(حبيب بن مظاهر الأسدي (رضي الله عنه

اسمه وكنيته ونسبه

أبو القاسم، حبيب بن مظاهر بن رئاب الأسدي الكندي.

حبّه للقرآن

كان يُقال له: سيّد القُرّاء، وكان حافظاً لكلّ القرآن الكريم، وكان يختمه في كلّ ليلةٍ من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر.

صحبته

روى صاحب كتاب(مجالس المؤمنين): إنّه تشرّف بخدمة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وسمع منه أحاديث، وكان معزّزاً مكرّماً بملازمة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).

وقال أيضاً: حبيب بن مظاهر الأسدي محسوب من أكابر التابعين.

نزل حبيب(رضي الله عنه) الكوفة، وصحب علياً(عليه السلام) في جميع حروبه، فكان من خاصّته، ومن أصفياء أصحابه وحملة علومه.

وجاء في المعين على معجم رجال الحديث: وزاد البرقي: ومن شرطة خميسه.

فإنّ أقلّ درجاته أنّه من شرطة الخميس، وهي وحدها تكفي لإثبات جلالته ووثاقته.

فثبت أنّه(رضي الله عنه) من أصحاب الأئمّة علي والحسنين(عليهم السلام)، وروى عنهم، وهو من الرجال السبعين الذين نصروا الإمام الحسين(عليه السلام)، ولقوا آلاف الرجال بأنوفهم الحمية، واستقبلوا الرماح بصدورهم المفعمة بالإيمان، وجابهوا السيوف بوجوههم المشرقة.

فكانت تُعرض عليهم الأموال والأمان فيأبون ويقولون: لا عذر لنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إن قُتل الحسين ومنّا عين تطرف.

حتّى قُتلوا جميعاً بين يديه، يذبُّون عنه بكربلاء التضحية والفداء، في اليوم العاشر من المحرّم الحرام عام 61هـ.

بين حبيب وميثم ورشيد(رضي الله عنهم)

قال الشيخ الكشّي(قدس سره) في حبيب بن مظاهر: جبرئيل بن أحمد [يرفع الحديث إلى فُضيل بن الزبير]: مرّ ميثم التمّار على فرس له، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدّثا حتّى اختلفت أعناق فرسيهما.

ثمّ قال حبيب: لكأنّي بشيخ أصلع، ضخم البطن، يبيع البطّيخ عند دار الرزق، قد صُلب في حُبّ أهل بيت نبيّه(عليهم السلام)، يُبقر بطنه على الخشبة، فقال ميثم: وإنّي لأعرف رجلاً أحمر، له ضفيرتان، يخرج لنصرة ابن بنت نبيّه(صلى الله عليه وآله) فيُقتل، ويُجال برأسه في الكوفة.

ثمّ افترقا، فقال أهل المجلس: ما رأينا أحداً أكذبُ من هذين.

فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رشيد الهجري فطلبهما، فسأل أهل المجلس عنهما، فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا.

فقال رشيد الهجري: رحم الله ميثماً، ونسي (ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم)، ثمّ أدبر .

فقال القوم: هذا والله أكذبهم.

فقال القوم: والله ما ذهبت الأيّام والليالي، حتّى رأينا ميثماً مصلوباً على دار عمرو بن حُريث، وجيء برأس حبيب بن مظاهر قد قُتل مع الإمام الحسين(عليه السلام)، ورأينا كلّ ما قالوا.

من مواقفه المشرّفة

قال أهل السير: جعل حبيب ومسلم ابن عوسجة يأخذان البيعة للإمام الحسين(عليه السلام) في الكوفة، حتّى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذّل أهلها عن مسلم بن عقيل، وتفرّق أنصاره، حبسهما عشائرهما وأخفياهما.

فلمّا ورد الإمام الحسين(عليه السلام) كربلاء خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتّى وصلا إليه.

روى الطبري: ثمّ دعا عمر بن سعد قرّة بن قيس الحنظلي، فقال له: ويْحك يا قرّة ، القِ حسيناً فسله ما جاء به، وماذا يريد؟

فأتاه قرّة بن قبس، فلمّا رآه الإمام الحسين(عليه السلام) مقبلاً، قال: أتَعْرِفُونَ هذا؟

فقال حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجل من بني حنظلة، تميمي، وهو ابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي، وما كنت أراه يشهد هذا المشهد.

فجاء حتّى سلّم على الإمام الحسين(عليه السلام)، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال الإمام الحسين(عليه السلام): كتب إليّ أهلُ مصركم هذا أن أقدِم، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصرفُ عنهم).

ثمّ قال حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرّة بن قيس، إنّما ترجع إلى القوم الظالمين، اُنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك.

فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي.

شهادته في وقعة الطفّ الرهيبة

خرج(رضي الله عنه) يوم الطفّ وهو يضحك، فقال له برير بن حصين الهمداني - وكان يُقال له: سيّد القُرّاء -: يا أخي، ليس هذا ساعة ضحك.

فقال له حبيب: وأيُّ موضعٍ أحقُّ من هذا بالسرور؟! والله ما هذا إلاّ أن تميل علينا هذه الطغاة بسيوفهم فنعانق الحور العين.

ولمّا أصبح الإمام الحسين(عليه السلام) يوم العاشر من المحرّم الحرام عام 61هـ، عبّأ أصحابه بعد صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، وأعطى رايته العباس أخاه(عليه السلام).

ولمّا رمى عمر بن سعد بسهمٍ نحو الإمام الحسين(عليه السلام)، ارتمى الناس وبدأ القتال، وحينما صُرع مسلم بن عوسجة الأسدي، مشى إليه الإمام الحسين(عليه السلام) وحبيب بن مظاهر الأسدي، فدنا منه حبيب فقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشر بالجنّة.

فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشّرك الله بخير.

فقال له حبيب: لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك، لاحقٌ بك من ساعتي هذه، لأحببتُ أن توصيني بكلّ همّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك.

فقال له مسلم: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله - وأهوى بيده إلى الإمام الحسين(عليه السلام) - أن تموت دونه.

فقال له حبيب: أفعل وربُّ الكعبة.

وقاتل حبيب قتالاً شديداً، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني، من بني عقفان من خزاعه، فضربه حبيب بالسيف فقتله.

وحمل عليه آبر من بني تميم فطعنه، فوقع حبيب(رضي الله عنه)، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف، فوقع ونزل إليه التميمي آبر فاحتزّ رأسه.

روى أبو مخنف: حدّثني محمّد بن قيس قال: لمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً، وقال: (عِنْدَ الله أحْتَسِبُ نَفْسي وحُمَاة أصْحَابِي).

وفي بعض المقاتل: (للهِ دَرُّكَ يَا حَبِيْب، لَقَدْ كُنْتَ فَاضِلاً، تَخْتُم القرآنَ في لَيلْةٍ واحِدَة).

وكان عمره في واقعة كربلاء 75 سنة.