في صفة المساءلة

ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه إليك من السؤال فتسأل عن القليل و الكثير و النقير و القطمير فبينما أنت في كرب القيامة و عرقها و شدة عظائمها إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماوات جسام عظام و أشخاص ضخام شداد أمروا أن يأخذوا بنواصي المجرمين إلى موقف العرض على الجبار .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن لله عز و جل ملكا ما بين شفري عينيه مسيرة مائة عام .

فما ظنك بنفسك إذا شاهدت مثل هذه الملائكة أرسلوا إليك ليأخذوك إلى مقام العرض و تراهم على عظم أشخاصهم منكرين لشدة اليوم مستشعرين بما بدا من غضب الجبار على عباده عند نزولهم لا يبقى نبي و لا صديق و لا صالح إلا و يخرون لأذقانهم خوفا من أن يكونوا هم المأخوذين فهذا حال المقربين فما ظنك بالعصاة المجرمين و عند ذلك يقوم الملائكة صفا محدقين بالخلائق من الجوانب و على جمعهم شعار الذل و الخضوع و هيبة الخوف و المهانة لشدة ذلك اليوم ثم تقبل الملائكة فينادون واحدا واحدا يا فلان ابن فلانة هلم إلى موقف العرض و عند ذلك ترتعد الفرائص و تضطرب الجوارح و تبهت العقول و يتمنى أقوام أن يذهب بهم إلى النار و لا تعرض قبائح أعمالهم على الجبار و لا ينكشف سترهم على ملإ الخلائق فعند ذلك يخرج النداء يا جبرئيل ائت بالنار فيجيئها جبرئيل فيقول لها يا جهنم أجيبي خالقك و مليكك فيصادفها جبرئيل على غيظها و غضبها فلم تلبث بعد النداء أن ثارت و فارت و زفرت إلى الخلائق و شهقت و سمع الخلائق تغيظها و زفيرها و انتهضت خزانها مبثوثة إلى الخلائق غضبا على من عصى الله تعالى و خالف أمره فاخطر ببالك و أحضر في قلبك حالةقلوب العباد و قد امتلأت فزعا و رعبا و تساقطوا جثيا على ركب و ولوا مدبرين و سقط بعضهم على الوجوه و ينادي الظالمون و العصاة بالويل و الثبور و نادى الصديقون نفسي نفسي فبينما هم كذلك إذ زفرت النار زفرتها الثانية فتضاعف خوفهم و تخاذلت قواهم و ظنوا أنهم مأخوذون ثم زفرت الثالثة فتساقط الخلائق بوجوههم و شخصوا بأبصارهم ينظرون من طرف خفي خاشع فانهضمت قلوب الظالمين فبلغت الحناجر كاظمين فينادى العبد فيقال له يا ابن آدم أ لم أكرمك و أسودك و أزوجك و أسخر لك الخيل و الإبل أ لم أنعم عليك بالشباب ففي ما ذا أبليته أ لم أمهل عليك في العمر ففي ما ذا أفنيته أ لم أرزقك المال ففي ما ذا أنفقته أ لم أكرمك بالعلم ففي ما ذا عملت فيما علمت فكيف ترى حياءك و خجلك و هو يعد عليك إنعامه و معاصيك و أياديه و مساويك و أنت قائم بقلب خافق محزون وجل و طرف خاشع ذليل و فؤاد منكسر و أعطيت كتابك الذي لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها فكم من فاحشة نسيتها فتذكر بها و كم من طاعة غفلت عن أوقاتها فانكشفت لك عن مساويها فكم لك من خجل و جبن فليت شعري بأي قدم تقف بين يديه و بأي لسان تجيب و بأي قلب تعقل ما تقول ثم تفكر في عظم جنايتك إذ ذكرت ذنوبك إذ يقول يا عبدي أ ما استحييت مني فبارزتني بالقبيح و استحييت من خلقي فأظهرت لهم الجميل أ كنت أهون عليك من عبادي و استخففت بنظري إليك فلم تكبرت و استعظمت غيري .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليقفن أحدكم بين يدي الله فيقول له أ لم أوتك مالا فيقول بلى أ لم أرسل إليك رسولا فيقول بلى ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتق أحدكم النار و لو بشق تمرة فإذا لم تجد فبكلمة طيبة ثم يقول يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ما عملت فيما علمت يا ابن آدم ما ذا أجبت الرسل يا ابن آدم أ لم أكن رقيبا عليك على عينيك و أنت تنظر بها ما لا يحل لك أ لم أكن رقيبا على أذنيك و هكذا يعد سائر الأعضاء .

قيل لا يزول قدم عبد بين يدي الله عز و جل حتى يسأله عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه و عن علمه ما عمل فيه و عن جسده فيما أبلاه و عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه فأعظم يا مسكين جنايتك عند ذلك على نفسك و بخطرك فإنك بين أن يقال لك قد تفضلت عليك بالغفران فعند ذلك يعظم سرورك و فرحك و يغبطك الأولون و الآخرون و إما أن يقال للملائكة خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه و عند ذلك لو بكت عليك السماوات و الأرض لكان ذلك جديرا لعظم مصيبتك و شدة حسرتك على ما فرطت من طاعة الله و على ما بعت به آخرتك من دنيا دنية لم تبق معك و اعلم أنه لا ينجو من هول ذلك اليوم إلا من حاسب في الدنيا نفسه و وزن فيها بميزان الشرع أعماله و أقواله و خطواته و لحظاته .

كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوها قبل أن توزنوا .

و إنما حسابه لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحا و يتدارك ما فرط من تقصير في فرائض الله و رد المظالم حبة بعد حبة و يستحل كل من تعرض له بلسانه و يده فيطيب قلوبهم حتى يموت و لم يبق عليه مظلمة و لا فريضة فهذا يدخل الجنة بلا حساب و إن مات قبل ذلك كان على أمر خطر من أهوال ذلك اليوم فتعوذ بالله من شر ذلك الموقف حين تتذكر ما أنذرك الله على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ كما اشتد فرحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس و تناولك أموالهم و ما أشد حسرتك في ذلك اليوم إذا وقف بك على بساط العدل و خوطبت بخاطب السياسة و أنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقا أو تظهر عذرا .

ثم انظر أيها الغافل بنفسه المغرور بما هو فيه من شواغل هذه الدنيا المشرفة على الانقضاء و الزوال دع التفكر فيما أنت مرتحل عنه و اصرف التفكر إلى موردك فإنك أخبرت بأن النار مورد للجميع قال الله تعالى وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا فأنت من الورود على يقين و من النجاة في شك فاستشعر في قلبك هول ذلك المورد فعساك تستعد للنجاة و تأمل في حال الخلائق و قد قاسوا من دواهي يوم القيامة ما قاسوا فبينما هم في كربها و أهوالها واقفين ينتظرون حقيقة إثباتها إذ أحاطت بالمجرمين ظلمات و أظلت عليهم بادرات و سمعوا لها زفيرا و جرجرة تفصح عن شدة الغيظ فعند ذلك أيقن المجرمون بالعطب و جثت الأمم على الركب حتى أشفق البراء من سوء المنقلب و خرج المنادي من الزبانية يا فلان المسوف نفسه بطول الأمل في الدنيا المضيع عمره في سوء العمل فيبادرونه بمقامع من حديد و يستقبلونه بعظائم التهديد و ينكسونه في دار ضيقة الأرجاء مظلمة المسالك مبهمة المهالك فعند ذلك يندمون على ما فرطوا في جنب الله يتأسفون فلا ينجيهم الندم و لا يغنيهم الأسف بل يكبون على وجوههم من فوقهم النار و من تحتهم النار فهم بين مقطعات النار و سرابيل القطران و يتحطمون في دركاتها و يضربون بين غواشيها تغلي بهم النار كغلي القدور ينادون بالويل و العويل و مهما دعوا بالثبور صب فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم و الجلود فمن كان من أهل الشفاعة أدركته .

لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرجون من النار بعد ما يصيرون حمما و فحما .

و من كان من أهل الخلود فالويل له بالعذاب الدائم المقيم نعوذ بالله من ذلك .

و اعلم أن تلك الدار التي عرفت غمومها و همومها تقابلها دار أخرى و هي الجنة فإن من بعد منها استقر لا محالة في الأخرى فاستثر الخوف في قلبك بطول الفكر في أحوال الجحيم و استثر الرجاء بطول الفكر في النعيم المقيم الموعود لأهل الإحسان و سق نفسك بسوط الخوف و قدمها بزمام الرجاء إلى الصراط المستقيم فبذلك تنال الملك العظيم و تسلم من العذاب الأليم فتفكر في أهل الجنة و في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك جالسين على منابر من الياقوت الأحمر في خيام من اللؤلؤ الرطب الأبيض فيها بسط من العبقري الأخضر متكئين على الأرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر و العسل محفوفة بالغلمان و الولدان مزينة بالحور العين من الخيرات الحسان كأنهنالياقوت و المرجان لم يطمثهن أنس قبلهم و لا جان يمشين في درجات الجنان إذا اختالت في مشيتها حمل أعطافها سبعون ألفا من الولدان عليها من طرائف الحرير الأبيض ما يتحير فيه الأبصار مكللا بالتيجان المرصعة باللؤلؤ و المرجان شكلات غنجات عطرات آمنات من الهرم و البؤس و مقصورات في قصور من الياقوت الأحمر ينبت في وسط روضات الجنان قاصرات الطرف عين ثم يطاف عليهم و عليهن بأكواب و أباريق و كأس من معين بيضاء لذة للشاربين .

و قيل إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء إذا مشت مشى عن يمينها و يسارها سبعون ألف وصيفة و هي تقول أين الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر .

و قال آخر : ترك الدنيا شديد و فوت الجنة أشد و ترك الدنيا مهر الآخرة.

و قال أيضا في طلب الدنيا ذل النفس فيا عجبا لمن يطلب الدنيا .

روى ابن بابويه عن محمد بن القاسم عن محمد بن علي الكوفي محمد بن خالد عن بعض رجاله عن داود الرقي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين ع أ لا أخبركم بالفقيه حقا قالوا بلى يا أمير المؤمنين قال من لم يقنط الناس من رحمة الله و لم يؤمنهم من عذاب الله و لم يرخص لهم في معاصي الله و لم يترك القرآن رغبة إلى غيره ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه .

بعضهم كن أكثر ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطل مالا بعضهم.

كنت في سفرة الغواية و الجهل *** مقيما فحان مني قدوم

‏بعد خمس و أربعين لقد ماطلت *** لو لا أن الغريم كريم

‏ تبت عن كل مأثم فعسى يمحى *** بهذا الحديث ذاك القديم

بعض الحكماء الذين وقفوا على تابوت الإسكندر : انظر إلى حلم النائم كيف انقضى و إلى سحاب الصيف كيف انجلى .

رابعة القيسية : ما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي يوم القيامة و لا رأيت الثلج إلا ذكرت تطاير الصحائف و لا رأيت الجراد إلا ذكرت الحشر .

جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عرف الله منع فاه من الكلام و بطنه من الطعام و عنا نفسه بالصيام و القيام .

قال نبي الله لجبرئيل (عليه السلام) : ما لي لم أر ميكائيل (عليه السلام) ضاحكا قط فقال ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار .

قيل إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك و لا نبي إلا خر ترتعد فرائصه حتى أن إبراهيم (عليه السلام) ليجثو على ركبتيه و يقول رب لا أسألك إلا نفسي .

الخدري عنه (عليه السلام) : لو ضرب بمقمع من مقامع الحديد الجبل لفت فعاد غبارا .

بعضهم إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار أنهم أعجزوا الرب و لكن إذا طفا بهم اللهب ارسبتهم في النار ثم خر مغشيا عليه ثم قال و دموعه تنحدر يا ابن آدم نفسك نفسك فإنما هي نفس واحدة إن نجت نجوت و إن هلكت لم ينفعك من نجا كل نعيم دون الجنة حقير و كل بلاء دون النار يسير .

بعضهم : لما خلقت النار طارت أفئدة الملائكة فلما خلقتم سكنت .

بحذف الإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها البله قال : قلت ما الأبله قال العاقل في الخير الغافل عن الشر الذي يصوم في كل شهر ثلاثة أيام .

عن الصادق (عليه السلام) قال : تسبيح فاطمة (عليه السلام) في كل يوم دبر كل فريضة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم .

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنه قال سيأتي في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا و لا يزهدون و يرغبون في الآخرة و لا يرغبون و ينهون عن الدخول على الولاة و لا ينتهون و يباعدون الفقراء و يقربون الأغنياء أولئك هم الجبارون أعداء الله.

و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : من صام يوم الشك فرارا بدينه فكأنما صام ألف يوم من أيام الآخرة غرا زهرا لا تشاكل أيام الدنيا .

قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : إني دعوت الله فلم أر الإجابة فقال لقد وصفت الله بغير صفاته و إن للدعاء أربع خصال إخلاص السريرة و إحضار النية و معرفة الوسيلة و الإنصاف في المسألة فهل دعوت و أنت عارف بهذه الأربعة قال لا قال فاعرفهن .

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : قال ألا و إن للصلاة حدا كمضراب الجزار متى تعدى المفصل كسر .

مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ليس أن تتهم من ائتمنته و لا تأمن الخائن و قد جربته .

و عن أبي جميلة عن أبي جعفر (عليه السلام) : من عرف من عبد من عبيد الله كذبا إذا حدث و خيانة إذا اؤتمن ثم ائتمنه على أمانة الله كان حقا على الله عز و جل أن يبتليه فيها ثم لا يخلف عليه و لا يأجره .

و كان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخنك الأمين و لكن ائتمنت الخائن.

قوله فَامْتَحِنُوهُنَّ كانت محنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهن أن يحلفهن بالله ما خرجت من بغض زوج و بالله ما خرجت رغبة من أرض و بالله ما خرجت التماس دنيا ما خرجت إلا حبا لله و لرسوله .

قال بعضهم العقل هو العلم الأول الذي يزجر عن قبيح الفعل و كل من كان زاجره أقوى كان أعقل .

و قيل العقل قوة في القلب رادعة عن قبيح الفعل .

و قيل العقل معرفة يفصل بها بين القبيح و الحسن و الفرق بين العقل و العلم أن العقل قد يكمل لمن فقد بعض العلوم و لا يكمل العلم لمن فقد بعض عقله و لا يفقد من كمل عقله العلم بأن هذه الرمانة حلوة أو حامضة .

قوله سبحانه وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ فالصبر هو منع النفس عن محابها و كفها عن هواها و هو خلق محمود أمر الله تعالى به و دل عليه و هو الصبر على طاعته و اجتناب معصيته و وجه الاستعانة بالصلاة لمكان ما فيها من تلاوة القرآن و الدعاء و الخضوع لله و الإخبات فإن ذلك معونة على ما يتنازع إليه النفس من حب الرئاسة و الأنفة من الانقياد للطاعة .

و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أحزنه أمر استعان بالصوم و الصلاة .

عن عمار السجستاني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبي جعفر (عليه السلام) : لا خير في الكسل إذا كسل الرجل أن يتم ركوعه و طهوره فليس فيه خير لأمر آخرته و إذا كسل عما يصلحه بمعيشة دنياه فليس فيه خير لأمر دنياه .

عن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الفقر خير للمؤمن من الغنى إلا من حمل كلا أو أعطى في نائبة.

و روي عن الصادق ع أنه قال لبعض تلامذته : أي شي‏ء تعلمت مني قال له يا مولاي ثمان مسائل قال له (عليه السلام) قصها على لأعرفها قال الأولى رأيت كل محبوب يفارق عند الموت حبيبه فصرفت همتي إلى ما لا يفارقني بل يؤنسني في وحدتي و هو فعل الخير فقال أحسنت و الله الثانية قال رأيت قوما يفخرون بالحسب و آخرين بالمال و الولد و إذا ذلك لا فخر و رأيت الفخر العظيم في قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ فاجتهدت أن أكون عنده كريما قال أحسنت و الله الثالثة قال رأيت لهو الناس و طربهم و سمعت قوله تعالى وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى فاجتهدت في صرف الهوى عن نفسي حتى استقرت على طاعة الله تعالى قال أحسنت و الله الرابعة قال رأيت كل من وجد شيئا يكرم عنده اجتهد في حفظه و سمعت قوله سبحانه مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فأحببت المضاعفة و لم أر أحفظ مما يكون عنده فكلما وجدت شيئا يكرم عندي وجهت به إليه ليكون لي ذخرا إلى وقت حاجتي إليه قال أحسنت و الله الخامسة قال رأيت حسد الناس بعضهم للبعض في الرزق و سمعت قوله تعالى نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ فما حسدت أحدا و لا أسفت على ما فاتني قال أحسنت و الله السادسة قال رأيت عداوة بعضهم لبعض في دار الدنيا و الحزازات التي في صدورهم و سمعت قول الله تعالى إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا فاشتغلت بعداوة الشيطان عن عداوة غيره قال أحسنت و الله السابعة قال رأيت كدح الناس و اجتهادهم في طلب الرزق و سمعت قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ فعلمت أن وعده و قوله صدق فسكنت إلى وعده و رضيت بقوله و اشتغلت بما له علي عما لي عنده قال أحسنت و الله الثامنة قال رأيت قوما يتكلون على صحة أبدانهم و قوما على كثرة أموالهم و قوما على خلق مثلهم و سمعت قوله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ فاتكلت على الله و زال اتكالي على غيره فقال له و الله إن التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان و سائر الكتب ترجع إلى هذه الثمان المسائل .