الثاني من ربيع الأول: ذكرى رجوع الركب الزينبي إلى المدينة

لما قيل للعقيلة زينب عليها السلام قومي يابنت الطيبين قالت إلى أين؟ قالوا: إلى المدينة قالت: ومن ذا بقي لي في المدينة.
بشر بن حذم ينعى الحسين عليه السلام
قال بشر بن حذلم: فلما قربنا من المدينة نزل علي بن الحسين عليهما السلام، فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه وقال: يا بشر رحم الله اباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شيء منه؟ 
فقلت: بلى يا بن رسول الله اني لشاعر.
فقال: ادخل المدينة وانع ابا عبد الله عليه السلام، قال بشر: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعت صوتي بالبكاء، وأنشأت أقول:
يـا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسـيـن فادمعـي مـدرار
الجسـم منه بكـربلاء مضرج والـرأس منه على القناة يدار
قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين مع عماته وإخوانه قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وانا رسوله إليكم أعرفكم مكانه. 
قال: فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة الا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن، مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعين بالويل والنبور، فلم ار باكياً وباكية اكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً امر على المسلمين منه.
قال: وأما زينب عليها السلام فأخذت بعضادتي باب المسجد ونادت: يا جداه إني ناعية اليك أخي الحسين، وهي مع ذلك لا تجف لها عبرة ولا تفتر من البكاء والنحيب، وكلما نظرت الى علي بن الحسين عليهما السلام تجدد حزنها وزاد بكاؤها.

أم البنين وسماع ناعي الحسين عليه السلام
قال الراوي: خرج أهل المدينة ليتلقوا الخبر ومن بينهم امرأة وقور خرجت لتسأل الناعي ما الخبر فأفادها بما جرى. فقالت: يا بشر أسألك بالله هل الحسين حي ام لا؟ فتعجب بشر من سؤالها، فسأل رجلا كان يقف إلى جنبه: من هذه الامرأة المفجوعة؟ قال: هذه ام البنين، ام العباس وأخوته. فأراد بشر ان يخبرها بشهادتهم واحدا بعد الآخر لتخفيف الألم عنها، فقال لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر قالت وهل سمعتني اسألك عن جعفر، فقال لها عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت أخبرني عن الحسين، فقال عظم الله لك الأجر بعثمان وأبي الفضل العباس، قالت ويحك لقد قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين، أهو حي أم لا؟ فقال لها بشر: يا أم البنين عظم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين، فما ان سمعت بالخبر، صرخت مولولة ورجعت إلى دار بني هاشم منادية واحسيناه وإماماه وشاطرتها النياحة كل نساء المدينة.
كانت العقيلة زينب أيضا تزور أم البنين في دارها لتشاطرها المصاب على أولادها، وهذا دليل على عظمة مقامها وشأنها. 
وذكر المؤرخون أن أم البنين بعد الفاجعة بفقدان الحسين وأولادها الأربعة، خطت خمسة قبور في مقبرة البقيع، تبكي عليهم واستمرت لوعتها وأحزانها حتى وفاتها عليها السلام في 13 جمادي الثاني.
وكانت أم البنين- وهي فاطمة بنت حزام الكلابية، أم العباس وأخوته: عبد الله، وجعفر، وعثمان، الذين قتلوا مع أخيهم الحسين يوم عاشوراء - أم هؤلاء الأخوة الأربعة- بعد قتلهم تخرج كل يوم إلى البقيع في المدينة، وتحمل معها عبيد الله بن ولدها العباس فتندب أولادها الأربعة خصوصاً أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس يستمعون بكاءها وندبتها، وكان مروان بن الحكم على شدة عداوته لبني هاشم فيمن يجيء فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. فلما كانت ترثي به قولها في أولادها الأربعة: 
لا تـدعــونــي ويــك أم الـبـنـين تـذكــريـنــي بـلـيــوث العـريــن
كـانــت بـنـون لـي ادعـى بهـــم والـيــوم أصبحـت ولا مـن بنين
أربعـــة مـثــل نســـور الــربــى قد أوصلوا الموت بقطع الوتين
تـنـــازع الخــرصان أشــلاءهـم فـكـلـهـم أمـسـى صـريعـا طعين
يــا لـيـت شــعري اكمــا اخـبروا بـان عبـــاسا قطيع اليمــين