(قيس بن سعد الأنصاري (رضوان الله عليه

اسمه ونسبه :

قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم بن يعرب بن قحطان ، وأصله من اليمن ، ومنشأه في بيت عز وشرف ، فأبوه سعد بن عُبادة الأنصاري زعيم الخزرج .

ولادته :

لم تذكر المصادر التاريخية تاريخاً محدداً لولادته ، إلا أن هناك قرائن عديدة من خلال الأحداث تخمن أن عمره عند هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان ستة عشرة عاماً .

وبالتقريب تكون ولادته بين ( 10 – 15 ) قبل الهجرة النبوية المباركة ، أو ما يقارب ذلك .

صفاته وخصائصه :

عُرف قيس بن سعد بتقواه وتديُّنه ، وكان ذلك ظاهراً في أقواله وأفعاله .

وعُرف كذلك بجوده ، بل اشتهر ذلك فيه حتى كتب الواقدي أنه : كان من كرام أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأسخيائهم .

وقال فيه الذهبي : جودُ قيسٍ يُضرب به المَثل .

ونقف هنا على صورة من سخائه ينقلها لنا أكثر من مؤرخ :

إن امرأة وقفت على قيس بن سعد ، فقالت له : أشكو إليك قلة الجرذان ( كناية عن الفقر وخلو البيت من الزاد ) ، فقال : ما أحسن هذه الكناية ! ، املأوا لها بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً .

وفي رواية ابن عبد البَرِّ في ( الاستيعاب ) قال قيس لها : ما أحسن ما سألت ! ، أما والله لأكثرن جرذان بيتك . فملأ بيتها طعاماً ووَدَكاً وإداماً .

وإلى السخاء كان قيس بن سعد يجمع فضائل أخرى من مكارم الأخلاق ومحاسنها ، نترك للمؤرخين ومدوِّني السير تقرير ذلك ووصفه .

يقول أبو عُمر : كان قيس أحد الفضلاء الجُلَّة ، وأحد دُهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحروب ، مع النجدة والبسالة والسخاء والكرم .

فكان شريف قومه غير مُدافَع ، هو وأبوه وجده .

ويقول المبرَّد : كان قيس بن سعد شجاعاً جواداً سيداً .

ويضيف ابن كثير : كان سيداً مطاعاً ، ومُمدَّحاً شجاعاً ، وكانت له صُحفة يُدار بها حيث دار – والصحفة هي الإناء الذي يوضع فيه الطعام وهو يشبه الكوب – .

وجمع الخطيب البغدادي لقيس الشجاعة مع البطولة ، والسخاء مع الكرم ، فيما نسب له الزركلي التفوق ، فقال فيه : هو أحد الأجواد المشهورين ، وكان شريف قومه ومن بيت سيادتهم .

وأما ذكاؤه وبصيرته ، وحزمه وحنكته ، فقد كان عليها اتفاق المؤرخين وإطباقهم .

وكان من عجائب ذلك أن يقول لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) مبيناً خلال كلامه ما يدور في نفس معاوية : يا أمير المؤمنين ، ما على الأرض أحد أحب إلينا أن يُقم فينا منك ، لأنك نجمنا الذي نهتدي به ، ومفزعنا الذي نصير إليه ، ولكن والله لو خليتَ معاوية للمكر لَيرومَنَّ مصر ، ولَيُفسدنَّ اليمن ، وليطمعنَّ في العراق ، ومعه قوم يمانيُّون قد أُشربوا قتل عثمان ، وقد اكتفوا بالظن عن العلم ، وبالشك عن اليقين ، وبالهوى عن الخير ، فسِر بأهل الحجاز وأهل العراق ، ثم ارمِهِ بأمر يضيق فيه خِناقُه ، ويقصر له من نفسه .

فقال ( عليه السلام ) : ( أحسنت والله يا قيس وأجملت ) .

وبالإضافة لما تقدم كان قيس صاحب ملكات أدبية وشعرية ، إذ كانت خُطَبُهُ صواعق تسقط على رؤوس الجبابرة ، وكانت قصائده الشعرية تدفع رؤوس النفاق والخذلان .

مواقفه :

عاصر قيس بن سعد بن عبادة أحداثاً حساسة ، بدءاً بالعصر الجاهلي ، ومروراً بانبثاق الإسلام .

ثم ما جرى بعد رحيل رسول الرحمة ( صلى الله عليه وآله ) من الوقائع الخطيرة حتى مقتل عثمان ، وخلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشهادته .

ثم مبايعة المسلمين للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وتخاذلهم فيما بعد ، إلا قليل منهم .

وسنتكلم عن مواقفه في كل دور من تلك الأدوار ، وحسب تسلسلها :

أولاً :

في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان خادماً له عشر سنين ، وشاهداً معه حروبه ومشاهده كلها ، فكان ناصر الإسلام وحاميه ، وسيَّافاً بمنزلة صاحب القوات الداخلية .

وكان حامل راية الأنصار ، وصاحب لواء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بعض مغازيه ، فكان أميراً على سريَّة ( الخَبط ) ، حاملاً للراية يوم الفتح بعد أن تسلَّمَها من أبيه .

ثانياً :

كانت له مواقفه الحازمة بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، فثبت على ما أوصى به في الخلافة والإمامة ، وحمى أباه من الغدر به ، وشهد فتح مصر عام ( 19 ) من الهجرة ، وكان من الثائرين على الانحراف .

ثالثاً :

بادر إلى بيعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في الأوائل ، وصار أحد عمَّاله في الأمصار ، ووالياً على مصر .

وقد أخذ البيعة من أهلها للإمام علي ( عليه السلام ) ، فإذا كانت معركة الجمل بادر إلى تأييد إمامه والسير معه ، وقد ساهم في تحشيد أهل الكوفة لقتال الناكثين مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) والصحابي عمَّار بن ياسر ( رضوان الله عليه ) ، ثم شارك في المعركة بأثرٍ مشهود .

أما في صفين فكان قيس بن سعد على مقدمة جيش الإمام علي ( عليه السلام ) بعد أن كان في أوائل الخطباء المناصرين له ( عليه السلام ) ، بعد أن التحق به من ( آذربيجان ) .

وقد شهدت له ساحة القتال وقعات ، وفيها جعله الإمام علي ( عليه السلام ) على رجَّالة أهل البصرة ، وقاتل بُسرِ بن أرطاة ، فضربه حتى أثخنه بالجراح .

وتقدم في الأنصار وربيعة بعد استشهاد عمار ( رضوان الله عليه ) ، فخلط الجمع ، ودوَّى بخطبه .

وصار على شرطة الخميس فورد تُخومَ الشام حتى أقلق معاوية الذي جعل يلعنه فيمن يلعن من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابهم .

ولما أراد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) العودة إلى صفين عقد لقيس بن سعد في عشرة آلاف .

وفي النهروان كان قيس مرسَلاً إلى أهلها بأمر إمامه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فحاججهم .

فإذا كانت الاستعداد ، عبَّأَ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أصحابه ، فجعل قيس بين سعد في ثمانمائة ، فقاتل وأبلى .

رابعاً :

وبعد شهادة الإمام علي ( عليه السلام ) بادر قيس إلى مبايعة الإمام الحسن ( عليه السلام ) .

وحين سار معاوية بجيشه إلى العراق قام قيس وجماعة من المخلصين يؤيدون إمامهم الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، ويحرضون الناس على الجهاد ، فشهد لهم ( عليه السلام ) بالوفاء ، وصدق النية ، والمودَّة الصحيحة .

وتوجه مع عبيد الله بن العباس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية ، فلما هرب عبيد الله نَحَو صفوف معاوية بعد أن أرسل إليه مبلغاً من المال ، وصلَّى قيس مكانه فسدَّ بذلك خللاً كاد يقع .

ثم اشتبك مع جيش معاوية واكتسحه ، فإذا به يسمع بأن الإمام الحسن ( عليه السلام ) قد طُعِن ، فاغتمَّ لذلك وتأسف لتفرق الأصحاب ، ثم زحف نحو جيوش الشام .

وقد وجه له معاوية يبذل له ألف ألف درهم على أن ينحاز إليه ، فأرجعَ قيس إليه المال قائلاً له : تخدعني عن ديني ؟!

فترك هذا الموقف وغيره من المواقف آثاره على نفس معاوية ، حتى استثنى قيسَ بن سعد من الشيعة في الأمان بعد صلحه مع الإمام الحسن ( عليه السلام ) لشدة حقده عليه .

وفاته :

توفّي قيس الأنصاري ( رضوان الله عليه ) سنة 60 هـ .