المجلس الأول علي الأكبر يستأذن أباه في القتال

القصيدة: للشيخ عبد الحسين صادق العاملي

ت: 1361هـ

حِجرٌ  عَلى عَيني يَمُرُّ بها الكرى      مِـن بَـعدِ نـازلَةٍ بِـعترَةِ أحمَدِ

أقـمارُ  تَـم غالَها خَسفُ الرّدى      فـاغتالَها بصُوُرفِه الزَّمَنُ الرّدي

شـتّى  مَـصائِبُهُم فـبينَ مكابِدٍ      سُـماً  ومَـنحُورٍ وبـينَ مُصَفّدِ

سَـل كربَلا كم مِنْ حَشىً لِمُحَمَّدٍ      نُـهِبَت  بِها وكم استُجِذَّت مِن يدِ

ولـكـم دمٍ زاكٍ اُريــق بـها      وكم  جثمان قدسٍ بالسيوف مبدَّد

وبها عَلى صدرِ الحسين تَرَقرَقَت      عَـبراتُهُ  حُـزناً لأكـرَمِ سَـيِّدِ

وعَـليُّ قَـدرٍ مِـن ذؤآبَةِ هاشِمٍ      عَـبَقَت  شـمائلِهِ بِطِيبِ المَحتِدِ

أفـديـهِ مِـنْ رَيـحانةٍ ريـانَةٍ      جَـفّت  بِـحَرِّ ظَـماً وَحَر مُهنَّدِ

لـله بَـدرٌ مِـن مُـراقِ نَجِيعِهِ      مَـزَجَ الـحسامُ لُـجَنَه بالعَسجَد

مـاءُ الـصبا ودَمُ الوريدِ تجارَيا      فـيه ولاهِـبُ قـبله لـم يَخمُدِ

جَـمَعَ الصفاتِ الغُرَّ وهيَ تُراثُه      عـن  كلّ غِطريفٍ وشهم أصيد

في بأسِ حَمزةَ في شَجَاعَةِ حيدرٍ      بـإبا الـحسينِ وفي مَهابَةِ أحمَدِ

وتَـراهُ  في خَلقٍ وطِيبِ خَلائقٍ      وبَـليغِ نُـطقٍ كَـالنَّبِيِ مُـحَمَّدِ

ويـؤوب لـلتوديع وهـو مكابد      لـظما الـفؤاد ولـلحديد المجهد

يـشكو  لخير أبٍ ظماه وما اشتكى

فـانصاع  يـؤثره عـليه بـريقه

كـلٌ حـشاشته كـصالية الـغضا

ظمأ الحشى إلا إلى الظامي الصدي

لـو كـان ثـمة ريـقة لـم يجمد

ولـسـانه ظـمـأً كـشقة مـبرد(1)

 

(نصاري)

يـبويه  واج گلبي امن العطش نار      شـمس واحديد تدري والوكت حار

بچه  او گلـه يـريت افراتهم غار      اوحط حلگه اعله حلگه اولنَّه ايفور

بچه  او گلـه يـبويه اوداعـة الله      اشـو الـساني عـلى السانك تگله

لــروح الـجدي الـهادي وگلّـه      شـبع ريـحانتك مـن أمتك جور


(بحر طويل)

شباب اثمنطعش بالغ اسم الله اعله علي الأكبر      الف وسفه او ألف يا حيف صار ابولية العسكر

هـذا يـطعنه ابرمحه او هذا ايضربه ابخنجر      لمن  روحه افغرت ناده او عالج بالحرب وحده

سگانـي جدي ابكاسه يبويه او هل حضر يمي      والـزهره  او عـلي الكرار وياه الحسن عمي

يبويه  او بچوا عد راسي او تحنوا كلهم ابدمي      او كاسك من تجي مذخور يحسين او بذل جهده


علي الأكبر يستأذن أباه في القتال

ذكر أرباب المقاتل انه لما قتل أصحاب الحسين (ع) ولم يبق معه إلا أهل بيته، تقدم ولده علي الأكبر، فاستأذنه للبراز. وكان علي الأكبر من أصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا فنظر إليه الحسين (ع) نظر آيس وأرخى عينيه بالدموع، وأطرق برأسه إلى الأرض لئلا يراه العدو فيشمت به. وقيل إن الإمام قال له: ولدي عليَّ إليَّ إليَّ أودعك وتودعني أشمك وتشمني، فاعتنق الحسين ولده وجعلا يبكيان.

 

(نصاري)

اويـلي  من تلاگو عند الاوداع      امشابگ طول لمن هووا للگاع

لاع  ابـنه لـبيه والأبـو لاع      على اوليده يويلي اوداع الأكشر

يـشم  احسين خد ابنه او يحبه      او  دمـعه مثل دمع ابنه يصبه

الـنار  اللي ابگلب ابنه ابگلبه      يخفيها على ابنه او نوب تظهر

يگلـه والـدمع بـالعين دفاگ      ابـعبره امكسَّره وابگلب خفاگ

يـبويه اوداعة الله هذا الفراگ      يـبويه اشـبيدنه هـذا المگدَّر


ثم ان الحسين رفع رأسه مشيرا بسبابتيه إلى السماء وقال: ألهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمد (ص) وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى هذا الغلام، ألهم امنعم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا. وصاح بعمر بن سعد: قطع الله رحمك كما قطعت رحمي، ولا بارك لك في أمرك، وسلط الله عليك من يذبحك على فراشك.

ثم تلا قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)(2) فكأنما علم علي الأكبر الرخصة من أبيه فحمل على القوم وهو يرتجز ويقول:

 

أنـا  عليُّ بن الحسين بن علي      نـحن وبـيت الله أولى بالنبي

اضربكم بالسيف أحمي عن أبي      ضـرب غـلامٍ هاشميٍّ علويّ

تالله لا يـحكم فـينا ابن الدعي


وجعل يقاتل القوم مقاتلة الأبطال حتى قتل على عطشه مائة وعشرين فارسا. هذا والحسين واقف بباب الخيمة وليلى تنظر في وجهه فتراه يتلألأ نورا وسرورا بشجاعة ولده علي. ولما برز إليه بكر بن غانم تغير لون وجه الحسين (ع).

فقالت له ليلى: سيدي أرى لون وجهك قد تغير! هل أصيب ولدي بشيء؟ فقال لها: لا يا ليلى، ولكن برز إليه من أخاف منه عليه. يا ليلى ادعي لولدك، فان دعاء الأم مستجاب بحق ولدها.

دخلت ليلى إلى الفسطاط رفعت يديها إلى السماء قائلة: إلهي بغربة أبي عبد الله، إلهي بعطش أبي عبد الله، يا راد يوسف إلى يعقوب، أردد إليّ ولدي عليا.

 

(مجردات)

طـبَّت الـخيمتها الـغريبه      تبچي  او على ابنيها امريبه

والگلـب نـاره ايشب لهيبه      او  فـرَّعت والدمعه سچيبه

وتـوسـلت لـله ابـحبيبه      او بالحسين وشما بيه مصيبه

يـا  راد يـوسف من مغيبه      الـيعگوب ومـسچن نحيبه

أريـدن عـليّ سـالم تجيبه


قال الراوي: فاستجاب الله دعاء ليلى، ونصر عليا على بكر بن غانم فقتله، وحز رأسه وجاء به يحمله إلى أبيه، وهو ينادي: العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء؟


(نصاري)

يـبويه شـربة امَّـيه الچبـدي      اتگوَّد  ورد لـلـميدان وحـدي

يبويه  الفطر چبدي وحگ جدي      العطش والشمس والميدان والحر


قال الراوي: فبكى الحسين وقال: وا غوثاه من أين آتي لك بالماء قاتل قليلا فما أسرع ما تلقى رسول الله (ص) فسيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا(3).

 

(مجردات)

يگله سهله يبويه طلبتك هاي      لاكن  يعگلي او ماي عيناي

امـنين اجـيبن شربة الماي      والعطش  مثلك يبَّس احشاي


رجع علي الأكبر وجعل يقاتل حتى قتل تمام المائتين قال حميد بن مسلم. كنت واقفا وبجنبي مرة بن منقذ التميمي، وعلي بن الحسين يشد على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم، فقال مرة: عليّ آثام العرب إن مر بي هذا الغلام ولم أثكل به أباه. فقلت لا تقل هذا يكفيك هؤلاء، فقال: والله لأفعلن.

ومر بنا علي الأكبر، وهو يطرد كتيبة أمامه فطعنه برمحه فانقلب على قربوس سرج فرسه واعتنق الفرس فحمله إلى معسكر الأعداء فاحتوشوه وقطعوه بسيوفهم إربا إربا.

ولما بلغت روحه التراقي نادى: أبه عليك مني السلام، هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى، شربة لا أظمأ بعدها أبدا وهو يقول لك: العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة وشهق شهقة كانت فيها نفسه وفارقت روحه الدنيا. قالت سكينة: لما سمع أبي صوت علي، أخذ تارة يقوم وأخرى يجلس وهو يقول: وا ولداه.

ثم انحدر إليه الحسين (ع) ومعه أهل بيته حتى وقف عليه، رآه مقطعا بالسيوف إربا إربا فقال:

بني قتل الله قوما قتلوك، ما أجرأهم على الرحمان، وعلى انتهاك حرمة الرسول. ثم استهلت عيناه بالدموع، وقال: ولدي علي على الدنيا بعدك العفا أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وبقي أبوك لهمها وكربها(4).

 

(تخميس)

ومـضى شبيه محمدٍ يفري العدى      بـحسامه ويذود عن شرع الهدى

وإذا بـه يـلقى الـمنية سـاجدا      ويح الردى يا بئس ما غال الردى

مـنه  هـلال دجـىً وغرة فرقد


(نصاري)

يـبويه  من عدل راسك او رجليك      او من غمَّض اعيونك واسبل ايديك

يـنور العين كل سيف الوصل ليك      گطـع گلـبي او لعند احشاي سدَّر

يـبويه  مـن سـمع يـمك ونينك      مـن شـبحت لـعند الموت عينك

لـلعشرين مـا وصـلن اسـنينك      او  حـاتقني عـليك الدهر الاگشر

***

بـنـيَّ اقـتطعتك مـن مـهجتي      عـلام قـطعت جـميل الـوصال

بـنيَّ  عـراك خـسوف الـردى      وشـأن  الـخسوف قـبيل الكمال

بـنـيَّ  حــرامٌ عـليَّ الـرقاد      وأنــت مـكبٌ بـوجه الـرمال


(مجردات)

يـبويه  گول واسـرع رد الجواب      يـبويه  ابياكتر مض بيك الصواب

يبوهي العيش بعدك لا هنه او طاب      ردتــك  تـرد وحـشة الـغياب

او ذخـرتك عـليه اتـهيل التراب      دمـعـي  عــل فـرگاك سچاب

اشـيفيد  الـدمع لـو صار خنياب      مـاي او تـبده طـولك او غـاب

شـحم  الگلـب مـن شوفتك ذاب


 (نصاري)

الله  يـساعد احسين ابو اليمه      يشوفه  امطبر او سابح ابدمه

مكان امن الطعن سالم ابجسمه      يـشمه مـالگه چبـد الزچيه


(أبوذية)

حـزني يـشبه ام عشره ويرهه      عـلى  اللي بالگلب ناره ويرهه

احسين اوچب على الأكبر ويرهه      حـسره او ضاح ريت البيك بيه

***

يـنـاديه  ولـيس بـه حـراكٌ      بـنيَّ  الـيوم فـارقنا الـرسول

عـلى الـدنيا العفا يا نور عيني      فـبعدك  غـير هـذا لا أقـول

ــــــــــــــ

(1) ـ مثير الأحزان ص129.

(2) ـ سورة آل عمران، الأية: 33.

(3) ـ مقتل الحسين، محمد تقي بحر العلوم.

(4) ـ مقتل الحسين للمقرم. الدمعة الساكبة ج4.