aa

الحاجة الى الحجة

عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (ع) أنه قال للزنديق الذي سأله: من أين أثبت الانبياء والرسل؟ قال: إنه لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفى تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه عز وجل، وهم الانبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شئ من أحوالهم مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والانبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته.

--------------

الكافي ج 1 ص 168, علل الشرائع ج 1 ص 120, الوافي ج 2 ص 21, الفصول المهمة ج 1 ص 381, إثبات الهداة ج 1 ص 99, هداية الأمة ج 1 ص 11, التوحيد ص 249 نحوه, الإحتجاج ج 2 ص 337 نحوه, بحار الأنوار ج 11 ص 29 نحوه, العوالم ج 20 ص 531 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله, قال: صدقت, قلت: إن من عرف أن له ربا فقد ينبغي له أن يعرف أن لذلك الرب رضا وسخطا, وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول, فمن لم يأته الوحي فينبغي له أن يطلب الرسل, فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة وأن لهم الطاعة المفترضة, فقلت للناس: أليس تعلمون أن رسول الله (ص) كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى, قلت: فحين مضى (ص) من كان الحجة؟ قالوا: القرآن, فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته, فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم, فما قال فيه‏ من شي‏ء كان حقا, فقلت لهم: من قيم القرآن؟ قالوا: ابن مسعود قد كان يعلم, وعمر يعلم, وحذيفة يعلم, قلت: كله؟ قالوا: لا, فلم أجد أحدا يقال إنه يعلم القرآن كله إلا عليا (ع), وإذا كان الشي‏ء بين القوم فقال هذا: لا أدري, وقال هذا: لا أدري, وقال هذا: لا أدري, وقال هذا (ع): أنا أدري, فأشهد أن عليا (ع) كان قيم القرآن, وكانت طاعته مفترضة وكان الحجة على الناس بعد رسول الله (ص), وأن ما قال في القرآن فهو حق, فقال: رحمك الله, فقلت: إن عليا (ع): لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله (ص), وأن الحجة بعد علي: الحسن بن علي (ع), وأشهد على الحسن (ع) أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه وجده, وأن الحجة بعد الحسن: الحسين (ع), وكانت طاعته مفترضة, فقال: رحمك الله, فقبلت رأسه وقلت: وأشهد على الحسين (ع) أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده: علي بن الحسين (ع), وكانت طاعته مفترضة, فقال: رحمك الله, فقبلت رأسه وقلت: وأشهد على علي بن الحسين (ع) أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده: محمد بن علي أبا جعفر (ع), وكانت طاعته مفترضة, فقال: رحمك الله, قلت: أعطني رأسك حتى أقبله, فضحك, قلت: أصلحك الله قد علمت أن أباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أبوه, وأشهد بالله أنك أنت الحجة وأن طاعتك مفترضة, فقال: كف رحمك الله, قلت: أعطني رأسك أقبله, فقبلت رأسه فضحك, وقال: سلني عما شئت فلا أنكرك بعد اليوم أبدا.

--------------

الكافي ج 1 ص 188, الوافي ج 2 ص 30, رجال الكشي ص 419, علل الشرائع ج 1 ص 192 نحوه, بحار الأنوار ج 23 ص 17 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله (ع) جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام ابن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله (ع): يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ فقال هشام: يا ابن رسول الله إني اجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله (ع): إذا أمرتكم بشئ فافعلوا. قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي, فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة, فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال: يا بني اي شي هذا من السؤال؟ وشئ تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي, فقال: يا بني سل وان كانت مسألتك حمقاء, قلت: اجبني فيه, قال لي: سل, قلت: الك عين؟ قال: نعم, قلت: فما تصنع بها؟ قال: ارى بها الالوان والاشخاص، قلت: فلك انف؟ قال: نعم, قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة, قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: فلك اذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح والحواس، قلت: أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته او ذاقته أو سمعته، ردته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك، قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان, فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه, ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟ قال: فسكت ولم يقل لي شيئا. ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة, قال: فأنت إذا هو، ثم ضمني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتى قمت، قال: فضحك أبو عبد الله (ع) وقال: يا هشام من علمك هذا؟ قلت: شئ أخذته منك وألفته، فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى (ع).

------------

الكافي ج 1 ص 169, الأمالي للصدوق ص 589, كمال الدين ج 1 ص 207, علل الشرائع ج 1 ص 193, الوافي ج 2 ص 22, بحار الأنوار ج 23 ص 6, تفسير نور الثقلين ج 3 ص 70, تفسير كنز الدقائق ج 7 ص 243, العوالم ج 21 ص 405, رجال الكشي ص 271, إثبات الهداة ج 1 ص 100 بعضه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبو عبد الله (ع): كلامك من كلام رسول الله (ص) أو من عندك؟ فقال: من كلام رسول الله (ص) ومن عندى, فقال أبو عبد الله (ع): فأنت إذا شريك رسول الله؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله (ص)؟ قال: لا، فالتفت أبو عبد الله (ع) الي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل ان يتكلم, ثم قال: يا يونس لوكنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيالها من حسرة، فقلت: جعلت فداك إنى سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لاصحاب الكلام يقولون، هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال أبو عبد الله (ع): إنما قلت: فويل لهم ان تركوا ما اقول وذهبوا إلى ما يريدون. ثم قال لى: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فادخله؟ قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام، وأدخلت الأحول (مؤمن الطاق) وكان يحسن الكلام, وادخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام، وأدخلت قيس بن الماصر وكان عندى أحسنهم كلاما، وكان قد تعلم الكلام من على بن الحسين (ع) فلما استقر بنا المجلس وكان أبو عبد الله (ع) قبل الحج يستقر أياما في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة, فال: فأخرج أبو عبد الله (ع) رأسه من فازته فاذا هو ببعير يخب, (1) فقال: هشام ورب الكعبة، قال: فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له. قال: فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه، قال: فوسع له أبو عبد الله (ع) وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ثم قال: يا حمران كلم الرجل، فكلمه فظهر عليه حمران، ثم قال: يا طاقى كلمه, فكلمه فظهر عليه الاحول، ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه، فتعارفا (2)، ثم قال أبو عبد الله (ع) لقيس الماصر: كلمه, فكلمه فأقبل أبو عبد الله (ع) يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي. فقال الشامي: كلم هذا الغلام - يعنى هشام بن الحكم - فقال: نعم فقال لهشام: يا غلام سلني في إمامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال: أقام لهم حجة ودليلا كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم قال: فمن هو؟ قال: رسول الله (ص)، قال هشام: فبعد رسول الله (ص)؟ قال: الكتاب والسنة، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا اياك؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عبد الله (ع) للشامي: ما لك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: ان الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه, وإن قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله (ع): سله تجده مليا. فقال الشامي: يا هذا من انظر للخلق أربهم أو انفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام: في وقت رسول الله (ص) أو الساعة؟ قال الشامي: في وقت رسول الله (ص) والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذى تشد اليه الرحال، ويخبرنا باخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جد، قال الشامي: فكيف لى أن اعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي: قطعت عذري فعلي السؤال. فقال أبو عبد الله (ع) يا شامي: اخبرك كيف كان سفرك؟ وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فاقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة، فقال ابو عبد الله (ع): بل آمنت بالله الساعة، إن الاسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون، فقال الشامي: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله (ص) وانك وصى الأوصياء. ثم التفت أبو عبد الله (ع) إلى حمران فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب, والتفت إلى هشام بن سالم فقال: تريد الأثر ولا تعرفه، ثم التفت إلى الأحول فقال: قياس رواغ، تكسر باطلا بباطل إلا ان باطلك اظهر، ثم التفت إلى قيس بن الماصر فقال: تتكلم واقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله (ص) أبعد ما تكون منه، تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، أنت والأحول قفازان حاذقان، قال يونس: فظننت والله انه يقول لهشام قريبا مما قال لهما، ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت, مثلك فليكلم الناس، فاتق الزلة، والشفاعة من ورائها ان شاء الله. (ع)

----------

(1) "الفازة:" الخيمة الصغيرة. "يخب:" ضرب من العدو

(2) لم يغلب أحدهما على الآخر

(3) الكافي ج 1 ص 171, الإحتجاج ج 2 ص 364, كشف الغمة ج 2 ص 173, مدينة المعاجز ج 5 ص 265, بحار الأنوار ج 23 ص 9, العوالم ج 20 ص 1100

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية