احتجاجات أبي جعفر الجواد عليه السلام

تفسير القمي, محمد بن الحسن عن محمد بن عون النصيبي قال لما أراد المأمون أن يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسى (ع) ابنته أم الفضل اجتمع عليه أهل بيته الأدنين منه فقالوا يا أمير المؤمنين ننشدك الله أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه وتنزع عنا عزا قد ألبسنا الله فقد عرفت الأمر الذي بيننا وبين آل علي (ع) قديما وحديثا فقال المأمون اسكتوا فو الله لا قبلت من أحد منكم في أمره فقالوا يا أمير المؤمنين أ فتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله ولا يعرف فريضة من سنة ولا يميز بين الحق والباطل ولأبي جعفر (ع) يومئذ عشر سنين أو إحدى عشرة سنة فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف فرضا من سنة فقال لهم المأمون والله إنه أفقه منكم وأعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه وأحكامه وأقرأ لكتاب الله وأعلم بمحكمه ومتشابهه وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وتنزيله وتأويله منكم فاسألوه فإن كان الأمر كما قلتم قبلت منكم في أمره وإن كان كما قلت علمتم أن الرجل خير منكم فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم وأطمعوه في هدايا أن يحتال على أبي جعفر (ع) بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج فلما حضروا وحضر أبو جعفر (ع) قالوا يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له سأل أبا جعفر (ع) عن مسألة فقال المأمون يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه فقال يحيى يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا فقال أبو جعفر (ع) قتله في حل أو في حرم عالما أو جاهلا عمدا أو خطأ عبدا أو حرا صغيرا أو كبيرا مبدئا أو معيدا من ذوات الطير أو غيرها من صغار الصيد أو من كبارها مصرا عليها أو نادما بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا محرما للحج أو للعمرة قال فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس وكثر الناس تعجبا من جوابه ونشط المأمون فقال تخطب يا أبا جعفر فقال أبو جعفر (ع) نعم يا أمير المؤمنين فقال المأمون الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لعظمته وصلى الله على محمد عند ذكره وقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال {و أنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} ثم إن محمد بن علي ذكر أم الفضل بنت عبد الله وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم وقد زوجت فهل قبلت يا أبا جعفر فقال أبو جعفر (ع) نعم يا أمير المؤمنين قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق ثم أولم عليه المأمون وجاء الناس على مراتبهم في الخاص والعام قال فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاوباتهم فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة فيها نسائج من إبريسم مكان القلوس والسفينة مملوءة غالية فضمخوا لحى أهل الخاص بها ثم مدوها إلى دار العامة فطيبوهم فلما تفرق الناس قال المأمون يا أبا جعفر إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الأصناف التي ذكرت في قتل الصيد فقال أبو جعفر (ع) نعم يا أمير المؤمنين إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة وإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم وليس عليه قيمته لأنه ليس في الحرم وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لأنه في الحرم فإذا كان من الوحوش فعليه في حمار وحش بدنة وكذلك في النعامة فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما وإن كانت بقرة فعليه بقرة فإن لم يقدر فعليه إطعام ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام وإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره فإن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس وإن كان في عمرة ينحره بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا وكذلك إذا أصاب أرنبا فعليه شاة وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم أو يشتري به طعاما لحمام الحرم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم وكل ما أتى به المحرم بجهالة فلا شي‏ء عليه فيه إلا الصيد فإن عليه الفداء بجهالة كان أو بعلم بخطإ كان أو بعمد وكل ما أتى العبد فكفارته على صاحبه بمثل ما يلزم صاحبه وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي‏ء عليه فيه وإن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة وإن دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة والنادم عليه لا شي‏ء عليه بعد الفداء وإذا أصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شي‏ء عليه إلا أن يتعمده فإن تعمد بليل أو نهار فعليه الفداء والمحرم للحج ينحر الفداء بمنى حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة ينحر بمكة فأمر المأمون أن يكتب ذلك كله عن أبي جعفر (ع) قال ثم دعا أهل بيته الذين أنكروا تزويجه عليه فقال لهم هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب قالوا لا والله ولا القاضي ثم قال ويحكم أهل هذا البيت خلوا منكم ومن هذا الخلق أ وما علمتم أن رسول الله ص بايع الحسن والحسين (ع) وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلا غيرهما أ وما علمتم أن أباه عليا (ع) آمن بالنبي ص وهو ابن عشرة سنة وقبل الله ورسوله منه إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا رسول الله ص طفلا غيره إلى الإيمان أ وما علمتم أنها {ذرية بعضها من بعض} يجري لآخرهم مثل ما يجري لأولهم فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين كنت أنت أعلم به منا قال ثم أمر المأمون أن ينثر على أبي جعفر (ع) ثلاثة أطباق رقاع زعفران ومسك معجون بماء الورد جوفها رقاع على طبق رقاع عمالات والثاني ضياع طعمة لمن أخذها والثالث فيه بدر فأمر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء والذي عليه البدر على القواد ولم يزل مكرما لأبي جعفر (ع) أيام حياته حتى كان يؤثره على ولده

-----------------

بحار الانوار ج10 ص381, الاختصاص ص98, تفسير القمي ج1 ص182 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

تحف العقول, قال المأمون ليحيى بن أكثم اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا (ع) مسألة تقطعه فيها فقال يحيى يا أبا جعفر ما تقول في رجل نكح امرأة على زنا أ تحل له أن يتزوجها فقال (ع) يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه ثم يتزوج بها إن أراد فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا فانقطع يحيى فقال له أبو جعفر (ع) يا أبا محمد ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة وحلت له ارتفاع النهار وحرمت عليه نصف النهار ثم حلت له الظهر ثم حرمت عليه العصر ثم حلت له المغرب ثم حرمت عليه نصف الليل ثم حلت له مع الفجر ثم حرمت عليه ارتفاع النهار ثم حلت له نصف النهار فبقي يحيى والفقهاء بلسا خرسا فقال المأمون يا أبا جعفر أعزك الله بين لنا هذا قال هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له فاشتراها فحلت له ثم أعتقها فحرمت عليه ثم تزوجها فحلت له فظاهر منها فحرمت عليه فكفر للظهار فحلت له ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه ثم راجعها فحلت له فارتد عن الإسلام فحرمت عليه فتاب ورجع إلى الإسلام فحلت له بالنكاح الأول كما أقر رسول الله ص نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الأول

----------------

وسائل الشيعة ج22 ص265, بحار الانوار ج10 ص385, تحف العقول ص454

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية