الباب السّادس والتّسعون مَن نَأَتْ دارُه وبَعُدتْ شُقَّته كيف يزوره صلوات الله عليه

الباب السّادس والتّسعون

(مَن نَأَتْ دارُه وبَعُدتْ شُقَّته(1) كيف يزوره صلوات الله عليه)

 

1 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد؛ ومحمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عُمَير ـ عمّن رواه ـ «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام: إذا بَعُدَتْ بأحَدِكم الشُّقَّة ونَأتْ به الدّار فليَعلِ أعلى منزلٍ له فيصلّي رَكعتين وليؤمَّ بالسَّلام إلى قبورنا ، فإنَّ ذلك يصير إلينا» .

 2 ـ حدَّثني عليُّ بن الحسين ؛ وعليُّ بن محمّد بن قولُوَيه جميعاً ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن حَمدان بن سليمان النّيسابوري ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيّ ، عن مَنيع بن الحجّاج ، عن يونسَ بن عبدالرَّحمن ، عن حَنان بن سَدير ، عن أبيه ـ في حديث طويل ـ «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يا سَدِيرُ وما عليك أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كلِّ جُمُعة خمسَ مرَّات(2) ؛ وفي كلِّ يوم مَرَّةً؟ قلت : جُعِلتُ فِداك إنَّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة ، فقال : تصعد فوق سطحك ، ثمّ تلتفتُ يُمنةً ويُسرة ، ثمّ ترفع رأسك إلى السّماء ، ثمَّ تتحوَّل نحو قبر الحسين ، ثمَّ تقول : «السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبْدِالله ، السَّلامُ عَلَيكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ» ، يكتب لك زَورة ، والزَّورة حَجّة وعُمرة ، قال سَدِيرُ : فربما فعلته في النّهار أكثر مِن عشرين مَرّة» .

 3 ـ حدَّثني حكيم بن داود ، عن سَلَمة بن الخطاب ، عن عبدالله بن محمّد [عن عبدالله بن محمّد بن سِنان](3) ، عن مَنيع ، عن يونسَ بنِ عبدالرَّحمن ، عن

حَنان بن سَدير ، عن أبيه «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يا سَدير تزور قبر الحسين عليه السلام في كلّ يوم؟ قلت : جُعِلت فِداك لا ، قال : ما أجفاكم ! أفتزورُه في كلِّ شَهر ؟ قلت : لا ، قال : فتزورُه في كلِّ سنةٍ ، قلت : يكون ذلك ، قال : يا سَديرُ ما أجفاكم بالحسين عليه السلام أما عَلِمتَ أنَّ ‏لله ألفُ ألف مَلَك شُعثاً غُبراً يبكون ويزورون لا يفترون؟ وما عليك يا سَديرُ أن تزورَ قبر الحسين عليه السلام في كلِّ جُمعة خمس مرّات؟ ـ وذكر مثل الحديث الأوّل ـ» .

 4 ـ وروى سليمان بن عيسى ، عن أبيه «قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟ قال : قال لي : يا عيسى إذا لم تقدر على المجيء ، فإذا كان يوم الجُمُعة فاغتسل أو توضَّأ وَاصْعَد إلى سَطْحِك ، وصَلِّ ركعتين وتَوجَّه نحوي ، فإنّه مَن زارني في حَياتي فقد زارَني في مَماتي ، ومَن زارَني في مَماتي فقد زارني في حياتي»(4) .

 5 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عبدالله بن محمّد الدَّهقان(5) ، عن مَنيع بن الحجّاج ، عن حَنان بن سَدير ، عن أبيه «قال : قال لي أبو عبدالله عليه السلام : يا سَدير تكثر(6) مِن زيارة قبر أبي عبدالله الحسين ؟ قلت : إنّه مِن الشّغل ، فقال : ألا اُعلّمك شيئاً إذا أنتَ فعلتَه كتبَ الله لك بذلك الزّيارة؟ فقلت : بلى جُعِلتُ فِداك ، فقال لي : اغتسلْ في منزلك وَاصْعَدْ إلى سطح دارِك وأشِرْ إليه بالسَّلام ، تكتب لك بذلك الزِّيارة» .

 6 ـ حدّثني محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن إسماعيلَ بن سَهل ، عن أبي أحمدَ(7) ـ عمّن رواه ـ «قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام : إذا بَعُدَتْ عليك الشُّقَّة ونَأَتْ بك الدَّار فلتَعلِ على أعلى منزلك ولتُصَلِّ رَكعتين ، فلتؤمَّ بالسَّلام إلى قبورنا فإنَّ ذلك يصل إلينا» .

 7 ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ ، عن أبيه ، عن أحمدَ بن أبي عبدالله البرقيِّ ، عن أبيه ـ رفع الحديث إلى أبي عبدالله عليه السلام ـ «قال : دخل حَنان ابن سَدِير الصَّيرَفيُّ على أبي عبدالله عليه السلام ـ وعنده جماعةٌ من أصحابه ـ فقال : يا حَنانَ بنَ سَدير تَزورُ أبا عبدالله عليه السلام في كلِّ شَهر مَرَّةً ؟ قال : لا ، قال : ففي كلِّ شَهرين مرَّة ؟ قال : لا ، قال: ففي كلِّ سَنَةٍ مرَّةً؟ قال : لا ، قال : ما أجفاكم لسيّدكم ! فقال : يا ابن رَسول اللهِ قلَّةُ الزَّاد وبُعدُ المسافة ، قال : ألا أدلّكم على زيارة مقبولة وإن بَعُد النّأي ؟ قال : فكيف أزورُه يا ابن رسول الله ؟ قال: اغتسل يوم الجُمُعة أو أيّ يوم شئت ، والبس أطهرَ ثيابك واصْعَد إلى أعلى موضعٍ في دارِك أو الصَّحراء ، فاستقبل القٍبلَةَ بوَجهك بعد ما تبيّن أنَّ القبرَ هنالك(8) ، يقول الله تبارك وتعالى: «أيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَ وَجْهُ اللهِ(*)» . ثمَّ قل :

 «السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَولايَ وَابْنَ مَولايَ ، وَسَيِّدي وَابْنَ سَيِّدي ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَولايَ الشَّهيدَ بْنَ الشَّهيدِ ، وَالْقَتِيلَ بْنَ الْقَتيلِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أنَا زائِرُكَ يا ابْنَ رَسُولِ الله بِقَلْبي وَلِساني وَجَوارِحي ، وَإنْ لَمْ أزُرْكَ بِنَفْسي مُشاهَدَةَ لِقُبَّتِكَ(9) ، فَعَليْكَ السَّلامُ يا وارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ الله ، وَوارِثَ نُوح نَبيِّ اللهِ ، وَوارِثَ إبراهيمَ خَليلِ الله ، وَوارِثَ مُوسى كَليم اللهِ ، وَوارِثَ عيسى رُوح الله ، وَوارِثَ مُحَمَّدٍ حَبيبِ اللهِ وَنَبيِّهِ وَرَسُولِهِ ، وَوارِثَ عَليِّ أمير المؤمنين وَصيّ رَسُولِ اللهِ وَخَليفَتِهِ ، وَوارِثَ الحسَنِ بْن عَليّ وَصيِّ أمِير المؤمِنينَ ، لَعَنَ اللهُ قاتِليكَ ، وَجَدَّدَ عَلَيْهِمْ الْعَذابَ في هذِهِ السّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ ، أنَا يا سَيِّدي مُتقَرِّبٌ إلى اللهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وإلى جَدِّكَ رَسُولِ اللهِ ، وَإلى أبيكَ أمِيرِ المُؤْمِنينَ ، وإلى أخِيكَ الحسَنِ ، وَإلَيْكَ يا مَولايَ ، فَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، بِزيارَتي لَكَ بِقَلْبي وَلِساني وَجَميع جَوارِحي ، فَكُنْ لي يا سَيِّدي شَفيعي لِقَبُولِ ذلِكَ مِنِّي ، وَأنَا بِالْبَراءَةِ مِنْ أعْدائِكَ وَاللَّعْنَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ أتَقَرَّبُ إلى اللهِ وَإلَيكُمْ أجْمَعِينَ ، فَعَلَيْكَ صَلَواتُ اللهِ وَرِضْوانُهُ وَرَحْمَتُهُ» .

 ثمَّ تتحوَّل على يسارك قليلاً وتحوَّل وجهك إلى قبر عليِّ بن الحسين عليهما السلام ، وهو عند رِجل أبيه ، وتسلّم عليه مثل ذلك ، ثمَّ ادعُ الله بما أحببتَ من أمر دينك ودُنياك ، ثمَّ تصلّي أربع رَكعات فإنَّ صَلاة الزِّيارة ثمان أو سِتَ أو أربع أو ركعتان ، وأفضلها ثمان ، ثمَّ تستقبل نحوَ قبر أبي عبدالله عليه السلام وتقول :

 «أنا مُوَدِّعِكُ يا مَولايَ وَابْنَ مَولايَ ، وَيا سَيِّدِي وَابْنَ سَيِّدي ، وَمُوَدِّعُكَ يا سَيِّدي وَابْنَ سَيِّدي يا عَليَّ بْنَ الحسَينِ ، وَمُوَدِّعُكُمْ يا ساداتي ، يا مَعاشِرَ الشُّهَداءِ ، فَعَلَيْكُمْ سَلامُ اللهِ وَرَحْمَتُهُ وَرِضْوانُهُ وَبَرَكاتُهُ»» .

____________

1 ـ النّأْيُ : البعد . نَأَى يَنْأَى : بَعُد . والشِّقَّة والشُّقَّة : المسافة الّتي يشقّها السّائر.

2 ـ يفهم من ظاهره أنّه يسلّم عليه بعد كلِّ صلاة.

3 ـ الظّاهر أنّ ما بين المعقوفين زيادة من النّاسخ ، و «عبدالله بن محمّد» مشتركٌ بين النّهيكي واليمانيّ . وجاء الخبر في الكافي وسنده هكذا : «سلمة بن الخطّاب ، عن عبدالله بن الخطّاب ، عن عبدالله بن محمّد بن سنان ، عن مسمع ، عن يونس» ، وفي التّهذيب : «سلمة ابن الخطّاب ، عن عبدالله بن الخطّاب ، عن محمّد بن حسّان ، عن منيع بن الحجّاج ، عن يونس» ، وسيأتي الخبر في الباب السّابع والتّسعين تحت رقم 9 بهذا السّند.

4 ـ قال العلاّمة المجلسيّ ـ رحمه الله ـ : «هذا الخبر يدلّ على أنّ زيارة الإمام الحيّ أيضاً تجوز بهذا الوجه . فهذا مستند لزيارة القائم صلوات الله عليه في أيّ مكان أراد ، ويتوجّه إلى السّرداب المقدّس» . وقال الأمينيّ ـ رحمه الله ـ مثله.

5 ـ في بعض النّسخ : «الدّهّان».

6 ـ في مقام السّؤال عن ترك إكثار الزّيارة كما يفهم من جوابه . (الأمينيّ)

7 ـ يعني محمّد بن أبي عمير .

* ـ البقرة : 115 . وفي المصحف : «فأينما تولّوا ـ الآية».

8 ـ قال العلاّمة المجلسيّ ـ رحمه الله ـ : قوله عليه السلام : «فاستقبل القبلة بوجهك» ، لعلّه عليه السلام إنّما قال ذلك لمن أمكنه استقبال القبر والقبلة معاً ، ولما ظهر من قوله : «بعد ما تبيّن أنّ القبر هنالك» ، أنّ استقبال القبر أمرٌ لازم ، وإن لم يكن موافقاً للقبلة ، استشهد بقوله تعالى : «أينما تولّوا فثمّ وجه الله» أي نسبته تعالى إلى جميع الأماكن على السّواء ، واستقبال القبر للزّائر بمنزلة استقبال القبلة ، وهو وجه الله ، أي جهته الّتي اُمر النّاس باستقبالها في تلك الحالة ، والقرينة عليه قوله عليه السلام : «ثمّ تتحوّل على يسارك» فإنّ قبر علي بن الحسين إنّما يكون على يسار من يستقبل القبر والقبلة معاً . ويحتمل أن يكون المراد بالقبلة هنا جهة القبر مجازاً ، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد استقبال القبلة على أيّ حال ، ويكون المراد بقوله : «بعد ما تبيّن أنّ القبر هنالك» تخيّل القبر في تلك الجهة ، والاستشهاد بالآية بناء على أنّ المراد بوجه الله هم الأئمّة عليهم السلام ، ونسبتهم أيضاً إلى الأماكن على السّويّة لإحاطة علمهم ونورهم بجميع الآفاق ، ويكون التّحوّل إلى اليسار لأنّ في تخيّل القبر للمستقبل يكون قبر عليّ بن الحسين عليهما السلام على يسار المستقبل كما إذا كان عند القبر واستقبل القبلة يكون كذلك . ولا يبعد أن يكون «القبلة» تصحيف «القبر».

 والأظهر هو الوجه الأوّل كما فهمه الشّيخ ـ رحمه الله ـ وغيره ، وحكموا باستقبال القبر مطلقاً وهو الموافق للأخبار الاُخر الواردة في زيارة البعيد ، والله يعلم .

9 ـ المراد بالقبّة هنا بناء مسقّف .