(باب ذكر جمل من مناهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الفقيه رحمه الله روي عن شعيب بن واقد عن الحسين بن يزيد عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأكل على الجنابة و قال إنه يورث الفقر .

و نهى عن تقليم الأظفار بالأسنان ; و عن السواك في الحمام ; و التنحنح في المساجد .

و نهى عن أكل سؤر الفأر و قال لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين .

و نهى أن يبول أحد تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق .

و نهى أن يأكل الإنسان بشماله و أن يأكل و هو متكئ .

و نهى أن تجصص المقابر أو يصلى فيها و قال (عليه السلام) إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته و لا يشربن أحدكم الماء من عند عروة الكوز فإنه مجتمع الوسخ .

ونهى أن يبول أحدكم في الماء الراكد فإنه منه يكون ذهاب العقل .

و نهى أن يمشي الرجل في فرد نعل أو ينتعل و هو قائم .

و نهى أن يبول الرجل و فرجه باد للشمس أو للقمر و قال إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة .

و نهى عن الرنة عند المصيبة .

و نهى عن النياحة و الاستماع إليها .

و نهى عن اتباع النساء الجنائز .

و نهى أن يمحى شي‏ء من كتاب الله بالبزاق أو يكتب به .

و نهى أن يكذب الرجل في رؤياه متعمدا و قال يكلفه الله يوم القيامة أن يعقد على شعيرة و ما هو بعاقدها .

و نهى عن التصاوير و قال من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ .

و نهى أن يحرق شي‏ء من الحيوان بالنار .

و نهى عن سب الديك و قال إنه يوقظ للصلاة .

و نهى أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم .

و نهى أن يكثر الكلام عند المجامعة و قال يكون منه خرس الولد .

و قال لا تبيتوا القمامة في بيوتكم أخرجوها نهارا فإنها مقعد الشيطان .

و قال لا يبيتن أحدكم و يده غمرة فإن فعل فأصابه لمم الشيطان فلا يلومن إلا نفسه .

ونهى أن يستنجى بالروث و الرمة .

و نهى أن تخرج المرأة من بيتها بغير إذن زوجها فإن خرجت لعنها كل ملك في السماء و كل شي‏ء تمر عليه من الجن و الإنس حتى ترجع إلى بيتها .

و نهى أن تتزين المرأة لغير زوجها فإن فعلت كان حقا على الله عز و جل أن يحرقها بالنار .

و نهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها و غير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بد لها منه .

و نهى أن يباشر المرأة المرأة ليس بينهما ثوب .

و نهى أن تحدث المرأة المرأة بما تخلو به مع زوجها .

و نهى أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة و على ظهر طريق عام فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين .

و نهى أن يقول الرجل زوجني أختك حتى أزوجك أختي .

و نهى عن إتيان العراف و قال من أتاه و صدقه فقد بري‏ء مما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و نهى عن اللعب بالنرد و الشطرنج و الكوبة و العرطبة و هي الطنبور و العود .

و نهى عن الغيبة و الاستماع إليها .

و نهى عن النميمة و الاستماع إليها و قال لا يدخل الجنة قتات يعني نماما .

و نهى عن إجابة الفاسقين إلى طعامهم و نهى عن اليمين الكاذبة و قال إنها تترك الديار بلاقع و قال من حلف يمينا كاذبة صبرا ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله عز و جل و هو عليه غضبان إلا أن يتوب و يرجع .

و نهى عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر .

و نهى أن يدخل الرجل حليلته إلى الحمام و قال لا يدخلن أحدكم الحمام إلا بميزر .

و نهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله .

و نهى عن تصفيق الوجه .

و نهى عن الشرب في آنية الذهب و الفضة .

و نهى عن لبس الحرير و الديباج و القز فأما النساء فلا بأس .

و نهى أن يباع الثمار حتى تزهو يعني تصفر أو تحمر .

و نهى عن المحاقلة يعني بيع التمر بالزبيب و ما أشبه ذلك .

و نهى عن بيع النرد .

و نهى أن يشترى الخمر و أن يسقى الخمر و قال لعن الله الخمر و غارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و بائعها و مشتريها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه و قال من شربها لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما فإن مات و في بطنه شي‏ء من ذلك كان حقا على الله عز و جل أن يسقيه من طينة خبال و هو صديد أهل النار و ما يخرج من فروج الزناة فيجتمع ذلك في قدور جهنم فتشربه أهل النار فيصهر به ما في بطونهم و الجلود .

و نهى عن أكل الربا و شهادة الزور و كتابة الربا و قال إن الله لعن آكل الربا و موكله و كاتبه و شاهديه .

و نهى عن بيع ما لم يضمن و نهى عن مصافحة الذمي .

و نهى أن ينشد الشعر و ينشد الضالة في المسجد .

و نهى أن يسل السيف في المسجد .

و نهى عن ضرب وجوه البهائم .

و نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم و قال من تأمل عورة أخيه لعنه سبعون ألف ملك .

و نهى عن المرأة أن تنظر إلى عورة امرأة .

و نهى أن ينفخ في طعام أو شراب أو ينفخ في موضع السجود .

و نهى أن يصلي الرجل في المقابر و الطرق و الأرحية و الأودية و مرابط الإبل و على ظهر الكعبة .

و نهى عن قتل النحل .

ونهى عن الوسم في وجوه البهائم .

و نهى أن يحلف الرجل بغير الله و قال من حلف بغير الله فليس من الله في شي‏ء .

و نهى أن يحلف الرجل بسورة من كتاب الله و قال من حلف بسورة من كتاب الله فعليه بكل آية منها كفارة يمين فمن شاء أبر و من شاء فجر .

و نهى أن يقول الرجل لا و حياتك و حياة فلان .

و نهى أن يقعد الرجل في المسجد و هو جنب .

و نهى عن التعري بالليل و النهار .

و نهى عن الحجامة يوم الأربعاء و الجمعة .

و نهى عن الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب فمن فعل فقد لغا و من لغا فلا جمعة له .

و نهى عن التختم بخاتم صفر أو حديد .

و نهى أن ينقش شي‏ء من الحيوان على الخاتم .

و نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس و عند غروبها و عند استوائها .

و نهى عن صيام ستة أيام : يوم الفطر , و يوم الشك , و يوم النحر , و أيام التشريق .

و نهى أن يشرب الماء كما يشرب البهائم , و قال اشربوا بأيديكم فإنها أفضل أوانيكم .

و نهى عن البزاق في البئر التي يشرب منها .

و نهى أن يستعمل أجير حتى يعلم ما أجرته .

و نهى عن الهجران فمن كان لا بد فاعلا فلا يهجر أخاه أكثر من ثلاثة أيام فمن كان مهاجرا أكثر من ذلك كانت النار أولى به .

و نهى عن بيع الذهب بالذهب زيادة إلا وزنا بوزن .

و نهى عن المدح و قال احثوا في وجوه المداحين التراب .

و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : من تولى معونة ظالم أو أعان عليها ثم نزل به ملك الموت قال له أبشر بلعنة الله في نار جهنم و بئس المصير .

و قال من مدح سلطانا جائرا و تخفف و تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال الله عز و جل وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من ولى جائرا على جور كان قرين هامان في جهنم .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من بنى بنيانا رياء و سمعة حمله يوم القيامة من الأرض السابعة و هو نار تشتعل ثم يطوق في عنقه و يلقى في النار فلا يحبسه شي‏ء منها دون قعرها إلا أن يتوب .

قيل يا رسول الله كيف يبنى رياء و سمعة ?

قال : يبنى فضلا على ما يكفيه استطالة منه على جيرانه و مباهاة لإخوانه .

و قال (عليه السلام) : من ظلم أجيرا أجره أحبط الله عمله و حرم عليه ريح الجنة و إن ريحها ليوجد من مسيره خمسمائة عام و من خان جاره شبرا من الأرض جعله الله طوقا في عنقه من تخوم الأرضين السابعة حتى يلقى الله يوم القيامة مطوقا إلا أن يتوب و يرجع إلا و من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله جل و عز يوم القيامة مغلولا و يسلط الله عز و جل عليه بكل آية منه حية تكون قرينه إلى النار إلا أن يغفر له .

و قال من قرأ القرآن ثم شرب عليه حراما و آثر عليه حب الدنيا و زينتها استوجب عليه سخط الله إلا أن يتوب و يرجع ألا و إنه إن مات على غير توبة حاجة يوم القيامة فلا يزايله إلا مدحوضا ألا و من زنى بامرأة مسلمة أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية حرة أو أمة ثم لم يتب منه و مات مصرا عليه فتح الله له في قبره ثلاث مائة باب يخرج منها حيات و عقارب و ثعبان من النار فهو يحرق إلى يوم القيامة و إذا بعث من قبره تأذى الناس من نتن ريحه فيعرف بذلك و بما كان يعمل في دار الدنيا حتى يؤمر به إلى النار ألا و إن الله حرم الحرام و حدد الحدود فما أحد أغير من الله عز و جل و من غيرته حرم الفواحش .

و نهى أن يطلع الرجل في بيت جاره و قال من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمدا أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس و لم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله إلا أن يتوب .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من لم يرض بما قسم الله له من الرزق و بث شكواه و لم يصبر و لم يحتسب لم ترفع له حسنة و يلقى الله عز و جل و هو عليه غضبان إلا أن يتوب .

و نهى أن يختال الرجل في مشيته و قال من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم و كان قرين قارون لأنه أول من اختال فخسف الله به و بداره الأرض و من اختال فقد نازع الله في جبروته و قال (عليه السلام) من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله زان يقول الله عز و جل يوم القيامة عبدي زوجتك أمتي على عهدي فلم تف بعهدي و ظلمت أمتي فيؤخذ من حسناته و يدفع إليها بقدر حقها فإذا لم يبق له حسنة أمر به إلى النار بنكثه للعهد إن العهد كان مسئولا .

و نهى عن كتمان الشهادة و قال من كتمها أطعمه الله لحمه على رءوس الخلائق و هو قول الله عز و جل وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ .

و قال (عليه السلام) : من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة و مأواه جهنم و بئس المصير ; و من ضيع حق جاره فليس منا و ما زال جبرئيل (عليه السلام) يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .

و ما زال يوصيني بالمماليك حتى ظننت أنه سيجعل لهم وقتا حتى إذا بلغوا ذلك الوقت أعتقوا .

و ما زال يوصيني بالسواك حتى ظننت أنه سيجعله فريضة .

و ما زال يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أنه خيار أمتي لن يناموا .

ألا و من استخف بفقير مسلم كمن استخف بحق الله و الله يستخف به يوم القيامة إلا أن يتوب .

و قال (عليه السلام) : من أكرم فقيرا مسلما لقي الله يوم القيامة و هو عنه راض .

و قال (عليه السلام) : من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة الله عز و جل حرم الله عليه النار و أمنه من الفزع الأكبر و أنجز له ما وعده في كتابه في قوله تبارك و تعالى وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ .

ألا و من عرضت له دنيا و آخرة فاختار الدنيا على الآخرة لقي الله يوم القيامة و ليست له حسنة يتقي بها النار و من اختار الآخرة و ترك الدنيا رضي الله عنه و غفر له مساوي عمله و من ملأ عينيه من حرام ملأ الله عينيه يوم القيامة من النار إلا أن يتوب و يرجع .

و قال (عليه السلام) : من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من الله عز و جل .

و من التزم امرأة حراما قرن في سلسلة من نار مع الشيطان و يقذفان في النار .

و من غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا و يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين .

و نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمنع أحد الماعون عن جاره و قال : من منع الماعون جاره منعه الله خيره يوم القيامة و وكله إلى نفسه فما أسوأ حاله .

و قال (عليه السلام) : أيما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله عز و جل منها صرفا و لا عدلا و لا حسنة من عملها حتى ترضيه و إن صامت نهارها و قامت ليلها و أعتقت الرقاب و حملت على جياد الخيل في سبيل الله و كانت في أول من يرد النار ; و كذلك الرجل إذا كان ظالما لها ألا و من لطم خد مسلم أو وجهه بدد الله عظامه يوم القيامة و حشره مغلولا حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب .

و من بات و في قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط الله و أصبح كذلك حتى يتوب .

و نهى عن الغيبة و قال من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه و نقض وضوئه و جاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف فإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله عز و جل .

و قال (عليه السلام) : من كظم غيظا و هو قادر على إمضائه و حلم عنه أعطاه الله أجر شهيد ألا .

و من تطول على أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فإن هو لم يردها و هو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة .

و نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الخيانة و قال : فمن خان أمانه في الدنيا و لم يردها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي و يلقى الله و هو عليه غضبان .

و قال (عليه السلام) : من شهد شهادة زور على أحد من الناس علق بلسانه مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار و من اشترى خيانة و هو يعلم فهو كالذي خانها و من حبس عن أخيه المسلم شيئا من حقه حرم الله عليه بركة الرزق إلا أن يتوب و يرجع .

ألا و من سمع فاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها .

و من احتاج إليه أخوه المسلم في قرض و هو يقدر عليه فلم يفعل حرم الله عليه ريح الجنة .

ألا و من صبر على خلق امرأة سيئة الخلق و احتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين .

ألا و أيما امرأة لم ترفق بزوجها و حملته على ما لا يقدر عليه و ما لا يطيق لم يقبل منها حسنة و تلقى الله و هو عليها غضبان .

ألا و من أكرم أخاه المسلم فإنما يكرم الله عز و جل .

و نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم .

و قال من أم قوما بإذنهم و هم به راضون فاقتصد بهم في حضوره و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده و قعوده فله مثل أجر القوم و لا ينقص من أجورهم شي‏ء .

و قال من مشى إلى ذي قرابة بنفسه و ماله ليصل رحمه أعطاه الله عز و جل أجر مائة شهيد و له بكل خطوة أربعون ألف حسنة و محا عنه أربعون ألف سيئة و رفع له من الدرجات مثل ذلك و كان كأنما عبد الله عز و جل مائة سنة صابرا محتسبا .

و من كفى ضريرا حاجة من حوائج الدنيا و من مشى له فيها حتى يقضي الله حاجته أعطاه براءة من النفاق و براءة من النار و قضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة و لا يزال يخوض في رحمة الله عز و جل .

و من مرض يوما و ليلة فلم يشك إلى عواده بعثه الله عز و جل يوم القيامة مع خليله إبراهيم خليل الرحمن حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع .

و من سعى لمريض في حاجته قضاها أو لم يقضها خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .

فقال رجل من الأنصار بأبي أنت و أمي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن كان المريض من أهل بيته أ و ليس ذلك أعظم أجرا إذا سعى في حاجة أهل بيته .

قال نعم .

ألا و من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه اثنتين و سبعين كربة من كرب الآخرة و اثنتين و سبعين كربة من كرب الدنيا أهونها البرص .

ألا و من مطل على ذي حق حقه و هو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار .

ألا و من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من نار طوله سبعون ذراعا يسلطه الله عليه يوم القيامة في نار جهنم و بئس المصير و من اصطنع إلى أخيه فامتن به عليه أحبط الله عمله و ثبت وزره و لم يشكر له سعيه .

ثم قال (عليه السلام) : يقول الله عز و جل حرمت الجنة على المنان و البخيل و القتات و هو النمام .

ألا و من تصدق بصدقة فله بوزن كل درهم مثل جبل أحد من نعيم الجنة .

و من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شي‏ء .

و من صلى على ميت صلى عليه سبعون ألف ملك و غفر الله له ما تقدم من ذنبه ; فان أقام حتى يدفن و يحثى عليه التراب كان له بكل قدم نقلها قيراطا من الأجر و القيراط مثل جبل أحد .

ألا و من ذرفت عيناه من خشية الله عز و جل كان له بكل قطرة من دموعه قصر في الجنة مكلل بالدر و الجوهر فيه ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر .

ألا و من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة و يرفع له من الدرجات مثل ذلك و إن مات و هو على ذلك وكل الله عز و جل به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره و يؤنسونه في وحدته و يستغفرون له حتى يبعث .

إلا و من أذن محتسبا يريد بذلك وجه الله عز و جل أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد و أربعين صديق و يدخل في شفاعته أربعة آلاف مسي‏ء من أمتي إلى الجنة .

ألا و إن المؤذن إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله صلى عليه سبعون ألف ملك و استغفروا له و كان يوم القيامة في ظل العرش حتى يفرغ الله من حساب الخلائق و يكتب له ثواب قوله إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله أربعون ألف ملك و من حافظ على الصف الأول و التكبيرة الأولى لا يؤذي مسلما أعطاه الله من الأجر ما يعطى المؤذنون في الدنيا و الآخرة .

ألا و من تولى عرفة قوم أتى يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه فإن قام فيهم بأمر الله عز و جل أطلقه الله عز و جل و إن كان ظالما هوي به في نار جهنم و بئس المصير .

قال (عليه السلام) : لا تحقروا شيئا من الشر و إن صغر في أعينكم و لا تستكثروا شيئا من الخير و إن كبر في أعينكم فإنه لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار .

قال شعيب بن واقد : سألت الحسن بن زيد عن طول هذا الحديث فقال , حدثني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه جمع هذا الحديث من الكتاب الذي هو إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خط علي بن أبي طالب .

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : من اغتاب رجلا ثم استغفر له غفرت له غيبته .

و عنه (عليه السلام) : قال حق على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام و أن يمس طيبا إن وجده .

عن أيوب عن مسلمة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل منا يكون عنده الشي‏ء ينتفع به و عليه دين أ يطعمه عياله حتى يأتي الله عز و جل أمره فيقضى دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان و شدة المكاسب أو يقبل الصدقة قال يقضى بما عنده دينه و لا يأكل أموال الناس إلا و عنده ما يؤدي إليهم حقوقهم إن الله تعالى يقول لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ و لا يستقرض على ظهره إلا و عنده وفاء و لو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين إلا أن يكون له ولي يقضى من بعده ليس منا من ميت يموت إلا جعل الله عز و جل له وليا يقوم في عدته و دينه فيقضي عدته و دينه .

عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف درهم أقرضها مرتين أحب إلي من أن أتصدق بها مرة و كما لا يحل لغريمك أن يمطلك و هو موسر فكذلك لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر .

عبد الحميد الطائي عن أبي الحسن الأول قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قدم غريما إلى السلطان ليستحلفه و هو يعلم عسرة ثم تركه تعظيما لله تعالى لم يرض له يوم القيامة إلا بمنزلة إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) .

قوله تعالى إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ .

قال الحسن الأواه الرحيم و قال مجاهد هو الرجاع المتأوه خوفا من العقاب و بمثل ذلك حصل له الأمان و تمكين الأسباب الصارفة عن العصيان و الحليم هو الذي يمهل صاحب الذنب فلا يعاجله بالعقوبة و قيل كان إبراهيم (عليه السلام) ذا احتمال لمن آذاه و جنى عليه لا يتسرع إليه بالمكافاة و إن قوى عليه و الأناة السكون عند الحال المزعجة من الغضب و يوصف تعالى بأنه حليم بحيث لا يعاجل العصاة بالعقاب الذي يستحقونه لعلمه بما في العجلة من صفة النقص و المنيب هو الراجع إلى الطاعة بعد الحال الصارفة و منه قوله تعالى وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ و التوبة الإنابة لأنها رجوع إلى حال الطاعة و كون إبراهيم (عليه السلام) منيبا إلى طاعة الله لا يدل على أنه كان عاصيا قبل ذلك بل إنما يفيد أنه كان يرجع إلى طاعته في المستقبل و إن كان على طاعته أيضا فيما مضى و قال أبو علي كان يرجع إلى الله في جميع أموره و يتوكل عليه

و قيل : إن مجادلة إبراهيم (عليه السلام) للملائكة ليعلم بأي شي‏ء استحقوا عذاب الاستيصال و هل ذلك واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة .

عن حبة العرني قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من ائتمن رجلا على دمه ثم خان به فأنا من القاتل بري‏ء و إن كان المقتول في النار .

عن أبي موسى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إنما مثل الجليس الصالح و جليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير فحامل المسك إما أن يحدثك و إما أن تبتاع منه و إما أن تجد منه ريحا طيبة و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك و إما أن تجد ريحا خبيثة .

الفضل بن قرة قال : كان أبو عبد الله (عليه السلام) يبسط رداءه و فيه صرر الدنانير فيقول للرسول اذهب بها إلى فلان و فلان من أهل بيته و قل لهم هذه بعث إليكم بها من العراق قال فيذهب بها الرسول إليهم فيقول ما قال فيقولون أما أنت فجزاك الله خيرا بصلتك قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما جعفر فحكم الله بيننا و بينه قال فيخر أبو عبد الله (عليه السلام) ساجدا و يقول اللهم أذل رقبتي لولد أبي .

محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن لله تعالى جنة لا يدخلها إلا ثلاثة أحدهم من حكم في نفسه بالحق .

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : الكريم لا يلجئك إلى شكاية .

عن أبي مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شي‏ء إلا أنه كان يخالط الناس و كان موسرا و كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسرين فقال الله عز و جل نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه .

عن حذيفة قال : قال أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالا فقال له ما فعلت في الدنيا و هو قوله و لا يكتمون الله حديثا قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس و كان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر و انظر المعسر فقال الله أنا أحق بهذا منك تجاوزوا عن عبدي .

و عن أبي مسعود قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح مناكبنا في الصلاة و يقول استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام و النهى ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا .

النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه أن الحلال بين و الحرام بين و بينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه و من وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا و لكل ملك حمى ألا و إن حمى الله محارمه ألا و إن للجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب .

عن النعمان قال : سمعت رسول الله يقول لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم .

و عنه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد غفلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره فقال عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم .

عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل الله أن يحلف به أعطاه الله مما ذهب .

يعقوب الأحمر قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) من حلف على يمين و هو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله سبحانه .

هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار .

روي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال : دين الله اسمه الإسلام فمن أقر بدين الله فهو مسلم و من عمل بما أمر الله فهو مؤمن و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و لا يسرق حين يسرق السارق و هو مؤمن .

و قال (عليه السلام) : إن الله عز و جل لا يدخل النار مؤمنا وعده الجنة و لا يخرج من النار كافرا أوعده الخلود .

و اعلم أن أفعال بني آدم مخلوقة خلق تقدير و علم لا خلق جبر و تكوين و بين الجبر و العدل منزلة رحيبة و أمر موجود مميز بالتقسيم أمر بين أمرين .

قال (عليه السلام) : إن الله أرحم بعباده من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعاقبهم عليها و هو أيضا أجل و أعز و أرفع و أجدر و أعلم من أن يريد أمرا فيكون في استطاعة العباد غيره على معنى الكره و الغلبة بل سبق علمه في خلقه و نفذ تقديره في بريته و قضاه في عباده قبل أن يخلقهم كيف يخلقهم و علم ما هم عاملون و إلى ما هم صائرون و علم من أطاعه ممن عصاه فخلقهم على ذلك ليثيبهم على الطاعة و يعاقبهم على المعصية و ليس يعاقب عز و جل على علمه و لا قضائه و لا قدره بل يعاقب على المعاصي و يثيب على الطاعة .

و قال (عليه السلام) : إن الله تعالى أمر تخييرا و نهى تحذيرا لم يطع مكرها و لم يعص مغلوبا فلو أراد الله عز و جل أن لا يعصى لما عصى و لكنه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد و له الحجة البالغة على خلقه ليهلك من هلك عن بينة و يحيا من حي عن بينة و هو خالق كل شي‏ء خيرا و شرا و حلوا و مرا و قد قال عز و جل أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ فأعلمنا أن خلقنا و جميع أعمالنا بقدرته .

و اعلم أن الاستطاعة قبل الفعل لأن الله أجل و أعظم و أعدل أن يأمر الزمن بالقيام أو الطفل بالصيام لأن ذلك تكليف ما لا يطاق و لا يأمر إلا و المأمور مستطيع لفعله و لا ينهى عز و جل عن شي‏ء إلا و المنهي مستطيع لتركه و بذلك جاءت الرواية .

عن الصادق (عليه السلام) منه ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : لا يكون العبد قاعدا و لا متحركا إلا و الاستطاعة معه من الله عز و جل و إنما وقع التكليف من الله بعد الاستطاعة و لا يكون العبد مكلفا للفعل إلا مستطيعا .

من كلام القاضي عبد الجبار بن أحمد المتكلم في تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا شك في أنه سبقهم بمنازلة الأقران و قتل صناديد الكفر و أعلام الضلال و هو الذي آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينه و بينه لما آخى بين أبي بكر و عمر و رضيه كفوا لسيده نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) و أنزله منه منزلة هارون من موسى (عليه السلام) و دعا الله تعالى بأن يوالي من والاه و يعادي من عاداه و أخبر أنه منه بمنزلة هارون من موسى و إحدى منازله أن لا فاضل بعد موسى أفضل منه .

و قال : اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي هذا الطائر فأتاه علي (عليه السلام) و لا يكون أحبهم إلى الله تعالى إلا و هو أفضلهم .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا مدينة العلم و علي بابها و قال ما سألت الله شيئا لنفسي إلا سألت لعلي بن أبي طالب مثله حتى سألت النبوة فقال لا ينبغي لأحد بعدك .

و لم يكن يسألها إلا لأفضلهم .

و لقد استثنى النبوة في حديث : إنك مني بمنزلة هارون من موسى .

و له ليلة الفراش حين نام في مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صابرا على ما كان يتوقع من الذبح كمحنة إسحاق ذبيح الله حتى صبر على ما ظن أنه نازل به من الذبح ثم هو من مكان مثل عمر يقول لو لا علي لهلك عمر و لا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو حسن صبر على المحن و ثبت على الشدائد و لم تزده أيام توليه إلا خشونة في الدين و أكلا للجشب و لبسا للخشن يستقون من علمه و لا يستقي إلا من علم خير الأولين و الآخرين عهد إليه في الناكثين و القاسطين و المارقين و قتل بين يديه مثل عمار بن ياسر المشهود له بالجنة لنصرته في أمره شبهه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيسى ابن مريم كما شبهه بهارون (عليه السلام) و لا يضرب له الأمثال إلا بالأنبياء (عليه السلام) تصدق بخاتمه حتى أنزل الله فيه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و آثر اليتيم و المسكين و الأسير على نفسه حتى أنزل فيه وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً و .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله تعالى إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ أنا المنذر و أنت يا علي الهادي .

و قال : لما أنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال هي أذن علي (عليه السلام) .

جعله في الدنيا فصلا بين الإيمان و النفاق حتى قيل ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله إلا ببغضهم عليا (عليه السلام) .

و أخبر أنه (عليه السلام) في القيامة قسيم الجنة و النار .

و قال ابن عباس رضي الله عنه : ما أنزل الله تعالى في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا و علي سيدها و أميرها و رأسها و شريفها .

و أعلى من ذلك قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) : علي يعسوب المؤمنين دهره كله إسلام و زمانه أجمع إيمان لم يكفر بالله طرفة عين عاش في نصرة الإسلام حميدا و مضى لسبيل ربه رشيدا .

قيل في يوم أحد : إن عبد الله بن قمية رمى رسول الله بحجر فكسر رباعيته و شج وجهه و أقبل يريد قتله فذب عنه مصعب بن عمير و هو صاحب الراية فقتله ابن قمية و هو يرى أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , فقال : لقد قتلت محمدا و فشا في القوم أن محمدا قد قتل فانهزموا و جعل رسول الله يقول إلي عباد الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلأمهم على الفرار فقالوا يا رسول الله أتانا الخبر بأنك قتلت فرعبت قلوبنا فولينا مدبرين فنزلت هذه الآية وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فروي أن بعضهم قال : ليت عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان فقال أنس بن النضير عم أنس بن مالك إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد حي لا يموت و ما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و موتوا على ما مات عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء يعني المسلمين ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل .

ويوم أحد تفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه فقال ما فعل سعد بن الربيع فدفع إليه رجل من الأنصار فقال أ في الأحياء أنت أم في الأموات قال بل في الأموات قال فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) تفقد أصحابه و سأل عنك قال أ و حي هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال نعم و قد أمر بطلبك قال لقد خففت عني و إن بي اثنتي عشرة طعنة جائفة فقل له إن سعدا يقرئك السلام .

و أخبر قومك أنه إن وصل إلى نبيهم و فيهم عين تطرف فلا عذر لهم عند الله ثم خرج من جوفه مثل قلب الجزور دم محتقن فكانت فيه نفسه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رحم الله سعدا أوصى بنفسه و أوصى غيره رب جنة مغدقة فيها رضوان الله لسعد بن الربيع .

عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : من تفقد الناس يفقد و من لم يعد الصبر لفواجع الأمور يعجز .

و قال إن قارضت الناس قارضوك و إن تركتهم لا يتركوك و إن هربت منهم أدركوك قال الرجل فكيف أصنع قال أقرض الناس من عرضك ليوم فقرك .

بيان ذلك : قوله رحمه الله من تفقد الناس يفقد يقول من يتأمل أحوال الناس و أخلاقهم و يتعرفها يفقد أي يعدم أن يجد فيهم أحدا يرتضيه و قوله إن قارضت الناس قارضوك يريد أن طعنت عليهم و نلت منهم بلسانك فعلوا مثل ذلك بك و إن تركتهم لم يتركوك و قوله أقرض الناس من عرضك ليوم فقرك فإنه أراد من شتمك منهم فلا تشتمه و من ذكر عرضك فلا تذكر عرضه و دع ذلك قرضا لك عليه ليوم الجزاء .

قال سفيان بن عيينة : لو أن رجلا أصاب من عرض رجل شيئا ثم تورع و جاء إلى ورثته و إلى جميع أهل الأرض ما كان في حل و لو أصاب من ماله ثم دفعه إلى ورثته لكنا نرى ذلك كفارة له فعرض المؤمن أشد من ماله .

بعض الصوفية : الزم نفسك ذكر الله تعالى على كل حال بالقلب و اللسان فهو الكمال فإن لم يكن لك ذلك فذكر القلب و إن لم يتفق فلا أقل من اللسان فاذكره به و اغتنم ذلك فلو جرى لك بدله غيبة أحد من الخلق كان شرا ففي ذكر اللسان فائدة و هي أن يتعود اللسان بذكره فإنا قد نرى في العوام من إذا مرض لا يذكر غير والديه و إنما ذلك للألف و لو تعود بدله ذكر الله تعالى لدعا .

صوفي قال : لا خير في قلب لا يحضره و لا خير في عيش لمن لا يذكره و أنشد يقول :

إذا لم تبلغني إليكم ركائبي *** فلا وردت ماء و لا رعت العشبا

آخر :

و عاجز الرأي مضياع لفرصته *** حتى إذا فات أمر عاتب القدرا

آخر :

و ما بات مطويا على أريحية *** بعقب النوى إلا فتى بات مغرما

آخر :

و ما زال بي شوق إليكم يقودني *** يذلل مني كل ممتنع صعب

آخر :

قالوا لقد بعد المسير فقلت لهم *** من عالج الشوق لم يستبعد الدارا

آخر :

بعيد على الكسلان أو ذي ملالة *** و أما على المشتاق فهو قريب

قيل : الدنيا داء الدين و العالم طبيب الدين فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء فاتهموه .

شاعر :

عسى و عسى يثنى الزمان عنانه *** فيأتي بخير و الزمان يدور

فيعقب جمعا بعد بين و فرقة *** و يحدث من بعد الأمور أمور

علي بن عبد الله القاضي :

يقولون لي فيك انقباض و إنما *** رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما

أرى الناس من داناهم هان عندهم *** و من أكرمته عزة النفس أكرما

و لم أقض حق العلم إن كان كلما *** بدا طمع صيرته لي سلما

و ما كان برق لاح لي يستفزني *** و لا كل من في الأرض أرضاه منعما

إذا قيل هذا مورد قلت قد أرى *** و لكن نفس الحر تحتمل الظما

و لو أن أهل العلم صانوه صانهم *** و لو عظموه في النفوس لعظما

و لكن أهانوه فهانوا و دنسوا *** محياه بالأطماع حتى تجهما

بعضهم : من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم و استفاد ما لم يعلم .

فقال الشاعر :

إذا لم يذاكر ذو العلوم بعلمه *** و لا يستفد علما نسي ما تعلما

فكم جامع للكتب في كل مذهب *** يزيد مع الأيام في جهله عمى

قال بعضهم : إذا آخيت أخا في الله فاقلل مخالطته في الدنيا .

قال بعضهم : : رأيت رجلا يودع الكعبة و يبكي و ينشد :

إلا رب من يدنو و يزعم أنه *** يودك و النائي أود و أقرب

بعضهم : تعزوا بعزاء الله كي لا تذلوا .

و قال : اصحب الأغنياء بالتعزز و الفقراء بالتذلل فإن التعزز على الأغنياء تواضع و التذلل للفقراء شرف .

بعضهم :

و لست بنظار إلى جانب العلى *** إذا كانت العليا في جانب الفقر

و إني لصبار على ما ينوبني *** و حسبك أن الله أثنى على الصبر

آخر :

إذا المرء أعطى نفسه كلما اشتهت *** و لم ينهها تاقت إلى كل باطل‏

و ساقت إليه الإثم و العار للذي *** دعته إليه من حلاوة عاجل

بعضهم :

دع الأمر مطويا على ما ذممته *** و لا تنشر الداء العضال فتندما

إذا العضو لم يؤلمك إن لا قطعته *** على مضض لم يبق لحما و لا دما

و من لم يوطن للصغير من الأذى *** تعرض أن يلقى أجل و أعظما

قيل : بينما الهادي بجرجان إذ سمع بين بساتينها صوت رجل يغني فقال علي به فقال له السندي بن شاهك ما أشبه قصة هذا الخائن بقصة صاحب سليمان بن عبد الملك بن مروان فقال له الهادي فكيف كانت قصته فقال له خرج سليمان في متنزه له و معه حرمه فسمع صوت رجل يغني فدعا بصاحب شرطته و قال علي بصاحب الصوت فأتاه فقال ما حملك على الغناء و أنت بالقرب مني و إلى جانب حرمي أ ما علمت أن الفرس لتصهل فتستأني له الرماك و أن الثور ليخور فتسيم له البقر و أن الجمل ليهدر فتضبع له النوق و أن الرجل ليغني فتطوع له النساء يا غلام جبه فجبه فلما كان في العام المقبل خرج سليمان إلى الموضع فقال علي بالذي جببناه إن كان حيا فأتي به فقال له أما إن بعت فوافيناك و إما وهبت فكافيناك فو الله ما دعاه إلا باسمه و قال : يا سليمان قطعت نسلي و ذهبت بماء وجهي و حرمتني لذتي ثم تقول أما بعت فوافيناك و أما وهبت لا و الله حتى أقف أنا و أنت بين يدي الله عز و جل فقال الهادي ردوا صاحب الشرطة و ليقل له لا تعرض للرجل فهكذا ينبغي أن يكون سبيل من يجالس الملوك .

دعاء : اللهم اشغل بالقرآن قلوبنا عمن سواك و ذللها به و اصرفها عما سواك و آمنا به من الجزع و عشنا به سرابيل الورع و أعنا به على هول المطلع و اجعله لنا معقلا منيعا من آفات يوم الفزع اللهم وفقنا به لإقامة الحجة عند ضيق المحجة في اليوم الثقيل بين يدي الملك الجليل يوم الآزفة و الرادفة إذ القلوب لدى الحناجر واجفة يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تجد كل نفس محضرا ما أسلفت يوم يعض الظالم على يديه و يجد كل امرئ ما قدمه يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه يوم يقوم الروح و الملائكة صفا لا يتكلمون و تحضر جهنم و الخلائق يبصرون يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود فلا يستطيعون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون .

بعضهم :

نظرت إلى الدنيا بعين مريضه *** و غفلة مغرور و تأميل جاهل

‏و ضيعت أيامي أمامي طويلة *** بلذات أيام قصار قلائل

قال الأوزاعي : بعث إلي أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين و أنا بالساحل فأتيته فلما وصلت إليه و سلمت عليه بالخلافة رد علي و استجلسني ثم قال ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي ?

قلت : و ما الذي تريد يا أمير المؤمنين ?

قال : أريد لآخذ عنكم و الاقتباس منكم .

قلت : فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئا مما أقول .

قال : و كيف أجهله و أنا أسألك عنه و فيه وجهت إليك و أقدمتك له .

قلت : أن تسمعه ثم لا تعمل به .

فصاح بي الربيع و أهوى بيده إلى السيف فنهره المنصور و قال هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة فطابت نفسي و انبسطت في الكلام فقلت يا أمير المؤمنين .

حدثني مكحول عن عطية بن بشير قال :

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) أيما عبد جاءته موعظة من الله عز و جل في دينه فإنها نعمة من الله سبقت إليه فإن قبلها يشكر و إلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثما و يزداد الله بها سخطا .

حدثني مكحول عن عطية بن بشير قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيما وال بات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة .

يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله إن الله هو الحق المبين إن الله لين قلوب الخلق لكم فولاكم أمورهم لقرابتكم من نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد كان رءوفا رحيما مواسيا بنفسه لهم في ذات يده و عند الناس لحقيق أن يقوم له فيهم بالحق و أن يكون بالقسط له فيهم قائما و لعوراتهم ساترا لم يغلق عليه من دونهم الأبواب و لم يقم عليه دونهم الحجاب يتبهج بالنعمة عندهم و يبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم و أسودهم مسلمهم و كافرهم فكل له عليك نصيب من العدل فكيف بك إذا انبعث لك منهم قيام وراء قيام و ليس منهم أحد إلا و هو يشكو بلية أدخلتها عليه أو ظلامة سقتها إليه .

حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال : كان بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جريدة يستاك بها و يردع بها المنافقين فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمد ما هذه التي كسرت بها قرون أمتك و ملأت قلوبهم بها رعبا .

فكيف من شق أشبارهم و سفك دماءهم و خرب ديارهم و أجلاهم عن بلادهم و غشيهم الخوف منه يا أمير المؤمنين .

حدثني مكحول عن زياد بن حارثة بن مسلمة : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمد فأتاه جبرئيل فقال له يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا متكبرا فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأعرابي فقال اقتص مني فقال الأعرابي قد أحللتك بأبي أنت و أمي ما كنت لأفعل ذلك و لو أتي على نفسي فدعا الله له بخير .

يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك و خذ لها الأمان من ربك و ارغب في جنة عرضها السماوات و الأرض التي يقول فيها رسول الله لقيب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا و ما فيها يا أمير المؤمنين لو أن الملك يبقى لمن قبلك لم يصل إليك و كذا لا يبقى لك كما لا يبقى لغيرك يا أمير المؤمنين أ تدري ما في تأويل هذه الآية عن جدك ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها الصغيرة التبسم و الكبيرة الضحك فكيف بما عملته الأيادي و حصدته الألسن يا أمير المؤمنين بلغني أن عمر بن الخطاب قال لو مات سخلة على شاطئ الفرات بضيعة لخفت أن أسأل عنها فكيف بمن حرم عدلك و هو على بساطك يا أمير المؤمنين أ تدري ما تأويل هذه الآية عن جدك يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى قال يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك و كان لك في أحدهما هوى فلا تتمنين في نفسك أن الحق له فيفلح على صاحبه فأمحوك عن نبوتي ثم لا تكون خليفتي و لا كرامة يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية و رفقهم بالسياسة ليجبروا الكسير و ليدلوا الهزيل على الماء و الكلاء يا أمير المؤمنين إنك قد أمرت بأمر لو عرض على السماوات و الأرض و الجبال لأبين أن يحملنه و أشفقن منه ; يا أمير المؤمنين .

حدثني زيد بن جابر عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري : أن عمر بن الخطاب استعمل رجلا من الأنصار على الصدقة فرآه بعد ثلاثة أيام مقيما , فقال : ما منعك من الخروج إلى عملك أ ما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله ?

قال : لا .

قال : و كيف ذاك ?

قال : لأنه بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما من وال ولي شيئا من أمور المسلمين إلا أتى الله يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه فيوقف على جسر جهنم فينتقض به ذلك الجسر انتقاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يعاد فيحاسب فإن كان محسنا نجا بإحسانه و إن كان مسيئا انخرق به ذلك الجسر فهوى به في النار سبعين خريفا .

فقال : ممن سمعت هذا ?

فقال : من أبي ذر و سلمان .

فأرسل إليهما عمر فسألهما .

فقالا : نعم سمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال عمر : وا عمراه من يتولاها بما فيها ?

فقال أبو ذر : من سلمت لله انفه و ألصق خده بالأرض قال فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى و انتحب حتى أبكاني .

ثم قلت : يا أمير المؤمنين .

قد سأل جدك العباس أمارة على مكة أو الطائف أو اليمن فقال (عليه السلام) يا عباس يا عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفس تنجيها خير من أمارة لا تحصيها نصيحة منه لعمه أو شفقة منه عليه و أنه لا يغني منه شيئا ألا لي عملي و لكم عملكم .

و قد قال عمر : لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل أرب الفقه لا يطلع منه على عورة و لا يحقق على حرة و لا يأخذه في الله لومة لائم و قال السلطان أربعة أمراء أمير طلق نفسه و عماله فذلك المجاهد في سبيل الله يد الله باسطة عليه بالرحمة و أمير ضعيف طلق نفسه فأرتع عماله لضعفه فهو على شفا هلاك إلا أن يرحم و أمير طلق عماله و أرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شر الرعاء الحطمة و هو الهالك وحده و أمير أرتع نفسه و عماله فهلكوا جميعا .

و قال يا أمير المؤمنين : إن عمر بن الخطاب قال ; اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من مال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين .

يا أمير المؤمنين : إن أشد الشدة القيام لله بحقه و إن أكرم الكرم عند الله التقوى و أنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله و أعزه و من طلبه بمعصيته أذله الله و وضعه و هذه نصيحتي و السلم عليك ثم نهضت .

فقال : إلى أين ?

فقلت : إلى البلد و الوطن بإذن أمير المؤمنين إن شاء .

فقال : قد أذنت لك و شكرت لك نصيحتك و قبلتها بقبولها و الله الموفق للخير و المعين عليه و به أستعين و عليه أتوكل و هو حسبي و نعم الوكيل فلا تخلفني من مطالعتك إياي بمثلها فإنك لمقبول القول غير المتهم في النصيحة .

قلت : أفعل إن شاء الله .

قال محمد بن مصعب فأمر له بمال يستعين به على وقته , فلم يقبله فقال : إني في غنى و ما كنت لأبيع نصيحتي بعرض الدنيا كلها .

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال لي يا علي لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه و ايم الله لئن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاؤه يا علي .

قيل : بينما المنصور يطوف ليلا إذ سمع قائلا يقول : اللهم إني أشكو إليك ظهور البغي و الفساد في الأرض و ما يحول بين الحق و أهله من الطمع .

فخرج المنصور فجلس ناحية من المسجد و أرسل إلى الرجل فدعاه ; فصلى ركعتين و استسلم الركن و أقبل مع الرسول فسلم عليه بالخلافة .

فقال المنصور ما الذي سمعتك تذكر من ظهور الفساد و البغي في الأرض فو الله لقد حشوت مسامعي ما أرمضني .

فقال : يا أمير المؤمنين إن أمنتني على نفسي أنبأتك بالأمور من أصولها و لا اقتصرت على نفسي ففيها شغل شاغل .

فقال : أنت آمن على نفسك .

فقال : إن الذي دخله الطمع حتى حال بينه و بين ما ظهر من البغي و الفساد , لأنت .

قال : و كيف يدخلني الطمع و الصفراء و البيضاء في قبضتي و الحلو و الحامض عندي ?

قال له : و هل دخل أحدا من الطمع ما دخلك , إن الله استرعاك المسلمين و أموالهم فأغفلت أمورهم و اهتممت بجمع أموالهم و جعلت بينك و بينهم حجابا من الجص و الآجر و أبوابا من الحديد و حجبة معهم السلاح , و بعثت عمالك في جباية الأموال و جمعها و قويتهم بالرجال و السلاح و الكراع و سجنت لهم نفسك في قصرك و أمرت بأن لا يدخل عليك إلا فلان و فلان و لم تأمر بإيصال المظلوم و الملهوف و لا الجائع العاري و لا الفقير الضعيف فما زال هؤلاء النفر الذين استخلصتهم لنفسك و آثرتهم على رعيتك يقولون هذا قد خان الله فما بالنا لا نخونه و قد سجن لنا نفسه فائتمروا على أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أرادوا و لا يخرج عامل فيخالف أمرهم إلا أسقطوا منزلته و صغروا عندك قدره فلما انتشر ذلك عنك و عنهم أعظمهم الناس و هابوهم فكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا ليقووا بها على ظلم رعيتك لينالوا به ظلم من دونهم فامتلأت بلاد الله بغيا و فسادا و صار هؤلاء القوم شركاؤك في سلطانك و أنت غافل فإن جاءك متظلم حيل بينه و بين دخول مدينتك فإن أراد رفع قصته إليك عند ظهورك وجدك قد نهيت عن ذلك و وقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم فإن جاء ذلك الرجل فبلغ بطانتك سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته إليك فأجابهم فإن كان للمتظلم منه بهم حرمة فأجابهم خوفا منه و لا يزال المظلوم يختلف به و يلوذ به و يسأله و يستغيث و هو يدفعه و يتغلب عليه فإن جهد و أحوج و ظهرت صرخ بين يديك فيضرب ضربا مبرحا ليكون نكالا لغيره و أنت تنظر و لا تنكر فما بقاء الإسلام على هذا و قد كنت يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصين فقدمتها مرة و قد أصيب ملكها بسمعه فبكى بكاء شديدا فحمله جلساؤه على الصبر فقال أما إني لا أبكي للمنية النازلة و لكني أبكي للمظلوم بالباب يصرخ فلا أسمع صوته و قال أما إذا ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب و نادى في الناس لا يلبس ثوبا أحمر إلا متظلم ثم كان يركب الفيل طرفي نهاره و ينظر هل يرى مظلوما فهذا يا أمير المؤمنين مشرك و أنت مؤمن بالله من أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فبكى المنصور و قال : يا ليتني لم أخلق فكيف أحتال لنفسي ?

قال : يا أمير المؤمنين , إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم و يرضون بقولهم فاجعلهم بطانتك يرشدوك و شاورهم في أمرك يسددوك .

قال : قد بعثت إليهم فهربوا مني .

قال : خافوا أن تحملهم على طريقتك ; و لكن افتح بابك و سهل حجابك و انصر المظلوم و اقمع الظالم و أنا الضامن عليهم أنهم يأتوك .

ابن الرومي :

منحت الوداد المحض من ليس عارفا *** إذ المرء لم يعرف لك الود فامذق

‏فيا رب نفع جرة غش حاقد *** و يا رب ضر جرة نصح مشفق

‏أحاسب بالعمر الذي ليس نافعي *** فيا لك من هم على القلب مقلق

‏و أنفق أيام الشباب على المنى *** بغلة مغرور من العيش مخفق

‏فلا ما مضى منه يرد و إنما *** أؤمل إحسان الإله لما بقي

قيل : أتي المنصور برجل عات في عمله و اجترى على نوابه فلما وقف بين يدي المنصور قال له المنصور يا ويلك أنت فعلت كذا و كذا و الله لأقتلنك شر قتلة قال فقال الشيخ بصوت ضعيف :

أ تروض عرسك بعد ما هرمت *** و من العناء رياضة الهرم

قال فلم يسمعه المنصور و كان بأذنه وقر فقال يا ربيع ما قال الشيخ فقال يا أمير المؤمنين إنه يقول :

العبد عبدكم و المال مالكم *** فهل عذابك عنا اليوم مصروف

قال يا ربيع : قد عفوت عنه فرده إلى موضعه و أحسن جائزته و اكتب إلى عاملنا بإقامة حرمته و قضاء حوائجه .

عن جرير السهمي قال : كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسيره إلى الشام فمررت على مدائن كسرى فوقفت و قلت :

جرت الرياح على رسوم ديارهم *** فكأنهم كانوا على ميعاد

و أرى النعيم و كلما يلهى به *** يوما يصير إلى بلى و نفاد

قال (عليه السلام) : هلا قلت أحسن من هذا قلت و ما هو يا أمير المؤمنين فقال كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ يا ابن أخ هؤلاء قوم كفروا النعم و نزلت بهم النقم .

قال هشام بن الكلبي : لما فتح خالد بن الوليد عين التمر سأل عن بنت النعمان بن المنذر فقيل له هي مترهبة في دير كذا و كذا فأتاها و سلم عليها و قال كيف كان حالك قالت أجمل أم أفسر قال بل أجملي فقالت لقد طلعت الشمس و ما حول الخورنق و السدين أحد إلا تحت أيدينا ثم غربت و قد رحمنا من كان يغبطنا على ملكنا ثم أنشأت تقول :

فبينا نسوس الناس و الأمر أمرنا *** إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

‏فأف لدنيا لا يدوم نعيمها *** تقلب تارات بنا و تصرف

لأبي العتاهية :

يا غافلا ينظر بالصوت *** لم يأخذ الأهبة للفوت

‏من لم يزل نعمته قبله *** زال عن النعمة بالموت

و من قصيدة يمدح بها أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهدهم :

علي له فضلان فضل قرابة *** و فضل بنصل السيف و السمر الدكن

يريد لون الرماح ; في الحديث : كيف بكم إذا مرج الدين و ظهرت الرغبة .

أي : قلت العفة و كثر السؤال يقال رغبت إلى فلان في كذا إذا سألته إياه و قيل ظهرت الرغبة معناها الحرص على الجمع و المنع من الحق .

و في الحديث : لا تجار أخاك و لا تشاره .

قال الأزهري : تجار من الجريرة المعنى يقول لا تجني عليه و هو يجني و قال غيره لا تماطله من الجر و هو أن يلويه بحقه يجره من محله إلى وقت آخر .

و قال بعضهم : إنما هم لا تجار أخاك .

من الجراء في الخيل و هو أن يجاري الرجلان للمسابقة يقول لا تطاوله و لا تغالبه و لا تشاره من الشر .

و في الحديث : أنا و شنعاء الخدين الحانية على ولدها كهاتين يوم القيامة .

أراد بها أنها بذلت بنا صفة وجهها حتى اسودت قائمة على ولدها بعد وفاة زوجها لا تضيعهم أي أن التي تزوجت فليس بحانية .

و في حديث آخر : حنت على ولدها يعني أشفقت .

يقال حنا عليه يحنو و حنى يحني إذا أشفق عليه و عطف .

و في قوله تعالى فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً السفيه الخفيف العقل يقال تسفهت الرياح الشي‏ء إذا استخفته فحركته و قال مجاهد السفيه الجاهل و الضعيف الأحمق .

و روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن شمر بن عطية عن خزيم بن فاتك قال : قال رسول الله أي رجل أنت لو لا خلقان فيك قال قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما هما قال تسبل إزارك و ترخي شعرك قال قلت لأجزه فجز خزيم شعره و رفع إزاره .

و روي أيضا من حديث سهل بن حنظلة قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نعم الرجل خزيم الأسدي لو لا طول جمته و إسبال إزاره فبلغ ذلك خزيما فقطع جمته إلى أذنيه و رفع إزاره إلى نصف ساقيه .

بشير بن عاصم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : الجائر من الولاة تلتهب به النار التهابا .

سأل ثعلبة بن حاطب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادع الله لي أن يرزقني مالا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه .

ثعلبة بن الحكم الليثي قال : كنت غلاما على عهد رسول الله فأصابوا غنما فانتهبوها فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكفئوا القدور فإن النهبة لا تصلح .

شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنيم قال : كنت عند أبي الدرداء إذ دخل عليه رجل من المدينة فسأله فقال أين تركت أبا ذر فقال بالربذة فقال أبو الدرداء إنا لله و إنا إليه راجعون لو أن أبا ذر قطع مني عضوا ما هجته لما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه .

عن أبي هريرة قال : خرج ثمامة بن أثال الحنفي معتمرا فظفرت به خيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنجد فجاءوا به ; فأصبح مربوطا بأسطوانة عند باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , فرآه فعرفه , فقال : ما تقول يا ثمامة ?

فقال : إن تسأل مالا تعطه , و إن تقتل تقتل ذا دم . و إن تنعم فتنعم على شاكر .

فمضى عنه و هو يقول : اللهم إن أكلة من لحوم الجزور أحب إلي من دم ثمامة .

ثم أمر به فأطلق .

فذهب ثمامة إلى المصنع فغسل ثيابه و اغتسل ثم جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و شهد شهادة الحق , و قال : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن خيلك أخذتني و أنا أريد العمرة , فمر من يسير بي إلى الطريق .

فأمر من يسيرة .

فخرج حتى أتى مكة ; فلما سمع المشركون جاءوه و قالوا يا ثمامة صبوت و تركت دين آبائك ?

قال : لا أدري ما تقولون , غير أني أقسمت برب هذه البنية لا يصل إليكم من اليمامة ما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا على آخركم .

قال : و كانت ميرة قريش و منافعهم من اليمامة ثم خرج فحبس عنهم ما كان يأتيهم منها من ميرتهم و منافعهم .

فلما أضر بهم ; كتبوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنا عهدنا بك و أنت تأمر بصلة الرحم و تحض عليه و إن ثمامة قد قطع ميرتنا و أضر بنا فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلي بيننا و بين ميرتنا فافعل .

فكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أن خل بين قومي و بين ميرتهم .

و كان ثمامة حين أسلم قال , يا رسول الله لقد قدمت عليك و ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك و لا دين أبغض إلي من دينك و لا بلد أبغض إلي من بلدك ; و الآن ما أصبح على وجه الأرض وجه أحب إلي من وجهك و لا دين أحب إلي من دينك و لا بلد أحب إلي من بلدك .

جندب بن كعب العبدي : رأى ساحرا يلعب بين يدي الوليد بن عقبة و كان أميرا بالكوفة و يرى الناس أنه يقطع رأس رجل ثم يعيده فقام إليه جندب بن كعب و ضرب وسطه بالسيف و قال : قولوا له يحيي نفسه الآن فحبس الوليد جندبا و كتب إلى عثمان فكتب أن خل سبيله .

و قيل في رواية أخرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لجندب : جندب و ما جندب يضرب ضربة يفرق بين الحق و الباطل ; فرأى أبا سنان يعمل شيئا من السحر عند الوليد بن عقبة بالكوفة و هو أميرها من قبل عثمان فانطلق فاشتمل على سيفه ثم ضربه فمنهم من يقول قتله و منهم من يقول لم يقتله و ذهب عنه السحر .

فقال أبو سنان قد نفعني الله بضربتك .

و سجن الوليد جندبا فانغض ابن أخيه و كان فارس العرب حتى حمل على صاحب السجن فقتله و أخرج جندبا .

و في رواية أخرى : أنه رأى الساحر بين يدي الوليد و هو يرى الناس أنه يضرب رأس نفسه فيرمي به ثم يشتد فيأخذه ثم يعيده مكانه فانطلق جندب إلى الصيقل و سيفه عنده فقال وجب أجرك فهاته فأخذه و اشتمل عليه ثم جاء إلى الساحر و ضرب عنقه فتفرق أصحاب الوليد و دخل هو البيت و أخذ جندبا و أصحابه فسجنهم فقال لصاحب السجن قد عرفت السبب الذي سجنا لأجله فخل سبيل أحدنا حتى يأتي عثمان فخلى سبيل أحدهم فبلغ ذلك الوليد فأخذ صاحب السجن فصلبه قال و جاء كتاب عثمان أن خل سبيلهم و لا تعرض لهم و وافى الكتاب قبل قتل المصلوب فخلى سبيلهم .

قيل : قدم جرير بن عبد الله على عمر بن الخطاب من عند سعد بن أبي وقاص فقال له كيف تركت سعدا في ولايته فقال تركته أقدم الناس مقدرة و أحسنهم معذرة هو لهم كالأم البرة يجمع لهم كما تجمع الذرة .

سأل معاوية جريرا من سيدكم اليوم فقال : من أعطى سائلنا و أعفى عن جاهلنا و غفر زللنا فقال له معاوية أحسنت يا جرير .

محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن قائلا قال يا رسول الله أعطيت عيينة و الأقرع بن حابس مائة مائة و تركت جعيل بن سراقة الضمري قال : أما و الذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة و الأقرع و لكني تألفتهما و وكلت جعيل بن سراقة إلى إيمانه .

جعيل الأشجعي قال : كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض غزواته فقال لي سر فقلت إنها عجفاء فضربها بجحفته فقال بارك الله لك فيها فلقد رأيتني أول الناس ما أملك رأسها و بعت من بطنها باثني عشر ألفا .

عن السلمي قال : أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أستشيره في الجهاد فقال أ لك والدة قلت نعم قال اذهب فأكرمها فإن الجنة تحت رجليها .

جودان يروى عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) : فيمن لا يقبل معذرة أخيه كان عليه خطيئة صاحب مكس .

قيل : كان حارثة بن النعمان قد ذهب بصره فاتخذ خيطا من مصلاه إلى باب حجرته و وضع عنده مكتلا فيه تمر فكان إذا جاء المسكين يسأل أخذ من ذلك المكتل ثم أخذ بطرف الخيط حتى يناوله و كان أهله يقولون نحن نكفيك فيقول سمعت رسول الله يقول مناولة المسكين تقي ميتة السوء .

محمد بن سيرين : أن معاوية لما أتى بحجر قال السلام عليك يا أمير المؤمنين قال و أمير المؤمنين أنا اضربوا عنقه فلما قدم للقتل قال دعوني أصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال لو لا أن تظنوا في غير الذي بي لأطلتهما و الله لئن كانت صلاتي لا ينفعني فيما مضى ما هما بنافعتي ثم قال لمن حضر من أهله لا تطلقوا عني حديدا و لا تغسلوا عني دما فإني ملاق معاوية على الجادة .

قيل : لما قدم معاوية المدينة فدخل على عائشة كان أول ما بدأته قتلت حجرا في كلام طويل جرى بينهما ثم قال دعيني و حجرا نلتقي عند ربنا .

قيل : كان الربيع بن الزياد الحارثي فاضلا جليلا و كان عاملا لمعاوية على خراسان و كان الحسن بن أبي الحسن البصري كاتبه فلما بلغه قتل حجر بن عدي دعا الله عز و جل فقال اللهم إن كان للربيع عندك خير فأقبضه إليك و عجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات .

حرملة بن عبد الله قال : أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله إنا نحب الهجرة و أرضنا أرفق في المعيشة فقال (عليه السلام) إن الله لا يلتك من عملك شيئا حيث ما كنت .

عن أبي هريرة يقول : أبصرت عيناي هاتان و سمعت أذناي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو آخذ بكفي الحسين (عليه السلام) و قدماه على قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يقول ترق عين بقة قال فرقا حتى بلغت قدماه على صدر رسول الله ثم قال له رسول الله افتح فاك ثم قبله و قال اللهم أحبه فإني أحبه .

قال المأمون لبعض خواصه قد علمت صنائعي عند أقوام أصيرهم لنا أنسابا فلا يكون منهم الوفاء و لا ما نريده فما السبب في ذلك فقال : يا أمير المؤمنين إن من يتخذ الطيور الهوادي لإرسال الكتب بها إذا طلب الطيور سأل عن أصولها و أنسابها حتى يتخير من ذلك ثم يرسل الطيور إلى الأقطار بدرجها في الطرق سكة بعد سكة حتى تألف و أنت يا أمير المؤمنين تأخذ أقواما من غير أصول و لا تدريج فتبلغ بهم الغايات فلا يكون منهم ما تؤثره .

شعر :

و إني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظن ما الله صانع

ذكر عن الواثق أنه قال : أتاني أحمد بن أبي داود يوما في حاجة فرددته فخرج ثم رجع فقال يا أمير المؤمنين احذر أن نتلاعن غدا إذا توافقنا بين يدي الله تعالى قلت فكيف نتلاعن قال يسألك عن الكبير و الصغير و عن النقير و القطمير فإذا وجبت الحجة عليك قلت لي لعنك الله أ لم أبسط يدك أ لم أقدم إليك أ فلا عدلت أ فلا حكمت بالحق أ فلا أعطيت فأعارض باللعن و أقول قد قلت فلم تفعل و أشرت فلم تقبل فقضيت حاجته و خرج و بقيت ذلك اليوم لا أنتفع بنفسي جزعا مما سمعت منه .

قال عمر بن الخطاب : اقبل النصيحة و لا تعارض بالحمية فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) يقول سيأتي على الناس زمان التزكية لهم أحب إليهم من النصيحة .

عبد الحميد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال : قدم المنصور إلى مكة فدخل من باب الصفا و معه صاحب الحرس فسأل عن مصلى عبد العزيز بن أبي رواد فقيل له في الحجر تحت الميزاب فجاء حتى وقف إلى جانبه و هو يصلي فلما فرغ من صلاته أقبل عليه أبو جعفر و سلم عليه ابن أبي رواد تسليم العامة فقال له صاحب حرسه هذا أمير المؤمنين فقم فسلم عليه بالخلافة فقال ما عرفته غير أني وجدت خشونة كفه كف ظلوم جبار يعني بالخشونة اللين و النعم فقال صاحب الحرس أ تقول هذا لأمير المؤمنين فقال عبد العزيز أيها المبتلى احذر هذا و نظراءه على دينك فقل ما يغنون عنك من الله شيئا ثم قام فافتتح الصلاة و مضى أبو جعفر فقال له صاحب حرسه يا أمير المؤمنين يفلت مثل هذا منك بعد هذا الكلام قال له أمسك من أطاع الله عز هذه بشرى للمؤمنين في الدنيا يحتمل أن يكون له أكثر من هذا و مضى و تركه .

أبو نواس :

كما لا ينقضي الأدب *** كذا لا ينقضي الطلب

قيل : قدم قوم من وجوه العرب على سليمان بن عبد الملك فقال متقدمهم وفدنا عليك يا أمير المؤمنين و لما جئناك رغبة و لا رهبة فقال ففي أي شي‏ء جئتم لا جاء الله بكم و عجل بها في كلامه مضمرا فقال متقدمهم لأن الرغبة قد سبقت فوائدها منك إلينا و الرهبة فقد أمننا منها عدلك علينا فخجل سليمان و نهض في الحال و قال لا أجلس أو نعاض عليهم و قال فيه شعرا :

أعطيتهم و منحتهم كفاء ما جنيته *** من عجلتي قبل استتامي خطابهم

عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن المؤمن أخذ عن ربه أدبا حسنا فإذا وسع عليه وسع على نفسه و إذا أمسك عليه أمسك على نفسه .

نمير المدني قال : قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة و محمد بن عمران الطلحي على قضائه و أنا كاتبه فاستعدى الجمالون على أمير المؤمنين في شي‏ء ذكروه فأمرني أن أكتب إليه كتابا بالحضور معهم و إنصافهم فقلت تعفيني من هذا فإنه يعرف خطي فقال اكتب فكتبت ثم ختمه و قال لا يمضي به و الله غيرك فمضيت به إلى الربيع و جعلت أعتذر إليه فقال لا عليك فدخل عليه بالكتاب ثم خرج الربيع فقال للناس و قد حضر وجوه أهل المدينة و الأشراف و غيرهم إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام و يقول لكم إني قد دعيت إلى مجلس الحكم فلا أعلمن أحدا قام إلي إذا خرجت و بدأني بالسلام ثم خرج و المسيب بين يديه و الربيع و أنا خلفه و هو في إزار و رداء فسلم على الناس فما قام إليه أحد ثم مضى حتى بدأ بالقبر فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم التفت إلى الربيع فقال يا ربيع ويحك أخشى أن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه هيبة فتحول عن مجلسه و بالله لئن فعل لا ولي لي ولاية أبدا فلما رآه و كان متكئا أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به و دعا بالخصوم و بالجمالين ثم دعا أمير المؤمنين ثم ادعى عليه القوم فقضى لهم عليه فلما دخل الدار قال للربيع اذهب فإذا قام و خرج من عنده من الخصوم فادعه فقال يا أمير المؤمنين ما دعائك إلا بعد أن فرغ من أمر الناس جميعا فدعاه فلما دخل عليه فسلم فقال جزاك الله عن دينك و عن نبيك و عن حسبك و عن خليفتك أحسن الجزاء قد أمرت لك بعشرة ألف دينار فاقبضها و كانت عامة أموال محمد بن عمران من تلك الصلة .

عن الأصمعي عمن أخبره : أن أبا جعفر المنصور حين عفا عن أهل الشام قال له رجل يا أمير المؤمنين الانتقام عدل و التجاوز فضل و المتفضل قد يتجاوز حد المنصف فنحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين و أن لا يرتفع إلى أعلى الدرجتين .

قال بعض الحكماء : لا شي‏ء أضيع من أربع مودة يمنحها من لا وفاء له و بلاء يصطنعه عند من لا يشكر له و أدب يؤدب به من لا ينتفع به و سر يستودعه من لا صيانة له و قيل شعرا :

اسلك من الطرق المناهج *** و اصبر و لو حملت عالج

‏أبعد همومك لا تضيق *** ذرعا بها فلها مفارج

و اقض الحوائج ما استطعت *** و كن بهم أخيك فارج

‏فلخير أيام الفتى يوم *** قضى فيه الحوائج

قيل : دخلت امرأة على خالد بن عبد الله القسري فقال لها خالد ما حاجتك فقالت أصلح الله الأمير أناخ علينا الدهر بخرابه و عضنا بنابه فما ترك لنا صافيا و لا ماهنا فكنت المنتجع و إليك المفزع قال فقال لها خالد هذه حاجة لك دوننا فقالت و الله لئن كان لي نفعها إن لك لأجرها مع أن أهل الجود لو لم يجدوا من يقبل العطاء لم يوصفوا بالسخاء فقال لها أحسنت و أمر لها بعشرة آلاف درهم .

قحطبة بن حميد بن قحطبة قال : حضرت المأمون و هو يناظر محمد بن القاسم النوشجاني و محمد يقضي له و يصدقه فقال له المأمون أراك تنقاد إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة عليك إنه لو شئت أن أقيس الأمور بفضل بيان و طول لسان و أبهة الخلافة و سطوة الرئاسة لصدقت و إن كنت كاذبا و صوبت و إن كنت مخطيا و عدلت و إن كنت جائرا و لكني لا أرضى إلا بإزالة الشبهة و غلبة الحجة و إن شر الملوك عقلا و أسخفهم رأيا من رضي بقولهم صدق الأمير .

قيل : لما نعى الفرزدق إلى جرير بكى بكاء شديدا فقيل له أ تبكي رجلا تهجوه و يهجوك من أربعين سنة قال إليكم عني فو الله ما تساب رجلان و لا تناطح كبشان فمات أحدهما إلا تبعه الآخر عن قريب ثم عاش بعده أربعين يوما ثم مات .

قيل : إن رجلا من بني إسرائيل حضره الموت فرأى جزع امرأته عليه فقال أ تحبين أن لا أفارقك قالت نعم قال فاصنعي لي تابوتا ثم اجعليني في بيتك فإنه لا يتغير جسدي ففعلت فاطلعت بعد زمان فإذا هي بإحدى أذنيه قد أكلت فقالت فلان ما كذبني قبلها فرد الله عز و جل روحه فقال لها إن الذي رأيت من أذني إني سمعت ملهوفا يوما من الأيام يستغيث فلم أغثه فأكلت أذني التي تليه .

قيل : إن بعض الظلمة المترفين جلس يوما من الأيام في موضع من داره و عنده جماعة فظهر منه ظلم أسرف فيه ثم لم تطل أيامه حتى هلك فجلس مكانه رجل من ضربه و شرع في مثل ظلمه فقال له من حضره ممن حضر مجلس الذي كان قبله :

في مثل ذا اليوم من هذا المكان على *** هذا السرير تدلى الشر فاصطلما

ثم تلا وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ فانكسر الظالم و قصر عن ظلمه .

عن بعضهم : فالفاضل الرشيد و الفائز السعيد من استكمل خلال الخير و فارق خصال الشر و تعلق بالأخلاق الحميدة و الأوصاف الجميلة فلن يعدم الانتفاع به و إحماد عاقبته و البلية الكبرى و المصيبة العظمى فيمن عري عن شعب الخير كلها و لم يستصحب شيئا منها و ليحذر المرء أن يعرض عن حظه و يذهب و أن يكون ممن يجد به و يلعب .

بعضهم : قال ما عرف الخير من لم يتبعه و ما عرف الشر من لم يجتنبه و ما أيقن عبد بالجنة و النار حق يقينهما إلا رأى ذلك في عمله فانظر ما ذا تحب أن يكون معك غدا فقدمه اليوم .

الكلبي عن أبيه قال : خرج كسرى في بعض أيامه إلى الصيد فعن له صيد فتبعه فانقطع من أصحابه فرفع له كوخ فقصده فإذا عجوز بباب الكوخ جالسة فقال لها أنزل قالت انزل قال فنزل و دخل الكوخ فإذا ابنة العجوز قد جاءت و معها بقرة فأدخلتها الكوخ فقامت العجوز إلى البقرة فحلبتها لبنا خالصا و كسرى ينظر فقال في قلبه ينبغي أن يجعل على كل بقرة إتاوة فهذا حلاب كثير فلما مضى من الليل شطره قالت العجوز يا فلانة قومي إلى البقرة فاحلبيها فقامت إلى البقرة فوجدتها حائلا فنادت أمها يا أماه قد و الله أضمر الملك شرا قالت و ما ذاك قالت لأن هذه البقرة حائل و ما تدر بقطرة فقالت لها أمها امكثي فإن عليك ليلا فقال كسرى في نفسه من أين لها أني أضمرت في نفسي الشر أما إني لا أفعل ذلك قال فمكث قليلا ثم نادتها يا ابنة قومي احلبي البقرة فقامت إليها فوجدتها حافلا فنادت يا أماه قد و الله ذهب ما كان في نفس الملك من الشر هذه البقرة حافلا فاحتلبتها فأقبل الصبح و تتبع الرجال كسرى و أثره حتى أتوه فركب و أمر بحمل العجوز و ابنتها إليه فحملتا فأحسن إليهما و قال كيف علمت أن الملك قد أضمر شرا و أن الشر الذي أضمره قد عدل عنه قالت العجوز أنا بهذا المكان من كذا و كذا ما عمل فينا بعدل إلا أخصبت بلادنا و اتسع عيشنا و ما عمل فينا بجور إلا ضاق عيشنا و انقطعت مواد النفع عنا .

كان المنصور يقول : الخليفة لا يصلحه إلا الطاعة و الرعية لا يصلحها إلا العدل و أولى الناس بالعدل أقدرهم على العقوبة و أنقص الناس رأيا من ظلم من دونه .

أبو حاتم قال : ضرب رجل من أصحاب السلطان رجلا فأوجعه و قال له الرجل أصلحك الله اضرب ضربا تقوى عليه فإن القصاص أمامك .

الأصمعي قال : كنت عند الرشيد يوما فرفع إليه قاض كان قد استقضاه يقال له عافية فأمر بإحضاره فأحضر و كان في المجلس كثير فجعل الرشيد يخاطبه و يوقفه على ما رفع به و طال المجلس ثم إن أمير المؤمنين عطس فسمته من كان حاضرا سواه فإنه لم يسمته فقال له ما بالك لم تسمتني كما فعل القوم فقال له عافية لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله عز و جل فلذلك لم أسمتك .

إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عطس عنده رجلان فسمت أحدهما و لم يسمت الآخر فقال يا رسول الله ما بالك سمت ذاك و لم تسمتني فقال : إن هذا حمد الله تعالى فسمتناه و أنت لم تحمد الله تعالى فلم نسمتك .

فقال له الرشيد ارجع إلى عملك أنت لا تسامح في عطسة تسامح في غيرها و صرفه مصرفا جميلا .

قال رجل أعرابي لعيينة بن أبي سفيان و قد ولي الحجاز : يا أيها الأمير إن تحسنوا و قد أسأنا خير من أن تسيئوا و قد أحسنا فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه و إن كان منا فما أولاكم بمكافاته .

المبرد قال : لقيني الأسباطي على الجسر و قد أخذ إسماعيل بن بلبل دور أهل الجلد فقال :

بغى و للبغي *** سهام تنتظر

أنفذ في الأكباد *** من وخز الأبر

سهام أيدي *** القانتين في السحر

قال فما مضت الأيام حتى كان من أمر إسماعيل ما كان .

من علامات الخذلان أن يستقبح المرء ما كان عنده حسنا و يستحسن ما كان عنده قبيحا .

ابن عمير قال : قال رسول الله (عليه السلام) إذا عملت الخطيئة في أرض فمن أنكرها كان كمن غاب عنها و من رضيها كان كمن شهدها .

قال بعض العلماء : قد ثبت بالدليل العقلي و السمعي أن الراضي بفعل المحسن شريك له في إحسانه و الراضي بفعل المسي‏ء شريك له في إساءته من جهة المدح و الذم و الأجر و الإثم و قد ذم الله تعالى في كتابه من كان من اليهود في عصر نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم) بإضافته قتل أنبيائه إليهم و إن كان المباشر لذلك من تقدم من آبائهم لرضاهم به و موافقتهم إياهم في دينونتهم و ما ظلموا فيه و كفروا بفعله و إنما رضوا بارتكابه .

عن بعض الحكماء : جعل الله خزائن نعمته عرضة لمؤمليه و جعل مفاتيحها صدق نية راجية .

لبعضهم : حسبي من خزائن عطاياه مفتوحة لمؤمليه و جعل مفاتيحها صحة الطمع فيه .

شعر :

أفوض ما تضيق به الصدور *** إلى من لا تغالبه الأمور

قيل : إنه رفع إلى الخليفة المعتضد أن طائفة من الناس يجتمعون بباب الطاق و يجلسون في دكان رجل تبان و يخوضون في الفضول و الأراجيف و فنون من الأحاديث و فيهم قوم سراة و كتاب و أهل بيوتات سوى من يسترق السمع منهم من زامة الناس و قد تفاقم فسادهم فلما عرف الخليفة ذلك ضاق ذرعا بالرفيعة و خرج معها و امتلأ غيظا و دعا بعبد الله بن سليمان و رمى بالرفيعة إليه و قال انظر فيها و تفهم ففعل و شاهد من تربد وجهه ما أزعج ساكن صدره و شرد آلف صبره و قال قد فهمت يا أمير المؤمنين قال فما الدواء قال تتقدم بأخذهم و صلب بعضهم و إحراق بعضهم فإن العقوبة إذا اختلفت كان الهول أشد و الهيبة أفشى و الزجر أنجع و العامة أخوف فقال المعتضد و كان أعقل من الوزير و الله لقد بردت لهيب غضبي بقسوتك و نقلتني إلى اللين بعد الغلظة و دفعتني إلى الرفق من حيث أشرت بالحرق و ما علمت أنك تستخير مثل هذا في دينك و هديك و مروتك و لو أمرتك ببعض ما رأيت بعقلك لكان من حسن الموازرة و مبذول النصيحة و النظر للرعية الضعيفة الجاهلة أن تسألني الكف و تبعثني على الحلم و تحبب إلي الصفح و ترغبني في فضل الإعفاء على هذه الأشياء و لقد ساءني جهلك بحدود العقاب و بما يقابل به الجرائر و بما يكون كفاء للذنوب و لقد عصيت الله بهذا الرأي و دللت على قسوة القلب و قلة الرحم و يبس الطينة و رقة الديانة أ ما تعلم أن الرعية وديعة الله عند سلطانها و أن الله سائله عنها كيف ساسها و لعله يسألها عنه فإن سألها فلتوكيد الحجة عليه منها أ لا تدري أن أحدا من الرعية لا يقول ما يقول إلا لظلم قد لحقه أو لحق جاره و داهية نالت صاحبا له و كيف تقول لهم كونوا صالحين أتقياء مقبلين على معايشكم غير خائضين في حديثنا و لا سائلين عن أمرنا و العرب تقول في كلامها غلبنا السلطان فلبس فروتنا و أكل خضرتنا و حنق المملوك على المالك معروف و إنما يحتمل السيد على ضروب تكاليفه و مكاره تصاريفه إذا كان العيش في كنفه رافعا و الأمل فيه قويا و الصدر عليه باردا و القلب معه ساكنا أ تظن أن العمل بالجهل ينفع و العذر به يقنع لا و الله ما الرأي ما رأيت و ما الصواب ما ذكرت وجه صاحبك و لتكن ذا خيرة و رفق و معروف و تخبر و صدق حتى تعرف حال هذه الطائفة و تقف على شأن كل واحد منهم في معاشه و دخلته و قدر ما هو متقلب فيه و منقلب إليه فمن كان منهم يصلح لعمل فعلقه به و من كان سيئ الحال فصله من بيت المال ما يفيق بصرة حاله و يفيده طمأنينة باله و من لم يكن من هذا الرهط و هو غني مكفى إنما يخرجه إلى دكان هذا التبان البطر و الزهو فادع به و انصحه و لاطفه و قل له إن نطقك مسموع و كلامك مرفوع و متى وقف أمير المؤمنين على كنه ذلك منك لم يجدك إلا في عرصة المقابر و استأنف لنفسك سيرة تسلم بها على سلطانك و تحمد بها عند إخوانك فإياك أن تجعل نفسك عرضة للسلطان عظ لغيرك بعد ما كان وعظه لك و لو أن الأخذ بالجريرة الأولى مخالف للسيرة المثلى لكان هذا الذي تسمعه ما تراه و ما تراه تود لو أنك سمعته قبل أن تراه فإنك يا عبد الله إذا فعلت ذلك فقد بالغت في العقوبة و ملكت طرفي المصلحة و قمت على سوء السياسة و نجوت من الخوف و المأثم في العاقبة قال و فارق الوزير حضرة الخليفة و عمل ما أمر به على الوجه اللطيف فعادت الحال برأيه بالسلامة العامة و العافية التامة و تقدم إلى الشيخ التبان برفع حال من يقعد عنده حتى يواسي إن كان محتاجا أو يصرف إن كان متعطلا و ينصح إن كان غافلا .

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن قوما ركبوا سفينة في البحر و اقتسموا فصار كل واحد منهم موضعه فنقر رجل موضعه بفأس فقالوا ما تصنع قال هو مكاني أصنع به ما شئت فإن أخذوا على يديه نجا و نجوا و إن لم يأخذوا على يديه هلك و هلكوا .

و عنه (عليه السلام) : لا يزال المسروق في تهمة من هو بري‏ء حتى يكون أعظم جرما من السارق .

أما بعد فأتاك الله حفظ الوصية و منحك نصيحة الرعية و ألهمك عدل القضية فإنك مستودع ودائع و مولى صنائع فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك و نبه بالفكر قلبك و اتق الله ربك و أعط من نفسك من هو تحتك ما تحب أن يعطيك من هو فوقك من العدل و الرأفة و الأمن من المخافة فقد أنعم الله عليك بأن فوض الأمور إليك فإليك ترفع كربة الشكوى و تشتكي شدة البلوى فمتى تمل إلينا طرفا و تزودنا منك عطفا يؤتك الله فلاحا رزق الله رعيتك منك التحنن و ظاهر علينا منك التمنن .

سفيان بن عيينة قال : قال لي الرشيد إني عزمت على أن أرى الفضيل بن عياض فقلت له يا أمير المؤمنين إنه رجل قد زهد في الدنيا و الناس جميعا فأخاف أن تأتيه فتستخفه فقال كلا ما عزمت على إتيانه إلا و قد وطنت نفسي على احتمال كلامه يا سفيان إن عز التقوى لا يزاحمه ركنا إمرة و لا خلافة قال سفيان فلقيت الفضيل و لقنته بما قال الرشيد فقال ما أعقله لو لا أنه يحب العاجلة ثم قال إني لأحب أن يأتيني و أكره ذلك أما محبتي لأن يأتيني فلعلي أعظه بموعظة ينتفع بها هؤلاء الناس و أما كراهتي بمجيئه فلأني أراه يرقل في النعم عاريا من الشكر قال ثم أذن فمضيت مع الرشيد إليه و قد اختلط الظلام و على الرشيد طيلسان غسيل قد غطى به رأسه فلما هجمنا عليه في بيته و شم الرائحة سمعته يقول اللهم إني أسألك رائحة الخلد التي أعددتها لأوليائك المتقين فقلت هذا أمير المؤمنين فرفع طرفه إليه و عيناه تقطر و قال أنت هو يا حسن الوجه ثم وعظه فجعل الرشيد يبكي حتى اشتد نشيجه فقال له الفضيل ازدد من هذا فما أعرف في هذه الليلة أشد حاجة إليه منك قال ثم وثب إلى صلاته و ما كان ذلك إلا لحظ الطائر فلما صرنا إلى بعض الدار قال لي الرشيد يا سفيان ما رأيت التقوى على وجه أحد قط أبين منها في وجه هذا الشيخ و لو لا التجشم منك لقبلت بين عينيه فقلت له و الله العظيم وددت أن تكون فعلت ذلك فيكتب الله لك ثوابه و أجره فقال إني لأرجو أن يكون قد كتب لي ثوابه بالنية و لو لم أفعل .

عن بعض السلف أنه قال لابن عمر بن عبد العزيز : ما رأيت رجلا أكرم من أبيك سهرت معه ذات ليلة فخفت المصباح فقام إليه فأصلحه فقلت يا أمير المؤمنين هلا أمرت بإصلاحه فقال قمت و أنا عمر بن عبد العزيز و رجعت و أنا عمر بن عبد العزيز .

و روي نحو هذا عن الأبرش الكلبي و قد قام ليصلح المصباح فقال صاحب المجلس : مه ليس من المروءة أن يستخدم الرجل ضيفه .

و روي أنه قال : إنا لا نتخذ الإخوان خولا

و قيل : للشيطان غرور لأنه يحمل على محاب النفس و وراء ذلك ما يسوء قوله تعالى مَتاعُ الْغُرُورِ أي يغر ظاهرها و في باطنها سوء العاقبة .

و في الحديث : لا غرار في صلاة و لا تسليم .

قيل : الغرار النقصان , و غارت الناقة تغار غرارا إذا قل لبنها و غرار النوم قلته و الغرار في الصلاة نقصان ركوعها و سجودها و الغرار في التسليم أن يقول المجيب سلام عليكم و لا يقول و عليكم السلام .

قيل سمع عامر بن عبد الله بن الزبير ابنه ينال من علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له : يا بني لا تنتقصه فإن بني أمية تنقصته ثمانين عاما فلم يزده الله بذلك إلا رفعة إن الدين لم يبن شيئا فهدمته الدنيا و إن الدنيا لم تبن شيئا إلا رجعت على ما بنت فهدمته .

سعيد بن سليمان قال : كنت بمكة في زقاق السطري و إلى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري و قد حج هارون الرشيد فقال إنسان يا أبا عبد الرحمن هو ذا أمير المؤمنين يسعى و قد أخلي له المسعى فقال العمري لا جزاك الله عني خيرا كلفتني أمرا كنت غنيا عنه ثم علق نعليه بيده و قام فتبعته فأقبل الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به العمري يا أمير المؤمنين قال لبيك يا عم قال ارق الصفا فلما رقاه قال ارم بنظرك إلى الناس قال قد فعلت قال كم هي قال و من يحصيهم قال فكم في الناس مثلهم فقال خلق لا يحصيهم إلا الله تعالى فقال اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن نفسه و أنت تسأل عنهم كلهم فانظر كيف تكون قال فبكى الرشيد ثم جلس يبكي و دموعه تجري قال العمري و أخرى أقولها قال قل قال إن الرجل ليسرف في ماله فتحجر عليه فكيف بمن أسرف في مال المسلمين افتحوا أسماع قلوبكم لفراغ خطوبكم تسمعوا وقعها في انتهاب أعماركم و خراب دياركم فإن في غير الأيام و سير الأنام ما يدل على نقص التمام و نقض الإبرام غير أن القلوب ران عليها مكتسبها و هان على النفوس متقلبها فتخيلت الإقامة في دار ظعنها و أملت السلامة في دار محنها فكأنك بالموت قد جرعها شرابه و أوقع فيها مخالبه و أنيابه و أصارها إلى العدم كما أضر قبلها سالف الأمم و في ذلك ما أنذر بالرحيل و دل على التحويل و قلقل القلوب عن القرار و شغل عن غرور هذه الدار .

من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) : الركون إلى الدنيا مع ما يعاين فيها جهل و التقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن و الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز .

و قال (عليه السلام) : ازهد في الدنيا يبصرك الله عوراتها و لا تغفل فلست بمغفول عنك .

و قال (عليه السلام) : المنية و لا الدنية و التقلل و لا التوسل .

و قال (عليه السلام) : يا أسراء الرغبة قصروا فإن المعرج على الدنيا لا يردعه منها إلا صريف أنياب الحدثان أيها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها و اعدلوا بها عن ضرائه عاداتها .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : المؤمن كيس فطن حذر .

سئل بعض العلماء من الكيس الفطن الحذر قال : من يهدم دنياه فيبني بها آخرته و لا يهدم آخرته فيبني بها دنياه .

حاسب نفسك لنفسك فإن غيرها من الأنفس لها محاسب غيرك ; و خذ ما يبقى لك مما لا تبقى له ; و تيسر لسفرك و شم برق النجاح و أرحل مطايا بتفكر التشمير .

اعلم أن الوقوف على أخبار الناس و سيرهم ما خصوا و تحلوا به من المحاسن و القبائح تهذب آراء ذوي البصائر و القرائح و ما زال متقدمو الأمم و القبائل و أهل المجد و الفضائل يرغبون في سماع أخبار من قبلهم و ينظرون في آثار من تقدمهم فما رأوا من حسن سيرة و جميل أحدوثة تحلوا به فكان لهم مذكرا و ما شاهدوه من تغير حال تجنبوه فكان لهم منبها و منذرا فقد قيل إن رجلا قال لسعيد بن مسيب إنني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منامي فقال له يا هذا إن الله تعالى بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بشيرا و نذيرا فمن كان على خير بشره و أمره بالزيادة و من كان على شر حذره و أمره بالتوبة و كانوا يصطنعون المعروف و يعلمون أن من اصطنعه ذكر به إذا انطوت الآثار و بشر بمكانه إذا درست الأخبار

و قيل : فعل المعروف يطيل في العمر قالوا و كيف قال بحسن الذكر و انتشار الصيت و بقاء الحديث .

قال بعضهم : : قلوب الرعية خزائن الملوك فما أودعوه فيها وجدوه فيها .

قيل : كان الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح موصوفا بالدين و العلم و الفضل و العفاف و العقل حكي أنه في بعض أيام وزارته أراد النزول في صيارة له فاجتمع عليه قوم يسألونه توقيعا لهم فقال إلى أن أرجع فقالوا و من لنا بأن ترجع فبكى و قال نبهتموني و استدعى دواة و وقع لهم قائما ثم حكى لأصحابه أن رجلا متظلما أمسك عمر بن عبد العزيز في طريقه فقال له ويحك ما رثيت لي من طول وقوفي و لم تمهلني إلى وقت آخر فقال يا أمير المؤمنين إن الخير سريع الذهاب و خشيت أن تفوتني بنفسك فبكى حتى اخضلت لحيته بالدموع و قضى حاجته .

و في حديث عمر : ثلاثة من الفواقر جار مقامه أن رأى حسنة دفنها و إن رأى سيئة أذاعها و امرأة إن دخلت عليها لبستك و إن غبت عنها لم تأمنها و إمام إن أحسنت لم يرض عنك و إن أسأت قتلك و في حديثه أيضا لا أوتى بأحد انتقص من سبل المسلمين إلى مثاباتهم شيئا إلا فعلت به كذا المثابات المنازل و إنما أراد من أقطع من طرق المسلمين شيئا و أدخله في داره .

و في الحديث : إذا صلى أحدكم فليلزم جبهته و أنفه الأرض حتى يخرج منها الرغم .

معناه : حتى يخضع و يذل .

و في حديث مسعر : أنه قرأ على عاصم فلحن فقال أرغلت أي صرت صبيا ترضع بعد ما مهرت القراءة يقال أرغل الصبي يرغل إذا أخذ ثدي الأم فرضعه بسرعة .

روي : أنه لما نزع معاوية بن يزيد بن معاوية نفسه من الخلافة قام خطيبا فقال أيها الناس ما أنا الراغب في التأمر عليكم و لا بالأمن لكراهتكم بل بلينا بكم و بليتم بنا إلا أن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى بالأمر منه في قديمه و سابقته علي بن أبي طالب (عليه السلام) و التحية و الإكرام فركب جدي منه ما تعلمون و ركبتم معه ما لا تجهلون حتى صار رهين عمله و ضجيع حفرته تجاوز الله عنه ثم صار الأمر إلى أبي و لقد كان خليقا أن لا يركب سيئة إذ كان غير خليق بالخلافة فركب ردعه و استحسن خطاه فقلت مدته و انقطعت آثاره و خمدت ناره و لقد إنسانا الحزن به الحزن عليه فإنا لله و إنا إليه راجعون ثم أخفت يترحم على أبيه ثم قال و صرت أنا الثالث من القوم الزاهد فيما لدي أكثر من الراغب و ما كنت لأتحمل آثامكم شأنكم و أمركم خذوه و من شئتم ولايته فولوه قال فقام إليه مروان بن الحكم فقال يا أبا ليلى سنة عمر سيئة فقال له يا مروان أ تخدعني عن ديني ائتني برجال كرجال عمر اجعلها بينهم شورى ثم قال و الله إن كانت الخلافة مغنما لقد أصبنا منها حظا و لئن كانت شرا فحسب آل أبي سفيان ما أصابوا منها ثم نزل فقالت له أمه ليتك كنت حيضة فقال و أنا وددت ذلك و لم أعلم أن لله نارا يعذب بها من عصاه و أخذ غير حقه .

إذا أراد الله أن يزيل عن عبد نعمة كان أول ما يغير منه عقله .

العقل علوم مخصوصة يمكن مع حصولها بكمالها اكتساب العلوم بالنظر و إن شئت قلت علوم ضرورية بكمالها تصير إحدى شرائط حسن التكليف و هي خمسة أولها العلم بالمشاهدات و هو الأصل و الثاني العلم بان الموجود لا يخلو من قدم أو حدوث و الثالث العلم بأن الجسم لا يجوز أن يكون في مكانين و أن الأجسام الكثيرة لا يصح كونها في مكان واحد و الرابع العلم بحسن الإحسان إذا خلا من ضرر أو غيره و العلم بوجوب شكر المنعم مع السلامة و وجوب الإنصاف و ترك الظلم و ما أشبه ذلك و الخامس العلم بأن تصرف الواحد منا الواقع بحسب قصده و دواعيه متعلق به و أنه يفارق ما تعلق به البتة و لذلك لم نر أحدا من العقلاء يشك في ذلك من نفسه أو من غيره إذا عرف أحواله و إن شئت قلت كمال العقل هو أن يفعل الله تعالى في العبد خمس علوم ضروريات أولها العلم بالمشاهدات و هو الأصل و غيره فرع عليه الثاني العلم بالتفرقة بين مختلفاتها و متفقاتها و الثالث العلم بحمل المعاني و الرابع العلم بقبح القبيح و حسن الحسن و الخامس العلم بكيفية امتحان أحوال المشاهدات و المنصوص عليها و من الناس من جعل ذلك عشرة و تفصيله يرجع إلى ما قلناه و ذلك أنه قال الأول العلم بحسن بعض المحسنات كالعلم بحسن التفضل و الإنعام على الغير و اجتلاب المنافع التي لا تضر بأحد و لا مضرة عليه فيها يؤتى عليها و إرشاد الضال إلى الطريق و الثاني العلم بوجوب بعض الواجبات كرد الوديعة و شكر المنعم و التحرز من المضار المعلومة و المظنونة و إن لم يمكن التحرز منها إلا بمضرة ما لم تكن المضرة المحترز بها أعظم من المحترز منها و الثالث العلم بقبح بعض المقبحات كالظلم و الكذب و غيرهما و الرابع العلم ببعض الملموسات و الخامس العلم ببعض التجارب و السادس العلم بالمدركات مع زوال اللبس كالعلم بالمشاهدات و المسموعات و سائر المدركات كالآلام و غيرها مع ارتفاع اللبس و السابع العلم بأصول الأدلة كالعلم بأن الموجود لا يخلو إما أن يكون قديما أو محدثا و كالعلم بأن الكتابة متعلقة بالكاتب و البناء متعلق بالباني و كالعلم بالقبيل الذي يصح منه الفعل أن له قوة ذلك الفعل و إن عدم الأدلة فهذه كلها ضرورية لا بد من معرفتها فاعلم ذلك إن شاء الله تعالى .

لبعضهم :

يا أيها الرجل المعلم غيره *** أ لا لنفسك كان ذا التعليم

‏تصف الدواء لذي السقام *** و ذي الطنى كيما يصح به و أنت سقيم

‏و أراك تلقح بالرشاد قلوبنا *** وصفا و أنت من الرشاد عديم

‏فابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإن انتهت عنه فأنت حكيم

‏فهناك ينفع ما تقول و تهتدى *** بالقول منك و ينفع التعليم

‏لا تنه عن خلق و تأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

بعضهم :

و ذكره الحزم ريب الزمان *** فبادر بالعرف قبل الندم .

العجب لمن يمهد مضجعه لنوم ليلة كيف لا يمهده بالعمل الصالح لأزمنة طويلة .

لبعض الشعراء :

أ مأوى إن يصبح صداي بقفرة *** من الأرض لا ماء لدي و لا خمر

ترى أن ما أنفقت لم يك ضائري *** و إن يدي مما بخلت به صفر

أ مأوي ما يغني الثراء عن الفتى *** إذا حشرجت يوما و ضاق به الصدر

قال مالك بن دينار : و الله ما رأيت الحجاج يتكلم على المنبر و يذكر حسن صنيعه إلى أهل العراق و سوء صنيعهم إليه حتى ليخيل إلي و إلى السامع أنه صادق .

في تأويل قوله تعالى أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ قيل ما زالوا يتباهون بالكثرة و العزة حتى صاروا من أهل القبور

و قيل : في قوله تعالى لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ المعنى إنكم لو تحققتم و تيقنتم أنكم ترون الجحيم و إنكم إذا عصيتم و كفرتم عوقبتم لشغلكم ذلكم عن طلب التكاثر في الأموال و الدنيا .

قال إبراهيم بن عبد الله بن الحسن لأبيه ما شعر كثير عندي كما يصف الناس .

قال أبوه : إنك لم تضع كثيرا و إنما تضع بهذا نفسك .

كان الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان رضي الله عنه من أهل عكبراء من موضع يعرف بسويقة بن البصري و انحدر مع أبيه إلى بغداد و بدأ بقراءة العلم على أبي عبد الله المعروف بجعل بدرب رياح ثم قرأ من بعده على أبي ياسر غلام أبي الحبيش بباب خراسان ; فقال له أبو ياسر : لم لا تقرأ على علي بن عيسى الرماني الكلام و تستفيد منه .

فقال ما أعرفه و لا لي به أنس فأرسل معي من يدلني عليه .

قال : ففعل ذلك و أرسل معي من أوصلني إليه فدخلت عليه و المجلس غاص بأهله و قعدت حيث انتهى بي المجلس و كلما خف الناس قربت منه .

فدخل إليه داخل , فقال : بالباب إنسان يؤثر الحضور بمجلسك و هو من أهل البصرة .

فقال : أ هو من أهل العلم ?

فقال : غلام لا أعلم إلا أنه يؤثر الحضور بمجلسك .

فأذن له ; فدخل عليه فأكرمه و طال الحديث بينهما .

فقال الرجل لعلي بن عيسى ما تقول في يوم الغدير و الغار ?

فقال : أما خبر الغار فدراية و أما خبر الغدير فرواية ; و الرواية لا توجب ما توجب الدراية .

قال : فانصرف البصري و لم يجر جوابا يورد إليه .

قال المفيد رضي الله عنه ; فتقدمت فقلت : أيها الشيخ مسألة :

فقال : هات مسألتك .

فقلت : ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل ?

فقال : يكون كافرا ; ثم استدرك فقال : فاسقا .

فقلت : ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ?

فقال : إمام .

قلت : فما تقول في يوم الجمل و طلحة و الزبير ?

قال : تابا .

قلت : أما خبر الجمل فدراية , و أما خبر التوبة فرواية .

فقال لي : أ كنت حاضرا و قد سألني البصري ?

فقلت : نعم .

قال : رواية برواية , و دراية بدراية .

قال : بمن تعرف و على من تقرأ ?

قلت : أعرف بابن المعلم , و أقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعلي .

فقال : موضعك ; و دخل منزله و خرج و معه رقعة قد كتبها و ألصقها و قال لي : أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله .

فجئت بها إليه ; فقرأها و لم يزل يضحك هو و نفسه , ثم قال لي : أي شي‏ء جرى لك في مجلسه فقد وصاني بك و لقبك المفيد .

فذكرت له المجلس بقصته فتبسم .

وجدت في كتاب مجموع لمحمد بن عبيد الله بن صدقة يروي عن والده قال حدثنا والدي ابن صدقة قال حدثنا الشيخ أبو عبد الله الحسين بن علي قال حدثنا أبو موسى عيسى بن مهران المعروف بالمستعطف قال حدثني بشر بن عبد الوهاب الكرماني قال حدثنا عبد الله بن موسى عن حامد بن العلاء عن جميل بن أبي ثابت قال : قال المقداد بن أسود أدخلوني معكم في الشورى قالوا لا قال فاجعلوني قريبا منكم فأبوا قال فإذا أبيتم فلا تبايعوا رجلا لم يشهد بدرا و لا بيعة الرضوان و انهزم يوم أحد فقال عثمان لئن وليت لأردنك إلى مولاك الأول فلما مات المقداد رضي الله عنه قام عثمان على قبره فقال إن كنت و إن كنت و أثنى خيرا فقال الزبير .

لأعرفنك بعد الموت تندبني *** و في حياتي ما زودتني زادا

فقال عثمان تسقبلني بمثل هذا يا زبير فقال الزبير ما كنت أحب أن يموت مثل هذا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو عليك ساخط .

عن بعضهم أنه كان مريضا فأنشد يقول :

يؤد بأن يمشى مريضا لعلها *** إذا سمعت عنها بشكوى تراسله

‏و يهتز للمعروف في طلب العلى *** ليذكر يوما عند سلمى شمائله

حدثني السيد الأجل الشريف أبو الحسن علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني قال حدثني علي بن نما قال حدثني أبو محمد الحسن بن علي بن حمزة الأقساني في دار الشريف علي بن جعفر بن علي المدائني العلوي قال : كان بالكوفة شيخ قصار و كان موسوما بالزهد منخرطا في سلك السياحة متبتلا للعبادة مقتفيا للآثار الصالحة فاتفق يوما أنني كنت بمجلس والدي و كان هذا الشيخ يحدثه و هو مقبل عليه قال كنت ذات ليلة بمسجد جعفي و هو مسجد قديم و قد انتصف الليل و أنا بمفردي فيه للخلوة و العبادة فإذا أقبل على ثلاثة أشخاص فدخلوا المسجد فلما توسطوا صرحته جلس أحدهم ثم مسح الأرض بيده يمنة و يسرة فحصحص الماء و نبع فأسبغ الوضوء منه ثم أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء فتوضئا ثم تقدم فصلى بهما إماما فصليت معهم مؤتما به فلما سلم و قضى صلاته بهرني حاله و استعظمت فعله من إنباع الماء فسألت الشخص الذي كان منهما إلى يميني عن الرجل فقلت له من هذا ?

فقال لي : هذا صاحب الأمر ولد الحسن (عليه السلام) .

فدنوت منه و قبلت يديه و قلت له يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو على الحق ?

فقال : لا , و ربما اهتدى إلا أنه ما يموت حتى يراني .

فاستطرفنا هذا الحديث فمضت برهة طويلة فتوفي الشريف عمر و لم يشع أنه لقيه .

فلما اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن نادية أذكرته بالحكاية التي كان ذكرها و قلت له مثل الراد عليه أ ليس كنت ذكرت أن هذا الشريف عمر لا يموت حتى يرى صاحب الأمر الذي أشرت إليه ?

فقال لي : و من أين لك أنه لم يره ?

ثم إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة و تفاوضنا أحاديث والده فقال : إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي و هو في مرضه الذي مات فيه و قد سقطت قوته بواحدة و خفت موته و الأبواب مغلقة علينا إذ دخل علينا شخص هبناه و استطرفنا دخوله و ذهلنا عن سؤاله فجلس إلى جنب والدي و جعل يحدثه مليا و والدي يبكي ثم نهض فلما غاب عن أعيننا تحامل والدي و قال أجلسوني فأجلسناه و فتح عينيه و قال أين الشخص الذي كان عندي فقلنا خرج من حيث أتى فقال اطلبوه فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلقة و لم نجد له أثرا فعدنا إليه فأخبرناه بحاله و أنا لم نجده ثم إنا سألناه عنه فقال هذا صاحب الأمر ثم عاد إلى ثقله في المرض و أغمي عليه ... تم الحديث .

عبد العظيم يرفعه إلى محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال لمحمد بن مسلم : لا يغرنك الناس من نفسك فإن الأمر يصل إليك دونهم و لا يقطع النهار عنك كذا و كذا فإن معك من يحصي عليك و لا تستصغرن حسنة تعملها فإنك تراها حيث تسرك و لا تستصغر سيئة تعملها فإنك تراها حيث تسوؤك و أحسن فإني لم أر شيئا قط أشد طلبا و لا أسرع دركا من حسنة لذنب قديم و ليس بتقوى الله طول عبادة و لكنما التقوى مجانبة الشبه .