رأي الشيعة

رأي الشيعة 

قالوا بأنّ عدد الأعيان النجسة إثنا عشر:

1 ـ 2: البول والغائط من كلّ حيوان له نفس سائلة محرّم الأكل، بالأصل أو بالعارض كالجلاّل، والموطوء، أما ما لا نفس له سائلة، أو كان محلل الأكل فليس كذلك.

3 ـ المني من كلّ حيوان له نفس سائلة، وإن حلّ أكل لحمه.

4 ـ الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة إنساناً كان أو غيره، حلّ أكله أو حرم، برّياً أم بحرياً، وكذا أجزاؤها المبانة منها.

5 ـ الدم من ذي النفس، أما ما لا نفس له سائلة كدم السمك ونحوه فدمه طاهر.

6 ـ 7: الكلب، والخنزير البريان، بجميع أجزائهما، وفضلاتهما، ورطوباتهما.

8 ـ الخمر بل كل مسكر مائع بالأصالة بجميع أقسامه.

9 ـ الفقاع وهو شراب مخصوص متخذ من الشعير.

10 ـ الكافر بجميع أقسامه: أصلياً أو مرتداً، فطرياً أو ملياً، حربياً أو ذمياً، كتابياً أو غير كتابي، جاحداً لله تعالى أو لوحدانيته أو لرسالة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

11 ـ 12 ـ عرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلاّلة.

هذه هي الأعيان النجسة التي يجب الاجتناب عنها، وإزالة ما يتعلق منها في بدن المصلي أو ثيابه أو مكانه، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وعن الأواني لاستعمالها، فيما يتوقف على طهارتها، وعن المساجد والأماكن المقدّسة والمصاحف المشرفة.

كما أنّه عفي عمّا دون الدرهم البغلي، من غير الدماء الثلاثة، كما عفي عن دم الجرح والقرح مع السيلان، دائماً أو في وقت لا يسع زمن فواته الصلاة (680)، كما سيأتي بيانه.

البول والغائط

اتفق الجميع على نجاستهما من الآدمي، واختلفوا فيما عداه من الحيوانات، فقال أبو حنفية بنجاسة بول الفرس، وبول ما يؤكل لحمه من النعم الأهلية والوحشية كالغنم الغزال نجاسة مخففة.

أما روث الخيل، والبغال، والحمير، وخثى البقر، وبعر الغنم، فإن نجاسته مغلظة عنده، وقد ذهب صاحبه محمد بن الحسن الشيباني إلى خلافه فقال بطهارتها (681).

وقال زفر: ما يؤكل لحمه طاهر. وهو قول مالك، وقال: إنّه وقود أهل المدينة، يستعملونه استعمال الحطب (682).

والشافعية يذهبون الى الى ترادف الروث والعذرة، أي نجاسة الروث ولو من طير مأكول اللحم أو ممّا لا نفس له سائلة أو سمك أو جراد(683).

وكيف كان فقد اختلفوا في تطهير الثوب والبدن من البول على مذاهب:

1 ـ وجوب غسله عن الثوب والبدن، إلاّ إذا كان بول رضيع ذكراً، أما الاُنثى فلا، فإنّ الأول يكتفى بالنضح عليه، وبه قال عطاء والزهري، وأحمد وإسحاقبن راهويه.

2 ـ يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي، وحكى ذلك عن مالك والشافعي.

3 ـ هما سواء في وجوب الغسل، ولا فرق بين الصبي والجارية، وهو مذهب الحنفية والمالكية.(684)

 

المنـي

اختلفت فيه أقوال أئمة المذاهب، فأبو حنيفة ومالك يذهبان لنجاسته، إلاّ أنّهما اختلفا في تطهيره، فأبو حنيفة يذهب إلى وجوب غسله، رطباً، وفركه يابساً، وذهب مالك إلى غسله مطلقاً.

وقال الشافعي: بطهارة المني مطلقاً، إلاّ من الكلب والخنزير، والأصحّ من مذهب أحمد بن حنبل أنّه طاهر من الآدمي (685).

وتمسك من ذهب إلى طهارة المني مطلقاً، بل جعله بعضهم هو مثل البصاق بلا فرق، بما روي عن عائشة: أنّها كانت تفرك المني عن ثوب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي خبر آخر أنّها قالت: لقد رأيتني وإني لأحكه عن ثوب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بأظفري، إلى غير ذلك مما هو منقول من فعل عائشة، (686) ولا يدل ذلك على الالتزام به، فإنه لم يكن من فعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو تقريره.

ونحن ننزّه مقامه(صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك، بأن تبقى قذارة المني في ثوبه حتى تجمد، وهو المنزه، والكامل بكل صفاته وكيف يكون ذلك منه؟ ! وهو(صلى الله عليه وآله وسلم) تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث تنص على نجاسة المني، ووجوب غسله(687).

ومن الافتراء الواضح أيضاً نسبة ذلك للإمام علي(عليه السلام) وأنّه قائل بطهارة المني، كيف وقد استفاض عنه(عليه السلام) وعن أبنائه الطاهرين ما يدلّ على النجاسة للمني؟ وهذا الباب واسع، وقد أفضى الأمر إلى تلفيق حجج واهية، وأقوال فارغة، كتكريم ابن آدم، وبكون الآدمي طاهراً كما يدعي من يقول بالطهارة في محاورة خيالية بين القائل بها وبين المانع كما ذكرها ابن القيم الجوزية(688).

الكلب والخنزير

الكلب نجس عند الشافعي وأحمد، ويغسل الإناء من ولوغه فيه سبعاً لنجاسته.

وقال أبو حنيفة بنجاسته ولم يشترط في غسل ما تنجس به بل جعل غسله كغسل سائر النجاسات، فإذا غلب على ظنه زواله ولو بغسله كفى، وإلاّ فلا بدّ من غسله حتى يغلب على ظنه إزالة نجاسته ولو عشرين مرّة.

وقال مالك هو لا ينجس ما ولغ فيه لكن يغسل الإناء تعبداً(689).

والخنزير حكمه كالكلب، وذهب الشافعي إلى وجوب غسل ما تنجس به سبعاً، وقال أبو حنيفة: يغسل كسائر النجاسات(690).

قال ابن تيمية: أما الكلب فللعلماء فيه ثلاثة أقوال معروفة:أحدها: أنّه نجس كلّه حتى شعره كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتينعنه.والثاني: أنّه طاهر حتى ريقه كقول مالك والمشهور عنه.والثالث: أنّ ريقه نجس وأنّ شعره طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة والمشهور عنه ، وهو الرواية الاُخرى عن أحمد، والمشهور عنه وله ـ أي لأحمد ـ في الشعور الثابتة على محل نجس ثلاث روايات أحدها: أنّ جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير، وهو اختيار أبي بكر عبدالعزيز، والثانية: أن جميعها نجس كقول الشافعي، والثالثة: أنّ شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة كالشاة، والفأرة، طاهر؛ وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس كالكلب والخنزير وهي المنصورة عند أكثر أصحابه، والقول الراجح هو طهارة الشعور كلها، الكلب والخنزير وغيرهما، بخلاف الريق، وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطباً وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه، كما هو مذهب جمهور الفقهاء: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه(691).

أمّا الشيعة فيذهبون إلى أنّ الكلب نجس بالإجماع سواء، أكان شعره أم ريقه، ويوجبون غسل ما ولغ به من الأواني ثلاث مرات، أوّلهن بالتراب، وكذلك الخنزير نجاسته إجماعاً، ويجب غسل الإناء الذي شرب منه بالماء سبع مرات(692).

والشافعي يوافقهم في القول بالنجاسة مطلقاً، وكذلك أحمد في أحدى الروايتين، وكذلك أبو حنيفة إلاّ أنه يختلف في القول بطهارة شعره كما نقل عنه(693).

أمّا مالك فخالف في هذه المسألة جميع فقهاء الإسلام، وذهب إلى أنّ الكلب طاهر كلّه(694)، وسيأتي بقيّة الكلام حول رأيه في الكلب، وحرمة أكله وحلّيته.

الميتة

نجسة من كلّ ماله نفس سائلة، حلالاً كان أو حراماً، وكذا أجزاؤها المبانة منها، وإن كانت صغاراً، عدا مالا تحلّه الحياة فيها، كالصوف والشعر والوبر والعظم والقرن والمنقار، والمخالب والريش والسن، والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى.

وهذا الحكم مجمع عليه عند الشيعة، تبعاً لأئمة أهل البيت(عليهم السلام)، فلا يجوز استعمال جلد الميتة ولا يطهرها شيء، والروايات بذلك عنهم(عليهم السلام) كثيرة(695)، وهذا هو رأي عمر بن الخطاب وابنه عبدالله وعائشة، ومن أئمة المذاهب أحمد بن حنبل في أشهر الروايتين عنه، ومالك بن أنس؛ ونجاسة جلد الميتة وقع فيه الاختلاف والأقوال فيه سبعة(696).الأوّل: قول الشيعة وهو أن نجاسته عينية لا تطهر(697).الثاني: أنّ جميع جلود الميتة تطهر بالدباغ ظاهراً وباطناً إلاّ الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، وهو مذهب الشافعي(698).الثالث: يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم، ولا يطهر غيره، وهو مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهويه(699).الرابع: يطهر جلود جميع الميتات بالدباغ إلاّ الخنزير، وهو مذهب أبي حنيفة، وخالفه أبو يوسف فقال: إنّ جلد الخنزير يطهر بالدباغة ويجوز بيعه، والانتفاع به والصلاة فيه(700).الخامس: يطهر بالدباغ جميع جلود الميتة، من غير فرق بين مأكول اللحم وغيره إلاّ أنه يطهر ظاهره دون باطنه، فلا ينتفع به في المائعات، وهذا محكي عن مالك أيضاً.السادس: يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهراً وباطناً، قال النووي: وهو مذهب داود وأهل الظاهر. وحكي عن أبي يوسف كما تقدم(701).السابع: أنّه ينتفع بجلود الميتة وإن لم تدبغ. ويجوز استعمالها في المائعات واليابسات قال النووي: وهو مذهب الزهري(702).

أجزاءُ الميتة

اختلفوا في أجزاء الميتة ممّا تحلّه الحياة وما لا تحلّه، ومن حيث الطهارة والنجاسة.

ذهب الشافعية إلى نجاسة جميع أجزاء الميتة من لحم وعظم وشعر ووبر وغير ذلك، لأنّها تحلّها الحياة عندهم(703).

وخالفهم بقية المذاهب، ولكنهم اختلفوا في تحديد ما لا تحله الحياة.

قال الحنفية: إنّ لحم الميتة وجلدها ممّا تحله الحياة فهما نجسان، بخلاف نحو العظم والظفر والمنقار والمخلب، والحافر والقرن والظلف والشعر، إلاّ شعر الخنزير، فإنّها طاهرة لأنّها لا تحلها الحياة، واستدلوا بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في شاة ميمونة: إنما حرّم أكلها وفي رواية "لحمها"(704)

والمالكية قالوا: إنّ أجزاء الميتة التي تحلها الحياة هي اللحم والجلد والعظم والعصب ونحوها، بخلاف الشعر والصوف والوبر وزغب الريش، فإنها لا تحلها الحياة فليست بنجسة(705).

والحنابلة قالوا: إنّ جميع أجزاء الميتة تحلها الحياة، فهي نجسة إلاّ الصوف والشعر والوبر، فإنّها طاهرة، واستدلوا على طهارتها بعموم قوله تعالى: (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين) لأنّ ظاهرها يعمّ حالتي الحياة والموت، وقيس الريش على هذه الثلاثة(706).

الخارج من الميتة

واختلفت المذاهب في الخارج من الميتة من لبن وأنفحة وبيض رقيق القشرة أو غليظه، ونحو ذلك مما كان طاهراً في حال الحياة.

الحنفية: قالوا بطهارة ذلك، وهو قول أبي حنيفة، وخالفه أبو يوسف ومحمّد فذهبا إلى نجاسة اللبن والأنفحة وقالا: إنّ اللبن وإن كان طاهراً في ذاته لكنه صار نجساً لمجاورة النجس(707).

الشافعية قالوا: بنجاسة اللبن في الضرع، لأنّه ملاق للنجاسة فهو كاللبن في إناء نجس، وأمّا البيض في الدجاجة الميتة فإن لم يتصلب قشره فهو كاللبن نجس، وإن تصلّب قشره لم ينجس، كما لو وقعت بيضة في شيء نجس (708).

الـدم

قال الشيعة: إنّ الدم من كل نفس سائلة نجس. إنساناً كان أو غيره، كبيراً أو صغيراً، قليلا كان الدم أو كثيراً.

وأما دم ما لا نفس له كالسمك والبق والبرغوث، فطاهر، ويستثنى من الحيوان الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج المتعارف، سواء أكان في العروق أم اللحم أو في القلب أو الكبد (709).

ووافقهم الحنفية في ذلك، إلاّ ما يروى عن أبي يوسف بأنّه قال: بنجاسة دم السمك وبه أخذ الشافعي، اعتباراً بسائر الدماء. وعند أبي حنيفة، ومحمد أنه طاهر لإجماع الاُمة على إباحة تناوله مع دمه، وكذلك الدم الذي يبقى في العروق، واللحم بعد الذبح طاهر عندهما؛ لأنّه ليس بمسفوح.

وقال أبو يوسف: إنّه معفو عنه في الأكل دون الثياب؛ لتعذر الأحتراز منه في الأكل وإمكانه في الثوب (710).

واختلفت الروايات عن مالك بن أنس فمنها أنه قال: ما قل من الدم أو كثر يغسل. ومحصلها أنّ الدماء على ثلاثة أضرب: ضرب يسير جداً لا يجب غسله، ولا يمنع الصلاة، كقدر الأنملة والدرهم، وضرب ثالث كثير جداً يجب غسله، ويمنع الصلاة(711).

وعن الشافعي القول بنجاسة الدم مطلقاً، وفي دم السمك وجهان: الطهارة لأنّه ليس أكثر من الميتة، وميتة السمك طاهرة، والقول الثاني أنّه نجس كغيره(712).

وأما الدم الباقي على اللحم وعظامه من المذكاة فنجس. معفو عنه كما قال الحليمي. ومعلوم أن العفو لا ينافي النجاسة(713)، وكذلك الكبد، والطحال طاهران، لأنّهما ليسا بدم مسفوح.

والحنابلة يقولون: بنجاسة جميع الدم إلاّ الكبد والطحال ودم السمك، وأما دم البق والبراغيث والذباب ففيها روايتان؛ والدم المتخلف في اللحم معفو عنه، وإن علت حمرته القدر (714).

وعلى كلّ حال: فإنّهم اتفقوا على نجاسة دم الحيوان واختلفوا في دم السمك، فمن قائل بطهارته، لأنّه دم غير مسفوح، ولا ميتة داخلة تحت عموم التحريم، جعل دمه كذلك، فأخرجه عن النجاسة كما أخرج الميتة قياساً عليها.

ومنهم من قال بنجاسته على أصل الدماء، وهو قول مالك في المدونة(715).

وكذلك اختلفوا في العفو عن قليل الدماء، فمن قائل بالعفو عن القليل، ومن قائل بأنّ الدماء حكمها واحد، لورود تحريم الدم مطلقاً، ولم يفرق بين المسفوح وهو الكثير، وغير المسفوح وهو القليل، ولكل حجته ودليله، ممّا لا حاجة إلى التعرض لها.

الخمـر

وهو نجس بإجماع المسلمين، وإنّ الشيعة زادوا قيداً فقالوا: بنجاسة الخمر بل نجاسة كلّ مسكر مائع بالأصالة، وإن صار جامداً بالعرض فإنّه يبقى على النجاسة، أمّا الجامد؟ وإن غلى وصار مائعاً بالعارض، فهو طاهر وإن كان حراماً(716).

وبهذا قالت الشافعية؛ وأنّ البنج والأفيون والحشيشة وإن أسكرت فإنّها طاهرة عندهم.

قال شهاب الدين المعروف بالشافعي الصغير: وما وقع في بعض شروح الحاوي من نجاسة الحشيشة غلط، وقد صرّح في المجموع: بأن البنج والحشيش طاهران مسكران... (717).

هذا ما دعت الحاجة إلى عرضه من مسائل الأعيان النجسة باختصار دون استقصاء، أما المطهّرات فهي:

المطهرات

اتفق المسلمون على وجوب إزالة النجاسة عن الأبدان والثياب والمساجد، كما اتفقوا على أنّ الماء الطاهر يزيل النجاسة، واختلفوا فيما سوى ذلك، كما اختلفوا في كيفية التطهير. أمّا غير الماء من المائعات فاتفقت الشيعة (718)، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، بأنّها لا تزيل حدثاً ولا خبثاً(719).

وأمّا الحنفية فقال أبو حنيفة: إن المائعات الطاهرة تحصل بها الطهارة الحقيقية. وهي الطهارة من الخبث. ووافقه أبو يوسف، ولكنه فرّق بين الثوب والبدن، فقال: بأنّها تطهر الثوب دون البدن. وخالف في ذلك محمد بن الحسن وزفر.

وروي عن أبي يوسف: أنّه لو غسل الدم عن الثوب بدهن أو سمن أو زيت، حتى ذهب أثره جاز.

فعلى قول أبي حنيفه وهو القول الأصح عندهم أنّ إزلة النجاسة تحصل بكل مزيل من المائع الطاهر، كالخل، وماء الورد، والمستخرج من البقول.

كما عدّوا من المطهرات بغير الماء أن الثدي إذا تنجس بالقيء فطهارته رضاع الولد له ثلاث مرات، وفم شارب الخمر يطهر بترديد ريقه وبلعه، ولحس الاصبع ثلاثاً إذا تنجس (720).

والخلاصة أنّه لا خلاف في تطهير الماء المطلق للنجاسة، أما المائع فالخلاف فيه من الحنفية، وهم كما ترى في الخلاف حوله. أما بقيّة المطهرات فقد وقع الخلاف بين المذاهب كماً وكيفاً، فلنستعرض لذكر بعضها بموجز من البيان.

الشمـس

تطهّر الأرض وكلّ ما لا ينقل من الأبنية، وما اتصل بها من أخشاب وأعتاب وأبواب وأوتاد، وكذلك الأشجار والثمار والنبات، والخضروات وإن حان قطفها.

هذا هو المشهور عند الشيعة بشرط زوال عين النجاسة، وأن يكون المحل رطباً عند إشراق الشمس عليه، فإذا كانت الأرض النجسة جافة واُريد تطهيرها صبّ عليها الماء، فإذا يبس بالشمس عرفاً وإن شاركها غيرها في الجملة من ريح وغيره طهرت الأرض(721).

والحنفية يكتفون بتطهير الأرض بمطلق الجفاف، وذهاب أثر النجاسة عن الأرض بالشمس وغيرها (722).

ولكن عبارة القدوري تومي إلى اشتراط الجفاف بالشمس إذ يقول: وإذا أصابت الأرض نجاسة فجفّت بالشمس، وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها، ولا يجوز التيمم عليها (723).

وقال الفرغاني فيالهداية: وإن أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها، جازت الصلاة على مكانها.

واستدل بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): زكاة الأرض يبسها. وقال: وإنّما لا يجوز التيمّم بها، لأنّ طهارة الصعيد ثبتت شرطاً بنص الكتاب، فلا تتأدى بما ثبت بالحديث(724)

وبهذا يظهر أنّهم يتفقون مع الشيعة في الجملة بتطهير الشمس للأرض النجسة.

أما المالكية والشافعية، والحنابلة فإنّهم يخالفون في ذلك(725).

الأرض

تطهر باطن القدم وما توقي به كالنعل والخف ونحوهما، بالمسح بها، أو المشي عليها، بشرط زوال عين النجاسة بهما، هذا هو المشهور عند الشيعة، أو المجمع عليه(726).

ووافقهم الحنفية في الجملة، قال الفرغاني: إذا أصاب الخف نجاسة لها جرم كالروث، والعذرة، والدم، والمني فجفّت فدلكه في الأرض جاز، وهذا استحسان، وقال محمد رحمه الله لا يجوز وهو القياس إلاّ في المني... الخ(727).

وأمّا الشافعية فإنّهم يفصلون فيما إذا كانت النجاسة رطبة لم تطهرها الأرض وإن كانت يابسة فللشافعي قولان: ففي الاملاء والقديم أنّ الأرض تطهر أسفل الخف، مستدّلاً بما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر نعليه، فإن كان بهما خبث فليمسحه في الأرض. ثم ليصل فيهما(728)، ولأنّه تتكرر فيه النجاسة، فأجزأ فيه المسح كموضع الاستنجاء.

أمّا المالكية فقد اختلفت الروايات عن مالك فيالخف. فقال مرّةً إنّه يغسل. وجعله مثل الثوب المتنجس. ومرّةً قال: إنّه لا يغسل، لأنّه لا يمكن حفظ الخف من النجاسات، ويمكن حفظ الثوب، مع أنّ الخفّ يفسده الغسل (729).

أمّا الحنابلة فعن أحمد روايتان: أحدهما يجب غسل الخف، والثانية يجزي دلكه في الأرض (730).

الاستحالة

ذهب الشيعة إلى أنّ الاستحالة إلى جسم آخر هو مطهر، فيطهر الجسم النجس أو المتنجس إذا أحالته النار رماداً، أو دخاناً أو بخاراً (731)، إلى غير ذلك ممّا ذكر في كتب الفقه. والحنفية(732) يوافقونهم في كثير من موارد الاستحالة.

والشافعية قالوا: لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلاّ شيئان: أحدهما جلد الميتة إذا دبغ، والثاني الخمر إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك(733).

ووافقهم الحنابلة في استحالة الخمر خلاً، لأنّ عندهم لا يطهّر شيء من النجاسات بالاستحالة إلاّ الخمر إذا انقلبت بنفسها، فإن خللت قيل: تطهر وقيل لا تطهر (734).

والجميع يتفقون مع الشيعة في طهارة الخمر إذا انقلبت خلاً.

الدبغ

ومن المطهرات الدبغ، فإذا دبغت جلود الميتة بالدباغة الحقيقية كالعفص، وقشور الرمان، أو بالدباغة الحكمية كالتتريب والتشميس، والإلقاء في الهوا، فهي طاهرة عند الحنفية، وتجوز بها الصلاة إلاّ جلد الخنزير، وجلد الآدمي (735).

ووافقهم الشافعية في طهارة الدبغ في الجملة إلاّ أنّ لهم شرائط في ذلك، وتطهر الجلود كلّها بالدباغ عندهم إلاّ الكلب والخنزير(736).

واتفقت الشيعة(737)، والحنابلة(738)، والمالكية(739)، على عدم تطهير جلد الميتة بالدباغ، وكذلك الذكاة مطهرة للجلود وإن كانت غير مأكولة اللحم عند الحنفية.

أمّا عند مالك أنّ الذكاة تعمل إلاّ في الخنزير.

وعنده: إذا ذكي سبع أو كلب فجلده طاهر يجوز بيعه، والوضوء فيه وإن لم يدبغ، أمّا اللحم فعند أبي حنيفة أنّه محرّم وعند مالك أنّه مكروه (740).

الفرك والمسح

ذهبت الحنفية إلى نجاسة المني، ولكنّه يطهر الثوب منه بالفرك إن كان يابساً، ويغسل إن كان رطباً.

أما إذا كان على البدن فهل يكون حكمه حكم الثوب؟ المروي عن أبي حنيفة أنّه لا يطهر البدن من المني إلاّ بالغسل، وذكر الكرخي أنّه يطهر (741).

والحنفية لعلّهم ينفردون بهذا الحكم عن جميع المذاهب، فالشيعة يحكمون بنجاسة المني، ولا يطهر إلاّ بالماء ووافقهم المالكية.

وأما الشافعية فقالوا: بطهارة مني الآدمي، ووافقهم الظاهرية، والبصاق مثله فلا تجب إزالته (742).

أما الحنابلة فإنّهم يوافقون الشافعية في طهارة المني، وإن اختلفت الروايات فيه، قال الخرقي: والمني طاهر. وهي الرواية الصحيحة اختارها الوالد السعيد وشيخه، وبها قال الشافعي وداود، لما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: سئل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عن المني يصيب الثوب؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّما هو بمنزلة البزاق والمخاط، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو أذخرة.

ونقل الخرقي رواية اُخرى: إنّه كالدم. وقال أبو بكر في (التنبيه): إن كان رطباً غسل، وإن كان يابساً فرك، فمتى لم يفعل وصلى فيه أعاد الصلاة، وبه قال أبو حنيفة وقال مالك يغسل المني بكلّ حال (743).

فالحنابلة تختلف عندهم الروايات في المني،ولكن العمل عندهم على أنّه طاهر، وأمّا الفرك أو الغسل فهو اختيار أبي بكر عبد العزيز غلام الخلال، وقد أخذ بحديث عائشة إذ قالت: أمرني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بغسل المني من الثوب إذا كان رطباً، وبفركه إذا كان يابساً.

وهذا الحديث غريب لا أصل له كما نصّ عليه كثير من الحفاظ. وعلى كلّ حال: فإنّ الحنفية ينفردون بالتطهير بالفرك وهو عندهم من المطهرات.

وذهب الحنفية إلى أنّ النجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفي بمسحهما(744)، والمروي عن مالك أن السيف يطهر بالمسح (745).

وقد عدّ بعض الحنفية المطهّرات إلى نيف وثلاثين، وجعلوا منها طهارة القطن بالندف والحنطة المتنجسة بالقسمة، والتصرف والأكل وغير ذلك (746).

والخلاصة أنّ المذاهب تختلف في تعداد المطهّرات وكيفية التطهير، وعدد الأعيان النجسة، وقد تعرضنا لذكر البعض ولا يتّسع الوقت لبسط الكلام فيها، كما أنّنا لم نتعرض لبقية المطهرات عند الشيعة كالانتقال، والإسلام إذ هو مطهر للكافر؛ والتبعية كطهارة ولد الكافر لأبيه، واستبراء الحيوان الجلاّل، إذ الإطالة تدعو إلى اتساع الموضوع.

وسيأتي في لباس المصلي ما له صلة بالموضوع، من حيث العفو عن قليل النجاسة، دون كثيرها والتفصيل في ذلك.

وسنوضّح هناك آراء المذاهب في إزالة النجاسة عن بدن المصلي ومكانه وثوبه، هل هي واجبة أم مستحبة؟. أمّا ما يتعلق بهذا الباب، وما يلحق به من الكلام حول المياه، وأقسامها، والآسار وأحكامها، وغير ذلك فقد تركناهاختصاراً.

ولننتقل الآن إلى البحث عن الصلاة، وواجباتها، وشروطها، وأحكامها وما يتعلق بالموضوع من اتفاق، وافتراق بين المذاهب، وسنبذل قدر الاستطاعة جهدنا، في بيان أهم المسائل ومن الله نستمد التوفيق.

الصــلاة

(فَأَقِيمُواْ الصَّلَوةَ إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَـبًا مَّوْقُوتًا) النساء 103

(قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّبَيْعٌ فِيهِ وَلاَخِلالٌ) إبراهيم: 31

(اُتْلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَـابِ وَأَقِمِ الصَّلَوةَ إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)العنكبوت:45

تمهيد

الصلاة لغة: هي الدعاء والصلاة من الله تعالى الرحمة، وشرعاً: الأعمال المخصوصة بأداء المكتوبة أو الفرض.

الصلاة أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها.

وقد ورد فى الحثّ عليها والاهتمام بها، وتهويل العقوبة على تركها من الشارع المقدّس أخبار سارت مسار الأمثال، واشتهرت في الاُمة شهرة عظيمة كقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت رد ما سواها(747)

وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): ليس مني من استخفّ بصلاته (748)

وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته(749)

وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): لا تضيعوا صلاتكم فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان، وكان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين(750)

وكان(صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً فيالمسجد إذ دخل رجل فقام فصلى فلم يتم ركوعه وسجوده فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): نقر كنقر الغراب!؟ لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني(751)إلى كثير من وصاياه(صلى الله عليه وآله وسلم) وهي أكثر من أن تُحصى.

ولما دنت الوفاة من الإمام الصادق(عليه السلام) قال: أجمعوا كل من بيني وبينه قرابة، فلما اجتمعوا نظر إليهم وقال: إياكم وظلم من لايجد عليكم ناصراً إلاّ الله، وإن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة(752)

ولا يمكن حصر ما ورد من الحثّ عليها ووجوب المحافظة على إقامتها من الشارع المقدس في الكتاب العزيز وسنة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم يكن ذلك الاهتمام منه وشدّة تأكيده لإقامة هذا الفرض وأداء هذا الواجب لغرض يعود إليه أو غاية تؤول بالمنفعة عليه، وإنّما هو لما يعلم فيه من ضمان الصالح العام، وحفظ نظام الجامعة البشرية إذ وصفها تعالى: بأنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذ هي صلة بين العبد وبين ربه، ومناجاة المخلوق لخالقه، اعترافاً له بالعبودية، وإقراراً له بالوحدانية، وتقرباً إليه تعالى، وطلباً لمرضاته، وخوفاً من سخطه وعقوبته، وكلّ ذلك يمنع الإنسان قوة الإرادة، ورسوخ ملكة ضبط النفس عن الرذائل، وترويضها على الفضائل، وناهيك بما وراء ذلك من النفع العام، وما يؤول إليه من الصلاح بما ينفع المجتمع في النظام، وعدم الجرأة على ارتكاب ما حرّمه تعالى؛ وكم بها من فوائد وفوائد، فهي سعادة في الدنيا بحصول الكرامة، لأنّها تؤدي إلى التقوى، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(753) وسعادة في الاُخرى، لأنها تؤدي إلى دخول الجنة ونعم أجر المتقين.

ولا خلاف بين جميع المسلمين في وجوب الصلاة، وإنّ جحودها مخرج عن الإسلام.

اختلفوا في حكم تارك الصلاة لا عن إنكار وجحود، بل تهاوناً وكسلاً، فذهب مالك والشافعي، إلى أنّه لا يكفر بل يفسق، فان تاب وإلاّ قتلناه بالسيف حداً، كالزاني المحصن(754).

وذهب جماعة من السلف إلى أنّه يكفر، وهو إحدى الروايتين عنأحمد بن حنبل، وبه قال عبدالله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه(755).

وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة، والمزني صاحب الشافعي: إلى أنّه لا يكفر، ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي. ولكلّ منهم دليل لما يذهب إليه في احتجاجه، ولا مجال لذكر ما احتج كلّ طرف لما ذهب إليه؛ وتجد ذلك مفصلا في محله من كتب الفقه(756).

والشيعة يحكمون بكفر كلّ من أنكر ضرورية من ضروريات الدين، أمّا المتهاون والمتكاسل فقيل يؤدب بما يراه الحاكم الشرعي، فان ارتدع. وإلاّ أدّبه ثانية فإن تاب، وإلاّ أدّبه ثالثاً، وإن استمر قتل في الرابعة (757).

وقال المحقق الحلي: من ترك الصلاة مستحلا قتل إن كان ولد مسلماً، وأستتيب إن كان أسلم عن كفر، فإن امتنع قتل، فإن ادعى الشبهة المحتملة درئ عند الحد.

وإن لم يكن مستحلا عزر، فان عاد ثانية عزر وإن عاد ثالثة قتل، وقيل: بل يقتل في الرابعة(758).

وعلى كل حال: فلا خلاف بين المسلمين في وجوب الصلاة على كلّ مكلف، جامع لشرائط التكليف.

كما لا خلاف بينهم في أنّ الصلاة تنقسم إلى واجبة ومندوبة، والصلاة الواجبة أهمّها الفرائض الخمس اليومية، وأنّها أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، ولنقتصر هنا على ذكر بعض ما يتعلق بها من شروط ومقدمات، وجملة من أحكامها، مقتصرين على أهمّ المسائل المتعلقة بها، وما وقع فيها من اتفاق وافتراق بين المذهب الشيعي والمذاهب الاُخرى، أو بينها أنفسها، ونحن نحاول الاختصار في الموضوع قدر الاستطاعة إلاّ بما تدعو الحاجة إليه في الإطالة للموضوع، ومن الله نطلب التوفيق، وهو المسدد للصواب.

الصلاة اليومية

لا خلاف بين المسلمين بانّ الصلاة اليومية خمس، وعدد ركعاتها سبع عشرة ركعة: الصبح ركعتان، والظهر أربع، والعصر مثلها، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، وفي السفر والخوف تقصر الرباعية، فتكون ركعتين.

هذا ما عليه إجماع المسلمين في عدد الركعات الواجبة، والفرائض الموقتة إلاّ ما يُنقل عن أبي حنيفة، بأنّه يذهب إلى وجوب صلاة الوتر، وهي عنده ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، ووقتها بعد العشاء مرتبة عليها، فلا يجوز إتيانها قبل العشاء وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر، ويجب فيها القنوت، ولا تتعين فيها قراءة، وبهذا تصبح الصلاة اليومية الواجبة عند أبيحنيفة ست صلوات(759).

وقد اختلفت الروايات عنه في ذلك، فروى يوسف بن خالد عن أبي حنيفة أنّه قال: صلاة الوتر واجبة، وروى حماد بن زيد عنه بأنّه قال: إنّ الوتر فرض. وفرّق بين الواجب والفرض عندهم (760).

وروى نوح بن أبي مريم: أن أبا حنيفة قال: بأنّ الوتر سنّة؛ وبهذا أخذ أبو يوسف، وقال: إنّ الوتر سنة مؤكدة آكد من سائر السنن الموقتة.

وأمّا سقوط الركعتين في السفر فعليه إجماع المسلمين، إلاّ أن الخلاف واقع في كيفية سقوطهما، هل هو على سبيل الوجوب كما تقول به الشيعة (761)، ووافقهم أبو حنيفة وجميع الكوفيين(762)، أم أنّه غير واجب، بل هو على سبيل الرخصة لا العزيمة كما سنذكره؟.

الوقت

لا خلاف بين المسلمين بأنّ الصلاة موقتة بأوقات لا يجوز للمكلف تقديمها عليها، أو تأخيرها عنها، وإنّما الخلاف بينهم في تحديد أوقات الصلاة بعد دخولها واختصاص كلّ فريضة بوقتها، واشتراكها مع اللاحقة فيه، وبيان الوقت المختار وغيره.

وقد أجمعوا على أنّ أول وقت الظهر إذا زالت الشمس، وأنّها تجب بالزوال وجوباً موسعاً إلى أن يدخل وقت العصر، فيتعين الوقت لها.

أمّا أبو حنيفة فإنه قال: بأن وجوب صلاة الظهر متعلق بآخر وقتها، وأن الصلاة في أوله نفل(763).

وكذلك اتفقوا على أنّ وقت المغرب من غروب الشمس، ويدخل وقت العشاء بعد مضي وقت المغرب، على اختلاف في تعيين وقت العصر والعشاء من حيث الاختيار والاضطرار.

فالشيعة يقولون: وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب، ويختصّ الظهر من أوّله بمقدار أدائها. كما يختصّ العصر من آخره كذلك.

ووقت العشائين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، ويختصّ المغرب من أوله بمقدار أدائها، كما يختصّ العشاء بآخره كذلك، وما بين الزوال والغروب، وبين الغروب ونصف الليل، وقت مشترك.

ووقت صلاة الصبح: من طلوع الفجر الصادق، إلى طلوع الشمس.

والمراد من اختصاص الظهر والمغرب بأول الوقت، أنّه لو صلى العصر أو العشاء عمداً أو سهواً، بأوّل الوقت فلا تصحّ صلاته، كما أنّه إذا صلى الظهر ولم يبق من الوقت إلاّ مقدار أربع ركعات، فلا تصحّ صلاته، بل يصلّي العصر، ويقضي الظهر. كما أنّه يجب الترتيب بأن يقدّم الظهر على العصر، والمغرب على العشاء (764).

وبقية المذاهب يتفقون مع الشيعة في كثير من أحكام الوقت، ويختلفون في بعضها، كاتفاقهم واختلافهم بعضهم بعضاً.

فالحنفية يرون أن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها إذا صار ظل كلّ شيء مثليه سوى في الزوال.

وخالف أبو يوسف ومحمد فقالا: إذا صار الظل مثله، وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين، وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس، وآخر وقتها ما لم يغب الشفق، واختلف أبو حنيفة وصاحباه في الشفق، فقال أبوحنيفة: إن الشفق هو البياض الذي في الاُفق بعد الحمرة، وقال صاحباه هو الحمرة، وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق، وآخر وقتها ما لم يطلع الفجر(765).

والمالكية والحنابلة يجعلون لكلّ صلاة وقتين: وقت اختيار ووقت اضطرار، على خلاف فيتحقيق الوقت في زيادة الظلّ عند المالكية (766).

وعند الشافعية أول وقت العصر إذا صار ظل كلّ شيء مثله، وزاد أدنى زيادة، وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه، ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز والأداء إلى غروب الشمس، وقال أبو سعيد الأصطخري: إذا صار ظل كلّ شيء مثليه، فاتت الصلاة، ويكون ما بعده وقت القضاء. وأول وقت المغرب من غروب الشمس بمقدار أدائها. وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وهو الحمرة، وقال المزني: الشفق البياض (767)، كما أنّه يجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت.

القبلة

استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة الواجبة، بإجماع المسلمين، لقوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(768).

والقبلة هي الكعبة ـ زادها الله شرفاً ـ ومن كان قريباً منها، فعين الكعبة قبلته بإجماع المسلمين، أما البعيد عنها فقيل إنّ المسجد الحرام قبلة من في الحرم، والحرم من بعد عن المسجد.

والمشهور عند الشيعة أنّ البعيد عن الكعبة فقبلته جهتها لاعينها، لأنّ ذلك متعذر، ووافقهم الحنفية، والمالكية، والحنابلة (769).

قال في ملتقى الأبحر: وقبلة من بمكة عين الكعبة ومن بعد جهتها، فإن جهلها ولم يجد من يسأله عنها تحرّى وصلّى، فإن علم بخطئه بعدها لا يعيد(770).

وقال فيالجوهرة الزكية: واستقبال القبلة وهي الكعبة البيت الحرام، فيجب استقبال عينها على من بمكة، وجهتها على من كان خارجاً عنها (771).

وفي عمدة الفقه: أنّ المصلي إن كان قريباً من الكعبة لزمته الصلاة إلى عينها، وإن كان بعيداً فإلى جهتها، وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدل بمحاريب المسلمين، وإن أخطأ فعليه الإعادة، وإن خفيت في السفر اجتهد وصلّى، ولا إعادة عليه (772).

أمّا الشافعي فاشترط التوجه إلى عين الكعبة، وأنّ ذلك فرض كما جاء في كتاب الاُم(773).

وقال المزني: إنّ الفرض هو الجهة، لأنّه لو كان الفرض هو العين لما صحّت صلاة الصف الطويل، لأنّ فيهم من يخرج عن العين (774).

وقال الدمياطي: يجب استقبال عين القبلة، فلا يكفي جهتها خلافاً لأبي حنيفة، إلاّ في حقّ العاجز (775).

وكيف كان فإنّ المذاهب أكثرها تتفق في استقبال القبلة، ولا خلاف إلاّ من الشافعي، إذ اشترط استقبال العين دون الجهة، وخالفه صاحبه المزني في ذلك.

وأجمع العلماء على أنّ من ترك الاستقبال أعاد في الوقت وخارجه، وقال أبو حنيفة: بأن من ترك الاستقبال متعمداً فوافق ذلك الكعبة، فهو كافر بالله تعالى(776).

ستر العورة

ستر العورة عن العيون واجب بالإجماع، وهو شرط في صحة الصلاة إلاّ عند مالك فإنّه قال: إنّه واجب وليس بشرط في صحة الصلاة.

واختلفوا في تحديد العورة من الرجل والمرأة فحدّ العورة من الرجل عند أبي حنيفة ما بين السرّة والركبة (777).

وعند الشافعي كذلك، إلاّ أن الركبة والسرة ليستا من العورة، ومن أصحابه من ذهب إلى أنّهما من العورة (778).

وعن مالك وأحمد روايتان: إحداهما ما بين السرة والركبة، والاُخرى أنّهما القبل والدبر.

وأمّا عورة المرأة الحرّة، فقال أبو حنيفة: كلّها عورة إلاّ الوجه، والكفين، والقدمين(779).

وقال مالك والشافعي: إنّها كلّها عورة إلاّ وجهها وكفيها(780).

وعند الحنابلة: أنّ الحرّة جميعها عورة إلاّ الوجه وفي الكفين روايتان عن أحمد. وأمّا الأمة فعورتها كعورة الرجل، وعن أحمد رواية أنّها الفرجان فقط(781).

وقال مالك والشافعي: إنّ عورة الأمة كعورة الرجل. وقال بعض أصحاب الشافعي: إنّ الأمة كلّها عورة، إلاّ مواضع التقليب، وهي التي تقلّب فينظر باطنها وظاهرها عند الشراء، والأصح عندهم أنّها ما بين السرة والركبة كعورة الرجل(782).

أمّا عند الشيعة: فعورة الرجل التي يجب سترها في الصلاة هي عورته في حرمة النظر (783).

أمّا المرأة فكلّها عورة حتى الرأس والشعر فيجب ستره في الصلاة، ما عدا الوجه بالمقدار الذي يغسل في الوضوء، وعدا الكفين إلى الزندين، والقدمين إلى الساقين، ولا بد من ستر شيء ممّا هو خارج عن الحدود من غير فرق بين الحرّة والأمة، نعم لا يجب على الأمة ستر الرأس وشعره والعنق.

وستر العورة مع الاختيار واجب في الصلاة وتوابعها من الركعات الاحتياطية والأجزاء المنسية، حتى مع الأمن من الناظر.

أمّا لباس المصلي مطلقاً فيشترط فيه اُمور، على خلاف بين المذاهب في ذلك، وشروطه هي:

الطهارة

اتفقت المذاهب الإسلامية على اشتراط الطهارة في لباس المصلي، فلا تصح الصلاة في النجس أو المتنجس إلاّ ما عفي عنه.

وقد اختلفت أقوال العلماء في قليل النجاسات على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: إنّ قليلها وكثيرها سواء، وبهذا قال الشافعي. وقد فصل الشافعية القول في ذلك، إذ النجاسة لابدّ أن تكون من الدماء أو غيرها، فإن كانت من الدماء فلا يعفى عن قليله وكثيره إلاّ أن يكون دم برغوث وغيره ممّا يشق الاحتراز منه، وأمّا غير الدم: فإن كانت النجاسة بقدر يدركه الطرف لم يعف عنه، وإن كان لا يدركه الطرف ففيه تفصيل في العفو عنه وعدمه (784).

والقول الثاني: إنّ قليل النجاسات معفوّ عنه، وحدوده بقدر الدرهم البغلي، وبهذا قال أبو حنيفة، وعنده إذا كانت النجاسة بقدر الدرهم، وكانت متراكمة بذلك المقدار بحيث لو بسطت لعمّت جميع الثوب، فإنّه لا يجب غسلها(785). وقال صاحبه محمد بن الحسن: إذا كانت النجاسة ربع الثوب فما دونه جازت به الصلاة.

والقول الثالث: إنّ قليل النجاسة وكثيرها سواء إلاّ الدم، ومذهب الشيعة أنّ ما كان منه أقل من الدرهم البغلي معفو عنه، بشرط أن لا يكون دم نجس العين، أو دم حيض أو استحاضة أو نفاس، كما عفي عندهم عن دم الجروح والقروح مع السيلان، ومع ضيق الوقت، وحصول المشقة بالإزالة أو التبديل، ولا فرق بين أن يكون ذلك في الثوب أو البدن، ووافقهم بعض الشافعية في ذلك(786).

كما عفي عن ثوب المربية للصبي، إذا لم يكن عندها غيره، بشرط غسله في اليوم والليلة، ولا يتعدى العفو عن نجاسة البول إلى غيره، كما أنّه مختصّ بالثوب دون البدن، وكذلك عفي عمّا لا تتم به الصلاة على تفصيل في محله.

وأمّا المالكية فمذهب مالك أنّ النجاسات قليلها وكثيرها سواء، إلاّ الدم فإن قليله مخالف لكثيره، والدماء عنده كلّها سواء، دم الحوت وغيره، إلاّ دم الحيضة فاختلفت أقواله: فمرة أنه كسائر الدماء يعفى عن قليله، واُخرى أنّ قليله وكثيره سواء تجب إزالته.

وأما مقدار الدم اليسير المعفو عنه عند مالك فقيل: إنّه إذا كان قدر الدرهم فلا تعاد منه الصلاة، وقيل: إنّه يعفى عنه إذا كان بقدر الخنصر (787).

وروى أبو طاهر عن ابن وهب: أنّ من صلّى بدم حيضة، أو دم ميتة، أو بول أو رجيع، أو احتلام، فإنّه يعيد أبداً(788).

وقد وقع الخلاف عند المالكية في وجوب إزالة النجاسة، هل هي واجبة وجوب الفرائض، ويكون من صلى بها عامداً ذاكراً أعاد؛ أم أنّها من السنن، فيكون من صلّى بها عامداً أثم ولا إعادة عليه.

وعند الحنابلة أنّ الطهارة من النجاسة في بدن المصلي وثوبه وموضع صلاته شرط، إلاّ المعفو عنها كيسير الدم ونحوه، وإن صلى وعليه نجاسة لم يكن يعلم بها، أو علم بها ثم نسيها فصلاته صحيحة، وإن علم بها في الصلاة أزالها وبنى على صلاته(789).

الإباحة

أن يكون مباحاً، فلو صلّى في الثوب المغصوب بطلت صلاته عند الشيعة من غير فرق بين الساتر وغيره، وما لا تتم به الصلاة وغيره بشرط العلم بالغصبية، كما لا فرق في الغصب بين أن يكون عين المال مغصوباً أو منفعته أو تعلّق فيه حقّ الغير.

أمّا الحنفية فتصحّ عندهم الصلاة في الثوب المغصوب على كراهية (790).

وعند الشافعية أنّ المصلي لو أخذ الثوب قهراً من مالكه، وإن كان لا يجوز، وصلى به صحّت صلاته مع الحرمة(791).

والحنابلة يتفقون مع الشيعة في بطلان الصلاة بالثوب المغصوب، فإذا صلّى فيه عالماً ذاكراً تجب عليه الإعادة (792).

والحنابلة يتفقون مع الشيعة في بطلان الصلاة بالثوب المغصوب، فإذا صلى فيه عالماً ذاكراً تجب عليه الإعادة (793) وبطلان الصلاة في الثوب المغصوب هي الرواية الصحيحة عن أحمد، واختارها الخلال وقال: إنها صحيحة (794).

وقال ابن قدامة: ومن صلّى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصحّ صلاته(795) إلاّ أن أحمد أجاز صلاة الجمعة في مواضع الغصب، لأنّها تختصّ بموضع معين، فالمنع من الصلاة فيه إذا كان غصباً يفضي إلى تعطيلها، ولهذا أجاز صلاة الجمعة خلف الخوارج وأهل البدع والفجور(796).

الحرير

لا خلاف بين المسلمين في حرمة لبس الحرير للرجال دون النساء، أمّا الصلاة فقد اختلفوا في صحتها.

فذهب الشيعة الى الحرمة مطلقاً في الصلاة وغيرها، فلو صلّى الرجل فيه لا تصح صلاته. نعم يباح لهم لبسه في الحرب أو للضرورة، كالبرد والمرض حتّى في الصلاة(797).

ووافقهم الحنابلة في إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، ونقل صاحب البحر عنه أنّه قال: من لم يجد غير الحرير يصلي عارياً.

وقد نصّ صاحب الروض الندي على لزوم إعادة الصلاة في الحرير، أو الذهب، والفضة على الرجال (798).

وأمّا الحنفية والشافعية: فإنّهم لا يرون بطلان الصلاة فيه، ولكن يكره ذلك، لأن التحريم عندهم لا يختص بالصلاة، ولا النهي يعود إليها، فلم يمنع الصحة، كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب، وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة(799).

أما مالك فإن الصلاة لا تجزي عنده بالحرير، وتلزم الإعادة في الوقت كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (800).

وعلى كلّ حال: فإنّ الأخبار صريحة بحرمة لبس الحرير على الرجال.

روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: أحل الذهب والحرير للإناث من اُمتي، وحرّم على ذكورها. رواه أحمد والنسائي والترمذي، وصحّحه وأخرجه أبو داود والحاكم(801).

وذكر ابن حازم الهمداني أخبار جواز لبس الحرير، ثم ذكر الأخبار الناسخة لها، ومنها قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّه ليس من لباس المتقين (802)

وجاء عن أهل البيت صلوات الله عليهم النهي عن الصلاة في الحرير حتى القلنسوة (803).

أما لبسه للمرض فاختلفت فيه أقوال العلماء: فعن الشافعية أنّه يجوز إذا كان في السفر، لحديث أنس: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) رخّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت فيهما، رواه الجماعة، أو للقمل كما عند الترمذي، وأنّ ذلك في غزاة لهما (804).

ومنع مالك بن أنس ذلك مطلقاً، وعن أحمد روايتان الجواز للمرض(805).

الذهب

لا تصح الصلاة في الذهب عند الشيعة لباساً أو لبساً، كالخاتم حلة أو حلية خالصاً أو ممزوجاً، تمت الصلاة به أو لا تتم كالزر ونحوه، فجميع ذلك مبطل لصلاة الرجال دون النساء، وأما لبسه في غير الصلاة حرام يؤثمون عليه (806).

قال الإمام الصادق(عليه السلام): جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه (807)

أما بقية المذاهب فلا خلاف عندهم في حرمة لبسه، وإنّما الخلاف في الصلاة فيه، قال ابن قدامة: ولا نعلم في تحريم ذلك على الرجال اختلافاً إلاّ لعارض أو عذر. قال ابن عبد البر: هذا إجماع، فإن صلّى فيه فالحكم فيه كالصلاة في الثوب الغصب(808).

الميتة

ويشترط في لباس المصلي أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة، كما مرّ بيان ذلك والخلاف فيه، والشيعة يحكمون ببطلان الصلاة في شيء منها، وكذلك الكلام فيما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين ذي النفس وغيره وبين ما تحله الحياة من أجزائه وغيره(809).

المكان

يشترط في مكان المصلي أن يكون مباحاً، فلا تجوز الصلاة في المكان المغصوب، عيناً أو منفعة، للغاصب ولا لغيره، ممّن علم بالغصب، وإن صلّى عامداً عالماً والحال هذه كانت صلاته باطلة (810).

هذا ما عليه إجماع الشيعة. ووقع الخلاف بين المذاهب في هذه المسألة: فمنهم من قال بالبطلان، ومنهم من قال بالصحة. مع الكراهة وعدمها.

وقال في البحر الزخار: الشرط السادس إباحة المكان فيحرم المنزل الغصب إجماعاً، ولا تجزي الغاصب وغيره، إذ المعصية نفس الطاعة، ولا قتضاء النهي الفساد، وعند الفريقين ـ الحنفية والشافعية ـ تجزي من حيث كونها صلاة، ويعاقب للغصب. ثم أجاب عن أدلتهم على الجواز بما لا حاجة إلى ذكره(811).

وقد صرّح الحنفية بالكراهة في الصلاة في أرض الغير بلا رضا، ولو ابتلي بين الصلاة في أرض الغير أو في الطريق، فإن كانت مزروعة أو لكافر فالطريق أولى وإلاّ فهي(812).

وفي خزانة الفتاوى: الصلاة في أرض مغصوبة جائزة، ولكن يعاقب لظلمه، فإن كان بينه وبين الله تعالى يثاب، وما كان بينه وبين العبد يعاقب(813).

وقد خالف بشر بن غياث المريسي أحد أئمة الحنفية، وذهب إلى عدم جواز الصلاة في الأرض المغصوبة، أو في ثوب مغصوب، لأنّ الصلاة عبادة، لا تتأدى بما هو منهي عنه (814).

والشافعية يوافقون الحنفية في صحة الصلاة في الأرض المغصوبة، وإن كان اللبث فيها يحرم في غير الصلاة (815).

وقال الرملي المعروف بالشافعي الصغير: الصلاة في الدار المغصوبة مظنة أن يثاب فاعلها وأن لايثاب، إذ يحتمل أن يعاقب على الغصب بحرمان ثواب العبادة، وأن يعاقب بغير الحرمان، فمن أطلق أنه لا يثاب قصد بالاطلاق الورع عن إيقاع الصلاة في المغصوبة، مريداً أنه قد لا يثاب، ومن قال: يثاب أراد أنه لا مقتضى لحرمان الثواب كله بكونه عقوبة الغصب (816).

وأنت خبير بما في هذا القول من مخالفات للواقع، إذ الصلاة تقرب لله تعالى، وطلب لمرضاته، فكيف يتقرب إليه بما لا يحب، وتطلب مرضاته فيما يغضب على فعله، وهو الغصب، والتصرف في أموال الناس. من دون طيب نفس، ولا يطاع الله من حيث يعصى، والنهي في العبادة يقتضي الفساد؟!.

وعند الحنابلة أن الصلاة في الدار المغصوبة لا تصحّ، لأنّ الصلاة قربة وطاعة، وهي منهي عنها على هذا الوجه، فكيف يتقرب بما هو عاص به، أو يؤمر بما هو منهي عنه؟.

وعند أحمد روايتان في ذلك: الصحة وعدمها(817) كما أنه حكم ببطلان الصلاة في مواضع ورد النهي عن الصلاة فيها، كالمجزرة، والحمام والمزبلة، وقارعة الطريق، ومعاطن الإبل، في رواية عنه، وفي رواية اُخرى أنّه حكم بالكراهة كما تقول به سائر المذاهب الذين حملوا أخبار النهي على الكراهة.

مسجد الجبهة

أجمع المسلمون على اشتراط الطهارة لموضع الجبهة في السجود، إلاّ ما يروى عن أبي حنيفة في إحدى الروايتين عنه: أنّه ذهب إلى عدم اشتراط ذلك، وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد، وقولهما الأصح في ذلك عند الحنفية(818).

وقد وقع الخلاف فيما يصح السجود عليه، وفي أعضاء السجود هل هي سبعة أم ثمانية، يجعل الأنف واحداً منها؟ وهل السجود على الأنف واجب أم مستحب؟ وعلى القول بالوجوب فهل يجزي السجود عليه دون الجبهة، كما ذهب إليه أبو حنيفة وبعض أصحاب مالك أم لا يجزي؟ (819).

إلى كثير من مسائل الخلاف في هذا الموضوع، كالسجود على كور العمامة كما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه.

وذهب الشيعة إلى عدم الجواز، ووافقهم الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، لأنّه لم يثبت عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه سجد على كور عمامته، وكان ينهى عن ذلك، نعم روى عبدالله بن محرر عن أبي هريرة: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) سجد على كور عمامته. وهذا غير صحيح، لأنّ عبدالله متروك الحديث، كما قال ابن حجر وأبو حاتم، والدار قطني، وقال البخاري: إنّه منكر الحديث. وهوأحد قضاة الدولة، ولم يذكر علماء الرجال سماعه من أبي هريرة(820).

وقال الحافظ بن حجر: لم يذكر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه سجد على كور عمامته، ولم يثبت ذلك عنه في حديث صحيح ولا حسن (821).

وعلى كل حال: فالخلاف في مسألة السجود في عدة مواضع أهمّها فيما يصح السجود عليه.

والشيعة يشترطون في مسجد الجبهة ـ مضافاً إلى طهارته وإباحته ـ أن يكون على الأرض أو ما أنبتته، من غير المأكول والملبوس، ولا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن، كالذهب، والفضة، ولا على الملبوس من القطن والكتان وغيرهما، مما يكون منه اللبس، والسجود على الأرض أفضل، لأنّه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّوجلّ(822).

الأذان والإقامة

اختلف العلماء في الأذان والإقامة، هل هما من الواجبات أم من السنن؟ والمشهور عند الشيعة أنّهما من السنن لا الواجبات، بل مستحبان استحباباً مؤكداً، ومنهم من ذهب إلى الوجوب(823).

ووافقهم بالقول بالأستحباب مالك وأبو حنيفة، والشافعي، فقالوا:

بأنهما مستحبان لكلّ صلاة، في الحضر والسفر، للجماعة والمنفرد، لا يجبان بحال(824).

وعن أحمد بن حنبل: أنّهما فرض كفاية، واختار أكثر أصحابه أنّهما من السُنن(825).

وقال بعض أصحاب الشافعي، وأصحاب مالك: بأنّهما فرض كفاية.

وعن مالك: إنّما يجبان في مسجد الجماعة(826).

وعن محمد بن الحسن الشيباني القول بالوجوب، وقيل: إنّ المراد من قول أبي حنيفة أنّهما من السنن المؤكدة، أراد بذلك الوجوب. ولكن المشهور عند الحنفية أنّهما من السنن لا الواجبات(827).

ولا فرق عندهم بين الأذان والإقامة من حيث تكرار الألفاظ، وعند المالكية، والحنابلة، والشافعي: أنّ الإقامة بالإفراد إلاّ لفظ قد قامت الصلاة، فقال أحمد، والشافعي: إنّها مرتان (828).

ألفاظ الأذان

لا خلاف بين المسلمين بأنّ للأذان وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة، ألفاظاً مخصوصة، ولكنّ الخلاف في لفظتين وهما: حيّ على خير العمل، بعد قول حيّ على الفلاح، كما يذهب إليه الشيعة.

والثانية قول: الصلاة خير من النوم بعد قول: حي على الفلاح.

وصورة الأذان عند الشيعة بالإجماع: الله أكبر أربع مرات، أشهد أن لا إله إلاّ الله مرتان، وأشهد أن محمداً رسول اللّه مرتان، حيّ على الصلاة مرتان، حي على الفلاح مرتان، ثم حي على خير العمل مرتان، ثم الله أكبر مرتان، ثم لا إله إلاّ الله مرتان.

والإقامة كذلك إلاّ أن فصولها مرتان، وقول لا إله إلاّ الله في آخرها مرّة واحدة، ويزاد فيها بعد حي على خير العمل وقبل التكبيرات: قد قامت الصلاةمرتان(829).

ولا خلاف عند جميع المذاهب في ذلك إلاّ في أمرين.

1 ـ تكرار الألفاظ في الأذان والإقامة، فمنهم من يوافق الشيعة في ذلك، ومنهم من يقول بأنّ الأذان مرتان، والإقامة مثلها، ومنهم من يقول إنّ الأذان مرتان والإقامة مرّة، وعند المالكية أنّ التكبير الأول في الأذان مرتان.

2 ـ كلمة حيّ على خير العمل كما تذهب الشيعة إلى وجوبها وكلمة الصلاة خير من النوم كما تذهب إليه بقيّة المذاهب، ولا بدّ لنا من الإشارة هنا حول ذلك. أمّا كلمة حي على خير العمل، فإنّ الثابت من طريق أهل البيت(عليهم السلام) أنّها جزء من الأذان والإقامة، وقد قال الإمام زين العابدين(عليه السلام) أنّه هو الأذان الأوّل ـ أي على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كما أخرجه البيهقي في سننه الكبرى(830).

وقال الإمام الباقر(عليه السلام): وكانت هذه الكلمة "حيّ على خير العمل" في الأذان، فأمر عمر بن الخطاب أن يكفوا عنها مخافة أن تثبط الناس عن الجهاد، ويتّكلوا على الصلاة(831).

وحكى سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح العضد: عن عمر أنّه كان يقول: ثلاث كنّ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أحرّمهن وأنهى عنهن: متعة الحج، ومتعة النكاح، وحيّ على خير العمل(832).

وروى البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنّه كان يؤذن بحيّ على خير العمل.

وقال ابن حزم: وقد صح عن ابن عمر وأبي اُمامة أنه كانوا يقولون حيّ على خير العمل (833).

وروى المحبّ الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم: أنّه أذّن في حيّ على خير العمل (834).

وقال الشوكاني: نقلا عن كتاب الأحكام: وقد صحّ لنا أنّ حيّ على خير العمل كانت على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يؤذن بها، ولم تطرح إلاّ في زمان عمر. وهكذا قال الحسن بن يحيى(835).

وروى محمد بن منصور في كتابه الجامع عن أبي محذور أحد مؤذني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال:أمرني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن أقول في الأذان: حيّ على خير العمل(836).

وفي الشفاء عن هذيل بن بلال المدائني قال: سمعت ابن أبي محذور يقول: حيّ على خير العمل (837).

وفيه أيضاً عن الإمام علي(عليه السلام) أنّه قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ خير أعمالكم الصلاة وأمر بلالاً أن يؤذن: حيّ على خير العمل(838).

وقال برهان الدين الشافعي في سيرته: ونقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين أنّهما كانا يقولان: حيّ على خير العمل. بعد حيّ على الفلاح (839).

والخلاصة أنّ الشيعة قد أجمعوا على لزوم الإتيان بلفظ: حيّ على خير العمل، لأنّها ثابتة على عهد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أمر أهل البيت(عليهم السلام)أتباعهم بذلك، فكانت شعارهم في جميع أدوار التاريخ.

ولا نودّ أن نطيل الكلام في هذا الموضوع، وقد أشرنا له في الجزء الأول من هذا الكتاب(840).

والأمر الثاني: هو كلمة الصلاة خير من النوم، والشيعة لا يجيزون ذلك(841)، وذهب الشافعي في قوله الجديد إلى الكراهة. إذ من المعلوم أنّ هذه اللفظة لم تكن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأول من جعلها في الأذان عمر بن الخطاب.

جاء في موطأ مالك أنّ المؤذن جاء عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال المؤذن: الصلاة خير من النوم، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح (842).

وقال الإمام علي(عليه السلام) عندما سمع ذلك: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه(843). وأمّا ما يُدعى من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بلالا أن يقول: الصلاة خير من النوم في الأذان فهو غير صحيح لا يقرّه التحقيق، لأنّ الذي روى عن بلال ذلك هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهذا غير صحيح، لأنّ ولادة عبد الرحمن كانت سنة (17 هـ) (844) من الهجرة النبوية، وتوفي سنة (84 هـ) ووفاة بلال سنة (20) من الهجرة، فكيف يصحّ أن يروي عن بلال وعمره ثلاث سنين، هذا شيء غريب؟!

وادعي أيضاً أنّ بلالاً أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فوجده راقداً، فقال: الصلاة خير من النوم. فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ما أحسن هذا! اجعله في أذانك، وهذا لا يصحّ أيضاً؛ لأنّ الراوي هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة (182 هـ) عن أبيه زيد بن أسلم عن بلال؛ وعبد الرحمن ضعيف الحديث لا يعتمد عليه، كما نصّ على ذلك أحمد، وابن المديني، والنسائي(845)، وغيرهم.

هذا من جهة، ومن جهة اُخرى فإنّ زيداً لم يسمع من بلال، لأنّ ولادة زيد كانت سنة (66 هـ) ووفاته سنة (126 هـ)(846)؛ فكيف يصح سماعه من بلال، وهو لم يولد إلاّ بعد وفاة بلال بست وأربعين سنة؟

وعلى أي حال: فإنّ المقطوع به أن التثويب لم يكن على عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّ هذه الكلمة كانت في أيام عمر. وبدون شك أنّ الأذان كان بأمر من الله ووحي أنزله على نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا ما يُقال في إحداث الأذان بأنه كان لرؤياً رآها عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، فأقرّها النبيّ إلى غير ذلك. فهي اُمور بعيدة عن الواقع، ونحن في غنى عن إعطاء صورة لرواة هذه الاُمور لنعرف مقدار الاعتماد عليهم، ومنهم عبدالله بن خالد الواسطي، وقد نصّ الحفاظ على كذبه، وأقلّ صفاته أنّه رجل سوء، كما قال يحيى بن معين(847).

وقد أنكر الحسين بن علي(عليه السلام) عندما سمع الناس يتحدثون عن رؤيا عبد الله ابن زيد في تشريع الأذان فغضب وقال: الوحي ينزل على الرسول، ويزعمون أنه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد؟ والأذان وجه دينكم، ولقد سمعت أبي علي بن أبي طالب يقول: أهبط الله ملكاً عرج برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء... الحديث(848).

وكيف كان فقد اختلفت أقوال أئمة المذاهب في كلمة: الصلاة خير من النوم، هل تقال في جميع الأوقات أم في وقت دون وقت؟ أم تقال للأمير دون غيره؟ ممّا يطول شرحه.

وقد أجمع المسلمون على عدم جواز تقديم الأذان على أوقات الصلاة، ولا يكون إلاّ بلفظ العربية، وأجاز المالكية والشافعية الأذان بغير العربية للأعجمي، إذ يجوز له أن يؤذن بلغته لنفسه. ولجماعته الأعاجم.

والشيعة لايجوزون الأذان بغير العربية مطلقاً(849) ووافقهم الحنابلة على ذلك(850).

وللأذان عند المسلمين شروط ومستحبات للأذان وللمؤذن، أعرضنا عن ذكرها اختصاراً.

* * *

وبهذا ينتهي البحث في هذا الجزء عن الفقه الإسلامي، إذ لم يتسع نطاقه لأكثر من هذا، وسنلتقي بعون الله في الجزء السادس للبحث عن بقيّة ما يتعلق بمسائل العبادات والمعاملات. والله وليّ التوفيق.

ولا يفوتني أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى الاُمور التالية:

1 ـ إنّ البحث عن المذاهب كما قلت مراراً بحث شائك، ويتصف بصعوبة لا يُستهان بها، وقد واجهت مصاعب لا يعلمها إلاّ الله، وعنده احتسب ذلك بالأخص موضوع فقه المذاهب، إذ ليس من السهل إعطاء صورة واقعية عنه، لأنّ أقوال أئمة المذاهب تختلف، وربّما يكون في المسألة الواحدة أقوال متعددة حسب الرواية عنها، وربما يكون لأعيان المذاهب رأي يخالف فيه إمامه، كما وأن الذين ينقلون رأي صاحب المذهب أو عمل أهله كثيراً ما يخطئون في النقل، لأنّي وقفت حسب تتبعي على كثير منه ممّا دعاني إلى أن أعزو القول المنسوب للمذهب إلى كتبهم الخاصة قدر جهدي واستطاعتي، ولا أضمن لنفسي السلامة من الخطأ في ذلك.

أما فقه الشيعة الإمامية فإنّي قد اقتصرت على مسائل منه بدون تفصيل، لأنّه غير مستطاع، لاتساع موضوعه وشدّة اهتمامهم في تدوين الفقه، واستنباط الأحكام، إذ باب الاجتهاد مفتوح عندهم على مصراعيه.

وإنّ تعبيري بالشيعة هو أوضح من غيره، وطبعاً، أقصد بهم الإمامية الإثني عشرية، أمّا الفِرق المنحرفة عن مبدأ التشيع إن كان لهم آراء فلا أقصد التعبير عنهم في شيء.

2 ـ إنّ كثيراً من كتّاب عصرنا لا زالوا يعيشون بعقلية عصور الظلمة، تلك العصور التي استغل ظروفها المندسون في صفوف المسلمين لنشر المفتريات، وخلق الأكاذيب، ليفرّقوا بين الأخ وأخيه بتوسيع شقّة الخلاف، وقد جرّ ذلك على المسلمين مآسي من جرّاء الانقسام والتفكّك، أشرت له في عدّة مواضع.

نعم إنّ اُولئك الكتّاب قد جمدوا على عبارات سلف عاشوا في عصور التطاحن والتشاجر، فقلّدوهم بدون تفكير أو تمييز، حتى أصبحت القضيّة خارجة عن نطاق الأبحاث العلمية، وهي إلى المهاترات أقرب من المناقشات المنطقية.

كلّ ذلك من أثر التعصّب المردي والتقليد الأعمى، ولعلّنا قد أوضحنا للقارئ الكريم جانباً كبيراً من تلك الاُمور في هذا الجزء وما سبقه من أجزاء؛ ليكون على بيّنة من الأمر. ونحن نأمل أن يكون هدف الكتاب أشرف هدف وأنبل غاية، وهو إظهار الحقيقة واستخلاص الحقّ ممّا خالطه به من باطل، وأن يكون الحكم للعلم لا للمغالطات، فحكمه العدل وقوله الفصل.

3 ـ ربّما يكون هناك اُناس يؤمنون بصحة قول القائل حول فقه الشيعة وأنه غير فقه المسلمين، وقد أوضحنا هذا الجانب، والحكم للقارئ المتحرر. كما يظهر الجواب على ما ذهب إليه صاحب كشف الظنون من امتزاج المذهب الشيعي والمذهب الشافعي، وأنّ الإمامية يتبعون محمد بن إدريس الشافعي. وقد أوضحت أسباب هذا الاشتباه فيما سبق، كما نبّهت على خطأ بعض الأساتذة في تقليده لصاحب كشف الظنون.

وسنوضح فيما بعد ـ إن شاء الله ـ أخطاء الكثيرين ممّن يسيرون على غير هدى فيما يكتبونه حول الشيعة، سواء في المعتقدات والآراء أو الفقه والأحكام، ممّا يبعث على الأسف لما يتصف به اُولئك الكتاب من التغاضي عن الحقيقة، والتجاهل أمام الواقع.

فهم عندما يتناولون موضوع البحث عن الشيعة بالذات، أو بالعرض سواء في المعتقدات أو الآراء الفقهية، أو الحوادث التاريخية، فلا تجد إلاّ ما يخالف الحقيقة، وأكثرهم يكتب بلغة الكذب والافتراء والتهجّم، كلّ ذلك نتيجة للتعصب البغيض الذي أسرّ عقولهم، وحرمهم حرية التفهّم للحوادث طبقاً لواقعها الذي يجب أن يزول عنه قناع التضليل، ويجلي عن جوهره غبار الخداع والتمويه.

ونحن نأمل أن تكون الدراسات للحوادث على نهج التحرر عن قيود التقليد الأعمى، لتبدو الاُمور على ما هي عليه، ولعلّ القارئ الكريم قد وقف على كثير من الاُمور التي سجّلت في تاريخ الشيعة على غير واقعها تجنّياً وافتئاتاً فيما تعرضنا له في أبحاثنا السابقة، ونحن نقول لأولئك المتقوّلين: بأنّ العلم سيخمد أصواتهم، والوعي الإسلامي بوجوب التقارب والتفاهم سيظهر قبح ما انطوت عليه ضمائرهم، من البغض لوحدة المسلمين وتقاربهم، على ضوء الكتاب الكريم وتعاليم الرسول الأعظم.

ونحن نسأل الله الهداية للجميع والتوفيق لما يحبّه ويرضاه، كما نسأله تعالى أن يتقبّل أعمالنا ويجعلنا ممّن يدعو للحقّ ويتبعه.

والى هنا ينتهي البحث في الجزء الخامس من كتابنا الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، وإلى اللقاء في الجزء السادس إن شاء الله، وأسأله الهداية والسداد إنّه سميع مجيب.

 

 (680) تذكرة الفقهاء ج 1 ص 73.

(681) مراقي الفلاح ص 47 وبدائع الصنائع ج 1 ص 62.

(682) بدائع الصنائع ج 1 ص 366.

(683) نهاية المحتاج ج1 ص 224.

(684) نيل الاوطار ج 1 ص 47.

(685) نيل الأوطار ج 1 ص 65 ـ 66.

(686) شرح فتح القدير ج 1 ص 173.

(687) الانتصار للشريف المرتضى ص97 .

(688) بدائع الفوائد لابن القيم ج 3 ص 119 ـ 126.

(689) بداية المجتهد ج1 ص29، المجموع ج2 ص581.

(690) فتح العزيز ج1 ص261 ـ 262، المجموع ج2 ص587.

(691) فتاوى ابن تيمية ج1 ص37 ـ 38.

(692) تذكرة الفقهاء ج1 ص84.

(693) المغني لابن قدامة ج1 ص97.

(694) المجموع ج2 ص567، الانصاف ج1 ص310.

(695) وسائل الشيعة ج13 ص501 أبواب النجاسات ب6.

(696) غنية المتملي ص 74.

(697) الانتصار ص432، منتهى المطلب العلاّمة الحليج1 ص192، روض الجنان للشهيد الثاني ص171.

(698) الشرح الكبير لابن قدامة ج1 ص67.

(699) المجموع للنووي ج1 ص217، فرع في مذاهب العلماء في جلود الميتة.

(700) غنية المتملي ص 74.

(701) غنية المتملي ص74.

(702) المجروح ج1 ص217، نيل الأوطار ج1 ص76.

(703) المجموع ج1 ص231، فتح العزيز ج1 ص300، المهذب للشيرازي ج1 ص18.

(704) شرح فتح القدير ج1 ص84، المجموع ج1 ص243.

(705) بداية المجتهد ج21 ص78.

(706) المجموع ج1 ص236، عمدة القاري ج3 ص35.

(707) بدائع الصنائع ج1 ص63.

(708) المهذب ج 1 ص 21.

(709) تذكرة الفقهاء ج 1 ص 56 مسألة 18.

(710) بدائع الصنائع ج 1 ص 61، مراقي الفلاح ص 46.

(711) المنتقى ج 1 ص 43.

(712) المهذب ج 1 ص 47.

(713) نهاية المحتاج ج 1 ص 222.

(714) زوائد الكافي والمحرر على المقنع ص 13.

(715) المدونة الكبرى للإمام مالك ج1 ص21 .

(716) تذكرة الفقهاء ج 1 ص 64 و 65.

(717) نهاية المحتاج للرملي ج1 ص 218.

(718) منتهى المطلب ج 1 ص 114.

(719) كتاب الاُم ج 1 ص 7 المدونة الكبرى ج 1 ص 4، الكافي لابن قدامة ج 1 ص 7.

(720) بدائع الصنائع ج 1 ص 63 و 64.

(721) حاشية رد المحتار لابن عابدين ج1 ص336 .

(722) حاشية ابن عابدين ج 1 ص 319، مراقي الفلاح ص 50.

(723) القدوري ص 11.

(724) الهداية في شرح بداية المبتدي ج 1 ص 21.

(725) المجموع لمحيي الدين النووي ج2 ص596 .

(726) تذكرة الفقهاء ج 1 ص 79.

(727) الهداية ج 1 ص 21.

(728) المهذب ج 1 ص 50.

(729) المنتقى للباجي ج 1 ص 45.

(730) عمدة الحازم ص 14.

(731) ذكرى الشيعة ج 1 ص 130.

(732) بدائع الصنائع ج 1 ص 85، المبسوط للسرخسي ج 1 ص 95، المجموع ج 2 ص 579.

(733) التهذيب للبغوي ج 1 ص 187.

(734) الإنصاف ج 1 ص 303.

(735) مراقي الفلاح ص 50.

(736) المجموع للنووي ج1 ص215 و217، الشرح الكبير لابن قدامة ج1 ص67.

(737) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 232 مسألة 38.

(738) المغني لابن قدامة ج 1 ص 84، المنتقى ج 3 ص 134.

(739) المجموع ج 1 ص 217، نيل الأوطار ج 1 ص 74.

(740) انظر المحلى ج 7 ص 400 ـ 402.

(741) الرحمة في اختلاف الأئمة بهامش الميزان ج 1 ص 11.

(742) المحلى ج 1 ص 125.

(743) مسائل عبد العزيز غلام الخلال ص 16.

(744) مراقي الفلاح ص 47.

(745) المنتقى ج 1 ص 51.

(746) حاشية ابن عابدين ج 1 ص 323.

(747) المحاسن للبرقي ص 44، مستدرك الرسائل ج 3 ص 25.

(748) علل الشرائع ص356 ب 70 ح 2.

(749) المحاسن للبرقي ص 79 ح 5.

(750) عيون أخيار الرضا ج 2 ص 31 ح 46.

(751) الكافي ج 3 ص 268 ح 6.

(752) المحاسن للبرقي ص 80 ح 6.

(753) الحجرات: 13.

(754) المغني لابن قدامة ج 2 ص 299، بداية المجتهد ج1 ص90، المجموع ج 3 ص 61، مغني المحتاج ج1 ص327.

(755) المغني لابن قدامة ج 2 ص 300، مقدمات ابن رشد ص 101، بداية المجتهد ج 1 ص 90.

(756) نيل الأوطار للشوكاني ج1 ص369، المحلى لابن حزم ج11 ص376، والبداية للقرطبي ورحمة الاُمة لعبد الرحمن الدمشقي وغيرها.

(757) كشف الغطاء للشيخ جعفر الكبير تحت عنوان حكم تارك الصلاة ص 79.

(758) شرائع الإسلام ج 1 ص 35.

(759) المبسوط للسرخسي ج 1 ص 150، فتح العزيز ج 4 ص 221، المغني لابن قدامة ج 1 ص 791.

(760) انظر بدائع الصنائع ج 1 ص 270، شرح العناية ج 1 ص 369.

(761) تذكرة الفقهاء ج 4 ص 355 مسأله612.

(762) الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص471، مباحث قصر الصلاة.

(763) رحمة الاُمة في اختلاف الأئمة ج 1 ص 47.

(764) الخلاف ج1 ص276 المسألة 18 ومابعدها، راجع كتب الفقه .

(765) الهداية ج 1 ص 24.

(766) المختصر للشيخ خليل بن إسحاق ص 15.

(767) المهذب للشيرازي ج 1 ص 52.

(768) البقرة 144.

(769) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 6 مسألة 136.

(770) ملتقى الأبحر للشيخ إبراهيم الحنفي ص 11.

(771) الجوهرة للشيخ أحمد بن تركي المالكي ص 110.

(772) عمدة الفقه لابن قدامة الحنبلي ص 17.

(773) كتاب الاُم ج 2 ص 102، فتح العزيز ج 3 ص 242، عمدة القارئ ج 4 ص 126.

(774) المهذب للشيرازي ج 1 ص 67.

(775) الفتح المبين ج 1 ص 123.

(776) غنية المتملي في شرح منية المصلي ص 113.

(777) الهداية ج 1 ص 28.

(778) المهذب ج 1 ص 64.

(779) رحمة الاُمة ج 1 ص 53.

(780) بداية المجتهد ج 1 ص 115، كتاب الاُم ج 1 ص 89، مقدمات ابن رشد ج 1 ص 133.

(781) عمدة الحازم لابن قدامة ص 18.

(782) منهاج الطالبيين للنووي ج 1 ص 11.

(783) تذكره الفقهاء ج 2 ص 445 مسألة 107.

(784) المهذب للشيرازي ج 1 ص 10.

(785) المنتقى ج 1 ص 43.

(786) ضوء الشمس لأبي الهدى ج 1 ص 160.

(787) المصدر السابق.

(788) المنتقى ج 1 ص 287.

(789) عمدة الفقه على مذهب الإمام أحمد ص 26.

(790) مراقي الفلاح ص 78.

(791) حاشية إعانة الطالبيين للدمياطي ج 1 ص 114.

(792) الروض الندي ص 65.

(793) الروض الندي ص 65.

(794) مسائل عبد العزيز الخلال ص 78.

(795) عمدة الفقه ص 16.

(796) المغني لابن قدامة ج 1 ص 588.

(797) شرائع الإسلام، المحقق الحلي ج1 ص54، مختلف الشيعة ج2 ص79، جامع المقاصد ج2 ص82، مسالك الأفهام الشهيد الثانيج1 ص164، مجمع الفائدة والبرهان ج2 ص81 ـ 82، مدارك الأحكام ج3 ص173.

(798) الروض الندي ص 65.

(799) كتاب الاُم ج 1 ص 91، المجموع ج 3 ص 180، المهذب للشيرازي ج 1 ص 73، المغني لابن قدامة ج1 ص626.

(800) فتح الباري ج 2 ص 433.

(801) سنن أبي داود ج 4 ص 50 ح 4057، مسند أحمد ج23 ص 259 ح 3. 195.

(802) كتاب الاعتبار لابن حزم ص 230.

(803) وسائل الشيعة ج 4 ص 367، أبواب لباس المصلّي ب 11.

(804) سنن الترمذي ج 4 ص 218 ح 1722.

(805) المغني لابن قدامة ج 1 ص 627.

(806) العروة الوثقى ج 1 ص 425.

(807) التهذيب ج 2 ص 227 ح 894.

(808) المغني ج 1 ص 588.

(809) السرائر لابن إدريس ج1 ص260، الأشباه والنظائر ليحيى الحلي ص22 .

(810) العروة الوثقى ج 1 ص 435.

(811) البحر الزخار ج1 ص 218.

(812) غنية المتملي ص 177، مراقي الفلاح ص 63.

(813) فتاوى شيخ الإسلام علي أفندي ج 1 ص 4.

(814) الكاساني ج 1 ص 116.

(815) المهذب ج 1 ص 64.

(816) فتاوى الرملي بهامش فتاوى ابن حجر ج 1 ص 116.

(817) فتاوى الرملي بهامش فتاوى ابن حجر ج1 ص116، عمدةالحازم ص20، والمغني لابن قدامة ج1 ص587.

(818) حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح ص 114، ونور الإيضاح بهامش مراقي الفلاح ص 37.

(819) النووي في شرح مسلم ج4 ص208.

(820) التاريخ الكبير للبخاري ج5 ص212 / 681.

(821) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج 7 ص 321.

(822) المختصر النافع، المحقق الحلي ص26، جامع المقاصد، الكركي ج2 ص159.

(823) فقه الرضا(عليه السلام) على بن بابويه ص116، كتاب الاُم للشافعي ج1 ص107، المجموع للنووي ج3 ص77 و82.

(824) الترهيب والترغيب للمنذري ج 1 ص 106 في التعليقة.

(825) المغني لابن قدامة ج 1 ص 427.

(826) المحلّى ج 3 ص 122.

(827) الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص313.

(828) غنية المتملي ص 177.

(829) المقنعة للمفيد ص102 .

(830) سنن البيهقي ج 2 ص 197 ح 2033.

(831) البحر الزخار ج 1 ص 192.

(832) شرح التجريد ج 3 ص 333، السيرة الحلبية ج 2 ص 110.

(833) المحلى ج 3 ص 160.

(834) نيل الأوطار ج 2 ص 44.

(835) نيل الأوطار ج 2 ص 32.

(836) الاعتصام ج 1 ص 284.

(837) البحر الزخار ج 1 ص 192.

(838) البحر الزخارج 1 ص 192.

(839) السيرة ج 2 ص 105.

(840) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة في هذا الجزء ص396 .

(841) تذكره الفقهاء ج 3 ص 47 مسألة 160.

(842) موطأ مالك في هامش مصابيح السنة للبغوي ج 1 ص 37.

(843) نيل الأوطار ج 2 ص 43.

(844) تهذيب الأسماء واللغات لمحيي الدين النووي ج 1 ص 304.

(845) الجرح والتعديل للرازي ج5 ص233، رقم 1107، كتاب المجروحين ابن حبان ج2 ص57.

(846) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 124، تهذيب الأسماء واللغات للنووي ج 1 ص 200، الخلاصة للخزرجي ص131 وغيرها من كتب التراجم والرجال.

(847) كتاب الضعفاء والمتروكين ج2 ص120 ح 2013.

(848) دعائم الاسلام ج 1 ص 142.

(849) منهاج الصالحين للخوئي ج1 ص150، الأذان والاقامة الفصل الثالث.

(850) الفقه على المذاهب الأربعة للجزري ج1 ص314، شروط الأذان.