الباب السّادس والعشرون بكاء جميع ما خلق الله على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام

 1 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرزاز القُرَشيُّ قال : حدَّثني خالي محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن إسماعيلَ بنِ بزيع ، عن ابي إسماعيلَ السّرّاج(1) ، عن يحيى بن مُعمّر العطّار ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام «قال : بكتِ الإنس والجنّ والطّير والوحش على الحسين بن علي عليهما السلام حتّى ذَرَفَتْ دُمُوعها(2)» .  وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً ، عن محمّد بن الحسين بإسناده مثله .  

2 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله تعالى ـ وعليُّ بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن أحمدَ بن أبي داود ، عن سعد [بن] أبي عمر الجَلاّب(3) ، عن الحارث الأعور «قال: قال عليُّ عليه السلام : بأبي واُمي ؛ الحسين المقتول بظهر الكوفة ، واللهِ كأنّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره من أنواع الوحش ، يبكونه ويرثونه ليلاً حتّى الصّباح ، فإذا كان ذلك فإيّاكم والجفاء(4)» .  

3 ـ وحدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان ، عن عبدالجبّار النّهاونديّ ، عن أبي سعيد ، عن الحسين بن ثُوَيْر بن أبي فاخِتَه؛ ويونس بن ظَبْيان ؛ وأبي سَلَمة ـ السَّرَّاج؛ والمفضّل بن عُمَرَ كلّهم قالوا : «سمعنا أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنّ أبا عبدالله الحسين بن عليٍّ عليهما السلام لمّا مضى بكت عليه السَّماوات السّبع والأرضون السَّبع وما فيهنّ وما بينهنّ ومَن ينقلب عليهنَّ ، والجنّة والنّار ، وما خلق ربّنا وما يرى وما لا يرى» .  وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن عليٍّ بن أبي عثمان بإسناده مثله .  

4 ـ وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن الحسين بن عبيدالله ، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان ، عن عبدالجبّار النّهاونديّ ، عن أبي سعيد ، عن الحسين بن ثُوير؛ ويونس؛ وأبي سَلَمة السَّرّاج؛ والمفضّل بن عُمَرَ «قالوا : سمعنا أبا عبدالله عليه السلام يقول : لمّا مضى الحسين بن عليٍّ عليهما السلام بكى عليه جميع ما خلق الله إلاّ ثلاثة أشياء البصرة ودمشق وآل عثمان» .  

5 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن القاسم بن يحيى ، عن الحسن بن راشد ، عن الحسين بن ثُوَير «قال: كنت أنا ويونس بن ظَبيان والمفضّل بن عُمَر وأبو سلمة السَّرّاج جلوساً عند أبي عبدالله عليه السلام فكان المتكلّم يونسُ ، وكان أكبرنا سِنّاً وذكر حديثاً طويلاً يقول ، ثمَّ قال أبو عبدالله عليه السلام : إنّ أبا عبدالله عليه السلام لمّا مضى بكتْ عليه السّماوات السّبع والأرضون السّبع وما فيهنَّ وما بينهنّ ، وما ينقلب في الجنّة والنّار مِن خلق ربِّنا ، وما يرى وما لا يرى بكى على أبي عبدالله ، إلاّ ثلاثة أشياء لم تَبْكِ عليه ، قلت : جُعِلتُ فِداكَ ما هذه الثّلاثة أشياء؟ قال : لم تَبْكِ عليه البصرة ولا دَمشق ولا آل عثمان بن عَفّان ـ وذكر الحديث» .  

6 ـ وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ ، عن أبيه ، عن عليِّ بن محمّد بن سالم ، عن محمّد بن خالد ، عن عبدالله بن حمّاد البصريّ ، عن عبدالله ابن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن أبي يعقوبَ ، عن أبان بن عثمان ، عن زُرارَةَ «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يا زُرارَة إنَّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدَّم ؛ وإنَّ الأرض بَكَتْ أربعين صباحاً بالسَّواد ؛ وإنَّ الشَّمس بَكَتْ أربعين صباحاً بالكُسوف والحُمرَة ؛ وإنَّ الجبال تَقَطعتْ وانْتَثَرتْ؛ وإنَّ البحار تَفجَّرت ؛ وإنَّ الملائكة بَكَت أربعين صباحاً على الحسين عليه السلام ، وما اخْتَضبتْ منّا امرءةٌ ولا ادَّهَنتْ ولا اكْتَحَلتْ ولا رَجَّلتْ حتّى أتانا راس عبيدالله بن زياد ، ومازلنا في عَبرةٍ(5) بعده ، وكان جدِّي إذا ذكره بكى حتّى تملأ عيناه لحيته ، وحتّى يبكي لبكائه ـ رحمة له ـ مَن رَآه ، وإنَّ الملائكة الَّذين عند قبره ليَبكون ، فيبكي لبكائهم كلُّ مَن في الهَواءِ والسَّماء من الملائكة ، ولقد خرجتْ نفسه عليه السلام فزَفَرَتْ جهنَّمُ زَفْرَةً كادتِ الأرض تنشقّ لزَفْرَتها ، ولقد خَرَجتْ نفسُ عبيدالله بن زياد ويزيدَ بن معاويةَ [لعنهم الله] ، فشَهِقَتْ جهنَّم شَهْقَة لولا أنَّ الله حبسها بخزّانها لاُحْرقتْ مَن على ظهر الأرض مِن فَورها ، ولو يؤذن لها ما بقي شيء إلاّ ابْتلَعتْه ، ولكنّها مأمورةٌ مصفودَةٌ ولقد عَتَتْ على الخُزَّان غير مرَّةٍ حتّى أتاها جبرئيل فضربها بجناحِه فَسَكَنتْ ، وإنّها لتبكيه وتَنْدُبه ، وإنّها لتتلظّى على قاتِله ، ولولا مَن على الأرض مِن حُجَج الله لنقضتِ الأرض وأكفأتْ [بـ]ـما عليها ، وما تكثر الزَّلازل إلاّ عند اقتراب السّاعة؛  وما من عَين أحبُّ إلى الله ؛ ولا عَبرةٌ مِن عين بَكتْ ودَمَعَت عليه ، وما مِن باكٍ يبكيه إلاّ وقد وصل فاطمة عليها السلام وأسعدها عليه(6) ووصَلَ رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأدّى حقّنا ، وما من عبد يُحشَرُ إلاّ وعيناه باكيةً إلاّ الباكين على جدِّيَ الحسين عليه السلام ، فإنّه يحشر وعينه قَريرة ، والبشارة تلقاه والسّرور [بيّن] على وجهه ، والخلق في الفزع وهم آمنون ، والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظلِّ العرش ، لا يخافون سوءَ يوم الحساب ، يقال لهم : ادخلوا الجنّة ، فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه ، وأنَّ الحور لترسل إليهم أنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم مِنَ السُّرور والكَرامَة ، وإنَّ أعداءَ هم مِن بين مَسْحوب(7) بناصيته إلى النّار ، ومِن قائل : «ما لَنا مِن شافِعينَ وَلا صَدِيقٍ حَميم(8)»؛  وإنّهم ليرون منزلهم ، وما يقدرون أن يدنوا إليهم ولا يصلون إليهم ، وإنَّ الملائكة لتأتيهم بالرِّسالة مِن أزواجهم ومِن خُزّانهم(9) على ما اُعطوا مِن الكَرامة فيقولون : نأتيكم إن شاء الله ، فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم ، فيزدادون إليهم شوقاً إذا هم خبّروهم بما هم فيه مِنَ الكَرامة وقُربهم مِن الحسين عليه السلام ، فيقولون : الحمدلله الَّذي كفانا الفَزَع الأكبرَ ، وأهوال القيامة ، ونجّانا ممّا كنّا نخاف ، ويؤتون بالمراكب والرِّحال على النَّجائب(10) ، فيستوون عليها ، وهم في الثَّناء على الله والحمد ‏لله والصَّلاة على محمَّدٍ وآله ، حتّى يَنْتَهوا إلى منازلهم» .  

7 ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله(11) ، عن أبيه ، عن عليِّ بن محمّد بن سالم ، عن محمّد بن خالد ، عن عبدالله بن حمّاد البَصريِّ ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن عبدالله بن مُشكانَ ، عن أبي بصير «قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام [و] اُحدِّثه ، فدخل عليه ابنُه فقال له : مَرْحباً ، وضَمَه وقَبَّله ، وقال : حَقَر اللهُ مَن حَقّركم ، وانتقم مِمَّن وَتَركم(12) ، وخَذَلَ الله مَن خَذلكم ، ولعن الله مَن قتلكم ، وكان اللهُ لكم وليّاً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بُكاء النِّساء وبُكاء الأنبياء والصِّدّيقين والشّهداء وملائكة السَّماء ، ثمَّ بكى وقال : يا أبا بصير إذا نظرتُ إلى وُلْدِ الحسين أتاني ما لا أملكه بما اُتي إلى أبيهم وإليهم ، يا أبا بصير إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق ، فتَزْفِر جهنَّم زَفْرَة لولا أنَّ الخَزَنة يسمعون بُكاءَها وقد استَعدُّوا لذلك مَخافة أنْ يخرج منها عُنُق أو يَشْرَر(13) دُخانها فيحرق أهل الأرض فيَكْبَحونها(14) ما دامَتْ باكية ، ويزجُرونها ويستوثِقون من أبوابها مَخافةً على أهل الأرض ، فلا تَسْكنْ حتّى يسكن صوتُ فاطمة عليها السلام .  وإنّ البِحار تَكاد أنْ تَنْفَتِق(15) فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قَطرةٌ إلاّ بها ملكٌ مُوَكّل ، فإذا سمع الملك صوتَها أطفأ نارها بأجْنِحَته(16) ، وحبس بعضها على بعض مخافةً على الدُّنيا وما فيها ومَن على الأرض ، فلا تزال الملائكة مُشفِقين يبكون لبكائِها ، ويدعون الله ويتضرَّعون إليه ، ويتضرَّع أهلُ العرش ومَن حَوله؛  وترتفع أصواتٌ مِن الملائكة بالتَّقديس للهِ مَخافةً على أهل الأرض ، ولو أنّ صوتاً مِن أصواتهم يصل إلى الأرض لصَعِق أهلُ الأرض وتقطعتِ الجبال(17) وزَلزلتِ الأرض بأهلها .  قلت : جُعِلتُ فداك إنَّ هذا الأمر عظيم! قال : غَيُره أعظمُ منه ما لم تسمعه ، ثمّ قال لي : يا أبا بصير أما تحبُّ أن تكون فيمن يُسعد فاطمة عليها السلام؟ فبكيت حين قالها فما قدرت على النّطق ، وما قدر(كذا) على كلامي من البكاء (18) ، ثمَّ قام إلى المصلّى يدعو ، فخرجت مِن عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام وما جاءَني النَّوم ، وأصبحت صائماً وَجِلاً(19) حتّى أتيته ، فلمّا رَأيته قد سكن سكنتُ ، وحمدتُ الله حيث لم تُنزل بي عُقوبة» . 

____________

1 ـ هو عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاريّ الثّقة ، روى عن أبي عبدالله عليه السلام. (صه . جش).

2 ـ ذَرَفَ الدّمع ذَرْفاً وذَرَفاناً : سال.

3 ـ في البحار: «عن سعيد بن [أبي] عمرو الجلاّب» . وسيأتي الخبر في الباب 97.

4 ـ الجفاء : البعد عن الشّيء ، وترك الصّلة والبرّ ، وغلظ الطّبع ، والأوسط هنا أظهر . (البحار) .

5 ـ العَبْرَة: الدَّمعة قبل أن تفيض ، وقيل : تردّد الكباء في الصّدر ، وقيل : الحزن بلا بكاء (أقرب الموارد) ورجَل الشَّعر : سرّحه.

6 ـ أسعدها أي عاونها .

7 ـ سَحَبَه أي جرّه على وجه الأرض.

8 ـ مقتبسٌ من الآية 100 من سورة الشّعراء . وفيه : «فما لنا الآية».

9 ـ في بعض النّسخ: «من خدّامهم» . وفي البحار مثل ما في المتن.

10 ـ النَّجائب جمع النَّجيبة ، مؤنّث النَّجيب ، وهو الكريم الحسيب من الإنسان والحيوان ، يقال : رجلٌ وجمل نجيب . (أقرب الموارد) .

11 ـ يعني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميريّ . 

12ـ أي ظلمكم .

13 ـ الشَّرَر ـ محرّكة ـ : ما يتطاير من النّار .

14 ـ كبحتَ الدّابّه : إذا جذبتها إليك باللِّجام لكي تقف ولا تجري.

15 ـ أي تنشقّ ، أو تشقّق.

16 ـ نأرت النّائرة نأراً : هاجت ، والمراد ثوران الماء وغليانها.

17 ـ في البحار : «تقلّعت الجبال».

18 ـ في البحار: «وما قدرت على كلامي من البكاء» . 19 ـ أي خوفاً .