ذكرى استشهاد مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) في التاسع من ذي الحجّة

مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) 

 

اسمه وكنيته ونسبه :

 

السيّد أبو عبد الله ، مسلم بن عقيل بن أبي طالب .

 

ولادته:

 

ولد مسلم عام 22 هـ بالمدينة المنوّرة .

 

أُمّه:

 

السيّدة علية ، وهي جارية .

 

زوجته:

 

السيّدة رقية بنت الإمام علي ( عليه السلام ) .

 

مكانته:

 

كان مسلم ( عليه السلام ) من أجِلَّة بني هاشم ، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً ، وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يلقّبه بثقتي ، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة .

 

ولشجاعته اختاره عمُّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب صفّين ، ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .

 

إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتله:

 

قال الإمام علي ( عليه السلام ) لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً ) ؟

 

قال : ( أي والله إنّي لأحبّه حُبَّين ، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له ، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبّة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون ) .

 

ثمّ بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتّى جرت دموعه على صدره ، ثمّ قال : ( إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي ) (2) .

 

خروجه إلى الكوفة:

 

ارتأى الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يُرسل مندوباً عنه إلى الكوفة يهيّأ له الأجواء ، وينقل له واقع الأحداث ، ليستطيع أن يقرّر الموقف المناسب ، ولابدّ لهذا السفير من صفات تؤهلّه لهذه السفارة ، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، لما كان يتّصف به من الحكمة والشجاعة والإخلاص .

 

خرج مسلم ( عليه السلام ) من المدينة المنوّرة متوّجهاً إلى الكوفة في الخامس عشر من شهر رمضان 60 هـ ، ويصحبه قيس بن مسهر مع دليلان يدلاّنه الطريق .

 

حمله لرسالة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأهل الكوفة :

 

خرج مسلم ( عليه السلام ) من المدينة حاملاً رسالة الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى أهل الكوفة ، جاء فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين ، أمّا بعد : فإنّ فلاناً وفلاناً قدما عليّ بكتبكم ، وكانا آخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل ، لعلّ الله يجمعنا بك على الحق ، وإنّي باعث إليكم أخي ، وابن عمّي ، وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأته في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى ) (3) .

 

وصوله إلى الكوفة :

 

وصل مسلم ( عليه السلام ) الكوفة ، في الخامس من شوال 60 هـ ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وأقبلت الناس تختلف إليه ، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة ، قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهم يبكون ، وبايعه الناس ، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً .

 

كتابه إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) :

 

كتب مسلم ( عليه السلام ) كتاباً من الكوفة إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، جاء فيه : ( أمّا بعد ، فإن الرائد لا يكذب أهله ، وأن جميع أهل الكوفة معك ، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا ، والسلام ) (4) .

 

ما كتبه عملاء الحكم الأموي عن تحركه :

 

أرسل العملاء إلى يزيد رسائل تخبره عن مجيء مسلم ( عليه السلام ) منها : ( أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ، ينفّذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يَتَضَعَّف ) (5) .

 

إرسال ابن زياد إلى الكوفة :

 

كتب يزيد بن معاوية رسالة إلى واليه في البصرة ، عبيد الله بن زياد ، يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة ، ليسيطر على الوضع فيها ، ويقف أمام مسلم ( عليه السلام ) وتحرّكاته .

 

ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة ، أخذ يتهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد .

 

خروجه من دار المختار :

 

لمّا سمع مسلم ( عليه السلام ) بوصول ابن زياد ، وما توعّد به ، خرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة ليستقر بها ، ولكن جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه ، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه .

 

إعلانه الثورة على ابن زياد :

 

لمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم ، أمر ( عليه السلام ) أن ينادى في الناس : ( يا منصور أمت ) ، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة .

 

فلمّا رأى ابن زياد ذلك ، دعا جماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ، ويخذلوا الناس عن مسلم ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام .

 

فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى مسلم وحيداً ، ليس معه أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى على وجهه في أزقة الكوفة ، حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها : طوعة ، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها ، فسلّم عليها وقال : يا أمة الله أسقيني ماء ، فسقته وجلس .

 

فقالت : يا عبد الله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك في أجر ومعروف ، ولعلّي أكافئك بعد اليوم ؟ فقالت : ومن أنت ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، فأدخلته إلى دارها .

 

مقاتلته لجيش ابن زياد :

 

وفي الصباح عرف ابن زياد مكان مسلم ( عليه السلام ) ، فأرسل جماعة لإلقاء القبض عليه ، ولكن مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال ، وهو يقول :

 

أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا ** إنّي رأيت الموت شيئاً نكرا

 

كلّ امرئ يوماً ملاق شرّا ** أخاف أن أكذب أو أغرا

 

حتّى أثخن بالجراحات ، فألقوا عليه القبض ، وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد .

 

دخوله على ابن زياد :

 

أُدخل مسلم ( عليه السلام ) على ابن زياد ، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلاً ، ومسلم ( عليه السلام ) لا يكلّمه .

 

ثمّ قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ، ثمّ أتبعوه جسده ، فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله ، ومسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبي وآله ويقول : ( اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا ) .

 

ثمّ أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقتل ، وجرّت جثتا مسلم وهاني بحبلين في الأسواق .

 

شهادته :

 

استشهد مسلم ( عليه السلام ) في التاسع من ذي الحجّة 60 هـ ، ودفن في الكوفة ، وقبره معروف يزار .

ـــــــــ

2ـ الأمالي للشيخ الصدوق : 191 .

 

3ـ الإرشاد 2 / 39 .

 

4ـ مثير الأحزان : 21 .

 

5ـ الإرشاد 2 / 42 .

 

6ـ مثير الأحزان : 26 .