كربلاء

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات,حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز, عن محمد بن الحسين, عن محمد بن سنان, عن أبي سعيد القماط, عن عمر بن يزيد بياع السابري, عن أبي عبد الله (عليه السلام), قال: إن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري, ويأتيني الناس من كل فج عميق, وجُعلت حرم الله وأمنه, فأوحى الله إليها أن كفي وقري فوعزتي وجلالي ما فَضل ما فُضِّلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلا بمنزلة الابرة غمست في البحر فحملت من ماء البحر, ولولا تربة كربلاء ما فضلتك, ولولا ما تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت به, فقري واستقري وكوني دنياً متواضعاً ذليلاً مهيناً, غير مستنكف ولا مستكبر لارض كربلاء, والا سخت بك وهويت بك في نار جهنم.[1]

 

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات, حدثني أبي عن علي بن ابراهيم بن هاشم, عن أبيه, عن محمد بن علي قال: حدثنا عباد أبو سعيد العصفري, عن صفوان الجمال, قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله تبارك وتعالى فضّل الأرضين والمياه بعضها على بعض, فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت, فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله, حتى سلط الله المشركين على الكعبة وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه, وإن أرض كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى وبارك الله عليهما, فقال لها: تكلمي بما فضلك الله تعالى فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض, قالت: أنا أرض الله المقدسة المباركة, الشفاء في تربتي ومائي, ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك, ولا فخر على من دوني بل شكراً لله فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين (عليه السلام) وأصحابه.[2]

 

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات, حدثني أبو العباس الكوفي, عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب, عن أبي سعيد العصفري, عن عمرو بن ثابت, عن أبيه, عن أبي جعفر (عليه السلام), قال: خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وقدسها وبارك عليها, فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أوليائه في الجنة.[3]

 

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات,حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز, عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب, عن أبي سعيد, عن بعض رجاله, عن أبي الجارود قال: قال علي بن الحسين (صلى الله عليه و آله): اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام, وإنه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيَّرها رُفعت كما هي بتربتها نورانية صافية, فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنة وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون أو قال أولو العزم من الرسل, وانها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الارض, يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعاً, وهي تنادي: أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة.[4]

 

* العلامة المجلسي في البحار,روي أن رسول الله كان يوماً مع جماعة من أصحابه ماراً في بعض الطريق, وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق, فجلس النبي (صلى الله عليه و آله) عند صبي منهم, وجعل يُقبل ما بين عينيه ويلاطفه, ثم أقعده على حجره وكان يُكثر تقبيله, فسُئل عن علة ذلك, فقال (صلى الله عليه و آله): إني رأيت هذا الصبي يوماً يلعب مع الحسين ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه, ويمسح به وجهه وعينيه, فأنا أُحبه لحبه لولدي الحسين, ولقد أخبرني جبرئيل أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلاء.[5]

 

* الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد,روى لنا جماعة عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال, عن أبيه, عن جده صفوان قال: استأذنت الصادق (عليه السلام) لزيارة مولانا الحسين (عليه السلام) فسألته أن يُعرفني ما أعمل عليه - فذكر الزيارة وكيفيتها إلى أن يقول - ثم توجه إلى الشهداء وقل: السلام عليكم يا أولياء الله وأحباءه, السلام عليكم ياأصفياء الله وأوداءه, السلام عليكم يا أنصار دين الله, السلام عليكم يا أنصار رسول الله, السلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين, السلام عليكم يا أنصار فاطمة سيدة نساء العالمين, السلام عليكم يا أنصار أبي محمد الحسن بن علي الولي الناصح, السلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله, بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم فوزاً عظيماً فيا ليتني كنت معكم فأفوز معكم, [...] الخبر.[6]

 

* العلامة المجلسي في البحار, جعفر بن محمد الفزاري معنعنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:كان الحسين مع أمه تحمله فأخذه النبي(صلى الله عليه و آله) وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك, قالت فاطمة الزهراء: يا أبت أي شيء تقول؟ قال: يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء، ويتهادون إلى القتل، وكأني أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم, قالت: يا أبه وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له كربلا وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الامة يخرج عليهم شرار أمتي لو أن أحدهم شَفَع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه، وهم المخلدون في النار, قالت: يا أبه فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله ويبكيه السماوات والأرضون، والملائكة، والوحش، والنباتات، والبحار، والجبال ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم أولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوام الأرض، وبهم ينزل الغيث.

فقالت فاطمة الزهراء (عليها السلام): يا أبه إنا لله! وبكت فقال لها: يا بنتاه إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قتلة أهون من ميتة، ومن كتب عليه القتل، خرج إلى مضجعه، ومن لم يقتل فسوف يموت, يا فاطمة بنت محمد أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار يأمر النار فتطيعه، يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء, أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق، وأُمرت النار أن تطيعه؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك،وتأسّف عليه كل شيء؟ أما ترضين أن يكن من أتاه زائراً في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر، ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا, قالت: يا أبه سلّمت، ورضيت وتوكلت على الله، فمسح على قلبها ومسح عينيها، وقال: إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقر عيناك، ويفرح قلبك.[7]

* الشيخ الصدوق في الأمالي,حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور & قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر, عن عمه عبد الله بن عامر, عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قال الرضا (عليه السلام): إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال, فاستحلت فيه دماؤنا, وهتكت فيه حرمتنا, وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا, وأضرمت النيران في مضاربنا[8], وانتهب ما فيها من ثقلنا, ولم ترع لرسول الله (صلى الله عليه و آله) حرمة في أمرنا, إن يوم الحسين أقرح جفوننا, وأسبل دموعنا, وأذل عزيزنا, بأرض كرب وبلاء, أورثتنا الكرب والبلاء, إلى يوم الانقضاء, فعلى مثل الحسين فليبك الباكون, فإن البكاء يحط الذنوب العظام,[9] ثم قال (عليه السلام): كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً, وكانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام, فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه, ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات الله عليه.[10]

 

* السيد حسين شيخ الاسلامي في مسند فاطمة الزهراء (عليها السلام), روي أن زينب بنت علي بن أبي طالب (عليها السلام) لمَّ تولَّدت, أخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله), فجاء سيد الأنبياء (صلى الله عليه و آله) منزل فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقال لها: يا بنية ايتيني بنتك المولودة, فلما أحضرتها أخذها وضمها إلى صدره الشريف ووضع خده المنيف[11] إلى خدها فبكى بكاءاً عالياً, وسال الدمعُ على محاسنه جارياً, فقالت فاطمة (عليها السلام): لماذا بكاؤك لا أبكى الله عينيك يا أبتاه؟! فقال (صلى الله عليه و آله): يا بنية يا فاطمة فاعلمي أن هذه البنت بعدك وبعدي ابتلت على البلايا ووردت عليها المصائب شتى, ورزايا أدها.

قال الراوي: فحينئذ بكت فاطمة (عليها السلام) وقالت: ما لمن بكى عليها وعلى مصابها من الأجر؟ قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا بضعتي وقرة عيني, إن مَن بكى عليها وعلى مصائبها يكون ثواب بكائه كثواب من بكى على أخويها, ثم سمَّاها زينب (عليها السلام).[12]

 

* العلامة المجلسي في البحار,عبيد الله بن الفضل بن محمد بن هلال,عن سعيد بن محمد، عن محمد ابن سلام الكوفي، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسى بن أبي شيبة القاضي، عن نوح بن دراج، عن قدامة بن زائدة، عن أبيه قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام): بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله (عليه السلام) أحياناً؟ فقلت: إن ذلك لكما بلغك، فقال لي: فلما ذا تفعل ذلك ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداًعلى محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الامة من حقنا؟ فقلت: والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه، فقال: والله إن ذلك لكذلك، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً, فقال: أبشر! ثم أبشر! ثم أبشر! فلأخبرنَّك بخبر كان عندي في النخب المخزونة, إنه لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقتل أبي (عليه السلام)، وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الاقتاب يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى، ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري، ويشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج، وتبيَّنت ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى، فقالت ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي؟ فقلت: وكيف لا أجزع ولا أهلع، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعراء، مسلبين لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر! فقالت: لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والايام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً, فقلت: وما هذا العهد وما هذا الخبر؟ فقالت: حدثتني أم أيمن أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) زار منزل فاطمة (عليها السلام) في يوم من الايام، فعملت له حريرة صلى الله عليهما، وأتاه علي (عليه السلام) بطبق فيه تمر ثم قالت أم أيمن: فأتيتهم بعس[13] فيه لبن وزبد، فأكل رسول الله (صلى الله عليه و آله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام من تلك الحريرة، وشرب رسول الله (صلى الله عليه و آله) وشربوا من ذلك اللبن، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد، ثم غسل رسول الله (صلى الله عليه و آله) يده وعلي(عليه السلام) يصب عليه الماء,فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام نظراً عرفنا فيه السرور في وجهه، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياًثم وجه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا، ثم خر ساجداً وهو ينشج، فأطال النشوج وعلا نحيبه، وجرت دموعه، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الارض ودموعه تقطر كأنها صوب المطر، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (صلى الله عليه و آله)، وهِبناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك، قال له عليوقالت له فاطمة: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك! فقد أقرح قلوبنا ما ترى من حالك! فقال: يا أخي سررت بكم سروراً ما سررت مثله قط وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليَّ فيكم، إذ هبط علي جبرئيل فقال يا محمد إن الله تبارك وتعالى اطلع على ما في نفسك وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك، فأكمل لك النعمة، وهناك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة لا يفرق بينك وبينهم يُحبون كما تُحبى، ويعطون كما تعطى، حتى ترضى وفوق الرضا، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا, ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملتك ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك خبطاً خبطاً، وقتلاً قتلاً، شتى مصارعهم، نائية قبورهم، خيرة من الله لهم ولك فيهم، فاحمد الله عز وجل على خيرته وارض بقضائه، فحمدت الله ورضيت بقضائه بما اختاره لكم,ثم قال جبرئيل: يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك يقتله أشر الخلق والخليقة، وأشقى البرية، نظير عاقر الناقة ببلد تكون إليه هجرته، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده، وفيه على كل حال يكثر بلواهم ويعظم مصابهم, وإن سبطك هذا وأومأ بيده إلى الحسين (عليه السلام) مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك، وأخيار من أمتك، بضفة الفرات، بأرض تدعى كربلاء من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك، في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تفني حسرته، وهي أطهر بقاع الارض وأعظمها حرمة، وإنها لمن بطحاء الجنة، فإذا كان ذلك اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله، وأحاطت بهم كتائب أهل الكفر واللعنة، تزعزعت الارض من أقطارها، ومادت الجبال وكثر اضطرابها واصطفقت البحار بأمواجها، وماجت السماوات بأهلها، غضباً لك يا محمد ولذريتك واستعظاماً لما ينتهك من حرمتك، ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك، ولا يبقى شيء من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك فيوحي الله إلى السماوات والارض والجبال والبحار من فيهن: إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب، ولا يعجزه ممتنع، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام، وعزتي وجلاليلأعذبنَّ من وتر رسولي وصفيي، وانتهك حرمته وقتل عترته، ونبذ عهده وظلم أهله عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين! فعند ذلك يضج كل شيء في السموات والارضين، بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك، فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها، تولى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبط إلى الارض ملائكة من السماء السابعة، معهم آنية من الياقوت والزمرد، مملوءة من ماء الحياة، وحلل من حلل الجنة، وطيب من طيب الجنة، فغسلوا جثثهم بذلك الماء، وألبسوها الحلل، وحنطوها بذلك الطيب وصلى الملائكة صفاًصفاً عليهم, ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسماًلقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لاهل الحق، وسبباً للمؤمنين إلى الفوز، وتحفه ملائكة من كل سماء مائة ألف ملك في كل يوم وليلة، ويصلُّون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لزواره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمتك متقرباً إلى الله وإليك بذلك، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم، ويسمون في وجوههم بميسم نور عرش الله: هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الانبياء,فإذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الابصار، يدل عليهم ويُعرفون به, وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي أمامنا، ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عدده، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق، حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد أو قبر أخيك أو قبر سبطيك، لا يريد به غير الله عز وجل وسيجد أناس حقت عليهم من الله اللعنة والسخط أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً.

ثم قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): فهذا أبكاني وأحزنني، قالت زينب: فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي (عليه السلام) ورأيت أثر الموت منه، قلت له يا أبه حدثتني أم أيمن بكذا وكذا, وقد أحببت أن أسمعه منك، فقال يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن، وكأني بكِ وببنات أهلك سبايا بهذا البلد، أذلاء خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً، فوالذي فلق الحبة وبرء النسمة، ما لله على الارض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم,ولقد قال لنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) حين أخبرنا بهذا الخبر: أن إبليس في ذلك اليوم يطير فرحاً، فيجول الارض كلها في شياطينه وعفاريته، فيقول: يا معشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم السوء إلا من اعتصم بهذه العصابة، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وبأوليائهم، حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم، ولا ينجو منهم ناج,ولقد صدق عليهم إبليس ظنه وهو كذوب إنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح، ولا يضر مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر, قال زائدة: ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام) بعد أن حدثني بهذا الحديث: خذه إليك، أما لو ضربت في طلبه آباط الابل حولاً لكان قليلاً[14].[15]

 

* الشيخ الصدوق في الأمالي,حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق & قال: حدثنا محمد ابن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي, عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي, عن الحسن بن علي بن أبي حمزة, عن أبيه, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس - في حديث طويل - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أما الحسين فإنه مني، وهو ابني وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجة الله على خلقه أجمعين، وهو سيد شباب أهل الجنة، وباب نجاة الامة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما رأيته تذكرت ما يصنع به بعدي، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يجار، فأضمه في منامه إلى صدري، وآمره بالرحلة على دار هجرتي، وأبشره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء وقتل وفناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من[16] سادة شهداء أمتي يوم القيامة، كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعاً! ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً! ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه و آله) وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام (صلى الله عليه و آله) وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله.[17]

 

* ابن نما الحلي في مثير الأحزان, روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: لما اشتد برسول الله (صلى الله عليه و آله) مرضه الذي مات فيه وقد ضم الحسين (عليه السلام) إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول ما لي وليزيد لا بارك الله فيه اللهم العن يزيد ثم غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عز وجل.[18]

 

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات, حدثني أبي وجماعة مشايخي رحمهم الله, عن سعد بن عبد الله, عن أحمد بن محمد بن عيسى, عن جعفر بن محمد بن عبيد الله, عن عبد الله بن ميمون القداح, عن أبي عبد الله (عليه السلام), قال: مر أمير المؤمنين (عليه السلام) بكربلاء في أناس من أصحابه, فلما مر بها اغرورقت عيناه بالبكاء ثم قال: هذا مناخ ركابهم وهذا ملقى رحالهم, وهنا تهرق دماؤهم, طوبى لك من تربة عليك تهرق دماء الأحبة.[19]

 

* الشيخ الصدوق في الأمالي,حدثنا محمد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، قال: حدثنا علي بن عاصم، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في خروجه إلى صفين، فلما نزل بنينوى وهو شط الفرات، قال بأعلى صوته: يا بن عباس، أتعرف هذا الموضع؟ فقلت له: ما أعرفه، يا أمير المؤمنين, فقال علي (عليه السلام): لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي, قال: فبكى طويلاً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً، وهو يقول: أوه! أوه! مالي ولآل أبي سفيان، مالي ولآل حرب، حزب الشيطان، وأولياء الكفر، صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم, ثم دعا بماء فتوضأ وضوءه للصلاة وصلى ما شاء الله أن يصلي، ثم ذكر نحو كلامه الاول، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثم انتبه فقال: يا ابن عباس, فقلت: ها أنا ذا, فقال: ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟ فقلت: نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين, قال: رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض، قد تقلدوا سيوفهم، وهي بيض تلمع، وقد خطوا حول هذه الارض خطة، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الارض تضطرب بدم عبيط، وكأني بالحسين سخلي[20] وفرخي ومضغتي ومخي قد غرق فيه، يستغيث فلا يغاث، وكأن الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون: صبراً آل الرسول، فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة, ثم يعزونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشر، فقد أقر الله به عينك يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، ثم انتبهت هكذا, والذي نفس علي بيده، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم (صلى الله عليه و آله) أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة، وأنها لفي السماوات معروفة، تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس, ثم قال: يا ابن عباس، اطلب لي حولها بعر الظباء، فوالله ما كذبت ولا كذبت، وهي مصفرة، لونها لون الزعفران, قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي, فقال علي (عليه السلام): صدق الله ورسوله, ثم قام (عليه السلام) يهرول إليها، فحملها وشمها، وقال: هي هي بعينها، أتعلم يا بن عباس ما هذه الابعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم (عليه السلام)، وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون فرأى ها هنا الضباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسى (عليه السلام) وجلس الحواريون معه، فبكى وبكى الحواريون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى, فقالوا: يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟ قال: أتعلمون أي أرض هذه؟ قالوا: لا, قال: هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة البتول شبيهة أمي، ويلحد فيها، طينة أطيب من المسك لانها طينة الفرخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الانبياء وأولاد الانبياء، فهذه الظباء تكلمني وتقول: إنها ترعى في هذه الارض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك، وزعمت أنها آمنة في هذه الارض, ثم ضرب بيده إلى هذه الصيران[21] فشمها، وقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها، اللهم فأبقها أبداً حتى يشمها أبوه فتكون له عزاء وسلوة، قال: فبقيت إلى يوم الناس هذا، وقد اصفرت لطول زمنها، وهذه أرض كرب وبلاء, ثم قال بأعلى صوته: يا رب عيسى بن مريم، لا تبارك في قتلته، والمعين عليه، والخاذل له، ثم بكى بكاء طويلاً وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً، ثم أفاق، فأخذ البعر فصره في ردائه، وأمرني أن أصرها كذلك، ثم قال: يا بن عباس، إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً ويسيل منها دم عبيط، فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس: فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظى لبعض ما افترض الله عز وجل علي، وأنا لا أحلها من طرف كمي، فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً، وكان كمي قد امتلأ دماً عبيطاً، فجلست وأنا باك، وقلت: قد قتل والله الحسين، والله ما كذبني علي قط في حديث حدثني، ولا أخبرني بشيء قط أنه يكون إلا كان كذلك، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره, ففزعت وخرجت، وذلك عند الفجر، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين، ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط، فجلست وأنا باك، فقلت: قد قتل والله الحسين، وسمعت صوتاً من ناحية البيت، وهو يقول:

اصبروا آل الرسول * قتل الفرخ النحول

نزل الروح الامين * ببكاء وعويل

ثم بكى بأعلى صوته وبكيت، فأثبت عندي، تلك الساعة، وكان شهر المحرم يوم عاشوراء لعشر مضين منه، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه، فقالوا: والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة، ولا ندري ما هو، فكنا نرى أنه الخضر (عليه السلام).[22]

 

* محمد بن جرير الطبري في نوادر المعجزات, حدثنا أبو محمد سفيان، عن وكيع، عن الاعمش قال: قال لي أبو محمد الواقدي وزرارة بن حلح: لقينا الحسين بن علي (عليه السلام) قبل أن يخرج إلى العراق بثلاث، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة وأن قلوبهم معه وسيفوفهم عليه، فأومى بيده نحو السماء، ففتحت أبواب السماء ونزل الملائكة عدد لا يحصيهم إلا الله تعالى، وقال: لولا تقارب الاشياء وهبوط[23] الأجر لقاتلتهم بهؤلاء، ولكن أعلم علماً أن من هناك مصرعي[24], وهناك مصارع أصحابي لا ينجو منهم إلا ولدي علي (عليه السلام).[25]

 

* العلامة المجلسي في البحار,وجدت في بعض الكتب أنه (عليه السلام) لما عزم على الخروج من المدينة أتته أم سلمة رضي الله عنها فقالت: يا بني لا تُحزنِّي بخروجك إلى العراق, فإني سمعت جدك يقول: يُقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء, فقال لها: يا أماه وأنا والله أعلم ذلك, وإني مقتول لا محالة, وليس لي من هذا بد وإني والله لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه, وأعرف من يقتلني, وأعرف البقعة التي أُدفن فيها, وإني أعرف من يُقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي, وإن أردتِ يا أماه أُريك حفرتي ومضجعي, ثم أشار (عليه السلام) إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره, وموقفه ومشهده, فعند ذلك بكت أم سلمة بكاء شديداً[26], وسلَّمت أمره إلى الله, فقال لها: يا أماه قد شاء الله عز وجل أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً, وقد شاء أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين, وأطفالي مذبوحين مظلومين, مأسورين مقيدين, وهم يستغيثون فلا يجدون ناصراً ولا معيناً.[27]

 

* السيد ابن طاووس الحسني في اللهوف في قتلى الطفوف, روي إنه (عليه السلام) لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً فقال: الحمد لله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة, وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف, وخير لي مصرع أنا لاقيه, كأني بأوصالي تقطعها عسلان[28] الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً, وأجربة سغباً لا محيص عن يوم خُط بالقلم, رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين, لن تشذ عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده, من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحاً إنشاء الله تعالى.[29]

 

* السيد ابن طاووس الحسني في اللهوف في قتلى الطفوف, ذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه في كتاب مولد النبي (صلى الله عليه و آله) ومولد الأوصياء عليهم السلام بإسناده إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: لما سار أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) من مكة ليدخل المدينة, لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه, إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله (صلى الله عليه و آله) بنا في مواطن كثيرة, وإن الله أمدك بنا, فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء فإذا وردتها فأتوني, فقالوا: يا حجة الله! إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي, وأتته أفواج من مؤمني الجن فقالوا له: يا مولانا نحن شيعتك وأنصارك, فمرنا بما تشاء, فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك, فجزاهم خيراً, وقال لهم: أما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) في قوله تعالى: {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}[30] فإذا أقمت في مكاني فبمن يُمتحن هذا الخلق المتعوس وبماذا يُختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحى الأرض, وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبينا, تُقبل أعمالهم وصلواتهم, ويُجاب دعاؤهم, وتسكن شيعتنا فتكون لهم أماناً في الدنيا وفي الآخرة, ولكن تحضرون يوم السبت[31] وهو يوم عاشوراء الذي في آخره أُقتل ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي, ويسار رأسي إلى يزيد بن معاوية لعنهما الله, فقالت الجن: نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وإنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك! فقال لهم (عليه السلام): ونحن والله أقدر عليهم منكم {ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة}[32].[33]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روى عبد الله بن سنان الكوفي، عن أبيه، عن جده أنه قال: خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام) وهو يومئذ بالمدينة فأتيته فقرأه فعرف معناه فقال: انظرني إلى ثلاثة أيام, فبقيت في المدينة ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق، فقلت في نفسي أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب وكيف جلالته وشأنه، فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرجة والرجال واقفين والحسين (عليه السلام) جالس على كرسي، وبنو هاشم حافون به، وهو بينهم كأنه البدر ليلة تمامه وكماله، ورأيت نحواً من أربعين محملاً وقد زُيِّنت المحامل بملابس الحرير والديباج، قال: فعند ذلك أمر الحسين (عليه السلام) بني هاشم بأن يُركِّبوا محارمهن على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشاب قد خرج من دار الحسين (عليه السلام) وهو طويل القامة وعلى خده علامة ووجهه كالقمر الطالع وهو يقول: تنحو يا بني هاشم! وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجران أذيالهما على الارض حياء من الناس، وقد حفت بهما إمائهما، فتقدم ذلك الشاب إلى محمل من المحامل وجثى على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أما إحداهما فزينب (عليها السلام)، والأخرى أم كلثوم (عليها السلام) بنتا أمير المؤمنين (عليه السلام), فقلت: ومن هذا الشاب؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام), ثم رأيت بنتين صغيرتين كأن الله تعالى لم يخلق مثلهما فجعل واحدة مع زينب والأخرى مع أم كلثوم، فسئلت عنهما فقيل لي: هما سكينة وفاطمة بنتا الحسين (عليه السلام).

ثم خرج غلام آخر كأنه البدر الطالع، ومعه امرأة، وقد حُفَّت بها إمائها، فأركبها ذلك الغلام المحمل، فسألت عنها وعن الغلام فقيل لي: أما الغلام فهو علي الأكبر ابن الحسين (عليه السلام)، والامرأة أمه ليلى زوجة الحسين (عليه السلام).

ثم خرج غلام ووجهه كفلقة القمر، ومعه امرأة، فسألت عنها فقيل لي: أما الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى (عليه السلام)، والامرأة أمه.

ثم خرج شاب آخر وهو يقول: تنحوا عني يا بني هاشم! تنحوا عن حرم أبي عبد الله! فتنحى عنه بنو هاشم، وإذا قد خرجت امرأة من الدار وعليها آثار الملوك، وهي تمشي على سكينة ووقار، وقد حفت بها إماؤها، فسألت عنها فقيل لي: أما الشاب فهو زين العابدين ابن الامام (عليه السلام)، وأما الامرأة فهي أمه شاه زنان بنت الملك كسرى زوجة الامام، فأتى بها وأركبها على المحمل، ثم أركبوا بقية الحرم والاطفال على المحامل، فلما تكاملوا نادى الامام (عليه السلام): أين أخي! أين كبش كتيبتي! أين قمر بني هاشم! فأجابه العباس: لبيك لبيك يا سيدي! فقال له الامام (عليه السلام): قدِّم لي يا أخي جوادي، فأتى العباس بالجواد إليه وقد حفت به بنو هاشم، فأخذ العباس بركاب الفرس حتى ركَّب الامام، ثم ركب بنو هاشم، وركب العباس وحمل الراية أمام الإمام (عليه السلام).[34]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روي لما نزل الحسين (عليه السلام) في كربلاء كان أخص أصحابه به وأكثرهم ملازمة له هلال بن نافع سيما في مظان الاغتيال لأنه كان حازماً بصيراً بالسياسة، فخرج الحسين (عليه السلام) ذات ليلة إلى خارج الخيم حتى أبعد فتقلد هلال سيفه وأسرع في مشيه حتى لحقه، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والاكمات[35] المشرفة على المنزل, ثم التفت إلى خلفه فرآني، فقال (عليه السلام): مَن الرجل؟ هلال؟ قلت: نعم جعلني الله فداك, أزعجني خروجك ليلاً إلى جهة معسكر هذا الطاغي, فقال: يا هلال خرجتُ أتفقد هذه التلاع[36] مخافة أن تكون كناء لهجوم الخيل على مخيمنا يوم تحملون ويحملون, ثم رجع وهو قابض على يساري ويقول: هي هي والله! وعد لا خلف فيه, ثم قال: يا هلال ألا تسلك ما بين هذين الجبلين من وقتك هذا وانج بنفسك؟ فوقع على قدميه وقال: إذاً ثكلت هلالاً أمه!! سيدي إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي مَنَّ عليَّ بك لا أفارقك حتى يكِلاَّ عن قري وجري!

ثم فارقني ودخل خيمة أخته، فوقفتُ إلى جنبها رجاء أن يسرع في خروجه منها، فاستقبلته ووضعت له متكئاً وجلس يُحدثها سراً، فما لبثتْ أن اختنقتْ بعبرتها وقالت: وا أخاه!! أشاهد مصرعك وأبتلي برعاية هذه المذاعير[37] من النساء والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم! ذلك خطب جسيم يعزُّ عليَّ مصرع هؤلاء الفتية الصفوة وأقمار بني هاشم! ثم قالت: أخي هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسِنَّة[38]؟ فبكى (عليه السلام) وقال: أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم الأشوس[39] الأقعس, يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه!

فلما سمع هلال ذلك بكى رقة ورجع وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر، فرآه جالساً وبيده سيف مصلت، فسلَّم عليه وجلس على باب الخيمة, ثم قال له: ما أخرجك يا هلال فحكيت له ما كان، فقال: إي والله! لولا انتظار أمره لعاجلتهم وعالجتهم هذه الليلة بسيفي, ثم قال هلال: يا حبيبي فارقت الحسين (عليه السلام) عند أخته وهي في حال وجل ورعب، وأظن أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة والزفرة، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه, فقال له: طوع إرادتك, فبرز حبيب ناحية وهلال إلى جانبه وانتدب أصحاب فتطالعوا من منازلهم، فلما اجتمعوا قال لبني هاشم: ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم، ثم خطب أصحابه وقال: يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة, هذا هلال يخبرني الساعة بكيت وكيت، وقد خلف أخت سيدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين! أخبروني عما أنتم عليه؟ فجردوا صوارمهم ورموا عمائمهم وقالوا: يا حبيب أما والله الذي مَنَّ علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم لنحصدن رؤوسهم ولنلحقنهم بأشياخهم أذلاء صاغرين ولنحفظن وصية رسول الله (صلى الله عليه و آله) في أبنائه وبناته! فقال: هلموا معي، فقام يخبط الارض وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ونادى: يا أهلنا ويا ساداتنا ويا معاشر حرائر رسول الله، هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلا في رقاب من يبتغي السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا أن لا يركضوها إلا في صدور من يفرق ناديكم, فقال الحسين (عليه السلام): أخرجن عليهم يا آل الله، فخرجن وهن ينتدبن وهن يقلن حاموا أيها الطيبون عن الفاطميات! ما عذركم إذا لقينا جدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) وشكونا إليه ما نزل بنا, وقال أليس حبيب وأصحاب حبيب كانوا حاضرين يسمعون وينظرون؟ فوالله الذي لا إله إلا هو لقد ضجوا ضجة ماجت منها الارض واجتمعت لها خيولهم وكان لها جولة واختلاف وصهيل حتى كأن كلاً ينادي صاحبه وفارسه.[40]

 

* الشيخ المفيد في الارشاد,قال علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): فجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه عند قرب المساء فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه: أثني على الله أحسنالثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين, أما بعد: فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيراً، ألا وإني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً, فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً!! بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان الله عليه واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه. فقال الحسين (عليه السلام): يا بني عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم, قالوا: سبحان الله، فما يقول الناس؟! يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم! ولم نطعن معهم برمح! ولم نضرب معهم بسيف! ولا ندري ما صنعوا! لا والله! ما نفعل ذلك! ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك!

وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنخلي عنك ولما نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقك؟! أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي! وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي! ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة! والله لا نخليك حتى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيك، والله لو علمت أني أُقتل ثم أُحيا ثم أُحرق ثم أُحيا ثم أُذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!!

وقام زهير بن القين البجلي رحمة الله عليه فقال: والله لوددت أني قُتلت ثم نُشرت ثم قُتلت حتى أُقتل هكذا ألف مرة وأن الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك! وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد، فجزاهم الحسين (عليه السلام) خيراً وانصرف إلى مضربه[41].[42]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روي في بعض الكتب عن فخر المخدرات زينب (عليها السلام) قالت: لما كانت ليلة عاشوراء من المحرم خرجتُ من خيمتي لأتفقد أخي الحسين (عليه السلام) وأنصاره، وقد أفرد له خيمة، فوجدته جالساً وحده يناجي ربه ويتلو القرآن، فقلت في نفسي أفي مثل هذه الليلة يُترك أخي وحده؟! والله لأمضين إلى إخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك, فأتيت إلى خيمة العباس فسمعت منها همهمة ودمدمة، فوقفت على ظهرها فنظرت فيها فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة وبينهم العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو جاث على ركبتيه كالاسد على فريسته، فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلا من الحسين (عليه السلام), مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبي (صلى الله عليه و آله) ثم قال في آخر خطبته: يا إخوتي وبني إخوتي وبني عمومتي إذا كان الصباح فما تقولون؟ فقالوا: الأمر إليك يرجع ونحن لا نتعدى لك قولك, فقال العباس: إن هؤلاء, أعني الاصحاب, قوم غرباء، والحمل الثقيل لا يقوم إلا بأهله، فإذا كان الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم للموت لئلا يقول الناس: قدموا أصحابهم، فلما قُتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة, فقامت بنو هاشم وسلوا سيوفهم في وجه أخي العباس وقالوا: نحن على ما أنت عليه.

قالت زينب (عليها السلام): فلما رأيت كثرة اجتماعهم، وشدة عزمهم واظهار شيمتهم، سكن قلبي وفرحت، ولكن خنقتني العبرة، فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين (عليه السلام) وأخبره بذلك فسمعت من خيمة حبيب بن مظاهر همهمة ودمدمة، فمضيت إليها ووقفت بظهرها ونظرت فيها فوجدت الأصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين كالحلقة وبينهم حبيب بن مظاهر وهو يقول: يا أصحابي لم جئتم إلى هذا المكان؟ أوضحوا كلامكم رحمكم الله؟ فقالوا: أتينا لننصر غريب فاطمة! فقال لهم: لم طلَّقتم حلائلكم؟ فقالوا: لذلك, قال حبيب: فإذا كان في الصباح فما أنتم قائلون؟ فقالوا: الرأي رأيك ولا نتعدى قولاً لك, قال: فإذا صار الصباح فأول من يبرز إلى القتال أنتم، نحن نقدمهم القتال ولا نرى هاشمياً مضرجاً بدمه وفينا عرق يضرب لئلا يقول الناس: قدَّموا ساداتهم للقتال وبخلوا عليهم بأنفسهم، فهزوا سيوفهم على وجهه وقالوا: نحن على ما أنت عليه.

قالت زينب: ففرحت من ثباتهم، ولكن خنقتني العبرة، فانصرفت عنهم وأنا باكية، وإذا بأخي الحسين قد عارضني فسَكَنَت نفسي, وتبسَّمتُ في وجهه فقال (عليه السلام): أخية! فقلت: لبيك يا أخي, فقال (عليه السلام): يا أختاه منذ رحلنا من المدينة ما رأيتك متبسمة، أخبريني ما سبب تبسمك؟ فقلت له: يا أخي رأيت من فعل بني هاشم والاصحاب كذا وكذا, فقال لي: يا أختاه اعلمي، إن هؤلاء أصحابي من عالم الذر، وبهم وعدني جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله), هل تحبين أن تنظري إلى ثبات أقدامهم؟ فقلت: نعم, فقال (عليه السلام): عليك بظهر الخيمة, قالت زينب: فوقفت على ظهر الخيمة فنادى أخي الحسين (عليه السلام): أين إخواني وبنو أعمامي! فقامت بنو هاشم، وتسابق منهم العباس (عليه السلام) وقال: لبيك لبيك ما تقول!! فقال الحسين (عليه السلام): أريد أن أجدد لكم عهداً, فأتى أولاد الحسين، وأولاد الحسن، وأولاد علي، وأولاد جعفر، وأولاد عقيل، فأمرهم بالجلوس فجلسوا, ثم نادى: أين حبيب بن مظاهر! أين زهير! أين هلال! أين الاصحاب! فأقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر وقال: لبيك يا أبا عبد الله!! فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم، فأمرهم بالجلوس فجلسوا، فخطب فيهم خطبة بليغة ثم قال: يا أصحابي اعلموا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصد سوى قتلي وقتل من هو معي وأنا أخاف عليكم من القتل، فأنتم في حل من بيعتي، ومن أحب منكم الانصراف فلينصرف في سواد هذا الليل, فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلموا بما تكلموا، وقام الاصحاب وأخذوا يتكلمون بمثل كلامهم، فلما رأى الحسين (عليه السلام) حسن إقدامهم وثبات أقدامهم قال (عليه السلام): إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم في الجنة, فكشف لهم الغطاء ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها، والحور العين ينادين العجل العجل فإنا مشتاقات اليكم، فقاموا بأجمعهم وسلوا سيوفهم وقالوا: يا أبا عبد الله ائذن لنا أن نغير على القوم ونقاتلهم حتى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء, فقال (عليه السلام): اجلسوا رحمكم الله وجزاكم الله خيراً, ثم قال: ألا ومن كان في رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد، فقام علي ابن مظاهر وقال: ولماذا يا سيدي؟ فقال (عليه السلام): إن نسائي تسبى بعد قتلي وأخاف على نسائكم من السبي, فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته فقامت زوجته إجلالاً له فاستقبلته وتبسمت في وجهه فقال لها: دعيني والتبسم، فقالت: يا ابن مظاهر إني سمعت غريب فاطمة خطب فيكم وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول, قال: يا هذه إن الحسين (عليه السلام) قال لنا: ألا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمها لأني غداً أُقتل ونسائي تُسبى, فقالت: وما أنت صانع؟! قال: قومي حتى أُلحقك ببني عمك بني أسد, فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت: والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر!! أيسِرُّك أن تُسبى بنات رسول الله (صلى الله عليه و آله) وأنا آمنة من السبي!! أيسرك أن تُسلب زينب إزارها من رأسها وأنا أستتر بإزاري!! أيسرك أن تُذهب من بنات الزهراء أقراطها وأنا أتزين بقرطي!! أيسرك أن يبيض وجهك عند رسول الله ويسود وجهي عند فاطمة الزهراء!! والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء, فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) وهو يبكي فقال له الحسين (عليه السلام): ما يبكيك؟! فقال: سيدي أبت الأسدية إلا مواساتكم، فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: جزيتم منا خيراً.[43]

 

* السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, روى أبو حمزة الثمالي, قال: سمعت علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) يقول: لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبي (عليه السلام), جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم, فقال لهم: يا أهلي وشيعتي إتخذوا هذا الليل جملاً لكم, فانجوا بأنفسكم, فليس المطلوب غيري, ولو قتلوني ما فكروا فيكم, فانجوا رحمكم الله, فأنتم في حل وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني, فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد: والله يا سيدنا يا أبا عبد الله, لا خذلناك أبداً!! والله لا قال الناس: تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتى قتل! ونبلو بيننا وبين الله عذراً ولا نخليك أو نقتل دونك, فقال لهم (عليه السلام): يا قوم إني في غد أُقتل وتقتلون كلكم معي, ولا يبقى منكم واحد, فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك, وشرفنا بالقتل معك, أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله؟ فقال جزاكم الله خيراً, ودعا لهم بخير فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.

فقال له القاسم بن الحسن (عليه السلام): وأنا فيمن يُقتل؟ فأشفَق عليه, فقال له: يا بني كيف الموت عندك؟ قال: يا عم أحلى من العسل! فقال: إي والله فداك عمك, إنك لأحد من يقتل من الرجال معي, بعد أن تبلو ببلاء عظيم, وابني عبد الله, فقال: يا عم ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبد الله وهو رضيع؟ فقال: فداك عمك يقتل عبد الله, إذا جفّت روحي عطشاً, وصرت إلى خيمنا فطلبت ماء ولبناً فلا أجد قط فأقول: ناولوني إبني, لأشرب من فيه, فيأتوني به, فيضعونه على يدي, فاحمله لأدنيه من في, فيرميه فاسق لعنه الله بسهم فينحره, وهو يناغي, فيفيض دمه في كفي, فارفعه إلى السماء, وأقول: اللهم صبراً واحتساباً فيك, فتعجلني الأسنة منهم, والنار تستعر في الخندق الذي فيه ظهر الخيم, فأكر عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا, فيكون ما يريد الله فبكى وبكينا وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله (صلى الله عليه و آله) في الخيم, ويسئل زهير ابن القين وحبيب بن مظاهر عني فيقولون: يا سيدنا, فسيدنا علي (عليه السلام)[44] ماذا يكون من حاله؟ فيقول: مستعبراً ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا, فكيف يصلون إليه وهو أب ثمانية أئمة عليهم السلام.[45]

 

* السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, أبو جعفر محمد بن جرير قال: أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون, عن أبيه, عن أبي علي محمد بن همام, عن أحمد بن الحسين, المعروف بابن أبي القاسم, عن أبيه, عن الحسين بن علي, عن محمد بن سنان, عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما مُنع الحسين صلوات الله عليه وأصحابه الماء نادى فيهم: من كان ظمآن فليجئ, فأتاه أصحابه رجلاً رجلاً فجعل إبهامه في راحة واحدهم، فلم يزل يشرب الرجل بعد الرجل, حتى ارتووا, فقال بعضهم لبعض: والله لقد شربت شراباً ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا.

فلما قاتلوا الحسين (عليه السلام), وكان في اليوم الثالث عند المغرب, أقعد الحسين رجلاً رجلاً منهم يسميهم بأسماء آبائهم فيجيبه الرجل بعد الرجل, فيقعدون حوله, ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ويسقيهم من شرابها[46], ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): والله لقد رأتهم عدة كوفيين ولقد كرر عليهم لو عقلوا, قال: ثم خرج لرسلهم فعاد كل واحد منهم إلى بلادهم, ثم أتى بجبال رضوى, فلا يبقى أحد من المؤمنين إلا أتاه, وهو على سرير من نور قد حف به إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء, ومن ورائهم المؤمنون والملائكة ينظرون ما يقول الحسين صلوات الله عليه, قال: فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم # وإذا قام القائم (عليه السلام) وافوا فيها بينهم الحسين حتى يأتي كربلاء فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلا حفوا بالحسين (عليه السلام) حتى أن الله تعالى يزور الحسين ويصافحه ويقعد معه على سرير[47], يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيء ولا دونها شيء ولا ورائها الطالب[48] مطلب.[49]

 

* السيد هاشم البحراني في مدينة المعاجز, الفخري: قال: روي أنه لما آل أمر الحسين (عليه السلام) إلى القتال بكربلاء وقُتل جميع أصحابه ووقعت النوبة على أولاد أخيه الحسن (عليه السلام) جاء القاسم بن الحسن (عليه السلام) وقال: يا عم الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفار, فقال له الحسين (عليه السلام): يابن أخي أنت من أخي علامة, وأريد أن تبقى لي لأتسلى بك, ولم يعطه إجازة للبراز, فجلس مهموماً مغموماً باكي العين حزين القلب, وأجاز الحسين (عليه السلام) إخوته للبراز ولم يجزه، فجلس القاسم متألماً ووضع رأسه على رجليه وذكر أن أباه قد ربط له عوذة في كتفه الايمن وقال له: إذا أصابك ألم وهم فعليك بحل العوذة وقراءتها فافهم معناها واعمل بكل ما تراه مكتوباً فيها، فقال القاسم لنفسه: مضى سنون علي ولم يصبني مثل هذا الألم فحل العوذة وفضها ونظر إلى كتابتها وإذا فيها: يا ولدي يا قاسم أوصيك إنك إذا رأيت عمك الحسين (عليه السلام) في كربلاء وقد أحاطت به الاعداء فلا تترك البراز والجهاد لأعداء الله وأعداء رسوله ولا تبخل عليه بروحك وكلما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز لتحظى في السعادة الابدية, فقام القاسم (عليه السلام) من ساعته وأتى إلى الحسين (عليه السلام) وعرض ما كتب أبوه الحسن (عليه السلام) على عمه الحسين (عليه السلام) فلما قرأ الحسين (عليه السلام) العوذة، بكى بكاء شديداً ونادى بالويل والثبور وتنفس الصعداء، وقال: يا ابن الاخ هذه الوصية لك من أبيك، وعندي وصية أخرى منه لك ولا بد من إنفاذها, فمسك الحسين (عليه السلام) على يد القاسم وأدخله الخيمة وطلب عوناً وعباساً (صلى الله عليه و آله)، وقال لأم القاسم (عليه السلام): ليس للقاسم ثياب جدد؟ قالت: لا, فقال لأخته زينب (عليها السلام): ائتيني بالصندوق فأتت به إليه، ووُضع بين يديه، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن (عليه السلام)، وألبسه القاسم، ولف على رأسه عمامة الحسن (عليه السلام)، ومسك بيده ابنته التي كانت مسماة للقاسم (عليه السلام) فعقد له عليها وأفرد له خيمة وأخذ بيد البنت ووضعها بيد القاسم وخرج عنهما.

فعاد القاسم ينظر إلى ابنة عمه، ويبكي إلى أن سمع الاعداء يقولون: هل من مبارز؟ فرمى بيد زوجته وأراد الخروج من الخيمة فجذبت ذيل القاسم ومانعته من الخروج وهي تقول له: ما يخطر ببالك؟ وما الذي تريد أن تفعله؟ قال لها: أريد ملاقاة الاعداء فإنهم يطلبون البراز وإني إلى الميدان عازم وإلى دفع الاعداء جازم، فلزمته الزوجة، فقال لها: خليِّ ذيلي فإن عرسنا أخرناه إلى الآخرة, فصاحت وناحت وأَنَّت من قلب حزين، ودموعها جارية على خديها وهي تقول: يا قاسم أنت تقول أن عرسنا أخرناه إلى الآخرة، وفي القيامة بأي شيء أعرفك؟ وفي أي مكان أراك؟ فمسك القاسم يده وضربها على ردنه[50] وقطعها وقال: يا بنت العم اعرفيني بهذه الردن المقطوعة فانفجع أهل البيت بالبكاء لفعل القاسم، وبكوا بكاءً شديداً، ونادوا بالويل والثبور.

قال من روى: فلما رأى الحسين (عليه السلام) أن القاسم يريد البراز قال له: يا ولدي أتمشي برجلك إلى الموت؟ قال: وكيف يا عم وأنت بين الاعداء وحيد فريد لم تجد محامياً ولا صديقاً, روحي لروحك الفداء، ونفسي لنفسك الوقاء, ثم إن الحسين (عليه السلام) شق أزياق القاسم وقطع عمامته نصفين ثم أدلاها على وجهه ثم ألبسه ثيابه بصورة الكفن وشد سيفه بوسط القاسم وأرسله إلى المعركة, ثم إن القاسم قدم على عمر بن سعد وقال: يا عمر أما تخاف من الله؟! أما تراقب الله يا أعمى القلب؟! أما تراعي رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟! فقال عمر بن سعد: أما كفاكم التجبر! أما تطيعون يزيد! فقال القاسم (عليه السلام): لا جزاك الله خيراً, تَدَّعي الاسلام وآل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عطاشى ظماء قد اسودت الدنيا بأعينهم، فوقف هنيئة فما رأى أحداً يقدم إليه, فرجع إلى الخيمة فسمع صوت ابنة عمه تبكي، فقال لها: ها أنا جئتك، فنهضت قائمة على قدميها، وقالت: مرحباً بالعزيز! الحمد لله الذي أراني وجهك قبل الموت, فنزل القاسم في الخيمة وقال: يا ابنة العم ما لي اصطبار أن أجلس معك، وعسكر الكفار يطلبون البراز، فودعها وخرج، وركب جواده، وحماه في حومة الميدان، ثم طلب المبارزة، فجاء إليه رجل يعد بألف فارس فقتله القاسم وكان له أربعة أولاد مقتولين، فضرب القاسم فرسه بسوطه, وعاد يقتل الفرسان ويجدل[51] الشجعان إلى أن ضعفت قوته فَهَمَّ القاسم أن يرجع إلى الخيمة وإذا بالازرق الشامي لعنه الله قد قطع الطريق وعارضه فضربه القاسم على أم رأسه فقتله, وصار القاسم إلى الحسين (عليه السلام)، وقال: يا عماه! العطش! العطش! أدركني بشربة من الماء، فصبَّره الحسين (عليه السلام) وأعطاه خاتمه وقال له: حطه في فمك فمصه, قال القاسم: فلما وضعته في فمي، كأنه عين ماء، فارتويت وانقلبت إلى الميدان، ثم جعل همته على حامل اللواء وأراد قتله فأحاطوا به بالنبل، فوقع القاسم على الارض فضربه شيبة بن سعد الشامي بالرمح على ظهره فأخرجه من صدره، فوقع القاسم (عليه السلام) يخور بدمه، ونادى: يا عم أدركني! فجاءه الحسين (عليه السلام) وقتل قاتله، وحمل القاسم إلى الخيمة فوضعه فيها ففتح القاسم عينه فرأى الحسين (عليه السلام) قد احتضنه وهو يبكي ويقول: يا ولدي لعن الله قاتليك, يعز والله على عمك أن تدعوه وأنت مقتول! يا بُني قتلوك الكفار كأنهم ما عرفوك ولا عرفوا من جدك وأبوك, ثم إن الحسين (عليه السلام) بكى بكاء شديداً وجعلت ابنة عمه تبكي وجميع من كان منهم، ولطموا الخدود وشقوا الجيوب، ونادوا بالويل والثبور وعظائم الامور.[52]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روي أن العباس بن علي (عليه السلام) كان حامل لواء أخيه الحسين (عليه السلام)، فلما رأى جميع عسكر الحسين (عليه السلام) قتلوا وإخوانه وبنو عمه، بكى وأَنَّى إلى لقاء ربه, اشتاق وحن، فحمل الراية وجاء نحو أخيه الحسين (عليه السلام) وقال: يا أخي هل رخصة؟ فبكى الحسين (عليه السلام) بكاء شديداً حتى ابتلت لحيته المباركة بالدموع، ثم قال: يا أخي كنت العلامة من عسكري ومجمع عددنا، فإذا أنت غدوت يؤل جمعنا إلى الشتات، وعمارتنا تنبعث إلى الخراب! فقال العباس: فداك روح أخيك يا سيدي! قد ضاق صدري من حياة الدنيا، وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين, فقال الحسين (عليه السلام): إذا غدوت إلى الجهاد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء.[53]

 

* الشيخ الصدوق في الأمالي,حدثنا أبو علي أحمد بن زياد الهمداني & قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن أسباط، عن علي بن سالم، عن أبيه, عن ثابت بن أبي صفية قال : نظر سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فاستعبر - إلى أن يقول - ثم قال: رحم الله العباس! فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه، فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة.[54]

 

* أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين, قال المدائني أبو غسان, عن هارون بن سعد, عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض فقلت له: ما كدت أعرفك؟! قال: إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود, فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها فأصيح فما يبقى أحد في الحي إلا سمع صياحي.

قال: والمقتول العباس ابن علي (عليه السلام).[55]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روي أنه لما قُتل العباس تدافعت الرجال على أصحاب الحسين (عليه السلام)، فلما نظر إلى ذلك نادى: يا قوم أما من مجير يجيرنا! أما من مغيث يغيثنا! أما من طالب حق فينصرنا! أما من خائف فيذب عنا! أما من أحد فيأتينا بشربة من ماء لهذا الطفل فإنه لا يطيق الظمأ! فقام إليه ولده علي الاكبر وكان له من العمر سبعة عشر سنة فقال: أنا آتيك بالماء يا سيدي, فقال (عليه السلام): امض بارك الله فيك, قال: فأخذ الركوة بيده ثم اقتحم الشريعة وملأ الركوة وأقبل بها نحو أبيه فقال: يا أبت الماء لمن طلبت اسق أخي وإن بقي شيء فصبه علي فإني والله عطشان، فبكى الحسين (عليه السلام)، وأخذ ولده الطفل وأجلسه على فخذه، وأخذ الركوة وقرَّبها إلى فيه، فلما همَّ الطفل أن يشرب أتاه سهم مسموم فوقع في حلق الطفل فذبحه قبل أن يشرب من الماء شيئاً، فبكى الحسين (عليه السلام) ورمى الركوة من يده، ونظر بطرفه إلى السماء وقال: اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الخلق بنبيك وحبيبك ورسولك (صلى الله عليه و آله).[56]

 

* محمد بن مسعود العياشي في تفسيره, على بن أسباط يرفعه عن أبي جعفر قال: لو قاتل معه أهل الارض لقتلوا كلهم.[57]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روي أنه لما ضاق الأمر بالحسين (عليه السلام) وقد بقى وحيداً فريداً، التفت إلى خيم بني أبيه فرآها خالية منهم، ثم التفت إلى خيم بني عقيل فوجدها خالية منهم، ثم التفت إلى خيم أصحابه فلم ير أحداً منهم، فجعل يكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, ثم ذهب إلى خيم النساء، فجاء إلى خيمة ولده زين العابدين (عليه السلام) فرآه ملقى على نطع من الأديم[58]، فدخل عليه وعنده زينب تمرضه، فلما نظر إليه علي بن الحسين (عليه السلام) أراد النهوض فلم يتمكن من شدة المرض، فقال لعمته: سنديني إلى صدرك! فهذا ابن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد أقبل، فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها، فجعل الحسين (عليه السلام) يسأل ولده عن مرضه، وهو يحمد الله تعالى، ثم قال: يا أبتاه ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين؟ فقال له الحسين (عليه السلام): يا ولدي قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، وقد شب الحرب بيننا وبينهم لعنهم الله حتى فاضت الارض بالدم منا ومنهم, فقال علي (عليه السلام): يا أبتاه أين عمي العباس؟ فلما سأل عن عمه اختنقت زينب بعبرتها، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه، لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس خوف من أن يشتد مرضه, فقال (عليه السلام): يا بني إن عمك قد قُتل، وقطعوا يديه على شاطئ الفرات، فبكي علي بن الحسين (عليه السلام) بكاء شديداً حتى غشي عليه، فلما أفاق من غشيته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته والحسين (عليه السلام) يقول له: قُتل, فقال: وأين أخي علي، وحبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، وزهير بن القين؟ فقال له: يا بني اعلم أنه ليس في الخيام رجل حي إلا أنا وأنت، وأما هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلهم صرعى على وجه الثرى، فبكى علي بن الحسين بكاءً شديداً، ثم قال لعمته زينب: يا عمتاه عليَّ بالسيف والعصا, فقال له أبوه: وما تصنع بهما؟ فقال: أما العصا فأتوكأ عليها، وأما السيف فأذب به بين يدي ابن رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإنه لا خير في الحياة بعده، فمنعه الحسين من ذلك وضمه إلى صدره وقال له: يا ولدي أنت أطيب ذريتي، وأفضل عترتي، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والاطفال، فإنهم غرباء مخذولون، قد شملتهم الذلة واليتم وشماتة الأعداء ونوائب الزمان سكِّتهم إذا صرخوا، وآنسهم إذا استوحشوا، وسلِّ خواطرهم بلين الكلام، فإنهم ما بقى من رجالهم من يستأنسون به غيرك ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك، دعهم يشموك وتشمهم، ويبكوا عليك وتبكي عليهم, ثم لزمه بيده وصاح بأعلى صوته: يا زينب ويا أم كلثوم ويا سكينة ويا رقية ويا فاطمة، اسمعن كلامي واعلمن أن إبني هذا خليفتي عليكم، وهو إمام مفترض الطاعة, ثم قال له: يا ولدي بلِّغ شيعتي عني السلام فقل لهم: إن أبي مات غريباً فاندبوه ومضى شهيداً فأبكوه.[59]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), روي أنه وقعت صحيفة قد نزلت من السماء في يده الشريفة، فلما فتحها ونظر فيها إذ هي العهد المأخوذ عليه بالشهادة قبل خلق الخلق في هذه الدنيا، فلما نظر (عليه السلام) إلى ظهر تلك الصحيفة فإذا هو مكتوب فيه بخط واضح جلي: يا حسين نحن ما حتمنا عليك الموت وما ألزمنا عليك الشهادة، فلك الخيار، ولا ينقص حظك عندنا، فإن شئت أن نصرف عنك هذه البلية فاعلم إنا قد جعلنا السموات والارضين والملائكة والجن كلهم في حكمك، فأؤمر فيهم بما تريد من إهلاك هؤلاء الكفرة الفجرة لعنهم الله، فإذا بالملائكة قد ملأوا بين السموات والارض، بأيديهم حراب من النار ينتظرون لحكم الحسين (عليه السلام) وأمره فيما يأمرهم به من إعدام هؤلاء الفسقة، فلما عرف (عليه السلام) مضمون الكتاب وما في تلك الصحيفة، رفعها إلى السماء ورمى بها إليها وقال: إلهي وسيدي وددت أن أُقتل وأُحيى سبعين ألف مرة في طاعتك ومحبتك، سيما إذا كان في قتلي نصرة دينك وإحياء أمرك وحفظ ناموس شرعك، ثم إني قد سئمت الحياة بعد قتل الأحبة وقتل هؤلاء الفتية من آل محمد (صلى الله عليه و آله).[60]

 

* الشيخ الشريفي في كلمات الإمام الحسين (عليه السلام), عن ابن أبي جمهور مرسلاً: أن الحسين (عليه السلام) كان لا يقتل بعض أهل الكوفة في حملاته مع تمكنه من قتله, ويقتل بعضهم، فسُئل (عليه السلام) عن ذلك فقال (عليه السلام): إن الذي لا أقتله أرى في صلبه من أهل الايمان.[61]

 

* ابن شهر آشوب في المناقب,يروى أنه أخذ عمامته جابر بن زيد الأزدي وتعمم بها فصار في الحال معتوهاً, وأخذ ثوبه جعوبة بن حوبة الحضرمي ولبسه فتغير وجهه وحص شعره وبرص بدنه, وأخذ سراويله الفوقاني بحير بن عمرو الجرمي وتسرول به فصار مقعداً.[62]

* العلامة المجلسي في البحار,روي عن سعيد بن المسيب قال: لما استشهد سيدي ومولاي الحسين (عليه السلام) وحج الناس من قابل دخلت على علي بن الحسين (عليه السلام) فقلت له: يا مولاي قد قرب الحج فماذا تأمرني فقال: امض على نيتك وحج, فحججت فبينما أطوف بالكعبة وإذا أنا برجل مقطوع اليدين, ووجهه كقطع الليل المظلم, وهو متعلق بأستار الكعبة, وهو يقول: اللهم رب هذا البيت الحرام اغفر لي وما أحسبك تفعل ولو تشفع في سكان سماواتك وأرضك, وجميع ما خلقت, لعظم جرمي! قال سعيد بن المسيب: فشغلت وشغل الناس عن الطواف حتى حف به الناس واجتمعنا عليه, فقلنا: يا ويلك! لو كنت إبليس ما كنا ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله فمن أنت وما ذنبك؟! فبكى وقال: يا قوم أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت, فقلنا له: تذكره لنا, فقال: أنا كنت جمالاً لأبي عبد الله (عليه السلام) لما خرج من المدينة إلى العراق, وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي فأرى تكة[63] تغشي الابصار بحسن إشراقها, وكنت أتمناها تكون لي إلى أن صرنا بكربلا, وقتل الحسين وهي معه, فدفنت نفسي في مكان من الارض فلما جن الليل, خرجت من مكاني فرأيت من تلك المعركة نوراً لا ظلمة! ونهاراً لا ليلاً! والقتلى مطرحين على وجه الارض, فذكرت لخبثي وشقائي التكة فقلت: والله لاطلبن الحسين وأرجو أن تكون التكة في سراويله فأخذها ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى أتيت إلى الحسين (عليه السلام) فوجدته مكبوباً على وجهه وهو جثة بلا رأس, ونوره مشرق مرمل بدمائه, والرياح سافية عليه, فقلت: هذا والله الحسين! فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها فدنوت منه, وضربت بيدي إلى التكة لآخذها فإذا هو قد عقدها عقداً كثيرة فلم أزل أحلها حتى حللت عقدة منها فمد يده اليمنى وقبض على التكة فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصل إليها فدعتني النفس الملعونة إلى أن أطلب شيئاً أقطع به يديه فوجدت قطعة سيف مطروح فأخذتها واتكيت على يده ولم أزل أحزها حتى فصلتها عن زنده, ثم نحيتها عن التكة ومددت يدي إلى التكة لأحلها فمد يده اليسرى فقبض عليها فلم أقدر على أخذها فأخذت قطعة السيف, فلم أزل أحزها حتى فصلتها عن التكة, ومددت يدي إلى التكة لآخذها, فإذا الارض ترجف والسماء تهتز وإذا بغلبة عظيمة, وبكاء ونداء وقائل يقول: واابناه! وامقتولاه! واذبيحاه! واحسيناه! واغريباه! يا بني قتلوك وما عرفوك, ومن شرب الماء منعوك فلما رأيت ذلك, صعقت ورميت نفسي بين القتلى, وإذا بثلاث نفر وامرأة وحولهم خلائق وقوف, وقد امتلات الارض بصور الناس وأجنحة الملائكة, وإذا بواحد منهم يقول: يا ابناه يا حسين فداك جدك وأبوك وأخوك وامك وإذا بالحسين (عليه السلام) قد جلس ورأسه على بدنه وهو يقول:, لبيك يا جداه يا رسول الله ويا أبتاه يا أمير المؤمنين ويا أماه يا فاطمة الزهراء, ويا أخاه المقتول بالسم عليكم مني السلام ثم إنه بكى وقال: يا جداه قتلوا والله رجالنا, يا جداه سلبوا والله نساءنا, يا جداه نهبوا والله رحالنا, يا جداه ذبحوا والله أطفالنا, يا جداه يعز والله عليك أن ترى حالنا, وما فعل الكفار بنا وإذا هم جلسوا يبكون حوله على ما أصابه, وفاطمة تقول: يا أباه يارسول الله أما ترى ما فعلت أمتك بولدي؟ أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي وألقى الله عز وجل وأنا مختضبة بدم ولدي الحسين؟ فقال لها: خذي ونأخذ يا فاطمة فرأيتهم يأخذون من دم شيبه وتمسح به فاطمة ناصيتها, والنبي وعلي والحسن عليهم السلام يمسحون به نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق, وسمعت رسول الله يقول: فديتك يا حسين! يعز والله علي أن أراك مقطوع الرأس مرمل الجبينين دامي النحر مكبوباً على قفاك, قد كساك الذارئ من الرمول وأنت طريح مقتول, مقطوع الكفين يا بني من قطع يدك اليمنى وثنى باليسرى؟ فقال: يا جداه كان معي جمال من المدينة وكان يراني إذا وضعت سراويلي للوضوء فيتمنى أن يكون تكتي له, فما منعني أن أدفعها إليه إلا لعلمي أنه صاحب هذا الفعل فلما قتلت خرج يطلبني بين القتلى, فوجدني جثة بلا رأس, فتفقد سراويلي فرأس التكة, وقد كنت عقدتها عقداً كثيرة, فضرب بيده إلى التكة فحل عقدة منها فمددت يدي اليمنى فقبضت على التكة, فطلب في المعركة فوجد قطعة سيف مكسور فقطع به يميني ثم حل عقدة أخرى, فقبضت على التكة بيدي اليسرى كي لا يحلها, فتنكشف عورتي, فحز يدي اليسرى, فلما أراد حل التكة حس بك فرمى نفسه بين القتلى فلما سمع النبي كلام الحسين بكى بكاء شديداً وأتى إليّ بين القتلى إلى أن وقف نحوي, فقال: مالي ومالك يا جمال؟ تقطع يدين طال ما قبلهما جبرئيل وملائكة الله أجمعون, وتباركت بها أهل السماوات والارضين؟ أما كفاك ما صنع به الملاعين من الذل والهوان, هتكوا نساءه من بعد الخدور, وانسدال الستور, سود الله وجهك يا جمال في الدنيا والآخرة, وقطع الله يديك ورجليك, وجعلك في حزب من سفك دماءنا وتجرء على الله, فما استتم دعاءه حتى شلت يداي وحسست بوجهي كأنه أُلبس قطعاً من الليل مظلماً, وبقيت على هذه الحالة فجئت إلى هذا البيت أستشفع وأنا أعلم أنه لا يغفر لي أبداً فلم يبق في مكة أحد إلا وسمع حديثه وتقرب إلى الله بلعنته, وكل يقول: حسبك ما جنيت يا لعين! {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}[64].[65]

 

* ابن شهر آشوب في المناقب,النطنزي في الخصائص: لما جاءوا برأس الحسين ونزلوا منزلاً يقال له قنسرين اطلع راهب من صومعته إلى الرأس فرأى نوراً ساطعاً يخرج من فيه ويصعد إلى السماء فأتاهم بعشرة آلاف درهم وأخذ الرأس وأدخله صومعته فسمع صوتاً ولم ير شخصاً قال طوبى لك وطوبى لمن عرف حرمته, فرفع الراهب رأسه قال: يا رب بحق عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلم معي, فتكلم الرأس وقال: يا راهب أي شيء تريد؟ قال: من أنت؟ قال: أنا ابن محمد المصطفى, وأنا ابن علي المرتضى, وأنا ابن فاطمة الزهراء, وأنا المقتول بكربلاء, أنا المظلوم, أنا العطشان, فسكت, فوضع الراهب وجهه على وجهه فقال: لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول أنا شفيعك يوم القيامة, فتكلم الرأس فقال: ارجع إلى دين جدي محمد, فقال الراهب: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, فقَبل له الشفاعة, فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم, فلما بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة.[66]

 

* السيد ابن طاووس الحسني في اللهوف, قال السيد ابن طاووس قالت سكينة فلما كان في اليوم الرابع من مقامنا رأيت في المنام رؤيا - وذكرت مناماً طويلاً إلى أن قالت - رأيت أمرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها فسألت عنها فقيل لي فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه و آله) أم أبيك فقلت والله لأنطلقن إليها ولأخبرنها ما صنع بنا فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها فوقفت بين يديها أبكي وأقول: يا أماه جحدوا والله حقنا! يا أماه بددوا والله شملنا! يا أماه إستباحوا والله حريمنا! يا أماه قتلوا والله الحسين (عليه السلام) أبانا! فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين (عليه السلام) لا يفارقني حتى ألقى الله به.[67]

 

* ابن شهر آشوب في المناقب,روى أبو مخنف, عن الشعبي أنه صلب رأس الحسين بالصيارف في الكوفة فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}[68] فلم يزدهم إلا ضلالاً.

وفي أثر أنهم لما صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}[69], وسمع أيضاً صوته بدمشق يقول: {لا قوة إلا بالله}[70],[71] وسمع أيضاً يقرأ: {أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً}[72] فقال زيد بن أرقم: أمرك أعجب يا ابن رسول الله![73]

 

* الشيخ عبد الله البحراني في العوالم, قال صاحب المناقب وغيره: روي أن يزيد لعنه الله أمر بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوئ الحسين وعلي (صلى الله عليه و آله) وما فعلا, فصعد الخطيب المنبر, فحمد الله وأثنى عليه، ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين (صلى الله عليه و آله), وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد لعنهما الله, فذكرهما بكل جميل, قال: فصاح به علي بن الحسين صلوات الله عليهما: ويلك يا أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق, فتبوأ مقعدك من النار, ثم قال علي بن الحسين (عليه السلام): يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الاعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا, ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب, قال: فأبى يزيد عليه ذلك, فقال الناس: يا أمير المؤمنين إئذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئاً, فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان, فقيل له: يا أمير المؤمنين وما قدر ما يحسن هذا؟! فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً, قال: فلم يزالوا به حتى أذن له, فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى منها العيون, وأوجل منها القلوب, ثم قال: أيها الناس أُعطينا ستاً وفضلنا بسبع, أعطينا العلم, والحلم, والسماحة, والفصاحة, والشجاعة, والمحبة في قلوب المؤمنين, وفضلنا بأن منا النبي المختار محمداً, ومنا الصديق, ومنا الطيار, ومنا أسد الله وأسد رسوله, ومنا سبطا هذه الامة, من عرفني فقد عرفني, ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.

أيها الناس أنا ابن مكة ومنى, أنا ابن زمزم والصفا, أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء, أنا ابن خير من ائتزر وارتدى, أنا ابن خير من انتعل واحتفى, أنا ابن خير من طاف وسعى, أنا ابن خير من حج ولبّى, أنا ابن من حمل على البراق في الهواء, أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى, أنا ابن من بلغ به جبرئيل (عليه السلام) إلى سدرة المنتهى, أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى, أنا ابن من صلى بملائكة السماء, أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى, أنا ابن محمد المصطفى, أنا ابن علي المرتضى, أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله.

أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) بسيفين, وطعن برمحين, وهاجر الهجرتين, وبايع البيعتين, وقاتل ببدر وحنين, ولم يكفر بالله طرفة عين, أنا ابن صالح المؤمنين, ووارث النبيين, وقامع الملحدين, ويعسوب المسلمين, ونور المجاهدين, وزين العابدين, وتاج البكائين, وأصبر الصابرين, وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين, أنا ابن المؤيد بجبرئيل, المنصور بميكائيل, أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين, وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين, والمجاهد أعداءه الناصبين, وأفخر من مشى من قريش أجمعين, وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين, وأول السابقين, وقاصم المعتدين, ومبيد المشركين, وسهم من مرامي الله على المنافقين, ولسان حكمة العابدين, وناصر دين الله, وولي أمر الله, وبستان حكمة الله, وعيبة علمه, سمح, سخي, بهي, بُهلول[74], زكي, أبطحي, رضي, مقدام, همام, صابر, صوام, مهذب, قوام, قاطع الاصلاب, ومفرق الاحزاب, أربطهم عناناً, وأثبتهم جناناً, وأمضاهم عزيمة, وأشدهم شكيمة, أسد باسل, يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة, وقربت الأعنة, طحن الرحا, ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم, ليث الحجاز, وكبش العراق, مكي, مدني, خيفي, عقبي, بدري, أحدي, شجري, مهاجري, من العرب سيدها, ومن الوغى ليثها, وارث المشعرين, وأبو السبطين الحسن والحسين, ذاك جدي علي بن أبي طالب (عليه السلام), ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء, أنا ابن سيدة النساء, فلم يزل يقول: أنا أنا, حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب, وخشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام, فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر قال علي (عليه السلام): لا شيء أكبر من الله, فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله, قال علي بن الحسين (صلى الله عليه و آله): شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي, فلما قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه و آله) التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت, وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟ قال: وفرغ المؤذن من الآذان والاقامة وتقدم يزيد فصلى صلاة الظهر.

قال: وروي أنه كان في مجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود, فقال: من هذا الغلام يا أمير المؤمنين؟ قال: هو علي بن الحسين, قال: فمن الحسين؟ قال: ابن علي بن أبي طالب, قال: فمن أمه؟ قال: أمه فاطمة بنت محمد فقال الحبر: يا سبحان الله! فهذا ابن بنت نبيكم قتلتموه في هذه السرعة؟ بئسما خلفتموه في ذريته, والله لو ترك فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لظننا أنا كنا نعبده من دون ربنا, وإنكم إنما فارقكم نبيكم بالأمس, فوثبتم على ابنه فقتلتموه!! سوأة لكم من أمة, قال: فأمر به يزيد لعنه الله, فوجئ[75] في حلقه ثلاثاً, فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاضربوني, وإن شئتم فاقتلوني أو فذروني, فإني أجد في التوراة أن من قتل ذرية نبي لا يزال ملعوناً أبداً ما بقي, فإذا مات يصليه الله نار جهنم.[76]

 

* ابن نما الحلي في مثير الأحزان,عن أبي عبد الرحمن بن عبد الله بن عقبة بن لهيعة الحضرمي, عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن قال: لقيني رأس الجالوت بن يهوذا فقال والله إن بيني وبين داود سبعين أباً واليهود تلقاني فتعظمني وأنتم ليس بين ابن النبي وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده, وكان يزيد يتخذ مجالس الشراب واللهو والقيان والطرب ويحضر رأس الحسين بين يديه فحضر مجلسه رسول ملك الروم وكان من أشرافهم فقال: يا ملك العرب هذا رأس من؟ قال: مالك ولهذا الرأس؟ قال: أنى إذا رجعت إلى ملكناً يسألني عن كل شيء شاهدته فأحببت أن أخبره بقضية هذا الرأس وصاحبه ليشاركك في الفرح والسرور, قال: هذا رأس الحسين بن علي, قال: ومن أمه؟ قال: فاطمة بنت رسول الله, فقال النصراني: أف لك ولدينك!! لي دين أحسن من دينكم, إن أبي من حفدة داود (عليه السلام) وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظمون قدري ويأخذون من تراب قدمي تبركاً بأني من الحوافد, وقد قتلتم ابن بنت نبيكم وليس بينه وبينه إلا أم واحدة!! فقبح الله دينكم!! ثم قال ليزيد: ما اتصل إليك حديث كنيسة الحافر؟ قال: قل, قال: بين عمان والصين بحر مسيرة سنة فيه جزيرة ليس بها عمران إلا بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخاً في ثمانين ما على وجه الأرض مدينة مثلها منها يُحمل الكافور والعنبر والياقوت أشجارها العود وهي في أكف النصارى فيها كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقة[77] ذهب معلقة فيها حافر حمار ويقولون كان يركبه عيسى (عليه السلام) وحول الحقة مزيّن بأنواع الجواهر والديباج يقصدها في كل عام عالم من النصارى وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم!! لا بارك الله فيكم ولا في دينكم! فقال يزيد: اقتلوه لئلا يفضحني في بلاده, فلما أحس بالقتل قال: تريد أن تقتلني؟ قال: نعم, قال: اعلم أني رأيت البارحة نبيكم في المنام يقول: يا نصراني أنت من أهل الجنة فتعجبت من كلامه وأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسوله ثم نهض إلى الرأس فضمه إلى صدره وقبّله وبكى.[78]

 

 * الشيخ الصدوق في ثواب الأعمال, حدثني محمد بن موسى بن المتوكل قال: حدثني محمد بن يحيى العطار, عن محمد بن أحمد, عن يعقوب بن زيد, عن منصور, عن رجل, عن شريك يرفعه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة (عليها السلام) في لمة من نسائها فيقال لها: ادخلي الجنة, فتقول: لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي, فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين (عليه السلام) قائماً وليس عليه رأس فتصرخ صرخة وأصرخ لصراخها وتصرخ الملائكة لصراخها فيغضب الله عز وجل عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لا يدخلها روح أبداً ولا يخرج منها غم أبداً فيقال إلتقطي قتلة الحسين وحملة القرآن فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت وشهقوا بها وزفرت وزفروا بها فينطقون بألسنة ذلقة طلقة: يا ربنا فيما أوجبت لنا النار قبل عبدة الاوثان فيأتيهم الجواب عن الله تعالى إن من عَلم ليس كمن لا يعلم.[79]

 

* الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام), حدثنا أبو الحسن محمد ابن على بن الشاه الفقيه المروزي بمرو الرود في داره قال: حدثنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله النيسابوري قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي بالبصرة قال: حدثنا أبي في سنة ستين ومائتين قال حدثني على بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة أربع وتسعين ومائة, وحدثنا أبو منصور بن إبراهيم بن بكر الخورى بنيسابور قال: حدثنا أبو اسحاق إبراهيم بن هارون بن محمد الخوري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن زياد الفقيه الخوري بنيسابور قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الهروي الشيباني عن الرضا علي بن موسى (صلى الله عليه و آله) وحدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الاشناني الرازي العدل ببلخ قال: حدثنا على بن محمد بن مهرويه القزويني, عن داود بن سليمان الفراء, عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن قاتل الحسين بن علي (صلى الله عليه و آله) في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكس في النار حتى يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم من شدة نتنه وهو فيها خالد ذائق العذاب الاليم مع جميع من شايع على قتله كلما نضجت جلودهم بدل الله عز وجل عليهم الجلود حتى يذوقوا العذاب الاليم لايفتر عنهم ساعة ويسقون من حميم جهنم فالويل لهم من عذاب الله تعالى في النار.[80]

 

* جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات, حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري, عن أبيه, عن علي بن محمد بن سالم, عن محمد بن خالد, عن عبد الله بن حماد البصري, عن عبد الله بن عبد الرحمان الاصم قال: حدثنا مدلج, عن محمد بن مسلم, قال: خرجت إلى المدينة وأنا وجع, فقيل له[81]: محمد بن مسلم وجع, فأرسل إليّ أبو جعفر (عليه السلام) شراباً مع غلام مغطى بمنديل, فناولنيه الغلام وقال لي: اشربه فانه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه, فتناولته فإذا رائحة المسك منه, وإذا بشراب طيب الطعم بارد, فلما شربته قال لي الغلام: يقول لك مولاي: إذا شربته فتعال ففكرت فيما قال لي, وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي, فلما استقر الشراب في جوفي فكأنما نشطت من عقال, فأتيت بابه فاستأذنت عليه, فصوت بي: صح الجسم أدخل, فدخلت عليه وأنا باك, فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه, فقال لي: وما يبكيك يا محمد؟ قلت: جُعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة القدرة على المقام عندك أنظر اليك, فقال لي: أمّا قلة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا وجعل البلاء إليهم سريعاً, وأما ما ذكرت من الغربة فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله, وأما ما ذكرت من بعد الشقة فلك بأبي عبد الله (عليه السلام) أسوة بأرض نائية عنا بالفرات, وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا وإنك لا تقدر على ذلك فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.[82]

ثم قال لي: هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم على خوف ووجل, فقال: ما كان في هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف, ومن خاف في إتيانه أمن الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين, وانصرف بالمغفرة وسلمت عليه الملائكة وزاره النبي (صلى الله عليه و آله) وما يصنع, ودعا له, وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء واتبع رضوان الله, ثم قال لي: كيف وجدت الشراب؟ فقلت: أشهد أنكم أهل بيت الرحمة وإنك وصي الأوصياء, ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدر على أن أستقل على قدمي, ولقد كنت آيساً من نفسي, فناولني الشراب فشربته, فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه, ولا أبرد منه, فلما شربته قال لي الغلام: إنه أمرني أن أقول لك إذا شربته فأقبل إليّ, وقد علمت شدة ما بي, فقلت: لأذهبن إليه ولو ذهبت نفسي, فأقبلت إليك فكأني نشطت من عقال, فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم.

فقال: يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين (عليه السلام) وهو أفضل ما استشفي به فلا نعدل به, فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا, فنرى فيه كل خير, فقلت له: جُعلت فداك إنّا لنأخذ منه ونستشفي به, فقال: يأخذه الرجل فيخرجه من الحائر وقد أظهره فلا يمر بأحد من الجن به عاهة ولا دابة ولا شيء به آفة إلا شَمَّه فتذهب بركته فيصير بركته لغيره, وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا, ولولا ما ذكرت لك ما يُمسح به شي ولا شُرب منه شي إلا أفاق من ساعته, وما هو إلا كحجر الأسود أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية, وكان لا يتمسح به احد إلا أفاق, وكان كأبيض ياقوتة فاسود حتى صار إلى ما رأيت, فقلت: جُعلت فداك وكيف أصنع به؟ فقال: أنت تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك, تستخف به فتطرحه في خرجك[83] وفي أشياء دنسة فيذهب ما فيه مما تريده له, فقلت: صدقت جُعلت فداك, قال: ليس يأخذه أحد إلا وهو جاهل بأخذه ولا يكاد يسلم بالناس, فقلت: جُعلت فداك وكيف لي أن آخذه كما تأخذه؟ فقال لي: أعطيك منه شيئاً, فقلت: نعم, قال: إذا أخذته فكيف تصنع به, فقلت: أذهب به معي, فقال: في أي شيء تجعله, فقلت: في ثيابي, قال: فقد رجعت إلى ما كنت تصنع أشرب عندنا منه حاجتك ولا تحمله فانه لا يسلم لك, فسقاني منه مرتين, فما أعلم أني وجدت شيئاً مما كنت أجد حتى انصرفت.[84]

 

* العلامة المجلسي في البحار, قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المزار بعد إيراد الزيارة التي نقلناها من المصباح ما هذا لفظه: زيارة أخرى في يوم عاشوراء برواية أخرى، إذا أردت زيارته بها في هذا اليوم فقف عليه صلى الله عليه وآله وقل:

السلام على آدم صفوة الله من خليقته، السلام على شيث ولي الله وخيرته, السلام على إدريس القائم لله بحجته، السلام على نوح المجاب في دعوته، السلام على هود الممدود من الله بمعونته، السلام على صالح الذي توجه لله بكرامته، السلام على إبراهيم الذي حباه الله بخلته، السلام على إسماعيل الذي فداه الله بذبح عظيم من جنته، السلام على إسحاق الذي جعل الله النبوة في ذريته، السلام على يعقوب الذي رد الله عليه بصره برحمته، السلام على يوسف الذي نجاه الله من الجب بعظمته, السلام على موسى الذي فلق الله البحر له بقدرته، السلام على هارون الذي خصه الله بنبوته، السلام على شعيب الذي نصره الله على أمته، السلام على داود الذي تاب الله عليه من خطيئته, السلام على سليمان الذي ذلت له الجن بعزته، السلام على أيوب الذي شفاه الله من علته، السلام على يونس الذي أنجز الله له مضمون عدته، السلام على عزير الذي أحياه الله بعد ميتته، السلام على زكريا الصابر في محنته، السلام على يحيى الذي أزلفه الله بشهادته، السلام على عيسى روح الله وكلمته, السلام على محمد حبيب الله وصفوته، السلام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المخصوص باخوته، السلام على فاطمة الزهراء ابنته، السلام على أبي محمد الحسن وصي أبيه وخليفته، السلام على الحسين الذي سمحت نفسه بمهجته، السلام على من أطاع الله في سره وعلانيته، السلام على من جعل الله الشفاء في تربته، السلام على من الاجابة تحت قبته، السلام على من الأئمة من ذريته, السلام على ابن خاتم الأنبياء، السلام على ابن سيد الأوصياء، السلام على ابن فاطمة الزهراء، السلام على ابن خديجة الكبرى، السلام على ابن سدرة المنتهى، السلام على ابن جنة المأوى، السلام على ابن زمزم والصفا, السلام على المرمل بالدماء، السلام على المهتوك الخباء، السلام على خامس أصحاب أهل الكساء، السلام على غريب الغرباء، السلام على شهيد الشهداء, السلام على قتيل الأدعياء، السلام على ساكن كربلاء، السلام على من بكته ملائكة السماء، السلام على من ذريته الأزكياء, السلام على يعسوب الدين، السلام على منازل البراهين، السلام على الأئمة السادات، السلام على الجيوب المضرجات، السلام على الشفاه الذابلات، السلام على النفوس المصطلمات، السلام على الأرواح المختلسات، السلام على الأجساد العاريات، السلام على الجسوم الشاحبات، السلام على الدماء السائلات, السلام على الأعضاء المقطعات، السلام على الرؤوس المشالات، السلام على النسوة البارزات, السلام على حجة رب العالمين، السلام عليك وعلى آبائك الطاهرين، السلام عليك وعلى أبنائك المستشهدين، السلام عليك وعلى ذريتك الناصرين، السلام عليك وعلى الملائكة المضاجعين، السلام على القتيل المظلوم، السلام على أخيه المسموم، السلام على علي الكبير، السلام على الرضيع الصغير, السلام على الأبدان السليبة، السلام على العترة القريبة، السلام على المجدلين في الفلوات، السلام على النازحين عن الأوطان، السلام على المدفونين بلا أكفان، السلام على الرؤوس المفرقة عن الأبدان، السلام على المحتسب الصابر, السلام على المظلوم بلا ناصر، السلام على ساكن التربة الزاكية، السلام على صاحب القبة السامية, السلام على من طهره الجليل، السلام على من افتخر به جبرئيل، السلام على من ناغاه في المهد ميكائيل، السلام على من نكثت ذمته، السلام على من هتكت حرمته، السلام على من اريق بالظلم دمه، السلام على المغسل بدم الجراح، السلام على المجرع بكاسات الرماح، السلام على المضام المستباح، السلام على المنحور في الورى، السلام على من دفنه أهل القرى, السلام على المقطوع الوتين، السلام على المحامي بلا معين، السلام على الشيب الخضيب، السلام على الخد التريب، السلام على البدن السليب، السلام على الثغر المقروع بالقضيب، السلام على الرأس المرفوع، السلام على الاجسام العارية في الفلوات، تنهشها الذئاب العاديات، وتختلف إليها السباع الضاريات, السلام عليك يا مولاي وعلى الملائكة المرفوفين حول قبتك، الحافين بتربتك، الطائفين بعرصتك، الواردين لزيارتك، السلام عليك فاني قصدت إليك ورجوت الفوز لديك, السلام عليك سلام العارف بحرمتك، المخلص في ولايتك، المتقرب إلى الله بمحبتك، البريء من أعدائك سلام من قلبه بمصابك مقروح، ودمعه عند ذكرك مسفوح، سلام المفجوع الحزين الواله المستكين، سلام من لو كان معك بالطفوف لوقاك بنفسه حد السيوف، وبذل حشاشته دونك للحتوف، وجاهد بين يديك، ونصرك على من بغى عليك، وفداك بروحه وجسده وماله وولده، وروحه لروحك فداء، وأهله لأهلك وقاء, فلئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنك صباحاً ومساء، ولأبكين لك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسفاً على ما دهاك, وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب، وغصة الاكتياب, أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر والعدوان، وأطعت الله وما عصيته، وتمسكت به وبحبله فأرضيته وخشيته وراقبته واستجبته وسننت السنن، وأطفأت الفتن، ودعوت إلى الرشاد وأوضحت سبل السداد، وجاهدت في الله حق الجهاد. وكنت لله طائعاً، ولجدك محمد صلى الله عليه وآله تابعاً، ولقول أبيك سامعاً، وإلى وصية أخيك مسارعاً، ولعماد الدين رافعاً، وللطغيان قامعاً، وللطغاة مقارعاً، وللامة ناصحاً، وفي غمرات الموت سابحاً، وللفساق مكافحاً، وبحجج الله قائماً، وللاسلام والمسلمين راحماً، وللحق ناصراً، وعند البلاء صابراً، وللدين كالئاً، وعن حوزته مرامياً, تحوط الهدى وتنصره، وتبسط العدل وتنشره، وتنصر الدين وتظهره وتكف العابث وتزجره، وتأخذ للدني من الشريف، وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف، كنت ربيع الأيتام، وعصمة الأنام، وعز الاسلام، ومعدن الأحكام، وحليف الانعام، سالكاً طرائق جدك وأبيك، مشبهاً في الوصية لأخيك, وفي الذمم، رضي الشيم، ظاهر الكرم، متهجداً في الظلم، قويم الطرائق كريم الخلائق، عظيم السوابق، شريف النسب، منيف الحسب، رفيع الرتب كثير المناقب، محمود الضرائب، جزيل المواهب، حليم رشيد منيب، جواد عليم شديد، إمام شهيد، أواه منيب، حبيب مهيب, كنت للرسول صلى الله عليه واله ولداً، وللقرآن منقداً وللامة عضداً، وفي الطاعة مجتهداً، حافظاً للعهد والميثاق، ناكباً عن سبل الفساق، وباذلاً للمجهود، طويل الركوع والسجود, زاهداً في الدنيا زهد الراحل عنها، ناظراً إليها بعين المستوحشين منها، آمالك عنها مكفوفة، وهمتك عن زينتها مصروفة، وألحاظك عن بهجتها مطروفة, ورغبتك في الآخرة معروفة, حتى إذا الجور مد باعه، وأسفر الظلم قناعه ودعا الغي أتباعه، وأنت في حرم جدك قاطن، وللظالمين مباين، جليس البيت والمحراب، معتزل عن اللذات والشهوات، تنكر المنكر بقلبك ولسانك، على حسب طاقتك وإمكانك، ثم اقتضاك العلم للانكار، ولزمك أن تجاهد الفجار، فسرت في أولادك وأهاليك، وشيعتك ومواليك، وصدعت بالحق والبينة، ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وأمرت باقامة الحدود، والطاعة للمعبود، ونهيت عن الخبائث والطغيان، وواجهوك بالظلم والعدوان, فجاهدتهم بعد الايعاز لهم، وتأكيد الحجة عليهم، فنكثوا ذمامك وبيعتك وأسخطوا ربك وجدك، وبدؤوك بالحرب، فثبت للطعن والضرب، وطحنت جنود الفجار، واقتحمت قسطل الغبار، مجالداً بذي الفقار، كأنك علي المختار, فلما رأوك ثابت الجأش، غير خائف ولا خاش، نصبوا لك غوائل مكرهم وقاتلوك بكيدهم وشرهم، وأمر اللعين جنوده، فمنعوك الماء ووروده، وناجزوك الفتال، وعاجلوك النزال، ورشقوك بالسهام والنبال، وبسطوا إليك أكف الاصطلام، ولم يرعوا لك ذماماً، ولا راقبوا فيك أثاماً، في قتلهم أولياءك، ونهبهم رحالك، وأنت مقدم في الهبوات، ومحتمل للأذيات، قد عجبت من صبرك ملائكة السماوات, فأحدقوا بك من كل الجهات، وأثخنوك بالجراح، وحالوا بينك وبين الرواح، ولم يبق لك ناصر، وأنت محتسب صابر، تذب عن نسوتك وأولادك حتى نكسوك عن جوادك، فهويت إلى الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرها أو تعلوك الطغاة ببواترها, قد رشح للموت جبينك، واختلف بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك تدير طرفاً خفياً إلى رحلك وبيتك، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهاليك وأسرع فرسك شارداً، إلى خيامك قاصداً، محمحماً باكياً, فلما رأين النساء جوادك مخزياً، ونظرن سرجك عليه ملوياً، برزن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات الوجوه سافرات، وبالعويل داعيات وبعد العز مذللات، وإلى مصرعك مبادرات, والشمر جالس على صدرك، ومولغ سيفه على نحرك، قابض على شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورفع على القناة رأسك، وسبي أهلك كالعبيد، وصفدوا في الحديد، فوق أقتاب المطيات، تلفح وجوههم حر الهاجرات، يساقون في البراري والفلوات، أيديهم مغلولة إلى الاعناق يطاف بهم في الاسواق, فالويل للعصاة الفساق، لقد قتلوا بقتلك الاسلام، وعطلوا الصلاة والصيام, ونقضوا السنن والأحكام، وهدموا قواعد الايمان، وحرفوا آيات القرآن، و هملجوا في البغي والعدوان, لقد أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله موتوراً، وعاد كتاب الله عز وجل مهجوراً وغودر الحق إذا قهرت مقهوراً، وفقد بفقدك التكبير والتهليل، والتحريم والتحليل والتنزيل والتأويل، وظهر بعدك التغيير والتبديل، والالحاد والتعطيل، والأهواء والأضاليل، والفتن والأباطيل, فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول صلى الله عليه وآله، فنعاك إليه بالدمع الهطول قائلاً يا رسول الله قتل سبطك وفتاك، واستبيح أهلك وحماك، وسبيت بعدك ذراريك، ووقع المحذور بعترتك وذويك، فانزعج الرسول، وبكى قلبه المهول، وعزاه بك الملائكة والأنبياء، وفجعت بك أمك الزهراء, واختلفت جنود الملائكة المقربين تعزي أباك أمير المؤمنين، وأقيمت لك المآتم في أعلا عليين، ولطمت عليك الحور العين، وبكت السماء وسكانها والجنان وخزانها، والهضاب وأقطارها، والبحار وحيتانها، والجنان وولدانها والبيت والمقام، والمشعر الحرام، والحل والاحرام, اللهم فبحرمة هذا المكان المنيف، صل على محمد وآل محمد، واحشرني في زمرتهم وأدخلني الجنة بشفاعتهم، اللهم إني أتوسل إليك يا أسرع الحاسبين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أحكم الحاكمين، بمحمد خاتم النبيين، رسولك إلى العالمين أجمعين، وبأخيه وابن عمه الأنزع البطين، العالم المكين، علي أمير المؤمنين، وبفاطمة سيدة نساء العالمين، وبالحسن الزكي عصمة المتقين, وبأبي عبد الله الحسين أكرم المستشهدين، وبأولاده المقتولين، وبعترته المظلومين، وبعلي بن الحسين زين العابدين، وبمحمد بن علي قبلة الأوابين، وجعفر بن محمد أصدق الصادقين، وموسى بن جعفر مظهر البراهين، وعلي بن موسى ناصر الدين، ومحمد بن علي قدوة المهتدين وعلي بن محمد أزهد الزاهدين، والحسن بن علي وارث المستخلفين، والحجة على الخلق أجمعين، أن تصلي على محمد وآل محمد الصادقين الأبرين، آل طه ويس، وأن تجعلني في القيامة من الامنين المطمئنين الفائزين، الفرحين المستبشرين, اللهم اكتبني في المسلمين، وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين، وانصرني على الباغين، واكفني كيد الحاسدين، واصرف عني مكر الماكرين، واقبض عني أيدي الظالمين، واجمع بيني وبين السادة الميامين في أعلا عليين، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين والشهداء والصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم إنني أقسم عليك بنبيك المعصوم، وبحكمك المحتوم، ونهيك المكتوم وبهذا القبر الملموم، الموسد في كنفه الامام المعصوم، المقتول المظلوم، أن تكشف ما بي من الغموم، وتصرف عني شر القدر المحتوم، وتجيرني من النار ذات السموم، اللهم جللني بنعمتك، ورضني بقسمك، وتغمدني بجودك وكرمك وباعدني من مكرك ونقمتك, اللهم اعصمني من الزلل، وسددني في القول والعمل، وافسح لي في مدة الاجل، وأعفني من الاوجاع والعلل، وبلغني بموالي وبفضلك أفضل الأمل, اللهم صل على محمد وآل محمد واقبل توبتي، وارحم عبرتي وأقلني عثرتي ونفس كربتي، واغفر لي خطيئتي، وأصلح لي في ذريتي, اللهم لا تدع لي في هذا المشهد المعظم، والمحل المكرم ذنباً إلا غفرته, ولا عيباً إلا سترته، ولا غماً إلا كشفته، ولا رزقاً إلا بسطته، ولا جاهاً إلا عمرته, ولا فساداً إلا أصلحته، ولا أملاً إلا بلغته، ولا دعاء إلا أجبته، ولا مضيقاً إلا فرجته, ولا شملاً إلا جمعته، ولا أمراً إلا أتممته، ولا مالاً إلا كثرته، ولا خلقاً إلا حسنته، ولا إنفاقاً إلا أخلقته، ولا حالاً إلا عمرته، ولا حسوداً إلا قمعته، ولا عدواً إلا أرديته، ولا شراً إلا كفيته، ولا مرضاً إلا شفيته، ولا بعيداً إلا أدنيته ولا شعثاً إلا لممته، ولا سؤالاً إلا أعطيته، اللهم إني أسئلك خير العاجلة وثواب الاجلة, اللهم أغنني بحلالك عن الحرام، وبفضلك عن جميع الأنام، اللهم إني أسئلك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ويقيناً شافياً، وعملاً زاكياً وصبراً جميلاً، وأجراً جزيلاً، اللهم ارزقني شكر نعمتك علي، وزد في إحسانك وكرمك إلي، واجعل قولي في الناس مسموعاً، وعملي عندك مرفوعاً، وأثرى في الخيرات متبوعاً، وعدوي مقموعاً, اللهم صل على محمد وآل محمد الأخيار، في آناء الليل وأطراف النهار، واكفني شر الأشرار، وطهرني من الذنوب والأوزار، وأجرني من النار، وأحلني دار القرار، واغفر لي ولجميع إخواني فيك وأخواتي المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين, ثم توجه إلى القبلة وصل ركعتين واقرأ في الاولى سورة الأنبياء وفي الثانية الحشر، واقنت وقل:

لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع والأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن، خلافاً لأعدائه وتكذيباً لمن عدل به، وإقراراً لربوبيته، وخضوعاً لعزته، الأول بغير أول, والآخر إلى غير آخر، الظاهر على كل شيء بقدرته، الباطن دون كل شيء بعلمه ولطفه، لا تقف العقول على كنه عظمته، ولا تدرك الأوهام حقيقة ماهيته ولا تتصور الأنفس معاني كيفيته، مطلعاً على الضمائر، عارفاً بالسرائر، يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور, اللهم إني أشهدك على تصديقي رسولك صلى الله عليه وآله وإيماني به، وعلمي بمنزلته وإني أشهد أنه النبي الذي نطقت الحكمة بفضله، وبشرت الأنبياء به، ودعت إلى الاقرار بما جاء به، وحث على تصديقه بقوله تعالى: {الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم}[85], فصل على محمد رسولك إلى الثقلين، وسيد الأنبياء المصطفين، وعلى أخيه وابن عمه، اللذين لم يشركا بك طرفة عين أبداً، وعلى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وعلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، صلاة خالدة الدوام، عدد قطر الرهام، وزنة الجبال والاكام، ما أورق السلام، واختلف الضياء والظلام، وعلى آله الطاهرين، الأئمة المهتدين، الذائدين عن الدين علي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة، القوام بالقسط وسلالة السبط, اللهم إني أسئلك بحق هذا الامام فرجاً قريباً، وصبراً جميلاً، ونصراً عزيزاً، وغنى عن الخلق، وثباتاً في الهدى، والتوفيق لما تحب وترضى، ورزقاً واسعاً حلالاً طيباً، مريئاً داراً سائغاً، فاضلاً مفضلاً صباً صباً، من غير كد ولا نكد، ولا منة من أحد، وعافية من كل بلاء وسقم ومرض، والشكر على العافية والنعماء، وإذا جاء الموت فاقبضنا على أحسن ما يكون لك طاعة، على ما أمرتنا محافظين، حتى تؤدينا إلى جنات النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم صل على محمد وآل محمد وأوحشني من الدنيا وآنسني بالآخرة، فانه لا يوحش من الدنيا إلا خوفك، ولا يؤنس بالآخرة إلا رجاؤك، اللهم لك الحجة لا عليك، وإليك المشتكى لا منك، فصل على محمد وآله وأعنّي على نفسي الظالمة العاصية، وشهوتي الغالبة، واختم لي بالعافية, اللهم إن استغفاري إياك وأنا مصر على ما نهيت قلة حياء، وتركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك تضييع لحق الرجاء، اللهم إن ذنوبي تؤيسني أن أرجوك، وإن علمي بسعة رحمتك يمنعني أن أخشاك، فصل على محمد وآل محمد وصدق رجائي لك، وكذب خوفي منك، وكن لي عند أحسن ظني بك يا أكرم الأكرمين, اللهم صل على محمد وآل محمد وأيدني بالعصمة، وأنطق لساني بالحكمة، واجعلني ممن يندم على ما ضيعه في أمسه، ولا يغبن حظه في يومه، ولا يهم لرزق غده، اللهم إن الغني من استغنى بك وافتقر إليك، والفقير من استغنى بخلقك عنك، فصل على محمد وآل محمد، وأغنني عن خلقك بك، واجعلني ممن لا يبسط كفاً إلا إليك, اللهم إن الشقى من قنط وأمامه التوبة ووراءه الرحمة، وإن كنت ضعيف العمل فإني في رحمتك قوي الأمل، فهب لي ضعف عملي لقوة أملي, اللهم إن كنت تعلم أن ما في عبادك من هو أقسى قلباً مني وأعظم مني ذنباً فاني أعلم أنه لا مولى أعظم منك طولاً، وأوسع رحمة وعفواً، فيا من هو أوحد في رحمة، اغفر لمن ليس بأوحد في خطيئته, اللهم إنك أمرتنا فعصينا، ونهيت فما انتهينا، وذكرت فتناسينا، وبصرت فتعامينا، وحذرت فتعدينا، وما كان ذلك جزاء إحسانك إلينا، وأنت أعلم بما أعلنا وأخفينا، وأخبر بما نأتي وما أتينا، فصل على محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما أخطأنا ونسينا، وهب لنا حقوقك لدينا، وأتم إحسانك إلينا، وأسبل رحمتك علينا, اللهم إنا نتوسل إليك بهذا الصديق الامام، ونسئلك بالحق الذي جعلته له ولجده رسولك ولأبويه على وفاطمة، أهل بيت الرحمة، إدرار الرزق الذي به قوام حياتنا، وصلاح أحوال عيالنا، فأنت الكريم الذي تعطي من سعة، وتمنع من قدرة، ونحن نسئلك من الرزق ما يكون صلاحاً للدنيا، وبلاغاً للآخرة, اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والاموات، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار, ثم تركع وتسجد وتجلس وتتشهد وتسلم فإذا سبحت فعفر خديك وقل:

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أربعين مرة, واسئل الله العصمة والنجاة والمغفرة والتوفيق بحسن العمل والقبول لما تتقرب به إليه وتبتغي به وجهه وقف عند الرأس ثم صل ركعتين على ما تقدم, ثم انكب على القبر وقبله وقل: زاد الله في شرفكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وادع لنفسك ولوالديك ولمن أردت.[86]


[1] كامل الزيارات ص449, عنه البحار ج98 ص106, الأصول الستة عشر ص16, وسائل الشيعة ج10 ص403.

[2] كامل الزيارات ص455، عنه البحار ج98 ص109، وسائل الشيعة ج10 ص404. 

[3] كامل الزيارات ص450, عنه البحار ج98 ص107, الأصول الستة عشر ص17, تهذيب الأحكام ج6 ص72, روضة الواعظين ص411, وسائل الشيعة ج10 ص404, مستدرك الوسائل ج10 ص322, نفس الرحمان ص258, البحار ج54 ص202 عن كتاب أبي سعيد العصفري.

[4] كامل الزيارات ص451، عنه البحار ج98 ص108، الأصول الستة عشر ص17، مستدرك الوسائل ج10 ص322، المزار للشيخ المفيد ص23، المزار الكبير لمحمد بن المشهدي ص337, نفس الرحمان ص258. 

[5] بحار الأنوار ج44 ص242، العوالم ص133.

[6] مصباح المتهجد ص722, عنه البحار ج98 ص201, إقبال الأعمال ج2 ص65, البلد الأمين ص289, المزار الكبير للمشهدي ص464, المزار للشهيد الأول ص128, مصباح الكفعمي ص503, اللهوف ص7.

[7] البحار ج44 ص264, عن تفسير فرات ص171, العوالم ص139, كامل الزيارات ص144 مختصراً.

[8] المضرب: الفسطاط العظيم.

[9] إلى هنا ورد في مناقب آشوب.

[10] الأمالي للصدوق ص190, عنه البحار ج44 ص283, العوالم ص538, إقبال الأعمال ج3 ص28, روضة الواعظين ص169, مناقب آشوب ج3 ص238, وسائل الشيعة ج10 ص394 مختصراً.

[11] المنيف: أي تام الطول والحُسن.

[12] مسند فاطمة الزهراء ÷ ص298, عن الطراز المذَّهب.

[13] العس: القدح الضخم.

[14] ضرب آباط الإبل: أي ضرب برجليه بإبطي الإبل ليعدو سريعاً, والمعنى أنه لو سعى وراء طلب هذا الحديث بعيداً لكان قليلاً.

[15] البحار ج28 ص55, عن كامل الزيارات ص444, العوالم ص361.

[16] وفي الفضائل لإبن شاذان ومثير الأحزان وغاية المرام وإرشاد القلوب: أولئك سادة شهداء أمتي.

[17] أمالي الشيخ الصدوق ص176، عنه البحار ج28 ص38  المحتضر ص109، بشارة المصطفى ص306، الفضائل لابن شاذان ص9، غاية المرام ج1 ص171, مثير الأحزان ص12, إرشاد القلوب ج2 ص295.

[18] مثير الأحزان ص12, عنه البحار ج44 ص266, العوالم ص137.

[19] كامل الزيارات ص453, قرب الإسناد ص26, عنه البحار ج44 ص258, العوالم ص152, خصائص الأئمة ص47, الخرائج والجرائح ج1 ص183, عنه البحار ج41 ص295.

[20] سخلي: بمعنى ولدي.

[21] الصيران جمع صوار: ومن معانيها وعاء المسك, وكأنه أراد تشبيهها كذلك لطيبها.

[22] الأمالي للصدوق ص693, عنه البحار ج44 ص252, كمال الدين ص532, الخرائج والجرائح ج3 ص1144, مدينة المعاجز ج2 ص165/ ج4 ص197, العوالم ص143.

[23] وفي دلائل الإمامة: وحبوط الأجر.

[24] وفي دلائل الإمامة: مصعدي.

[25] نوادر المعجزات ص107, دلائل الإمامة ص182, مدينة المعاجز ج3 ص363, اللهوف ص38, البحار ج44 ص363, العوالم ص213.

[26] إلى هنا ورد في ينابيع المودة.

[27] البحار ج44 ص331, العوالم ص180, لواعج الأشجان ص31, ينابيع المودة ج3 ص60.

[28] عسلان: الإضطراب وشدة الإهتزاز.

[29] اللهوف ص38, مثير الأحزان ص29, البحار ج44 ص366, كشف الغمة ج2 ص239, العوالم ص216.

[30] سورة آل عمران, الآية 154.

[31] وفي غير هذه الرواية يوم الجمعة.

[32] سورة الأنفال, الآية 42.

[33] اللهوف ص41, البحار ج44 ص330, العوالم ص179, الهداية الكبرى ص206, مستدرك الوسائل ج10 ص217 مختصراً.

[34] كلمات الإمام الحسين × ص297, وورد في معالي السبطين وأسرار الشهادة.

[35] الأَكَمَة: التل.

[36]التلاع: ما انحدر من الأرض وأشرف منها.

[37] المذاعير: أي الخائفين.

[38] سنان: الرمح.

[39] الأشوس: المتكبر.

[40] كلمات الإمام الحسين × ص406, وورد في الدمعة الساكبة.

[41] المضرب: الفسطاط أو الخيمة.

[42] الإرشاد ج2 ص91, عنه البحار ج44 ص392, العوالم ص243, إعلام الورى ج1 ص455, اللهوف ص55, روضة الواعظين ص183, تاريخ الطبري ج4 ص317, كلمات الإمام الحسين × ص400.

[43] كلمات الإمام الحسين × ص407, نقله عن كتاب معالي السبطين.

[44] وفي نسخة زاد عبارة: فيشيرون إلى.

[45] مدينة المعاجز ج4 ص216, عنه كلمات الإمام الحسين × ص401, الهداية الكبرى ص204.

[46] إلى هنا ورد في نوادر المعجزات.

[47] لم ترد هذه العبارة في نسخة دلائل الإمامة.

[48] وفي رواية: للطالب.

[49] مدينة المعاجز ج3 ص463، دلائل الإمامة ص188 باختلاف، نوادر المعجزات ص111 بعضه.

[50] الرُّدن: مقدم كُم القميص, أصل الكُم.

[51] يجدل: يصرع.

[52] مدينة المعاجز ج3 ص366, كلمات الإمام الحسين × ص465 عن منتخب الطريحي, وورد في معالي السبطين وأسرار الشهادة.

[53] كلمات الإمام الحسين × 471, عن منتخب الطريحي, وورد في معالي السبطين.

[54] الأمالي للصدوق ص548, الخصال ص68, عنهما البحار ج44 ص298, العوالم ص348, مقتل الحسين لأبو مخنف ص176, تفسير الثقلين ج4 ص346, الأنوار العلوية ص442.

[55] مقاتل الطالبيين ص79, عنه البحار ج45 ص306, مقتل الحسين × لأبو مخنف ص181, العوالم ص625, مدينة المعاجز ج4 ص83, ثواب الأعمال ص218 باختلاف, مناقب آشوب ج3 ص216 باختلاف.

[56] كلمات الإمام الحسين × ص477, عن منتخب الطريحي, وورد في معالي السبطين.

[57] تفسير العياشي ج1 ص258, عنه البحار ج44 ص218/ ج44 ص220, العوالم ص96, الأصول الستة عشر ص122, تفسير الثقلين ج1 ص519, تفسير كنز الدقائق ج2 ص540.

[58] نطع من الأديم: أي ظاهر الأرض.

[59] كلمات الإمام الحسين × ص485, عن الدمعة الساكبة, وورد في معالي السبطين وذريعة النجاة.

[60] كلمات الإمام الحسين × ص481, عن معالي السبطين, وورد في أسرار الشهادة.

[61] كلمات الإمام الحسين × ص505, عن معالي السبطين.

[62] مناقب آشوب ج3 ص214, عنه البحار ج45 ص301, العوالم ص614, لواعج الأشجان ص193.

[63] التكة: رباط السراويل.

[64] سورة الشعراء, الآية 227.

[65] البحار ج45 ص316, الهداية الكبرى ص207, العوالم ص629.

[66] مناقب آشوب ج3 ص217, عنه البحار ج45 ص303, مدينة المعاجز ج4 ص112, العوالم ص617.

[67] اللهوف ص109، عنه البحار ج45 ص141، مثير الأحزان ص84، العوالم ص441 عن اللهوف.

[68] سورة الكهف, الآية 13.

[69] سورة الشعراء, الآية 227.

[70] سورة الكهف, الآية 39.

[71] إلى هنا ورد في مدينة المعاجز.

[72] سورة الكهف, الآية 9.

[73] مناقب آشوب ج3 ص218, عنه البحار ج45 ص304, العوالم ص443, مدينة المعاجز ج4 ص115 بعضه.

[74] البُهلول: هو الرجل العزيز الجامع لكل خير.

[75] الوجء: اللكز أو الضرب.

[76] العوالم ص438، بحار الأنوار ج45 ص137، لواعج الأشجان ص234.

[77] حقة: منحوت من الخشب والعاج.

[78] مثير الأحزان ص82, عنه البحار ج45 ص141, اللهوف ص110, العوالم ص442, لواعج الأشجان ص236.

[79] ثواب الأعمال ص217، عنه البحار ج7 ص127/ ج43 ص222، اللهوف ص82، مثير الأحزان ص62، اللمعة البيضاء ص892.

[80] عيون أخبار الرضا × ج1 ص51, عنه البحار ج44 ص300, تأويل الآيات ج2 ص768, كشف اليقين ص306, مدينة المعاجز ج4 ص93, العوالم ص605, البحار ج45 ص314, تفسير كنز الدقائق ج2 ص487, تفسير الثقلين ج1 ص495, ينابيع المودة ج2 ص328.

[81] أي أبو جعفر ×.

[82] إلى هنا ورد في مناقب آشوب, الإختصاص, رجال الكشي.

[83] الخُرْج: الوعاء.

[84] كامل الزيارات ص462, عنه البحار ج98 ص120, مناقب آشوب ج3 ص316, الإختصاص ص52, عنه البحار ج46 ص334, رجال الكشي ص167, عنه البحار ج64 ص244, جواهر الكلام ج36 ص361, وسائل الشيعة ج10 ص412 باختصار, الفصول المهمة ج3 ص42 باختصار شديد.

[85] سورة الأعراف, الآية 157.

[86] البحار ج98 ص317, المزار الكبير للمشهدي ص496.