الباب التّاسع والعشرون نوح الجنِّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام

 1 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن نصر بن مُزاحِم ، عن عُمَرَ بن سعد ، عن عَمرو بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن اُمّ سلمة زوجة النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قالتْ : ما سمعت نوح الجنّ منذ قبض الله نبيَّه إلاّ اللَّيلة ، ولا أراني إلاّ وقد أصبت بابني الحسين ، قالتْ : وجاءت الجنّيَّة منهم وهي تقول :
أيا عَينــايّ فَانْهَمِلا بِجهْـدٍ * فَمنْ يَبْكي عَلى الشُّهداء بَعْدي
عَلى رَهْطٍ تُقُودُهُـمُ المنايـا * إلـى مُتَجبِّرٍ مِنْ نَسْلِ عَبْد(1)
 2 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن إبراهيم بن عُقْبَة ، عن أحمدَ بن عَمرو بن مسلم ، عن المَيثميّ(2) «قال : خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن عليٍّ عليهما السلام فمرُّوا(3) بقرية يقال لها : شاهيّ(4) إذ أقبل عليهم رَجلان: شيخٌ وشابٌّ فسلّما عليهم ، قال : فقال الشّيخ : أنا رَجلٌ من الجنّ وهذا ابن أخي أردنا نَصرَ هذا الرَّجل المظلوم ، قال : فقال لهم الشّيخ الجنّي : قد رَأيت رأياً ، فقال الفتية الإنسيّون : وما هذا الرَّأي الَّذي رأيت؟ قال : رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة ، فقالوا له: نِعْمَ ما رأيتَ ، قال: فغابَ يومه وليلته ، فلمّا كان من الغد إذا هم بصَوتٍ يسمعونه ولا يَرَونَ الشّخص وهو يقول : 
وَاللهِ مـــا جِئتُكُمْ حَتّى بَصُرْتُ بِهِ * بِالطَّفِّ مُنْعَفـــَر الخَدَّينِ مَنحُورا
وَحَـــــولَهُ فِتْيَةٌ تَدْمي نُحورُهُم * مِثْلَ المصابيح يَملُونَ(5) الدُّجى نُورا
وَقَدْ حَثَثْتُ قَـلوصي(6) كَيْ اُصادِفَهم * مِن قَبْلِ ما أنْ يُلاقُوا الخُرُدُ الحُورا(7)
كــان الحُسَينُ سِراجاً يُسْتَضاءُ بِهِ * اللهُ يَعْلــــــم أنّي لم أقُلِ زُورا
مـــجاوِراً لِرَسُولِ اللهِ في غُرَفٍ * وَلِلْبَتول(8) وَلِلــطَّـــيّارِ مَسْرُورا
 فأجابه بعض الفِتْية من الإنسِيّين يقول : 
اذْهَبْ فــلا زالَ قَبرٌ أنْتَ ساكِنُهُ * إلى الــقِيامَةِ يَسْقَى الْغَيث ممطُورا
وَقَدْ سَلَكْتُ سَبـــيلاً أنْتَ سالِكُهُ * وَقَدْ شَرِبْتُ بكَأسٍ كـانَ مَغْزورا(9)
وفِتْيَةٌ فَرَّغُوا لله أنْفُسَهُــــــم * وفارَقُوا الـمـالَ والأحْبابَ والدُّورا
 3 ـ حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم ، عن سَلَمة بن الخطّاب قال : حدّثني عُمَرُ بن سعد؛ وعَمروُ بنُ ثابت ، عن أبي زياد القَندي(10) «قال : كان الجَصّاصون(11) يسمعون نَوحَ الجنِّ حين قُتل الحسين عليه السلام في السَّحر بالجَبّانَة(12) وهم يقولون : 
مَـــسَحَ الرَّسُولُ جَبينَهُ * فَلَهُ بَريقٌ فـــي الخدُود
أبَواهُ مِـــنْ عُلْيا قُرَيْشٍ * جَدُّهُ خَيرُ الـــــجدُودِ 
 4 ـ حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم ، عن سَلَمة بن الخطّاب قال : قال عُمَرُ بن سعد : حدَّثني الوليد بن غَسّان ـ عمّن حدَّثه ـ «قال : كانت الجنّ تنوح على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام تقول :
لـمنِ الاُبْيـــــــاتُ بِالطَّفِّ عَلى كُرْه بَنينه
تلك أبياتُ الحـــــــسين يَتَجاوَبْنَ الرَّنيِنَه(13)
 5 ـ حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم ، عن سَلَمة قال : حدَّثني أيّوب بن سليمانَ بن أيّوب الفَزاري (14) ، عن عليِّ بن الحَزَوَّر(5) «قال : سمعت ليلى وهي تقول : سمعت نوح الجنّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام وهي تقول :
يـــــا عينُ جُودي بالدُّمُوعِ فإنَّما * يَبْكـــــي الحَزِينُ بِحُرْقَةٍ وتَفَجَّع
يـــــا عَينُ ألْهاكَ الرِّقابُ بِطيبةٍ * مِنْ ذِكْرِ آل مُحَمَّدٍ وَتَوجّــــــع
 باتَتْ ثَــــلاثاً بالصَّعيدِ جُسُومُهُمْ * بَين الوُحوشِ وكُلُّهـــم في مَصْرَع
 
6 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين ، عن نَصر بن مُزاحم ، عن عبدالرَّحمن بن أبي حمّاد ، عن أبي ليلى الواسِطيّ ، عن عبدالله بن حَسّان الكِنانيّ قال : بَكتِ الجنُّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام فقالت : 
ماذا تَقُولونَ إذْ قالَ النَّبــي لَكـم * مـاذا فَعلْتــم وَأنْتم آخِـرُ الاُمم؟
بأهْلِ بَيْتي وإخْواني ومَكْرُمَتــي * مِنْ بَين أسْرى وَقَتْلى ضُرِّجُوا بِدَم؟
 
7 ـ حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم قال: حدَّثني سَلَمةُ قال : حدَّثني عليُّ بن الحسن(16) ، عن مُعَمّر بن خَلاّد ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام «قال : بينما الحسين عليه السلام يسير في جوف اللّيل وهو متوجّه إلى العِراق وإذا برجل يَرتجز ويقول : ؛  وحدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن مُعمّر بن خلاّد ، عن الرّضا عليه السلام ، مثل ألفاظ سَلَمَةَ ، قال: وهو يقول : 
يـا ناقَتي لا تَذْعَري مِنْ زَجْـري * وشَمِّري قَبْل طُلُـوعِ الْفَجــــر
بِــخَيرِ رُكْبانٍ وخَيْــر سَفْــرِ * حتّـــى تَـحلّى بِكَريــمِ النّجْر
بـــماجِد الجدِّ رَحـيبِ الصَّدْرِ * أتــى بِـهِ اللهُ(17) لِخيـر أمــر
ثَمَّتَ أبــقاهُ بــقاءَ الدَّهْر
سَأمْضي وما بِالمَوتِ عارٌ عَلى الْفَتى * إذا ما نَــوى حَقّـاً وجَـاهَد مُسْلِماً
وآسَى الـــرِّجالَ الصّالِحينَ بنَفسِه * وفارَقَ مَــــبْثوراً وخالَفَ مُجْرماً
فَإنْ عِشْتُ لَمْ أنْدَم وَإنْ مِتُّ لَمْ اُلَــم * كَفـى بِكَ ذُلا أنْ تَعيـشَ وَترْغَمــاً(18)
 
8 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله بن أبي خَلَف ، عن محمّد بن يحيى المُعاذيِّ قال : حدَّثني الحسين(19) بن موسى الأصمّ ، عن عَمرو ، عن جابر(20) ، عن محمّد بن عليّ عليهما السلام «قال : لمّا همَّ الحسين عليه السلام «قال: لمّا همَّ الحسين عليه السلام بالشُّخوص من المدينة أقْبَلَتْ نساءُ بني عبدالمطّلب فاجتمعن للنِّياحة مشى فيهنِّ الحسين عليه السلام فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، فقالت له نِساء بني عبدالمطّلب : فلمن نستبقي النِّياحة والبُكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليٌّ ، وفاطمةُ ورقيّةُ وزينبُ واُمُّ كلثوم(21)؟!! فننشدك الله جعلنا الله فِداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور ، وأقبلتْ بعض عَمَاته تبكي وتقول : اشهد يا حسين لقد سمعتُ الجنَّ ناحَتْ بنَوحِك وهم يقولون :
فإنَّ قَــتيلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِم * أذلَّ رِقاباً مِــــنْ قُرَيْش فَذَلت
حَبيبُ رَسولِ اللهِ لـم يَكُ فاحِشاً * أبانَتْ مُــصيبَتُكَ الاُنوفَ وَجَلَّت
 وقلن أيضاً :
بَكُّوا(22) حُــسَيناً سَيِّداً * وَلِقَتْلِهِ شــــابَ الشَّعَر
وَلِقَتْلِهِ زَلْـــزَلــْتم * وَلِقَتْلِهِ انْــخَسَفَ القَمَر(23)
وَاحْـمَرَّت آفاقُ السَّماءِ * مِنَ الْــعَــشيَّةِ وَالسَّحَر
وَتَغَـبّرَتْ شَمْسُ الْبِلاد * بهم واظلَـــمَتِ الْكُوَر(24)
ذاكَ ابنُ فاطمةَ المُصابُ * بِــــهِ الخَلائقُ والبَشَر
أورَثْتنا ذُلا بِـــــهِ * جَــدّعَ الاُنوفُ مَعَ الغَرَر
 
9 ـ حدَّثني أبي ـ رَحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن يحيى المُعاذيّ ، عن عبّاد بن يعقوبَ ، عن عَمرو بن ثابت ، عن عمرِ[و] بن عِكرِمَة قال : أصبحنا صَبيحة(25) قتل الحسين عليه السلام بالمدينة فإذا مولى لنا يقول : سمعنا البارِحَةَ مُنادياً ينادي ويقول : 
أيُّها القاتِلونَ ظلماً(26) حُسَيناً * أبْشِرُوا بالْعَذابِ والتَّنْكيل
كلُّ أهلِ السَّماءِ يَدعُو عَلَيكم * مِن نَـــــبيٍّ ومَلأَكٍ وَقَبيل
قد لُعِنْتم عَلى لِسانِ ابن داوُ * دَ وذي الرُّوح(27) حامِل الإنجيل
 
10 ـ حدّثني حكيم بن داودَ بن حكيم ، عن سَلَمةَ بنِ الخطّاب قال : حدَّثني عبدالله بن محمّد بن سِنان ، عن عبدالله بن القاسم بن الحارث ، عن داودَ الرَّقيّ قال : حدَّثتْني جدَّتي أنَّ الجنّ لمّا قتل الحسين عليه السلام بَكَتْ عليه بهذه الأبيات : 
يا عَينُ جُودي بالعِبَر وابكي فقد حَقّ الخبر
أبكي ابنَ فاطمةَ الَّذي وَرَد الفُراتَ فما صَدَر(28)
الجِنُّ تَــبْكي شَجْوَها(29) لمّا اُتي مِنْهُ الخَبَر
قُتِلَ الحــسينُ وَرَهْطُهُ تَعْساً لِذلِكَ(30) مِنْ خَبر
فلأبْــــكينَّكَ حُرقَةً عِنْدَ العِشاء وبالسَّحر
ولأبــــينَّك ما جَرى عِرقٌ وما حمل الشَّجر
____________
1 ـ في أمالي الصّدوق: «في ملك عبد» . وقوله : «فانهملا» فيه : «فانهملي».
2 ـ كان من أولاد ميثم التّمّار ، وهو أحمد بن الحسن بن إسماعيل ، مِن أصحاب الكاظم عليه السلام ، وهو ثقة . 
3 ـ في البحار : «فعرّسوا».
4 ـ قال العلاّمة الأميني ـ رحمه الله ـ : «شاهي » موضع بقرب القادسيّة ، وأظنّها تنسب إلى شاه بن شاه بن لان بن نريمان الّذي هبط إلى تلك الدّيار بأمر كسرى بن هرمز لمحاربة الأتراك النّازلة بها.
5 ـ في مجالس المفيد : «يعلون».
6 ـ القلوص : بالفتح ـ : النّاقة الطّويلة القوائم ، خاصّ بالإناث.
7 ـ قال الفيروزآبادي : «الخَرِيدُ ، وبِهَاءٍ ، والخَرودُ : البِكْر لم تُمْسَس ، أو الخَفِرَةُ الطَّويلةُ السُّكوتِ ، الخافِضَةُ الصَّوتِ المُتَسَتَّرَةُ ، والجمع : خَرائِد وخُرُد و [خُرَّد]» وقال الشّارح في التّاج : الأخيرة (يعني خُرَّد) نادرة ، لاُنّ فعيلة لا تجمع على فُعَّل . وفي البحار ـ نقلاً عن أمالي الشّيخ ومجالس المفيد «الحرد» ـ بالحاء المهملة ـ ، وله بيان راجع ج45 ص240 .
8 ـ في مجالس المفيد : «وللوصيّ».
9 ـ في القاموس: «الغَزير: الكثير من كلّ شي ء ، ومن الآبار والينابيع : الكثيرة الماء» . وفي بعض النّسخ : «مغروراً» بالرّاء المهملة . وما في المتن مثل ما في البحار . 
10 ـ كذا في النّسخ ، وفي مجمع الزّوائد الهيثمي : «عن أبي جناب الكلبيّ» مكان «عن أبي زياد القنديّ» ، وفيه : «قال : حدّثني الجصّاصون قالوا : كنّا إذا خرجنا إلى الجبّان باللَّيل عند مقتل الحسين سمعنا الجنّ ينوحون عليه ويقولون : مسح الرّسول ـ إلخ» .
11 ـ الجصّ ـ بفتح الموحّدة وكسرها ـ : ما تُطلى به البيوت ، والجصّاص: عامله.
12 ـ الجبّانة ـ بالفتح ثمّ التّشديد ـ ؛ والجبّان في الأصل الصّحراء ، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة ، وبالكوفة محالّ تسمّى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل . (المعجم) .
13 ـ الرَّنين: الصّوت مطلقاً وقيل : الصّوت مع بكاء ، وفي أساس البلاغة : سمعت له رنّة ورَنيناً ، أي صيحة حزينة.
14 ـ نسبة إلى حيٍّ من غَطَفان أبوها فَزارة بن ذُبيان.
15 ـ الحَزَوَّر ـ بالحاء المهملة والزّاي المفتوحتين ، والواو المشدّدة بعدها راء ـ .
16 ـ الظّاهر هو ابن فضّال.
17 ـ كذا في النّسخ ، ولعلّ الصّواب : «أثابه الله».
18 ـ في بعض النّسخ : «كفى بك موتاً أن تذلّ وتغرماً».
19 ـ في بعض النّسخ ، «الحسن».
20 ـ هو جابر بن يزيد الجعفيّ الكوفيّ ، وراويه هو عمرو بن شمر الجعفيّ الكوفيّ .
21 ـ كلّهنّ بنات رسول الله صلوات الله عليه وعليهنّ.
22 ـ في بعض النّسخ : «أبكي».
23 ـ في جلّ النّسخ : «انكسف القمر».
24 ـ المراد بالشّمس ضياؤها لا اصلها ، والكور جمع كورة ، وهي البقعة الّتي جمع فيها المساكن والقرى.
25 ـ في جلّ النّسخ: «ليلة».
26 ـ في جلّ النّسخ : «جهلاً» .
27 ـ كذا ، وفي التّواريخ و «مثير الأحزان» لابن نما : «ابن داو * وموسى وحامل الإنجيل».
28 ـ أي لم يرجع.
29 ـ الشّجو: الهمّ والحزن . 
30 ـ التَّعْس : الهلاك.