و الروايات على اشتراط نفوذ تصرفات الصبي بصيرورته بالغا بأحد أسباب البلوغ من الإنبات أو الاحتلام أو إكمال خمسة عشر سنة هلالية، فبالإذن ل يصير غير النافذ نافذا. اللهم إلا أن يدعى انصراف الأدلة عن صورة إذن الولي، ولكن لا شاهد لهذه الدعوى. نعم دعوى الانصراف فيما إذا كان الصبي بمنزلة الآلة لا بعد فيها، ولكن ذلك خروج عن الفرض، إذ الفعل في هذه الصورة مستند إلى نفس الولي، كما أن الكتابة والقطع مستند إلى نفس الفاعل بالحمل الشائع، لا إلى القلم والسيف. هذ أولا. وثانيا: لو كان بمنزلة الآلة فلا فرق بين الصبي والمجنون وسائر موجبات الحجر والمنع عن التصرف. نعم فيما إذا كان علة عدم نفوذ معاملاته تعلق حق الغير به مثل المملوك، أو بما يتصرف فيه كالعين المرهونة، أو مال الغير، فبالإذن ممن له الإذن يرتفع المانع. وإن شئت قلت: إن إذن الولي له في التصرف لا يخرج تصرفاته عن كونه تصرفا من قبله وإعطاءا منه، والمفروض أن الشارع الأقدس منعه عن التصرف حتى في مال نفسه، واشترط جواز تصرفاته ونفوذها بالبلوغ والرشد، فالدليل

 

(هامش)

 

ص 269، الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية ص 156. (*)

 

الشرعي جعل إعطاءه كلا إعطاء، وإذنه كلا إذن. فالإنصاف أن مقتضى الاحتياط الذي ل ينبغي تركه، هو اجتناب المستعير عن عارية الصبي وإن كان مأذونا من قبل وليه. وخلاصة الكلام: أنه لا فرق بين العارية وسائر المعاملات خصوصا الجائزة منها، فإن قيل بجوازها ونفوذها مع إذن الولي فيمكن القول بجواز عاريته ونفوذها أيضا، وإل فالتخصيص بها لا وجه له. وأم المستعير فهو أيضا مبين من حيث المفهوم، وهو الذي يتسلم العين لأجل الانتفاع بها. ويشترط فيه أن يكون أهلا للانتفاع بالعين المعارة، فلا يصح إعارة المصحف للكافر بناءا على عدم جواز انتفاعه به. والوجه واضح، لان الغرض من العارية هو الانتفاع بالعين بالمعارة، فلو لم يجز الانتفاع بها شرعا فتكون كما لا منفعة لها أصلا، لان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فإعارتها باطلة. وكذلك إعارة الصيد للمحرم يكون باطلا، لعدم جواز الانتفاع به للمحرم لوجوب إرساله عليه، للروايات الواردة في هذا الباب، وقوله عليه السلام فيه: فخل سبيله 1، وقوله عليه السلام فيه: حرم إمساكه 2. وكذلك يشترط فيه أن يكون معينا، فلو أعار شيئ غير معين، كأحد هذين، أو بعض هؤلاء وأمثال ذلك لا يصح، وذلك لعدم معلومية طرف الإيجاب وأنه أنش

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 4، ص 236، باب صيد الحرم وما تجب فيه الكفارة، ح 19، وسائل الشيعة ج 9، ص 199، أبواب كفارات الصيد، باب 12، ح 6. (2) الفقيه ج 2، ص 262، ح 2370، باب تحريم صيد الحرم وحكمه، ح 21، وسائل الشيعة ج 9، ص 199، أبواب كفارات الصيد، باب 12، ح 4. (*)

 

الإعارة لمن، فكما أنه في الإجارة التمليك - بناءا على أنها تمليك أو التسليط بناء على القول الآخر - لغير المعين المردد غير معقول، كذلك الحال في العارية تسليط المجهول المردد غير مفهوم. وأما لو كان المستعير معينا فلا مانع وإن كانوا متعددين، كما إذا قال: أعرت هذا الإبريق لأهل هذا المنزل ليستعملوا في تطهيرهم، أو يقول المعير: أعرت هذا القوري أو هذا القدر لهؤلاء العشرة ليطبخوا فيه الغذاء أو الشاي، وهكذا في سائر الأدوات في سائر الاستعمالات. ومثل هذه العارية جارية ودائرة في الجيران، فيعير أحد الجيران مثلا للآخر ما يحتاج إليه تمام أهل المنزل الآخر من أدوات البيت. نعم هل ذلك مختص بما إذا كان عددهم محصورا؟ أو يجوز وإن كانوا غير محصورين، فيجوز أن يقول: أعرت هذا الشيء لجميع الناس؟ الظاهر هو الثاني، فيصح أن يعير مثلا إبريقا للتطهير في محل عام من مسجد، أو خان وقف لجميع الناس ممن يريد أن يصلي هناك، أو ينزل فيه عابرا، كما هو الجاري في الرباطات أو خانات الوقف، ولا مانع من ذلك لا شرعا، لشمول العمومات لمثل هذا، فلا يبقى محل لجريان أصالة الفساد بناء على جريانها في أبواب المعاملات، ولا عقلا، لبناء العقلاء على صحتها، وعدم محذور عقلي في البين، كما هو ظاهر. نعم لابد أن يكون أفراد عنوان العام غير المحصور ممن يمكن أن ينتفعوا بتلك العين المعارة، وإلا يكون جعلها عارية لهم لغوا، فلو قال: أعرت هذا الشيء لجميع أهل العالم، ربما يكون لغوا، لعدم إمكان انتفاع جميع أهل العالم به عادة، إلا إذا قيدها بقيد مثل أن يقول: أعرت هذا الإبريق لجميع أهل العالم ممن يعبر بهذا الخان مثلا، أو يقول: أعرت هذا الكتاب لمطالعة جميع أهل العالم ممن يأتي ويدخل هذه

 

المكتبة العامة من أي صنف، وأهل أي مذهب أو دين أو ملة كان. ويشترط فيه أيضا أن يكون عاقلا بالغا، لعدم تحقق المعاملة مع من هو مسلوب العبارة، فلو كان المستعير مجنونا أو صبيا لا اعتبار بقبولهما ويكون كالعدم، فلا يمكن أن يكونا طرفا للعقد. وحيث أن العارية من العقود والمعاملات فلابد أن يكون الموجب والقابل كلاهما قابلين لان يكونا طرفا العقد، ولا يكونان مسلوبي العبارة. وأم العين المستعارة فهي كل شيء يصح الانتفاع به مع بقاء عينه، ولابد أن تكون المنفعة محللة مقصودة للعقلاء، فإذا لم تكن له منفعة أصلا، أو كان ولم تكن محللة مثل آلات اللهو، وأواني الذهب والفضة للاكل والشرب، أو كان له منفعة محللة ولكن لم تكن مقصودة للعقلاء، كالانتفاعات الطفيفة التي لا يعتني العقلاء بها، أو كان جميع ذلك ولكن لا تحصل إل بإتلاف عينه، كالمأكولات والمشروبات، ففي جميع ذلك لا تصح العارية، وفي بعض تلك المذكورات وإن كان الاعطاء صحيحا بعنوان الإباحة، ولكن لا يصدق العارية على كل م يصدق عليه إباحة المنافع. وبناءا على ما ذكرنا يصح، إعارة الحلي للتزين، والثياب للبس والدواب و الخيل للركوب والحمل، وكذلك السيارات والطيارات للحمل والركوب، والدكاكين و الخانات للتكسب، والمنازل للسكنى، والأراضي والعقار للزرع والغرس، وأدوات أهل الصناعة لمن يشتغل بتلك الصنعة، كأدوات النجارين والحدادين والحذائين وسائر أرباب الحرف والصنائع لهم، والكتب للمطالعة والمصاحف وكتب الادعية للقراءة، والفراش لمن له حاجة إلى الفراش، وهكذا في جميع ما ينتفع به منفعة محللة للذي يريد الانتفاع بها. نعم في بعض الامثلة والمصاديق التي ذكرها الفقهاء تشكيك صغروي، وإل فالضابط الكلي الذي ذكرناه للعين المستعارة لا كلام فيه.

 

الجهة الثانية في بيان الدليل على هذه القاعدة وهو عدم الضمان لو تلفت العين المستعارة بدون تعد ولا تفريط، إلا إذا شرط المعير الضمان عليه، أو كان المعار ذهب أو فضة. وهذه القاعدة مركبة من عقدين: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي. أما العقد السلبي فهو عدم الضمان على المستعير لو تلفت العين المستعارة بدون تعد ولا تفريط. والعقد الإيجابي هو الضمان بأحد الأمرين: إما الشرط من طرف المعير، وإما كون المعار ذهبا أو فضة. فالأول - أي العقد السلبي - أي عدم الضمان فأولا من جهة أن العين المعارة أمانة مالكية، لان المالك - أو من بيده الأمر الذي هو بمنزلة المالك - أعطاها للمستعير لكي ينتفع بها مجانا، ومعلوم أن الامين مأمون وليس عليه شيء، لا إذا تعدي وفرط، فيخرج عن كونه أمينا وتصير يده عارية، فتشملها قاعدة وعلى اليد م أخذت حتى تؤديه . كما أن الأمر كذلك في باب الاجارات أيضا، فالمالك هناك يسلم العين إلى المستأجر ليستوفى المنفعة التي ملكها بعقد الإجارة. وخلاصة الكلام: أنه في كل مورد كانت اليد مأذونة من قبل من له الإذن فاليد ليست موجبة للضمان. وقد تقدم أنها مع التعدي والتفريط تخرج عن كونها أمانة، ففي مورد العارية حيث أن يد المستعير يد أمانة ومأذونة - كما هو المفروض - فلا توجب ضمانا لذي اليد. وثانيا: من جهة الأخبار الواردة في المقام:

 

منها قوله عليه السلام في صحيح الحلبي: صاحب العارية والوديعة مؤتمن 1. وقرن عليه السلام في هذه الرواية مع الوديعة التي ليس فيها الضمان قطعا ما لم يفرط. ومنها: أيضا عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلا أن يكون اشترط عليه 2. ومنها: ما رواه عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العارية؟ فقال: لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمون 3. والظاهر أن المراد من الشرطية الأخيرة أي: لم يخرج عن كونه أمينا بالتعدي والتفريط. ومنها: ما رواه أبو بصير المرادي عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صفوان بن أمية فاستعار منه سبعين درعا بأطرافها 4 فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال النبي: بل عارية مضمونة 5. ومنها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن العارية

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 7، ص 183، ح 805، باب العارية، ح 9، الاستبصار ج 3، ص 124، ح 441، باب العارية غير مضمونة، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 237، في أحكام العارية، باب 1 ح 6. (2) الكافي ج 5، ص 238، باب ضمان العارية والوديعة، ح 1، وسائل الشيعة ج 13 ص 236، في أحكام العارية، باب 1، ح 1. (3) الكافي ج 5، ص 239، باب ضمان العارية والوديعة، ح 5، تهذيب الأحكام ج 7، ص 182، ح 801، باب العارية، ح 4، الاستبصار ج 3 ص 124، ح 443، باب ان العارية غير مضمونة، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 236، في أحكام العارية، باب 1، ح 3. (4) الكافي ج 5، ص 240، باب ضمان العارية والوديعة، ح 10، تهذيب الأحكام ج 7، ص 183، ح 803، باب العارية، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 236، في أحكام العارية، باب 1، ح 4. (5) الكافي ج 5، ص 240، باب ضمان العارية والوديعة ح 10، تهذيب الأحكام ج 7، ص 183 ح 803، باب العارية، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 236، في أحكام العارية، باب 1، ح 4. (*)

 

يستعيرها الإنسان فتهلك أو تسرق؟ فقال: إن كان أمينا فلا غرم عليه 1. ومنها: م رواه محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعار جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائله، فقضى أن لا يغرمها المعار ول يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة 2. ومنها: ما رواه مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: سمعته يقول: لاغرم على مستعير عارية إذا هلكت، أو سرقت، أو ضاعت إذا كان المستعير مأمون 3. ودلالة هذه الروايات على عدم الضمان في العارية على المستعير إن كان أمينا ولم يظهر منه تعد ولم يصدر عنه تفريط واضح لا يحتاج إلى البيان والشرح والايضاح، وهذا هو العقد السلبي لهذه القاعدة. وأما بالنسبة إلى العقد الإيجابي - أي ثبوت الضمان فيما إذ فرط وخرج عن كونه أمينا - أيضا يظهر من هذه الروايات بمفهوم قوله عليه السلام: إذا كان أمين حيث أنه عليه السلام اشترط عدم الضمان بكونه أمينا ولم يتعد ولم يفرط، مضافا إلى أنه مقتضى قاعدة وعلى اليد بعد ما خرجت عن كونها يد أمانة بعد التعدي والتفريط. وأما ثبوت الضمان فيما إذا اشترط: فأولا لقوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم 4، فيجب الوفاء بكل شرط سائغ،

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 7 ص 182 ح 799، باب العارية ح 2، الاستبصار ج 3، ص 124 ح 442، باب أن العارية غير مضمونة، ح 2، وسائل الشيعة ج 13، ص 237، في أحكام العارية، باب 1 ح 7 (2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 182، ح 800 باب العارية ح 3، الاستبصار ج 3، ص 125، ح 447، باب ان العارية غير مضمونة، ح 7، وسائل الشيعة ج 13 ص 237 في أحكام العارية، باب 1 ح 9. (3) تهذيب الأحكام ج 7 ص 184، ح 813، باب العارية، ح 16، الاستبصار ج 3، ص 125، ح 444، باب أن العارية غير مضمونة، ح 4، وسائل الشيعة ج 13، ص 237، في أحكام العارية، باب 1 ح 10. (4) عوالي اللئالي ج 1، ص 218، ح 84، وفيه: المسلمون بدل المؤمنون، وسائل الشيعة ج 12، ص 303، أبواب الخيار، باب 6 ح 1 و 2 و 5. (*)

 

وقد بينا في بعض القواعد المتقدمة شروط صحة الشرط ونفوذه، وقوله صلى الله عليه وآله كل شرط جائز إلا ما خالف كتاب الله 1، وقوله عليه السلام: كل شرط جائز إلا م أحل حراما، أو حرم حلال 2. ومعلوم أن شرط الضمان في العارية لي مما استثنى من الكلية المذكورة. وثانيا: للروايات الواردة في خصوص المقام: منها: قوله عليه السلام في رواية الحلبي المتقدمة: إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه، إلا أن يكون اشترط عليه 3. ومنها: رواية أبان في قضية استعارة رسول الله الدروع من صفوان بن أمية وقوله بل عارية مضمونة بعد قول صفوان له صلى الله عليه وآله أغصبا 4. وأم ثبوت الضمان فيما إذا كان المعار ذهبا أو فضة وإن لم يشترط الضمان إذا لم يشترط عدمه، فللروايات الدالة على ذلك: منها: ما رواه عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمان إلا الدنانير، فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمان 5. ومنها: ما رواه زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: العارية مضمونة؟ فقال:

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5، ص 169، باب الشرط والخيار في البيع، ح 1، تهذيب الأحكام ج 7 ص 22 ح 93 و 94، باب عقود البيع، ح 10 و 11، وسائل الشيعة ج 12 ص 303، أبواب الخيار، باب 6 ح 5. (2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 467، ح 1872، في الزيادات في فقه النكاح، ح 80 وسائل الشيعة ج 12: ص 303، أبواب الخيار، باب 6 ح 5. (3) تقدم راجع ص 17، هامش رقم (2). (4) تقدم راجع ص 17، هامش رقم (5). (5) الكافي ج 5، ص 238، باب ضمان العارية والوديعة ح 2، تهذيب الأحكام ج 7 ص 183، ح 804، باب العارية، ح 7، الاستبصار ج 3، ص 126، ح 448، باب أن العارية غير مضمونة ح 8، وسائل الشيعة ح 13، ص 239، في أحكام العارية، باب 3، ح 1. (*)

 

جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه، إلا الذهب والفضة فإنهما يلزمان، إلا أن تشترط عليه أنه متى توى لم يلزمك تواه، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك، والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك 1. ومنها ما رواه عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس على صاحب العارية ضمان إلا أن يشترط صاحبها، إلا الدراهم فإنها مضمونة، اشترط صاحبها أو لم يشترط 2. ومنها: ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله أو أبي إبراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس على مستعيرها ضمان إلا ما كان من ذهب أو فضة، فإنهما مضمونان، اشترطا أو لم يشترط 3. وهذه الأخبار مختلفة من حيث العموم والخصوص، والاطلاق والتقييد. ففي بعضها أخرج عن تحت عموم ما يدل على عدم الضمان مورد اشتراط الضمان فقط مثل رواية الحلبي المتقدمة، وفي بعضها الآخر أخرج أمرين: أحدهما مورد شرط الضمان، والثاني خصوص الدنانير كرواية عبد الله بن سنان، وفي بعضها الآخر أخرج مورد شرط الضمان وكون المعار من الدراهم، وفي البعض الآخر أخرج مطلق الذهب والفضة، سواء كانا مسكوكين أو لم يكونا، كرواية إسحاق ابن عمار، وفي بعضها لا تخصيص ولا تقييد أصلا، بل ينفي الضمان في العارية مطلقا، كرواية الحلبي المتقدمة عن الصادق عليه السلام ليس على مستعير عارية ضمان، وصاحب

 

(هامش)

 

(1) الكافي ج 5 ص 238، باب ضمان العارية والوديعة، ح 3، تهذيب الأحكام ج 7، ص 183 ح 806، باب العارية ح 9، الاستبصار ج 3، ص 126 ح 450، باب أن العارية غير مضمونة، ح 10، وسائل الشيعة ج 13 ص 239، في أحكام العارية، باب 3 ح 2. (2) تهذيب الأحكام ج 7 ص 184 ح 808، باب العارية ح 11، وسائل الشيعة ج 13 ص 240، في أحكام العارية، باب 3 ح 3. (3) الفقيه ج 3، ص 302 ح 4083، باب العارية، ح 1، تهذيب الأحكام ج 7 ص 184، ح 807، باب العارية ح 10 وسائل الشيعة ج 13، ص 240، في أحكام العارية، باب 3، ح 4. (*)

 

الوديعة والعارية مؤتمن 1. وفي بعضها يقيد نفي الضمان بكون المستعير مأمون. والمجموع وإن كانت ستة طوائف، لكن اثنان منها يرجع إلى واحد، من حيث أن مفادها نفي الضمان عن المال المستعار مطلقا من أي جنس كان. والاختلاف الذي بينهما - من حيث تقييد المستعير في أحدهما يكون المستعير مأمونا دون الآخر - لا تأثير له في ما هو المهم في المقام، لان الكلام في الاطلاق والتقييد من حيث المال المستعار. فكأنه في المقام وردت خمس طوائف، اثنان منها مفادهما نفي الضمان مطلقا، شرط أو لم يشترط، كان من الذهب والفضة أو لم يكن، كان من الدراهم والدنانير أو لم يكن. وهذا هو العام الفوقاني الذي يرد القيود عليه. الثالثة والرابعة لكل واحد منها عقد سلبي وعقد ايجابي. والعقد السلبي في الطائفة الثالثة - أي رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله - عدم الضمان في كل عارية لم يشترط فيها الضمان، والعقد الإيجابي هو عقد المستثنى، وهو ثبوت الضمان فيما إذا كان المعار هو الدراهم. فهذا العقد الإيجابي يخصص العمومات أو يقيد المطلقات التي كان مفادها عدم الضمان في كل عارية من أي جنس كان، وهو العام الفوقاني. وكذلك الطائفة الرابعة لها عقد سلبي وعقد إيجابي، كرواية عبد الله بن سنان. والعقد السلبي فيها عبارة عن عدم الضمان في كل عارية لم يشترط فيها الضمان من أي جنس كان، إلا أن تكون من جنس الدنانير، والعقد الإيجابي فيه عبارة عن ثبوت الضمان في عارية الدنانير مطلقا، اشترط صاحبها أو لم يشترط. وهذ العقد الإيجابي في هذه الطائفة أيضا يخصص عام الفوقاني الذي كان مفاده عدم الضمان من أي جنس كان، لأنه أيضا أخص منه. وقد بينا في محله أنه

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 17، هامش رقم (1). (*)

 

إذا ورد عام وخصوصات متعددة، يخصص العام بجميعه ما لم يصل إلى حد الاستهجان. ثم إن هذين العقدين الإيجابيين في الطائفة الثالثة والرابعة كما يخصصان عمومات الفوقاني الذي مفادها عدم الضمان مطلقا، كذلك يقيد كل واحد منها العقد السلبي الذي في الآخر، وذلك لاخصيته منه. مثلا العقد الإيجابي في الطائفة الثالثة - أي رواية عبد الملك بن عمرو - هو ثبوت الضمان فيما إذا كان المعار هو الدرهم يخصص العقد السلبي الذي هو في رواية عبد الله بن سنان التي هي عبارة عن عدم الضمان في كل عارية لم يشترط فيه الضمان لاخصيته منه كما هو واضح. والعقد الإيجابي في الطائفة الرابعة - التي هي عبارة عن ثبوت الضمان في عارية الدنانير مطلقا اشترط صاحبها أو لم يشترط - يخصص العقد السلبي في الطائفة الثالثة، وهي عدم الضمان في كل عارية لم يشترط فيها الضمان لاخصيته منه. وكذلك العقد الإيجابي في الروايات التي اشترط فيها عدم الضمان فيه بعدم الاشتراط الذي هو عبارة عن ثبوت الضمان بالاشتراط أيضا يخصص العام الفوقاني. فالمتحصل من الطوائف الاربع - ما عدا الطائفة الأخيرة الباقية الخامسة - أن كل عارية لا ضمان فيها إلا أن يشترط صاحبها أو يكون المال المستعار من الدراهم أو الدنانير إلا أن يشترط فيها عدم ضمان، كما تدل عليه رواية زرارة المتقدمة 1. والعقد الإيجابي في الطائفة الخامسة - أي رواية إسحاق بن عمار - وهو عبارة عن ثبوت الضمان في كل عارية كانت من ذهب أو فضة مطلقا، سواء أكان مسكوكا كالدراهم والدنانير، أم لم يكن مسكوكا كالحلي للنساء والسبائك من الذهب أو

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 20، هامش رقم (1). (*)

 

الفضة فيكون معارضا مع العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار، لان مفاد العقد السلبي فيهما عدم الضمان في غير المسكوك من الذهب والفضة، ومفاد رواية إسحاق بن عمار ثبوت الضمان فيهما وإن كانا غير مسكوكين. والنسبة بين هذين المتعارضين عموم وخصوص من وجه، وهو واضح. وفي مادة الاجتماع - أي الذهب والفضة غير المسكوكين - مفاد العقد السلبي لروايتي الدينار والدرهم - وهو عدم الضمان لغير المسكوكين منهما - نفي الضمان، ومفاد العقد الإيجابي لرواية عمار هو إثبات الضمان، فيتعارض العقد السلبي من روايتي الدرهم والدينار مع العقد الإيجابي من رواية عمار. فإن قلنا بالتساقط في المتعارضين اللذين بينهما عموم وخصوص من وجه، في مادة الاجتماع كما في المقام فيتساقطان، والمرجع بعد التساقط عموم الفوق، وهو رواية الحلبي التي نفت الضمان مطلقا. ولكن بناءا على ما اخترناه في باب التعارض في الاصول من انقلاب النسبة بواسطة المخصص وإن كان منفصلا 1 فعام الفوق أيضا يكون طرف المعارضة، لأنه بعد ورود الدليل على ثبوت الضمان في عارية الدراهم والدنانير تتضيق دائرة حجية العام الفوق، ولايكون حجية عمومه باقية، فلا يمكن التمسك بعمومه ويختص بما ليس بدرهم ولا دينار، ويكون مضمونه عدم الضمان في كل عارية ما عدا الدراهم والدنانير، فيكون متحد المضمون مع العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار. فبناء على التساقط في المتعارضين بالعموم من وجه يتساقط الجميع، أي العام الفوقاني الذي هو مضمون رواية الحلبي والعقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار والعقد الإيجابي في رواية إسحاق بن عمار، فتصل النوبة إلى الأصل العملي، وهو البراءة عن ضمان الذهب والفضة غير المسكوكين.

 

(هامش)

 

(1) منتهى الاصول ج 2 ص 579. (*)

 

هذا كله مع فقد المرجح والقول بالتساقط في المتعارضين بالعموم من وجه، وإلا فمع وجود المرجح يجب الأخذ بما هو ذوالمزية، ومع عدم المرجح والقول بعدم التساقط فالتخيير. فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه ليس على المستعير ضمان، إلا إذا اشترط عليه الضمان، أو كانت المعارة درهما أو دينارا، إلا إذا اشترط فيهما عدم الضمان. وأم الذهب والفضة غير المسكوكين فالأظهر أنه أيضا لا ضمان فيهما، للعموم الفوقاني، أو لاصالة البراءة. هذا ما هو مقتضى القواعد، ولكن الإنصاف أن تقييد إطلاق رواية الذهب والفضة بخصوص المسكوك منهما تقييد بالفرد النادر، لان الاغلب في عاريتهما هو عارية الحلي لا الدراهم والدنانير، فمحل قوله عليه السلام عارية الذهب والفضة فيها ضمان مطلقا سواء اشترط أو لم يشترط 1 على خصوص الدراهم والدنانير مستهجن وبعيد جد. فالأقوى ثبوت الضمان في عارية مطلق الذهب والفضة كما هو المشهور، و تخصيص العام الفوقاني بما عدا مطلق الذهب والفضة سواء كانا مسكوكين أم لا. وتقديم التقييد وكونه أولى من التخصيص لا يأتي هاهنا، لا ستهجان التقييد وحمل المطلق على الفرد النادر. الجهة الثالثة في بيان فروع العارية وأحكامها فرع: هل يجوز إعارة الشاة أو البقر أو غيرهما من الحيوانات اللبونة الحلوبة

 

(هامش)

 

(1) تقدم ص 20، هامش رقم (2). (*)

 

للانتفاع بلبنها، أو الاغنام بصوفها، أو الامعز للانتفاع بوبرها؟ الظاهر جوازها، وكذلك الابار للانتفاع بمياهها. والإشكال بعدم انطباق ضابط العارية عليها، بأن العارية هي التسليط على العين التي لها منفعة للانتفاع بها مجانا مع بقاء العين، فلا ينطبق على المذكورات، لعدم بقاء العين فيها، بل الانتفاع بإتلاف مقدار من العين أي الحليب في بعضها، والصوف والوبر في بعضها، والماء في الابار. لا أساس له، لان العين والمنفعة تختلفان في الأشياء عند العرف، فالعرف يرى العين في المذكورات نفس الشاة والبقر وسائر الحيوانات اللبونة، ويرى اللبن منفعة، كما أنه يرى نفس أشجار الفواكه عينا، ويرى الفواكه منفعة لها، ولذلك يقال: آجر بستانه بكذا، مع أنه ملك فواكه أشجاره للمتسأجر بعوض معلوم، والإجارة عنده عبارة عن تمليك منفعة العين مع بقاء نفس العين على ملك المؤجر، وليس هذا إلا من جهة أنه يرى الفواكه منفعة للاشجار. نعم لو انفصلت الفواكه عن الاشجار وملكها بعوض معلوم لشخص يقال أنه باعها، ولا يقال: آجرها، وكذلك في المقام لو ملك الماء أو اللبن أو الصوف أو الوبر منفصلة يقال: أنه باعها، ولا يقال: آجرها. أما لو تعلق عقد الإجارة بالعين باعتبار منافعه التي هي الاثمار بالنسبة إلى الاشجار، واللبن والوبر بالنسبة إلى الحيوان، والماء بالنسبة إلى الابار فيقال: آجرها. وخلاصة الكلام: أن ما ينعدم هو منافع هذه الأعيان لا أصلها، فينطبق الظابط المذكور عليها، ولا إشكال في البين أصلا. والإجارة والعارية من واد واحد، والفرق بينهما أن الانتفاع في العارية بلا عوض ومجاني، وفي الإجارة بعوض معلوم، ولا شك في صحة إجارة هذا الأمور، فكذلك العارية. والسيرة المستمرة جارية في كليهما، أي الإجارة والعارية، وادعى الإجماع والاتفاق القولي أيض.

 

مضافا إلى ورود النص في الشاة المنحة في قوله صلى الله عليه وآله: العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم 1 وضعف سندها منجبر باتفاق الأصحاب على الأخذ بمضمونها. وأما الإشكال على دلالة الحديث الشريف بأنه صلى الله عليه وآله جعل المنحة في قبال العارية وقسما آخر غيرها، وبين أحكاما لموضوعات مختلفة، فالحديث في عدم كون المنحة من العارية أظهر. فيه: أنه بعد ما ذكرنا من فهم العرف أن التسليط على الشاة المنحة للانتفاع بلبنها مجانا وبلا عوض عارية عندهم، لأنهم يرونه من التسليط على العين التي لها منفعة لأجل الانتفاع بها، وهذه هي العارية عندهم. وقد حققنا في محله أن عناوين المعاملات من البيع والإجارة وغيرهما ليست من الماهيات المخترعة شرعا، بل هي عناوين عرفية، فذكر الشارع لها أن الشاة المنحة بعد ذكر العارية من قبيل ذكر الخاص بعد العام لأجل خصوصية فيه. والظاهر أنها في المقام كثرة ابتلاء الناس بهذا القسم من العارية، والاحتياج إلى بيان حكمها، لكثرة تدأولها في ذلك الوقت بينهم، وذلك لان الاحتياج إلى العارية غالبا في الأشياء التي تكون محل الابتلاء في أمر، أو المعيشة مع فقدها عند المستعير، والمنحة كانت في ذلك العصر كذلك، ولا شك في أن الاحتياج إلى الأشياء بالنسبة إلى الاعصار والامصار يختلف. فرع: لاشك في أنه إذا أعار شيئا وكانت الإعارة صحيحة يجوز للمستعير

 

(هامش)

 

(1) مستدرك الوسائل ج 13، ص 435، أبواب كتاب الضمان، باب 1، ح 2، سنن الترمذي ج 3، ص 565، ح 1265، كتاب البيوع، باب 39، سنن أبي داود ج 3 ص 296، ح 3565، باب في تضمين العارية، كتاب البيوع. (*)

 

الانتفاع بما جرت العادة بمثل ذلك الانتفاع به، فلو أعار مثلا قدرا له الطبخ فيه، أو كتابا فله المطالعة فيه، ولو كان من الكتب التي يستصحبها التلميذ للحضور في مجالس درس الأستاذ فله ذلك، ولو كان فراشا فله أن يبسطه للجلوس عليه أو النوم عليه، هو أو من يتعلق به من عياله أو أضيافه ومن يتردد عنده أو في سائر احتياجاته المتعارفة من الفراش، كل ذلك لأجل أنها أثر العارية الصحيحة، ولأجل ذلك شرعت العارية. وإن كانت للعين المعارة منافع متعددة، كالدابة مثلا للحمل والركوب، والأرض للزرع والغرس والبناء، فإن عين المعير واحدة من تلك المنافع تعين الانتفاع بها فقط، كما أنه لو صرح بجواز الجميع يجوز له الانتفاع بالجميع. أما لو أطلق وقال: أعرتك هذه الدابة مثلا فهل يجوز الانتفاع بجميع منافعه، أو خصوص ما جرت به العادة، أو واحدة منها تخييرا؟ احتمالات. والظاهر هو الثاني، لأنه المتبادر من اللفظ عند عدم التصريح بجميع المنافع. وربما ينصرف عن بعض المنافع حتى مع التصريح بجميع المنافع، فلا يجوز الانتفاع بمثل تلك المنفعة إلا مع التصريح بها بخصوصها. كل ذلك لأجل عدم الجواز إلا مع الإذن، فلابد إما أن يعلم بالإذن، أو يكون اللفظ ظاهرا فيه، فيكون بمنزلة العلم لحجية الظهورات. فرع: وحيث أن العارية من العقود الإذنية التي قوامه بالإذن فهي جائزة من الطرفين. أما من طرف المعير، فمن جهة أنه متى رجع عن إذنه فيكون تصرف المستعير في مال الغير بدون إذن صاحبه، ومعلوم عدم جوازه. ولا يقاس بباب الإجارة، لان المنافع هناك ملك للمستأجر إلى مدة معينة، وأصالة اللزوم في الأملاك تمنع عن إرجاع المؤجر تلك المنافع إلى ملكه ثانيا، مضافا إلى سائر أدلة

 

اللزوم في باب الإجارة. وأما من طرف المستعير: لأنه لا ملزم عليه أن يتصرف في مال الغير، فمتى ارتفعت حاجته، له أن يرد العارية إلى صاحبها. وهذا هو معنى الجواز من طرفه. فرع: تبطل العارية بموت المعير، لما قلنا أن العارية صحتها وبقاؤها متقوم ببقاء إذن المالك ورضائه، وإلا يكون تصرفا في مال الغير بدون إذنه ورضاه. وهو معلوم عدم الجواز، والموت يوجب خروجها عن ملكية الميت وانتقالها إلى غيره من الوارث أو الموصى له أو غيرهما، فيكون تصرف المستعير بدون إذن المالك، فلا يجوز. وكذلك تبطل بخروجها عن ملك المعير بأسباب أخرى من بيع، أو هبة أو صلح، أو غيرها، لعين الوجه المتقدم. وكذلك تبطل بخروج المعير عن أهلية الإذن، وحجره عن التصرف في أمواله بأحد أسباب الحجر، من السفه، أو الجنون، لعين الدليل. كل ذلك لأجل قوام العارية حدوث وبقاء بإذن المالك حدوثا وبقاء، فإذا انتفى بأي سبب كان تنتفي وتبطل. فرع: لو أعار الأرض للغرس أو الزرع ففسخ المعير بعد ما غرس المستعير أو زرع، وحيث أن العارية تنفسخ لأنها جائزة، فهل له الالزام بالقلع، غرسا كان أم زرعا مطلقا - أي سواء أعطى المستعير أجرة البقاء أم لا - وله في خصوص ما إذا لم يعط أجرة البقاء، أو التفصيل بين الزرع والغرس، ففي الثاني له مطلقا، وأما في الأول فله ان لم يعط الأجرة؟ وجوه. والأقوى من هذه الوجوه أن له إلزامه بالقلع مطلقا، سواء كان غرسا أو زرعا، وسواء أعطى أجرة البقاء أم لا. ولكن عليه إعطاء الارش، أي تفاوت ما بين قيمته

 

منصوبا ومقلوعا. فها هنا أمران: أحدهما: أن لمالك الأرض إجبار المستعير على القلع. الثاني: أن عليه الارش. أما الأول: فلان مالك الأرض له السلطنة على تفريغ ماله، وتخليصه عن اشغال الغير، وإن كان التخليص ضررا على ذلك الغير، فمثل هذه السلطنة منفية بقاعدة لا ضرر، معارض بأن اشغال الغير لماله أيضا ضرر عليه، فلا مورد لقاعدة لا ضرر هاهنا. لا يقال: كما أن جريان قاعدة لا ضرر في كل واحد من الطرفين معارض بمثله، كذلك قاعدة السلطنة أيضا في كل واحد من الطرفين معارضة بمثله، لأنه كما أن لمالك الأرض سلطنة على تخليص أرضه عن إشغال الغير، كذلك لمالك الغرس أو الزرع سلطنة على منع تصرف الغير في غرسه أو زرعه، فيتساقطان. لانا نقول: قاعدة السلطنة لا تشمل الموارد التي تكون إعمال السلطنة فيها علة للتصرف في مال الغير. وبعبارة أخرى: يكون التصرف في مال نفسه أيضا تصرفا في مال الغير، فهو ليس له السلطنة على مثل هذ التصرف. وتصرف مالك الغرس والزرع بإشغال مال الغير من هذا القبيل، لان السلطنة على إبقاء ماله في ملك الغير معناه السلطنة على إشغال ملك الغير. وقاعدة السلطنة ل عموم لها يشمل هذا، فتكون السلطنة على التفريغ والتخليص بلا معارض. وأما التخليص فدائما في طول الاشغال وبمنزلة المعلول له، لأنه ما لم يكن إشغال لم يكن موضوع للتخليص وإن كان زمانهما واحدا، كما هو شأن العلة والمعلول. فحيث أن الغارس والزارع ليس لهما السلطنة على التصرف العلة لاشغال مال الغير وتصرف المالك للارض بالتصرف التخليصي دائما في ظرف السقوط، وعدم السلطنة على التصرف الابقائي الذي هو علة للاشغال، فلا تجتمع السلطنتان

 

في زمان واحد كي تتعارضان. وإن شئت قلت: قاعدة السلطنة مخصصة بالنسبة إلى التصرفات التي هي علة للتصرف في مال الغير بدون إذنه، فالتصرف الابقائي للغرس والزرع في ملك المعير بدون إذنه حيث أنه علة لاشغال مال الغير بدون إذنه يكون خارجا عن عموم الناس مسلطون على أموالهم 1، ولا يشمل العموم مثل هذا التصرف، فلا تجري القاعدة في حق الغارس والزارع، فتبقى القاعدة في حق مالك الأرض بلا معارض. ولا يمكن العكس، بأن يقال: قلع مالك الأرض أيضا حيث أنه علة للتصرف في الغرس أو الزرع اللذان لغيره خارج عن تحت هذه القاعدة، فليس لكل واحد منهما السلطنة، لا مالك الأرض على القلع، ولا مالك الغرس والزرع على الاشغال والابقاء، لان القلع الذي هو بمعنى تخلية أرضه عن مال الغير متفرع على الاشغال، ويكون الاشغال بمنزلة الموضوع للتخلية، فلا يمكن أن تكون التخلية علة لمثل هذا التصرف، أي التصرف الاشغالي، وإلا يلزم أن يكون الشيء علة لما هو من قبيل الموضوع له، وهذا محال، فلا مخصص للقاعدة بالنسبة إلى هذ التصرف، أي التصرف التفريغي، فيشمله القاعدة بلا معارض في البين، وليس هناك تصرف آخر في مال الغير غير الاشغال كي يقال بأن التفريغ والتخلية علة له. هذا كله في الأمر الأول، وهو أنه هل لمالك الأرض القلع، أم لا. وأما الأمر الثاني: وهو أنه عليه الارش أم لا؟. الظاهر أنه عليه الارش، لان مقتضى قاعدة السلطنة هو سلطنته على تخليص ماله عن إشغال الغير، لا إتلاف خصوصيات مال الغير من صفاته وحالاته، فإذ أتلف تلك الخصوصيات بواسطة التخليص يكون ضامنا لها. وهذا هو المراد من الارش هاهنا، إذ الغارس والزارع يملكان الغرس أو الزرع

 

(هامش)

 

(1) عوالي اللئالي ج 1، ص 222 ح 99، وص 457، ح 198. (*)

 

قائما ومنصوبا، فزالت تلك الصفة بواسطة القلع، وأتلفها المالك مباشرة أو تسبيبا، فعليه ضمانها لاتلافه لها. ومعنى ضمانها أن ما نقص منها في عهدته، فيجب عليه أداؤه وما نقص، حيث أنه من القيميات فعليه أداء قيمته، وهو التفاوت بين قيمته منصوب ومقلوعا. وهذا الذي ذكرناه من استحقاق مالك الزرع والغرس الارش فيما إذا كان الغرس والزرع جائزان للغارس والزارع، إما لاذن مالك الأرض، أو لكون الأرض ملكا متزلزل لهما، فرجع إلى مالكه الأول بفسخ، أو أخذه بالشفعة، أو غير ذلك بعد الغرس أو الزرع. وأما لو غرس الغارس أو زرع الزارع بغير وجه شرعي بغير إذن من قبل المالك، ولا هو كان مالكا ولو بملك متزلزل، بل كان غاصبا ظالما، فلا يستحق الارش يقينا، لقوله صلى الله عليه وآله: ليس لعرق ظالم حق 1. وفي الحقيقة الظالم الغاصب هو أقدم على إتلاف خصوصيات ماله بغرسه أو زرعه، لعلمه أن المالك للارض له أن يقلعهما أي وقت أراد، لأنه ليس لعرقه حق. فرع: لو أعار الأرض لدفن الميت المسلم وفسخ بعد الدفن، فليس له المطالبة بنبش القبر وإخراجه منه وأن يدفن في مكان آخر، إلا أن يطمئن باندراسه، وذلك لحرمة النبش وهتك الميت المحترم، فلا يجوز إجماعا. نعم لو اتفق أنه نبشه نابش وكشف الميت، أو أخرجه عن قبره لجهة أخرى، سواء كان ذلك النبش حراما أو جائزا لكونه من المستثنيات عن حرمة النبش فدفنه ثانيا يحتاج إلى إذن جديد، لارتفاع إذنه السابق بالفسخ.

 

(هامش)

 

(1) تهذيب الأحكام ج 6 ص 294 ح 819، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح 26 وسائل الشيعة ج 17 ص 311 أبواب الغصب، باب 3 ح 1. (*)

 

فرع: لا يجوز للمستعير إعارة العين المستعارة إلا بإذن المالك، لما بينا من شرائط المعير أن يكون مالكا للمنفعة، إما بتبعيتها لملك العين التي لها المنفعة، وإم باستئجاره لتلك العين وعدم اشتراط المؤجر عليه المباشرة في الانتفاع. وأما الإعارة فلا توجب إلا إباحة الانتفاع للمستعير، أو من تشمله من أهله وتابعيه عرفا، ولا يصير المستعير مالكا للمنفعة بالعارية، فليس له إباحة غيره. فرع: لو أذن مالك الأرض في غرس شجرة فانقلعت، أو بناء دار فانهدمت بسبب من الاسباب، فهل يجوز له غرس شجرة أخرى، أو بناء دار أخرى من دون إذن جديد باستصحاب الإذن الأول، أو يحتاج إلى تحصيل إذن جديد؟ الظاهر هو الثاني، إلا أن تكون قرينة في البين على أن إذنه الأول ليس مخصوصا بالأول. ولكن هذا خارج عن الغرض. وأما الاستصحاب فلا مورد له هاهنا، لأنه صدر من المالك إذن شخصي في مورد خاص، وارتفع ذلك الإذن قطعا، فلا شك كي يستصحب، وذلك من جهة أنه لو كان إذنه متعلقا بشجرة معينة، فلا كلام في أن فردا آخر من تلك الطبيعة غير ذلك الفرد، وأما لو كان إذنه متعلقا بصرف الوجود من تلك الطبيعة، فقد حصل ولا يبقى محل لايجاده ثانيا، بل هو من تحصيل الحاصل المحال، لأنه وجد المأذون وانعدم. وهذا كما أنه لو قال المالك: أذنت لك في أكل رمانة من هذا البستان، وفيه آلاف من تلك الطبيعة، ولكن لو أكل واحدا منها ليس مأذونا في أكل ما عداه، وكذلك الأمر فيما نحن فيه. نعم لو أذن له في غرس شجرة فغرس، ولكن بعد مدة طويلة أو قصيرة انقلعت لهواء خارق، لا يبعد جواز إرجاعه إلى مكانه من دون الاحتياج إلى تحصيل إذن

 

جديد، وذلك لبقاء إذنه عرفا، خصوصا إذا كان بعد مدة قصيرة، فربما يحصل القطع بوجود الإذن وبقاء الرضا الباطني. ولهذا الفرع مصاديق كثيرة مثلا لو أعار محلا أو سرج لفرسه المعين، أو اصطبلا ليكون فيه، فبدل هذا الفرس بفرس آخر، أو مات واشترى فرس آخر، تشمل الإعارة هذا الفرس الآخر. ولابد من اتباع الظهور العرفي لما أذن، وهو يختلف في الموارد. فرع: هل يعتبر التعيين في العين المستعارة، فلو قال المستعير: اعطني أحد هذين القدرين عارية لاطبخ فيه، أو: أحد هذين الثوبين لالبسه، فقال المعير: خذ أحدهما، أو قال: خذ أي واحد تريد منهما، فهذه العارية صحيحة أم لا؟. الظاهر عدم إشكال فيه، لتمامية أركان العارية فيه، من شرائط المعير، والمستعير والعين المستعارة. والترديد في العين المستعارة لا مانع فيه، لان الترديد في طلب المستعير، وإلا فما وقع عليه الإعارة عنوان كلي قابل للانطباق على كل واحد من مصاديقه بدلا لاجمعا، فلا ترديد في العين المستعارة. فرع: لو كانت منفعة لا يجوز الانتفاع بها إلا بأسباب خاصة التي ليست منها العارية كوطي الأمرأة التي لا يجوز وطيها إلا بالعقد الصحيح دواما أو انقطاعا، أو بملك اليمين، أو بالتحليل الذي يرجع إلى أحدهما، فبالعارية لا يجوز الانتفاع بتلك المنفعة. وإن شئت قلت: إن العارية ل تكون مشرعا، فالمنافع المحرمة لا تصير محللة بورود العارية على العين التي لها تلك المنافع. فالحيوان الجلال - كشاة جلالة أو بقرة جلالة - حيث أن لبنهما يحرم شربه ولا يحل إلا بالاستبراء، فلو أعارهما المالك للانتفاع بمنافعهما المحللة، فلا يصير شرب

 

لبنهما حلالا بواسطة العارية، لان لحليته سببا خاصا وهو الاستبراء. ولذلك لو أعار جارية للانتفاع بجميع منافعها لا يجوز الانتفاع بها إلا بمنافعها المحللة، أم منافعها التي تحل بأسباب خاصة كالوطي كما تقدم فلا. وكذلك لا يجوز النظر بالإعارة إلى ما لا يجوز النظر إليه إلا بتلك الاسباب الخاصة التي ذكرناها. فرع: تقدم أنه ل ضمان على المستعير إلا إذا شرط الضمان، أو كان العين المعارة من الذهب أو الفضة، أو فرط وتعدي، والتفريط والتعدي يحصل بأمور: منها: أن يتصرف فيها تصرفا على خلاف المتعارف، أو تصرف تصرفا غير مأذون فيه. أما الأول: فلان ظهور العارية إذا أعار يكون في إباحة الانتفاعات المتعارفة، فالتصرفات غير المتعارفة ليست مباحة له، فيصير في حكم الغاصب، بل يكون موضوعا هو هو. ومعلوم أن الغاصب يؤخذ بالتلف الذي وقع عنده ولو كان تلفا سماويا لابإتلاف منه، فيكون ضامنا. وأما الثاني: أي التصرفات غير المأذونة فالأمر فيها أوضح. مثلا لو أعار الدابة أو السيارة للركوب، فاستعملهما في الحمل، فتلفت ولو كان تلفا سماويا يكون ضامنا، لأنه تصرف في مال الغير بلا إذن من مالكه، فيكون غاصبا، لأنه تصرف فيه بلا مجوز شرعي، فيده ليست يد أمانة. والذي هو خارج عن عموم على اليد ما أخذت هي اليد الامانية، وفي المفروض لا أمانة مالكية ولا شرعية، فهو ضامن لما تلف في يده، سواء وقع التلف على تمام ما في يده، أو بعض وجزء منه، أو نقص فيه وصفا، أو من ناحيه نقص قيمته السوقية، وجميع ذلك من جهة خروج يده عن كونها يد أمانة. فرع: في الموارد التي في تلف العارية ضمان لا يخرج عن عهدته إلا برده

 

إلى صاحبه، أو من هو وكيله أو وليه، فلو لم يوصل إلى مالكه أو وكيله أو وليه ل يخرج عن عهدته، وإن رده إلى المحل الذي أخذ منه. مثلا رد الدابة إلى محلها الذي أخذها منه وربطها فيه بلا إذن من المالك. وذلك لعدم صدق الأداء، وضمان اليد مغيى بالأداء، فما لم تحصل الغاية الضمان باق. نعم في بعض الموارد السيرة قائمة على أن يرد الدابة المستعارة إلى اصطبلها، أو السيارة المستعارة إلى موقفها، فإذا فعل ذلك بناؤهم على أنه رد العين المعارة إلى مالكها، وخرج المستعير أو المستأجر عن ضمانه. فرع: لو كانت العين المستعارة مغصوبة واستعارها من الغاصب، فتارة هو - أي المستعير - جاهل بالغصب، وأخرى عالم بكونها مغصوبة، وعلى أي حال هو ضامن للعين ومنافعه المستوفاة للمالك، بل وغير المستوفاة كما حققنا في قاعدة وعلى اليد ما أخذت 1. وإن شئت فراجع. لكن حيث أنه كان جاهلا بالغصب، فيكون قرار الضمان على الغاصب العالم بالغصب، فإذا راجع المالك إلى المستعير يراجع هو إلى المعير الغاصب، وإلا لو كان الغاصب غيره كلاهما لهما أن يراجعا إلى الغاصب الأول العالم بالغصب، لان قرار الضمان عليه. هذا إذا كان المستعير جاهلا بالغصب، وأما إذا كان عالما به فهو ضامن للعين إذا تلفت، ولمنافع العين المستوفاة وغير المستوفاة. ولا رجوع له إلى الغاصب، لأنه أيضا غاصب، ووقع تلف العين عنده وهو استوفى المنفعة، بل لو رجع المالك إلى الغاصب فله أن يرجع إلى المستعير، لان قرار الضمان عليه ويجب على المستعير

 

(هامش)

 

(1) راجع ج 4، ص 53. (*)

 

رده إلى المالك لا إلى المعير الغاصب، لان الغاصب مثله أجنبي عن هذا المال، فبرده إليه لا يرتفع الضمان عن عهدة المستعير، لان مفاد قاعدة وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه أن الضمان لا يرتفع عن عهدة من وقع يده غير المأذونة على مال الغير إل بأدائه إلى صاحبه ومالكه الواقعي. وما قلنا من أن قرار الضمان في تعاقب الايادي غير مأذونة على مال الغير على الذي وقع التلف في يده، وجهه إجمالا - وأما تفصيلا فقد بينا في قاعدة وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه - هو أن كل واحدة من الايادي حيث يصدق عليها أنه وقع مال الغير تحتها وأخذت، فيكون ما أخذت مستقر عليه وفي عهدته، وإذا انتقل من يده إلى يد أخرى يكون ما أخذته يد الآخرى العين المضمونة بوصف أنه مضمونة، أي العين التي لها وجود اعتباري في ذمة اليد التي قبل هذه اليد، فليست المأخوذة في اليد الثانية العين المجردة، فكأنه وقعت تحت اليد الثانية عينان: إحداهما بوجودها التكويني، والآخرى بوجودها الاعتباري، فهو ضامن للاثنين: مالك الوجود التكويني وهو المالك الواقعي الأصلي لهذه العين، ومن عليه الوجود الاعتباري وهو الغاصب الأول. ولذلك يجوز أن يرجع المالك الوجود التكويني، لان ماله وقع تحت يده فصار ضامنا له. ويجوز أن يرجع إليه الغاصب الأول، لان ما كان عليه من ذلك الوجود الاعتباري أيضا وقع تحت يده. فإذا رجع المالك للعين إلى الغاصب الأول له أن يرجع إلى الغاصب الثاني، لان ما عليه صار تحت يد الغاصب الثاني وهو أخذه. وهكذا كل غاصب إذا رجع المالك إليه أو الغاصب السابق عليه له أن يرجع إلى الذي بعده، فالمالك الحقيقي له أن يرجع إلى أية واحدة من الايادي الغاصبة، وأما الايادي الغاصبة فكل سابقة لها الرجوع إلى اليد اللاحقة عليها، وأما اللاحقة ليس لها الرجوع إلى السابقة لعدم ملاك الرجوع لعدم وقوع اليد السابقة على شيء من مال اللاحقة لا بوجوده التكويني ولا بوجوده الاعتباري، وأما اللاحقة فوقعت يده على الوجود الاعتباري

 

الذي كان في ذمة اليد السابقة. وإن شئت قلت: إن اليد السابقة لم تأخذ شيئا من اليد اللاحقة كي تكون لها ضمانها، بخلاف اليد اللاحقة فإنها أخذت من السابقة فتكون ضامنة لها ما أخذت. فظهر مما ذكرنا أن قرار الضمان على الغاصب الأخير، أي من وقع التلف في يده ومن استوفى المنافع، وذلك لعدم يد لاحقة عليها كي يرجع إليها، فإذا كان المستعير عالما بأن ما أخذه من المعير كان غصبا، فيكون هو الغاصب الثاني، فيجري في حقه ما قلناه من قرار الضمان عليه إذا وقع تلف العين المستعارة عنده، أو نقص عنده منها شيء أو استوفى منافعه، فإن رجع المالك إلى المعير بما ذكرنا فله أن يرجع إلى المستعير الذي هو الغاصب الثاني، لما ذكرنا، وإذا رجع المالك إلى المستعير الذي وقع التلف عنده ليس له الرجوع إلى المعير أيضا، لما ذكرنا. هذا كله إذا كان المستعير عالما بأن ما أخذه مغصوب، وأما إذا كان جاهلا وغره المعير فله أن يرجع إليه، وذلك من جهة أن المستعير إذا قال للمعير: أعرني الشيء الفلاني المعين، أو قال بنحو عدم التعيين: ثوبا من أثوابك، أو دابة من دوابك للركوب، فقال المعير: خذ هذا الثوب أو هذه الدابة، أو ادخل الاصطبل وخذ واحدا من الدواب، فظاهر كلامه أن المعار له وهو مالكه، لا أنه غاصب أو له أن يعيره بإذن المالك أو بولاية عليه، فيغتر ويأخذ منه. فإذا ظهر أنه مغصوب والمالك طالبه بعوضه إن تلف، أو بدل منافعه المستوفاة بل وغير المستوفاة بناء على ما هو التحقيق من ضمان الغاصب لها أيضا وخسر وأداها، فللمستعير المغرور الرجوع إلى المعير الغار، لقوله صلى الله عليه وآله في المرسلة المنجبرة بعمل الأصحاب: المغرور يرجع إلى من غره 1، فله المطالبة من المعير بجميع ما خسر للمالك.

 

(هامش)

 

(1) ابن الأثير في النهاية ج 3، ص 356 مادة (غرر)، وقد تقدم الحديث في ج 1، في قاعدة الغرر فليراجع هناك. (*)

 

فرع: للمستعير أن يدخل الأرض التي استعارها لغرس الاشجار ولو للتنزه، لالأصلاح الاشجار ولا لجني الاثمار، لأنهما معلوم الجواز ولا ينبغي الشك فيهما، وإلا تكون الاستعارة لغوا وبلا فائدة. فالذي هو محل الكلام هو الدخول لالجني الاثمار، ولالأصلاح الاشجار، بل للتفرج والتنزه أو الاستظلال بظل أشجارها. وخالف في هذ الحكم جماعة كالشيخ في المبسوط 1 والعلامة في التذكرة والقواعد 2 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3 والشهيد الثاني في المسالك والروضة 4، وعمدة دليلهم أن المستعير استعار لأجل الغرس، فلا يجوز له الانتفاعات الآخر كالاستظلال بأشجارها وغيره من المذكورات وغيرها. وفيه نظر واضح، وهو أنه لا شك في أن المالك إذا نهى عن تصرف خاص أو عدة تصرفات وعين المنهي يجب الاجتناب عنه، لأنه مالك له حق الإذن والمنع. و أيض لاشك في أنه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون إذنه ورضاه، فلابد من إحرازه أو رضاه بعلم أو علمي، فلا شك أيضا في حجية ظهور الألفاظ وأنه كاشف عن مراد المتكلم، فلابد من المراجعة إلى ظهور كلام المعير المالك أو من هو بمنزلة المالك وأنه ظاهر في أي مقدار من التصرف، فالزائد عليه لا يجوز قطعا، للزوم إحراز الإذن، وليس بناء على هذ محرز في البين إلا ظهور كلام المعير. والظاهر أنه إذا قال: أعرتك هذا، ولم يعين ولم ينه عن تصرف خاص، فهو ظاهر في التصرفات المتعارفة والانتفاعات التي ينتفع العرف من ذلك الشيء. وأما كون طلب المستعير لأجل الغرس لا يخرج الكلام عما هو ظاهر فيه، لان المستعير

 

(هامش)

 

(1) المبسوط ج 3 ص 55. (2) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 213، قواعد الأحكام ج 1 ص 192. (3) جامع المقاصد ج 6 ص 74. (4) مسالك الإفهام ج 1 ص 316، الروضة البهية ج 4 ص 266. (*)

 

يطلب الإعارة لأجل ما هو مهم عنده، وأما الانتفاعات الآخر حيث أنها ليست بمهم عنده، لأجل ذلك لا يذكرها، لا أنه لا يريدها. فإذا قال المعير: أعرتك، يكون ظاهر كلامه م هو ظاهر لفظ الإعارة حسب المتفاهم العرفي، وقد عرفت أن المتفاهم العرفي منه هو الإذن في الانتفاع به الانتفاعات المتعارفة منه، إلا أن يصرح بنفي البعض منها، أو تجويز بعضها الغير المتعارف، ففي غير المتعارف يحتاج ثبوت الإذن أو نفيه إلى التصريح. ولا شك في أن دخول البستان ولو للتفرج والتنزه ليس من الانتفاعات غير المتعارفة، فالأظهر - كما لعله هو المشهور - جوازه، أي الدخول للتنزه والتفرج أو لسائر الانتفاعات المتعارفة من الأرض والبستان. فرع: لو ادعى من بيده المال وينتفع به أنه عارية، وادعى المالك الإجارة، فالقول قول مدعي الإعارة، لان قوله مطابق لاصالة عدم ذكر العوض للمنفعة التي استفادها، وقيل لاصالة البراءة عن الأجرة التي يدعيها المالك. وإن شئت قلت: هما متفقان في صدور التسليط من قبل المالك وإنشاءه على الانتفاع بهذه العين والتنازع بينهما، في أن هذا التسليط مجاني كما يدعيه من بيده المال وتصرف فيه واستفاد منافعه ويستفيد أو مع العوض كما يدعيه المالك، فلب الدعوى يرجع إلى أن المالك يدعي استحقاق أجرة المسمى أو المثل في ذمة مدعي العارية وهو ينكر، وقوله مطابق لاصالة البراءة وأصالة عدم اشتغال ذمته بشيء للمالك. ولكن هذا لو كان قبل استيفاء شيء من المنافع، وأما لو كان بعده وحيث أن العين ملك للمالك فمنافعها أيضا بالتبع ملك له، والأصل عدم خروجها عن ملك المالك مجانا، فالحلف على المالك، لأنه يدعي المجانية، والمالك منكر، فإذا حلف

 

واتفعت المجانية فمال المسلم محترم له عوض، إما المسمى الذي يدعيه المالك أو أجرة المثل. فبعد حلف المالك وانتفاء المجانية يثبت أقل الأمرين، من أجرة المثل والمسمى، لأنه لو كان المسمى أزيد من أجرة المثل، فتنتفي الزيادة بحلف مدعي العارية، ولو كان أجرة المثل أزيد فتنتفي الزيادة بإقرار نفس المالك، لأنه معترف بعدم استحقاق الزيادة، فيبقى مسألة احترام مال المسلم، وهو هاهنا يقتضي ثبوت أقل الأمرين. فرع: لو ادعى المالك أن ما بيده مغصوب، وقال الطرف إنه عارية، فالظاهر قبول قول المالك، لان الأصل عدم إباحة المنافع، فلو حلف المالك على ذلك يضمن مدعي العارية المنافع، والعين أيضا لو تلفت، ولو كانت باقية يردها. وحكي عن الشيخ 1 تقديم قول مدعي العارية لبراءة ذمته عما يدعيه المالك من الضمان. ولكن أنت خبير بأن أصالة عدم إباحة المنافع حاكمة على هذا الأصل، فلا يمكن معارضة هذا الأصل معها. فرع: لا خلاف ولا إشكال في جواز بيع المستعير ما غرسه من الاشجار، أو ما زرعه، أو بناه في الأرض المستعارة لنفس المعير المالك، وأما بيعها لغيره ربما أشكل فيه تارة لأنها في معرض التلف، لما ذكرنا في بعض الفروع السابقة من أن المعير له الرجوع في أي وقت أراد، وله المطالبة بقلع الغرس والزرع وهدم ما بناه،

 

(هامش)

 

(1) الخلاف ج 3 ص 389 كتاب العارية، مسألة 5. (*)

 

فلا تبقى لها ملكية مستقرة. فإقدام العقلاء على التمليك والتملك في مثل هذه الأمور التي هي معرضة للتلف غير معلوم، بل ربما يسفهون المشتري في مثل هذه الموارد. وفيه: أنهم جوزوا بيع الحيوان المشرف على التلف، والعبد المستحق للقتل قصاصا، فالمورد أيضا يكون من هذا القبيل. وما يجاب عن هذا: بأن ذينك الموردين أما بالنسبة إلى الحيوان المشرف على التلف ربما ينتفع بلحمه إن كان من المأكول، أو بجلده وإن كان غير مأكول اللحم، وأما بالنسبة إلى العبد المستحق للقصاص ربما يعفو الولي عنه، فل يكون تلف في البين. فيه: أن ما نحن فيه أيضا ربما لا يطالب المالك المعير بالقلع والهدم. ولكن الجواب الصحيح من هذا الإشكال: هو أن المبيع حال وقوع البيع لابد وأن يكون مالا عرفا ولم يسقط الشارع ماليته كما أسقط في الخمر والخنزير، وأما بعد ذلك فقد يقع عليه التلف أو يسقط ماليته بواسطة كثرة وجوده، كما أن الماء في البادية مال، فربما بعد ما اشتراه تمطر السماء بكثرة فيسقط عن المالية، وأمثال هذا ونظائره كثيرة. ولا شك في أن الغرس والزرع في المفروض حال وقوع البيع لها مالية، واحتمال وقوع التلف عليها لا يمنع العقلاء من الاقدام على شرائها. وما ذكره الشيخ قدس سره 1 في وجه عدم جواز البيع من غير المعير المالك من عدم القدرة على التسليم لامكان منع المالك من الدخول، فمخدوش من جهات لا تخفى، ولذا تركنا ذكرها والرد عليه.

 

(هامش)

 

(1) المبسوط ج 3 ص 56. (*)

 

فرع: إذا حملت الاهوية أو السيول أو غيرهما إلى ملك الإنسان وأرضه بعض الحبوب فنبت فيها، فلا شك في أن النابت ملك لصاحب الحب لو لم يعرض عنه بناء على أن الإعراض يوجب الخروج، وإلا لو نقل بذلك وإن أعرض لان ذلك النبت نفس ذلك الحب، ولعله إلى هذا يشير قوله الزرع للزارع ولو كان غاصب 1، بناء على أن المراد بالزارع هو مالك الحب والبذر. وأما القول بأنه بالاستحالة خرج عن ملكه. فضعيف لا يصغى إليه، فإذا كان صاحب الحب معلوما يكون كالمستعير المأذون من قبل مالك الأرض، فيأتي فيه جميع م تقدم فيما إذا غرس المستعير في الأرض المستعارة من أن للمالك المطالبة بقلع الزرع والاشجار، وما ذكرناه من فروعها هناك. وأما إذا لم يكن معلوما بالتفصيل وكان معلوم بالإجمال، فتارة في عدة محصورين، وأخرى في غير المحصور عرفا. أما الأول فصاحب الأرض يجب عليه أن يصالح مع جميعهم بإرضاء الجميع بأي شكل كان ممكنا، ويمكن ان يقال باستخراج المالك المجهول شخصا المعلوم وجوده بين أفراد محصورين بالقرعة، لأنها لكل أمر مشكل. وأما الثاني - أي فيما إذا كان المالك معلوما بين أفراد غير محصورين - فقيل إنه من قبيل اللقطة، فيجب عليه التعريف سنة كاملة، أو حتى اليأس من وجدانه فيعطيه صدقة من قبل صاحبه. وفيه: أن اللقطة قسم خاص من مجهول المالك لها أحكام مخصوصة، وتلك الأحكام رتبها الشارع على عنوان خاص ليس ذلك العنوان في المفروض، فإجراء أحكام اللقطة عليها لا وجه له، بل يجب إجراء حكم مجهول المالك المطلق من

 

(هامش)

 

(1) نيل الاوطار ج 6 ص 68، كتاب الغصب، باب تملك زرع الغاصب....، سبل السلام ج 3 ص 906، ح 843، من غصب أرضا فزرعه. (*)

 

دون اتصافه بعنوان خاص. هذا كله إذا كان متمولا، وأما إذا لم يكن متمولا، إما لقلته أو لجهة أخرى، فربما يقال يجوز تملكه لصاحب الأرض بعد أن نبت. ولكن لا وجه له، لأنه وإن لم يكن مالا ولا يبذل بإزائه المال ولاضمان له، إلا أنه لم يخرج عن كونه ملك لصاحبه. إلا أن يقال: بأنه خرج عن ملكه بواسطة التغير الذي وقع. وهذا أيضا لا وجه له، لان النماء وقع في ملكه، فلو صارت تلك الحبة شجرة تكون ملكا لمالكها، فصاحب الأرض له إجبار صاحب تلك الحبة بقلع تلك الشجرة، وأما إذا أعرض صاحب الحبة وخرج عن ملكه فيصير من المباحات، ولصاحب الأرض تملكه، فإذا تملكه فيكون لصاحب الأرض. فرع: إذا استعار شيئا لأجل انتفاع معين فانتفع به في غير ما استعار له مما لا يشمله إذن المعير ضمن العين المستعارة، لخروج يده عن كونها مأذونة وعن كونها يد أمانة، فيشملها قاعدة على اليد ما أخذت ، فيكون المستعير ضامنا. فلو تلف يكون عليه المثل إن كان مثليا، والقيمة إن كان قيميا، ويكون حاله حال الغاصب في ضمان جميع الانتفاعات المستوفاة، بل وغيرها. فرع: لو جحد العارية بعد طلب المعير لها تخرج يده عن كونها يد أمانة، فتشملها قاعدة على اليد ما أخذت . فلو تلفت العين المعارة، أو نقصت يكون المستعير ضامنا لها، وكذلك يكون ضامنا للمنافع التي استوفاها بعد جحودها وثبوتها بالبينة والإقرار، أي من الوقت الذي خرجت يده عن كونه يد أمانة.

 

هذا لو كان جحوده بعد طلب المالك واضح، وأما لو لم يكن طلب من طرف المالك وهو ابتداء قال الشيء الفلاني مثلا كتابه الفلاني ليس عارية عندي، فهل هذا أيضا يوجب خروج يده عن كونها يد أمانة، ويكون عليه ضمان العين والمنافع؟ أم لا يوجب إلا بعد طلب المالك؟ الظاهر عدم الفرق بين كون جحوده بعد الطلب، أو كان جحودا ابتدائيا، لان المناط في الخروج عن الأمانة عدم الاذعان بأن هذا المال أمانة، سواء طلب المالك أو لم يطلب. نعم بعد طلب المالك وإنكاره وجحوده كمال الظهور في إنكاره أنه إنكاره واقعي، ولا يعتني العقلاء باحتمال أنه لعل إنكاره لغرض من الاغراض، وليس غرضه أكل هذا المال وعدم رده إلى مالكه. وأما بدونه فيمكن أن يكون إنكاره إنكارا ظاهري ولغرض من الاغراض، بل ربما يكون إنكاره في غياب المالك لمصلحة المالك، مثل أن يكون عنده حجرا كريما غاليا، أو حليا غاليا، فيذكر في مجلس: أن الحجر الفلاني أو الحلي الفلاني من زيد عارية عندك؟ فيقول: لا، ومقصوده أن السراق الموجودين في المجلس ل يفهمون بوجوده عنده فيطمعون في سرقته، فمثل هذا الإنكار لا يوجب خروج يده عن الأمانة قطعا، وإلا فلا شك في أن طلب المالك في مقام الثبوت لا تأثير له في كون الجحود إنكارا واقعيا أم لا. فرع: إذا ادعى المستعير التلف يقبل قوله مع يمينه، أم أنه يقبل قوله لان يده أمانية، وقد بينا في بعض القواعد السابقة الأدلةالدالة على سماع قول الامين وأنه ليس علبيه إلا اليمين 1.

 

(هامش)

 

(1) راجع ج 2 ص 9 قاعدة عدم ضمان الامين . (*)

 

وفي بعض الروايات: إذا ائتمنته فلا تتهمه 1. وفي خبر مسعدة بن زياد، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته ولا تأمن الخائن . بل في بعض الروايات كما في المرسل الذي ينقله في الجواهر: لا يمين عليه إذا كان ثقة غير مرتاب 2. لا يقال: إن المراد من الامين في هذه الأخبار هو الودعي لا مطلق اليد المأذونة، لان ذواليد تصرفاته في ما تحت يده إن لم يكن مال نفسه إما بإذن مالكه وبرضاه، أو بإذن من هو بمنزلة المالك شرع وبرضاه، فهذا هو الامين. وأما بدون إذنه ورضاه فهي يد العادية والغاصبة، فلا شبهة في قبول قوله، بمعنى عدم طلب البينة منه، وأما إنه مع يمينه، أي القبول بمعنى ترتيب الاثر على دعواه فيما إذا حلف على طبق دعواه فأولا من جهة الإجماع، وثانيا من جهة أن الميزان في باب القضاء أولا وبالذات أمران: أحدهما البينة، والثاني الحلف، وكلف المدعي بأشق الميزانين، لأنه هو الذي يريد إلزام الطرف بثبوت حق عليه، وجعل الشارع للمدعى عليه أخف الميزانين، وهو الحلف، لأنه لا يريد إلزام الطرف بشيء، بل رفع الالزام عن نفسه، ولذا قالوا في تعريف المدعي بأنه هو الذي لو ترك ترك، فمعنى قبول قول الامين أنه بمقتضى عموم قوله صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي 3 هو ولو كان المدعي أمينا ولكن لمراعاة أمانته ودلالة الأدلةالمتقدمة لم يكلف بالاشق وهوالبينة، فهذا الميزان، لم يجعل في حقه، والقضاء لا يمكن بدون الميزان، فجعل حقه أخف الميزانين، مع أنه مدع، وإلا يبقى القضاء بلا ميزان، إن حكم الحاكم وإن لم يحكم يلزم التعطيل في

 

(هامش)

 

(1) وسائل الشيعة ج 13 ص 227 - 229، كتاب الوديعة، في أحكام الوديعة، باب 4. (2) جواهر الكلام ج 27 ص / 148 (3) عوالي اللئالي ص 345، باب القضاء، ح 11، مستدرك الوسائل ج 17 ص 368، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، باب 3 ح 5. (*)

 

الحكم وعدم حسم النزاع. فبهاتين المقدمتين - أي حصر ميزان القضاء في هذين الميزانين، أي البينة على المدعي واليمين على من أنكر - وعدم جواز الحكم بدون ميزان. فإذا دل الدليل على عدم كون البينة ميزانا في حق مدع فلابد من كون وظيفته ميزان الآخر، وإلا يلزم تعطيل الحكم، أو كون المرجع هو الميزان الآخر وهو الحلف. وقد حررنا المسألة كافية ووافية في قاعدة كل مدع يسمع قوله فعليه اليمين في الجزء الثالث من هذا الكتاب. وإن أردت التفصيل فراجع هناك. وأيضا اشتهر أنه وما على الامين إلا اليمين. وهذا - أي قبول قول المستعير - في التلف والتعدي والتفريط، وأم في دعوى الرد فعلى قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر وأما الرد فل يأتي فيه قاعدة قبول قول الامين، لان الأمانة لا تقتضي قبول قوله في الرد. فرع: لو قال المعير: أعرتك كتابي هذا على أن تعيرني عباءك الفلاني، فهذه العارية صحيحة، لان هذه عارية مشروطة بإعارة المستعير شيئا آخر له في قبال إعارته. والإشكال عليها بأن الشرط فاسد فيسري فساده إلى عقد العارية ممنوع صغرى وكبرى. أما الكبرى فلما بين مفصلا في هذا الكتاب في الجزء الرابع في قاعدة إن الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد أم لا؟ عدم إفساده مطلقا. وأما الصغرى فلان القول بفساد هذا الشرط من جهة ادعاء أنه خلاف مقتضى عقد العارية، لان العارية عبارة عن التسليط على الانتفاع مجانا، ومع هذا الشرط

 

ليس التسليط على الانتفاع مجانا، بل يكون بإزاء انتفاع المعير الأول من مال المستعار الذي هو المعير الثاني. ولكن فيه: أن المراد من أن العارية عندهم عبارة عن أن يكون انتفاع المستعير مجانا، أي لا يكون بإزاء الانتفاع ومقابله شيئا من المال. والأمر في المفروض أيضا كذلك، لأنه ليس مع هذا الشرط شيء من المال في قبال الانتفاعات، بل تكون الإعارة مشروطة بالإعارة. وهذا مثل الهبة المشروطة بهبة الموهوب له، فليس هناك أيضا مقابل العين الموهوبة كي نقول بأن الهبة المعوضة باطلة ولا معنى لها، لان الهبة معناها التمليك بلا عوض، فكون العوض لها لا يجتمع مع كونه هبة. والجواب هناك وهاهنا واحد، وهو أن العوض في العارية المشروطة، وفي الهبة المعوضة ليس للانتفاعات في الأول، وللعين الموهوبة في الثاني، بل العارية المشروطة الشرط هو إعارة شيء معين آخر بإزاء إعارة الأول، فالإعارة بإزاء الإعارة شرطا أي يلتزم بإعارة في قبال إعارته. وهكذا في الهبة المعوضة هو أن يلتزم الموهوب له بأن يهب شيئا في قبال هبته لا عوض موهوبه. فالعارية المشروطة بعارية أخرى من طرف المستعير، وهكذا هبته المشروطة بهبة أخرى من طرف الموهوب له ليسا من العقود المعاوضية وليس الشرط في كليهما منافيا لمقتضى عقديهما. فرع: لو تلفت العارية بعد التعدي والتفريط، مثل أنه استعار دابة للركوب فاستعملها في الحمل فتلفت بعد مدة، فلا شك في ضمانها، لان يده بعد التعدي والتفريط خرجت عن كونها يد أمانة، فتشمله قاعدة على اليد ما أخذت وإنما الكلام في أنها لو كانت قيميا فما يأتي بذمته قيمة يوم التعدي، أو قيمة

 

يوم التلف، أو أعلى القيم من يوم التعدي إلى يوم التلف كما قيل في الغصب لأخذه بأشق الاحوال؟ وجوه بل أقوال. والظاهر هو قيمة يوم التلف، لان العين المضمونة ما دامت موجودة هي بنفسها بوجودها الاعتباري تأتي في الذمة وتشتغل بها، فبعد التلف إن كان قيميا ما يأتي في الذمة ويستقر على عهدته هو قيمتها. وبناءا على هذا فقيمتها يوم التلف، لأنه يوم الانتقال إلى القيمة، وإلا ما دام العين موجودة هي بنفسها في العهدة، غاية الأمر حيث أن العهدة عالم الاعتبار، والأمر الخارجي التكويني لا يمكن أن يأتي بوجوده التكويني في عالم الاعتبار، لابد وأن يقال يأتي بوجوده الاعتباري في عالم الاعتبار، كما أنه لا يمكن أن يأتي بوجوده الخارجي في الذهن. بل يأتي في الذهن بوجوده الذهني، ولكن بعد إن انعدم وجوده في الخارج فذلك الوجود الاعتباري حيث أنه كظل للوجود الخارجي فينعدم بإنعدامه، فمعناه أنه يسقط الضمان. وهذا باطل يقينا، وقاعدة اليد أيضا مفادها بقاؤها إلى أن يؤدي، ولكن حيث أن بقاءها لا يمكن ل بوجودها الخارجي لأنه انعدم، ولا بوجوده الاعتباري لأنه تابع للوجود الخارجي فبانعدامه ينعدم، فلابد وأن يقال بانتقال ما في الذمة إلى المثل إن كان مثليا وإلى القيمة إن كان قيميا، فإن كان قيميا كما هو المفروض في المقام فلابد وأن يكون قيمة ذلك الوقت، أي وقت التلف. نعم إن قلنا: يمكن بقاء العين الخارجي بوجودها الاعتباري ولو بعد التلف في العهدة إلى أن يؤدى، فوقت الانتقال إلى القيمة إن كان قيميا هو وقت الأداء، فما يأتي هو قيمة يوم الأداء. ولكن بقاء نفس العين في العهدة بعد انعدامها في الخارج ولو كان بوجوده الاعتباري غير معقول، لما قلنا إنه من قبيل ظل الوجود الخارجي وتابع له، فلا يمكن بقاؤه بعد انعدام الوجود الخارجي، فلابد من القول باشتغال الذمة في

 

القيميات بقيمة يوم التلف، ولا يسقط الضمان إلا بأداء تلك القيمة. وأما في المثليات حيث أن ما يأتي في الذمة مثل العين الخارجي وهو باق إلى زمان الأداء، فإن كان أداء المثل ممكنا في يوم الأداء عليه أن يؤدي المثل، وإن تعذر أو تعسر فقيمة ذلك الوقت، أي وقت التعذر. ففرق بين المثلي والقيمي، ففي الأول قيمة يوم الأداء، وفي الثاني قيمة يوم التلف. والسر في ذلك: أن ظاهر على اليد ما أخذت أن نفس ما أخذت تسلط عليه من دون إذن مالكه على عهدته إلى أن يؤدي، فإذا أدى يسقط عن عهدته ونبرأ ذمته. ومعلوم أن نفس العين الخارجي بوجود الخارجي لا يعقل أن يستقر على العهدة، فلابد وأن نقول يأتي في العهدة بوجودها الاعتباري. ومعنى هذا الكلام أيضا ليس أن العين الخارجي يأتي بوجودها الاعتباري في العهدة، لأنه تناقض، بل معناه أن العقلاء أو الشارع يعتبر ذمته مشغولة في عالم الاعتبار التشريع بذلك الشيء، أي يعتبر ما كان تحت اليد مستقرا على اليد، أي على من تسلط على ذلك الشيء بدون إذن المالك. وهذ يمكن فيما إذا كان ذلك الشيء تحت اليد، فيعتبر ما في اليد فوق اليد. وأما إذا لم يكن شيء في اليد وانعدم كيف يمكن أن يقال ما في اليد وتحت سلطنته معتبر فوق عاتقه وعهدته، فلابد أن يقال: مثله أو قيمته فوق عهدته، ففي المثلي المثل وفي القيمي القيمة، فإذا كان قيميا يكون قيمة ذلك الوقت وهو يوم التلف، وإن كان مثليا فيأتي المثل إلى يوم الأداء، فإن تعذر ينتقل إلى القيمة أي قيمة ذلك اليوم، أي يوم الأداء. وأما من يقول بأعلى القيم فيقول: نفس العين بوجودها الاعتباري يأتي من يوم الغصب في الذمة إلى يوم الأداء بما له من القيمة السوقية، واختلاف القيم كل ما زاد يأتي في الذمة ولا يرتفع ولا تبرأ ذمته إلا بالأداء، وإذا نقص فذلك النقص

 

لا يوجب البراءة من الزائد. فالنتيجة تصير أعلى القيم من حين الغصب إلى زمان الأداء. وإن قلنا بأن العين ما دامت موجودة يكلف بأداء نفسها، وإذا وقع التلف عليه يعتبر قيمة العين في الذمة، ولكن زيادات القيمة السوقية أيضا تعتبر في الذمة، فيكون أعلى القيم من يوم التلف إلى يوم الأداء. ولكن أنت خبير بأن ما هو الصحيح من هذه الأقوال هو قيمة يوم التلف في القيمي، ويوم الأداء في المثلي. فرع: بعد الفراغ أن النقص الحاصل في العارية من قبل الاستعمال المأذون فيه تصريحا أو إطلاقا لا يضمن، فلو شرط الضمان في عارية حصل فيها النقص من ناحية الاستعمال المأذون فيه، ثم بعد حصول النقص تلفت، فلا شك في ضمانها من جهة اشتراط الضمان فيها، ولكن قيمتها يوم التلف، أي بعد حصول النقص إن كانت قيميا، ومثلها كذلك إن كانت مثليا. وذلك لان النقص الحاصل لا ضمان فيه، واشتراط الضمان في نفس العين المستعارة بقيمتها يوم التلف أو مثلها كذلك. نعم لو كان اشتراط الضمان فيها بحيث يشمل ضمان النقص الحاصل من الانتفاعات والاستعمالات المأذونة، ففيه أيضا الضمان، كما أنه كذلك بطريق أولى لو خص بثبوت الضمان فيه. ولكن ربما يقال بأن ضمان النقص الحاصل بالاستعمالات المأذونة مندرج في اشتراط ضمان نفس العين، لان العين عبارة عن مجموع أجزائه وأوصافها، فإذا نقص كل جزء أو وصف فضمان العين ينطبق على ذلك الجزء أو ذلك الوصف بمقداره.

 

نعم ربما يكون لاجتماعها أيضا زيادة قيمة، وهو يكون في هذا المقام بمنزلة نقصان جزء، فلا يحتاج إلى إطلاق أو تنصيص لضمان خصوص النقصان. وأنت خبير بأن هذا شبه مغالطة في المقام، وذلك لان الاستعمالات المأذونة لو أدت إلى نقص في حد نفسها ل توجب ضمانا، وإنما الضمان جاء من قبل الاشتراط والشرط حسب الفرض ضمان العين لو تلفت، فبأية حالة كانت عند التلف قيمتها أو مثلها تأتي على العهدة، فقبل تلف العين لا يأتي شيء مما وقع عليه التلف على العهدة سواء كان من الأجزاء أو من الأوصاف، بل ما يتعلق بالذمة ويستقر على العهدة هي العين الموجودة في وقت وقوع التلف عليه بوجودها الاعتباري أو قيمتها أو مثلها، وأما الصفات الفاقدة أو الأجزاء الفاقدة قبلا فلا. وليس من قبيل الغصب كي يكون جميع أجزائها وأوصافها من حين وقوع اليد العارية أي غير المأذونة عليها مضمونة على الغاصب، فتلك الأوصاف والأجزاء خارجة عن دائرة الضمان إلا باشتراط خاص متعلق بها أو شمول الاطلاق لها وهنا إشكال آخر على ضمان ما نقص بالاستعمالات المأذونة، وهو أن اشتراط الضمان فيه مخالف لمقتضى عقد العارية، والشرط المخالف لمقتضى العقد باطل وفاسد. وفيه: أن شرط الضمان في النقص الحاصل من الاستعمالات المأذونة ليس منافيا لمقتضى العقد. بيان ذلك: أن العارية وإن كانت عبارة عن التسليط على عين متمول للانتفاع والاستعمال في ما يحتاج إليه مجان وبلا عوض، فما هو مجان وبلا عوض هو جواز الاستعمال بلا عوض، وليس مقتضاه عدم ضمان النقص الحاصل من تلك الاستعمالات الجائزة مجانا كي يكون شرط ضمانه منافيا لمقتضى العقد. نعم لو شرط في عقد العارية كون تصرفاته واستعمالاته بمعوض، يكون هذ

 

الشرط مخالفا لمقتضى العقد، وليس الاستعمال ملازما للنقص، بل ربما يكون الاستعمال ولا يكون نقص أصلا، لا في الصفات في الأجزاء ولا في القيمة. والحاصل: أن كون جواز الاستعمالات مجانا وبلا عوض غير مضاد مع ضمان النقص ومما يجتمعان، فلا مانع من ضمان النقص بالاستعمال، ولا يكون مخالفا لمقتضى العقد. فرع: وبهذا الفرع نختم العارية، وهو أن العارية لا شك في رجحانها شرعا وعقلا، وذلك لا يحتاج أكثر الناس في بعض الأحيان إلى بعض الالات والأدوات وظروف الاطعمة والاشربة، والقدور للطبخ، والاغطية، واللحف خصوصا إذا نزل عليهم ضيف، والحلي وأدوات الزينة للنساء خصوصا إذا أردن الذهاب إلى الاعراس، وكثير من الحوائج الآخر. وخلاصة الكلام: لو لم تكن العارية مشروعا لكان يختل أمور معيشة كثير من الناس، ولذلك حث الشارع عليها ووضع الله تعالى تركها في عداد المحرمات الكبيرة في سورة الماعون كالغفلة عن الصلاة والرياء وأمثال ذلك، ولذلك ذهب جمع إلى وجوبها عند الطلب. وعلى كل حال لا شك في حسنها مستدلا بالنص والإجماع، والنص كتابا وسنة. أما الكتاب: منها: قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى) 1. ولا شك في أن العارية بر، فإعطاء العارية معاونة على البر. ومنها: قوله تعالى (ويمنعون الماعون) 2. حيث ذمهم الله تعالى عن منع

 

(هامش)

 

(1) المائدة 5: 2. (2) الماعون 107: 7. (*)

 

إعطاء الماعون. وقال في التذكرة: وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا: الماعون العواري. والعواري جمع عارية، وفسر ذلك ابن مسعود فقال ذلك القدر والدلو والميزان 1. وأما استحبابها: فبعد الإجماع على عدم وجوبها فهذه الآيات والروايات الواردة في الحث عليها لابد وأن تحمل على تأكد الاستحباب، مثل قوله صلى الله عليه وآله في حق من عنده الابل وأداء حقها بعد ما قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال صلى الله عليه وآله: إعارة دلوها، وإطراق فحلها، ومنحة لبنها يوم ورده 2. وحكي عن عكرمة أنه قال: التوعد وقع على الثلاث، فإذا جمع ثلاثتها فالويل له إذا سها عن الصلاة ورائي ومنع الماعون. والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطن.

 

(هامش)

 

(1) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 209. (2) عوالي اللئالي ج 3 ص 251، باب الوديعة ح 7. (*)