القسم الحادي عشر: مذهب الصحابي

الباب الاول القسم الحادي عشر مذهب الصحابي تعريفه، الخلاف في حجيته، دليل الغزالي ومناقشته، أدلة المثبتين، نهاية الباب.
------------------------------------------------------------------
تعريفه: ويريدون بمذهب الصحابي القول أو السلوك الذي يصدر عنه الصحابي ويتعبد به من دون ان يعرف له مستند. الخلاف في حجيته: وقد اختلفوا في حجيته فذهب (قوم إلى ان مذهب  الصحابي حجة مطلقا، وقوم إلى انه حجة ان خالف القياس، وقوم إلى أن الحجة في قول ابي بكر وعمر خاصة لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا بالذين من بعدي)، وقوم إلى ان الحجة في قول  الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا (1)) وفي رأي الغزالي ان جميع هذه الاقوال باطلة (2). دليل الغزالي ومناقشته: يقول: (ان من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجة في قوله،  فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ، وكيف تدعى عصمتهم من غير حجة متواترة، وكيف يتصور عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف ؟ ! وكيف يختلف المعصومان ؟ كيف وقد اتفقت الصحابة  على جواز مخالفة الصحابة ؟ ! فلم ينكر ابو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كل مجتهد ان يتبع اجتهاد نفسه (3).) (فانتفاء الدليل على العصمة). و ( وقوع الاختلاف بينهم).
(1 - 2 - 3) المستصفى، ج 1 ص 135. (*)
------------------------------------------------------------------
(وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه). (ثلاثة أدلة قاطعة (1)). وقد سبق أن عرضنا هذا الدليل بالذات في مبحث (سنة الصحابة)، وقربنا أن يكون لا مدفع له في نفي العصمة عنهم. ولكن الذي يجب  أن يقال: ان القائلين بمذهب الصحابي لا يريدون إثبات العصمة له وإلا لاعتبروه سنة، كما اعتبره الشاطبي وإن كان عده من مصادر التشريع يوهم ذلك. وربما عكس وجهة نظرهم من قال: (إنه  إذا قال الصحابي قولا يخالف القياس، فلا محمل له إلا سماع خبر فيه (2)). فهم لا يريدون اكثر من حمل تصرفاتهم على وجه مبرر، أي أنهم يريدون أن يقولوا أن الصحابة لا يقدمون على  المخالفة الصريحة لحكم الشارع، فإذا عمل احدهم عملا ولم يتبين وجهه، فلا بد وأن يكون هناك مستند لهذا العمل، فإن لم يكن قياس لفرض المسألة ان القول مخالف للقياس فخبر نجهله. ولكن  المسألة في حدود التماس المبررات الشرعية لتصرفات بعضهم، ليست موضعا لحاجتنا - كمجتهدين - فإذا أريد من وراء هذا الكلام اعتبار مثل هذا الخبر المجهول لدينا حجة، فقد صح ما يقوله  الغزالي في نقضه: (فقوله - يعني الصحابي - ليس بنص صريح في سماع خبر، بل ربما قاله عن دليل ضعيف ظنه دليلا واخطأ فيه، والخطأ جائز عليه، وربما يتمسك الصحابي بدليل ضعيف  وظاهر موهوم، ولو قاله عن نص قاطع لصرح به (3)). إلى أن يقول: (أما وجوب اتباعه ولم يصرح بنقل خبر فلا وجه له (4)).
(1) المستصفى، ج 1 ص 135. (2 - 3) المستصفى، ج 1 ص 136. (4) المستصفى، ج 1 ص 136. (*)
------------------------------------------------------------------
والواقع أن إثبات كونه من مصادر التشريع، لا ينسجم إلا إذا اعتبرت تصرفاته - قولا أو فعلا أو تقريرا - من السنة والادلة التي ذكروها تأبى إثبات هذا المعنى، وحمل الصحة لا يكفي لاعطاء  تصرفاته صفة التشريع والحكاية عن أحكام الله الواقعية. أدلة المثبتين: استدل المثبتون على حجية أقوالهم على اختلاف بينهم في سعة المبنى وضيقه - بجملة من الاحاديث - أمثال اصحابي  كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم، أو قوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، أو قوله: اقتدوا بالذين بعدي أبي بكر وعمر، وأمثالها. وقد ذكرنا - في مبحث سنة الصحابة - ضعف أسانيد  بعضها واستحالة التعبد الشرعي من قبل الشارع بها للزوم التعبد بالمتناقضات ومعارضتها باخبار الحوض، فلا بد من تأويلها أو تأويل ما يصح منها بغير مجالات اعتبار الحجية صونا لكلام  الشارع من الوقوع في التناقض. وقد ناقش الغزالي، كل ما يتصل بهذه الاحاديث في بحثه عنها، مناقشات لا يخلو اكثرها من أصالة. فعدها - من قبل الغزالي (1) والآمدي (2) في الاصول  الموهومة - في موضعه. هذا كله في مذهب الصحابي - كمشرع - أما مذهبه كمجتهد فحساب من يثبت اجتهاده منهم حساب بقية المجتهدين، وسنخضع في بحوثنا القادمة من يسوغ الرجوع إلى  شرائط معينة، فإن توفرت في الصحابي تعين الرجوع إليه وإلا فلا يسوغ، وحسابهم حساب من لم تتوفر فيه
(1) المستصفى، ج 1 ص 135. (2) الاحكام، ج 3 ص 136. (*)
------------------------------------------------------------------
شرائط التقليد من المجتهدين والصحبة التي تؤدي وظيفتها - وإن كانت من أعظم الفضائل للعبد - إلا أن ما تعطيه نتائج أخروية محضة، ولا علاقة لها بعوالم جعل الحجية أصلا. نهاية الباب:  والذي انتهينا إليه من مجموع هذه البحوث التي انتظمت أقسام الباب الاول ان ما يصلح من هذه الاقسام لاعتباره مصدرا من مصادر التشريع، وأصلا يركن إليه في مقام الاستنباط لا يتجاوز  أربعة: 1 - الكتاب العزيز. 2 - السنة. 3 - العقل. 4 - الاجماع - على قول -. وما عداها فهو راجع إليها في أغلبية صوره، وبعضها يمكن ان يعد مصدرا مستقلا في مقابلها، إلا أن أدلة حجيته  لا تنهض بإثبات ذلك.
------------------------------------------------------------------
الباب الثاني ذكرنا - في بحوث التمهيد - ان الاصول التي تدخل ضمن هذا الباب كثيرة نسبيا، إلا ان الذي يغلب على إنتاجها هو الحكم الفرعي الجزئي، وأحكامها على الاكثر لا تتجاوز أبوابا  معينة من الفقه ولذلك آثرنا بحثها في الكتاب اللاحق. ولكن الاستصحاب يختلف عنها من حيث وفرة انتاجه للاحكام الكلية - من جهة - على ما قيل - وعدم اقتصاره على باب من الفقه دون باب،  لذا آثرنا قصر هذا الباب عليه وإطالة التحدث فيه في حدود ما تدعوا إليه طبيعة المقارنة، وبحث مواقع الالتقاء منها بين الاعلام، مع التوسع في بعض البحوث نسبيا، وإلا فإن استيفاء الحديث فيه -  في حدود ما عرضته مدرسة النجف الحديثة - مما يحتاج إلى مجلد كبير.