ذكرى زواج أمير المؤمنين والسيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما

 


زواج النور من النور
 
الأول من ذو الحجّة 2 هـ، المدينة المنوّرة.
 
مجيء الإمام علي (عليه السلام) للخطبة:
 
جاء الإمام علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو في منزل أُمّ سلمة، فَسلَّم عليه وجلس بين يديه.فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) : (أتَيْتَ لِحاجَة)؟.فقال الإمام (عليه السلام) : (نَعَمْ، أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطمة، فهلْ أنتَ مُزوِّجُني)؟.قالت أُمّ سلمة: فرأيت وجه النبي (صلى الله عليه وآله) يَتَهلَّلُ فرحاً وسروراً، ثمّ ابتسم في وجه الإمام علي (عليه السلام)، ودخل على فاطمة (عليها السلام)، وقال (صلى الله عليه وآله) لها: (إنَّ عَليّاً قد ذكر عن أمرك شيئاً، وإنّي سألتُ ربِّي أن يزوِّجكِ خير خَلقه، فما تَرَين) ؟.فَسكتَتْ، فخرَجَ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يقول: (اللهُ أكبَرُ، سُكوتُها إِقرارُها)،فأتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمّد، زوّجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها :
أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أَنَس بن مالك أن يجمع الصحابة، ليُعلِنَ عليهم نبأ تزويج فاطمة للإمام علي (عليهما السلام).فلمّا اجتمعوا، قال (صلى الله عليه وآله) لهم: (إنَّ الله تعالى أمَرَني أن أزوِّجَ فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب) 
 
خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) عند تزويجهما (عليهما السلام) :
خطبة العقدقال أنس: بينما أنا قاعد عند النبي (ص) إذ غشيه الوحي، فلمّا سري عنه قال: «يا أنس! تدري ما جاءني به جبرئيل من صاحب العرش؟» قلت: الله ورسوله أعلم، بأبي واُمّي ما جاء به جبرئيل؟ قال(ص): «إنّ الله تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة علياً، انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار» قال: فدعوتهم، فلمّا أخذوا مقاعدهم قال النبي(ص): «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرغوب اليه فيما عنده، المرهوب عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمد، ثمّ إنّ الله تعالى جعل المصاهرة نسباً وصهراً، فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكلّ قدر أجل، ولكل أجل كتاب {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[1]، ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة بعليّ، فاُشهدكم أنّي قد زوّجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك علي».وكان عليّ غائباً قد بعثه رسول الله(ص) في حاجته، ثمّ إنّ رسول الله(ص)‌أمر بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا، ثم قال(ص): «انتهبوا»، فبينا نحن ننتهب إذ أقبل علي(ع)، فتبسّم إليه رسول الله ثم قال: «يا عليّ! إنّ الله أمرني أن أزوّجك فاطمة، فقد زوّجتكها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت» فقال عليّ(ع): «قد رضيت يا رسول الله» ثمّ إنّ عليّاً ما فخرّ ساجداً شكراً لله تعالى وقال: «الحمد لله الذي حبّبني إلى خير البرية محمد رسول الله»، فقال رسول الله(ص): «بارك الله عليكما، وبارك فيكما وأسعدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب»[].
 
 
خطبة الإمام علي (عليه السلام) عند تزويجه بفاطمة (عليها السلام) 
قال: (الحمد لله الذي قرّب حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتّقيه، وانذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنّه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه. ونشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وترضيه، وأنّ محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله) صلاة تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه، والنكاح ممّا أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدرّه الله وأذن فيه، وهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم، وقد رضيت، فاسألوه واشهدوا)
 
قدر مهر الزهراء (عليها السلام) :
اختلفت الروايات في قدر مهر الزهراء (عليها السلام)، والصحيح أنّه كان خمسمائة درهم من الفضة، لأنّه مهر السنّة، كما ثبت ذلك من طريق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، والخمسمائة درهم تساوي 250 مثقالاً من الفضة تقريباً.
 
جهاز الزهراء (عليها السلام) :
جاء الإمام علي (عليه السلام) بالدراهم ـ مهر الزهراء ـ فوضعها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمر (صلى الله عليه وآله) أن يجعل ثلثها في الطيب، وثلثها في الثياب، وقبض قبضة كانت ثلاثة وستين لمتاع البيت، ودفع الباقي إلى أُمّ سلمة، فقال : (أبقيه عندك).
 
وليمة العرس
قال الإمام علي (عليه السلام): (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي، اصنع لأهلك طعاماً فاضلاً،ثمّ قال: من عندنا اللحم والخبز، وعليك التمر والسمن، فاشتريت تمراً وسمناً، فحسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذراعه، وجعل يشدخ التمر في السمن حتّى اتخذه خبيصاً، وبعث إلينا كبشاً سميناً فذبح، وخبز لنا خبزاً كثيراً.ثمّ قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أدع من أحببت، فأتيت المسجد، وهو مشحن بالصحابة، فاستحييت أن أشخص قوماً وأدع قوماً، ثمّ صعدت على ربوة هناك، وناديت: أجيبوا إلى وليمة فاطمة، فأقبل الناس أرسالاً، فاستحييت من كثرة الناس وقلّة الطعام، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تداخلني،فقال: يا علي، إنّي سأدعو الله بالبركة).قال علي (عليه السلام) : (وأكل القوم عن آخرهم طعامي، وشربوا شرابي، ودعوا لي بالبركة، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل، ولم ينقص من الطعام شيء،ثمّ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصحاف فملئت، ووجّه بها إلى منازل أزواجه، ثمّ أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً،وقال: هذا لفاطمة وبعلها)
 
مراسم الزفاف
لمّا كانت ليلة الزفاف، أتى (صلى الله عليه وآله) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة (عليها السلام) : (اركبي)، فاركبها وأمر سلمان أن يقود بها إلى بيتها، وأمر بنات عبد المطلّب ونساء المهاجرين والأنصار، أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرزجن، ويكبّرن ويحمدن، ولا يقلن ما لا يرضي الله تعالىثمّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ علياً (عليه السلام) بيمينه، وفاطمة (عليها السلام) بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، وأخذ بيد فاطمة فوضعها في يد علي، وقال: (بارك الله لكَ في ابنة رسول الله).وقال (صلى الله عليه وآله) : (يا علي، نعم الزوجة زوجتك)، وقال: (يا فاطمة، نعم البعل بعلك)،ثمّ قال لهما: (اذهبا إلى بيتكما، جمع الله بينكما، وأصلح بالكما)، وقام يمشي بينهما حتّى ادخلهما بيتهما ثمّ أمر (صلى الله عليه وآله) النساء بالخروج، فخرجن،تقول أسماء بنت عميس: فبقيت في البيت، فلمّا أراد (صلى الله عليه وآله) الخروج رأى سوادي، فقال: (من أنت)؟ فقلت: أسماء بنت عميس، قال: (ألم آمرك أن تخرجي)!. قلت: بلى يا رسول الله، وما قصدت خلافك، ولكن أعطيت خديجة عهداً، ثمّ حدّثته بما جرى عند وفاة السيّدة خديجة (عليها السلام)، فبكى (صلى الله عليه وآله)، وأجاز لها البقاء 
فلمّا انصرفت الشمس للغروب قال رسول الله(ص): «يا اُمّ سلمة هلمّي فاطمة»،‌فانطلقت فأتت بها تسحب أذيالها وقد تصبت عرقاً حياءً من رسول الله(ص) فعثرت، فقال رسول الله(ص): «أقالك الله العثرة في الدنيا والآخرة»، فلمّا وقفت بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتى رآها عليٌّ(ع).وأمر النبي(ص) بنات عبد المطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة، وأن يفرحن ويرجزن ويكبِّرن ويحمدن، ولا يقلن مالا يرضي الله، قال جابر: فأركبها على ناقته أو على بغلته الشهباء، وأخذ سلمان زمامها، وحولها سبعون ألف حوراء، والنبيّ(ص) وحمزة وعقيل وجعفر وبنو هاشم يمشون خلفها مشهرين سيوفهم، ونساء النبي(ص) قدّامها يرجزن.وكانت النّسوة يرجّعن أول بيت من كلّ رجز ثم يكبِّرن، ودخلن الدار، ثم أنفذ رسول الله(ص) إلى عليّ ودعاه، ثم دعا فاطمة فأخذ بيدها ووضعها في يد عليّ، وقال: «بارك الله في ابنة رسول الله، يا علي نِعم الزوج فاطمة، ويا فاطمة نِعم البعل عليّ».ثم قال: «يا عليّ هذه فاطمة وديعة الله ووديعة رسوله عنك، فاحفظ الله واحفظني في وديعتي»[1].ثم دعا وقال: «اللهمّ اجمع شملهما، وألِّف بين قلبيهما، واجعلهما وذرّيتهما من ورثة جنّة النعيم، وارزقهما ذرّية طاهرة طيبة مباركة،‌واجعل في ذرّيتهما البركة، واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما رضيت» .
 
زيارة النبي(ص) للزهراء (ع) في صبيحة عرسها
دخل رسول الله(ص) على فاطمة(س) في صبيحة عرسها بقدح فيه لبن فقال: «اشربي فداكِ أبوك»، ثم قال لعلي(ع): «اشرب فداك ابن عمّك»[1].ثم سأل عليّاً: «كيف وجدت أهلك؟ قال (ع): نِعم العون على طاعة الله». وسأل فاطمة فقالت: «خير بعل»[2].قال عليّ(ع): «ومكث رسول الله(ص) بعد ذلك ثلاثاً لا يدخل علينا، فلمّا كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا(ص) ليدخل علينا...» فلما دخل عليهما أمر عليّاً بالخروج، وخلا بابنته فاطمة(س) وقال: «كيف أنت يا بُنيّة؟ وكيف رأيت زوجكِ؟».قالت: «يا أبه خير زوج، إلا أنّه دخل عليَّ نساء من قريش وقلن لي زوّجكِ رسول الله من فقير لا مال له»، فقال(ص) لها: «يا بنية ما أبوك ولا بعلُك بفقير، ولقد عرضت عليَّ خزائن الأرض، فاخترت ما عند ربّي، والله يا بنية ما ألوتك نصحاً أنّ زوّجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً».«يا بُنية إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك، يا بنية نِعم الزوج زوجكِ، لا تعصي له أمراً».ثم صاح رسول الله(ص) بعليّ: «يا عليّ»، فقال: «لبيك يا رسول الله»، قال: اُدخل بيتك والطف بزوجتك وارفة بها، فإنّ فاطمة بضعة منّي، يؤلمني ما يؤلمها ويسرّني ما يسرّها، أستودعكما الله وأستخلفه عليكم»[3].
وفي رواية: لمّا زوّج رسول الله(ص) إبنته فاطمة(س) قال لها: «زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة، وإنّه أول أصحابي إسلاماً وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً»[4].
 
--------------------------------------------------------------------------------
[] ـ كفاية الطالب: الباب 78 ص 298، والمناقب 3/351 فصل تزويجها(س)، وكشف الغمة: 1/348 ـ 349، وذخائر العقبى: 41شجرة طوبى: 254.
إحقاق الحق 4/475، الأمالي للطوسي: 39.مناقب آل أبي طالب 3/128.بحار الأنوار 43/112.الأمالي للطوسي: 42.مناقب آل أبي طالب 3/130.بحار الأنوار 43/142.: المصدر السابق 43/138.
----------------------------
[1] ـ كشف الغمة: 1/357. [2] ـ بحارالانوار: 43/117 عن مناقب آل أبي طالب: 3/404.[3] ـ بحارالانوار: 43/132.[4] ـ بحارالانوار: 43/133، وكنزالعمال: 11/ ح 32926 مثله، ومسند الإمام أحمد: 5/26 مثله، مختصر تاريخ دمشق: 17/337.