الاستصحاب

الاستصحاب تعريفه لغة واصطلاحا، الاستصحاب أصل إحرازي، الفرق بين الاستصحاب والامارة والاصل، حكومة الاستصحاب على الاصل، الاستصحاب ووجوب الفحص،  أركان الاستصحاب، الاستصحاب وقاعدة اليقين، الاستصحاب وقاعدة المقتضى والمانع، الخلاف في حجيته، أدلة المثبتين: السيرة العقلائية، وجوب العمل بالظن، الاجماع، السنة. الاصل  المثبت، استصحاب الكلي، الاصل في الاشياء، الاباحة، الاصل بقاء ما كان، الاصل في الانسان، البراءة، استصحاب العدم الازلي، استصحاب النص إلى ان يرد النسخ، استصحاب الاحكام  الكلية، خلاصة البحث.
------------------------------------------------------------------
تعريفه لغة واصطلاحا: الاستصحاب لغة مأخوذة من المصاحبة تقول: (استصحبت في سفري الكتاب أو الرفيق، أي جعلته مصاحبا لي، واستصحبت ما كان في الماضي، أي جعلته مصاحبا إلى  الحال (1)). وقد ذكرت له تعاريف متعددة في مصطلح الاصوليين حاول صاحب الكفاية (ره) إرجاع بعضها إلى بعض. يقول: (إن عباراتهم في تعريفه وإن كانت شتى، إلا أنها تشير إلى مفهوم  واحد وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه (2)). وقد نوقش في جدوى هذه المحاولة في إحداث الملاءمة بين هذه التعاريف مع ما فيها من التعبير عن خلاف مبنائي بالنسبة إلى  الاستصحاب. فالذي عليه قسم من قدامى الاصوليين، ان الاستصحاب من الامارات الكاشفة عن الحكم وعليه بنى غير واحد حجية مثبتاته ولوازمه غير الشرعية باعتبار أن ما يكشف عن الواقع  يكشف عن لوازمه، فيكون حجة فيها وفيما يترتب عليها من أحكام، ومقتضى ذلك ان التعبير بالحكم ببقاء حكم لا يناسب هذا المبنى لكون الاستصحاب كاشفا عن الحكم عندهم، فالحكم بالبقاء وليد  اجرائه فهو متأخر رتبة عنه ولا يسوغ أخذه فيه للزوم الخلف أو الدور، وقد مر نظير هذا الاشكال في تعريف القياس. والذي يناسب هذا المبنى من التعاريف ما ذكره الشيخ عنهم: (من أن  الاستصحاب هو: كون الحكم متيقنا في الآن السابق، مشكوك البقاء
(1) مصادر التشريع، ص 127. (2) حقائق الاصول (متن)، ج 2 ص 391. (*)
------------------------------------------------------------------
في الآن اللاحق (1))، (فان كون الحكم متيقنا في الآن السابق امارة على بقائه ومفيدة للظن النوعي (2)). والذي عليه أكثر متأخري الاصوليين انه من قبيل الاصول لا الامارات، وان كان  يختلف عنها من بعض الجهات والذي يناسبه من التعاريف ما ذكره الاستاذ خلاف من انه (استبقاء الحكم الذي ثبت بدليل في الماضي قائما في الحال حتى يوجد دليل يغيره (3)) وان كان في هذا  التعريف شئ من الضيق لقصرة التعريف على الاستصحابات الحكمية مع ان مفهومه يتسع لها، وللاستصحابات الموضوعية كما يأتي إيضاح ذلك، وتعريف صاحب الكفاية أقرب منه إلى الفن  لهذا السبب. فكلمة الاستبقاء وكلمة الحكم تعطي للاستصحاب مضمون الوظيفة لا الكشف عن الواقع. وفي رأي بعض أساتذتنا ان تعريف الاستصحاب يجب ان ينتزع من مدلول أدلته لان الذي  يكون موضع حاجتنا هو خصوص ما قامت عليه الادلة، وليس في الادلة كلمة استبقاء أو حكم وانما فيها (حرمة نقض اليقين بالشك من حيث العمل، والحكم ببقاء اليقين من حيث العمل في ظرف  الشك، فالصحيح في تعريفه على هذا المسلك ان يقال: ان الاستصحاب هو حكم الشارع ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملي (4)). ولعل وجهة نظر من يقول باستبقاء الحكم أو  الحكم ببقاء الحكم هو الاخذ بلوازم هذه الروايات، لان لازم الحكم ببقاء اليقين وحرمة نقضه بالشك هو الحكم ببقاء المتيقن، أي الحكم الذي كان منكشفا باليقين وكلا التعريفين صحيح.
(1 - 2) مصباح الاصول، ص 5. (3) مصادر التشريع، ص 127. (4) مصباح الاصول، ص 6. (*)
------------------------------------------------------------------
الاستصحاب أصل إحرازي: ومن هذا التعريف ندرك السر في تسمية الاستصحاب بالاصل الاحرازي على ألسنة جملة من أعلامنا المتأخرين، وذلك لما لاحظوا من أن لسان اعتباره يختلف عن  كل من لسان جعل الطريقية للامارة وجعل الحجية للاصول المنتجة للوظائف الشرعية. فقد اعتبر في لسان جعله عدم نقض اليقين بالشك، فهو من ناحية فيه جنبة نظر إلى الواقع، ولكن هذه  الناحية لم يركز عليها الجعل الشرعي وانما ركز الجعل على الامر باعتبار المكلف مشكوكة متقينا، وإعطائه حكم الواقع وتنزيله منزلته من حيث ترتيب جميع أحكامه عليه فهو من حيث الجري  العملي واقع تنزيلا وان كانت طريقيته للواقع غير ملحوظة في مقام الجعل، بينما نرى ان لسان جعل الامارة ركز على ما فيها من إراءة وكشف، واعتباره كاملا، فهو يقول بفحوى كلامه: ان  مؤدى الامارة هو الواقع (فإذا حدث فعني يحدث) كما جاء ذلك في بعض السنة جعل الحجية لخبر الواحد والمسؤول عنه أحد الرواة من أصحاب الائمة. أما الاصل غير الاحرازي فهو لا يتعرض  إلى أكثر من اعتبار الجري العملي على وفقه مع فرض اختفاء الواقع وبهذا يتضح: الفرق بين الاستصحاب والامارة والاصل: فالامارة تحكي عن الواقع والشارع بلسان جعله يقول: ان مؤداها  هو الواقع. والاستصحاب لا يقول بلسان جعله: انه هو الواقع، وانما يأمرك باعتباره واقعا.
------------------------------------------------------------------
أما الاصل فلا يزيد على كونه مجعولا كوظيفة عند اختفاء الواقع بجميع مراحله، فهو لا يزيد على طلب الجري والسلوك العملي وفق مؤداه. حكومة الامارة على الاستصحاب: وإذا صح هذا فقد  وضح السر في تقديم الامارة على الاستصحاب، إذ مع قيام الامارة وانكشاف الواقع بها تعبدا لا موضع للشك ليطلب اليك اعتباره متيقنا، لان قيامها مزيل - في رأي الشارع - للشك وإن بقي  وجدانا، ومع فرض ان الشارع لا يراك شاكا، فأي معنى لان يقول لك: اعتبر شكك يقينا ؟ حكومة الاستصحاب على الاصل: وبهذا أيضا يتبين السر في تقديم الاستصحاب على غيره من الاصول  غير الاحرازية، إذ الاصول غير الاحرازية إنما جعلت عند اختفاء الواقع عن المكلف وعدم العلم به، وما دام المكلف مأمورا باعتبار الشك يقينا، فهو عالم بالواقع في رأي الشارع تعبدا لاعتباره  الشك علما في هذا الحال، وإعطائه نتائج العلم من حيث ترتيب جميع آثار الواقع عليه. ومع فرض حصول الواقع التنزيلي لديه فلا اختفاء للواقع ليلجأ إلى الوظيفة، فهو مزيل لموضوعها الذي أخذ  فيه عدم العلم بالواقع لحصول العلم به تعبدا كما هو الفرض. وقد سبق منا حديث في بحوث التمهيد، يبرر وضع الاستصحاب في المرحلة التالية للاصول الكاشفة عن الحكم الواقعي، والمرحلة  السابقة على الاصول غير الاحرازية.
------------------------------------------------------------------
الاستصحاب ووجوب الفحص: وما دمنا قد عرفنا رتبة الاستصحاب من الامارات، فليس لنا ان نأخذ به ما لم نفحص عن الامارة الكاشفة عن الحكم، أي عن الرتبة السابقة له. وقد استدل على  وجوب الفحص بأدلة كثيرة أهمها - فيما نعتقد - ثلاثة وهي: 1 - وجود العلم الاجمالي بوجود تكاليف إلزامية من الشارع ووجود طرق مجعولة إليها من قبله، ومع قيام العلم الاجمالي لا يجوز  الرجوع إلى الاصول - إحرازية أو غير إحرازية - في أطرافه، وهذا ما يوجب الفحص وحل العلم الاجمالي بما يعثر عليه منها، والرجوع بالباقي إلى الاصول. وأشكل عليه في الكفاية بما  مضمونه ان العلم الاجمالي يمكن حله بالعثور على مقدار المعلوم بالاجمال منها، ومقتضى ذلك هو الرجوع في الباقي إلى الاصل من دون حاجة إلى فحص عنه. وأجاب المحقق النائني عن  الاشكال المذكور بأن المعلوم بالاجمال في المقام بما أنه ذو علامة وتميز، فهو غير قابل للانحلال بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال، لان الواقع قد تنجز بما له من تميز فكيف يعقل انحلاله قبل  الفحص ؟ وتكاليفنا المعلومة بالاجمال نعلم بثوبتها بالكتب المعتمدة فهي ذات تميز خاص، ولا ينحل العلم الاجمالي إلا بفحصها، وإخراج الطرف المشكوك عن المعلوم المنجز بالفحص، واليأس  عن العثور على حكمه فيها والرجوع إلى الاصل. واشكل عليه بكون التكاليف الموجودة في الكتب والمعلومة إجمالا، هي نفسها مرددة بين الاقل والاكثر، فإذا ظفرنا بالمقدار المتيقن لم يكن مانع  من الرجوع إلى الاصل في غيرها من دون فحص.
------------------------------------------------------------------
والظاهر ان هذا النوع من الاشكال يحول النقاش مع الشيخ النائني إلى نقاش صغروي، لان العثور على القدر المتيقن منها لديه لا يتم إلا بعد استيعاب هذه الكتب فحصا. ومع استيعاب هذه الكتب  وحل العلم الاجمالي بما يعثر عليه منها، فلا مانع لديه ظاهرا من الرجوع إلى الاصل في غيرها، مما لم يوجد في الكتب من دون فحص لحصول اليأس من العثور عليه، والفحص لا موضوعية له  اكثر من تحصيل اليأس للمكلف كما هو واضح. فالظاهر أن الاستدلال بالعلم الاجمالي على وجوب الفحص لاخراج المشكوك عن المعلوم بالاجمال والرجوع به إلى الاستصحاب أو غيره من  الاصول متين جدا. 2 - دعوى استقلال العقل بلزوم الفحص قضاء لحق العبودية وتقريب هذا الاستدلال أن الذي وعيناه من الشارع المقدس في تبليغ أحكامه، هو الجري على الطريقة المتعارفة  في التبليغ، أي إظهار الحكم من قبله أمام جماعة تكثر أو تقل، ويكون هؤلاء هم الواسطة في التبليغ. وفعلية الوصول إلى كل مكلف ليس هو المسؤول عنها، وإنما هي من وظائف المكلفين أنفسهم.  فالمواطن في دولة ما مثلا من حق دولته ان تحاسبه على كل مفارقة منه إذا كان لديها قانون يحدد جريمته ويضع العقوبة عليها، وكان القانون قد بلغ بواسطة الجرائد ووسائل البث، إذا اعتبرتها  الدولة وسائل للتبليغ، وليس له أن يعتذر ببراءة الذمة من التكليف بدعوى أنه لا عقوبة إلا بقانون واصل، إذ الدولة ليست مسؤولة عن ايصال القانون إلى كل فرد، بل على المواطنين انفسهم  الفحص عنها، ومع اليأس من العثور عليها يرجعون إلى الاصل، وهكذا...
------------------------------------------------------------------
وحكم العقل بلزوم الفحص يكون بمنزلة القرينة المتصلة المانعة من ظهور ما يأتي من الاطلاقات في أدلة الاستصحاب الدالة على جواز العمل به من دون فحص، فهي مقيدة به ابتداء. 3 -  الاستدلال بالآيات الدالة على وجوب التعلم، ولعلها واردة كلها لتأكيد حكم العقل بلزوم الفحص، وليست أحكاما تأسيسية لوضوح أنه لا موضوعية للتعلم أكثر من الوصول به إلى أحكام المولى  تحصيلا للحجة ومع عدم التعلم والفحص عن أحكام المولى يرى العقل ان الحجة لله إذ ذاك على العبد، وقد ورد عن أهل البيت في تفسير قوله تعالى (فلله الحجة (1) البالغة) من انه (يقال للعبد  يوم القيمة هل علمت ؟ فان قال نعم، قيل له: فهلا عملت، وان قال: لا، قيل: فهلا تعلمت حتى تعمل). وعلى هذا فأدلة الاستصحاب لا تتم حجيتها إلا بعد اليأس عن العثور على الادلة الكاشفة عن  الحكم الواقعي. وما يقال عن الاستصحاب يقال عن بقية الاصول إحرازية أو غير إحرازية، نعم في الاستصحابات المثبتة للتكاليف لا يبعد القول بامكان جريانها من دون فحص، إلا ان الاخذ بها  انما يكون من باب الاحتياط لا اخذا بدليله. هذا كله إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية، ومع إنكاره لا يبقى موضوع لهذا الكلام وما عداها - أعني الاحكام الكلية - لا يجب فيه الفحص.  وأدلة وجوب الفحص لا تشمله لكونها غير ناظرة إلى غير الفحص عن الاحكام الكلية كما هو واضح. اركان الاستصحاب: واركان الاستصحاب المستفادة من نفس التعريف بعد تأمل فيه سبعة:
(1) الانعام / 149. (*)
------------------------------------------------------------------
1 - اليقين: ويريد به الاصوليون هنا، انكشاف واقع متعلقه وجدانا أو تعبدا. 2 - الشك: ويريدون به ما يقابل اليقين بمعنييه - الوجداني والتعبدي - فكل ما ليس بيقين فهو شك عندهم، سواء كان  شكا بالمعنى المنطقي - أي تساوي الطرفين - أم كان ظنا غير معتبر، أم وهما، فالجميع في مصطلحهم شك، ويجري عليها أحكامه. 3 - وحدة المتعلق فيهما، أي ان ما يتعلق به اليقين، هو الذي  يكون متعلقا للشك لا غيره. 4 - فعلية الشك واليقين فيه، فلا عبرة بالشك التقديري لعدم صدق النقض به، ولا اليقين كذلك لعدم صدق نقضه بالشك. 5 - وحدة القضية المتيقنة والقضية المشكوكة  في جميع الجهات، أي ان يتحد الموضوع والمحمول والنسبة والحمل والرتبة، وهكذا... ويستثنى من ذلك الزمان فقط، رفعا للتناقض. 6 - اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بمعنى أن لا يتخلل  بينهما فاصل من يقين آخر، كما هو مفاد تسلط النقض بالشك على اليقين. 7 - سبق اليقين على الشك - ولو كان السبق رتبيا - ليتم صدق عدم نقض الشك له. فإذا اجتمعت هذه الاركان في  موضع أمكن جريان الاستصحاب فيه وترتب حكمه بعد ثبوت حجيته - طبعا - ومع تخلف بعضها لا يمكن جريانه أصلا. وللاعلام بحوث وتفريعات على هذه الاركان والتماس اللوازم لفقدان  بعضها، يطول عرضها والتحدث في صغرياتها جميعا، ولنجتزئ بذكر المهم منها.
------------------------------------------------------------------
الاستصحاب وقاعدة اليقين: وقاعدة اليقين تشارك الاستصحاب في جملة أركانه إلا ما يتصل بفعلية اليقين والشك منها، إذ لا يقين فعلي فيها لفرض سريان الشك إلى نفس اليقين وإزالته كما هو  فحوى تحديدها. فقاعدة اليقين تفترض ان يكون الشك فيها ساريا إلى نفس اليقين السابق ومزيلا له، بينما يجمعها الاستصحاب على صعيد واحد إلا في ناحية الزمان، فإذا علمنا - ونحن في يوم  الاحد مثلا - بحياة زيد يوم الجمعة وشككنا ببقائها إلى يوم السبت فنحن الآن نملك يقينا بالحياة يوم الجمعة وشكا بالحياة في يوم السبت، وكلاهما فعليان، فالمثال يصلح للاستصحاب، وإذا علمنا -  ونحن في يوم الاحد - بحياة زيد يوم الجمعة ثم شككنا بعد ذلك فيها في يوم الجمعة كأن يكون قد طرأ علينا ما يزيل ذلك اليقين، فالمثال يصلح لقاعدة اليقين، إذا بعد زوال اليقين في حياته يوم  الجمعة، لا يبقى عندنا يقين فعلي، فالفارق بينهما اذن هو في فعلية اليقين السابق في احدهما وعدمه في الآخر. وقد وقع الخلط بين القاعدتين على ألسنة كثير من الاعلام لخفاء الفارق بينهما،  والادلة التي يملكها الاصوليون لا تنهض - على تقدير تماميتها - بغير الاستصحاب، إذ لا معنى لصدق النهي عن نقض اليقين مع عدم فعليته بداهة. الاستصحاب وقاعدة المقتضى والمانع: ومن  التأمل في هذه الاركان أيضا، ندرك الفارق بين القاعدتين لاعتبارنا في الاستصحاب وحدة المتعلق لليقين والشك بخلاف قاعدة المقتضى والمانع، فإن متعلق اليقين فيها هو وجود المقتضى للشئ،  ومتعلق الشك هو حصول
------------------------------------------------------------------
المانع من تأثيره (فإذا صببنا الماء لتحصيل الطهارة من الخبث مثلا، وشككنا في تحقق الغسل لاحتمال وجود مانع من وصول الماء، فلنا يقين بوجود المقتضى وهو انصباب الماء، وشك في وجود  المانع، فعدم ترتيب آثار الطهارة لا يصدق عليه نقض اليقين بالشك لعدم تعلق اليقين بالطهارة بل بوجود المقتضى، وليست الطهارة من آثار وجوده فقط بل تتوقف على عدم المانع أيضا،  والمفروض انه لا يقين بوجود المقتضى وعدم المانع لتكون الطهارة متيقنة (1)). فالفارق بينهما اذن انما هو في اختلاف المتعلق للشك واليقين في قاعدة المقتضى والمانع واتحاده في  الاستصحاب. والادلة التي يملكها الاصوليون لا تفي بالدلالة على غير الاستصحاب لظهورها بوحدة المتعلق فيهما، كما يأتي عرضها وبيان الاستفادة منها. ونظرا لوقوع التشابه بين القاعدتين  ووقوع الخلط بينهما، فقد اقتضانا التنبيه عليه. الخلاف في حجيته: اختلفوا في حجية الاستصحاب (فذهب أكثر العلماء كما حكاه ابن الحاجب ومنهم المالكية والحنابلة وأكثر الشافعية: إلى ان  الاستصحاب حجة شرعية فيحكم ببقاء الحكم الذي كان ثابتا في الماضي ما دام لم يقم دليل برفعه أو بتغييره فيبقى الامر الثابت في الماضي ثابتا في الحال بطريق الاستصحاب (2)). وفي المعالم  نسبة الحجية إلى الاكثر (3) وخالف في ذلك السيد المرتضى (4)
(1) مصباح الاصول، ص 241. (2) سلم الوصول، ص 305. (3 - 4) ص 218 من المعالم. (*)
------------------------------------------------------------------
كما خالف (أكثر الحنفية والمتكلمين كأبي الحسين البصري (1)). وهناك تفصيل ذهب إليه اكثر المتأخرين من علماء الحنفية وهو: (أن الاستصحاب حجة دافعة لا حجة مثبتة، أي أنه حجة لدفع  ما يخالف الامر الثابت بالاستصحاب، وليس هو حجة على اثبات أمر لم يقم دليل على ثبوته (2)). وللشيعة تفصيلات في أقسام الاستصحاب كثيرة، أهمها: تفصيل الشيخ الانصاري بين ما إذا  كان الشك في المقتضى فلا يجري الاستصحاب أو الشك في الرافع فيجري. واستقصاء هذه الاقوال والتماس أدلتها على اختلافها من التطويل غير المستساغ. فالانسب صرف الكلام إلى التماس  الادلة على أصل الحجية، وبيان مقدار ما تدل عليه، ومنها يعرف القول الحق من جميع هذه الاقوال. أدلة المثبتين: أما مثبتو الاستصحاب فقد استدلوا بعدة أدلة، أهمها: 1 - السيرة العقلائية:  بدعوى ان ما (فطر عليه الناس وجرى به عرفهم في عقودهم وتصرفاتهم ومعاملاتهم، انهم إذا تحققوا من وجود أمر غلب على ظنهم بقاؤه موجودا حتى يثبت لهم عدمه، وإذا تحققوا من عدم أمر  غلب على ظنهم بقاؤه معدوما حتى يثبت لهم وجوده، فمن عرف انسانا حيا راسله بناء على ظنه بقاء حياته، ومن عرف زوجية زوجين شهد
(1) إرشاد الفحول، ص 237. (2) سلم الوصول، ص 307. (*)
------------------------------------------------------------------
بها بناء على ظن بقائها، والقاضي يقضي بالملكية في الحال بناء على سند ملكية بتأريخ سابق، ويقضي بالدين في الحال بناء على شهادة شاهدين باستدانة سالفة). (وهذا كله يدل على أن ما تقضي  به الفطرة أن يعتبر ما كان على ما كان حتى يطرأ ما يغيره (1)). وقد نوقش بهذه السيرة (بأن عملهم على طبق الحالة السابقة على انحاء مختلفة: فتارة يكون عملهم لاطمئنانهم بالبقاء، كما  يرسل تاجر أموالا إلى تاجر آخر في بلدة أخرى لاطمئنانه بحياته لا للاعتماد على مجرد الحالة السابقة، ولذا لو زال اطمئنانه بحياته، كما لو سمع انه مات جماعة من التجار في تلك البلدة لم  يرسل الاموال قطعا). (واخرى يكون عملهم رجاء واحتياطا كمن يرسل الدرهم والدينار إلى ابنه الذي في بلد آخر ليصرفهما في حوائجه، ثم لو شك في حياته فيرسل إليه أيضا للرجاء والاحتياط  حذرا من وقوعه في المضيقة على تقدير حياته). (وثالثة يكون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه، فليس لهم التفات حتى يحصل لهم الشك فيعملون اعتمادا على الحالة السابقة كمن يجئ إلى داره بلا  التفات إلى بقاء الدار وعدمه)، إلى ان يقول: (فلم يثبت استقرار سيرة العقلاء على العمل اعتمادا على الحالة السابقة (2)). والظاهر ان هذه المناقشة لا تدفع وجود السيرة. وكونها جارية على  وفق الاطمئنان تارة والاحتياط اخرى، والغفلة ثالثة لا يدفع قيامها في غير المواضع المذكورة، ولو رجع الانسان إلى واقعه لوجد نفسه صادرا
(1) مصادر التشريع، ص 128. (2) مصباح الاصول. ص 11. (*)
------------------------------------------------------------------
عن الاستصحابات في جل تصرفاته حتى مع الشك باستمرار الحالة السابقة وعدم الغفلة عنها، وما هذه المواضع إلا من صغريات القاعدة. لكن دعوى الاستاذ خلاف بأن ما فطر عليه الناس  وجرى به عرفهم انهم إذا تحققوا من وجود أمر غلب على ظنهم بقاؤه... الخ. لا يخلو من مسامحة فان الذي جرى عليه الناس هو ترتيب الاثر على الحالة السابقة حتى مع الظن بالخلاف أحيانا،  كما هو الشأن في الامثلة التي مرت علينا الآن. والذي يبدوا لي ان الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية العامة التي ولدت مع المجتمعات ودرجت معها، وستبقى - ما دامت المجتمعات - ضمانة  لحفظ نظامها واستقامتها، ولو قدر للمجتمعات ان ترفع يدها عن الاستصحاب لما استقام نظامها بحال، فالشخص الذي يسافر مثلا ويترك بلده وأهله وكل ما يتصل به - لو ترك للشكوك سبيلها إليه  -، وما أكثرها لدى المسافرين، ولم يدفعها بالاستصحاب - لما أمكن له ان يسافر عن بلده، بل ان يترك عتبات بيته أصلا، ولشلت حركتهم الاجتماعية وفسد نظام حياتهم فيها، فقول شيخنا النائني:  (ان عملهم على طبق الحالة السابقة إنما هو بإلهام إلهي حفظا للنظام (1)) لا يخلو من أصالة وعمق نظر، ومناقشته بأن منكري حجية الاستصحاب لم يختل النظام عليهم بعد، ولو كان حفظ  النظام يقتضي ذلك لاختل على المنكرين تحتاج إلى تأمل، فالمنكرون لحجية الاستصحاب عندما أنكروها لم يتخلوا في واقع حياتهم عن الجري على وفق الاستصحاب وإن تخلوا عنه في  الشرعيات. وكونه ظاهرة اجتماعية يصدر عنها الناس في مجتمعاتهم حتى مع الشك
(1) مصباح الاصول، ص 11. (*)
------------------------------------------------------------------
صدورا تلقائيا - كما هو الشأن في الظواهر الاجتماعية - لا ينافي ان يلتقي احيانا الرجاء أو الاحتياط أو الظن بالبقاء أو الاطمئنان أو غيرها، لكن هذه الامور ليست هي الباعثة على خلق هذه  الظاهرة ككل، وإنما هي من وسائل التبرير عن السلوك على وفقها في بعض الاحيان، مما يخيل للانسان الفرد ان جملة تصرفاته منطقية ومبررة. وإذا صح ما ذكرناه من كونها من الظواهر  الاجتماعية العامة، فعصر النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان بدعا من العصور ولا مجتمعه بدعا من المجتمعات ليبتعد عن تمثل وشيوع هذه الظاهرة، فهي بمرأى من النبي (صلى الله عليه  وآله) - حتما - ولو ردع عنها لكان ذلك موضع حديث المحدثين، وهو ما لم يحدث عنه التأريخ، فعدم ردع النبي (صلى الله عليه وآله) عنها يدل على رضاه وإقراره لها وبخاصة وهو قادر على  الردع عن مثلها وليس هناك ما يمنعه عنه. ودعوى الردع عنها بالآيات الناهية عن العمل بالظن يرد عليها ما سبق ان أوردناه في مبحث السنة عندما تحدثنا عنها وحسابها نفس الحساب. 2 -  وجوب العمل بالظن: وهو ما استدل به البعض بدعوى انه (من المقرر ان العمل بالظن واجب، ويغلب الظن ببقاء الشئ على ما كان ما دام لم يوجد ولم يطرأ ما يغيره ويزيله (1)). والمناقشة في  هذا الدليل واقعة - صغرى، وكبرى -. أما الصغرى فلأن الظن لا يتحقق دائما ببقاء الشئ لمجرد عدم طرو ما يغيره، فالشخص الذي يترك بلده ثمانين حولا لا يظن ببقائه حيا عادة لا بالظن  الشخصي ولا النوعي مع انه لم يعلم بوجود ما يوجب انعدام حياته وما * (هامش)) (1) سلم الوصول، ص 308. (*)
------------------------------------------------------------------
أكثر صور الاستصحاب التي لا يتحقق فيها ظن بالحالات السابقة. وأما الكبرى - أعني دعوى ان العمل بالظن واجب - فهي لا مستند لها أصلا، وحالها يتضح مما عرضناه في مباحث التمهيد من  ان الظن من الطرق غير الذاتية لنقصان كشفه، وما كان غير ذاتي فهو محتاج إلى الجعل، وليس عندنا من الادلة ما يجعل الطريقية لمطلق الظنون، اللهم إلا إذا تمت مقدمات دليل الانسداد - وهي  غير تامة - كما اتضح حالها في مبحث القياس - فادعاء المفروغية عن وجوب العمل بالظن لا مستند له إذ مع هذه المفروغية المقررة لا نحتاج إلى التماس الادلة على جميع ما مر من الظنون  القياسية وغيرها والتماسها إذ ذاك عبث من الاعلام لا مبرر له. 3 - الاجماع: وقد ادعاه غير واحد من الاعلام، يقول في سلم الوصول: (إجماع الفقهاء على ان ما ثبت باليقين لا يزول بالشك  (1)) ويقول في مصادر التشريع: (مما اتفق عليه الفقهاء ان ما ثبت باليقين لا يزول بالشك، فمن توضأ للصلاة ثم شك بعد ذلك في أنه أحدث، يصلي ولا عبرة بشكه، ومن تزوج ثم شك بعد ذلك  في أنه طلق تحل له زوجته ولا اعتبار بشكه، هذا في الحقيقة مبني على ان الحكم الذي ثبت في الماضي يستصحب ويبقى ويستمر حتى يوجد دليل يغيره (2)). وهذا الاجماع لا أعرف كيف ادعاه  هؤلاء الاعلام، مع نقلهم لذلك الخلاف الكبير في حجية الاستصحاب من قبل كثير من الفقهاء، اللهم إلا أن يوجه الاجماع إلى خصوص هذه الفروع ونظائرها، وهو لا يثبت
(1) راجع ص 308 منه. (2) راجع ص 128 منه. (*)
------------------------------------------------------------------
حجية الاستصحاب لقيامه على نفس الفرع لا على مصدره المتخيل. السنة: ونريد من الاستدلال بالسنة خصوص ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المجال، لعدم إطلاعنا على أحاديث  نبوية من غير طريقهم بهذا المضمون، وربما كانت موجودة وضيعها علينا نقص الفحص وبخاصة إذا كانت في غير مظانها من كتب الفقه والاصول، وفي اخبار أهل البيت الكفاية - بعد ان ثبتت  حجية ما يأتون به -. والروايات التي أثرت عنهم كثيرة وبعضها مستوعب لشرائط الصحة، وقد استغرق الحديث فيها وفي ملابساتها مئات الصفحات في الموسوعات الاصولية أمثال: رسائل  الشيخ، وحقائق الاصول، فوائد الاصول، وغيرها، نذكر روايتين منها ونحيل القراء في بقيتها على هذه الموسوعات، ثم نجتزئ في الحديث عنهما، بمقدار ما يتسع له صدر هذه الصفحات: 1 -  صحيحة زارارة: (قال: قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من المني، فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت، ثم إني ذكرت بعد ذلك.  قال عليه السلام: تعيد الصلاة وتغسله. قلت: فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه قد أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلما صليت وجدته، قال عليه السلام: تغسله وتعيد. قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه  ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا فصليت فرأيت فيه. قال عليه السلام: تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك ؟ قال عليه السلام: لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن  تنقض اليقين
------------------------------------------------------------------
بالشك أبدا. قلت: فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله، قال عليه السلام: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت: فهل علي إن  شككت في أنه اصابه شئ أن أنظر فيه ؟ قال عليه السلام: لا، ولكنك إنما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت: إن رأيته في ثوبي وانا في الصلاة ؟ قال عليه السلام: تنقض الصلاة  وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدري لعله شئ أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (1)).  وهذه الرواية من أهم الروايات وأصحها وقد اشتملت على عدة مسائل فقهية أثارها عمق الراوي ودقة نظرته (2)، وقد تحدث عنها الاعلام أحاديث مفصلة، ولكنها لا تتصل بطبيعة بحثنا هذا، وما  يتصل منها بموضع الحاجة قوله عليه السلام في مقامين منها (فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك) وهي كبرى كلية طبقها (عليه السلام) على بعض مصاديقها في المقامين. والذي يبدو من  التعبير - فليس ينبغي - وهي كلمة لا تقال عادة في غير مواقع التأنيب أو العتب، ولا موضع لهما هنا لو لم تكن هذه الكبرى مفروغا عنها عند الطرفين وهي من المسلمات لديهما، كما ان التعليل  فيها لانك كنت على يقين، وإرساله على هذا النحو من الارسال يوحي انه تعليل بأمر مرتكز معروف، وهو ما سبق ان استقربناه عند الاستدلال ببناء العقلاء من انه من الامور التي يصدر عنها  الناس في واقعهم صدورا
(1) مصباح الاصول، ص 49 - 50. (2) لزرارة صاحب هذه الرواية صحيحتان أخريتان تجريان بهذا المستوى والعمق من كثرة التفرعات في الاسئلة وقوة الدلالة على حجية  الاستصحاب، تراجع في المصدر نفسه. (*)
------------------------------------------------------------------
تلقائيا لعل مصدره ما ذكره شيخنا النائني من إلهام الله لهم ذلك، أو ما عبر عنه الاستاذ خلاف بفطرة الله الناس عليها، فهي في الحقيقة من أدلة الامضاء لما عليه بناء العقلاء. 2 - موثقة عمار  عن أبي الحسن عليه السلام (قال: إذا شككت فابن على اليقين قلت: هذا أصل ؟ قال (عليه السلام): نعم (1)) ودلالتها عل الحجية واضحة وبخاصة إذا تصورنا انه لا معنى للبناء على اليقين إلا  البناء على المتيقن والتعبير ب‍ (هذ أصل) يدل على سعة القاعدة وعدم تقيدها في الموارد التي بعثت بالسائل على الاستفسار والسؤال. وعلى هذا فدلالة الروايات وافية، ولنا من اطلاقها وشمولها -  لجميع أقسام الاستصحاب سواء كان المشكوك فيه هو الحكم أم موضوعه، وسواء كان سبب اليقين بالحكم الشرعي الدليل العقلي أم غيره - ما يكفي لالغاء جميع هذه التفصيلات وغيرها مما  ذكروه، والمقياس في جريان الاستصحاب وعدمه هو توفر الاركان السابقة التي انتزعناها جميعا من مضمون هذه الروايات وعدمها وهو الاساس، والمنطلق للفصل في جميع ما يتصل بعوامل  الخلاف التي ذكروها. وعلى أساس من هذا المقياس سنثير الحديث في عدة من المسائل المهمة ونحاول تقييمها بعد عرض وجهات نظرهم في ذلك. 1 - الاصل المثبت: ويراد بالاصل المثبت:  الاصل الذي تقع فيه الواسطة غير الشرعية - عقلية أو عادية - بين المستصحب والاثر الشرعي الذي يراد إثباته، على ان تكون الملازمة بينهما - أعني المستصحب والواسطة - في البقاء فقط.
(1) مصباح الاصول، ص 64. (*)
------------------------------------------------------------------
وإنما قيدناها بهذا القيد إخراجا لما كانت الملازمة فيه قائمة بينهما حدوثا وبقاء، إذ اللازم إذ ذاك يكون بنفسه متعلقا لليقين والشك فيجري فيه الاستصحاب بلا حاجة إلى الالتزام بالاصل المثبت،  وحجيته موضع اتفاق. ومثاله ما لو علمنا بوجود الكر في البيت ولم نشخص موضعه وشككنا في ارتفاعه، فمقتضى الاستصحاب هو بقاء الكر، ثم فحصنا بعد ذلك فوجدنا كمية من الماء نحتمل  انها هي الكر ولم نجد غيرها، فبمقتضى الملازمة العادية ان الكر المستصحب هو هذا الماء إلا أن تطبيق الكر المستصحب على الموجود خارجا ليس مما يقتضيه حكم الشارع، وإنما اقتضته  الملازمة العادية أو العقلية - بحكم عدم عثورنا على غيره - فتطبيق أحكام الكر على هذا الماء إنما هو بالاصل المثبت، أي بتوسط تطبيق الكر عليه الذي اقتضته الواسطة غير الشرعية، ومن  المعلوم هنا ان هذا الماء الذي يراد إثبات الكرية له غير معلوم الكرية سابقا، وإنما المعلوم هو وجود الكر في البيت، وليست الملازمة بينه وبين الكرية إلا من حيث البقاء، إذ لازم بقاء الكر في  البيت هو ثبوت الكرية للموجود. وقد اختلفوا في حجيته، فالذي عليه الكثير من قدامى الاصوليين هو ثبوت الحجية له بادعاء تناول أدلة الاستصحاب لمثله. والذي عليه محققو المتأخرين عدم  الحجية لوضوح افتقاده لبعض الاركان التي انتزعناها من أدلة الحجية - فيما مضى - وهو وجود اليقين السابق والشك اللاحق، ومن البين هنا انه لا يقين بكرية هذا الموجود سابقا لتستصحب،  وإنما اليقين بوجود الكر. ومع فقد اليقين السابق لا مجال لترتيب آثار الاستصحاب لفقده ركنا من أركانه وهو اليقين. وتقريب آخر لعدم الحجية ان الذي استفدناه من أدلة الاستصحاب
------------------------------------------------------------------
ان من أركانه التي اعتبرها الشارع وحدة المتعلق لليقين والشك ليصدق النهي عن نقض اليقين بالشك، إذ مع اختلاف المتعلق لا معنى لان ينقض اليقين بالشك، ومتعلق اليقين الذي بأيدينا هو  وجود الكر سابقا لا كرية الموجود لفرض جهالة حالته السابقة، والمشكوك الذي نريد معرفة حكمه هو الكر الموجود لا وجود أصل الكر لعدم الثمرة الشرعية بالنسبة لمعرفته لنا فعلا، فمتعلق  الشك اذن غير متعلق اليقين، ومع عدم وحدة المتعلق في الشك واليقين - موضع احتياجنا - لا مجال للاستصحاب لفقده ركنا من أركانه أيضا. فسواء فقد الاصل المثبت ذلك الركن أم هذا، لا  مجال للقول بحجيته. وأهم ما أورد في هذا المجال ان ما يقتضيه قياس المساواة هو القول بالحجية. بتقريب ان الواسطة العرفية أو العقلية من آثار المتيقن سابقا، والحكم أو الموضوع الشرعي  الذي يراد إثباته من آثار الواسطة وأثر الاثر أثر، فالدليل الدال على اعتبار المشكوك متيقنا إذا شمل الاول فقد شمل آثاره المترتبة عليه طبعا. وقد أجيب على هذا الايراد ان هذه الكلية أعني - ان  أثر الاثر أثر - وإن كانت مسلمة عقلا، إلا أنها في خصوص ما إذا كانت الآثار الطولية كلها من سنخ واحد، كما في الحكم بنجاسة الملاقي ونجاسة ملاقي الملاقي حيث ان هذه الآثار جميعا من  الآثار الشرعية المجعولة من قبله، لان لازم نجاسة الشئ شرعا نجاسة ملاقيه، ولازم نجاسة ملاقيه نجاسة ملاقي ملاقيه، فالدليل الدال على نجاسة الشئ دال على ترتب هذه الآثار عليه، وكذلك  الامر بالنسبة إلى اللوازم العقلية، أما إذا اختلفت الآثار فكان بعضها عقليا والآخر شرعيا، فالقاعدة غير مسلمة لبداهة ان
------------------------------------------------------------------
الاثر الشرعي المجعول على شئ لا يكون أثرا شرعيا للوازمه العقلية أو العادية. فمن ضرب شخصا خلف ستر فقده نصفين، ثم شك بأن هذا الشخص هل كان كان حيا عندما ضربه أي ان  الموت استند إلى الضرب أو إلى غيره، فاستصحاب حياته إلى حين الضرب لا يكشف عن أن الموت كان مستندا إلى ضربته، فلا يرتب عليه آثار القتل الشرعية في هذا الحال لوضوح أن  الاستناد وعدمه ليسا من آثار حكم الشارع ببقائه حيا، وإنما هو من آثار حياته الواقعية وهي غير محرزة هنا. ثم إن الاستصحاب لما لم يكن من سنخ الامارات الكاشفة عن الواقع، واخذنا به إنما  هو قبيل التعبد المحض، فإن علينا ان نتقيد في حدود ما عبدنا به المشارع مما يرجع إليه، أي ان نثبت به خصوص الآثار الشرعية التي عبدنا بها، ولا نتجاوزها إلى غير آثاره من لوازم إثبات  الحكم أو الموضوع العادية أو العقلية لاحتياج هذا النوع من التجاوز إلى الدليل. وحتى الامارات على رأي بعض أساتذتنا لا تثبت لوازمها العقلية أو العادية، إلا إذا ثبت التخويل الشرعي لها بذلك،  أي ثبت عموم التعبد بها لهذا النوع من اللوازم، والاخبار والاقرارات وما يشبهها من الامارات، إنما التزم بإثبات لوازمها على اختلافها لثبوت البناء العقلائي بذلك، وثبوت امضاء الشارع له على  ما يملكه ذلك البناء من سعة وشمول. فدليل الاستصحاب - حتى مع فرض اماريته - غير ناظر إلى ترتيب لوازم المتيقن العادية أو العقلية أصلا ليتمسك به على الاطلاق والشمول.
------------------------------------------------------------------
2 - استصحاب الكلي: ولاستصحاب الكلي صور أهمها ثلاث: أولاها: ما إذا وجد الكلي في ضمن فرد معين، ثم شك في ارتفاعه كما لو وجد الانسان ضمن شخص في الدار، وشك في خروج  ذلك الشخص منها، فاستصحاب بقائه فيها، يوجب ترتيب جمع الآثار الشرعية على ذلك البقاء - أعني بقاء الكلي - لو كانت هناك آثار شرعية له، ومثل هذا الاستصحاب لا شبهة فيه. ثانيتها: ما  إذا فرض وجود الكلي في ضمن فرد مردد بين شخصين، علم ببقاء أحدهما على تقدير وجوده وارتفاع الآخر كذلك، كما لو فرض وجوده ضمن فرد وشك في كونه محمدا أو عليا، مع العلم بأنه لو  كان محمدا لكان معلوم الخروج عن الدار، ولو كان عليا لكان معلوم البقاء. والاستصحاب في هذا القسم، يجري وتترتب جميع آثاره للعلم بوجود الكلي والشك في ارتفاعه، فأركان الاستصحاب  فيه متوفرة. نعم لو كان الاثر مترتبا على الفرد لا على الكلي لا يجري الاستصحاب لفقده بعض أركانه، وهو اليقين لان كل فرد منهما بحكم تردده غير متيقن فلا يكون موضعا لروايات هذا  الباب. ثالثتها: ما إذا علم بوجود الكلي ضمن فرد خاص وعلم بارتفاعه واحتمل وجود فرد آخر له، كان مقارنا لارتفاع ذلك الفرد أو مقارنا لوجوده. والظاهر ان الاستصحاب لا يجري فيه لفقده  أهم ركن من أركانه وهو اليقين السابق، لان الكلي لا يمكن ان يوجد خارجا الا ضمن الفرد، فهو في الحقيقة غير موجود منه إلا الحصة الخاصة المتمثلة في هذا الفرد أو ذاك (فالعلم بوجود فرد  معين، يوجب العلم بحدوث الكلي بنحو الانحصار - أي يوجب العلم بوجود الكلي المتخصص بخصوصية هذا الفرد، وأما وجود الكلي المتخصص بخصوصية فرد آخر فلم يكن معلوما لنا، فما هو
------------------------------------------------------------------
المعلوم لنا قد ارتفع يقينا، وما هو محتمل للبقاء لم يكن معلوما لنا، فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما تعلق به اليقين فلا يجري فيه الاستصحاب). (وبما ذكرناه من البيان ظهر الفرق بين القسم الثاني  والقسم الثالث، فإن اليقين في القسم الثالث، قد تعلق بوجود الكلي المتخصص بخصوصية معينة، وقد ارتفع هذا الوجود يقينا وما هو محتمل للبقاء، فهو وجود الكلي المتخصص بخصوصية أخرى  الذي لم يكن لنا علم به فيختلف متعلق اليقين والشك، وهذا بخلاف القسم الثاني، فان المعلوم فيه هو وجود الكلي المردد بين الخصوصيتين فيحتمل بقاء هذا الوجود بعينه، فيكون متعلق اليقين  والشك واحدا، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه (1)). وهناك مسائل أخرى يتضح الحديث فيها مما فرعوه على الاستصحاب من القواعد، يقول خلاف: (وعلى الاستصحاب بنيت المبادئ  الشرعية الكلية الآتية: أ - الاصل في الاشياء الاباحة (2): وهذا الكلام ان أريد به ظاهره من ان الاشياء قبل ورود الشرع بها محكومة بالاباحة كما هو ظاهر مذهب جماعة من المعتزلة فيما حكاه  الغزالي عنهم (3)، فهو أجنبي عن الاستصحاب لان كلام هؤلاء ناظر فيما يبدو إلى ان الاباحة حكم واقعي لها قبل جعل الاحكام، والاستصحاب حكم ظاهري مجعول عند الشك، على ان المبنى  في نفسه غير سليم، وقد ناقشه الغزالي بقوله: (المباح يستدعي مبيحا كما يستدعي العلم والذكر ذاكرا وعالما، والمبيح هو الله تعالى إذا خير بين الفعل والترك بخطابه، فإذا لم يكن خطاب لم يكن  تخيير فلم تكن إباحة (4)).
(1) مصباح الاصول، ص 114 وما بعدها. (2) مصادر التشريع، ص 129. (3 - 4) المستصفى، ج 1 ص 40. (*)
------------------------------------------------------------------
وجواب الغزالي هذا، مبني على أن الجعل الشرعي متحد الرتبة مع خطاب الشارع، أو انه مجعول بالخطاب، أما إذا قلنا ان الخطاب مبرز للجعل الشرعي، والجعل في مقام الثبوت سابق رتبة  وزمانا عليه، كما هو مذهب الكثير، فإن جوابه لا يتم. والجواب على هذا المبنى: أن احكام الشارع لما كانت وليدة مصالح ومفاسد في المتعلقات غالبا - وهو ما تكاد تتفق عليه كلمة المسلمين على  اختلاف في المبنى - ولما كانت المتعلقات مختلفه: من حيث التوفر على المصالح والمفاسد فاحكامها حتما مختلفة، فالقول بجعل الاباحة لها بقول مطلق، لا يستند على أساس. وإن أريد بها الحكم  الظاهري، أي ان الاشياء محكومة بالاباحة ظاهرا عند الشك في حكمها الواقعي، فهي وإن كانت صحيحة. لقول أبي عبد الله (عليه السلام) كما في موثقة مسعدة بن صدقة، قال: سمعته يقول: كل  شئ هو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته، ولعله سرقة أو المملوك يكون عندك، ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة  تحتك ولعلها اختك أو رضيعتك، والاشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة (1))، بناء على عموم الاستدلال بها للشبهات الحكمية. أو لغيرها من الادلة وربما دل عليها كل ما يدل على  البراءة الشرعية. ولكن بناء هذه القاعدة على الاستصحاب لا معنى له، لتوفر أدلتها الاجتهادية، بالاضافة إلى عدم انطباقها عليه لفقدها ركنا من اركان الاستصحاب، وهو اليقين السابق بالاباحة،  إذ لم يفرض فيها ليستصحب.
(1) الدراسات، ص 154. (*)
------------------------------------------------------------------
نعم، يمكن أن يكون المراد بها ان الاصل في الاشياء الاباحة، إذا كانت معلومة سابقا، وشك في ارتفاعها فتكون من صغريات قاعدة الاستصحاب. ولكن هذا التوجيه غير مراد قطعا لهم لعدم  أخذهم فيه هذا الشرط (إذا كانت معلومة الاباحة سابقا)، على أنه لا خصوصية للاباحة لجواز ان يقال الاصل في الاشياء الحظر إذا كانت محظورة سابقا، والاصل فيها الوجوب إذا كانت واجبة،  وهكذا... ب - (الاصل بقاء ما كان على ما كان حتى يطرأ ما يغيره (1)): وهذه القاعدة إن كانت ناظرة إلى مقام الثبوت والوقع، فهي صحيحة في بعض مصاديقها، لان الذي يبقى عند وجوده ما  لم يطرأ عليه ما يغيره ما كان فيه مقتضى البقاء، أما ما ليس فيه استعداد البقاء لا يحتاج في انتفائه إلى المغير، بل يكون انتهاؤه بانتهاء استعداده، إلا أن القاعدة تكون أجنبية عن الاستصحاب، لان  الاستصحاب غير ناظر إلى مقام الثبوت، بل ناظر إلى مقام الاثبات في مرحلته الظاهرية. وإن أريد بها النظر إلى مقام الاثبات، فالاستصحاب لا يثبتها لما قربناه سابقا من عدم اماريته. نعم، إذا  غيرت القاعدة إلى التعبير بإبقاء ما كان على ما كان ما لم يعلم بطرو ما يغيره، كانت موافقة لمؤدى الاستصحاب كما نهضت به أدلته السابقة. ولعل قولهم:
(1) مصادر التشريع، ص 129. (*)
------------------------------------------------------------------
ج - (ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه (1)): أقرب إلى الاستصحاب من التعبير السابق وبخاصة إذا استظهرنا من قولهم: يحكم ببقائه هو الحكم به عند الشك لا واقعا. د - (ما  ثبت باليقين لا يزول بالشك (2)). وهذه القاعدة إذا أريد بها مدلولها اللغوي كانت أجنبية عن مفاد الاستصحاب لان مفاده - كما مر بيانه - ما ثبت باليقين لا يزال بالشك، أي مطلوب اعتباره ثابتا،  لبداهة ان اليقين والشك لا يسريان إلى الواقع فيغيرانه عما هو عليه ليصح مثل هذا التعبير، والظاهر ان مرادهم هو ما ذكرناه، فتكون القاعدة عين ما يراد من معنى الاستصحاب في حدود ما مر.  ه‍ - (الاصل في الانسان البراءة (3)): وابتناء هذه القاعدة على الاستصحاب موقوف على العلم السابق بخلو الذمة والشك اللاحق، وليس مثل هذا العلم متوفرا دائما، وسيأتي أن هذه قاعدة مستقلة  ولها أدلتها الخاصة وليست مبنية على الاستصحاب ككل، لجواز فرضها في صورة توارد التكليفين على الانسان مع شكه في السابق واللاحق منهما، كما لو علم بصدور حدث وطهارة وجهل  أسبقهما، فاستصحاب الحالة السابقة عليهما لا يجري للعلم بانتقاضها بأحدهما، واستصحاب كل منهما لا يجري أيضا اما لعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين - كما ذهب إلى ذلك بعض أساتذتنا  - وهو من أركان الاستصحاب لاحتمال
(1) فلسفة التشريع في الاسلام، ص 180. (2 - 3) مصادر التشريع، ص 129. (*)
------------------------------------------------------------------
تخلل اليقين بالانتقاض باليقين بالنسبة إلى كل منهما، فلا يتصل شكه بيقينه زمانا، واما لجريانهما والحكم بتساقطهما للتعارض فابتناء هذه الصورة من القاعدة على الاستصحاب ليس له وجه. أما  بقية الصور - وهي التي يعلم فيها ببراءة الذمة سابقا - ويشك بارتفاعها، فهي مختلفة أيضا لان الحالة السابقة المعلومة ان أريد بها العدم السابق على تأهل المكلف لورود التكاليف عليه كانت  حجيتها مبنية على صحة الاستصحاب في: العدم الازلي: وحجيته موضع خلاف بين الاعلام وبخاصة المتأخرين منهم، فالذي عليه شيخنا النائني: ان الاستصحاب لا يجري لكونه من الاصول  المثبتة باعتبار ان العدم المعلوم لدى المستصحب عدم محمولي، والذي يراد إثباته عدم نعتي، وثبوت أحدهما لا يثبت الآخر إلا بتوسط لازم عقلي، فالبراءة المعلومة هي البراءة الثابتة قبل تأهل  المكلف - من باب السالبة بانتفاء الموضوع - والبراءة التي يراد إثباتها هي البراءة بعد تأهله، واحداهما غير الاخرى فلا يجري الاستصحاب. ولكن الشيخ آغا ضياء العراقي - وهو من أعلام  الاصوليين في النجف - يرى - فيما يحكى عنه - إمكان جريان الاستصحاب في العدم الازلي لاعتقاده عدم التمايز في الاعدام، فالعدم المحمولي هو - في واقعه - عين العدم النعتي وليس غيره  ليكون جريانه من قبيل الاصل المثبت. والذي يقتضي ان يقال: ان المسألة تختلف باختلاف الاستفادة من الادلة، فإن استفيد اعتبار الاتصاف بالعدم في متعلق الحكم أو موضوعه، فاستصحاب العدم  - بمفاد كان التامة - أي العدم المحمولي لا يثبته لان الاتصاف من
------------------------------------------------------------------
الامور الوجودية الموقوفة على وجود موضوعها، وان لم يستفد من الادلة اعتبار الاتصاف واستفيد تركب المستصحب من جزءين هما - في مقامنا - الملكف وخلو الذمة فاستصحاب خلو الذمة -  بمفاد كان التامة - يثبت الموضوع لان زيدا مثلا مكلف بالوجدان، والذمة غير مشغولة بالاصل. هذا كله إذا أريد من العدم العدم الثابت قبل التأهل للمكلف - أي في أيام طفولته وقبل اتصافه بالتمييز  - اما إذا أريد بالعدم العدم الثابت له قبل البلوغ وبعد تأهله للتكليف بالتمييز، فالاستصحاب لا يجري بناء على استفادة أن البلوغ من مقومات الموضوع عرفا للعلم بتبدل الموضوع، ومع العلم بتبدل  الموضوع لا يجري الاستصحاب لفقده ركنا من اركانه. نعم، من لا يرى البلوغ مقوما لموضوع التكليف عرفا، لا مانع من جريان الاستصحاب بالنسبة إليه. والنتيجة ان بناء هذه القاعدة على  الاستصحاب، لا يصدق إلا في بعض الصور على بعض المباني، فلا تصلح أن تكون قاعدة عامة مرتكزة في جملة ركائزها على الاستصحاب. و - (استصحاب النص إلى أن يرد النسخ (1)).  وقد عد المحدث الاسترابادي هذا النوع من الاستصحاب من الضروريات وقد سبق الاشكال مفصلا فيه في مبحث (شرع من قبلنا) والحقيقة انا لسنا في حاجة إلى هذا الاصل لاثبات استمرار  الشريعة، وحسبنا من الادلة اللفظية أمثال ما ورد من قوله: (عليه السلام) (حلال محمد حلال إلى يوم القيمة، وحرامه حرام إلى يوم القيمة) ما يثبت الاستمرار. على ان بعض الاستاذة ذهب إلى  أن اصالة عدم النسخ ليس مبناها الاستصحاب ليستشكل فيه بل هي أصل قائم بذاته، ومستنده الاجماع
(1) فلسفة التشريع في الاسلام، ص 179. (*)
------------------------------------------------------------------
أو الضرورة التي ادعاها المحدث الاسترابادي. وما سبق ان قلناه عن أصالة عدم النسخ نقوله عن: استصحاب الاحكام الكلية: إذا كان منشأ الشك فيها هو احتمال طرو الرافع عليها أي طرو  النسخ عليها، لان الشبهة التي ذكرناها هناك من الشك في سعة المجعول وضيقه، أي دوران الامر بين مقطوع الارتفاع ومقطوع البقاء، جارية بنفسها هنا، فلا حاجة لتكرار الحديث فيها. خلاصة  البحث: والخلاصة ان المقياس في جريان الاستصحاب وعدمه هو توفر الاركان السبعة السابقة، فإن توفرت جرى الاستصحاب، وإن فقد بعضها لا يجري لعدم توفر الدليل عليه.
------------------------------------------------------------------
الباب الثالث لقد أطال الاعلام في التحدث عن كل ما يتصل بهذا الباب والذي يأتي بعده، وقد استغرق الحديث فيه المجلدات الواسعة وسنقتصر منه على المواضع التي نراها أهم من غيرها، ونقلل  من النماذج التطبيقية والتفرعات على أصل المبنى احتفاظا بطبيعة ما تقتضيه بحوثنا من إيجاز واقتراب نسبي من المفاهيم المشترك بحثها بين أعلام المذاهب على اختلافها، تحقيقا لمنهجنا في  المقارنة، وإذا دعتنا الضرورات أحيانا إلى ذكر مباحث تمحضت مدرسة النجف في بحثها، فلان التقييم الفقهي لبعض المسائل موقوف عليها، ومعالمها مفقودة في المذاهب الاخرى.