تبليغ سورة براءة

في الأول من ذي الحجة انطلق أمير المؤمنين عليه السلام لتبليغ سورة براءة 

في أول يوم منه بعث النبي صلى الله عليه وآله سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبى بكر ثم نزل النبي عليه انه لا يؤديها عنك الا أنت أو رجل منك ، فأنفذ النبي عليه السلام عليا 
عليه السلام حتى لحق أبا بكر ، فأخذها منه وردة بالروحاء يوم الثالث منه ، ثم أداها عنه إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر ، قرأها عليهم في الموسم

عن محمد بن الحنيفة ، عن على عليه السلام : ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فتح مكة أحب ان يعذر إليهم وان يدعوهم الى الله
عز وجل أخيرا كما دعاهم أولا ، فكتب إليهم كتابا يحذرهم بأسه وينذرهم عذاب ربه ، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم ، ونسخ لهم أول سورة براءة ليقرأ عليهم ، ثم عرض على جميع أصحابه المضي إليهم ، فكلهم يرى فيه التثاقل ، فلما رأى ذلك منهم ندب إليهم رجلا لينجوه به . فهبط إليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد انه لا يؤدي عنك الا رجل منك ، فانبأنى رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة ، فأتيت مكة - وأهلها من قد عرفت ليس منهم احد الا ان لو قدر ان يضيع على جبل منى اربا لفعل ، ولو ان يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله . فأبلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت كتابه عليهم ، وكلهم يلقاني بالتهديد والوعيد ، ويبدى البغضاء ويظهر لى الشحناء من رجالهم ونسائهم ، فلم يتسنى ذلك حتى نفذت لما وجهني رسول الله صلى الله عليه وآله

مالك بن إبراهيم النخعي ، قال : حدثنا حسين بن زيد ، قال : حدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهم السلام قال : لما سرح رسول الله صلى الله
عليه وآله أبا بكر بأول سورة براءة إلى أهل مكة ، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمدان الله يأمرك ان لا تبعث هذا وان تبعث على بن أبى طالب ، وانه لا يؤديها عنك غيره ، وقال : ارجع إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال ابو بكر : هل حدث في شئ ؟ فقال على عليه السلام : سيخبرك رسول الله صلى الله عليه وآله .فأكثر أبو بكر عليه من الكلام ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : كيف تؤديها وأنت صاحبي في الغار (أي الذي كنت خائفا في الغار) . قال : فانطلق على عليه السلام حتى قدم مكة ثم وافى عرفات ، ثم رجع إلى جمع ، ثم إلى منى ، ثم ذبح وحلق ،

وصعد على الجبل المشرف المعروف بالشعب ، فأذن ثلاث مرات : الا تسمعون يا أيها الناس انى رسول الله صلى الله عليه وآله إليكم ، ثم قال : ( بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ - إلى قوله - إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
تسع آيات من أولها ، ثم لمع (أي لوّح) بسيفه فاسمع الناس وكررها ، فقال الناس : من هذا الذي ينادى في الناس ؟ فقالوا : على بن أبى طالب ، وقال من عرفه من الناس : هذا ابن عم محمد ، وما كان ليجترى على هذا غير عشيرة محمد . فأقام أيام التشريق ثلاثة ينادى بذلك ويقرأ على الناس غدوة وعشية ، فناداه الناس من المشركين : ابلغ ابن عمك ان ليس له عندنا الا ضربا بالسيف وطعنا بالرماح . ثم انصرف على عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله ويقصد في السير ، وأبطأ الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في أمر على عليه السلام وما كان منه ، فاغتم النبي صلى الله عليه وآله لذلك غما شديدا حتى رئى ذلك في وجهه ، وكف عن النساء من الهم والغم . فقال بعضهم لبعض : لعل قد نعيت إليه نفسه أو عرض له مرض ، فقالوا لأبى ذر :
قد نعلم منزلتك من رسول الله عليه وآله وقد ترى ما به ، فنحن نحب أن يعلم لنا أمره ، فسأل أبو ذر رحمه الله النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك . فقال النبي صلى الله عليه وآله : مانعيت إلى نفسي وانى لميت ، وما وجدت في أمتي الا خيرا ، وما بي من مرض ولكن من شدة وجدي لعلى بن أبى طالب وإبطاء الوحي عنى في أمره ، وان الله عز وجل قد أعطاني في على تسع خصال : ثلاثة لدنياي واثنتان لآخرتي ، واثنتان انا منهما آمن واثنتان أنا منهما خائف . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى الغداة استقبل القبلة بوجهه إلى طلوع الشمس يذكر الله عزوجل ، ويتقدم على بن أبى طالب عليه السلام خلف النبي صلى الله عليه وآله ويستقبل الناس بوجهه ، فيستأذن في حوائجهم ، وبذلك أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله . فلما توجه على عليه السلام إلى ذلك الوجه لم يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله مكان على لأحد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى وسلم استقبل القبلة بوجهه ، فأذن للناس ، فقام أبو ذر فقال : يا رسول الله لي حاجة ، قال : انطلق في حاجتك . فخرج أبو ذر من المدينة يستقبل على بن أبى طالب عليه السلام ، فلما كان ببعض الطريق إذا هو براكب مقبل على ناقته ، فإذا هو على عليه السلام ، فاستقبله والتزمه وقبله ، وقال : بأبي أنت وأمي اقصد في مسيرك حتى أكون أنا الذي ابشر رسول الله صلى الله عليه وآله ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله من أمرك في غم شديد وهم ، فقال له على عليه السلام : نعم . فانطلق أبو ذر مسرعا حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : البشرى ، قال : وما بشراك يا أبا ذر ؟ ، قال : قدم على بن أبى طالب ، فقال له : لك بذلك الجنة ، ثم ركب النبي عليه السلام وركب معه الناس ، فلما رآه اناخ ناقته، ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله فتلقاه والتزمه وعانقه ، ووضع خده على منكب على ، وبكى النبي عليه السلام فرحا بقدومه ، وبكى على عليه السلام معه . ثم قال له رسول الله عليه وآله : ما صنعت بأبي أنت وأمي ، فان الوحي ابطى على في أمرك ، فأخبره بما صنع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : كان الله عز وجل اعلم بك منى حين أمرني بإرسالك 
(إقبال الأعمال ج 2 ص 36 عنه البحار 35 : 287)


ومن كتاب ابن اشناس البزاز من طريق رجال أهل الخلاف في حديث آخر انه : لما وصل مولانا على عليه السلام إلى المشركين بآيات براءة لقيه خراش بن عبد الله اخو عمرو بن عبد الله - وهو الذي قتله على عليه السلام مبارزة يوم الخندق -
وشعبة بن عبد الله اخوه ، فقال لعلى عليه السلام : ما تيسرنا يا على أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمك ان شئت الا من الطعن والضرب ، وقال شعبة : ليس بيننا وبين ابن عمك الا السيف والرمح ، وان شئت بدأ بك ، فقال على عليه السلام : أجل أجل ان شئت فهملوا 
(إقبال الأعمال - ج 2 ص 36عنه البحار 35 : 290)