لقاء مع الاُستاذ (أبو زهرة) في كتابه الإمام الصادق(عليه السلام) القسم الأول

لقاء مع الاُستاذ (أبو زهرة) في كتابه الإمام الصادق(عليه السلام)"القسم الأول"

 

تمهيد

هنا نلتقي مع الاُستاذ أبي زهرة في مناقشات علمية، وإبداء ملاحظات حول بعض ما جاء في كتابه "الإمام الصادق".

والاُستاذ أبو زهرة من الشخصيات العلميّة في مصر، ويتمتع بشهرة واسعة في مجتمعه وغيره، وقد درس الفقه الإسلامي ودرّسه، وله اختصاص بتاريخ التشريع الإسلامي ومذاهبه، وألّف في حياة أئمة المذاهب، كأبي حنيفة ومالك وأحمد والشافعي، كتباً بسط فيها للباحثين طرق التعرّف عليهم، والوقوف على ما يتمتعون به من شهرة، وما لهم من منزلة، وهي أوضح بكثير من تلك الطرق التي رسمها المؤلّفون في مناقبهم وتاريخ حياتهم من بعض أتباعهم، والتي تجعل الوصول إلى التعرف عليهم وأخذ صورة عنهم من الصعوبة بمكان لما أودعوا في بطون تلك الكتب من زوائد بل خرافات لا يقرّها العقل. فكانوا يتعصّبون لهم، ولهذا شذّوا عن الهدف، وأخطأوا في الدلالة؛ لأنّ التعصّب أفقدهم مقياس التعريف، وهم كما يصفهم أبو زهرة بقوله:

وكتب المناقب كتبت بعقلية متعصّبة شديدة التعصّب، تبالغ فيمن ترفعه إلى درجة لا يستسيغها العقل، ويمجّها كما يمج الفم ما لا يتفق مع الذوق السليم، وتبالغ في الحط من شأن غيره(113).

وهذا التعصّب يجعل الدارس لحياتهم يتحمل عناء في البحث، وجهداً في التنقيب، لطول المسافة وبعد الهدف، ولكن مؤلفات أبو زهرة تبدو أنّها أقرب الطرق وأوصلها للغاية بالنسبة لتلك المؤلفات، فهو يعالج كثيراً من الاُمور ويوجهها حسب ما يراه، وما يصل إليه تفكيره فيجعل من الشك يقيناً ومن اليقين شكاً، مع تساهله في النقل وتسامحه عمّا يرد في كثير من المواضيع التي تحتاج إلى بسط وبيان.

التقيت بالشيخ أبي زهرة في كتبه عن حياة أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد، فوجدته كاتباً غير متعصب على أحد منهم، وهو إلى الإعجاب والتقدير لهم جميعاً أقرب، فلا يميل مع أحد، ولا يتحامل على آخر، فهو كاتب للجميع لا لمذهب دون آخر، وقد أعرض عن كثير من الزوائد التي ذكرها أتباع أئمة المذاهب الذين خرجوا بها عن حدود الاتزان في الاندفاع وراء أوهام التعصّب، وخداع العاطفة، وتضليل التعصب.

والآن ألتقي به في كتابه عن حياة الإمام الصادق(عليه السلام) وهو آخر ما كتبه في الدراسات عن الشخصيات التي اعتنى بالدراسة لحياتهم، والكتابة عنهم، وهم: أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد، وابن تيمية، وابن حزم وزيد بن عليبن الحسين(عليه السلام).

وكان هذا التأخير مبعث استغراب، إذ الواجب يقضي عليه تقديم الكتابة عن الإمام الصادق قبل غيره من رؤساء المذاهب الإسلامية وغيرهم، فهو مقدّم عليهم بالرتبة الزمنية، والرتبة العلمية، إذ هو المعلّم الأول لهم واُستاذهم، فأبو حنيفة ومالك وغيرهم ممّن أصبحوا رؤساء مدارس وأئمة حديث قد أخذوا عنه، فليس هو دونهم بل له فضل السبق، ولا يمكن أن يؤخّر عن نقص ولا يقدم عليه غيره من فضل. كما يقول المؤلف نفسه(114).

فالتأخير يبعث على الاستغراب من كاتب للتشريع الإسلامي، وتاريخ تطوره، ونشأة مذاهبه، لأنّه كاتب للجميع ويصف نفسه بالانصاف وعدم التحيز، ولكنه اعتذر عن الكتابة في حياة الإمام الصادق بقلة المصادر(115).

وهو اعتذار ربّما يكون وجيهاً في ظاهره، لأنّ قلة المصادر تجعل الكاتب في اُفق ضيق لا يستطيع أن يستمد معلوماته الكافية للدراسة.

كما أنّ الشيخ أبا زهرة على علمه ومكانته لا نظنّه قادراً على تجاوز ما جرى عليه الناس من تقليد المذاهب الأربعة والعمل بها، كأن ليس في تاريخ الإسلام وميدان الفقه هذه الحركة التي تزيّن التاريخ الإسلامي وتوشّحه والتي اتّسمت بالاختصاص بأهل البيت النبوي الكريم، وكان الإمام الصادق في معترك عصره ودوامة زمنه سيد الفقهاء الآخرين.

ولا يفوتني أن اُشير بأن الاُستاذ قد كتب عن الإمام الصادق(عليه السلام) في كتابه "محاضرات في الميراث عند الجعفري" المطبوع سنة (1955م) بترجمة موجزة(116).

وكتاب المحاضرات لا يخلو من مؤاخذات لما وقع فيه من أخطاء لا يمكن السكوت عليها، وقد أشرت إليها في الهامش وتركت ذلك للمباحث الفقهية.

كما أنّه تحدّث عن حياة الإمام الصادق في كتاب "الشعب"(117) الصادر في سنة (1959م) ولم يتجاوز في حديثه ما ذكره في محاضراته إلاّ القليل، ولم يأت بشيء يستحق أن يسمّى دراسة عن شخصية الإمام، وكنّا ننتظر منه ان يتحفنا بدراسة وافية عن الإمام الصادق(عليه السلام).

وصلني كتاب "الإمام الصادق حياته وعصره آراؤه وفقهه" للشيخ أبي زهرة فأقبلت على دراسته، وتفرّغت لمراجعته، وبعد أن قرأت الكتاب بأكمله قراءة إمعان وتدبّر، إذ القراءة السريعة أو النظرة الخاطفة تبعد بالقارئ عن كثير من آراء ألمؤلّفين وأغراضهم، وربما يخطئ القارئ بهذا الشكل في إعطاء رأيه حول الكتاب.

وجدت أنّ المؤلف قد جعل من نفسه في هذا الكتاب حاكم عدل يدرس المقدمات، ويقارن ويوازن، ويستنطق الحوادث، ثم يصدر حكمه. كما أشار إلى ذلك بقوله:

وإنّا على قدر جهودنا نحاول أن نصل إلى ما تطمئنّ إليه نفوسنا، ونرجو ألاّ يضيق صدر أحد حرجاً بما ننتهي إليه من نتائج على أساس نظرنا، فإنا ندرس المقدمات كما يدرس القاضي البينات يستنطقها ولا يوجهها، ويأخذ عنها، ولا يتزيد عليها، حتى إذا انتهى إلى الحكم نطق به، ونقول إننا بشر نخطئ ونصيب(118).

فالمؤلف في هذا الكتاب يقضي بالعدل لا يميل مع أحد إلاّ أن يكون الحقّ معه، فهو كما يقول يدرس القضايا والمقدمات، وينطق بالحكم، ولا بدّ أن يكون حكمه عادلاً، وسنرى من سيرة هذه الملاحظات ما يؤول إليه الأمر ويكشف الواقع، فإن كانت أحكامه عادلة شكرناه وإن كان قد أخطأ فنحن نبيّن ذلك، والرجوع عن الخطأ فضيلة يحمد عليها المرء، ونحن مع الحقّ أين ما يكون، ولا مغضبة في الحقّ ومن يغضب منه فلا كرامة له ولا اعتناء به.

وقد قلت: إنا لا نعير اهتمامنا إلاّ لرجال العلم وذوي الفهم، وكم قد وقفنا على عشرات من الكتب التي حررتها أقلام مأجورة، لمن لا يعرفون من الحقّ موضع أقدامهم، فتهجموا على أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، وكتبوا بدون حكمة واتزان، وأبرزوا الاُمور في غير قالبها، اُولئك قوم قد ضرب الهوى على عقولهم، فجاءوا بآراء غير سديدة، ذهاباً مع أهواء النفس، وخضوعاً لسلطان الطائفية الجائر، فترفعنا عن مناقشتهم لا عجزاً عن ذلك وإنّما إهمالاً لشأنهم؛ لأننا لا نعبأ بمن يسير على غير هدى، ولا يرضخ للواقع ويهرب منه عندما يصطدم به، وإظهار الحقيقة يشقّ عليه، لأنّ القضية قضية هوس وتهريج وهدف معين لا قضية مناقشات علمية ومبادلة آراء ومعالجة للمشاكل.

وعلى كلّ حال: فإنّ تقديري لشخصية الشيخ أبي زهرة وما عهدته فيه من عدم التعصّب لمذهب دون آخر، جعلني أستغرب منه ما خالف فيه الواقع وحكم عليه بدون بينة، فكتابه الإمام الصادق الذي نحن بصدده الآن هو أهم من غيره لعدّة اُمور لا تخفى على القارئ النبيه، لذلك أعرناه مزيداً من الاهتمام في الدراسة، وقد قرأته بدقة فظهرت لي أشياء كثيرة تسترعي الانتباه، وتستوجب المؤاخذة عليها وإبداء الملاحظات حولها، فسجلت عليه مؤاخذات لا تتعدّى حدود النقد النزيه المتركز على الموازين الصحيحة.

وقد اقتصرت في مناقشاتي له على بعض دون بعض، متحرياً الأهم فالأهم، أو ما يتناسب وموضوعنا، وبتركي للبعض من دون مناقشة لا يعدّ ذلك إقراراً له، واقتناعاً بصحّتها، ولكن تركت الاستقصاء للأساتذة الذين هم أكثر تخصصاً بالبحث، وأوسع فراغاً للرد.

والذي تجدر الإشارة إليه هو أنّي ربما أتناول بعض المواضيع بالاختصار والبعض الآخر بالزيادة في البيان، فإنّ ذلك يعود لمقتضى الموضوع، واتساع الوقت، ولم يكن قصدي من ابداء هذه الملاحظات إلاّ خدمة للحقيقة وإظهارها، إذ المؤلف ـ كما يعبّر عن نفسه ـ قد نصب نفسه قاضياً، يستنطق الحوادث، ويدرس القضايا كما يدرسها القاضي ثم يصدر حكمه بعد ذلك.

ولا بد أن يكون حكمه عادلاً، إن سلم من نقاط الضعف، وكانت دراسته دراسة المتثبت الذي يعالج القضايا معالجة المتمكّن من فهم الأشياء، واستجواب البينات بالطرق العادلة، ثم يصدر حكمه ويعطي رأيه الخاص، وعلى هذا نساير الاُستاذ ونطالبه بالعدل والإنصاف.

كتاب الإمام الصادق لأبي زهرة

يشتمل الكتاب على خمسمائة وثلاث وخمسين صفحة وهو حجم لا بأس فيه وأول ما يطالعك من الكتاب شكله وحجمه، وقد طبع على ورق أبيض وعنوانه "الإمام الصادق حياته وعصره، آراؤه وفقهه" ونحن لا نعتبر الظواهر والأشكال، فربّما كبرت الأجسام عن ورم، وحسنت الصور عن تدليس. والذي يهمّنا محتوى الكتاب، ومواده لأهمية البحث في دراسة حياة الإمام الصادق وما يحيط بها من مشاكل، وما يكتنف عصره من أحداث وملابسات، وإعطاء الرأي الذي يقتنع به نتيجة لدراسته، وتشبع روحه بالموضوع، وقد قسم الكتاب إلى قسمين:

القسم الأول فيما يتعلق بحياة الإمام الصادق(عليه السلام) وعصره ما بين سنة (83هـ) وهي سنة ولادته(عليه السلام) وبين سنة (148 هـ) وهي سنة وفاته.

والقسم الثاني يبدأ من ص183 وينتهي إلى آخر الكتاب وهو يتعلّق بآراء الإمام الصادق وفقهه.

وقد تعرّض في القسم الأول إلى ذكر الفرق وأقسامها، بموجز من البيان عن عقائدها كما هو دأبه في كلّ كتاب كتبه عن رؤساء المذاهب وغيرهم، يكرر ذلك لأنّ لها علاقة بما يكتبه.

ونحن هنا نساير الاُستاذ فيما كتبه عن الإمام الصادق ومنطقنا الصدق وهدفنا جمع الكلمة، ورضا الله قصدنا.

ونحن كما يقول الاُستاذ واشتراطه على نفسه: نقوم بحقّ العلم فإنّ الدارس للتراث الإسلامي عليه أن يقصد إليه في كلّ نواحيه، وفي شتّى مذاهبه، لا يحول بينه وبين طلب الحقّ عصبية ولا مذهبية، والتحيّز لطائفة دون طائفة. وهذا نهجنا وعلى هذا نسير.

من هنا نبدأ

يفتتح الاُستاذ بحثه ـ بعد البسملة ـ بالحمد لله على نعمه، والصلاة على محمّد وعلى آله وعترته وصحابته...

ثم يقدم اعتذاره عن تأخير الكتاب عن الإمام الصادق(عليه السلام)، لأنّ الأجدر به أن يقدم، إذ الإمام الصادق(عليه السلام) أعظم شخصية إسلامية كما يوجب العلم ذلك، ومن قصر النظر وظلم الحقيقة، أن تدرس حياته كرئيس مذهب، وإمام طائفة فحسب، بل الواقع يلزمنا أن ندرسه إماماً للجميع، وموجّهاً للاُمة الإسلامية، وعميداً لأعظم مدرسة فكرية في الإسلام، فهو مقدّم على الجميع بكلّ ما يقتضي التقديم، ولهذا فالاُستاذ يتقدّم بعذره عن تأخيره الكتابة عنه، فلنصغ لحديثه ونستمع لاعتذاره إذ يقول: أما بعد فإننا قد اعتزمنا بعون الله وتوفيقه أن نكتب في الإمام الصادق، وقد كتبنا عن سبعة من الأئمة الكرام(119) وما أخّرنا الكتابة عنه ـ أي الإمام الصادق ـ لأنّه دون أحدهم، بل إنّ له فضل السبق على أكثرهم، وله على الأكابر منهم فضل خاص، فقد كان أبو حنيفة يروي عنه ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارساً راوياً، ومن كان له فضل الاُستاذية على أبي حنيفة ومالك فحسبه ذلك فضلاً، ولا يمكن أن يؤخر عن نقص، ولا يقدم غيره عليه عن فضل، وهو فوق هذا حفيد زين العابدين، الذي كان سيد أهل المدينة في عصره؛ فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري وكثيرون من التابعين، وهو ابن محمّد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فهو ممن جمع الله تعالى له الشرف الذاتي، والشرف الإضافي، بكريم النسب، والقرابة الهاشمية، والعزة المحمدية.

ولكنا تأخرنا في الكتابة عنه تهيّباً لمقامه، ولأنّ طائفة من الناس قد غالوا في تقديره، ومنهم من انحرفوا فادعوا له الألوهية، وكثيرون ادعوا أنّه في مرتبة قريبة من مرتبة النبوة، والعلماء الذين عاصروه والذين جاءوا من بعدهم، وصفوه بأنه في الذروة في العلماء، واعترفوا له بالإمامة في فقه الدين، ولم يتجاوزوا مرتبة العالم الإمام، والمجتهد المتبع الذي يؤخذ عنه، وأخذ عنه الأئمة الأعلام، وأضاف بذلك إلى شرف النسب وطهارة العرق فضل العلم والإمامة فيه، فاجتمع له الفضلان(120).

المناقشة

يباغتنا المؤلف بهذه الصدمة العنيفة، ونحن في نقطة البداية من البحث بقوله: "ولأن طائفة من الناس غالوا في تقديره، ومنهم من انحرفوا، فادعوا له الألوهية، وكثيرون ادعوا أنه في مرتبة قريبة من مرتبة النبوة"(121).

ولم يكن ينتظر ولا يرتجى من المؤلف هذه المباغتة المؤلمة في أول اللقاء. هي كلمة قالها وسجلها في كتابه، وهي في نظرنا لها أثرها ومغزاها، فهي تحمل في طياتها التشكيك بما يوصف به الإمام الصادق من علو رتبة، وعظيم المنزلة.

وهو بهذا القول يجعل الإمام الصادق شخصية اُحيطت بأوهام وتعصّب، والنظر إليه لا يعدو هذه الاُمور الثلاثة: الغلو، ادعاء الألوهية، ادعاء مرتبة قريبة من مرتبة النبوة، أجل فأين الواقع وأين المعتدلون؟

الغلو يدعو إلى التعصب، والتعصب يدعو إلى إطفاء شعلة العقل وتعطيل التفكير، أمّا ادعاء النبوة للشخص أو ادعاء الألوهية، فنترك تقديره للمؤلف نفسه، فإنّه اعتمد على مصادر لا يصح لمثله أن يعتمد عليها، لأنّها غير صالحة للاستدلال.

ونعود فنسائل المؤلف، وأملنا أن يتسع صدره ولا يضيق حرجاً: من هم المغالون في تقدير الإمام؟ وما هي هذه المغالاة وما الدليل عليها؟ ومن هم الذين ألّهوا الإمام الصادق؟ أو ادعوا له مرتبة فوق مرتبة النبوة؟

ولعلّ المؤلف يريد أن يرجع عجلة التاريخ فيعيدنا إلى القرن الثاني الهجري ويقول: كان أبو الخطاب(122) يؤله الإمام الصادق، وهذا من أغرب الاُمور وأبعدها عن الواقع، إذ يتوقف عن الكتابة لوجود رأي طائفة نقل عنهم هذا، وقد قبرت آراؤهم في مهدها، والكلّ يعترف بذلك.

ثم ما هي الفائدة التي نحصل عليها في عصرنا الحاضر من آراء بالية، نشأت لأغراض وقتية، ولحساب من يكون هذا؟؟

إنّ تلك الآراء أوجدتها خصومة مذهبية، وقد مضى المتخاصمون، ونحن أبناء عصرنا الحاضر.

ألست القائل يا اُستاذ في غير هذا الكتاب حول تاريخ فقه الشيعة: لقد مضى الذين تخاصموا في الدين وحسابهم عند ربّ العالمين وكل أمرىء بما كسب رهين؟ ولكن علينا نحن الذين لم نشاهد تلك الخصومة ولم نعانها أن ننتفع بما خلفته من أفكار، لأنها ثروة فكرية، يجب الانتفاع بها، وليس علينا شيء ممّا كان بين المتخاصمين (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَاكَسَبَتْ وَلَكُم مَّاكَسَبْتُمْ)(123) أم أنّه يريد منا أن نتحول من الحقائق العلمية إلى الاُمور الوهمية، والأساطير الخيالية، فنبرزها كأنّها اُمور ملموسة مثل اُسطورة السبئية، ومع ذلك فهو يعترف بأنها انقرضت ولا بقاء لها(124).

وكذلك يعترف المؤلف بأنه لا يوجد اليوم من الشيعة من يؤله الأئمة(125)ومتى ألّه الشيعة أئمتهم؟! ولا يمكن أن يصدر هذا القول إلاّ ممّن يجهل معاناة الأئمة من أقوال الغلاة، وفضح الإمام الصادق ادّعاءاتهم وعقائدهم وتبرؤه منهم، وإجماع الشيعة على الطعن بتلك العقائد، وإنّما كان الغلو ستاراً لأعداء الإسلام وأهل البيت(عليهم السلام)، وكيف تبقى صلة بمثل هذه الفِرق الضالّة بعد حملة الأئمة من أهل البيت ضدهم؟ وحسب هؤلاء فضيحة وبعداً عن الإسلام قول الإمامالصادق(عليه السلام): "أدنى ما يخرج الرجل به من الإيمان أن يجلس الى غال فيستمع حديثه".

وعلى كلّ حال: فما هي الثمرة من هذه الكلمة، وما هذا الاعتذار؟ إنّ من واجبنا أن نشتدّ هنا على المؤلف، ولا معنى للتساهل مع من يتهم البريء ركوناً للظنون والأوهام، وهو مع ذلك يجعل من نفسه حاكم عدل، ومن واجبه أن يكون مع المتّهم حتى تظهر إدانته. نعم من حقّنا أن نشتد في المناقشة ولكنّنا نبتعد عنها، لأنّ الأمر الذي توخيناه في نقاشنا أن تكون الحجة هي الفاصل، والعقل هو الحكم، والخلق الأدبي هو الذي يسود النقاش.

أمّا ادّعاء الرتبة التي هي قريبة من مرتبة النبوة فلا أدري ماذا يقصد بهذا القول، لأنّه لم يوضح ما قال، وترك هذا بدون بيان يوجب تهويل الأمر وإثارة الشكوك؟

ولئن سكت عن هذه النقطة هنا فقد أوضّحها في غير هذا الكتاب، وكان ذكرها هنا أولى وأجدر به.

يقول في محاضراته الميراث عند الشيعة: إنّهم يرون ـ أي الشيعة ـ أنّ الأحاديث المروية عن هؤلاء الأئمة من السنة، إذ هم الذين حملوا إلى الناس علم النبيّ فما عندهم من علم فهو من علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) متبع فعلمهم متبع أيضاً.

وهكذا نرى هذه الفرقة ترفع الأئمة إلى هذه المرتبة التي لا تعلو عليها إلاّ مرتبة النبوة، فهم يعطون الإمام ما يعطونه للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ويعصمونه عن الكبائر والصغائر، وعن الخطأ والنسيان والغفلة، ولا يعلو عليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ بأنه يُوحى إليه، وأنّه النبيّ المبعوث، وأنّ كلّ علم لهم مشتق من علمه الشريف(126).

هذا ما يقوله حول ادّعاء المرتبة المقاربة من مرتبة النبوة، ولا أدري ما هو مورد الاستنكار من ذلك؟ وما معنى الإمامة إن لم تكن كذلك؟ فالإمام هو ممثّل النبي، والمبلّغ عنه أحكام الله سبحانه وتعالى، وهو أعلم الاُمة وأورعهم، وأزهدهم وأتقاهم، وهو متصف بجميع صفات الكمال، ومنزّه عن شوائب الأعمال، ومعصوم من الزلل إلى آخر صفاته، وإذا لم يكن الإمام كذلك ـ كما نعتقد ـ فما الفرق بينه وبين غيره؟ وما هو اختصاصه في تحمل عبء تبليغ الأحكام ورعاية الاُمة؟

وأعود فأقول: إنّ الأسباب التي ذكرها في اعتذاره عن تأخير الكتابة عن الإمام الصادق هي أسباب واهية، لا تصلح أن تكون في نظر الاعتبار مانعة، ولئن كان الغلو وادعاء الاُلوهية وادعاء الرتبة المقاربة لرتبة النبوة مانعة؛ فإنّ التأخير عن الكتابة في أبي حنيفة أولى؛ لأنّ أخباره قد رفعته إلى أسمى درجة من الكمال، وهي قريبة من مرتبة النبوة، بل فوقها، والمؤلف مع ذلك يقول: إنّ أتباع مذهبه غالوا في الثناء عليه حتى تجاوزوا فيه رتبة الفقيه المجتهد(127).

وهذه الكلمة لا تثير التشكيك، ولا تبعث على الدهشة، مع أنا وجدناهم يرفعون مقام أبي حنيفة إلى درجة لا يقاربها أحد، فهو بصورة الإنسان وسيرة الملك، كما يقول الاُستاذ السيد عفيفي المحامي(128).

وإنّه وضع ستين ألف مسألة في الإسلام، ثمانية وثلاثون ألفاً في العبادات، والباقي في المعاملات، ولولاها لبقي الناس في الضلالة(129). وإنّه سراج الاُمة. ومعنى ذلك أنه دليل الهداية فاتباعه نجاة، ومفارقته وقوع في ظلمات الضلالة، إلى كثير من أقوال الغلو التي يقصد بها تقويم شخصيته، وإعلاء مكانته، وهذا كلّه هين بالنسبة إلى ادعاء مرتبة تعلو على مرتبة الصحابة، بل مرتبة النبوة، وإنّه كلقمان الحكيم في عصره.

كما قالوا: بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أسف أن لا يكون في اُمته مثل لقمان في حكمته، فأخبره جبرئيل إن كان في اُمة داود مثل لقمان يتكلم بعدد كل حبة من الصبرة حكماً، فنحن نجعل في أمتك نعمان يتكلم بعدد كل حبة من الصبرة مسائل وأجوبة... إلخ(130) أي أنّ أبا حنيفة يصبح ملهماً من الله في علمه، يتكلّم بما لم يتكلم به غيره، وهو بهذا يرتفع إلى درجة النبوة، وأعلى من درجة الصحابة، إذ لم يكن فيهم مثل لقمان فأسف النبي لذلك، فكان أبو حنيفة سلوته.

وأعظم من هذا أنّهم ادعوا له منزلة من العلم فوق منزلة الأنبياء، فإنّهم قالوا: إنّ أبا حنيفة كان يعلّم الخضر(عليه السلام)في حياته ولما مات أسف الخضر(عليه السلام) وناجى ربه وقال: إلهي إن كان لي عندك منزلة فأذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أتعلم شرع محمّد على الكمال، فأحياه الله وتعلم منه العلم إلى خمس وعشرين سنة إلى آخره(131).

وقالوا: إنّ النّبي افتخر بأبي حنيفة. وتقوّلوا عليه: بأنّه يقول: إنّ آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من اُمتي اسمه النعمان بن ثابت(132).

وبصورة اُخرى: الأنبياء يفتخرون بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، ومن أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني(133).

ويطول بنا المدى إن أردنا أن نقدّم للقراء نماذج من الغلوّ في وضع أحاديث، وخلق حكايات، وتلفيق أقوال تستوجب تأخير الكتابة عن أبي حنيفة، واستخراج صورة صحيحة له من التاريخ والمناقب ليس الطريق لها معبداً، كما اعترف المؤلف نفسه.

وكذلك القول في استخراج صورة صحيحة لغيره من رؤساء المذاهب، فالجميع قد اُحيطوا بهالة من الغلو والتقدير.

فمالك قد هجر أتباعه الأخذ بكتاب الله وسنّة رسوله، وأخذوا بقوله فكان يقال لهم: قال رسول الله فيقولون قال مالك. إلى غير ذلك.

والشافعي قد حصروا العلم به وأوجبوا اتباعه والتقيد بمذهبه، وأنه عالم قريش وأنه وأنه...

وأحمد ادّعي له أنّه قام في الاُمة مقام النبوة وأنّ الله أعز هذا الدين به وبأبي بكر فقط وليس في الإسلام مثل أحمد بن حنبل(134) وأنّ حبّه علامة السُنة وبغضه علامة البدعة، وأن الصلاة عليه أفضل من الجهاد في سبيل اللّه(135) وأنّ من أبغضه كافر ولولا أحمد لذهب الإسلام(136) وأنّ من لم يرض بإمامته فهو مبتدع(137) إلى آخر ما هنالك من أقوال.

وبهذا العرض السريع أمام القراء أترك لهم الحكم وإذا ما كان الغلوّ يدعو إلى تأخير الكتابة عن الشخص، فلماذا لا يدعو ذلك إلى تأخير من هو محاط بهالة من الغلوّ أكثر من غيره.

وبهذا يظهر من الاُستاذ أبي زهرة هؤلاء الذين كتب عنهم هم أقل غلواً، والطريق إلى معرفتهم أسهل بكثير من طريق معرفة شخصية الإمام الصادق(عليه السلام).

هذا ما ينمّ عنه قوله، وما يعبّر عنه تعبيره، ولكنّنا لا نترك هذا الموضوع إلاّ بأن نستفهم من الاُستاذ عن معالجته لموضوع الغلوّ ولِمَ لَمْ يتعرض له؟

وأمّا التأليه للأئمة ـ والعياذ بالله ـ فلم يذكر عنه شيئاً لأنّه لم يكن هناك من شيء سوى أبواق دعاية التضليل، وخرافات وأقوال واهية لا تصلح أن تكون محلّ الاعتبار.

أمّا غلوّ أصحاب المذاهب فقد وجهه المؤلف وعزاه إلى التعصّب. واستخرج ما شاء وترك ما شاء، ودافع أكثر من غيره، وله رأيه، ولا نتشدد في المؤاخذة عليه فنحن نخالفه في الرأي، وسنعطي رأينا حول أسباب تأخيره عن الكتابة كما نراه.

تمهيد الاُستاذ أبي زهرة

مهّد الاُستاذ لدراسته عن الإمام بتمهيد لطيف بعد ذكره لكلمة الإمام الصادق(عليه السلام)، إيّاكم والخصومة فإنّها تحدث الشك وتورث النفاق(138)، وذلك التمهيد يتضمّن سوء عاقبة الخصومة في الدين، لأنّها تحدث تشكيكاً في الحقائق، وحيث كان التشكيك كان الاضطراب النفسي، وإن طلب الحقّ يجب أن يكون لذات الحقّ؛ فلا يستقيم الفكر إلاّ إذا أخلص القلب، ولا يخلص القلب إلاّ إذا اتّجهت النفس بكليّتها نحو الحقيقة، ولذلك يضيع الحقّ دائماً وسط ما تثيره الخصومات من لجاجة، وما يجتهد كلّ خصم من أن يدحض حجة صاحبه، غير ملتفت لما يكون في قوله، أو ادعائه من صواب.

وإنّ الخصومة حول الحقائق، وخصوصاً الدينية هي آفة الاُمم في قديمها وحديثها، وإنّ كلمة الإمام الهاشمي العلوي الفاطمي ـ جعفر الصادق(عليه السلام) ـ كلمة مصورة تمام التصوير لتلك الحقائق، وكأنّها نور يشق حجب الغيب، ويصور ما وقع؛ ويهدي إلى التي هي أقوم.

ثم يذكر الفرق بين الخصومة في الدين، واختلاف الفقهاء حول استنباط الأحكام التي ليس فيها نص قطعي الدلالة والثبوت.

ويستمرّ في البيان فيقول: وإنّنا وجدنا بعد أن ذهبت الخصومة التي صحبت فتناً كانت تموج كموج البحر، وقد ظهرت كقطع الليل المظلم، أنّ الفرق التي حملت هذه الخصومات حملت مع الافتراق علماً فيه بيان وجهات النظر المختلفة، ففي كلّ فرقة من الفرق ميراث لعلم غزير يجب أن يدرس، ويمكن أن نستخلص منه حقائق تفيد الإسلام، وقد تتخذ سلاحاً للدفاع عنه كتلك الفلسفة التي تركها المعتزلة في تنزيه الله تعالى.

وإنّ في الآراء الفقهية التي وصلت إليها بعض الفرق الإسلامية، كالزيدية والإمامية ما يصحّ الأخذ به، ويكون علاجاً لبعض أدوائنا الاجتماعية، وهو في ذاته لا يخالف كتاباً ولا سُنة، بل استنباط حسن على ضوئهما، وقد أخذت قوانين مصر بالفعل من آراء الإمامية، وقوع الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث طلقة واحدة، نعم صرّحت المذكرة التفسيرية أنّها أخذته من ابن تيمية، ولكن ابنتيمية صرّح بأنّه أخذها من أقوال الأئمة من آل البيت(139)، وأخذ قانون الوصية رقم 71 سنة (1946م) بإجازة الوصية لوارث، وهو رأي عند الإمامية، وإن كان المأثور عن الإمام جعفر خلافه.

الملاحظة

نتفق مع الاُستاذ في كثير من أقوأله، وهو بحديثه هذا يبعث الأمل في النفس بتحقيق ما يجب على كلّ مسلم تحقيقه، من الدعوة إلى الاُلفة ونبذ الخصومات، وترك الحزازات، ليخفّ المصاب ويهون الخطب، ويزول سوء التفاهم، بالدعوة إلى التقارب في عصر أحوج ما نكون فيه إلى التفاهم والتقارب.

فقد حلّت بنا مشاكل متشابكة. وفرقتنا عوامل مختلفة، وهي لا تزال تفتك بدائها رغم الوعي الذي حصل في الآونة الأخيرة عند أكثر المفكرين، ودعاة الإصلاح، ونحن نشكر الاُستاذ لهذا الشعور.

والذي يلزمنا أن نؤاخذه فيه علمياً هو نسبة الأثر عن الإمام الصادق(عليه السلام)بعدم الوصية للوارث، والذي يظهر من الاُستاذ جزمه بهذا، والواقع خلاف ما ذهب إليه، فإنّ الأثر الصحيح عن الإمام الصادق هو إجازة الوصية للوارث.

قال أبو بصير: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الوصية للوارث، فقال: تجوز(140).

وقال محمّد بن مسلم: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الوصية للوارث، فقال: تجوز. أمّا ما رواه القسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه(عليه السلام) عن رجل اعترف لوارث بدين في مرضه، فقال: لا تجوز وصيته لوارث ولا اعتراف له بدين(141) فقد حمل ذلك على نفي الوصية بالزائد عن الثلث، كما في الحديث النبوي المروي عن تحف العقول أنه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إنّ الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث(142)

والذي تجدر الإشارة إليه ـ هنا قبل مغادرتنا هذا الموضوع ـ هو أنّ عبارة الاُستاذ حول إجازة الوصية للوارث في المذهب الجعفري توهم بأن ذلك مخالف لكتاب الله العزيز، والحقيقة أنّ القول بعدمها خلاف لكتاب الله إذ يقول عزّ من قائل: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ)(143) فهذا نصّ، وادعاء نسخه بالحديث الذي رواه أبو قلابة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: "لا وصية لوارث"(144) فهو خبر آحاد، والكتاب لا ينسخ بخبر الآحاد، وعلى مذهب الشافعي أنّ القرآن لا ينسخ بالسنة(145)، ولذلك ادّعى بعضهم الإجماع على مضمون الخبر، وذهب بعضهم إلى أنّ الحديث مخصص للآية(146).

ونحن نأمل من الاُستاذ أن يترك التعبير بما يثير الشك ويطمس الحقيقة، وكان الأجدر به أن يشير إلى الخلاف ليسلم من المؤاخذة في مخالفة ما وعد فيه بتمهيده السابق. وبعد ذلك ينتقل إلى البحث حول المتعة وينسب إلى الإمام الصادق عن كتب الزيدية بأنّه قال: هي الزنى، ويذهب لتأييده ويبدي رأيه بأنّ المتعة من المخادنة التي نهى الله عنها.

وهذه المسألة قد حرّرها العلماء وبسطوا القول فيها، وكثر فيها النقاش والجدل، ولا جدال في مشروعيتها في عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وادّعي بعد ذلك نسخها، وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة من السلف، منهم من الصحابة: اسماء بنت أبي بكر، وجابر بن عبدالله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية، وعمر بن حريث، وأبو سعيد وسلمة إبنا اُمية بن خلف، ورواه جابر ابن عبدالله عن جميع الصحابة مدة حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومدة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر(147).

وقال الحافظ في التلخيص: ومن المشهورين بإباحتها ابن جريح فقيه مكة، ولهذا قال الأوزاعي: يترك من قول أهل الحجاز خمس منها متعة النساء(148).

وروي عن عمر بن الخطاب أنّه إنّما أنكرها إذ لم يشهد عليها عدلان(149).

وقال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة(150).

وقال الشوكاني: وممّن حكي القول بجواز المتعة عن ابن جريح، الإمام المهدي في البحر، وحكاه عن الباقر والصادق والإمامية(151).

ومن هذا يظهر أنّ كتب الزيدية تنصّ على أنّ الإمام الباقر والصادق(عليهما السلام)كانا يقولان بجواز المتعة(152).

أمّا ما ذكره المؤلّف هنا من أنّ الإمام الصادق(عليه السلام) قال: عن المتعة إنّها الزنى، فهو لا صحّة له ومكذوب عليه، وليت المؤلّف ذكر المصدر لذلك.

والذي أراه أنّه أشتبه على المؤلف الأمر فيما ذكره الشوكاني عن الخطابي، إذ يقول: والبيهقي نقل عن جعفر بن محمّد أنّه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه. فظنّ المؤلف أنّ هذا النقل عن الشوكاني، ويعتبر ذلك كرواية يرويها عن الإمام الصادق(عليه السلام) وقد ذكر ذلك محمّد بن إسماعيل في العدّة(153)، ولا أستبعد ذلك من تساهل الشيخ في النقل وتسرّعه في الحكم، ولنترك الحديث في الموضوع لمحلّه في المباحث الفقهية. ونفسح المجال للأستاذ في حديثه، ونحن نصغي إلى ما يقول معرضين عن مناقشته في اُمور كثيرة نتحمل ما يمرّ على أسماعنا من أقوال هي أبعد ما تكون عن الحقّ، ولا نحبّ أن نقطع حديثه فيما نستنكره خشية طول المكث، فالنقاش معه طويل، ونحن في أول مرحلة من مراحل البحث، كما لا نحبّ مبادرته في المناقشة، والرد حول اُمور نحاول أن نجد لها عذراً من جانبه، ولأنّنا نحبّ أن نخطو معه خطوات يسودها الاتّزان، والتجرّد على النقد المرير.

خطوات تحقيق هدف سام، وغاية شريفة، وأمل منشود من قديم الزمن، وهو رفع الالتباس، وإزالة الحواجز عن طريق التقارب والتفاهم، ونحن نود أن ينتهي بنا السير ولا نتفرّق من مجلس النقاش إلاّ على ما نحبّ من الوصول إلى الحقيقة، ولا سلطان للعاطفة علينا، ولا أثر لغبار الطائفية في أبرادنا.

نريد أن نتفاهم، ونريد أن نصل إلى الواقع، عسى أن يزول كابوس الطائفية الرعناء، التي مزّقت جسم الاُمة ونهشت عظامها وفرّقت شملها، ومن الله نستمدّ العون وعليه الاتّكال.بيت الإمام الصادق(عليه السلام) من سنة (80 هـ) إلى سنة( 148 هـ)

بيته

يتكلّم المؤلف تحت هذا العنوان عن بيت الإمام الصادق(عليه السلام) فيقول: كان البيت العلوي أكبر مصادر النور والعرفان بالمدينة المنورة، فإنّه منذ نكبة الإسلام بمقتل الشهيد وأبي الشهداء الحسين بن علي رضي الله عنهما انصرف آل البيت إلى العلم النبوي يتدارسونه...

ثم يتحوّل إلى الإشارة لجدّه زين العابدين وأبيه الباقر(عليهما السلام)وقال: وكان يقصده ـ أي الإمام الباقر(عليه السلام) ـ من أئمة الفقه والحديث كثيرون؛ منهم سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة محدّث مكة، ومنهم أبو حنيفة فقيه العراق، وكان يرشد كل من يجيء إليه ويبيّن له الحقّ الذي لا عوج فيه. ولنذكر لك مناقشة جرت بينه وبين أبي حنيفة فقيه العراق، وكان أبو حنيفة قد اشتهر بكثرة القياس، حتى تناولته الألسن، وإليك بعض ما جرى بينهما:

قال محمّد الباقر: أنت الذي حولت دين جدّي وأحاديثه إلى القياس!! قال أبوحنيفة: أجلس مكانك كما يحقّ لي، فإنّ لك عندي حرمة كحرمة جدّك(صلى الله عليه وآله وسلم)في حياته على أصحابه، فجلسثم جثا أبو حنيفة بين يديه، ثم قال: إني سائلك عن ثلاث كلمات، فأجبني: الرجل أضعف أم المرأة؟ قال الباقر: المرأة أضعف. قال أبو حنيفة: كم سهم المرأة في الميراث؟ قال الباقر: للرجل سهمان وللمرأة سهم.

قال أبو حنيفة: هذا علم جدك ولو حولت دين جدك لكان ينبغي في القياس أن يكون للرجل سهم، وللمرأة سهمان، لأنّ المرأة أضعف، ثم الصلاة أفضل أم الصوم؟ قال الباقر: الصلاة أفضل.

قال أبو حنيفة هذا قول جدك، ولو حولت قول جدك لكان أنّ المرأة إذا طهرت أمرتها أن تقضي الصلاة ولا تقضي الصوم، ثم البول أنجس أم النطفة؟ قال الإمام الباقر: البول أنجس.

قال الإمام أبو حنيفة: لو كنت حولت دين جدك بالقياس لكنت أمرت أن يغتسل من البول، ويتوضأ من النطفة ولكن معاذ الله أن أحوّل دين جدك بالقياس.

فقام الإمام الباقر وعانقه وقبّل وجهه، ومن هذا الخبر تتبيّن إمامة الباقر للعلماء يحضرهم إليه ويحاسبهم على ما يبلغه عنه أو يبدر منهم، وكأنّه الرئيس يحاكم مرؤوسيه ليجعلهم على الجادة... انتهى.

هذه القصة

ذكرها الاُستاذ هنا بدون مصدر ولا سند، وهي مقلوبة ومفتعلة، والقضية كانت بين الإمام الصادق(عليه السلام) وبين أبي حنيفة، وكان الإمام الصادق(عليه السلام) هو الذي ساق هذه المسائل على أبي حنيفة مستنكراً عمله بالقياس، وأبو حنيفة يجيب، وقد ذكرها المؤلّف على وجهها الصحيح(154) كما يلي:

عن عيسى بن عبدالقرشي قال: "دخل أبو حنيفة على أبي عبدالله ـ أي الصادق ـ فقال له: "يا أبا حنيفة، بلغني أنك تقيس. قال: نعم.

قال: قال لا تقس فإنّ أول من قاس إبليس حين قال: (خلقتني من نار وخلقته من طين)(155)، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار لعرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما.

ثم قال الاُستاذ: وجاء في الكافي أيضاً عن أبي حنيفة: "استأذنت عليه ـ أي الصادق ـ فحجبني وجاء قوم من الكوفة... ـ إلى آخر ما ذكره، وإنّ الإمام الصادق أنكر على أبي حنيفة قياسه وأورد عليه مسألة المقايسة بين البول والمني، ومسألة الصلاة والصوم والحيض، ومسألة ميراث الأنثى، وميراث الذكر...إلخ .

فالقصة إذن مختلقة ولا بد للأستاذ بأن يستنطق ثم يحكم حسب ما يؤدي إليه رأيه، وما أدى إليه تتبعه، وهل القصة كانت بين الإمام الباقر(عليه السلام) وأنّه هو المسؤول وبين أبي حنيفة وهو السائل؟ أم كانت بين الإمام الصادق(عليه السلام) وبين أبي حنيفة كما هو الصحيح؟ وهنا يصدر المؤلف حكمه بصفته قاضياً فيقول:

إنّ لهذه القصة روايتين: إحداهما في كتب أخبار أبي حنيفة، وتروي القصة مع أبي جعفر الباقر رضي الله عنهما، وتذكر أنّ أبا حنيفة هو الذي ساق مسألة قضاء الحائض للصوم دون الصلاة، ومسألة الاغتسال من المني دون البول، ومسألة نصيب البنت دون الذكر.

والثانية رواية الإمامية بين أبي عبدالله وأبي حنيفة، وأن السؤال كان من الصادق(156).

وبعد أن حصر المؤلف الرواية بطريقين لا ثالث لهما أخذ يقارن ويوازن ليصدر حكمه في ذلك فيقول:

هذه الرواية لم يسندها الكليني إلاّ إلى أبي حنيفة، ومن حقّنا أن نوازن بينها وبين المروي عن أبي حنيفة(رضي الله عنه)في مناقبه، أنّ المناقشة بينه وبين الباقر، وأن أبا حنيفة هو الذي أورد مسألة المقايسة...

وما دامت الرواية مستندة إلى أبي حنيفة فإنّا نقبل كلام الرواة عنهم، لأنّهم أعلم به، ولأنّ الكليني ليس في درجة أبي حنيفة في الفقه...(157).

وبهذا تصحّ الرواية الأولى وهي أنّ أبا حنيفة هو السائل والمنتصر في نظر المؤلف.

ونحن من حقّنا أن نقارن ونوازن، ومن حقّنا أن ندافع ونناقش، ولم يكن غرضنا هنا إلاّ إعطاء صورة عن تسرّع الشيخ في حكمه وتساهله في نقله، وليصغ لنا كما أصغينا له فنقول: قارن المؤلف هنا بين الطريقين عندما حصر الرواية فيهما: أوّلهما كتب المناقب، وثانيهما كتاب الكافي للشيخ الكليني(رحمه الله). وقد اعتبر ما جاء في كتب المناقب صحيحاً، وهو أوثق ممّا جاء عن الكليني، إذ المؤلّف متحامل عليه وما دام كذلك فهو لا يثق بما يرويه، كما صرّح مراراً وهاجمه في عدة مواطن ظلماً وعدواناً.

ونحن ننبّه الاُستاذ لوقوعه في هذا الخطأ الشائن، وإن دلّ على شيء فإنّما يدل على عدم تتبّعه وإحاطته، ويكشف عن تسرّعه في حكمه.

والقصة لم تكن منحصرة في هذين الطريقين فقط، فقد رواها الكثيرون بأنّها كانت بين الإمام الصادق(عليه السلام) وأبي حنيفة، وما جاء في كتب المناقب غير صحيح.

ولا نبعد بالقارئ فنقدّم له مصادر اُخرى، ولكنّا نذكر هنا واحداً منها وهو كتاب الحلية؛ لعلم من أعلام السنة، ومحدّث من محدثيهم، وهو أبو نعيم(158)؛ فقد أوردها(159) بسند عن عبدالله بن شبرمة(160) قال:

دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد، فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟ قال ابن أبي ليلى: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين.

قال: لعله يقيس الدين برأيه؟ قال: نعم.

فقال جعفر لأبي حنيفة: ما اسمك؟ قال: نعمان... ثم قال له: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله تعالى له: أسجد لآدم. فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)(161)فمن قاس الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس، لأنه اتبعه بالقياس.

ثم قال جعفر: أيهما أعظم، قتل النفس أو الزنا؟

قال أبو حنيفة: قتل النفس.

قال الصادق: فإن الله عزَّ وجلَّ قبل في قتل النفس شاهدين، ولم يقبل في الزنا إلاّ أربعة.

قال الصادق: أيّهما أعظم الصلاة أم الصوم؟

قال أبو حنيفة: الصلاة.

قال الصادق: فما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟! فكيف ويحك يقوم لك قياسك؟.. اتّق الله ولا تقس برأيك.

هكذا يروي أبو نعيم في كتاب الحلية هذه القصة، وهو أوثق وأشهر من كتاب المناقب لأبي حنيفة.

فحكم الشيخ بانحصار طريق هذه القصة غير صحيح، ولأن قدّم الشيخ كتب المناقب على كتاب الكافي وذهب لصحتها دونه، ففي ذلك أمر لا يخفى وقصد لا يجهل، دائماً يترائى من وراء الألفاظ، ولنفرض تنزلاً عدم الوثوق بما ينقله الشيخ الكليني فكيف خفيت عليه المصادر الاُخرى، كدعائم الإسلام، للقاضي أبي حنيفة النعمان المغربي، وهو أقدم من كتاب المناقب وغيره من كتب التاريخ والحديث؟

وعلى أيّ حال فالمؤلّف مؤاخذ هنا في عدة اُمور نرجو أن يتنبّه لها ولا يضيق صدره حرجاً، وأنّ تساهله في نقله من أهمّ ما يؤاخذ عليه.

ولقد عرتني دهشة عندما وقفت على نقل المؤلف لهذه المحاورة المحوّرة، إذ المشهور أنّها بين الإمام الصادق وأبي حنيفة فكيف استساغ نقلها وأخفى مصدرها، ثم بعد ذلك يوازن ويقارن ويحكم بصحتها؟ غريب ذلك.

لقد أخفى المؤلف مصدر المحاورة ونحن لا نخفيه على القراء، إنّ هذه القصة أو هذه المحاورة المقلوبة ذكرها الكردري في مناقب أبي حنيفة(162)، والخوارزمي في مناقب أبي حنيفة أيضاً(163) وكلاهما يرويانها بسند عن عبداللهبن المبارك فهو شاهد عيان لهذه القصة، وهي تبدأ بمكاتبة أبي المحاسن، وسند هذه المحاورة كلّهم من الحنفية، ولا نكلّف أنفسنا بالبحث عنهم ولكننا نكتفي باستنطاق عبدالله بن المبارك، فهل شاهد هذه القصة أم رواها عن أحد؟!

ولا يمكن أن يكون هو المشاهد، وذلك لأنا إذا وجهنا أشعة التاريخ فإنّها تكشف لنا ذلك، لأنّ ولادة عبدالله بن المبارك كانت في سنة (118 هـ) ووفاته في سنة (181 هـ)(164) وبهذا يثبت أنّ ابن المبارك لم يشاهد القصة، وأنّها مكذوبة عليه، إذ كيف يعقل أن يدعي مشاهدة شيء وهو في بطون الأرحام، لأن وفاة الإمام الباقر(عليه السلام)كانت سنة (114 هـ) أي قبل ولادة ابن المبارك بثلاث سنين وعلى ما يرويه الكردري(165) من أنّه قيل: إنّ ولادة ابن المبارك سنة (129 هـ) فيكون الفرق أربع عشرة سنة بين ولادة ابن المبارك ووفاة الإمام الباقر(عليه السلام)؟

وعلى كلّ حال: فإنّ مقارنة الاُستاذ وحكمه بعد ذلك غير صحيح، لأنّ كتّاب المناقب قد وضعوا أشياء كثيرة، وخلقوا حكايات وقالوا فيها أقوالاً مغرقة في الكذب، ومسرفة في المبالغة، ودافعهم في ذلك تعصّبهم لإمامهم، وإعجابهم به، وهذا يستوجب التثبّت في الحكم بصحة ما ينقلونه وتحقّق صدق ما يقولونه.

ولقد دفعهم التعصب إلى تغيير بعض المحاورات والمناظرات عن أصلها، أمثال هذه المحاورة وغيرها، وعلى سبيل المثال نشير هنا إلى ما ذكره الكردري في محاورة(166) مؤمن الطاق مع أبي حنيفة على غير صورتها الواقعية، وقد ذكر هذه المناظرة ابن النديم في الفهرست وهو أقدم من الكردري وأوثق، وإليك نصّها:

قال ابن النديم المتوفى سنة (378 هـ) في ترجمة مؤمن الطاق: وكان حسن الاعتقاد والهدي، حاذقاً في صناعة الكلام، سريع الخاطر والجواب، وله مع أبي حنيفة مناظرات منها:

لمّا مات جعفر الصادق(عليه السلام) قال أبو حنيفة لشيطان الطاق: قد مات إمامك! قال: لكن إمامك لا يموت إلاّ يوم القيامة. يعني إبليس(167).

ولكن الكردري يقلب هذه المحاورة على غير واقعها؛ تعصباً ومن دون مراعاة للحقيقة والتفات للأمانة .

ولإظهار الحقيقة أطلنا النقاش هنا مع الاُستاذ، وإلاّ فالقصة لا ترفع من مقام الإمام في واقعها، ولا تضع إن غيّرت عنه، لأنّا دائماً يجب أن نراعي الحقيقة، ونجهد في إظهارها من بين حجب التمويه، وغبار الشكوك.

والذي يظهر جلياً أنّ أبا حنيفة أخذ بأمر الإمام الصادق(عليه السلام) وانتفع بوصيته عندما أقام في المدينة مدة سنتين ولهذا أعلن بقوله: لولا السنتان لهلك النعمان(168).

شيوخه

يقول الاُستاذ في ص87: هنا يختلف تفكيرنا عن تفكير إخواننا الإمامية، فهم يرون أنّ علمه إلهاميّ لا كسب فيه، ونحن نقول: إنّ علمه كسبي فيه إشراق الإخلاص، ونور الحكمة، ورياضة النفس على التقوى، والفضيلة والسموّ الروحي، والعزوف عن مناعم الدنيا ومشاغلها، ولذلك نحن نفرض أنّه تلقّى على شيوخ، وأخذ عنهم ودارسهم، وأنّه بهذا جمع علوم الحديث، والفقه، والقرآن، واتصل بمعاصريه في سبيل الحصول على هذه المجموعة العلمية، كما كان بيته بيت الحكمة والعلم.

ثم يقول الاُستاذ ص87:

وإنّنا لا بدّ أن نفرض أن أساتذته ثلاثة، تلقّى عليهم، وكلّهم له قدم ثابتة في العلم، وكلّهم إمام يؤخذ عنه.

أوّلهم جدّه علي زين العابدين(رضي الله عنه)، فقد مات زين العابدين والصادق في الرابعة عشرة من عمره أو حولها، وهذه السن هي سن التلقي والأخذ، فلا بد أنّه أخذ عنه، وخصوصاً أنه بقية السلف من أولاد الحسين رضي الله عنهم.

وإنّ زين العابدين هذا كان يأخذ علم آل البيت ويضيف إليه علم التابعين الذين عاصروه، وكان يدخل مسجد رسول الله ويجلس في حلقاتهم، وقد روي أنّه قال له نافع بن جبير بن مطعم القرشي عاتباً: غفر الله لك، أنت سيد الناس تأتي تتخطى خلق الله وأهل العلم من قريش حتى تجلس مع هذا العبد الأسود!! فقال له علي بن الحسين: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع، وإن العلم يطلب حيث كان.

وروي أنه كان يسعى للالتقاء مع سعيد بن جبير التابعي وكان من الموالي، فقيل له ما تصنع به؟ قال: اُريد أن أسأله عن أشياء ينفعنا الله بها، ولا ينقصه أنّه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء(169).

المناقشة

كنّا نصغي لحديث الشيخ وهو يصوّر الشيعة بأنّهم ينفون أخذ الإمام الصادق(عليه السلام)عن جدّه زين العابدين وأبيه الباقر(عليهما السلام)، وهذا أمر لا تقول به الشيعة الإمامية، فهم متفقون على أخذ الأئمة بعضهم من بعض، ورواية بعضهم عن بعض، فأهل البيت حلقة متماسكة، ومدرسة مستقلة تتصل برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بأوضح السبل، وأقرب الطرق.

والشيخ يعدّ هذا الاستقلال غريباً لا يهضمه التفكير ولا يقبله ذوقه، ولهذا أصبح في موضوع علم الإمام(عليه السلام) في لف ودوران، ويحوم حول الظنون والتخمينات والافتراض والأبدية، فهو بهذا قد خرج عن دائرة الإثبات إلى خضم الفروض والتخمينات، وهو لا يتفق بتفكيره مع تفكير إخوانه الإمامية في مسألة استقلال علم أهل البيت وأخذ بعضهم عن بعض، إلاّ أن يضمّ إليهم بعضاً آخر من غيرهم.

وقد فرض فرضاً فأدخل القاسم بن محمّد بن أبي بكر في شيوخ الإمام الصادق لأنه جدّه فلا بد أنه روى عنه.

ولا محل للاّبدية، ولا مجال للافتراض، فإنّ الأمر يدور حول الثوابت والوقائع.

ولا نبخس حقّ القاسم فهو علم من أعلام الاُمة، ومن الفقهاء السبعة، ومن تلامذة الإمام زين العابدين(عليه السلام)، ولكن لم نجد للإمام الصادق عنه رواية أو نقل قول، فالافتراض عجز، وللاّبدية تحكّم.

ونحن لا نقيم للافتراض وزناً، فإنّما المدار مدار الثبوت والواقع، وقد سلك الاُستاذ طريقاً آخر في إثبات أخذ أهل البيت(عليهم السلام) عن غيرهم، فحدثنا برواية نافع بن جبير أنّ الإمام زين العابدين قد حضر عند زيد بن أسلم، وهذه الرواية قد ذكرها أيضاً في صفحة 200 وعقّبها بقوله: وقد رواها صاحب حلية الأولياء بسند متصل نعتبره نحن سنداً صحيحاً صادقاً.

ولانتجاوز الموضوع بدون بيان، ولا بدّ لي أن اُسارع هنا فأجيب عمّا يدّعيه هناك من اتصال السند وصحته وصدقه .

الرواية

قال أبو نعيم حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال حدثنا الحسين بن محمّدبن سعيد، قال حدثنا الربيع بن سليمان، قال حدثنا بشر بن بكر والخصيب بن ناصح، قالا حدثنا عبدالله بن جعفر عن عبدالرحمن بن حبيببن ازدك قال سمعت نافع بن جبير يقول لعلي بن الحسين: غفر الله لك أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه ـ يعني زيد بن أسلم ـ فقال: ينبغي للعلم أن يتّبع حيث ما كان(170).

هذه هي الرواية الصحيحة السند، الصادقة المتن كما يقول، وقبل الخوض في المناقشة نلفت نظر القارئ إلى الخلاف بين نقل الاُستاذ وبين من نقل عنه، فليس في أصل الرواية "تتخطى خلق الله"، وليس فيها لفظ "عابثاً"، وليس فيها "إنما يجلس الرجل حيث ينتفع". فهذه الاُمور لم تأت بلفظ الرواية المنسوبة إلى نافع، كما ذكرها المؤلّف هنا.

ونعود فنسائل الاُستاذ عن حكمه السريع العاجل باتّصال السند وصحته وصدق الرواية، فهل عرفهم وقاس ذلك بمقياس العلم؟ إذ من الخطأ الحكم على شيء قبل معرفته، ونحن بعد أن وجّهنا أشعّة التاريخ وإجراء الفحص الدقيق، تبين علة هذه الرواية في موضعين:الأول ـ رجال السند: فقد ظهر أنّ هذا السند الذي وصفه الاُستاذ بالصحة فيهم من لم يعرف أو هو في طيات الجهالة، وليس له ذكر في كتب الرجال والحديث إلاّ الربيع بن سليمان وهما اثنان:الأول: الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المتوفى سنة (256 هـ) ولم يوثقه أحد إلاّ يونس(171).والثاني: الربيع بن سليمان بن داود المرادي مولاهم المصري مؤذن الفسطاط المتوفى سنة (270 هـ)، وأما عمر بن أحمد بن عثمان فهذا الاسم ينطبق على رجلين: أحدهما الحضرمي والثاني النهرواني، وكلاهما مجهولان وأحدهما متّهم بالوضع(172) فلا يمكن وصف هذا السند بالصحة، وذاك القول بالصدق.

أمّا الحسين بن محمّد بن سعيد فلا يعرف من هو حتى يوصف نقله بالصحة وقوله بالصدق، ولعلّ الاُستاذ الذي صحح حديثه يوافينا بترجمة فنشكر لهذلك.

وأما بشر بن بكر فليس له منزلة يتحلى فيها بالصدق فيوصف حديثه بالصحة، فهو مجهول لا يعرف، بل منكر الحديث، كما نصّ على ذلك الأزدي وغيره إلى آخر السلسلة كابن أزدك وابن ناصح.

أمّا اتصال السند فنرجو من الأخ المؤلف أن يوصل لنا السلسلة بين ابن أحمد وبين الربيع بن سليمان، فإنّ الأشعة التاريخية قد كشفت لنا الانفصال، وذلك بطول المدة وتفاوت الوقت، وهذا من أعظم الموهنات.الثاني ـ إننا يجب أن نحترم الحقائق قبل أن نحترم الشخصيات، والحقيقة التي لا غبار عليها أنّ القول بحضور الإمام زين العابدين(عليه السلام) في حلقة زيد كان من أعظم ضروب التجنّي على الحقائق؛ لأنّه أبعد ما يكون عن الواقع، وذلك بغضّ النظر عن علوّ منزلة الإمام زين العابدين؛ إذ هو أفقه قريش في عصره، بل أفقه الاُمة على الإطلاق. وليس في عصره من يدانيه في منزلته، أو يماثله في علمه ومعارفه.

وبعد أن فحصنا سند الرواية، وظهرت علتها يلزمنا أن نفحص الرواية نفسها، وقد انكشف لنا أنّ زيد بن أسلم لم تكن له حلقة درس في عصر الإمام زين العابدين، لأنّ زيداً كان حدث السن لم يتجاوز عمره الخامسة والعشرين عند وفاة الإمام زين العابدين(عليه السلام) فإنّ ولادة زيد سنة (66 هـ) ووفاته سنة (126 هـ). وكانت ولادة الإمام زين العابدين(عليه السلام) سنة (38 هـ) ووفاته سنة (92هـ)(173) فالإمام زين العابدين(عليه السلام)أكبر من زيد بثمان وعشرين سنة.

فهل يستطيع أحد أن يفرض حلقة درس لشاب حدث السن مع وجود شيوخ المدينة، وسادات قريش، وكبار رجال العلم، مع أنّ علماء الرجال قد ذكروا زيد ابن أسلم في عداد تلامذة الإمام زين العابدين ورواة حديثه(174) وهو أصغرهم سناً، وإن أبى الشيخ إلاّ الإصرار على رأيه فإنّي لا أتّهمه هنا في علمه، بل أتّهمه في عاطفته وجدله، فهو يقرّ بهذا الأمر، كما يقول في كتاب الإمام زيد بن علي(عليه السلام)(175) بعد أن ذكر التقاء زيد بواصل بن عطاء: أيصحّ أن نقول إن زيداً تتلمذ على واصل؟ إنّ الرجلين في سن واحدة، فقد ولد كلاهما في سنة (80) من الهجرة النبوية أو قريباً من ذلك(176)، ويظهر أنّهما عندما التقيا كان زيد في سن قد نضجت، لأنّ واصلاً(177) لا يمكن أن يكون في مقام من يدرس، إلاّ إذا كان في سن ناضجة.

هكذا يقرّر الاُستاذ هذه الحقيقة، ونحن نشكره للتنبيه عليها، فقد نسب كتّاب الفرق ـ الذين يكتبون بدون تثبت ـ لزيد أنّه أخذ الاعتزال عن واصلبن عطاء وتلمذ له، وهذا بعيد عن الصحة.

وما أجدر ذلك بالمؤلف لو التفت في المورد الذي نبحثه من كتابه الإمام الصادق لهذه الحقيقة فيقررها، فإنّ حضور الإمام زين العابدين(عليه السلام) في حلقة زيد وهو شيخ قد قارب الستين، وزيد شاب لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، شيء لا يمكن، هذا بالإعراض عمّا يحوط الرواية من الاُمور النافية لذلك!

وإنّ استدلال المؤلف بهذه الرواية، وتكريره لها في عدّة مواطن من كتابه أمر لا يتّفق مع الواقع، وهو مكذوب ولا أصل له.

وأما الرواية الثانية فهي مرسلة لا تصلح للاستدلال، ولا أتردد في القول إنّ كلا الروايتين هما من وضع الموالي، إذ الرواة كلّهم منهم، وهم يحاولون رفع مكانة أبناء قومهم بكل وسيلة، لأنّ زيد بن أسلم كان من الموالي، فأرادوا أن يرفعوا من شأنه فجعلوه أستاذ حلقة يحضرها كبار قريش وعلماؤهم، ومن الاُمور المستغربة حكم المؤلف بصحة الرواية واستنتاجه ما يؤيد به قوله، وهي أوهى من بيت العنكبوت.

والخلاصة: أنّ الشيخ حكم بصحة هذه الرواية بدون التفات إلى ما يحوط بها من اُمور يجب أن يلاحظها قبل إطلاق حكمه، ثم يأتي بعد ذلك بأمر لا نعرفه ولا ندري ما يقصد به وهو قوله:

ولا يضيق صدر إخواننا حرجاً، إذا استشهدنا بكتب ليست من كتبهم، فإنّا قد رأينا أفاضل من كتّابهم يستشهدون على فضل الصادق نقلها عنها، ولا بدّ أن اعتبره صادقاً في نقله، ومن وصف بالصدق فهو صادق في كلّ ما ينقل، فالصدق خلة في الصادق لا تتجزأ(178).

ونحن نقول لا يضيق صدر أخينا حرجاً إذا استشهدنا لردّ قوله بكتب ليست من كتبه، فإنا قد رأيناه يستشهد على تأييد أقواله نقلها عنها، ولا بد أنه اعتبرها صادقة.

وأما قوله: ومن وصف بالصدق فهو صادق في كلّ ما ينقل فالصدق خلّة في الصادق لا تتجزأ.

فهذا قول يثير الدهشة، ويبعث على الاستغراب، وهو حكم ينطق به الشيخ بدون دليل، ولا أدري ما يريد بذلك، أيريد منا أن نسلم لكلّ كتاب ننقل منه شيئاً من باب الإلزام بأنّ جميع ما فيه صادق، لأنّا صدقناه في البعض مما ينقل، ويلزم ذلك التصديق بباقيه؟

وهل التزم فضيلته بهذه القاعدة؟ أم أنّه يلزم غيره ولا يلتزم، وقد رأيناه يستشهد بكتب لا يقرّها ولا يعترف بصحتها، ككتاب الكافي، فهو يطعن فيه ويتهجّم على مؤلّفه ظلماً وعدواناً، ولا تخفى علينا بواعث ذلك التهجم.

ونسائله أيضاً أنّك اعتمدت على كتاب مسند الإمام الصادق وقد جمعه مؤلف مجهول، وعليه بنيت أكثر أبحاثك فهل تصدق بكلّ ما ينقل؟ ولا تتهم صاحبه بالكذب؟ ولكنه لا يلتزم ويريد أن يلزم غيره.

ونعود والعود أحمد

نعود لنستمع بقيّة حديث الاُستاذ بعد أن قطعنا عليه حديثه، وسارعنا لإتمام المناقشة، وأوضحنا للقرّاء مدى صحة استدلاله، وقوّة برهانه حول استنكاره لعلم الأئمة الاستقلالي.

وقد فاتنا أن ننبه على ما جاء في صفحة (63) تحت عنوان وفاة الإمام الصادق(عليه السلام)إذ يقول:

وقد قال بعض الإمامية، إنّ أبا جعفر المنصور دس له السم في طعامه ولا دليل على هذا القول، بل إنّ الذي يذكره المؤرخون خلافه، لأنّ المنصور بكى عندما بلغه نعيه، حتى اخضلت لحيته... واستشهد بما يرويه اليعقوبي من بكاء المنصور وقد مرّ بيانه.

ثم يستمر في كلامه حول فراسة المنصور، وأنّ عيونه كانت يقظة متبعة، فكان على علم باعتزال الصادق السياسة العملية وجنوحه إلى العلم، يغترف من مناهله ويستقي الناس من موارده ومصادره.

ولهذا نرجّح أنه مات ـ أي الإمام الصادق ـ غير مقتول بسمٍّ أو غيره، انتهى.

ولا نودّ أن نقول كل ما يلزم أن نقوله، عما تنطوي عبارته: باعتزال الصادق السياسة العملية وجنوحه إلى العلم يغترف من مناهله...

فهي عبارة ساقها بلباقة، وظاهرها المدح، ولكنّها تنطوي على تدعيم رأيه بعدم استقلال علوم أهل البيتعن غيرهم، فلا نطيل المقالة هنا حول بقية أقواله.

ولكنّا نؤاخذه بالترجيح لرأيه من نفي وفاة الإمام بالسمّ. فهو ترجيح بدون مرجّح وتحكّم على التاريخ، ولقد ذكر ذلك منهم جماعة وصرّح بعضهم بأنّ المنصور هو الذي دسّ إليه السمّ وإليك منهم:

1 ـ المسعودي في مروج الذهب ج2 ص212.

2 ـ ابن حجر في صواعقه صفحة 120.

3 ـ ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة صفحة 243.

4 ـ الشبراوي في الاتحاف بحب الأشراف صفحة 54.

5 ـ الشبلنجي في نور الأبصار صفحة 144.

6 ـ 7 ـ والقرماني في تاريخه(179) والخفاجي في شرح الشفاء(180) وغيرهم مما يطول ذكره، وبهذا يظهر نسبة القول للإمامية فقط غير صحيح، ونفي وفاة الإمام الصادق غير مسموم جناية على التاريخ وترجيح للافتراضات واللاّبدية.

لولا السنتان لهلك النعمان

هذه كلمة مشهورة قالها أبو حنيفة تلميذ الإمام الصادق(عليه السلام) لأنّه صحبه عامين، ويعد ذلك نجاة له كما هو مدلول اللفظ، ولكن الاُستاذ أبوزهرة أراد أن يموّه أو يشكّك في صحة نسبة هذا القول لأبي حنيفة، فنسب نقل هذه العبارة لكتب الإمامية، كما يقول في ص38: وأبو حنيفة كان يروي عنه كثيراً ـ أي عن الصادق(عليه السلام) ـ وأقرأ كتاب الآثار لأبي يوسف، والآثار لمحمّد بن الحسن الشيباني، فإنّك واجد فيهما رواية أبي حنيفة عن جعفر بن محمّد في مواضع ليست غير قليلة.

ويقول كتّاب الإمامية إنّه قد صحبه عامين، ويقولون: إنّ أبا حنيفة قال في هذين العامين: لولا السنتان لهلك النعمان.

 

المصدر

لا اُكلّف الاُستاذ بتتبّع المصادر لهذه الكلمة المشهورة في كتب السنة، لأنّ ذلك يشقّ عليه، إذ هو مطبوع على التساهل في النقل، ولهذا أضع بين يديه أقرب كتاب إليه هو مختصر التحفة الاثني عشرية لمحمود شكري الآلوسي؛ ففي صفحة 8 من الطبعة الأولى سنة (1301 هـ) في الهند يقول: وهذا أبو حنيفة وهو من بين أهل السنة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: لولا السنتان لهلك النعمان يريد السنتين اللتين صحب فيهما لأخذ العلم من الإمام جعفر الصادق(رضي الله عنه).

هذا نصّ العبارة في الطبعة الاُولى الحجرية ولعلّ تحصيلها يشقّ عليه، ولا يتكلّف فإنّي أضع بين يديه الطبعة الثانية المطبوعة في مصر سنة (1373 هـ) في المطبعة السلفية والعبارة موجودة في الصفحة الثامنة أيضاً.

والشيء الذي يبعث على الاستغراب هو عدم وقوف الاُستاذ على هذا الكتاب واطلاعه عليه، إذ الكتاب له صدى في العالم الإسلامي بما أحدثه من ضجة، وما أثاره من فتنة، يوم أراد الاستعمار أن يحقق أهدافه في بلاد الهند في إثارة الطائفية، فانتدب لهذه المهمة رجلاً يُسمى شاه ولي الله الهندي فألّف كتاباً اسماه التحفة الاثني عشرية وملأه طعوناً على الشيعة، ومات قبل أن يتمّه فأتمّه ولده وترجمه إلى العربية رجل يسمّى غلام محمّد سنة (1227 هـ) واختصره محمود شكري الآلوسي، وحدث من وراء نشر هذا الكتاب ما حدث من مآسي لحساب الاستعمار في البلاد الإسلامية، مما يؤلم ذكره، وبعد أن هدأت الفتنة ومرّ الزمن، وأفلس الاستعمار وأحس بشعور التقارب والتفاهم بين المسلمين، أراد أن يرجع عجلة التاريخ، فيلعب لعبته لتربح ورقته، واُعيد طبع هذا الكتاب على يد السادة السلفية عسى أن يعيد التاريخ نفسه، ولكن خاب الأمل وكفى الله المؤمنين القتال وخسر هنالك المبطلون.

وبعد ذلك يقول ولعلّ هاتين السنتين كانتا عندما خرج أبو حنيفة من العراق مهاجراً بدينه، وفراراً من تعذيب ابن هبيرة له، فإنّه أقام حينئذ ببلاد الحجاز، ولعله قد لازم الإمام جعفراً في هذه المدة.

وقد جاء في حلية الأولياء ما يؤكد رواية هؤلاء الأعلام وغيرهم عن الإمام الصادق فقد جاء فيها: وروى عن عدة من التابعين، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وأبان بن تغلب، وأبو عمر بن العلاء، ويزيدبن عبدالله الهادي، وحدث عنه من الأئمة الأعلام مالك بن أنس، وشعبة بن القاسم، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر(181).

وقد رأينا كيف غالى بعض المنتسبين إلى مذهب الإمام جعفر فادعوا له علماً لم يكن قد تلقاه بطرق العالم عند البشر، ومن الغريب أننا نجد بجوار هؤلاء من محدثي القرن الثالث من يتشكك في رواية الإمام الصادق عترة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويتكلم في الثقة بحديثه (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا)(182) ولكنّه التعصب المذهبي يعمي ويصم، وليس في قول المغالين، ولا في قول المتشككين ما ينقص من مقام الإمام الصادق الجليل، فلم ينقص من مقام جدّه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كذب الكذابين عليه، كما لم يضر عيسى بن مريم(عليه السلام) افتراء المفترين عليه ما بين منكر لرسالته ومدع لاُلوهيته.

المؤلّف سامحه الله قد تركزت في ذهنه فكرة الغلو فهو يرددها بين آونة واُخرى، ليبعث التشكيك في كثير من الاُمور، وقد مرّ بيان ذلك، ونحن هنا نسائل المؤلف عن الغلو وعن المغالين في الإمام بعد أن أشرنا لذلك؛ ولكننا نريد أن نسائله عمن يتشكك في رواية الإمام الصادق من المحدثين؛ فإنا لم نجد منهم من يذهب إلى ذلك أبداً، نعم يسبق إلى الذهن ما ينسب إلى البخاري في توقفه عن تخريج أحاديث الإمام الصادق(عليه السلام) وقد قلنا إن عدم تخريج البخاري لحديث الإمام الصادق لا يضرّ بمقامه(عليه السلام) بعد أن رأينا البخاري قد خرّج أحاديث عن اُناس لا يتصفون بالصدق والعدالة، ومنهم المتهم في عقيدته والكاذب في لهجته(183).

والمؤلف لم يذكر اسم البخاري، وربّما يتبادر إلى الذهن أنّ هناك من المحدثين من يتشكك في رواية الإمام الصادق(عليه السلام) فأحببنا أن يذكره للاطلاع، وبعد أن نساير الاُستاذ مراحل عديدة، نجده يصرّح بقوله تحت عنوان فقه الصادق صفحة 252، وكان ـ أي الإمام الصادق ـ من الثقات عن أهل الحديث...

وقد قالوا: إنّ البخاري لم يقبل الأحاديث المنسوبة إليه، وأنّ ذلك يحتاج إلى نظر، وقد أشرنا من قبل إلى أن عدم قبول البخاري للمرويات التي تنسب إليه لا يمكن أن ينال من إمامته، والآن نقول: إنّه لا يمكن أن يكون البخاري يجعل صدق من لقبه المسلمون جميعاً بالصادق موضع كلام ونظر، وأنّه روى عمّن دونه من التابعين فضلاً. ثم يوجه ذلك برأيه ورأيه محترم.

ونحن نقول: إنّ عدم تخريج البخاري لأحاديث الإمام هو لشيء في نفس البخاري لا في الإمام الصادق(عليه السلام)، فقد روى البخاري عن اُناس كذابين وآخرين منحرفين، وقد مرّ الكلام حوله في الجزء الأول في هذا الكتاب(184).

والخلاصة أنّ صحيح البخاري قد أحيط بهالة من التعظيم والإجلال والإكبار، فهو عدل القرآن، وكلّ ما فيه صحيح، وقد تهيّب أكثر الحفاظ عن نقد أحاديثه، ومن أقدم على ذلك عنّف(185) ومن أظرف ما نقل في ذلك أنّ مجلس المبعوثان في عهد الأتراك بالعراق قد قرر مبلغاً جسيماً لوزارة الحربية جعلوه لقراّء البخاري في الاُسطول. فقال الزهاوي وكان عضواً في المجلس: أنا أفهم أنّ هذا المبلغ في ميزانية الأوقاف، أمّا في الحربية فالمفهوم أنّ الاُسطول يمشي بالبخار لا بالبخاري فثار عليه المجلس وشغب عليه العامة(186).

ولا نطيل الحديث حول البخاري فنجرح عاطفة كثير من الناس كما جرح المؤلف عواطف ملايين منهم بتهجّمه على الشيخ الكليني بدون حجة، ونسبه لما لا يليق بشأنه، فهي كلمة لعمر الله قالها المؤلف بدون تأمل وتريث.

يقول المؤلف في ص 71 ولو قلنا إنّ علمه ـ أي الإمام الصادق ـ كان إلهامياً خالصاً ما كان مجتهداً وما كان متعرّفاً للأحكام، بل كانت تلقى عليه إلقاء كما يتلقى الوحي.

ذكر هذا بعد أن مهّد له تمهيداً لطيفاً حول الإشراق النفسي، وبيان الإلهام الذي فسّره بقوله: وما من عالم باحث إلاّ شعر بأنّ وراء جهوده إلهاماً من الله تعالى نسمّـيه توفيقاً منه وهو ولي التوفيق، أنظر ص69 إلى ص71.

أقـول ولا أدري كيف يصحّ للاُستاذ أن يسمّي الإلهام بأنّه وحي ينزل على الأئمة كما ينزل على الأنبياء؟! ولا أدري من أين أخذ هذا وبأيّ دليل يؤيّده؟! فإنّ الشيعة لم تدّع للأئمة نزول الوحي عليهم، إذ لا نبي بعد خاتم الأنبياء، وإنّما استقوا علمهم من الرسول الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى بل هو وحييوحى.

فدعوى أنّ الشيعة يدّعون نبوّة الأئمة وأنّ علمهم وحي كالأنبياء، دعوى باطلة لا تستند إلى برهان ولا يؤيّدها دليل، وما أكثر ما رميت به الشيعة من التهم، وإنّ ربك لبالمرصاد!

والذي أراه أنّ الكاتب قلّد في هذا الرأي بعض الكتّاب من الغربيين أو غيرهم، من الذين درسوا تاريخ الشيعة تحت ضغط التيارات الطائفية، فنقلوا وتقوّلوا كلّما دعت الظروف القاسية لاختراعه حول الشيعة، لإبرازهم بالصورة التي يحبّ خصومهم أن يبرزوا للمجتمع فيها.

ولا أبعد عن الواقع إن قلت إنّه أخذ هذا الرأي من كاتب مشهور وهو الاُستاذ أحمد الشلبي الاُستاذ في الجامعة الإسلامية باندنوسيا كما تقدم ذكره(187)، أو من كتب المستشرقين الذين يثيرون الشكوك والريب.

حول الانحراف

يبذل المؤلّف جهده هنا في بيان ظهور الانحراف في العقائد والآراء في عامة المسلمين فيقول في صفحة 121 تحت عنوان: الانحراف بين بعض الذين يدّعون التشيع: وقد ظهرت تلك الحركات في عهد الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق الذي نشأ فوجد أباه في أمر مرير من هؤلاء الذين يدّعون التبعية له، وهو منهم بريء، إذ كانوا يحاولون الاتصال به وبالصادق من بعده، ولكن كان ينفر منهم نفوراً شديداً: إلى أن يقول وكان ظهور ذلك الانحراف مع آراء اُخرى حول القرآن، فقد ظهر القول بخلق القرآن الذي يقصد به إثارة الفتن لا بيان الحقيقة، وقد قاله الجعد بن درهم، ومنها القول بالجبر إلى آخر بيانه من ذكر فرق الغلاة وغيرهم من خطابية وبيانيه... ويذكر آراءهم ويبيّن الأسباب من ذكرهم هنا إلى أن يقول: وإذا كان هؤلاء قد تفرّقوا في الفرق الإسلامية ما بين مرجئة وحشوية وغيرهم، فلا بدّ أن نتصور أنّهم قد نقلوا الأكاذيب على جعفر الصادق الإمام المفترى عليه، ولا بدّ أنّهم دسّوا في الأحاديث المرويّة عنه ترهات من أباطيلهم، وأخباراً من أكاذيبهم، وأنّ الخطابية أول من تكلم في الجفر، ونسب فيه الكلام إلى الصادق؛ فهل لنا أن نتصور أنه وصل إلى الكافي منهم؟ وهل لنا أن نتصور أن الكلام في نقص القرآن قد سرى إلى الكافي منهم؟

لا نقول هذا تشكيكاً في المصادر التي يستمسك بها إخواننا الإمامية، ولكنا نقوله مخلصين لنتحرى الصادق بالنسبة إلى الإمام الصادق، الذي هو إمام من أكبر أئمة المسلمين، وليس إماماً للإثني عشرية فقط... إلخ.

هكذا يطل بنا المؤلف على ذلك العصر، ويطلعنا على صور مؤلمة وأشباح هائلة، وهو يريد أن نتحرى الحقّ وألاّ نخدع بتلك الآراء.

وهكذا يتحدّث المؤلف عن ظهور الآراء المنحرفة والعقائد الشاذة وهو يظهر الأسى والأسف عمّا ابتلي به أئمة أهل البيت ممن يتشيع لهم.

إنّه يصوّر لنا عظيم الموقف وخطره، ويطيل في بيانه، وينتهي إلى نتائج، منها: أنّ هذه الانحرافات كانت محصورة في التشيّع كما يفهم من عباراته وتعبيره. ومنها أنّ وضع هؤلاء للأحاديث المكذوبة كانت في كتب الشيعة، ثم يتحول بلباقة ومهارة إلى الطعن في الكافي إذ يقول:

فهل لنا أن نتصور أنه وصل إلى الكافي منهم؟

ويحذف فاعل وصل وبحذفه تعبير عمّا يقصده، وكذلك في الجملة التي بعدها فهو يكتم أمراً ويعبّر عن قصد، وليس هذا أوّل طعونه الخفية، فله أشياء كثيرة أسدلنا الستار بيننا وبينها، وكذلك نفعل هنا.

كما نسدله على مؤاخذته في قوله تحت عنوان الخوارج: هذه هي الطوائف التي كانت تدّعي التشيّع لآل عليّ. كمافي صفحة 130 فما كان قصده من ذلك؟ هل أنّ الشيخ تعمّد أن يدخل ما يخصّ الطوائف التي ذكرها سابقاً ويدرجها في الخوارج؟، وهل وضع العنوان هنا خطأ عن غير قصد؟ أما كان هناك قصد والله من وراء القصد.

ومنها: أنّه يجعل الفحص والدراسة للأخبار المدسوسة لازمة لكتب الشيعة، وكأنّ الشيعة قد أهملوا هذه الناحية فليس لهم شروط لقبول الرواية وصفات الراوي ومؤهلاته لتصديق ما يُروى، مع العلم بأنّهم أشدّ الطوائف فحصاً وأعظمهم تدقيقاً في قبول المرويات، فلم يقفوا أمام كتاب موقف قدسية وتحاش عن ردّ رواية يرويها ما لم تجمع شرائط القبول(188)، وليس فيهم من يقول: ولولا هيبة هذا الكتاب لقلت أنّ هذا الحديث غير صحيح، كما يقوله غيرهم أمام كتب ألبسوها أبراداً قدسية، وأضفوا عليها ثياب الصحة، وبرأوها من كلّ ما يشين بسمعة أصحابها من القول بأنّ فيها ما لا يصح. ولا يجرؤ أحدهم على التصريح بالطعن في الحديث لأنه ورد في كتاب الصحيح كما يدّعي، فعلامة صحّة الحديث عند أكثرهم هو وروده في ذلك الكتاب، وأنّ الشيعة يتشددون في قبول الروايات، وباب الاجتهاد مفتوح عندهم، ولهم اُصول قوية، وهم أقدم الفرق في وضع الاُصول. وليس هذا محلاً لبيان ما يتعلّق بهذا الباب، والغرض أنّ المؤلف يطعن في كتب الشيعة بصورة جليّة، ولكنّه يحاول أن لا يظهر عليه ذلك، وقد قلت سابقاً إنّه يتستر بأبراد تنمّ عمّا تحتها.

المختار الثقفي

ثم يتحدّث المؤلّف هنا عن أثر مقتل الحسين(عليه السلام) في النفوس المؤمنة فيقول: وإنّ هذا الأثر قد استغله بعض من اُولئك الذين يستغلون العاطفة القويةالبريئة لينصروها، ويعلنوا انحرافهم من وراء نصرها، وقد كان الاستغلال شديداً بعد مقتل الحسين رضي الله عنه وصلى الله على جده وسلم.

ذلك أنّ المختار الثقفي(189) الذي كان من الخوارج، ثم انتقل إلى الذين يتشيعون لعلي كرم الله وجهه، وأولاده الكرام من بعده، كان قدم الكوفة مع مسلم بن عقيل بن أبي طالب عندما جاءها من قبل الحسين(رضي الله عنه).

ثم يتحدّث عن آراء المختار التي كان يبثّها، وأن فرقة تسمى بالكيسانية قد تكونت تحمل آراءه، وإنها لا تقوم على ألوهية أحد من أهل البيت كالسبئية، ثم يذكر بعض الآراء إلى أن يقول في صفحة 121 :

إنّ تفكير المختار لم ينته، بل كان كالبذر الخبيث الذي يلقى فلا ينتج إلاّ نكدا؛ ويستمر فضيلته فيسود صحائف من كتابه بدون أن يستخلص النتائج التي تحجب وراءها، وهنا نلمس مهارة المؤلف ولباقته في سلوك موارد الطعن من حيث يخفى كما يظن، فأنت لا تنتهي من جملة حتى يصدمك بجملة اُخرى بلهجة قاسية وتعبير شائن، وخلط في الحوادث ومزج في الآراء، وكلّ ذلك نستنكر منه، وإبداء الملاحظات على كلّ ما جاء يطول، ونقتصر على ما يلي:أوّلاً: إنّ حكم المؤلف على المختار بكونه كان خارجياً هو حكم قاس لا يستند إلى مادة علمية، وإنّما أخذه عن قائل مجهول لا يعرف، كما نقل صاحب الإصابة بقوله: ويقال إنّه كان في أول أمره خارجياً ثم صار زيدياً ثم صار رافضياً(190).

وإذا أردنا أن نسلّم بكلّ ما يقال فما الداعي لموازين العلم ومقاييس الرجال، إذن؟، مع أنّ هذه العبارة هي من المضحكات، إذ ورد فيها أنه صار زيدياً، ومتى كانت الزيدية في عصر المختار؟ فهو في القرن الأول والزيدية عرفت في القرن الثاني، إذ المختار قتل سنة (67)(191) هجرية وزيد بن علي بعد لم يولد، وهو الذي تنسب إليه فرقة الزيدية، وقتل سنة (122 هـ)(192) ولنفرض أنّ هذا غلط مطبعي فما القول في كونه صار رافضياً؟ لأنّ هذه الكلمة لم تعرف إلاّ في عهد زيد بن علي(عليه السلام)بإجماع المؤرخين. ولكن الشيخ أخذ من هذا القول الكاذب بعضاً منه وترك البعض الآخر، فجزم بصحته وأصدر حكمه.

ويلزمنا هنا أن نقيس أحكامه الآتية على المختار على هذا النمط من التساهل وعدم التثبّت.ثانياً: قوله قدم الكوفة مع مسلم بن عقيل، وهذا غير صحيح أيضاً، ولا أدري من أين أخذه، لأنّ المختار كان متوطناً في الكوفة ونزل مسلم بن عقيل عليه ضيفاً.ثالثاً: كان الأجدر به واللائق بمكانته أن يدرس الحوادث ويستنطق البيّنات، لأنّ المختار قد أثيرت حوله ضجّة، واتّهم بأشياء كان اللازم على من يتصدر للحكم في محكمة التاريخ أن يدرس ملابسات حياته، إذ المختار له أثره في التاريخ، فهو الثائر على الاُمويين، والمنتقم من أعداء أهل البيت(عليهم السلام)، فما أكثر الموتورين منه! وما أعظم خطره على الدولة الاُموية! هذا من جهة ومن جهة اُخرى، نرى أنّ المؤلف كثيراً ما يعطي النتيجة بدون مقدمات، ويحكم بدون بينة، وهذا شيء لا نقرّه ونؤاخذه عليه، لأنّه قد أخذ على نفسه بدراسته عن المذاهب: "أن يستخلص الحقّ ممّا تأشب به واختلط، كما يستخلص الذهب ممّا اختلط به من مواد غريبة عنه، وإن تم بينه وبينها المزج والاتحاد، وفي هذا السبيل نرد بعض الأقوال ونقبل بعضها كما يفعل الصيرفي، إذ يرد الزيوف من النقود ويقبل النافقة الرائجة"(193).

وليس من الحقّ هنا أن يعرض عما تأشّب به، وليس من الحقّ هنا أن تقبل المزيف ولا تردّه، وإنّك يا فضيلة الشيخ نصبت نفسك هنا حاكماً لا مدّعياً، فكان الأجدر بك ألاّ تأخذ بكلّ ما يقال فتحكم به، وإنّ جزمك بوجود الفرقة السبئية يهدم أملنا بك وبأمثالك من دعاة الوحدة الإسلامية، ممن نرجو بهم إظهار الحقيقة، والقضاء على الأساطير والخرافات، التي وضعت حجر عثرة في طريق تقارب المسلمين، وإنّ اُسطورة ابن سبأ قد آن الأوان لانتزاعها من الأذهان، فهي حديث خرافة لا يليق لرجال العلم أن يعتنوا بها. فهي من وضع الزُنيدقة الذين كان جلّ قصدهم إثارة الفتنة بين المسلمين.

كما أنّ اتهام المختار بما لا يليق به هو من الاُمور المزيفة التي يلزم استخلاصها وعدم قبولها على ما ألحقته به الأغراض والنوايا التي عارضتها ثورته.

هذا كلّه بالنظر إلى قضية اتّهام المختار من حيث ذاتها مجرّدة عن كلّ الملابسات، أمّا إذا نظرنا إليها من حيث ما جرّه عداء الاُمويين له، وتحزّبهم عليه وساعدهم على ذلك قوم موتورون، لأنّه قد حكّم السيف منتقماً ممن أراق دم أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فإذا تعمق الباحث في بحثه، ومشى على ضوء الأدلة متجرداً عن الهوى والعصبية، فلا يجد أيّ سبب لتلك الاتهامات، والمختار بريء ممّا علق بأبراده من درن، وكان من الواجب أن يعطي موقفه ضد أعداء أهل البيت(عليهم السلام)، وموقف أبيه من قبل ضد أعداء الإسلام مزيداً من التريث في إعطاء الحكم عليه بدون درس لقضيته واستنطاق للحوادث(194).

وإن حكم الشيخ أبي زهرة بهذه الصورة المؤلمة، في اسناد الأفكار الخبيثة إليه، وأنّ المختار هو مصدر اختلاف الآراء، ونشر العقائد أمر مخالف للحقّ، وبعيد عن الواقع. وقد اعتمد على قول لا يعرف قائله، وناهيك بما للإستسلام في الأقوال والانقياد في الآراء من جناية على التاريخ والأحداث، والتخلص من قيودهما من أولى مستلزمات البحث الهادف والدراسة العلمية.

الكيسانية

يقول المؤلف: وقد تكوّنت من آراء المختار التي كان يبثّها فرقة تسمّى الكيسانية حملت آراءه، ثم يذكر عقائدهم وبعد ذلك يقول: وهذه الآراء منحرفة بلا شك، وإنّها وإن كانت لفرقة قد قلّ الذين اعتنقوها، قد فتحت باباً للأخيلة الفاسدة التي جاءت من بعد.

وإذا كان الذي أثار هذا التفكير قد ثار للحسين، وأرضى قلوب قوم مؤمنين، فقد كان بهذه الآراء مثيراً لأفكار وجد من بنى عليها، ووسع فيها واسترسل في الخيال إلى درجة الكفر، ولذلك نقول في المختار إنّه خلط عملاً صالحاً بعمل كثير سيء.

ونحن نقول إنّ عمل المختار لم يخالطه ما يسوء، وهو صالح في نفسه وفي عمله وما نبز به من الاتّهام، وما رمي به من سوء الاعتقاد، فهو مفتعل عليه وضعه أعداؤه، ولفّقه خصومه، وغذّته سياسة عصره بروايات موضوعة، وأخبار مفتراة، تشويهاً لسمعته وشلاًّ لاتساع حركته الانتقامية، من قتلة آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد دعا له الإمام السجاد وشكره الإمام الباقر(عليه السلام) على صنيعه وأطراه وترحّم عليه، وكذلك الإمام الصادق(عليه السلام)وتواتر الثناء عليه والذبّ عنه من علماء الشيعة، ولم يغمزه إلاّ من لم يقف على حاله(195).

وأما قول المؤلف: قد تكوّنت من آراء المختار التي كان يبثّها فرقة تسمى الكيسانية حملت آراءه، فهو قول بعيد عن الصواب، لأنا لم نجد في المصادر الموثوق بها شيئاً من ذلك.

فهذا شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي قد ذكر الفرقة الكيسانية في الغيبة(196)، ولم يذكر انتسابها إلى المختار.

والسيد الجزائري ذكر في الأنوار(197) جملة من الفرق ولم يذكر انتماءهم إلى أحد، مع ذكره لكثيرين تعزى إليهم المذاهب.

والسيد مرتضى الرازي في "تبصرة العوام"(198) ذكر أنّ الفرقة الكيسانية تزعم أنّ أبا مسلم الخراساني منها، وقال: أنّه غير صحيح، ولم يذكر المختار أصلاً.

ولو سلّمنا جدلاً أنّ الفرقة الكيسانية تنسب إلى المختار فلا موجب لتلويث سمعته، والحطّ من موالاته، وإلاّ لجرى ذلك في حق إسماعيل بن الصادق لانتساب الإسماعيلية إليه(199).

وقال النوبختي: إنّما لقب المختار كيسان، لأنّ صاحب شرطته المكنى بأبي عمرة كان اسمه كيسان(200).

والحاصل أنّ انتساب الكيسانية إليه لا يدل على أنّه صاحب المذهب وإن كانوا قد انضموا لجيشه، وتابعوه على أخذ الثار، فهو بعيد عن تلك الآراء التي تنسب إليه، ونسبتها إليه نشأت عن ضيق في النظر، وتعصب أعمى، وفساد في الذوق، وانحراف عن الاُصول التي يجب أن يتبعها الباحث، وأنّ التثبت في عزو الآراء ونسبة العقائد لازم قبل الحكم بذلك، كما أنّ فرقة الكيسانية ليس لها وجود معين، وهي من وحي الخيال أسهمت في رسم صورتها الدوافع السياسية.

وأعود فأقول: إنّ فضيلة الشيخ قد جعل من آراء المختار (التي هي كالبذر (الخبيث)،) على حّد تعبيره ـ أساساً لجميع العقائد الفاسدة، والآراء الشاذة، وعلى ذلك نهج في ذكر العقائد وبيان الآراء، وهو يقصد أمراً ويشير إلى شيء من طرف خفي، ويحسب أنّه قد أصاب الهدف ونال الغرض، ولكنّه أخطأ الغرض، وظلم في الحكم، وهو كمن يبني قصوراً في الهواء، أو يخط صحائف في الماء.

إنّنا لم نقصد بهذا العرض الموجز تنزيه المختار ـ وهو المنزه ـ ولكن الغرض خدمة الحقيقة والتاريخ، فنحن نكتب للحقيقة والتاريخ ولم ننكر على الشيخ تهجمه على المختار بدافع العاطفة ـ معاذ الله من ذلك ـ وإنّما ننكر عليه لمخالفته للحقيقة، لأنّا بحثنا كلّ ما ورد في المختار من طعون، وما رمي به من تهم، فوجدنا ذلك بعيداً عن الواقع، وإنّما هي اُمور أوجدها التحامل عليه، والبغض له من قوم موتورين، وقد استخدمت الدولة الاُموية دعاتها، واتّسعت دعايتها ضدّه في وضع أشياء وخلق أحاديث، لتشويه سمعته ورميه بما هو بريء منه، وسنوضح ذلك في محله(201).

والخلاصة انّ كثيراً من الكتّاب يدرسون الاُمور دراسة سطحية فيقعون في الخطأ والظلم الفاحش، إذ يتقبلون كلّ قول، ويحكمون بدون تثبت. نسأل الله لهم الهداية لطريق الصواب وخدمة الاُمة الإسلامية.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَة فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(202).

الإمام الصادق وانصرافه إلى العلم

يتحدّث المؤلف عن الإمام الصادق(عليه السلام) وانصرافه للعلم ـ بعد أن مهد للبحثـ وأنّه(عليه السلام) قد انصرف إلى العلم انصرافاً كليّاً إلى أن يقول :

ولقد خاض في عدّة علوم، وبلغ في أكثرها الذروة ـ بل في جميعها ـ فهو نجم بين علماء الحديث، قد علم أحاديث آل البيت العلوي، وعلم أحاديث غيرهم، وخصوصاً أحاديث عائشة، وعبدالله بن عباس عن جدّه أبي اُمه القاسم بن محمّد، واستمر على منهاجه في إلقاء الحديث.

إلى أن يقول في ص 95 : وساد علماء عصره في الفقه حتى كان يعلم اختلاف الفقهاء، وكان العلماء يتلقّون عنه التخريجات الفقهية، وتفسير الآيات القرآنية المتعلقة بالأحكام الفقهية...

وقد عني بدراسة علوم القرآن، فكان على علم دقيق بتفسيره، وكان على علم بتأويله، يعلم الناسخ والمنسوخ، وكان ذلك ممّا تناول العلماء الكلام فيه، وقد قلنا إنّ القاسم بن محمّد روى عن ابن عباس، وكان ابن عباس أشدّ المتأخرين من الصحابة الذين عنوا بالقرآن الكريم حتى وصف بأنّه ترجمان القرآن، ونحن قد فرضنا فرضاً صادقاً أنّ علم القاسم بن محمّد قد آل إلى حفيده الإمام الصادق فيما آل إليه من علم التابعين.

ونقول بصراحة إنّ أمر الاُستاذ لمريب، وإنّ موقفه ليبعث على الدهشة، نحن نسير على المنهج الواقعي، وهو يبتعد عن ذلك، إنّنا نحاول أن نصل إلى الاُمور بالبرهان، وهو يريد الفرض والتخمين، ومع ذلك يصف ما يذهب إليه بالصدق، فما أدري أيّ الأمرين أعجب، افتراضه في تصوره! أم وصف ذلك بالصدق، وإسباغه صبغة القبول عليه؟!

هذه اُمور لا ترجع إلى تصوّر ولا تخمين، بل هي تعود للواقع من حيث هو.

ولماذا هذا التمحّل ولأيّ شيء هذا الابتعاد عن الواقع؟! وما الضير من تلقي الإمام الصادق علم علي(عليه السلام) من جده زين العابدين(عليه السلام)، وأبيه الباقر(عليه السلام) فقط، وأنّه استقى من ذلك المنهل كما استقى ابن عباس وغيره.

وقد قلت سابقاً في الجزء الثالث من هذا الكتاب: إنّ القول بحضور الإمام الصادق عند أحد من التابعين، أو روايته عنهم لا يثبته التتبع، وهو بعيد عن الصواب، بل هي كلمات يلوكها من يرسل القول على عواهنه، ويعطي الآراء جزافاً، وينقل الأقوال بدون تثبت وتمحيص، لأنّنا لم نجد في حديثه، وما أكثر حديثه وأصدقه! أنّه أسند عن أيّ واحد من الناس سوى آبائه الطاهرين عليهم السلام، فإذا أراد أن يسند فسلسلة حديثه هكذا:

حدّثني أبي الباقر، قال: حدثني أبي زين العابدين، قال: حدثني أبي الحسين، قال حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال حدثني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وهو أصحّ الأسانيد عند علماء الحديث كما تقدّم، وهو الترياق المجرّب كما سمّـاه العلماء.

وربما أرسل حديثه(عليه السلام) بدون إسناد، ولكنّه أعطى قاعدة مشهورة إذ قال: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث أبيه، وحديث أبيه حديث علي بن أبي طالب، وحديث علي حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

ونحن على هذا النهج نسير، فلا دخل للافتراض، ولا معنى للالتزام بالتصوّرات الخيالية، وليس بمستطاع أيّ أحد أن يأتينا برواية للإمام الصادق(عليه السلام) وفي سندها أحد غير آبائه الذين هم أصدق الناس قولاً، وأعلمهم بما جاء به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن المؤسف أنّ الاُستاذ يبرز نفسه بمظهر الاعتزاز بها، والاعتماد على ما توحيه إليه مخيلته من دون التفات إلى ما وراء ذلك من نقص.

إنّه يرى علم أهل البيت لا يكمل حتى يدخل معهم غيرهم ولو كان واحداً، وإننا ننفي ذلك، وهو مصر على رأيه، ولا ندري إلى أيّ حدّ يصل بنا هذا الافتراق؟ إذ لا نسلم له حتى من باب الجدل والتنازل، ونحن نطلب منه التوسّع في الدراسة والرجوع إلى المصادر وترك الافتراض والتخمين، لأنّ الحقيقة أولى من الافتراض وليس للشيخ استخدام هذا الفرض أمام أمر هو في أحاديث أهل البيت من الخصائص والمميزات الى أن يرد اقحام القاسم بن محمّد بن أبيبكر في أمر هو في غنى عنه، وقد أشرنا الى علمه ومكانته في أكثر من موضع في هذا الكتاب وهو الثقة. علم المدينة ص158

يتحوّل الاُستاذ بالحديث عن علم المدينة الفاضلة، ويذكر عهد الراشدين وما قاموا به من نشر الأحكام.

إلى أن يأتي إلى رأي ابن القيّم الجوزية في حصر الدين والفقه وانتشاره في الاُمة بأربعة وهم: ابن مسعود، وزيد بن ثابت وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن عباس إلى آخره.

ويبدأ المؤلّف ملاحظته حول هذا الرأي المخالف للحقيقة لكثرة أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم حملة رسالة الإسلام وفيهم الإمام علي بن أبي طالب، ولننقل للقراء كلمته في ذلك بطولها.

فيقول في ص161: ثمّ إنّ هناك علي بن أبي طالب مكث نحواً من ثلاثين سنة بعد أن قبض الله رسوله إليه يفتي. ويرشد، ويوجه، وقد كان غوّاصاً طالباً للحقائق، وقد أقام في الكوفة نحو خمس سنوات، ولا بدّ أنّه ترك فيها فتاوى وأقضية، وكان فيها المنفرد بالتوجيه والإرشاد، وإنّه قد عرف بغزارة العلم كرم الله وجهه. وعمّق انصرافه إلى الافتاء في مدة الخلفاء قبله، والمشاركة في كلّ الاُمور العميقة التي تحتاج إلى فحص وتقليب للاُمور من كل وجوهها، مع تمحيص وقوة استنباط.

وإنّه يجب علينا أن نقرر هنا أن فقه عليّ وفتاويه وأقضيته لم ترو في كتب السنة بالقدر الذي يتفق مع مدة خلافته، ولا مع المدة التي كان منصرفاً فيها إلى الدرس والإفتاء في مدة الراشدين قبله، وقد كانت حياته كلّها للفقه وعلم الدين، وكان أكثر الصحابة اتصالاً برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فقد رافق الرسول وهو صبي قبل أن يبعث(صلى الله عليه وآله وسلم)واستمر معه إلى أن قبض الله تعالى رسوله إليه، ولذا كان يجب أن يذكر في كتب السنة أضعاف ما هو مذكور فيها(203).

وإذا كان لنا أن نتعرف السبب الذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه فإنّا نقول: إنّه لا بدّ أن يكون للحكم الاُموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والإفتاء، لأنّه ليس من المعقول أن يلعنوا علياً فوق المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه، وينقلون فتاويه وأقواله للناس، وخصوصاً ما كان يتصل منها بأساس الحكم الإسلامي.

والعراق الذي عاش فيه علي رضي الله عنه وكرم وجهه، وفيه انبثق علمه، كان يحكمه في صدر الدولة الاُموية ووسطها حكّام غلاظ شداد، وهم الذين يخلقون الريب والشكوك حوله، حتى أنّهم يتخذون من تكنية النبي له "بأبي تراب" ذريعة لتنقيصه، وهو(رضي الله عنه) كان يطرب لهذه الكنية ويستريح لسماعها؛ لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قالها في محبة كمحبة الوالد لولده.

ولكن هل كان اختفاء أكثر آثار علي(رضي الله عنه) وعدم شهرتها بين جماهير المسلمين سبيلاً لاندثارها، وذهابها في لجّة التاريخ إلى حيث لا يعلم بها أحد. إنّ علياً قد استشهد وقد ترك وراءه من ذريته أبراراً أطهاراً كانوا أئمّة في علم الإسلام وكانوا ممّن يُقتدى بهم، ترك ولديه من فاطمة الحسن والحسين، وترك رواد الفكر محمّد بن الحنفية فأودعهم(رضي الله عنه) ذلك العلم...

أقول ذكرنا هذه الملاحظة مع طولها باختصار وفيها تقرير لحقائق يجب مراعاتها والالتفات إليها بدون تحيّز.

ونحن نأمل أن تلاحظ هذه الملاحظات عند كلّ باحث لإعطاء البحث عن تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم مزيداً من التأمّل والتريث، وعدم إرسال القول بسرعة، وإعطاء الحكم بعجالة، فإنّ تأثير ذلك التدخل الجائر في شؤون الاُمة قد غيّر كثيراً من الحقائق، وأوجد كثيراً من المشاكل في طريق الباحث المتحرر.

وإنّ الحصر الذي ذكره ابن القيم الجوزية(204) كان من جراء ذلك التأثر، شأنه شأن كثير من المؤرخين.

وعلى كلّ حال: فإنّ اتجاه الاُمويين في سياستهم ضد أهل البيت(عليهم السلام)، قد وجهوا به كثيراً من الناس في طريق الانحراف عن الواقع؛ لأنّهم كانوا يحاولون القضاء على مآثر أهل البيت، فلا يسمحون لأحد أن يذكرهم بخير، أو يروي عنهم شيئاً، ومن خالف عوقب بأشد العقاب.

ويعطينا الحسن البصري صورة جلية عن ذلك. فإنّه على عظم منزلته في الدولة الاُموية كان لا يذكر علياً، وإذا حدّث عنه يقول: قال أبو زينب ويظهر الابتعاد عن علي(عليه السلام) حتى ظهر منه ما يوجب الإنكار عليه، فقال له أبان بن عياش: ما هذا الذي يقال عنك أنك قلته في علي؟ فقال: يابن أخي أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة ـ يعني بني اُمية ـ لولا ذلك لسالت بي أعشب(205).

وقال أبو حنيفة النعمان بن ثابت: إن بني اُمية كانوا لا يفتون بقول علي، ولا يأخذون به، وكان علي لا يذكر في ذلك باسمه، وكانت العلامة باسمه بين المشايخ أن يقولوا قال الشيخ(206).

ولعلّ من المستحسن أن نعود لمناقشة الاُستاذ حول كثير من آرائه، وإصدار أحكامه بدون دراسة للاُمور، ومعالجة للموضوع، استسلاماً لما نقله بعضٌ، أو قاله بعضٌ آخر، فإنّ وجود مشكلة الضغط الاُموي، وحجر الأفكار عن حريتها، يوجب التشكيك على الأقل في كل ما يوجد من نُقُول غير لائقة، بمن عرف بالعداء للاُمويين وموالاته لآل علي(عليه السلام).

فهذا الحسن البصري وهو في ثغر البصرة يُعدّ بقوة الدفاع عنهم أعظم من الجيوش المدربة في ساحات الحرب، حتى قالوا: لولا لسان الحسن، وسيف الحجاج لوئدت الدولة المروانية في لحدها، واُخذت من كرها. ومع ذلك يخشى وقوع النقمة عليه إن ذكر علياً بخير، وقد ألجأه الأمر إلى أن ينال منعلي(207).

وعلى هذا سارت الاُمور، واتّسع الخرق، واختلط الحابل بالنابل، وظهرت المشاكل، وسار أكثر الناس زرافات ووحداناً في ركب تلك السياسة الجائرة، يعلنون ولاءهم للدولة بإظهار البراءةمن خصومهم، ويسارعون لنشر الأباطيل وخلق التهم، ووضع الحكايات.

نعم من المستحسن أن نعود، ولكن المجال لايسع لذلك، والذي نريد أن نقوله هنا: إنّه يجب على كلّ كاتب أن يتحرّى الواقع، وأن يحسب للظروف حسابها، ويعالج الاُمور معالجة المتمكن في دراسة عميقة، وفطرة مستقيمة في فهم الأشياء وإصدار الأحكام.

والشيخ المؤلف قد أصدر أحكاماً كثيرة بدون مراعاة للموازين، وأظهر شيء في ذلك إصدار حكمه في حقّ الثائر المجاهد المختار بن أبي عبيدة كما تقدم، ولا نطيل الحديث هنا فيطول المكث، والوقت من ذهب.

الفقهاء السبعة

وبعد ذلك يتحول المؤلف إلى ذكر الفقهاء السبعة فيقول ص 165: ولا بدّ أن نشير إليهم بكلمة لأنّهم يصورون فقه المدينة، وهم كانوا أبرز أساتذته، ومن جهة اُخرى فأحدهم كان جدّ الإمام جعفر الصادق لاُمه.

إنّ انحصار الفقه الإسلامي في مهد تشريعه ومحل تنزيله بهؤلاء السبعة فقط يبعث على الاستغراب، فالمدينة المنورة كانت تزخر برجال الاُمة من أهل العلم، وفيها حلقات الفقه، وإليها يفد طلابه من مختلف الأقطار الإسلامية، ويتخرج منها حفاظ الحديث وحملة الفقة، لأنّها دار هجرة الرسول الأعظم، وموطن الشرع ومبعث النور، وعاصمة الحكم الإسلامي الأول، وفيها أهل بيت النبيّ وعترته "الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" فهم حملة العلم وأعلام الأنام وحكام الإسلام، قوم بنور الخلافة يشرقون وبلسان النبوة ينطقون.

وإنّ الحصر بهؤلاء السبعة أمر يبعث على التساؤل عن أسباب ذلك مع وجود تلك الفئة الصالحة، ولعلّ الجواب لا يعسر على من يدرس تلك الأوضاع، ويقف على حوادث الزمن الذي من أجله كان ذلك الحصر، ولا نعدو الواقع إن قلنا إنّه حصر سياسي يعود لمصلحة الاُمويين لصرف الناس عن الاتصال بأهل البيت(عليهم السلام)، وقد مرّت الإشارة من المؤلف لذلك.

وأرى من اللازم الإشارة لكلّ واحد من الفقهاء السبعة بترجمة موجزةوهم:

 1 ـ سعيد بن المسيب:

هو أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي المتوفى سنة (93 ـ 94 هـ).

تزوّج بنت أبي هريرة الدوسي، وكانت جلّ روايته عنه، وقد ضرب في السياط مرّتين لمخالفته الحكّام فيما يرونه. (208)

2 ـ عروة:

أبو عبدالله المدني عروة بن الزبير بن العوام المتوفى سنة (92 هـ).

كان من المبرزين في الدولة، وكان كثير الرواية عن خالته اُم المؤمنين عائشة، وكان عبد الملك يشيد بذكره حتى قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير، وقد حضر الجمل مع أبيه الزبير في حرب علي.(209)

3 ـ عبد الرحمن:

أبو بكر عبدالله بن الحارث المتوفى سنة (94 هـ).

كان أبوه الحارث أخاً لأبي جهل لاُمه، وكان عبد الرحمن في جيش البصرة مع عائشة، وكان صغيراً فرد هو وعروة بن الزبير عن القتال وكان أعمى.(210)

4 ـ عبيد الله:

أبو عبدالله عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود المتوفى سنة (98 هـ).

كان أكثر ما يروي عن عائشة، وأبي هريرة وابن عباس، وقد تتلمذ له عمر ابن عبدالعزيز، فكان بذلك موضع إجلال وتقدير، وكان أديباً شاعراً، ومن شعره ما ذكره ابن الجوزي في كتاب ذم الهوى قال: قدمت امرأة من هذيل المدينة، فخطبها الناس، وكادت تذهب بعقول أكثر هم لفرط جمالها، فقال فيها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:

اُحبك حباً لو علمت ببعضه *** لجدت ولم يصعب عليك شديد

اُحبك حباً لا يحبك مثله *** قريب ولا في العاشقين بعيد

وحبيك يا اُم الصبي مدلهي *** شهيدي أبو بكر فذاك شهيد

ويعلم وجدي قاسم بن محمد *** وعروة ما ألقى بكم وسعيد

ويعلم ما عندي سليمان علمه *** وخارجة يبدي بنا ويعيد

متى تسألي عما أقول فتخبري *** فلله عندي طارف وتليد (211)

وهؤلاء الذين استشهد بهم وهو معهم هم الفقهاء السبعة.

5 ـ سليمان:

أبو أيوب سليمان بن يسار أخو عطاء، مولى ميمونة المتوفى سنة (100 هـ أو 107 هـ) كان أكثر ما يروي عن عائشة وأبي هريرة. (212)

6 ـ خارجة:

أبو زيد المدني خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري المتوفى سنة (99 ـ 100هـ) أحد الفقهاء السبعة كان قليل الحديث وكان فقيه رأي ولم يذكره الذهبي في حفّاظ الحديث، لأنّه قليل الرواية (213)، ولكنّ الاُستاذ أبا زهرة حكم له بكثرة الرواية وكثرة الإفتاء بالرأي.

تنبيهات

1 ـ إنّنا لم نتعرّض لترجمة هؤلاء الفقهاء بالتفصيل حذراً من الإطالة في الموضوع، وأنّ ذلك يجرّنا إلى البحث حول سعيد بن المسيب والاختلاف في نزعته، فقد ورد في بعض الروايات أنّه كان من حواريي الإمام زين العابدين، وأخصّ تلامذته كرواية علي بن أسباط عن أبي الحسن.

وكان يظهر المعارضة للاُمويين، وينقم على معاوية ما خالف فيه أحكام الإسلام، كإلحاقه زياد بن سمية بأبي سفيان؛ وقد ولد من الزنا على فراش أبي عبيد، وخالف بذلك الحديث المشهور: الولد للفراش وللعاهر الحجر.(214)

ويستدل بعضهم بهذه المعارضة أنّه كان على صلة تامّة بأهل البيت(عليهم السلام)، وأنّ هناك روايات تدل على ابتعاده عنهم، والأمر يدعو إلى مزيد من البيان، ولا يمكن ذلك بهذه العجالة وإعطاء الرأي الصحيح فيه.

2 ـ إنّنا تركنا التعرض لترجمة القاسم بن محمد بن أبي بكر اكتفاء بما سبق.

3 ـ إنّ قول المؤلّف أبي زهرة في أول ذكره الفقهاء السبعة: أنّهم كانوا من أبرز أساتذة الإمام الصادق، لم يكن مبنياً على حجة ولا مستنداً إلى دليل بل هو قول يفرضه، ورأي يرتئيه ولا يقرّه التتبع، وما أكثر ما يفترضه الاُستاذ وما يتخيّله ولا يثبت ذلك أمام الحقائق!

والخلاصة أنّ هؤلاء الفقهاء السبعة لم يكن الإمام الصادق راوياً عن واحد منهم، ولم يأخذ العلم عنهم، بل كان أكثر هؤلاء رواة لحديث أبيه وجدّه ومن تلامذتهما، وقد ذكرنا في الجزء الثالث(215) من هذا الكتاب ردّ قول من يزعم أنّ الإمام الصادق كان يروي عن عروة بن الزبير.

وعلى كلّ حال: فإنّ القول بأخذ الإمام الصادق عن هؤلاء إنّما هو من باب التخمين والافتراض، وذلك لا يثبت حقيقة ولا يدل على واقع.

4 ـ إنّ حصر الفقه في هؤلاء السبعة أمر يدعو إلى الاستغراب والتساؤل، فهل كان ذلك أمراً واقعياً بحيث أنّ هؤلاء هم المبرزون في عصرهم والمجمع على فقاهتهم؟. وهل أقرّ لهم أقرانهم بذلك، وشهد لهم أساتذتهمبه؟

نحن لا نعرف لهذا أسباباً واقعية، وإنّما يغلب على الظن ويتبادر إلى الذهن أنّها فكرة سياسية لاستخدام التشريع الإسلامي في أغراض الولاة، تأييداً للدولة وكسباً لرضا الاُمة الناقمة على وضع النظام القائم، لانحرافه عن نظم الإسلام، وابتعاد رجال السلطة عن العمل به.

فكان لجوؤهم إلى تعيين رجال يؤخذ العلم عنهم، وأحكام التشريع منهم، أمراً يأملون به ردّ المؤاخذات، وصرف الناس عن الالتقاء بمن هو خصم لهم، ولا يحبّون أن يظهر أمره أو ينتشر ذكره.

وإذا أردنا أن نلقي نظرة فاحصة عن أسباب الاختصاص بهؤلاء دون سواهم فإنّا نجد ذلك يرجع إلى صفات يتحلّى بها هؤلاء أكثر من غيرهم.

فسعيد بن المسيب مثلا كان جلّ روايته عن صهره أبي هريرة الدوسي، وكان يأخذ بقضاء عمر وفقهه حتى قيل إنّه راويةعمر وحامل علمه، وكلّ ذلك لايعارض أهداف السلطة الحاكمة، لأنّها تهتم إذا ما ذكر علي ونشر علمه، أو كان لأهل بيته ذكر في المجتمع العلمي.

وعروة بن الزبير هو راوية اُم المؤمنين خالته عائشة، وكان يتألّف الناس بالرواية عنها، وهو من أعوان الدولة الأموية، والسائرين في ركابها، وقد روى عن اُم المؤمنين عائشة أشياء لا يقبلها العقل. (216)

وأما القاسم بن محمد فهو حفيد أبي بكر الصديق وله منزلة علمية، ومكانة لاتجهل، وإشادة الدولة بذكره يعود عليها بالنفع، وإن لم يرتض ذلك أو يقبله هو، فالسياسة تهدف إلى منافعها قبل كل شيء، وهكذا بقية الجماعة من الفقهاء السبعة.

والغرض أنّ هذا الحصر كان أمراً مقصوداً وشيئاً مدبّراً، وربما يلمح له شعر عبيد الله بن عبد الله السابق الذكر في استشهاده بهؤلاء الجماعة، إذ يتجلى منه أنّه أمر مقرر، وشيء مشهور.

كما أنّ ابتعاد الناس عن الفتوى في ذلك الزمان ودفع السائل إلى أحد هؤلاء يستنتج منه الإلزام والتعين.

قال أبو إسحاق: كنت أرى الرجل في ذلك الزمان وإنّه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس، حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسبب كراهية للفتيا (217).

5 ـ عقّب الاُستاذ أبو زهرة هذا الموضوع بأشياء لا نتعرض لها، وكلّ ذلك يدور حول أخذ الإمام الصادق عن غير أهل بيته، ولكنّه لم يهتدِ للطريق ولم يصل إلى الهدف.

6 ـ إنّنا لم نتعرض في ابداء الملاحظات حول موضوع الرأي والحديث الذي جاء بعد هذا الموضوع، لأنّنا قد أشرنا إليه في الجزء الأول فلا نحبّ الإعادة والإطالة.

 

 

 (113) الإمام مالك لأبي زهرة ص15.

(114) الإمام الصادق لأبي زهرة ص3.

(115) الإمام زيد ص4.

(116) المحاضرات ص28 ـ 38.

(117) كتاب الشعب ص469 ـ 489.

(118) الإمام الصادق لأبي زهرة ص184 ـ 185.

(119) وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وابن تيمية وابن حزم وزيد بن علي وكلها مطبوعة منتشرة.

(120) الإمام الصادق ص2 ـ 4.

(121) الإمام الصادق ص2.

(122) الإمام الصادق لأبي زهرة ص125.

(123) المحاضرات ص8، والآية في سورة البقرة: 134.

(124) ابن حزم لأبي زهرة ص119.

(125) المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ص66.

(126) المحاضرات ص23 ـ 34.

(127) مقدمة كتاب أبو حنيفة لأبي زهرة.

(128) مقدمة كتاب أبو حنيفة للسيد عفيفي.

(129) مفتاح السعادة ج1 ص71.

(130) المناقب للمكي ج1 ص12.

(131) الياقوتة لابن الجوزي ص48 وكتاب اشراط الساعة ص120.

(132) جامع المسانيد ج1 ص14 ـ 20 الدر المختار في شرح تنوير الأبصار ج1 ص52 و54.

(133) الدر المختار في شرح تنوير الأبصار ج1 ص52 54.

(134) تهذيب تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 32.

(135) المصدر السابق ص 34.

(136) طبقات الحنابلة ج 1 ص 13.

(137) المصدر السابق ص 15.

(138) الإمام الصادق لأبي زهرة ص6.

(139) الإمام الصادق لأبي زهرة ص11.

(140) الكافي ج7 ص9 و 10، باب الوصيّة للوارث ح1 .

(141) من لا يحضره الفقيه للصدوق ج4 ص194، وسائل الشيعة ج3 ص375، 15 باب جواز الوصية للوارثح12.

(142) تحف العقول للحراني ص34، شرح نهج البلاغة ج1 ص 128.

(143) البقرة: 180.

(144) نيل الأوطار ج6 ص39 ـ 40.

(145) نيل الأوطار للشوكاني ج6 ص40.

(146) بدائع الصنائع للكاماني الحنفي ج7 ص331.

(147) المحلى لابن حزم ج9 ص519.

(148) نيل الأوطار ج6 ص135.

(149) المحلى ج9 ص520.

(150) العدة لمحمد بن إسماعيل الصنعاني ج4 ص195.

(151) نيل الأوطار ج6 ص136.

(152) المصدر السابق.

(153) العدّة ج4 ص195.

(154) الإمام الصادق لأبي زهرة ص291.

(155) الأعراف 12.

(156) الإمام الصادق لأبي زهرة ص517.

(157) الإمام الصادق لأبي زهرة ص293.

(158) أبو نعيم هو أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني المتولد سنة (336 هـ) والمتوفى سنة (430 هـ) له كتب كثيرة منها كتاب الحلية في عشرة أجزاء وهو من حفاظ الدنيا وقد تعصّب عليه الحنابلةفهجر.

(159) حلية الأولياء ج3 ص196.

(160) عبدالله بن شبرمة الضبي الكوفي المتوفى سنة (144 هـ) قاضي الكوفة وأحد الأعلام روى عن أنسوأبي الطفيل والشعبي، وعنه شعبة والسفيانان وابن المبارك، قال العجلي: كان فقيهاً عاقلاً عفيفاً ثقة شاعراً حسن الخلق.

(161) الأعراف 12 .

(162) المناقب للكردري ج1 ص208.

(163) المناقب للخوارزمي ج1 ص167 ـ 197.

(164) شذرات الذهب ج1 ص295 والخلاصة للخزرجي ص179 ومناقب أبي حنيفة للكردري ج2 ص167.

(165) المناقب للكردري ج1 ص161 ـ 163.

(166) المناقب للكردري ج1 ص162.

(167) تكملة الفهرست ص 8 .

(168) نظرات في الكتب الخالدة لحامد حفني داود ص182، التحفة الاثنا عشرية للآلوسي ص8، جامع المقاصد للمحقق الكركي ج1 ص21.

(169) البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص107.

(170) الحلية ج3 ص137 ـ 138.

(171) تهذيب الكمال ج9 ص86 / 1863.

(172) تهذيب الكمال ج9 ص87 / 1864.

(173) تهذيب الكمال ج20 ص403 / 4050.

(174) الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال ص131، وتذكرة الحفاظ ج1 ص124 وتهذيب الأسماء واللغات للنووي ج1 ص200 وغيرها من كتب الرجال.

(175) كتاب الإمام زيد لأبي زهرة ص39.

(176) الصحيح أن ولادة زيد كانت سنة (66 ـ 67 هـ) وما ذكر هنا غير صحيح وان ذكر ذلك بعض المؤرخينلأن الثابت أن اُم زيد اشتراها المختار بن أبي عبيدة وكان قتل المختار سنة (66 هـ).

(177) هو أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال المتولد سنة (80 هـ) والمتوفى سنة (131 هـ) رئيس المعتزلة الأولوهو واضع الاُصول الخمسة التي يرتكز عليها الاعتزال وروى الجاحظ عنه أنه كان يزعم أن جميع المسلمين كفروا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو تلميذ الحسن البصري واختلف معه في مسألة مرتكب الكبيرة واعتزل عنه فقال الحسن اعتزل عنا واصل فسمي هو وأصحابه معتزلة.

(178) الإمام الصادق لأبي زهرة ص201.

(179) تاريخ القرماني ج1 ص336.

(180) انظر تاريخ الشيعة للمظفر ص46.

(181) حلية الأولياء ج3 ص199.

(182) الكهف: 5 .

(183) ضحى الإسلام ج2 ص117 و118 أضواء على السنّة المحمّدية ص302 ـ 304.

(184) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص109 .

(185) تهذيب التهذيب ج8 ص146.

(186) مجلة الرسالة ص402 السنة الخامسة.

(187) تاريخ التربية الإسلامية ص345.

(188) هداية الأبرار ص121 ـ 130.

(189) هو المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عمر الثقفي وكنيته أبو إسحاق ولد عام الهجرة واُمّه دومة بنت وهب وقتل سنة (67 هـ) قتله مصعب بن الزبير وقتل من أصحابه سبعة آلاف رجل كلهم خرجوا معه للطلب بدم الحسين (عليه السلام).

(190) الإصابة ج3 ص519.

(191) الكامل في التاريخ ج4 ص278.

(192) سير أعلام النبلاء ج5 ص390 / 178.

(193) كتاب مالك لأبي زهرة ص15.

(194) أضفنا باباً عن ثورة المختار في كتابنا "مع الحسين في نهضته" بطبعته الجديدة إن شاء الله.

(195) كتاب فرق الشيعة ص23 تعليق العلامة الجليل السيد محمّد الصادق آل بحر العلوم.

(196) الغيبة ص15.

(197) الأنوار النعمانية ج2 ص225 ـ 354.

(198) تبصرة العوام ص178 "فارسي".

(199) انظر رسالة "تنزيه المختار" المطبوعة مع كتاب "زيد الشهيد" لمؤلفهما العلامة السيد عبدالرزاق المقرم وقد تكفلت هذه الرسالة ـ على صغرها ـ ترجمة المختار ورد الشبه عنه بالطرق العلمية بأوجز عبارة وأوضح بيان.

(200) الفِرق للنوبختي ص22.

(201) ستأتي ترجمة المختار في كتابنا تاريخ الكوفة الذي وضعناه حول حوادث الكوفة ونسأل الله إكماله وإنجازه.

(202) الحجرات 6.

(203) ينابيع المودة ج1 ص45 ـ 160 الفصول المهمة ص29 ـ 136 مطالب السؤول ص61 ـ 221.

(204) هو محمّد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي الحنبلي المتولد سنة (690 هـ) والمتوفى سنة (751 هـ) كان من تلامذة ابن تيمية وسجن معه وله حملات على سائر الطوائف بلهجة قاسية وله قصيدة نونية يذكر فيها عقائد الفرق وينتصر بها للمجسمة.

(205) الحسن البصري لابن الجوزي ص7.

(206) مناقب أبي حنيفة للمكي ج1 ص171.

(207) الحسن البصري لابن الجوزي ص7.

(208) تهذيب التهذيب ج 4 ص 78 / 2489.

(209) انظر تاريخ دمشق ج 40 ص 237 / 4687.

(210) سير أعلام النبلاء ج 5 ص 352 / 532.

(211) شذرات الذهب ج 1 ص 104.

(212) تهذيب التهذيب ج 4 ص 206 / 2713.

(213) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 71 / 82.

(214) مجمع الزوائد ج2 ص80، شرح مسلم للنووي ج10 ص37.

(215) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج3 ص33 .

(216) سنن أبي داود ج 2 ص 223 ح 2016 باب فيمن حرم به .

(217) أعلام الموقعين ج1 ص 18.