مدرسة الإمام الصادق عليه السلام

مدرسة الإمام الصادق(عليه السلام)

لم يكن من المبالغة وصف مدرسة الإمام الصادق بأنّها جامعة إسلامية، خلّفت ثروة علمية وخرّجت عدداً وافراً من رجال العلم، وأنجبت خيرة المفكرين وصفوة الفلاسفة وجهابذة العلماء، وقد عدّت أسماء تلامذته والمتخرّجون من مدرسته فكانوا أربعة آلاف رجل، وقد صنّف الحافظ أبوالعباس بن عقدة كتاباً جمع فيه رجال الصادق ورواة حديثه وأنهاهم إلى أربعة آلاف .

روى الشيخ الصدوق أنّ سليمان بن داود المنقري، قال: كان حفص بن غياث(116) إذا حدّثنا عن جعفر بن محمد قال: حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد(عليهما السلام)  .

قال الشيخ المفيد في الإرشاد: «إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا الرواة عن الصادق من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف»(117).

وقال الشيخ محمد بن علي الفتّال في روضة الواعظين: «وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف»(118).

وقال السيد علي بن عبد الحميد النيلي في كتاب الأنوار: «وممّا اشتهر بين العامة والخاصة أنّ أصحاب الحديث جمعوا اسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف»(119).

وقال الشيخ الطبرسي في إعلام الورى: «ولم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات فكانوا أربعة آلاف رجل، وقال في القسم الثالث: «وروى عن الصادق من أهل العلم أربعة آلاف إنسان»(120).

وقال ابن شهرآشوب في المناقب: «نقل عن الصادق من العلوم مالا ينقل عن أحد، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء فكانوا أربعة آلاف»(121).

وقال المحقق في المعتبر في جملة كلامه عن الصادق(عليه السلام): «فإنّه انتشر عنه من العلوم الجمّة ما بهر به العقول، وروى عنه جماعة من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل»(122).

وقال الشهيد في الذكرى: إنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنِّف، ودوّن من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل العراق والشام والحجاز»(123).

وقال الشيخ حسين والد العـلامة البهبهاني في ذكر الصادق(عليه السلام): «ودون العامة والخاصة ممن تبرز بعلمه من العلماء والفقهاء أربعة آلاف»(124).

وعلى أيّ حال فإنّ مدرسة الإمام الصادق(عليه السلام)، كانت مصدراً للعلم وينبوعاً يفيض على الاُمة بالعلوم والمعارف الإسلامية، وأغدقت على العالم الإسلامي بخدماتها الجليلة، في بثّ تلك التعاليم القيّمة في عصر ازدهر فيه العلم، وأقبل المسلمون على انتهاله.

ولو تسنّى لمدرسة الإمام الصادق(عليه السلام)الظهور التام لأدّت رسالتها على أحسن ما يتطلبه واقع المسلمين وما هم فيه من الحاجة إلى نشر التعاليم القيّمة في بثّ روح الاُخوّة الإسلامية، والعدالة الاجتماعية، ومحو المعتقدات الفاسدة والآراء الشاذة.

ولكن بمزيد الأسف أنّ السلطة الحاكمة قد اتخذت جميع التدابير لمحاربة تلك المدرسة، لأنّ شهرة الإمام الصادق(عليه السلام)في العالم الإسلامي كانت تقضّ مضاجعهم، وتبعث في قلوبهم الوجل من نشاطه العلميّ إلى جانب ما لأهل بيته من النشاط السياسي، ولهذا فقد كانوا يضعون الخطط التي يأملون فيه الوصول إلى غلق أبواب تلك المدرسة والقضاء على الإمام الصادق(عليه السلام) بكلّ وسيلة، لأنّ الأنظار أصبحت متجهة إليه، وكانت وفود رجال الاُمة وطلاب العلم تتسابق إلى الحضور عنده، والاستماع منه حتى كان ذكره حديث الركبان، وكانت أندية العلم في العواصم الإسلامية تلهج بذكره، وينتهي الاحتجاج في الاستشهاد بقوله.

والحقيقة أنّ مدرسة الإمام جعفر الصادق الفكرية قد أنجبت خيرة المفكرين، وصفوة الفلاسفة وجهابذة العلماء، وإذا كانت هناك حقيقة يجب أن تقال فهي: أنّ الحضارة الإسلامية والفكر العربي مدينان لهذه المدرسة الفكرية بالتطور والرقيّ والخلود، ولعميدها الصادق بالمجد العلمي والتراث الثمين.

كما أنّها وجّهت الاُمة إلى قواعد الاستنباط ونقد الحديث، وبعثت على النشاط في مجال التأليف وتبويب الأحكام، فكانت ملتقى العلماء، ومجمعاً لطلابه رغم تلك المحاولات التي تبذل في طريق شهرتها والوقوف أمام انتشار ذكرها.

وأودّ بأن اُسارع هنا فاُشير إلى ما يأتي فيما بعد: بأنّ مدرسة الإمام الصادق(عليه السلام): كان طابعها التي طبعت عليه ومنهجها الذي اختصت به، هو استقلالها الروحي، وعدم خضوعها لنظام السلطة، ولم تفسح المجال لولاة الأمر بأن يتدخلوا في شؤونها، أو تكون لهم يد في توجيهها وتطبيق نظامها، لذلك لم يتسن لذوي السلطة استخدامها في مصالحهم الخاصة، أو تتعاون معهم في شؤون الدولة، ومن المستحيل ذلك ـ وإن بذلوا جهدهم في تحقيقه ـ فهي لا تزال منذ نشأتها الأولى تحارب الظالمين، ولا تركن إليهم، كما لا ترتبط وإيّاهم بروابط الالفة، ولم يحصل بينها وبينهم انسجام، وبهذا النهج الذي سارت عليه، والطابع الذي اختصت به أصبحت عرضة للخطر، فكان النزاع بينها وبين الدولة يشتدّ والعداء يتضخّم، الأمر الذي جعل المدرسة عرضة للخطر.

ورغم ذلك كلّه فقد صمدت لتلك الهجمات التي توجهها الدولة لتمحوها من صفحة الوجود، وقد عانت من بطش  الجبارين وعسف الظالمين مالا يحيط به البيان.

وعلى كل حالّ فإنّ مدرسة الإمام الصادق(عليه السلام) كانت بعيدة عن التأثّر بآراء الحكام الذين يفرضون إرادتهم على العلم والعلماء، ويحاولون أن تكون لهم السلطة الدينية إلى جانب السلطة التنفيذية.

وقد بذل المنصور كلّ ما في وسعه لجلب رضا الإمام الصادق(عليه السلام)والفوز بمسايرته له، ولكنّه لم يفلح، فقد أعلن(عليه السلام)مقاطعته، وأوعز إلى أصحابه ذلك، فسارت مدرسته على ذلك الاستقلال الروحي، ونالت تلك الشهرة العظيمة، وخلفت ذلك التراث الثمين والمجد العلمي، وإنّ الحضارة الإسلامية مدينة لها بالتطور والخلود. وسيأتي في الإجزاء القادمة مزيد بيان لذلك.

تلامذة الإمام الصادق ورواة حديثه

أما تلامذته فقد أجمع العلماء على أنّهم كانوا أربعة آلاف، وهم من مختلف الأقطار الإسلامية على اختلاف آرائهم ومعتقداتهم، وقيل: إن الثقات منهم  كانوا بهذا العدد، ولا بدّ لنا من الإشارة هنا إلى البعض منهم مقتصرين على ذكر أسمائهم بدون تفصيل لأنّا سنشير إلى جملة منهم في الجزء الثاني، كما أننا لم نذكر منهم إلاّ من اشتهر بالعلم وخرّج حديثه أصحاب الصحاح كالبخاري، ومسلم، والترمذي، وأصحاب السنن، وأنّ منهم من أصبحوا رؤساء طوائف، وأئمة مذاهب: كأبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة (150هـ ) صاحب المذهب المنسوب إليه، وقد اشتهر قوله: ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد.. وقوله: لولا السنتان لهلك النعمان(125) وكانت له مع الإمام الصادق(عليه السلام) اتصالات متفرّقة بالمدينة والكوفة، وقد لازمه مدة سنتين متواصلتين بالمدينة. فجعل هاتين السنتين نجاة له من الهلكة.

مالك بن أنس المتوفى سنة (179هـ ) رئيس المذهب المنسوب إليه، وكانت له صلة تامّة بالإمام الصادق(عليه السلام)، وروى الحديث عنه واشتهر قوله: ما رأت عين أفضل من جعفر بن محمد(126).

سفيان الثوري المتوفى سنة (161هـ ) وهو من رؤساء المذاهب وحملة الحديث وأعلام الأئمّة، وقد بقي مذهبه معمولاً به إلى ما بعد القرن الرابع، وكان لسفيان الثوري اختصاص بالإمام الصادق وقد روى عنه الحديث كما روى كثيراً من آدابه(عليه السلام)وأخلاقه ومواعظه(127).

سفيان بن عيينة المتوفى سنة (198هـ ) والمدفون بالحجون وهو من رؤساء المذاهب البائدة(128)، وغير هؤلاء من حملة الحديث وأعلام الاُمة، ولا يتسع المجال لذكرهم الآن، ونكتفي بذكر البعض منهم في عرض موجز وهم:

شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي المتوفى سنة (160هـ ) خرّج له أصحاب الصحاح والسنن وروى عنه خلق كثير. قال الشافعي: لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق. وقال أحمد: شعبة اُمة وحده(129).

وفضيل بن عياض بن سعد بن بشر التميمي اليربوعي المتوفى سنة (187هـ )، قال الجزري: «هو أحد أئمة الهدى والسنة، روى عنه الأعمش وسليمان التيمي وابن المبارك وابن القطان وأحمد بن المقدام وخلق كثير، وثّقه النسائي وغيره، وخرج له البخاري والترمذي ومسلم والنسائي»(130).

وحاتم بن إسماعيل المتوفى سنة (180هـ ) كوفيّ الأصل خرّج له البخاري ومسلم والترمذي والجماعة، وكان ثقة في الحديث، أخذ عن الصادق(عليه السلام)وأخذ عنه خلق كثير منهم إسحاق وابن معين(131).

وحفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك أبو عمرو الكوفيّ المتوفى سنة (194هـ ) روى عن الصادق(عليه السلام) وروى عنه أحمد، وإسحاق، وأبو نعيم، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني وعفان بن مسلم، وعامة الكوفيين، ولي قضاء بغداد، ثم عزل وولي قضاء الكوفة، وكان كثير الحديث حافظاً له ثبتاً فيه مقدّماً عند المشايخ كتبوا عنه من حفظة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف حديث، خرّج له الجماعة أجمع(132).

وزهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني المتوفى سنة (162 هـ ) أخذ عن الإمام الصادق، وعنه أبو داود الطيالسي، وروح بن عبادة، وأبو عامر العقدي، وعبد الرحمن بن مهدي، والوليد بن مسلم، ويحيى بن بكير، وأبو عاصم وغيرهم، وثّقه أحمد ويحيى وعثمان الدارمي وهو من رجال الصحاح(133).

يحيى بن سعيد بن فروخ القطان الحافظ البصري المتوفى سنة (198هـ ). روى له رجال الصحاح وحدّث عنه ابن مهدي، وعفّان ومسدّد وأحمد وإسحاق وابن معين(134).

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المتوفى ببغداد سنة (180هـ ) روى عنه محمد بن جهضم، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو الربيع الزهراني، وأبو معمّر الهذلي وغيرهم، قال ابن سعد: ثقة وهو من أهل المدينة قدم بغداد ولم يزل بها حتى مات، خرّج له البخاري ومسلم والجماعة(135).

إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أبو إسحاق المدني المتوفى سنة (191هـ ) روى عن الصادق(عليه السلام)، وله كتاب مبوّب في الحلال والحرام، وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست، وروى عنه إبراهيم بن طهمان والثوري وهو أكبر منه وكني عن اسمه، وابن جريح والشافعي وسعيد بن أبي مريم وأبو نعيم وآخرون، ويعدّ من مشايخ الشافعي، وقد أكثر عنه في كتبه(136)، وقد اتّهم إبراهيم بالحطّ من السلف، فضعف ونسب إلى الكذب، ولعلّ سبب ذلك اختصاصه بحديث أهل البيت أكثر من غيره.

الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل البصري المتولد سنة (122هـ ) والمتوفى سنة (214 هـ ) روى عن الصادق، وعنه البخاري وأحمد بن حنبل وابن المديني واسحاق بن راهويه، قال ابن شيبة: واللّه ما رأيت مثله(137).

محمد بن فليح بن سليمان المدني المتوفى سنة (177 هـ ) روى له البخاري والنسائي وابن ماجة(138).

عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت المتوفى (194 هـ )، روى عنه محمد ابن ادريس الشافعي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن المديني وغيرهم; قدم بغداد في أيام المنصور وحدّث بها، وثّقه ابن معين، وكانت غلة عبد الوهاب في كلّ سنة مائتين وأربعين ألفاً ينفقها على أصحاب الحديث لا يحول الحول على شيء منها. خرّج له مسلم والبخاري(139).

عثمان بن فرقد العطار أبو معاذ البصري خرّج له البخاري في صحيحه، والترمذي وروى عنه ابن المديني وابن المثنى وزيد بن أحزم، قال ابن حبّان: مستقيم الحديث(140).

عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز الزهري بن أبي ثابت الأعرج  المدني المتوفى سنة (197 هـ ) خرّج له الترمذي في صحيحه(141).

عبد اللّه بن دكين الكوفي خرّج له البخاري في الأدب المفرد، وثّقه أحمد وروى عنه يحيى الوضاحي وموسى بن إسماعيل(142).

زيد بن عطا بن السائب روى عنه إسرائيل وجرير بن عبد الحميد، وثقّه أبو حاتم. وخرّج حديثه النسائي والترمذي(143).

مصعب بن سلام التميمي الكوفي روى عنه أحمد وأبو سعيد الأشج وخرّج له الترمذي، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: شيخ محلة الصدق(144).

بشير بن ميمون الخراساني المتوفى سنة (184 هـ ) روى عنه أحمد بن عاصم الخراساني; قدم بغداد وروى الحديث عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) . خرّج له ابن ماجة(145).

إبراهيم بن سعد الزهري المتوفى سنة (183 هـ ) أحد الأعلام ومن رجال الصحاح، وهو من شيوخ أحمد بن حنبل(146).

سعيد بن مسلمة الاُموي المتوفى سنة  (201 هـ ) وهو من رجال الصحاح وشيوخ الشافعي(147).

الحارث بن عمير البصري، نزل مكّة روى عن الصادق(عليه السلام)وعنه ابن عيينة وابن مهدي وأبو اُسامة(148).

المفضل بن صالح الأسدي أبو جميلة الكوفي، خرّج له الترمذي وروى عنه محمد بن عبيد اللّه المحاربي(149).

أيوب بن أبي تميمة السختياني أبو بكر البصري مولى عنزة، ويقال مولى جهينة، روى عنه الأعمش وقتادة وهو من شيوخه والحمادان والسفيانان وشعبة، وخلق كثير، وثّقه ابن سعد وابن معين، ولد سنة (66 هـ ) ومات سنة (121 هـ )(150).

عبد الملك بن جريح القرشي أحد العلماء المشهورين ويقال: إنّه أوّل من صنّف الكتب في الإسلام، ولد سنة (80 هـ ) وتوفي سنة (149 هـ )(151).

وغير هؤلاء ممن نسب لمدرسة الصادق(عليه السلام)، وأخذ عنه وروى حديثه. وقد ذكر ذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب ولسان الميزان وتقريب التهذيب. والذهبي في ميزان الاعتدال، وتذكرة الحفاظ، والجزري في الخلاصة، والخطيب في تاريخه، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وغيرهم، ولا يصعب على المتتبع احصاءهم، وقد أفرد بعض علمائنا رسائل في عددهم وذكر اسماءهم، وسيأتي في الجزء الثاني بيان جملة منهم.

أما حملة فقهه(عليه السلام)وخواصّ أصحابه، الذين كانت لهم اليد الطولى في خوض معارك الحياة الاجتماعية والسياسية، ومحاربة أهل الالحاد والزندقة، ومناظرة أهل العقائد الفاسدة والآراء الشاذّة ومقابلة الظلمة في شدّة الانكار عليهم وتوجيه الانتقاد إليهم، فسيأتي في الجزء الثالث تفصيل عن حياة بعضهم والمشهورين منهم، كأبان بن تغلب ، ومؤمن الطاق، وهشام بن الحكم وغيرهم.

ونكتفي هنا بالتنويه عن بعضهم :

أبان بن تغلب

أبو سعد الكوفي، روى عن السجاد(عليه السلام)، والباقر(عليه السلام)، والصادق(عليه السلام)، ومات في أيامه. قال الشيخ في الفهرست(152): أبان بن تغلب بن رباح أبو سعيد البكري الحريري مولى جرير بن عباد، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي أبا محمد علي بن الحسين وأبا جعفر الباقر وروى عنهم، وكانت له عندهم حظوة وقدم، وقال له أبو جعفر الباقر(عليه السلام): «اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإنّي اُحبّ أن يرى في شيعتي مثلك»... وكان فقيهاً لغوياً. وكان غزير العلم متضلّعاً في عدّة علوم وله كتب ذكرها ابن النديم في  الفهرست منها كتاب معاني القرآن، كتاب القراءآت، كتاب من الاُصول في الرواية على مذهب الشيعة(153).

وقال ابن سعد في الطبقات: أبان الربعي توفّي في الكوفة في خلافة أبي جعفر، وعيسى بن موسى وال على الكوفة، وكان ثقة وروى عنه شعبة، وقال في التهذيب روى عنه موسى بن عقبة، وشعبة، وحماد بن زيد وابن عيينة وجماعة، وثّقه أحمد، ويحيى، وأبو حاتم، والنسائي(154).

قال الذهبي في ميزان الاعتدال، أبان بن تغلب الكوفي شيعيّ جلد، لكنّه صدوق، فلنا صدقة وعليه بدعته(155) وقد وثّقه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو داود، خرّج له مسلم وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة.

قال الجوزجاني: أبان بن تغلب زائغ مذموم المذهب، قال ابن حجر: وأما الجوزجاني فلا عبرة بحطّه على الكوفيين، فالتشيّع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل عثمان، وأنّ عليّاً كان مصيباً في حروبه وأنّ مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين، وربّما اعتقد بعضهم أنّ عليّاً أفضل الخلق بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا كان معتقد ذلك ورعاً ديناً صادقاً مجتهداً فلا ترد روايته(156).

أبان بن عثمان

ابن أحمر البجلي أبو عبد اللّه أصله كوفي، وكان يسكنها تارة، والبصرة اُخرى، وقد أخذ عنه أهلها، منهم أبو عبيدة معمر بن المثنى وأبو عبد اللّه محمد بن سلام، وأكثروا الحكاية عنه في أخبار الشعراء والنسب والأيام، روى عن أبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)وأبي الحسن موسى(عليه السلام)وله مؤلّفات منها كتاب المبتدي، والبعث والمغازي والوفاة، وذكره ابن حبان في الثقات، قال محمد بن أبي عمر: كان أبان من أحفظ الناس بحيث إنّه يرى كتابه فلا يزيد حرفاً، توفي على رأس المائتين(157).

وهو من الستة أصحاب أبي عبد اللّه(عليه السلام)الذين أجمعت العصابة

على تصحيح ما يصحّ عنهم، والإقرار لهم بالفقه وهم: جميل بن

دراج، وعبد اللّه بن مسكان، وعبد اللّه بن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان.

بكير بن أعين الشيباني

أخو زرارة، روى عن الباقر والصادق(عليهما السلام) ، ومات في أيام الصادق(عليه السلام)، ولمّا بلغه خبر موته، قال: أما واللّه لقد أنزله اللّه بين رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين(عليه السلام). وذكره يوماً، فقال: رحم اللّه بكيراً. وهو من الثقات، وقد روى عنه جماعة(158).

جميل بن درّاج

ابن عبد اللّه النخعي، روى عن الصادق والكاظم(عليه السلام)، وتوفّي أيام الرضا(عليه السلام)، وهو من الستة الذين اجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(159).

حماد بن عثمان

ابن زياد الرواسي الكوفي، روى عن الصادق(عليه السلام) والكاظم والرضا(عليهما السلام)، وهو من أصحاب الصادق(عليه السلام)ومن الستة المار ذكرهم توفي سنة (190 هـ ) (160).

 الحارث بن المغيرة النصري

روى عن الباقر(عليه السلام)، وعن الصادق(عليه السلام)والكاظم(عليه السلام)، كان جليل القدر مقبول الرواية له منزلة عظيمة(161).

هشام بن الحكم

البغدادي الكندي مولى بني شيبان،  كنيته أبو محمد، وقيل أبو الحكم، أصله من الكوفة وانتقل إلى بغداد، قال ابن النديم: هو من أجلّة أصحاب أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)وهو من متكلمي الشيعة ممن فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذهب والنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام حاضر الجواب، سئل عن معاوية أشهد بدراً؟ فقال: نعم من ذاك الجانب، وكان ينزل الكرخ من مدينة السلام، وتوفي بعد نكبة البرامكة مستتراً، وقيل في خلافة المأمون، وله من الكتب كتاب الإمامة، كتاب الدلالات، ثم ذكر له أكثر من عشرين مؤلّفاً.

ودعا له الإمام الصادق(عليه السلام)قال: «لا تزال مؤيداً بروح القدس مانصرتنا بلسانك»، وكان أولاً من أصحاب جهم بن صفوان، ثم انتقل إلى القول بالإمامة بالدلائل والنظر، وكان الصادق(عليه السلام)يقول فيه: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ويقول أيضاً: هشام بن الحكم رائد حقّنا وسائق قولنا المؤيّد لصدقنا والدامغ لباطل اعدائنا.

وكان هشام يقول: ما رأيت مثل مخالفينا عمدوا إلى من ولاه اللّه من سمائه فعزلوه، وإلى من عزله اللّه من سمائه فنصبوه، ولهشام أخبار كثيرة ومحاججات ومناظرات مع خصوم آل محمد، وكان يخوض غمرات البحث، فيخرج منها وحليفه النصر.

روى الكليني في الصحيح أنّه ورد على الصادق(عليه السلام) رجل من أهل الشام، فقال له: إنّي صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك.

فقال له الصادق(عليه السلام): كلامك هذا من كلام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) أو من عندك؟

فقال الرجل: بعضه من كلام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبعضه من عندي.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): فأنت إذاً شريك رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)! قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن اللّه تعالى؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كماتجب طاعة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: لا ، فقال الصادق(عليه السلام): هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم، ثم أخرج الصادق(عليه السلام)رأسه وكان في خيمة في الحرم قبل الحج بأيام فإذا هو ببعير يخب، فقال(عليه السلام): هشام وربّ الكعبة. فإذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أوّل ما اختطّت لحيته، وليس في أصحاب الصادق(عليه السلام)إلاّ من هو أكبر سناً منه، فوسّع له الصادق(عليه السلام)، وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ثم قال للشامي: ـ كلّم هذا الغلام ـ يعني هشام بن الحكم.

فقال الشامي لهشام: سلني في إمامة هذا. يعني الصادق(عليه السلام). فغضب هشام حتى ارتعد وقال: ياهذا ربّك أنظرُ لخلقه أم هم لأنفسهم؟ فقال: بل ربّي أنظر لخلقه، قال هشام: فعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟ قال: كلّفهم وأقام لهم حجة ودليلاً على ما كلّفهم وازاح في ذلك عللهم.

قال: فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟

قال: هو رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: فبعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: الكتاب والسنة، قال: فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى رفع عنا الاختلاف؟ قال: فقال الشامي: نعم. فقال هشام: فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين وأنت تقرّ أنّ الرأي لا يجتمع على القول الواحد للمختلفين؟ فسكت الشامي كالمفكر، فقال له الصادق(عليه السلام): مالك لا تتكلم؟ قال: إن قلت ما اختلفنا كابرت، وإن قلت إنّ الكتاب والسنة يرفعان الاختلاف أبطلت، لأنّهما يحتملان الوجوه، ولكن لي عليه مثل ذلك. فقال الصادق(عليه السلام): سله تجده مليّاً. فقال لهشام: من أنظَر للخلق ربّهم أو أنفسهم؟

قال: بل ربهم، قال: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين حقّهم من باطلهم؟ قال: نعم، قال: من هو؟ قال: أما في ابتداء الشريعة فرسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما بعده فغيره، قال: من هو غيره؟ قال: في وقتنا هذا هو هذا الجالس الذي تشدّ إليه الرحال ـ يعني الصادق(عليه السلام) ـ إلى آخر ما ذكره(162).

المعلّى بن خنيس

كان من أصحاب الإمام ومواليه، ومن عذّب في اللّه، وقتل بحبِّ آل محمد، قتله الأمير داود بن علي وصادر أمواله ـ والأسباب غير مجهولة في ذلك ـ لأنّ المعلى كان من خواص الإمام الصادق(عليه السلام)بصورة تستدعي غضب الوالي، وكان داود بن علي عندما ولي المدينة أو الجزيرة برمّتها استعمل العسف والجور والاضطهاد للطالبيين، فكان شديداً في مطاردتهم وتتبع أنصارهم. وبطبيعة الحال أنّ مثل المعلى بمواقفه واتصاله بالإمام لا يسلم من شرّ هذا الوالي، وقد تلقّى الإمام الصادق هذه الحادثة بالاستياء وأثّر في نفسه ومشى إلى ديوان الأمير وهو محنق على خلاف عادته، وقال له: قتلت مولاي وأخذت مالي أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل، ولا ينام على الحرب، وقابله الإمام بالشدّة والعنف، وحاول ذلك الأمير أن يسند هذا الجرم لصاحب الشرطة ويبرأ من تبعته، فأمر بقتله ليتستّر بذلك، ولكن صاحب الشرطة فضح أمره فأعلن للملأ عندما سيق للإعدام بقوله: يأمرونني بقتل الناس فأقتلهم لهم، ثم يأمرون بقتلي(163).

وقد اختلفت أقوال المؤرخين في الحادثة، فتارة يذكرونها في عهد السفاح واُخرى في عهد المنصور.

هذا وليس في امكاننا احصاء اصحابه(عليه السلام)ورواة الحديث عنه من الشيعة وغيرهم، ونكتفي بهذا القدر، وقد أرجأنا ذكر بعض الأعيان منهم إلى الجزء الثالث: كعبد الملك بن أعين وزرارة وابنه، وعلي بن يقطين، وعمار الدهني وعمرو بن حنظلة، والفضيل بن يسار، وأبو بصير، ومؤمن الطاق، ومحمد بن مسلم، ومعاوية بن عمار، والمفضل بن عمر، وهشام بن سالم، وغيرهم.

مع البخَاري

شهرة البخاري

قطع صحيح البخاري(164) شوطاً بعيداً من الشهرة، ونال قبولاً دون غيره من كتب الحديث، فأصبحت له منزلة لا يشاركه بها غيره، ومن العسير مؤاخذته بشيء، لأنّ ذلك يدعو إلى الرمي بالبدعة والخروج عن سبيل المؤمنين(165).

ولهذا تهيّب أكثر الحفاظ نقده ، ووقفوا أمامه موقف خضوع وتسليم.

يقول الذهبي في ذكره لبعض الأحاديث: ولولا هيبة الصحيح لقلت إنّها موضوعة. وذهب ابن حزم إلى تكذيب بعض أحاديثه(166) فعنّف، لأنّ التسليم بجميع ما في كتاب البخاري أصبح سُنة، وصحيحه أصبح معمولاً به، فلا يمكن لأحد أن يعمل بحرية الرأي، ومع هذا فإنّ بعض الحفاظ من كبار المحدثين تناولوه بالنقد بصراحة وحريّة في الرأي من وجوه أهمها:

1 ـ ترتيب الكتاب والعلاقة بينه وبين الترجمة وما تحتها.

2 ـ إنّه يقطّع الحديث فيذكر بعضه في باب وبعضه في آخر، وقد تختلف الرواية في الأجزاء المختلفة، وقد يذكر بعضها متصل السند وبعضها منقطعه، وقد أخذ عليه في هذا الباب بعض مآخذ لم يستطع المنتصرون له أن يجيبوا عنها(167).

3 ـ انتقده الحفاظ في بعض أحاديث بلغت 110 منها 32 حديثاً اتفق فيها هو ومسلم ومنها ما انفرد بتخريجه وهو 78.

4 ـ إنّ بعض الرجال الذين روى لهم غير ثقات وقد ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين.

وعلى كلّ حال فإنّ صحيح البخاري كان محلاً للوثوق والاعتماد عند أكثر المحدثين فهم يقبلون روايته بدون نقاش تهيّباً لمكانته، وحذراً من المؤاخذات القاسية والتهجم المر، لأنّ أكثر الناس يزعمون أنّه أعظم كتاب على وجه الأرض، أو أنّه: «هو عدل القرآن وأنّه إذا قرئ في بيت أيام الطاعون حفظ أهله منه، وأنّ من ختمه على أيّ نية حصل ما نواه، وأنه ما قرأ في شدة إلاّ فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت»(168).

وقد جرى على العمل بذلك كثير من رؤساء العلم، ومقدمي الأعيان إذا ألمّ بالبلاد نازلة، يوزّعون أجزاءه على العلماء والطلبة لكشف الخطوب وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم في الحرب مقام المدافع والصارم والاسل، وفي الحريق مقام المضخة والماء، وفي الهيضة مقام الحيطة الصحيحة وعقاقير الأطباء، وفي البيوت مقام الخفراء والشرطة، وعلى كلّ حال هو مستنزل الرحمات ومستقرّ البركات(169).

والحاصل أنّ صحيح البخاري قد اُحيط بهالة من التقديس والإكبار، فهو عدل القرآن وهو أصحّ كتاب على وجه الأرض ـ كما يقال ـ ولهذا فقد تهيّب أكثر الحفاظ عن نقد احاديثه ومن أقدم على ذلك عنّف.

ومن أظرف الأشياء: أنّ مجلس (المبعوثان) في عهد الأتراك بالعراق قد قرر مبلغاً جسيماً لوزارة الحربية جعلوه لقراءة البخاري في الاسطول، فقال الزهاوي ـ وكان عضواً في المجلس ـ: أنا أفهم أنّ هذا المبلغ في ميزانية الأوقاف، أمّا الحربية فالمفهوم أنّ الاُسطول يمشي بالبخار لا بالبخاري، فثار عليه المجلس وشغب عليه العامة(170).

ونحن  لا ننكر عظمة حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وبركة آثاره، ولكن لنا أن نتساءل لأيّ شيء اختصّ صحيح البخاري دون غيره بهذه الخصوصية من كتب الحديث؟ ولماذا كانت له هذه المنزلة دونها؟! ونتساءل لِمَ لم يقرأ القرآن وفيه شفاء للناس ودفع لما يكرهون؟! ولماذا كان صحيح البخاري عدلاً للقرآن، وأصبح التوسل به من العقائد الراسخة يتلى لدفع المجاعة ويوزّع أحزاباً في المساجد والبيوت كما حدث في مجاعة سنة (798 هـ ) في مصر؟ فإن كان لصحة أحاديثه، فلماذا لم تكن هذه الخصوصية لموطأ مالك الذي قيل فيه أنه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه؟ !! وصحيح مسلم الذي قالوا فيه: ماتحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم(171)، ويقول ابن حجر: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله بحيث إن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ من دون تقطيع ولا رواية بمعنى(172)، وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد يقول: قال لي أبي: أيّ كتاب تجمع؟ قلت اخرّج على كتاب البخاري، قال: عليك بكتاب مسلم فإنّه أكثر بركة(173).

وهذا صحيح الترمذي بحسن ترتيبه وتنميقه وتتبعه للصحيح من غيره لم يكن بمنزلة البخاري؟! وقد قالوا: إنّ كتاب الترمذي أنور من كتاب البخاري. فإن كانت تلك العظمة التي أحرزها صحيح البخاري لما حواه، فالقرآن أولى بأن يتخذ لدفع تلك المشاكل، أو كان لعظمة البخاري نفسه؟ فإنّ مالك بن أنس صاحب الموطأ أعظم منزلة وأعلا كعباً، واعرق نسباً، وأغزر علماً.

ولا نريد أن نقسو  على البخاري بالحكم، أو نجحف بحقّه ونقول بمقالة جمال الدين الحنفي: «من نظر في كتاب البخاري تزندق»(174).

ولا نذهب بعيداً عن الواقع فنقول: إنّ كلّ مافيه صحيح يلزم الاعتقاد به والتصديق له، وإنّ عدم التصديق بدعة، أو كفر باللّه وتكذيب لأحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما ذهب إلى ذلك كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون.

إنّ كتاب البخاري لا يخلو من أحاديث لا تتصف بالصحة كما لا يخلو من أحاديث عليها علامة الوضع كحديث «إنّ النبيّ كان مسحوراً ..»(175) وغيره من الأحاديث التي لا يمكن القول بصحتها، لتناقضها أو تعارضها مع  غيرها ممّا يصعب الجمع بينها. ولا ننكر أنّ الرجل كان همّه خدمة الدين، ولكنّه كان جمّاعة يتلقى كلّ ما يسمع بالقبول رغم أنّه كان يتنقل من مصر الى مصر، ويتحول من اُفق الى اُفق، وقد جاب العالم الإسلامي من موطنه الأصلي ومحل إقامته حتى الحرمين، ومن السهولة عليه التمييز في النظم والسياق والغرض لكنّه صرف همّه الى الرواية فحسب، ففتح أوعية آذانه ولم يفتح أوعية أفهامه، لأنّ أمر تدقيق الطرق وفحص الروايات يحتاج الى خصائص لا تتوفر إلاّ بعد جهد، ومن الناس من جُبل على خصلة أو فُطر على شيء لا يستطيع تجاوزه، فكان البخاري مقبلاً على الجمع، ولم يحذر إلاّ من أمر واحد ستجدنا مضطرين الى اثباته وهو خوف الملوك الذين يعادون أهل البيت، وليس عليه من خوف إن أخذ الحديث بطريق الخوارج والمارقين والوضّاع والضعفاء. وكلّ ما يسمعه البخاري يراه مادة حتى نجد أنّ بعض الأبواب التي تخصّ السيرة النبويّة تضم من الأحاديث التي تتعلق بحياة الرسول الأعظم التفصيلية فيها توغل لا مبرر له ولا حاجة، بل إنّ عدم ذكرها أولى صيانة للنبيّ الأعظم ومكانته من تسويته بباقي الخلق، ولكنّه الوضع والكذب اللذين جعلا أصحابهما يتناولون كلّ ناحية ليكذبوا على الرسول الكريم وهم تتحكم فيهم أغراض شتّى نفسيّة وسياسيّة واقتصاديّة. والهالة التي أحاط بها الحفّاظ شخصية البخاري، والقدسية التي رفع إليها بتضافر أوساط وجهات مختلفة لم تمنع بعض علماء السنّة (حفاظاً ومحدثين) من التوقف عن الأخذ بكلّ ما جاء به البخاري، وعدم تقليد ما جرى عليه ذوو الشأن في الحديث والسياسة، بل تركوا البخاري في بعض ما لا يصحّ من رواية أو قول كأبي حاتم وابنه عبدالرحمن، وكأبي زرعة، كما ضعّف الحافظ أبو الحسن الدارقطني طائفة كبيرة من أحاديثه.

والعلماء الذين أنكروا صحة بعض أحاديثه لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم، ولا ندري كيف يعدّ ذلك طعناً في دين الإسلام، وهدماً للسنّة، كما يذهب بعضهم.

وقد انتقد العلماء من أحاديث البخاري أكثر من مائة حديث، كما انتقدوا رجاله وطعنوا في كثير منهم لأ نّهم اُناس لا قيمة لهم في ميزان الصدق والعدالة، ومنهم ضعفاء لا يتصف حديثهم بالصحة.

ولقد ترك البخاري الرواية عن كثير من علماء الاُمة وأعلام الحديث، ومن هم أدرى بحديث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأشدّ عناية فيه وإحاطة له، وفي طليعتهم الإمام الصادق(عليه السلام)فلم يقدح ذلك فيهم أو يحطّ من مقامهم.

وقد خرّج أحاديث اُناس لم يسلموا من الطعن، سواء في العقيدة أو العدالة، أو الوثاقة، فإنّ منهم من اتُهم بالكذب، ووصف بوضع الحديث، وللمثال نذكر منهم:

إسماعيل بن عبد اللّه بن اويس بن مالك المتوفى سنة (226 هـ).

قال يحيى بن معين: إنّ اسماعيل مخلط كذّاب، وقد تكلّم فيه النسائي كما أنّه عرف بوضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا فيما بينهم(176).

وزياد بن عبد اللّه العامري المتوفى سنة (282 هـ ).

فإنّه متّهم بالكذب; قال الترمذي عن وكيع: إنّ زياد بن عبد اللّه على شرفه كان يكذب في الحديث(177).

والحسن بن مدرك السدوسي الطحان. رماه أبو داود بالكذب(178)، وتلقين المشايخ وغير هؤلاء ممن لا نحبّ اطالة الحديث عنهم وبسط القول فيهم.

أما الضعفاء فقد ذكروا منهم عدداً لا يقلّ عن الثمانين أمثال: الحسن بن ذكوان البصري، فقد كان قدريّاً يدلّس، وعُرف بالخطأ، وضعّفه أحمد وابن معين، والنسائي، والترمذي، وابن المديني(179).

ومنهم أحمد بن أبي الطيب البغدادي، وسلمة بن رجاء التميمي، وبسر بن آدم الضرير، وغيرهم ممن نصّ الحفّاظ على ضعفهم.

أمّا القدرية، فهم عدد كثير كعبد اللّه بن أبي لبيد المدني، وعبد اللّه بن أبي نجيح المكّي، وكهمس بن منهال السدوسي، وهارون بن موسى الأزدي وسفيان بن سليمان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم.

والقول: بأنّ تخريج البخاري هو دليل الوثاقة، وشاهد العدالة، وأنّ من يروي له البخاري «فقد جاز القنطرة» كما يقول بعضهم بمعنى أنّه لا يتلفت إلى ما قيل فيه. فهذا مجرّد افتراض لا يدعمه دليل، وتخالفه القرائن والشواهد، فليس قول البخاري في الشخص هو الحكم العدل والقول الفصل، فالخلاف في الجرح والتعديل لم ينته إلى حدّ أو يقف عند قول أحد، على أنّهم قد احصوا على البخاري أخطاء في معرفة الرجال وأسمائهم، كجعله اسم الرجل الواحد اسمين أو ثلاثة، كالوليد بن أبي الوليد مولى عبد اللّه بن عمر، وهارون بن سعد مولى قريش، وكثير بن خنيس وغيرهم، فقد جعل اسمين لكلّ واحد منهم، وكذلك جعل محمد بن أيوب اليمامي ثلاثة أسامي وهو واحد، كما نسب عبد الملك بن أخي القعقاع إلى القعقاع، وذكر في باب النون اسم ناسح الحضرمي، وهو عبداللّه بن ناسح الذي يروي عنه شرحبيل بن شفيعة، إلى غير ذلك من المؤاخذات عليه(180).

وهناك ناحية ذات أهميّة في الموضوع، وهي تخريجه لاُناس عرفوا بالنصب والعداء لعلي(عليه السلام)وبغضهم لآل محمد من خوارج وغيرهم أمثال:

عمران بن حطّان السدوسي البصري المتوفى سنة (84 هـ ) .

كان من رؤوس الخوارج والمعلنين عداء الإمام علي(عليه السلام)، وهو الذي مدح عبد الرحمن بن ملجم المرادي بقوله:

يا ضربة من تقيّ ما أراد بها *** إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا(181)

فهذا الرجل قد تحدّى مقام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فسمّى من وسمه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه أشقى الأولين والآخرين، بأنه تقيّ، وقد صح عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه قال:

«ياعلي أتدري من أشقى الأولين؟ فقال علي(عليه السلام): اللّه ورسوله اعلم فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): عاقر الناقة. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): ياعلي أتدري من أشقى الآخرين؟ فقال علي(عليه السلام) اللّه ورسوله أعلم. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): قاتلك ياعلي».

أخرجه أحمد بن حنبل وابن الضحاك ورواه الطبري(182).

وروى صهيب عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مثله وكان عليّ(عليه السلام) يقول لأهله: واللّه وددت لو انبعث اشقاها. أخرجه أبو حاتم(183).

فأيّ ثقة وأيّ عدالة لمن يخالف قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتجرأ على مقامه، فيسمّي من سماه(صلى الله عليه وآله وسلم)شقياً تقياً ويعلن مدحه والثناء عليه. وقد انبرى للردّ عليه كثير من علماء الإسلام نظماً ونثراً مما لا يتسع المجال لذكرهم.

وأبو الأحمر السائب بن فروخ المتوفى سنة (136 هـ ) وكان شاعراً هجّاءً خبيثاً فاسقاً مبغضاً لآل محمد، وهو القائل لأبي عامر بن واثلة الصحابي المعروف بأبي الطفيل(184).

لعمرك إنني وأبا طفيل  ***  لمختلفان واللّه الشهيد

لقد ضلّوا بحبّ أبي تراب *** كما ضلّت عن الحقّ اليهود(185)

فهذا الرجل كسابقه أيضاً، قد تحدى ما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «علي مع الحق والحق مع علي» وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «علي مع القرآن والقرآن مع علي» إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)، بأنّ الهدى في اتّباع علي(عليه السلام) والضلالة في خلافه. ولكن هذا الشاعر الاُموي قد ردّ أقوال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدى مقامه، فأيّ عدالة يتصف بها، وأيّ ثقة تدعو إلى الاطمئنان بقوله؟ !

وحريز بن عثمان الحمصي(186) المتوفى سنة (163هـ) ». كان من المشهورين بالنصب والمعلنين العداء لعلي(عليه السلام)، وكان ينال منه ويقول: لا اُحب علياً قتل آبائي. ويقول: لنا إمامنا (يعني معاوية) ولكم إمامكم (يعني عليّاً)(187).

وغير هؤلاء من رجال صحيح البخاري الذين عرفوا بالنصب أمثال إسحاق ابن سويد التميمي المتوفى سنة (131 هـ ) ، وعبد اللّه بن سالم الأشعري المتوفى سنة ( 179هـ )، وزياد بن علاقة أبو مالك الكوفي المتوفى سنة (129 هـ )، وغيرهم من النواصب والخوارج الذين أعلنوا العداء لعلي وتظاهروا بالتحامل عليه، وقد قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ياعلي لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق»(188). وإنّ االمنافقين لفي الدرك الأسفل من النار.

فكيف تصدّق أخبارهم ويؤخذ بأحاديثهم: (واللّه يشهد إنّ المنافقين لكاذبون)(189).

فمن الحقّ وواجب العلم أن نستنكر على البخاري تخريج حديث اُناس خالفوا أحايث الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في وجوب حبّ آله لحبّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأعلنوا العداء لهم وعرفوا بالنصب، ولعلّ هناك أمراً خفي علينا وكان هو الداعي له على اقدامه لروايته عنهم واحتجاجه بهم، ولست أدري أخفي على البخاري قول النبيّ لعلي: لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، حتى اشتهر في عصر الصحابة أنّهم كانوا لا يعرفون المنافقين إلاّ ببغضهم علي بن أبي طالب. وبغض علي بغض رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!.

أم خفي على البخاري قوله(صلى الله عليه وآله): ياعلي حربك حربي وسلمك سلمي. أليس عليّ هو من النبيّ بمنزلة هارون من موسى، كما يحدّثنا البخاري نفسه في صحيحه ج2 ص199؟!!.

وهناك آلاف من الأحاديث في فضل علي(عليه السلام)وأهل بيته، وقد خرّجها الحفاظ من طرق عديدة، ولكنّ البخاري لم يخرّج إلاّ ثلاثة أحاديث أو أربعة منها(190)، وليس من المعقول أنّ عدم تخريجه لأكثر من هذا كان لعدم وثوقه بصحتها، ولكنّ هناك شيئاً غير هذا، ولعلّه كان يفقد الشجاعة والجرأة الأدبية، كما لاحظ ذلك منه بعض الكتّاب، فقال مامضمونه: إنّ كتاب البخاري لا تتجلى فيه الشجاعة وعدم الخوف من العباسيين كمسند أحمد لأنّه ـ أي مسند أحمد ـ لم يتحرّج من ذكر أحاديث كثيرة في ذكر مناقب علي وشيعته، وعكسه البخاري(191).

وللإيضاح نذكر بعض ما ورد في أهل البيت مما خرّجه حفّاظ الحديث، وعلماء الاُمّة من طرق صحيحة ليتضّح لنا مدى تحفظ البخاري وإعراضه عن ذكر فضائل آل محمد.

آية التطهير

وأنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)

تخريج الحفاظ لآية التطهير

1 ـ قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(192).

أخرج مسلم في صحيحه عن طريق عائشة: خرج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي(عليه السلام) فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)»(193).

وأخرج الترمذي من طريق عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: نزلت هذه الآية على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت اُمّ سلمة فدعا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء، ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً» قالت اُمّ سلمة: يا رسول اللّه وأنا معهم؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير(194).

وأخرج الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة (303 هـ ) من طريق سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) دعا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي(195).

وأخرج الخطيب من طريق أبي سعيد عن اُمّ سلمة قالت: نزلت هذه الآية وكان في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين، قالت: وكنت على باب البيت، فقلت: أين أنا يا رسول اللّه؟ قال: أنت في خير وإلى خير(196).

وأخرج أيضاً من طريق أبي سعيد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في نزول هذه الآية قال: جمع رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ثم أدار عليهم الكساء، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي...الخ.

وأخرج ابن عبد البر(197) قال: لما نزلت : (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) دعا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً في بيت اُمّ سلمة وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» وأخرجه ابن الأثير من طريق اُم سلمة(198).

وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): نزلت هذه الآية في خمسة : فيّ، وفي عليّ، وحسن وحسين وفاطمة: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً).

وأخرج عن اُم سلمة أنّ هذه الآية نزلت في بيتها، وأنّ في البيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلياً وفاطمة والحسن والحسين.

وعن أبي سعيد الخدري عن اُمّ سلمة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمّ أذهب عنهم الرجس وطهرهم  تطهيراً.

وأخرج أيضاً من طريق أبي هريرة عن اُمّ سلمة مثله، وكذلك أخرجه عن شهر بن حوشب عن اُمّ سلمة.

وأخرج عن واثلة بن الأسقع(199) عن عليّ(عليه السلام) أنها نزلت في رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

وعن أنس بن مالك أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر، كلّما خرج إلى الصلاة فيقول: الصلاة أهل البيت(عليهم السلام) (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)وعن أبي الحمراء مثله(200).

وقال السيوطي من طريق اُم سلمة: أخرج ابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن اُمّ سلمة أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) كان في بيتها على منام له وعليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): أدعي لي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً، فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما يريد اللّه... ) فأخذ النبيّ بفضلة إزاره فغشّاهم، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء، وقال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ». الخبر(201).

وقال محمد بن أحمد المالكي: روى الواحدي في كتابه المسمّى أسباب النزول يرفعه بسنده إلى اُم سلمة، أنّها قالت: كان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتها يوماً فأتته فاطمة ببرمة فيها عصيدة فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك. فجاء علي(عليه السلام) والحسن والحسين(عليهما السلام) فدخلوا يأكلون والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) جالس على دكة وتحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة قريب منهم، فأخذ النبيّ الكساء فغشاهم به، ثم قال: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» فأدخلت رأسي وقلت: وأنا معكم يا رسول اللّه؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّكِ على خير، فانزل اللّه عزّ وجلّ: (إنّما يريد اللّه...)(202).

وأخرجه محبّ الدين الطبري قال: في بيان أنّ فاطمة وعليّاً وحسناً وحسيناً هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالى: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) إلى آخر ما ذكر.

ورواه من طريق اُمّ سلمة، ومن طريق عمر بن أبي سلمة ربيب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن طريق زينب بنت أبي سلمة، ومن طريق واثلة بن الأسقع، ومن طريق عائشة(203).

وعن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت في خمسة : رسول اللّه، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، أخرجه أحمد في المناقب والطبراني(204).

وأخرجه الخطيب البغدادي عن سعد بن أبي عوف عن أبي سعيد عن اُمّ سلمة، وعن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين(205) وأخرجه البغوي من طريق عائشة(206).

وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عطاء بن يسار عن اُمّ سلمة(207).

وقال عبد الملك الثعالبي النيسابوري: جمع النبيّ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)قال: ويُروى أنّ جبرائيل انضمّ إليهم واندسّ فيهم تقرّباً إلى اللّه تعالى بمداخلتهم، وقال: كساء آل محمد يضافون إليه، فيقال: آل الكساء كما قال ديك الجن في مدحهم:

والخمسة الغرّ أصحاب الكساء معاً *** خير البريّة من  عجم ومن عرب(208)

وقال ابن تيمية في جواب من سأله عن دخول علي(عليه السلام)في أهل البيت: ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو أظهر عندهم من أن يحتاج إلى دليل، بل هو أفضل أهل البيت وأفضل بني هاشم بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ثبت عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه أدار كساه على عليّ وفاطمة وحسن وحسين فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»(209).

وقال ابن حجر الهيثمي في شرح همزية البوصيري ص 319 عند قوله:

وباُمّ السبطين زوج عليّ *** وبنيها ومن حوته العباء

وهم: النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة وعليّ وابناهما الحسن والحسين.

وقال: وصح أ نّه(صلى الله عليه وآله وسلم) جعل على علي وفاطمة وابنيهما كساء، قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، فقالت اُم سلمة: وأنا منهم؟ قال: إنك على خير; وفي رواية ألقى عليهم، كساء ووضع يده عليهم وقال: «اللهمّ إنّ هؤلاء آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد انك حميد مجيد».

وقال الشيخ عبد القادر الرافعي: عند ذكر بيت البوصيري ومن حوته العباء هم : النبيّ وعليّ وفاطمة وابناهما(210).

وذكر ابن كثير في تفسيره طرق نزول هذه الآية في الخمسة فقط، وهم: محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وعليّ وفاطمة والحسن والحسين في خمسة عشر مورداً، ونودّ الإشارة إليها زيادة في التوضيح وتأكيداً للبيان:

1 ـ حديث أبي الحمراء أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي(عليه السلام)وفاطمة وقال: الصلاة الصلاة يا أهل البيت، إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.

2 ـ حديث شداد بن عمار عن واثلة، قال ابن عمار: إنّي جالس عند واثلة بن الأسقع إذ ذكروا علياً فشتموه، فلما قاموا قال: اجلس حتى اُخبرك عن هذا الذي شتموه، كنت عند رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ جاء علي وفاطمة وحسن وحسين رضي اللّه عنهم فألقى عليهم كساء له، ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .

3 ـ حديث أبي رياح عمّن حدّثه عن اُمّ سلمة انّها نزلت في الخمسة.

4 ـ من طريق أبي هريرة عن اُم سلمة أيضاً.

5 ـ عن حكيم بن سعد. ذكرنا عليّ بن أبي طالب عند اُم سلمة، فقالت في بيتي نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

6 ـ عن عطية عن أبيه عن اُم سلمة.

7 ـ عن أبي سعيد عن اُم سلمة.

8 ـ عن شهر بن حوشب عن اُم سلمة.

9 ـ عن عمر بن أبي سلمة عن اُم سلمة.

10 ـ عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبيّ، ذات  غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال(صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

11 ـ وعن العوام بن حوشب، عن ابن عمّ له قال: دخلت مع أبي على اُمّ المؤمنين عائشة فسألتها عن علي، فقالت: تسألني عن رجل كان أحبّ الناس إلى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)وكانت ابنته تحته، رأيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فألقى عليهم ثوباً، فقال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» قالت: فدنوت منهم فقلت: يا رسول اللّه وأنا من أهل بيتك ؟ فقال: تنحي إنك على خير(211).

12 ـ عن أبي سعيد رضي اللّه عنه عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): أنّها نزلت في خمسة، فيّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين.

13 ـ عن عامر بن سعد عن سعد قال: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حين نزلت عليه فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوب، ثم قال: ربي هؤلاء أهلي وأهل بيتي.

14 ـ عن أبي جميلة عن الحسن بن علي(عليه السلام).

15 ـ عن السدي عن أبي ديلم عن علي بن الحسين(عليه السلام).

هذا ما ذكره ابن كثير في تفسيره(212) سلكنا في نقله طريق الاختصار، وأعتقد أن المنصف يكتفي بما ذكرنا ولا نحتاج إلى ذكر تفاصيل اُخرى حول تخصيص نزول هذه الآية في أهل البيت خاصة، فالأمر أجلى من الشمس.

وكان(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد بعمله أمام أصحابه بهذه المنزلة، لذلك كان يمرّ على باب فاطمة يرفع صوته بالسلام عليهم ويتلو هذه الآية.

روى الترمذي في (صحيحه) عن أنس بن مالك: قال: إنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر كلّما خرج إلى صلاة الفجر ويقول: الصلاة يا أهل البيت : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(213).

وفي رواية أبي الحمراء: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمرّ ببيت فاطمة وعليّ(عليه السلام)فيقول: السلام عليكم أهل البيت : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

رواه السيوطي عن أبي الحمراء أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمرّ على باب بيت فاطمة ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى الصلاة الغداة إلاّ وأتى باب فاطمة ويقول: السلام عليكم أهل البيت (إنّما يريد اللّه...)(214).

ورواه ابن الأثير في (أسد الغابة) في ترجمة أبي الحمراء قال رواه الثلاثة(215).

وعن ابن عباس شهدنا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب علي(عليه السلام) عند وقت كل صلاة فيقول: السلام عليكم أهل البيت (إنّما يريد اللّه...)الآية خمس مرات.

وهذا البيان منه(صلى الله عليه وآله وسلم) زيادة في البيان لاُمّته، وتأكيداً لهم في إبراز أهله بتلك المنزلة العظيمة، وبديهي أنّه ماكان قصدة أن يوقظهم للصلاة فهم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً.

ولكن لشدّة اهتمامه بآله وبإظهار فضلهم للاُمة كان يعمل هذا ليطبقه تطبيقاً عمليّاً. وقال الشيخ عبد المجيد الشرنوبي الأزهري(216).

ثمّ إنّه يختلف تفسير آله(صلى الله عليه وآله وسلم) باختلاف المقامات، ففي مقام الزكاة هم الذين تحرم عليهم الصدقة كبني هاشم، وفي مقام المدح هم أهل بيته الكرام الذين بحبّهم وبزيارتهم يبلغ العبد المرام. وفي الحديث: من مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له. وللّه در القائل:

أرى حبّ آل البيت عندي فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربى

فما اختار خير الخلق منا جزاءه *** على هديه إلاّ المودة في القربى

وهم أهل العبا جمعهم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء، وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، فأنزل اللّه عزّ وجلّ:

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ ... الآية). وهم الحسن والحسين واُمّهما وأبوهما، كما قال بعضهم:

إن النبيّ محمداً ووصيّه *** وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل العباء وإنّني بولائهم  *** أرجو السلامة والنجا في الآخرة

ورواه الشيخ عبد اللّه الشبراوي(217). وأخرجه ابن عساكر في تاريخه وأطال البحث في تحقيقه(218) . ومحمد بن يوسف الشافعي في كفاية الطالب(219).

والشيخ أبو بكر بن ملا الحنفي في كتاب (قرة العيون)(220). وابن عبد ربه في (العقد الفريد)(221).

والشيخ نعمان الآلوسي في (غالية المواعظ)، قال: اخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أنّ الآية نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وأخرج البيهقي والترمذي وابن المنذر عن اُمّ سلمة...(222).

وأخرجه الواحدي في أسباب النزول عن أبي سعيد عن اُم سلمة(223).

ويطول بنا البحث، في تتبّع إيضاح هذه الآية وذكر رواتها، وبيان اختصاصها بآل محمد، ولا يشاركهم بتلك المنزلة أحد، فنقتصر على هذا البيان الموجز بالنسبة لما تقتضيه من إيضاح يستدعي إلى وضع مجلدات كثيرة للخوض في نتاجات روح التعصب والطائفية التي رعتها وغذتها سياسات الملوك والاُمراء الذين صبّوا جام حقدهم على أهل البيت الأطهار وشيعتهم، وراحوا يجنّدون علماء السوء وعبدة السلطان للتأثير على أفهام الناس والتحكّم فيهم حتى اختلط على الناس ماهم فيه، وجازت عليهم البدع والضلالات التي يروّجها هؤلاء، فما بين شتم الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) على سنة معاوية وبين إرهاب أهل البيت(عليهم السلام) على سنة أولاد عمّ النبي(صلى الله عليه وآله) من العباسيين الذين كانوا يقسمون بلا خجل بهذه القرابة وأيديهم ملطخة بدماء أبنائه، كان الناس يحنون الرقاب لأصحاب السلطان والملك ويذعنون (لاُولي الأمر)، وليس اُولو الأمر غير أئمّة الحقّ والدين وورثة علم النبيّ المصطفى وحملة رسالته من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وإنّها لرزية أن يتكلّف مسلم مناقشة اُمور هي من أنصع الحقائق.

حديث الغدير

رواة حديث الغدير من الصحابة

رواه جماعة من الصحابة، ينوف عددهم على المائة، وفي طليعتهم أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري المتوفى سنة (21 هـ ) الذي قال فيه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أضلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر»، رواه عنه جماعة من الأعلام.

وحذيقة اليماني المتوفى سنة (29 هـ ) والبراء بن عازب، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري، وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري المتوفى بغزوة الروم سنة (50 هـ )، وسعد بن أبي وقاص، وسلمان الفارسي المتوفى سنة (36 هـ ) وطلحة ابن عبيد التيمي، وعائشة زوجة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج حديثها ابن عقدة(224) في كتاب حديث الولاية.

وعبد اللّه بن عباس المتوفى سنة (68 هـ ) والعباس بن عبد المطلب عمّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وعثمان بن عفان، وأبو اليقظان عمار بن ياسر العنسي شهيد صفين سنة (37 هـ )، والصّدّيقة فاطمة بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وغيرهم إلى عدد يتجاوز المائة.

ورواه من التابعين عدد ينوف على الثمانين، وكانت عناية الجميع بهذا الحديث ظاهرة، وقد خرّجه جماعة من العلماء في كتبهم المعتبرة كمسلم في صحيحه، والترمذي والحاكم، وعدد لا يمكننا حصره بهذه العجالة، وقد ألّف فيه جماعة كتباً خاصة يربو عددهم على الثلاثين.

وشهد به لأمير المؤمنين عدد من الصحابة، يوم ناشدهم بحديث الغدير في مواطن عديدة كيوم الشورى، وأيام عثمان، ويوم الرحبة، وقام له في ذلك اليوم من الصحابة عدد ليس بالقليل وفي طليعتهم: أبو الهيثم بن التيهان وأبوهريرة الدوسي; وأبو سعيد الخدري، وغيرهم عدد لا يقلّ عن العشرين، وتواتر النقل بتعدّد مناشدة أمير المؤمنين أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) بإظهارهم للمـلأ هذا الحديث الشريف، كما ورد أنّه ناشدهم يوم الجمل. ويوم الركبان في الكوفة، وشهد له بذلك جماعة من الصحابة منهم عمار بن ياسر وهو من البدريين، وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وهم ممّن شهدوا بدراً، وقد اخفى ذلك الحديث جماعة من القوم لمؤثّرات العاطفة وعوامل التعصب، فدعا عليهم أمير المؤمنين(عليه السلام)بقوله: اللّهمّ من كتم هذه الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها، فبرص أنس، وعُميَ البَراء بن عازب، ورجع جرير اعرابيّاً بعد هجرته وهم ممّن كتموا شهادتهم ولم يؤدوا ما حملوا، ومنه زيد بن أرقم، ويزيد بن وديعة(225).

وكذلك ناشد أمير المؤمنين(عليه السلام) أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم صفين، واحتجت به فاطمة(عليها السلام) والإمام السبط الحسين بن علي(عليه السلام) وعبد اللّه بن جعفر وغيرهم، ولزيادة البيان نورد طرفاً من خطبة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير.

خطبة النبي يوم الغدير

أخرج ابن جرير الطبري المتوفى سنة (210هـ ) في كتاب (الولاية) بسنده عن زيد بن أرقم قال: لمّا نزل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بغدير خمّ في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد، فأمر بالدوحات فقمن، ونادى الصلاة جامعة فجمعنا، فخطب خطبة بالغة، ثم قال:

«إن اللّه تعالى أنزل إليّ: (بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(226) وقد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد واُعلم كلّ أبيض وأسود أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربيّ، لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين لي واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي، وشدّة اقبالي عليه حتى سمّوني اُذُناً، فقال تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْر لَّكُمْ)(227)ولو شئت أن اُسمّيهم وأدل عليهم لفعلت، ولكني بسترهم قد تكرمت، معاشر الناس فإنّ اللّه قد نصبه لكم ولياً وإماماً وفرض طاعته على كلّ أحد ماض حكمه جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدّقه، اسمعوا وأطيعوا فإنّ اللّه مولاكم وعليّ إمامكم، ثم الإمامة من صلبه إلى القيامة» ومنها:

«افهموا كتاب اللّه، ولا تـتّبعوا متشابهه ولن يفسر ذلك لكم إلاّ من أنا آخذ بيده شائل بعضده ومُعلمكم: إنّ من كنت مولاه فعلي مولاه، وموالاته من اللّه عزَّ وجلَّ أنزلها عَليّ: ألا وقد أديت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت»، إلى آخر خطبته(صلى الله عليه وآله وسلم) التي رواها الثقات من رجال الاُمّة.

ومن أراد الاطلاع وسعة البيان فيراجع ما كتبه الحجّة المتتبّع فقيه التأريخ، شيخنا العلاّمة الأمين الشيخ عبد الحسين الأميني في كتابه «الغدير» ففيه نجعة الرائد وبغية الطالب.

فهذا بيان موجز عن حديث الغدير،  الذي تحرّج البخاري عن اخراجه وتنكّر له كما تنكّر لكثير من فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، وحادثة الغدير أهمّ الحوادث الإسلامية التي سجّلها التاريخ  بصورة لا مجال لأحد انكارها، ومن المؤسف انكار بعض المسلمين لهذه الحادثة المهمة، مكابرة منهم بعد وضوح الحجة والدليل القاطع يوم قام النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الحفل الرهيب، والجمع الحاشد، وفي ذلك الهجير المضطرم، في غدير خمّ حيث مفترق المدنيين والمصريين والعراقيين، وعدد الجمع لا يقلّ عن مائة ألف، وبلّغ ما أمره به ربّه بأن ينصّ على عليّ(عليه السلام) وينصبه علماً للناس من بعده ، وكان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم أنّ ذلك سوف يثقل على الناس وقد يحملونه على المحاباة والمحبة لابن عمّه وصهره، ومن المعلوم أنّ الناس ذلك اليوم وإلى اليوم ليسوا في مستوى واحد من الإيمان واليقين بنزاهة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وعصمته عن الهوى والغرض، ولكنّ اللّه سبحانه لم يعذره في ذلك فأوحى إليه: (يا أيّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)(228) فلم يجد بداً من الأمتثال بعد هذا الانذار الشديد، فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غدير خم فنادى وجلّهم يسمعون: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: اللّهم نعم، فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه» إلى آخر ما قال. ثم أكدّ ذلك في مواطن اُخرى تلويحاً وتصريحاً واشارة ونصاً حتى ادّى الوظيفة، وبلغ عند اللّه المعذرة، ولكن كبار المسلمين بعد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تأولوا تلك النصوص نظراً منهم لصالح الإسلام حسب اجتهادهم فقدّموا وأخّروا وقالوا: «الأمر يحدث بعده الأمر»(229).

عناية الشيعة بعيد الغدير

وكان عيد الغدير محلّ عناية أهل البيت وشيعتهم على ممر العصور، يقيمون شعائره حسب مناسبات الظروف، وفي عهد آل بويه اُقيم في بغداد سنين متطاولة بصورة علنية نظراً لرفع الرقابة وعدم الحذر، وقد عظم ذلك على خصوم الشيعة فثاروا ضد اعلان هذا العيد، وحدثت ثورات دموية بين السنة والشيعة على فترات من الزمن، والشيعة متمسكة بإظهار هذا العيد لا تقف تلك المحاولات في طريق إقامة شعائره، ولمّا رأى خصوم الشيعة أنّ وسائلهم التي قاموا بها ضدّ هذه الشعائر كان نصيبها الفشل، التجأوا إلى المغالطات العلميّة فقاموه في احداث عيد يقابلون فيه عيد يوم الغدير الزاهر. وهو يوم الغار وجعلوه عيداً وأقاموا الزينة ونصبوا القباب في اليوم السادس والعشرين من ذي الحجّة، وزعموا أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأبا بكر اختفيا في الغار، وهذا من الجهل والغلط البيّن، فإنّ أيام الغار إنّما كان في آخر صفر أو أول شهر ربيع الأوّل(230) واستمروا على ذلك مدة ثمّ كان مصير هذا العيد إلى الإهمال والنسيان.

أمّا الشيعة فقد استمروا على إحياء عيد الغدير وإقامة المآتم يوم  عاشوراء فضاق بأعدائهم ذرعاً ففي سنة (363 هـ ) عمدوا إلى مقابلة الشيعة وأركبوا امرأة وسمّوها عائشة، وتسمّى بعضهم بطلحة وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير(231).

واستمرّت الفتن بين الطرفين بسبب إقامة هذه العشائر، وبلغت مبلغاً شديداً حتى التجأ خصوم الشيعة إلى الاستعانة بالجند والسودان، وذلك في سنة (350هـ 961م ) وكان الجنود يسألون من يجدونه في الطريق من خالك؟ فإن لم يقل معاوية ضربوه.

وطاف أحد السودان المتهجّمين بالطرقات وهو يصيح بين الناس: معاوية خال علي فتابعه العامة، وأصبحت هذه هي صيحة أهل السنة بمصر حينما يريدون قتال الشيعة(232).

ويحكى عن بعض الشيعة في تلك المحنة قيل له: معاوية خالك فقال: لا أدري أكانت اُمي نصرانية. كلّ ذلك محاولة منهم لإرغام الشيعة على ترك إقامة هذه الشعائر، ولكنّها مرّت على ذلك غير مبالية بتلك المقابلات الفاشلة.

كما أنّهم قابلوا يوم عاشورا بيوم مصرع مصعب بن الزبير، وأقاموا عليه النياحة وزاروا قبره يومئذ بمسكن(233) ونظّروه بالحسين(عليه السلام) لكونه صبر وقاتل حتى قتل، ولأن أباه ابن عمة رسول اللّه وحواريه، كما أنّ أبا الحسين(عليه السلام)ابن عمّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وفارس الإسلام، فنعوذ باللّه من الهوى والفتن(234).

وناهيك ما جرى في بغداد من حروب دامية مبعثها الجهل والتعصّب التي يقف القلم عند وصفها، وأعظمها محنة وقعة الكرخ التي تجلّت فيها نفسية قوم اُشرب قلوبهم بغض آل محمد والقضاء على من يواليهم، فقد هجمت طوائف يبعثهم صلف الولاة وميلهم للنزعات، حتى أحرقوا دور شيعة آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وقتلوا الرجال والأطفال، فكانت عاقبة الدولة إلى الدمار والانهيار بعد تلك الحادثة بقليل، وليس في وسعنا التعرّض لذكر تلك الفجائع السود، ولا نودّ نبش تلك الدفائن التي مرّت في تلك العصور المظلمة، ونحن في عصر ما أحوجنا فيه إلى الأخوّة والاتحاد لنقابل من يكيد الإسلام ويحاول القضاء على تعاليمه، ولا يروق له اتحاد المسلمين; لأنّ في اتّحادهم يكون القضاء على المستبدين باُمور الاُمة، وكلّنا أمل بالوعي المتعاظم بوجوب تطبيق نظام الإسلام، ومن اللّه نسأل تحقيق ذلك.

 

حديث الثقلين

تخريج الحفاظ لحديث الثقلين

أخرج مسلم في صحيحه من طريق زيد بن أرقم خطبة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير،  وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيها: «وأنا تارك فيكم الثَقَلين كتاب اللّه فيه الهُدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به، فحثّ على كتاب اللّه ورغب فيه، ثم قال وأهل بيتي اُذكركم اللّه في أهل بيتي»(235).

وأخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم قال، قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللّه ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما»(236).

وأخرجه أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(237).

وعن أبي سعيد أيضاً عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنيّ اُوشك أن اُدعى فاُجيب وإنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا بم تخلّفوني فيهما(238)؟

ورواه البغوي في مصابيح السنة(239) والقاضي عياض في الشفاء(240).

وأخرج الخطيب البغدادي من طريق حذيفة بن اُسيد أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: يا أيّها الناس إنّي فرط لكم وانتم واردون عليّ الحوض، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب اللّه سبب طرفه بيد اللّه وطرفه بأيدكم واستمسكوا به(241).

وأخرجه الحاكم من طريق زيد بن أرقم في (المستدرك)(242) ورواه السيوطي من ثلاث طرق: من طريق زيد بن أرقم، وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري(243).

وأخرجه فقيه الحرمين محمد بن يوسف الشافعي في كتابه (كفاية الطالب)(244)، وأخرجه الطبري في (الذخائر)(245) من طريق زيد بن أرقم.

وأخرجه ابن حجر في (الصواعق المحرقة) ثم ذكره بطرق مختلفة، وقال: ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضع وعشرين صحابياً(246). وذكره الشيخ عبد اللّه بن محمد الشبراوي في كتاب (الاتحاف بحبّ الاشراف)(247) والسيوطي في كتاب (احياء الميت بفضائل أهل البيت)(248) المطبوع على هامش الاتحاف، وذكره الشيخ العدوي في (مشارق الأنوار) عند ذكره لفضائل أهل البيت(249)، والعلاّمة السيد خير الدين أبي البركات نعمان افندي الآلوسي في (غالية المواعظ)(250) .

وقال ابن حجر الهيثمي في (شرح الهمزية) عند ذكر آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم): وفي الحديث: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد بي حتى يحبّني ولا يحبّني حتى يحبّ ذوي قرابتي، أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم، ألا ومن آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه، ثمّ ذكر حديث الثقلين واختصاصه بآل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)(251).

ورواه ابن كثير في تفسيره، من طريق زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد اللّه واثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أمّا بعد، ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فاُجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به. فحث على كتاب اللّه عزّ وجلّ ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي اُذكركم اللّه في أهل بيتي اذكركم اللّه في أهل بيتي اذكركم اللّه في أهل بيتي(252).

وقال الشيخ عبد الرحمن النقشبندي في كتابه (العقد الوحيد) بعد ذكره أهل البيت: كيف وهم أنجم ديننا ومصدر شرعنا وعمدة أصحابنا؟ فيهم ظهر الإسلام وفشى، وبهم تأيدت أركانه ونشأ، ومن ثم صحّ أنه(صلى الله عليه وآله) قال: إنّي تارك فيكم ما أن اخذتم به لن تضلّوا كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني. وصحّ عنه(صلى الله عليه وآله) قال: من سرّه أن يكتال بالمكيال إلاّ وفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل، اللّهم صلِّ على محمد وآله، وروي عن الشافعي أنّه قال بوجوب الصلاة على الآل في التشهد الأخير، وروي له قوله:

يا آل بيت رسول اللّه حبّكم *** فرض من اللّه في القرآن أنزلـه

كفاكم من عظيمِ القدر أنّكم *** من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له(253)

وجاء في مجلة المسلم: أهل البيت حرّاس هذا الدين وورثة هذا المجد إلى أن يقول: وكان أهل البيت هدفاً للطعن والأذى المنوع، بل وللإبادة في كلّ عصور التاريخ من عهد الإمام علي رضي اللّه عنه، وقد اتخذ اعداؤهم محاربتهم ديناً نسبوه ظلماً لجدّهم(صلى الله عليه وآله وسلم) ولعبت أطوار التاريخ في ذلك أدواراً مريرة، حتى جرّدوهم من أنسابهم وأملاكهم وأوقافهم; بعد أن أفاءوا عليهم صنوف المهانات وألوان العذاب باسم الدين المظلوم مالا يعلمه إلاّ اللّه، ولم يكفهم أن ينالوا منهم حتّى دفعهم سوء الطبع وسوء الأدب(254) وسوء الإيمان والغل الدفين إلى تأليف الكتب في اضطهاد آل الرسول وسبّهم باسم احياء السنة واجتهاد الرسول والعياذ باللّه. انتهى(255).

وقال في القاموس في مادة ثقل: الثقل كعنب، ضد الخفة، والثقل محركة متاع المسافر وحشمته، وكلّ شيء نفيس مصون، ومنه الحديث: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي»(256).

وقال محب الدين في (التاج) في مادة ثقل عند ذكر الحديث: جعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لهما ، قال ثعلب: سمّاهما ثقلين، لأنّ الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل(257). قال الزهري: وروى شريك عن الركين عن القاسم عن حسان عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إنّي تارك فيكم الثقلين خلفي: كتاب الله وعترتي فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. قال محمد بن إسحاق: وهذا حديث حسن صحيح، ورفعه نحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وفي بعضها: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فجعل العترة أهل البيت، وروى أبو العبّاس عن ابن الاعرابي أنه قال: العترة ولد الرجل وذرّيته وعقبه من صلبه. قال: فعترة النبي(صلى الله عليه وآله): ولد فاطمة البتول(عليها السلام).(258)

وقال ابن أبي منظور في لسان العرب: روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في آخر عمره: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» ثم ذكر قول ثعلب وقال: وأصل الثقل أنّ العرب تقول: لكلّ شيء نفيس مصون خطير ثقل، فسمّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما، ويقال للسيد العزيز ثقل، إلى آخره(259).

وقال ابن الأثير في النهاية بعد أن ذكر قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي سمّاهما ثقلين لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكلّ خطير ثقل(260)، وقال في المصباح: العترة نسل الإنسان، قال الزهري: وروى ثعلب عن ابن الاعرابي: إنّ العترة ولد الرجل وذرّيته وعقبه من صلبه، ولا تعرف العرب من العترة غير هذا(261).

وقال السيد محمد صديق حسن البخاري في كتاب (الدين الخالص) بعد ذكره لهذا الحديث من طريق زيد بن أرقم:

هذا الحديث فيه فضيلة أهل البيت وبيان عظم حقّهم في الإسلام، وأنّهم قرين القرآن في التعظيم والاكرام، وليس بعد هذا البيان من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)بيان، ولا قرية بعد عبادان.

وقال: وعندي أنّ المراد بهم: «أي بأهل البيت» هم الموجودون في عصر النبوة أولاً بالذات، ولكن يدخل فيهم أيضاً من وجد بعدهم من السادة القادة إلى العلم والعبادة، كالأئمة الاثني عشر من العترة.

إلى أن يقول: والمراد بأهل البيت ـ هنا ـ العترة الطاهرة، والذرية المطهرة خاصة دون أزواج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)(262).

ويطول بنا الحديث إذا حاولنا تتبع مخارج هذا الحديث وبسط القول فيه، وقد اقتصرنا على هذا القدر من طرقه، وقد ألّف الحافظ محمد بن طاهر بن علي المعروف بالقيصراني كتاباً خاصاً جمع فيه طرق هذا الحديث، وقد خرّجه عن 27 صحابياً.

وهناك أمر يستدعي الانتباه وهو أنّ يد التحريف التي لا زالت تبعث على الاُمة عوامل التفرقة قد جنت جناية عظيمة، فحرفته مخالفة للّه ولرسوله، فإنّ الحديث يقول: كتاب اللّه وعترتي، وهم يقولون كتاب  اللّه وسنتي وهم يقصدون من وراء ذلك تغيير الواقع والتمويه لما يتضمنه هذا الحديث الشريف الذي قرن العترة بالكتاب، وجعلهما كتوأمين يلزم التمسك بهما، وإيثار حقّهما، وأنّ العترة باقية إلى يوم القيامة.

قال الشريف السمهودي: هذا الخبر يفهم منه وجود من يكون أهلاً للتمسك به من عترته(صلى الله عليه وآله وسلم)في كلّ زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحثّ المذكور على التمسّك به، كما أنّ الكتاب كذلك، ولذا كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض(263).

وقال الشيخ الزرقاني ـ بعد شرحه لهذا الحديث ـ : أمّا الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية، والاسرار والحكم الشرعية، وكنوز الحقائق، وخفايا الدقائق.

وأما العترة فلأنّ العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق، ومحاسنها يؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته، وأكّد(صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الوصية وقواها بقوله: «فانظروا بماذا تخلفوني فيهما» هل تتبعوني فتسروني، أو لا فتسيئوني؟(264).

وهو(صلى الله عليه وآله وسلم) أعرف بالمصالح العامة، ورأى أنّ مصلحة اُمته في التمسّك بهذين الثقلين من باب رعاية المصلحة لهم، وتحصيلاً لسعادتهم، فأكّد(صلى الله عليه وآله وسلم)في عدّة مواطن على لزوم اتباع أهل بيته وأنّهم أولى الناس برعاية شؤون الاُمة، ولذا جعل مثلهم كمثل سفينة نوح.

حدث أبو ذر الغفاري عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ أنّه قال: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».

أخرجه أحمد بن حنبل(265) والحاكم في المستدرك(266)، وغيرهما من المحدثين.

وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري، أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّما أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له»(267).

وغير هذه الأحاديث الواردة بالطرق الصحيحة ممّا ملأ سمع الدنيا ورددتها الأجيال وأوردها العلماء، فهي تقضي بوجوب التمسك بأهل البيت واتباعهم وحبّهم ومناصرتهم، فهم دعاة الحقّ وهداة الخلق، واعلام الرشاد وقادة العباد.

ونحن نقطع بأنّ المسلمين لو توفّرت لهم حرية الرأي توافراً تاماً ليعلنوا غير خائفين فيمن يجب ان يرشحوه خليفة عليهم، ويؤهّلوه لرعاية اُمورهم وولاية أمرهم لتحقيق المصالح العامة وسعادة المجتمع الإسلامي من جميع الوجوه، لما عدلوا عن أهل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رعاية لوصاياه(صلى الله عليه وآله وسلم)وامتثالاً لأمره، وأنّ أهله المرشحين للخلافة قد اجتمعت فيهم خصال الكمال وأهليّة الرعاية وولاية الأمر، ولم يستطع أحد أن يلصق بهم عيباً، وإن كان خصماً لهم، وحرباً عليهم .

ولكنّ الأمر أصبح وراثياً في اُسرة معينة، ينتقل من واحد لواحد بالوصاية وولاية العهد، كما رأينا من فعل معاوية ببيعة يزيد بالسيف وقوة السلطان، وهكذا من بعده في ولاية الحكم ولا رأي للاُمة في ذلك. ولننظر الى ما عليه الحكام وما ارتكبوه بحقّ الاُمة والدين وكيف كانت العلاقات. يقول السيوطي: وأخرج البخاري والنسائي وابن حاتم في تفسيره ـ واللفظ من طرق ـ إنّ مروان خطب بالمدينة وهو على الحجاز من قِبَل معاوية فقال: إنّ الله قد أرى أمير المؤمنين في ولده يزيد رأياً حسناً وإن يستخلفه فقد استخلف أبوبكر وعمر ـ وفي لفظ ـ : سنة أبي بكر وعمر. فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: سنّة هرقل وقيصر، إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلاّ رحمة وكرامة لولده. فقال مروان: ألستَ الذي قال لوالديه أف لكما. فقال عبدالرحمن: الست من اللعين الذي لعن أباك رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كذب مروان، ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان ابن فلان، ولكن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان بعض من لعنه الله(268).

وعلى أيّ حال فإنّ أهل البيت هم هداة الاُمة، وكانت الانظار تتجه إليهم في جميع الأدوار، وسنوضّح فيما بعد التفاف الناس حول الإمام الصادق وترشيحه لولاية الأمر، لأنّه زعيم أهل البيت وسيدهم في عصره.

ونعود إلى القول: بأنّ عدم تخريج الشيخ البخاري أحاديث الإمام الصادق هو شيء يعود إلى البخاري نفسه ولا يقدح بشخصية الإمام الصادق(عليه السلام) ، فهو الذي اجمعت الاُمة على صدقه فلقّبوه بالصادق، وقد خرّج البخاري أحاديث تلامذة الإمام الصادق(عليه السلام) ، ولكنه تجنّب الروايات التي يروونها عنه(عليه السلام).

وليس بغريب أن تقضي الظروف القاسية بأن يبتعد الناس عن أهل البيت حبّاً  للسلامة أو استسلاماً لعوامل اُخرى.

ولا بدّ لنا أن نشير هنا الى أنّ البخاري لم يجمع الأحاديث الصحيحة عنده كلّها فإنّه قد ترك الكثير منها.

حدّث الإسماعيلي عنه أنّه قال: لم اُخرّج في هذا الكتاب إلاّ صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر(269).

وقد نُقل عنه أنّه يحفظ مائة ألف حديث صحيح(270)، وليس في كتابه بالنسبة لذلك إلاّ القليل، فإنّ جميع ما فيه أربعة آلاف والمكرر ألفان، فيكون المجموع ستة آلاف.

ومع هذا فلا يمكن القطع بصحة كلّ مايرويه أو أنّها أصح الأحاديث .

قال المحقّق ابن همام في شرح الهداية: وقول من قال: أصحّ الأحاديث ما في الصحيحين، ثمّ ما انفرد به البخاري، ثم ما انفرد به مسلم، ثم ما اشتمل على شرطهما، ثم ما اشتمل على شرط أحدهما تحكّم لا يجوز التقليد فيه، إذ الأصحيّة ليست إلاّ لاشتمال رواتها على الشروط التي اعتبراها، فإن فرض وجود تلك الشروط في رواة حديث في غير الكتابين أفلا يكون الحكم بأصحيّة ما في الكتابين عين التحكم؟!(271)

وبعد هذا نقول: لعلّ ترك البخاري للأحاديث الصحاح في فضائل أهل البيت(عليهم السلام) لم يكن لعدم وثوقه في صحتها، أو توقفه عن قبولها، ولكنّه مع ذلك تركها عمداً اختصاراً لكتابه، أو تهيّباً مما وراء ذلك من اتهام.

كما أنّ عدم تخريج أحاديث الإمام(عليه السلام) لا يعود بالتأثير السلبي على شخصية الإمام الصادق أو أنّه يشكل غضّاً من مكانته، يُعتدّ به، فإنّ ذلك ما عجز عنه ملوك العصر بكلّ ما اُوتوه من إمكانات، وفشل أذنابهم فيه أيضاً. كذلك لم يستطع البخاري ولا غيره أن يجرحوا الإمام الصادق(عليه السلام) بشيء أبداً.

والاُمّة الإسلامية قد تقبّلت رواياته وأخذت بأقواله(عليه السلام)، حتى لقّب بالصادق، وكان المرجع الوحيد لإيضاح المبهم وحلّ ما اُشكل عليهم; وقد ملأ رواة حديثه الأقطار الإسلامية، وكان في الكوفة الف شيخ محدّث، كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمد.

ولا نطيل الحديث هنا وسيأتي فيما بعد ما له صلة بالموضوع  إن شاء اللّه.

 

 

(116) القاضي أبو عمر حفص بن غياث النخعي من الثقات، روى عن الإمام الصادق، وروى عنه إسحاق وأحمد وخلقٌ، وثّقه ابن معين والعجلي، وكان متشدداً في الرواية، وصفه ابن عمار بأنه كان عَسِراً في الحديث جداً، توفي سنة (194 هـ ) خرّج حديثه أصحاب الصحاح، اُنظر ميزان الاعتدال للذهبي ج1 ص567 ـ 568 .

(117) الإرشاد ج2 ص179 .

(118) روضة الواعظين: 207 .

(119) مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج2 ص43، نقلاً عن إعلام الورى ص 200.

(120) إعلام الورى ص284 .

(121) مناقب ابن شهرآشوب ج4 ص247 .

(122) المعتبر ج1 ص26 .

(123) الذكرى ج1 ص58 ـ 59 .

(124) اُنظر تاريخ الشيعة ص44 .

(125) التحفة الاثنى عشرية ص8 .

(126) مناقب ابن شهرآشوب ج4 ص269 .

(127) تهذيب الكمال ج11 ص154 ـ 2407.

(128) تهذيب الكمال ج11 ص177 / 2413.

(129) تهذيب الكمال ج12 ص479 / 2739.

(130) سِير أعلام النبلاء ج8 ص421 / 114.

(131) خلاصة الكمال ص56.

(132) تاريخ بغداد ج 8 ص188 والخلاصة ص74 .

(133) تهذيب التهذيب ج1 ص282 ـ 760.

(134) تهذيب التهذيب ج3  ص301 ـ 645.

(135) تاريخ بغداد ج8 ص88، والخلاصة ص74، تهذيب التهذيب ج1  ص287 /533.

(136) تهذيب التهذيب ج1 ص282 ـ 760 .

(137) ميزان الاعتدال ج2 ص325 ـ 3941.

(138) تهذيب الكمال ج26 ص299 /5549.

(139) تهذيب الكمال ج18 ص503 /13604.

(140) تهذيب التهذيب ج7 ص130 /4672.

(141) تهذيب الكمال ج18 ص178 /3465 .

(142) تهذيب الكمال ج14 ص469 /3250 .

(143) تهذيب الكمال ج10 ص89 /2117.

(144) تهذيب التهذيب ج10 ص147 /6999.

(145) تهذيب الكمال ج4 ص178 /729.

(146) تهذيب التهذيب ج1 ص110 /190.

(147) تهذيب التهذيب ج4 ص75 /2488.

(148)  تهذيب الكمال ج5 ص269 /1036.

(149) تهذيب التهذيب ج10 ص244 /7171.

(150) تهذيب الكمال ج3 ص457 /607.

(151) صفوة الصفوة ج1 ص529.

(152) الفهرست، الشيخ الطوسي ص17 .

(153) ابن النديم ص308.

(154) تهذيب التهذيب ج1 ص85 /145.

(155) لم يكن أبان مبتدعاً ولكنه بتفضيله لعلي وقوله بامامته أصبح مبتدعاً في نظر الذهبي وأضرابه ممن حملهم التعصب على تضعيف المشاهير من الحفاظ من أهل السنة وغيرهم لأنهم يروون الأحاديث الصحاح في أهل البيت كما حدث لابن جرير الطبري لأنه يروي حديث «من كنت مولاه» والحاكم لتصحيحه حديث الطير، وحديث الموالاة، وغيرهم كثير سيأتيك بيانه.

(156) تهذيب التهذيب ج3 ص93.

(157) لسان الميزان ج1 ص24.

(158) رجال الكشي ص181 / 315 و 316.

(159) نقد الرجال ج1 ص368 /1045.

(160) رجال النجاشي ج1 ص339 /369.

(161) منتهى المقال ج2 ص320 /655.

(162) اُصول الكافي ج1 ص172 ـ 173، وراجع اعلام الورى ص280 ـ 284.

(163) رجال الكشي ص376/ 702 ـ 712.

(164) أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن (بردزبه) بباء موحدة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم زاء ساكنة ثم باء موحدة ثم هاء، معناه بالعربية الزراع، وكان جدّه المغيرة مجوسيّاً كأبيه اسلم على يد اليمان البخاري الجعفي، لذلك قيل للبخاري جعفي، لأنّه مولى يمان الجعفي ولد سنة (194 هـ ) وتوفي سنة (256 هـ ) ودفن بخرنتك قرية على فرسخين من سمرقند.

(165) قواعد التحديث ص241.

(166) تهذيب التهذيب ج8 ص146 .

(167) ضحى الإسلام ج2 ص116 .

(168) قواعد التحديث للقاسمي ص250.

(169) من مقال لأحد علماء الأزهر نشر في احدى المجلات المصرية في معرض نقده لذلك الاعتقاد السائد. نشر سنة 0(132 هـ ) وقواعد التحديث ص251.

(170) مجلة الرسالة السنة الخامسة ص403 .

(171) تذكرة الحفاظ ج2 ص104 .

(172) تهذيب التهذيب ج10 ص115 /6932.

(173) اُنظر الاعلام ج8 ص117، معجم المؤلفين ج12 ص232، اُنظر طبقات الشافعية الكبرى ج3 ص278 .

(174) شذرات الذهب ج7 ص40 .

(175) صحيح البخاري: ج 4 ص 68، وج 7 ص 28.

(176) تهذيب التهذيب ج1 ص280 /502.

(177) تهذيب التهذيب ج3 ص328 /2172.

(178) تهذيب الكمال ج6 ص323 /1274.

(179) تهذيب التهذيب ج2  ص254 /1311.

(180) اُنظر أضواء على الصحيحين ص92 ـ 127.

(181) الإصابة في تمييز الصحابة ج5 ص232 /6891.

(182) ذخائر العقبى ص115 .

(183) نور الأبصار ص187 .

(184) أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد اللّه بن عمر الليثي الكناني صحابي جليل وهو آخر الصحابة وفاة. بقي إلى سنة (100 هـ ) وتوفي فيها، وكان من شيعة علي شهد معه حروبه كلها.

(185) نكت الهميان للصفدي ص 154 .

(186) تهذيب التهذيب ج1 ص238، وتاريخ بغداد ج2 ص295، وشذرات الذهب ج1 ص257 وغيرها.

(187) تهذيب التهذيب ج2 ص219 /1252.

(188) الرياض النضرة ج2 ص163 .

(189) المنافقون 1 .

(190) انّ الاُمّة بأسرها متّفقة على أن البخاري لم يستقص الأحاديث الصحيحة فالحديث الصحيح لا يضرّه عدم إخراج البخاري إيّاه باجماع الناس وقد أضرّ البخاري نفسه باعراضه عن أهل البيت(عليهم السلام) واهماله الصحاح الدالّة على تفضيلهم وليس حديث الثقلين بأوّل حديث أهمله من أحاديث فضلهم(عليهم السلام) فقد أهمل حديث الولاية يوم الغدير مع تواتره وحديث المؤاخاة مع كونه من الضروريات وحديث سدّ الأبواب غير باب علي مع ثبوته بحكم البداهة من سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وأهمل حديث انذار عشيرته الأقربين المشتمل على النص بحذرفة أمير المؤمنين مع صحته الثابتة عند أهل السنّة كما صرّح بذلك غير واحد منهم ولم يخرج حديث السب في نزول (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا...)ولا حديث السبب في نزول: (يا أيّها الرسول بلّغ ما اُنزل إليك من ربّك...) ولا شيئاً من الأحاديث في أسباب نزول آيات فضل أهل البيت(عليهم السلام) وأهمل أحاديث سفينة نوح وباب حطّة وأمان الاُمة وسائر الأحاديث الصادعة بفضلهم إلاّ اليسير النزر الذي هو كالنقطة من البحر ومع ذلك فقد اغتصب نفسه فيه اغتصاباً فما أخرجه إلاّ بكلّ تكلّف كما يعلمه الخبير بكتاب البخاري.

(191) اُنظر بحوثاً في الملل والنحل ج1 ص482.

(192) الأحزاب 33 .

(193) صحيح مسلم ج4 ص127 .

(194) الترمذي ج4 ص304 .

(195) الخصائص ص4.

(196) تاريخ بغداد ج9 ص127 .

(197) الاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص27 .

(198) أسد الغابة ج5 ص521.

(199) واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر من بني ليث بن عبد مناة، أسلم قبل تبوك وشهدها، روى عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)وكان من أهل الصفّة، وأشار ابن حجر في الإصابة الى وهم البخاري فيه.

(200) تفسير ابن جرير ج7 ص22.

(201) الدر المنثور  ج5 ص198 .

(202) الفصول المهمة  ص6.

(203) ذخائر العقبى ص21 ـ 24.

(204) ينابيع المودة  ج2 ص228 / ح643 فضائل الصحابة  ج2 ص587، ح994، الدر المنثور ج5 ص199.

(205) تاريخ بغداد ج9 ص129، وج10 ص278.

(206) معالم التنزيل بهامش الخازن ص213.

(207) المستدرك ج2  ص416.

(208) ثمار القلوب ص483 ـ 484.

(209) الفتاوى لابن تيمية  ج1 ص230.

(210) نيل المراد ص65.

(211) أخرجه البغوي عن عائشة في معالم التنزيل ج5 ص213 ، المطبوع بهامش تفسير الخازن، وكذلك الخازن نفسه ذكره عن طريق عائشة ص213 ، وفيه زيادة أنت من أزواج النبي ولا نتكلف البحث عن قوله(صلى الله عليه وآله وسلم)لعائشة تنحي. وإلحاق أنت على خير أو أنت من أزواج النبي.

(212) تفسير ابن كثير ج3 ص465 ـ 468.

(213) شرح الترمذي لابن العربي ج13 ص85 وابن عبد البر في الاستيعاب بهامش الاصابة ج4 ص46.

(214) الدر المنثور ج5  ص174.

(215) الدر المنثور ج5 ص99 واخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب  ج4 ص64.

(216) شرح الشافية ص123.

(217) الاتحاف السنية ص5.

(218) تاريخ ابن عساكر ج4  ص204.

(219) كفاية الطالب ج2 ص13.

(220) قرة العيون ج1 ص189.

(221) العقد الفريد ج1 ص37.

(222) غالية المواعظ ج1 ص86.

(223) أسباب النزول ص267.

(224) هو أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المتوفى (230 هـ ) قال الذهبي: هو حافظ العصر والمحدث البحر، كان إليه المنتهى في قوة الحفظ وكثرة الحديث، وقال الدار قطني اجمع اهل الكوفة أنه لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود إلى زمن ابن عقدة احفظ منه، وقال أبو علي الحافظ: ما رأيت لحديث الكوفيين احفظ من أبي العباس بن عقدة، وكان ابن عقدة يقول: احفظ مائة ألف حديث بأسانيدها ويقول اُجيب في ثلاثمائة ألف حديث من أحاديث أهل البيت، قال الذهبي وكان مقدماً في الشيعة، انظر تذكرة الحفاظ للذهبيج3 ص16 وذكرنا ترجمته هنا، لأنه من الذين الّفوا في حديث الغدير في القرن الرابع وأخرج الحديث من مائة وخمسين طريقاً.

(225) أنساب الأشراف ج2 ص156، الرقم 169، حياة أمير المؤمنين محمد محمديان ج2 ص74 .

(226) المائدة: 67 .

(227) التوبة 61 .

(228) المائدة 67 .

(229) أصل الشيعة واُصولها ص108.

(230) شذرات الذهب لابن العماد ج3 ص120 .

(231) تاريخ ابن كثير ج11 ص225 .

(232) الحضارة الإسلامية للاُستاذ آدم متز ج1 ص112.

(233) مسكن: موضع على نهر دجيل في العراق دارت الحرب فيه بين عبدالملك بن مروان ومصعب بن الزبير سنة (72 هـ ) فقتل مصعب ودفن فيه.

(234) شذرات الذهب لابن العماد ج3 ص130.

(235) صحيح مسلم ج7 ص122 .

(236) سنن الترمذي ج2 ص308.

(237) مسند أحمد  ج2  ص14 ط 1 .

(238) مسند أحمد ج2  ص17 ـ 26.

(239) مصابيح السنة ج2 ص204 .

(240) الشفاء، للقاضي عياض ج2 ص40 .

(241) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي  ج8 ص443 .

(242) المستدرك  ج4 ص109.

(243) الجامع الصغير ج157 ص2631.

(244) كفاية الطالب ص53.

(245) ذخائر العقبى ص26.

(246) الصواعق المحرقة ص136.

(247) الاتحاف بحب الأشراف ص22 .

(248) المطبوع على هامش الاتحاف هو : «حسن التوسّل في آداب زيارة أحسن الرسل». انظر الهامش 247.

(249)  مشارق الأنوار: 146.

(250) غالية المواعظ ج2 ص87 .

(251) المنح المكية في شرح الهمزية ج3 ص1154 .

(252) تفسير ابن كثير ج3 ص486 .

(253) العقد الوحيد ص78.

(254) تهذيب اللغة ج 2 ص264 .

(255) مجلة المسلم ع1 ، ص 8، س 2 ـ 1371 هـ  .

(256) القاموس المحيط ج3 ص502 مادة «ثقل».

(257) تاج العروس ج7 ص345 مادة «ثقل».

(258) تهذيب اللغة ج2 ص 264 .

(259) لسان العرب ج2 ص114 مادة «ثقل».

(260) النهاية ابن الأثير ج1 ص216 مادة «ثقل».

(261) المصباح المنير ص83 مادة «ثقل».

(262) الدين الخالص ج3 ص511 ـ 514 .

(263) الدين الخالص ج3 ص511، 514 ، جواهر العقدين في فضل المشرفين ص244 .

(264) شرح المواهب اللدنية ج8 ص2 .

(265) الفضائل  ج2 ص785 ح1402.

(266) المستدرك على الصحيحين ج3 ص163 /4720.

(267) المعجم الأوسط للطبراني  ج6 ص406 /5866.

(268) تاريخ الخلفاء ص78 .

(269) هداية الباري ص5 .

(270) شرح ألفية العراقي ج1 ص48 .

(271) أضواء على السّنة المحمدية ص312 .