-

عن علي بن منصور، قال‏: قال لي هشام بن الحكم: كان بمصر زنديق‏ يبلغه‏ عن أبي عبد الله (ع) أشياء، فخرج إلى المدينة ليناظره، فلم يصادفه بها، وقيل له: إنه خارج بمكة، فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبد الله (ع)‏، فصادفنا ونحن مع أبي عبد الله (ع) في الطواف، وكان اسمه عبد الملك، وكنيته أبو عبد الله، فضرب كتفه كتف أبي عبد الله (ع)، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): ما اسمك؟ فقال‏ : اسمي عبد الملك، قال‏ : فما كنيتك؟ قال: كنيتي أبو عبد الله، فقال له أبو عبد الله (ع): فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض، أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك: عبد إله السماء، أم‏ عبد إله الأرض‏؟ قل ما شئت تخصم‏ . قال هشام بن الحكم: فقلت للزنديق: أما ترد عليه؟ قال: فقبح‏ قولي، فقال أبو عبد الله (ع): إذا فرغت من الطواف، فأتنا. فلما فرغ أبو عبد الله (ع)، أتاه الزنديق، فقعد بين يدي أبي عبد الله (ع) ونحن مجتمعون عنده، فقال أبو عبد الله (ع) للزنديق: أتعلم أن للأرض تحتا وفوقا؟ قال: نعم، قال: فدخلت تحتها؟ قال: لا، قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لاأدري، إلا أني أظن أن ليس تحتها شي‏ء، فقال أبو عبد الله (ع): فالظن‏ عجز لما لاتستيقن‏ . ثم قال أبو عبد الله (ع): أفصعدت السماء؟ قال: لا، قال: أفتدري‏ ما فيها؟ قال: لا، قال: عجبا لك‏ ! لم تبلغ المشرق، ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل الأرض، ولم تصعد السماء، ولم تجز هناك؛ فتعرف ما خلفهن‏ وأنت جاحد بما فيهن؟! وهل يجحد العاقل ما لايعرف؟. قال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك، فقال أبو عبد الله (ع): فأنت من ذلك في شك، فلعله هو، ولعله ليس هو. فقال الزنديق: ولعل ذلك‏، فقال أبو عبد الله (ع): أيها الرجل، ليس لمن لايعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل‏، يا أخا أهل مصر، تفهم عني‏ ؛ فإنا لانشك في الله أبدا، أما ترى الشمس والقمر، والليل والنهار يلجان‏ فلا يشتبهان‏، ويرجعان قد اضطرا، ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا، فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين، فلم لايصير الليل نهارا، والنهار ليلا؟ اضطرا- والله يا أخا أهل مصر- إلى دوامهما، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر. فقال الزنديق: صدقت. ثم قال أبو عبد الله (ع): يا أخا أهل مصر، إن الذي تذهبون إليه وتظنون‏ أنه الدهر، إن كان الدهر يذهب بهم، لم لايردهم؟ وإن كان يردهم، لم لايذهب بهم؟ القوم مضطرون يا أخا أهل مصر، لم السماء مرفوعة، والأرض موضوعة؟ لم لاتسقط السماء على الأرض؟ لم لاتنحدر الأرض فوق طباقها، ولا يتماسكان‏، ولا يتماسك من عليها؟. قال‏ الزنديق: أمسكهما الله ربهما وسيدهما. قال: فآمن الزنديق على يدي‏ أبي عبد الله (ع)، فقال له حمران: جعلت فداك، إن آمنت الزنادقة على يديك‏ فقد آمن‏ الكفار على يدي أبيك. فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد الله (ع): اجعلني من تلامذتك، فقال أبو عبد الله (ع): يا هشام بن الحكم، خذه إليك وعلمه‏  فعلمه هشام‏ ؛ فكان‏ معلم أهل الشام وأهل مصر الإيمان، وحسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله (ع).

-------------

الكافي ج 1 ص 72, الوافي ج 1 ص 309, التوحيد ص 293, الإحتجاج ج 2 ص 334, بحار الأنوار ج 3 ص 51, العوالم ج 20 ص 531

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أحمد بن محسن الميثمي‏، قال: كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي، قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق؟- وأومأ بيده إلى موضع الطواف- ما منهم أحد أوجب‏ له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس- يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد (ع)- فأما الباقون، فرعاع‏ وبهائم. فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت‏ هذا الاسم لهذا الشيخ‏ دون هؤلاء؟ قال‏ : لأني رأيت عنده ما لم أره عندهم، فقال له ابن أبي العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فيه منه، قال‏ : فقال له ابن المقفع: لاتفعل؛ فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك، فقال: ليس ذا رأيك، ولكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك‏ إياه‏ المحل الذي وصفت، فقال‏ ابن المقفع: أما إذا توهمت علي هذا، فقم إليه، وتحفظ ما استطعت من الزلل، ولا تثني‏ عنانك إلى استرسال‏ ؛ فيسلمك‏ إلى عقال‏، وسمه‏ ما لك أو عليك‏. قال: فقام ابن أبي العوجاء، وبقيت أنا وابن المقفع جالسين، فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء، قال: ويلك يا ابن المقفع، ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني‏ يتجسد إذا شاء ظاهرا، ويتروح إذا شاء باطنا، فهو هذا، فقال له: وكيف‏ ذلك‏؟ قال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري، ابتدأني، فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء- وهو على ما يقولون، يعني أهل الطواف- فقد سلموا وعطبتم‏، وإن يكن الأمر على ما تقولون‏ - وليس كما تقولون- فقد استويتم، وهم، فقلت له: يرحمك الله، وأي شي‏ء نقول؟ وأي شي‏ء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، فقال: و كيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا وعقابا، ويدينون بأن في السماء إلها، وأنها عمران، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد؟!. قال: فاغتنمتها منه، فقلت له: ما منعه- إن كان الأمر كما يقولون- أن يظهر لخلقه، ويدعوهم إلى عبادته حتى لايختلف منهم اثنان؟ ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه، كان أقرب إلى الإيمان به. فقال لي: ويلك، وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك؟! نشوءك‏ ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضعفك، وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد أناتك‏، وأناتك‏ بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك‏، وكراهتك‏ بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاءك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك‏ بما لم يكن في وهمك، وعزوب‏ ما أنت معتقده‏ عن‏ ذهنك. وما زال يعدد علي قدرته- التي هي في نفسي، التي لاأدفعها- حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه (1).

وفي حديث اخر زاد: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبد الله (ع)، فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه. فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): ما أعجب هذا! تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله!. فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم (ع): فما يمنعك من‏ الكلام؟ قال: إجلالا لك‏ ومهابة ما ينطلق‏ لساني بين يديك؛ فإني شاهدت العلماء، وناظرت المتكلمين، فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني‏ من هيبتك، قال: يكون ذلك، ولكن أفتح‏ عليك بسؤال وأقبل عليه، فقال له‏ : أمصنوع أنت، أو غير مصنوع؟ فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل‏ أنا غير مصنوع، فقال له العالم (ع): فصف لي: لو كنت مصنوعا، كيف كنت تكون؟ فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا، وولع‏ بخشبة كانت بين يديه وهو يقول: طويل عريض، عميق‏ قصير، متحرك ساكن، كل ذلك صفة خلقه‏، فقال له العالم (ع): فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها، فاجعل نفسك مصنوعا؛ لما تجد في نفسك مما يحدث من‏ هذه الأمور. فقال له عبد الكريم: سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): هبك‏ علمت أنك لم تسأل فيما مضى، فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد؟ على أنك يا عبد الكريم، نقضت قولك؛ لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء، فكيف قدمت وأخرت؟!. ثم قال: يا عبد الكريم، أزيدك وضوحا، أرأيت، لو كان معك كيس فيه جواهر، فقال لك قائل: هل‏ في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في‏ الكيس، فقال لك قائل‏ : صف لي الدينار، وكنت غير عالم بصفته، هل كان لك أن تنفي كون الدينار في‏ الكيس وأنت لاتعلم؟ قال: لا، فقال أبو عبد الله (ع): فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس، فلعل في العالم صنعة؛ من حيث‏ لاتعلم صفة الصنعة من غير الصنعة. فانقطع عبد الكريم، وأجاب إلى الإسلام بعض أصحابه، وبقي معه بعض. فعاد في اليوم الثالث، فقال: أقلب‏ السؤال؟ فقال له أبو عبد الله (ع): سل عما شئت، فقال‏ : ما الدليل على حدوث‏ الأجسام؟ فقال: إني‏ ما وجدت شيئا- صغيرا ولا كبيرا- إلا وإذا ضم إليه مثله، صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال من‏ الحالة الأولى‏، ولو كان قديما، ما زال ولا حال؛ لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده‏ بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الأزل‏ دخوله في القدم‏، ولن تجتمع‏ صفة الأزل والعدم، والحدوث والقدم‏ في شي‏ء واحد. فقال عبد الكريم: هبك علمت في جري الحالتين‏ والزمانين- على ما ذكرت- فاستدللت‏ بذلك على حدوثها، فلو بقيت الأشياء على صغرها، من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟ فقال العالم (ع): إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع‏، فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر، كان لاشي‏ء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره، ولكن أجيبك‏ من حيث قدرت‏ أن تلزمنا ونقول‏ : إن الأشياء لو دامت على صغرها، لكان في الوهم أنه متى ضم‏ شي‏ء إلى مثله، كان أكبر، وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم، كما أن في تغيره‏ دخوله في الحدث، ليس لك وراءه شي‏ء يا عبد الكريم. فانقطع وخزي‏. فلما كان من‏ العام القابل، التقى معه في الحرم، فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم (ع): هو أعمى من ذلك، لايسلم فلما بصر بالعالم (ع)، قال: سيدي‏ ومولاي، فقال له العالم (ع): ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد وسنة البلد، ولننظر ما الناس فيه من الجنون، والحلق، ورمي الحجارة، فقال له‏ العالم (ع): أنت بعد على عتوك‏ وضلالك يا عبد الكريم. فذهب‏ يتكلم، فقال له (ع): لا جدال في الحج ونفض رداءه من يده، وقال: إن يكن الأمر كما تقول- وليس كما تقول- نجونا ونجوت، وإن يكن الأمر كما نقول- وهو كما نقول‏ - نجونا وهلكت. فأقبل عبد الكريم على من معه، فقال: وجدت في قلبي حزازة فردوني، فردوه، فمات‏ لا رحمه الله‏. (2)

-------------

(1) الى هنا في التوحيد وبحار الأنوار

(2) الكافي ج 1 ص 74, الوافي ج 1 ص 314, العوالم ج 20 ص 521 التوحيد ص 125, بحار الأنوار ج 3 ص 42

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا (ع)، قال: دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسن (ع) وعنده جماعة، فقال أبو الحسن (ع): أيها الرجل، أرأيت، إن كان القول قولكم- وليس هو كما تقولون- ألسنا وإياكم شرعا سواء، لا يضرنا ما صلينا وصمنا، وزكينا وأقررنا؟ فسكت الرجل. ثم قال‏ أبو الحسن (ع): و إن كان القول قولنا- وهو قولنا- ألستم قد هلكتم ونجونا؟. فقال: رحمك الله، أوجدني‏ كيف هو؟ وأين هو؟ فقال: ويلك، إن الذي ذهبت إليه غلط؛ هو أين الأين بلا أين‏، وكيف الكيف بلا كيف، فلا يعرف‏ بالكيفوفية، ولا بأينونية، ولا يدرك بحاسة، ولا يقاس بشي‏ء. فقال الرجل: فإذا إنه لاشي‏ء إذا لم يدرك بحاسة من الحواس، فقال أبو الحسن (ع): ويلك، لما عجزت حواسك عن إدراكه، أنكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه، أيقنا أنه ربنا بخلاف شي‏ء من الأشياء. قال‏ الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال‏ أبو الحسن (ع): أخبرني متى لم يكن؛ فأخبرك متى كان؟ قال الرجل: فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن (ع)‏ : إني لما نظرت إلى جسدي، ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول‏، ودفع المكاره عنه، وجر المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به؛ مع ما أرى- من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح‏، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات‏ - علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا.

--------------

الكافي ج 1 ص 78, التوحيد ص 250, عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 131, الإحتجاج ج 2 ص 396, الوافي ج 1 ص 317, بحار الانوار ج 3 ص 36

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن محمد بن إسحاق، قال‏: إن عبد الله الديصاني‏ سأل هشام بن الحكم، فقال له‏ : ألك رب؟ فقال: بلى، قال: أقادر هو؟ قال: نعم، قادر قاهر، قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة، لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة، فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه. فركب هشام إلى أبي عبد الله (ع)، فاستأذن عليه، فأذن له، فقال له: يا ابن رسول الله، أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول‏ فيها إلا على الله وعليك، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): عما ذا سألك؟ فقال: قال‏ لي: كيت‏ وكيت، فقال أبو عبد الله (ع): يا هشام، كم حواسك؟ قال: خمس، قال: أيها أصغر؟ قال: الناظر، قال: و كم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها، فقال له: يا هشام، فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وبراري‏ وجبالا وأنهارا، فقال له أبو عبد الله (ع): إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لاتصغر الدنيا ولا تكبر البيضة. فأكب‏ هشام عليه‏، وقبل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول الله، وانصرف إلى منزله، وغدا عليه‏ الديصاني، فقال له‏ : يا هشام، إني جئتك مسلما، ولم أجئك متقاضيا للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضيا، فهاك‏ الجواب. فخرج الديصاني عنه‏ حتى أتى باب أبي عبد الله (ع)، فاستأذن عليه، فأذن له، فلما قعد، قال له‏ : يا جعفر بن محمد، دلني على معبودي، فقال له أبو عبد الله (ع): ما اسمك؟ فخرج عنه، ولم يخبره باسمه، فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنت قلت له: عبد الله، كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟ فقالوا له: عد إليه، وقل له: يدلك على معبودك، ولا يسألك عن اسمك. فرجع إليه، فقال‏ له: يا جعفر بن محمد، دلني على معبودي، ولا تسألني عن اسمي، فقال له أبو عبد الله (ع): اجلس وإذا غلام له‏ صغير، في كفه بيضة يلعب بها، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): ناولني يا غلام‏ البيضة، فناوله إياها، فقال له‏ أبو عبد الله (ع): يا ديصاني، هذا حصن مكنون‏، له‏ جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة، وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي‏ على حالها، لم يخرج منها خارج مصلح؛ فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد؛ فيخبر عن فسادها، لايدرى‏ للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق‏ عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبرا؟. قال‏ : فأطرق‏ مليا، ثم قال: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه‏.

-------------

الكافي ج 1 ص 79, التوحيد ص 122, الوافي ج 1 ص 319, بحار الأنوار ج 4 ص 140, العوالم ج 20 ص 566

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن هشام بن الحكم‏ في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله (ع) وكان من قول أبي عبد الله (ع): لا يخلو قولك: إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين، فلم لايدفع كل واحد منهما صاحبه، ويتفرد بالتدبير؟ وإن زعمت أن أحدهما قوي، والآخر ضعيف، ثبت أنه واحد كما نقول؛ للعجز الظاهر في الثاني. فإن قلت: إنهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة، أو مفترقين‏ من كل جهة، فلما رأينا الخلق منتظما، والفلك جاريا، والتدبير واحدا، والليل‏ والنهار والشمس والقمر، دل صحة الأمر والتدبير، وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد. ثم يلزمك- إن ادعيت اثنين- فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثا بينهما، قديما معهما، فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة، لزمك ما قلت‏ في الاثنين حتى يكون‏ بينهم فرجة، فيكونوا خمسة، ثم يتناهى‏ في العدد إلى ما لانهاية له في الكثرة. قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال‏ : فما الدليل عليه‏؟ فقال أبو عبد الله (ع): وجود الأفاعيل دلت‏ على أن‏ صانعا صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني، علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟ قال: فما هو؟ قال: شي‏ء بخلاف الأشياء؛ ارجع‏ بقولي‏ إلى إثبات معنى، وأنه شي‏ء بحقيقة الشيئية، غير أنه لاجسم ولا صورة، ولا يحس ولا يجس‏، ولا يدرك بالحواس الخمس، لاتدركه الأوهام‏، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان.

-----------

الكافي ج 1 ص 80, التوحيد ص 243, الوافي ج 1 ص 325, البرهان ج 3 ص 808, العوالم ج 20 ص 527, بحار الأنوار ج 10 ص 194

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي جعفر (ع)، قال: كفى لأولي الألباب بخلق الرب المسخر، وملك الرب القاهر، وجلال الرب الظاهر، ونور الرب الباهر، وبرهان الرب الصادق، وما أنطق به ألسن العباد، وما أرسل به الرسل، وما أنزل على العباد، دليلا على الرب عز وجل.

-----------

الكافي ج 1 ص 81, الوافي ج 1 ص 323

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية