احتجاج رسول الله (ص) على المشركين والزنادقة وأهل الملل الباطلة

تفسير الإمام عليه السلام, قوله عز وجل {و قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال الإمام (ع) قال أمير المؤمنين (ع) {و قالوا} يعني اليهود والنصارى قالت اليهود {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا} أي يهوديا وقوله {أو نصارى} يعني وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا قال أمير المؤمنين (ع) وقد قال غيرهم قالت الدهرية الأشياء لا بدء لها وهي دائمة من خالفنا ضال مخطئ مضل وقالت الثنوية النور والظلمة هما المدبران من خالفنا فقد ضل وقالت مشركو العرب إن أوثاننا آلهة من خالفنا في هذا ضل فقال الله تعالى {تلك أمانيهم} التي يتمنونها {قل} لهم {هاتوا برهانكم} على مقالتكم{إن كنتم صادقين} وقال الصادق (ع) وقد ذكر عنده الجدال في الدين وإن رسول الله ص والأئمة (ع) قد نهوا عنه فقال الصادق (ع) لم ينه عنه مطلقا ولكنه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن أ ما تسمعون الله يقول {و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وقوله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول  {و قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} قال الله تعالى {تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}فجعل علم الصدق الإتيان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن قيل يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن قال أما الجدال الذي بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله ولكن تجحد قوله أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف ما ]من خ ل[ في يده حجة له على باطله وأما الضعفاء منكم فتعمى قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر الله تعالى به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياءه له فقال الله تعالى حاكيا عنه {و ضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم} فقال الله تعالى في الرد عليه {قل} يا محمد {يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فقال الله {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} أ فيعجز من ابتدأ به لا من شي‏ء أن يعيده بعد أن يبلى بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا} أي إذا كان قد كمن النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب ثم يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة من بلي أقدر ثم قال {أ وليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم} أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم  وقدركم أن يقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي قال الصادق (ع) فهذا الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبههم وأما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر وقال أبو محمد الحسن بن علي العسكري (ع) فقام إليه رجل آخر فقال يا ابن رسول الله أ فجادل رسول الله فقال الصادق (ع) مهما ظننت برسول الله ص من شي‏ء فلا تظنن به مخالفة الله أ ليس الله قد قال {و جادلهم بالتي هي أحسن} وقال{قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} لمن ضرب لله مثلا أ فتظن أن رسول الله ص خالف ما أمره الله به فلم يجادل ما أمر الله به ولم يخبر عن الله بما أمره أن يخبر به

 ولقد حدثني أبي الباقر عن جدي علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الحسين سيد الشهداء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين أنه اجتمع يوما عند رسول الله ص أهل خمسة أديان اليهود والنصارى والدهرية والثنوية ومشركو العرب فقالت اليهود نحن نقول عزير ابن الله وقد جئناك يا محمد لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك وقالت النصارى نحن نقول المسيح ابن الله اتحد به وقد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك وقالت الدهرية نحن نقول الأشياء لا بدء لها وهي دائمة وقد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك وقالت الثنوية نحن نقول إن النور والظلمة هما المدبران وقد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك  وقالت مشركو العرب نحن نقول إن أوثاننا آلهة وقد جئناك لننظر ما تقول فإن اتبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك وأفضل وإن خالفتنا خصمناك فقال رسول الله ص آمنت بالله وحده لا شريك له وكفرت بالجبت وبكل معبود سواه ثم قال لهم إن الله تعالى قد بعثني كافة للناس بشيرا ونذيرا حجة على العالمين وسيرد كيد من يكيد دينه في نحره ثم قال لليهود أ جئتموني لأقبل قولكم بغير حجة قالوا لا قال فما الذي دعاكم إلى القول بأن عزيرا ابن الله قالوا لأنه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه فقال رسول الله ص فكيف صار عزير ابن الله دون موسى وهو الذي جاءهم بالتوراة ورئي منه من المعجزات ما قد علمتم فإن كان عزير ابن الله لما أظهر من الكرامة بإحياء التوراة فلقد كان موسى بالبنوة أحق وأولى ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من البنوة وإن كنتم إنما تريدون بالبنوة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه من ولادة الأمهات الأولاد بوطي آبائهم لهن فقد كفرتم بالله وشبهتموه بخلقه وأوجبتم فيه صفات المحدثين ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا وأن يكون له خالق صنعه وابتدعه قالوا لسنا نعني هذا فإن هذا كفر كما ذكرت ولكنا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادة كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانته بالمنزلة عن غيره يا بني وإنه ابني لا على إثبات ولادته منه لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي لا نسب بينه وبينه وكذلك لما فعل الله بعزير ما فعل كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة فقال رسول الله ص فهذا ما قلته لكم إنه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فإن هذه المنزلة لموسى أولى وإن الله يفضح كل مبطل بإقراره ويقلب عليه حجته وأما ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكبر مما ذكرته لكم لأنكم قلتم إن عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه وبينه يا بني وهذا ابني لا على طريق الولادة فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبي آخر هذا أخي ولآخر هذا شيخي وأبي ولآخر هذا سيدي ويا سيدي على سبيل الإكرام وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول فإذا يجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا له أو أبا أو سيدا لأنه قد زاده في الإكرام مما لعزير كما أن من زاد رجلا في الإكرام قال له يا سيدي ويا شيخي ويا عمي ويا رئيسي على طريق الإكرام وإن من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول أ فيجوز عندكم أن يكون موسى أخا لله أو شيخا أو عما أو رئيسا أو سيدا أو أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له يا شيخي أو يا سيدي أو يا عمي أو يا أميري أو يا رئيسي قال فبهت القوم وتحيروا وقالوا يا محمد أجلنا نتفكر فيما قلته لنا فقال انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم الله ثم أقبل ص على النصارى فقال وأنتم قلتم إن القديم عز وجل اتحد بالمسيح ابنه فما الذي أردتموه بهذا القول أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو الله أو معنى قولكم إنه اتحد به أنه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه فإن أردتم أن القديم تعالى صار محدثا فقد أبطلتم لأن القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا وإن أردتم أن المحدث صار قديما فقد أحلتم لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما وإن أردتم أنه اتحد به بأن اختصه واصطفاه على سائر عباده فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله لأنه إذا كان عيسى محدثا وكان الله اتحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين وهذا  خلاف ما بدأتم تقولونه قال فقالت النصارى يا محمد إن الله تعالى لما أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة فقال لهم رسول الله ص قد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ثم أعاد ص ذلك كله فسكتوا إلا رجلا واحدا منهم قال له يا محمد أ ولستم تقولون إن إبراهيم خليل الله قال قد قلنا ذلك فقال إذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إن عيسى ابن الله فقال رسول الله ص إنهما لم يشتبها لأن قولنا إن إبراهيم خليل الله فإنما هو مشتق من الخلة أو الخلة فأما الخلة فإنما معناها الفقر والفاقة وقد كان خليلا إلى ربه فقيرا وإليه منقطعا وعن غيره متعففا معرضا مستغنيا وذلك لما أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث الله تعالى جبرئيل (ع) وقال له أدرك عبدي فجاءه فلقيه في الهواء فقال كلفني ما بدا لك فقد بعثني الله لنصرتك فقال بل حسبي الله ونعم الوكيل إني لا أسأل غيره ولا حاجة لي إلا إليه فسماه خليله أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمن سواه وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه أ لا ترون أنه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله وإن من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده لأن معنى الولادة قائم ثم إن وجب لأنه قال إبراهيم خليلي أن تقيسوا أنتم فتقولوا إن عيسى ابنه وجب أيضا أن تقولوا له ولموسى إنه ابنه فإن الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى فقولوا إن موسى أيضا ابنه وإنه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى أنه شيخه وسيده وعمه ورئيسه وأميره كما ذكرته لليهود فقال بعضهم لبعض وفي الكتب المنزلة أن عيسى قال أذهب إلى أبي فقال رسول الله ص فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون فإن فيه أذهب إلى أبي وأبيكم فقولوا إن جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء الله كما  كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه ثم إن ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم أن عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له لأنكم قلتم إنما قلنا إنه ابنه لأنه اختصه بما لم يختص به غيره وأنتم تعلمون أن الذي خص به عيسى لم يخص به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى أذهب إلى أبي وأبيكم فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى وأنتم إنما حكيتم لفظة عيسى وتأولتموها على غير وجهها لأنه إذا قال أبي وأبيكم فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه وما يدريكم لعله عنى أذهب إلى آدم أو إلى نوح أن الله يرفعني إليهم ويجمعني معهم وآدم أبي وأبيكم وكذلك نوح بل ما أراد غير هذا فسكتت النصارى وقالوا ما رأينا كاليوم مجادلا ولا مخاصما وسننظر في أمورنا ثم أقبل رسول الله ص على الدهرية فقال وأنتم فما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال فقالوا لأنا لا نحكم إلا بما نشاهد ولم نجد للأشياء محدثا فحكمنا بأنها لم تزل ولم نجد لها انقضاء وفناء فحكمنا بأنها لا تزال فقال رسول الله ص أ فوجدتم لها قدما أم وجدتم لها بقاء أبد الأبد فإن قلتم إنكم وجدتم ذلك أثبتم لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيأتكم وعقولكم بلا نهاية ولا تزالون كذلك ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذبكم العالمون الذين يشاهدونكم قالوا بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الأبد قال رسول الله ص فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما لأنكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولى من تارك التميز لها مثلكم فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع لأنه لم يشاهد لها  قدما ولا بقاء أبد الأبد أ ولستم تشاهدون الليل والنهار واحدهما بعد الآخر فقالوا نعم فقال أ فترونهما لم يزالا ولا يزالان فقالوا نعم قال أ فيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار فقالوا لا فقال (ع) فإذا ينقطع أحدهما عن الآخر فيسبق أحدهما ويكون الثاني جاريا بعده فقالوا كذلك هو فقال قد حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار ولم تشاهدوهما فلا تنكروا لله قدرة ثم قال (ع) أ تقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناه أم غير متناه فإن قلتم غير متناه فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوله وإن قلتم إنه متناه فقد كان ولا شي‏ء منهما قالوا نعم قال لهم أ قلتم إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به وبمعنى ما جحدتموه قالوا نعم قال رسول الله ص فهذا الذي نشاهده من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر لأنه لا قوام للبعض إلا بما يتصل به كما ترى البناء محتاجا بعض أجزائه إلى بعض وإلا لم يتسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما نرى قال فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون وما ذا كانت تكون صفته قال فصمتوا وعلموا أنهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم فوجموا وقالوا سننظر في أمرنا ثم أقبل رسول الله ص على الثنوية الذين قالوا النور والظلمة هما المدبران  فقال وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا فقالوا لأنا قد وجدنا العالم صنفين خيرا وشرا ووجدنا الخير ضدا للشر فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشي‏ء وضده بل لكل واحد منهما فاعل أ لا ترى أن الثلج محال أن يسخن كما أن النار محال أن تبرد فأثبتنا لذلك صانعين قديمين ظلمة ونورا فقال لهم رسول الله ص أ فلستم قد وجدتم سوادا وبياضا وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة وكل واحد ضد لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد كما كان الحر والبرد ضدين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد قالوا نعم قال فهلا أثبتم بعدد كل لون صانعا قديما ليكون فاعل كل ضد من هذه الألوان غير فاعل الضد الآخر قال فسكتوا ثم قال وكيف اختلط هذا النور والظلمة وهذا من طبعه الصعود وهذا من طبعه النزول أ رأيتم لو أن رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا يمشي إليه أ كان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما قالوا لا فقال وجب أن لا يختلط النور والظلمة لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما محال أن يمتزج بل هما مدبران جميعا مخلوقان فقالوا سننظر في أمورنا ثم أقبل على مشركي العرب وقال وأنتم فلم عبدتم الأصنام من دون الله فقالوا نتقرب بذلك إلى الله تعالى فقال أ وهي سامعة مطيعة لربها عابدة له حتى تتقربوا بتعظيمها إلى الله فقالوا لا قال فأنتم الذين نحتموها بأيديكم فلأن تعبدكم هي لو كان يجوز منها العبادة أحرى من أن تعبدوها إذا لم يكن أمركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم والحكيم فيما يكلفكم قال فلما قال رسول الله ص هذا اختلفوا فقال بعضهم إن الله قد حل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور فصورنا هذه الصور نعظمها لتعظيمنا تلك الصور التي حل فيها ربنا  وقال آخرون منهم إن هذه صور أقوام سلفوا كانوا مطيعين لله قبلنا فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيما لله وقال آخرون منهم إن الله لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا له تقربا إلى الله تعالى كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ]كعبة خ ل[ ففعلتم ثم نصبتم في ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم وقصدكم بالكعبة إلى الله عز وجل لا إليها فقال رسول الله ص أخطأتم الطريق وضللتم أما أنتم وهو يخاطب الذين قالوا إن الله يحل في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التي صورناها فصورنا هذه نعظمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حل فيها ربنا فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات أ ويحل ربكم في شي‏ء حتى يحيط به ذلك الشي‏ء فأي فرق بينه إذا وبين سائر ما يحل فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفته ولم صار هذا المحلول فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال وهو عز وجل كما لم يزل وإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال أما ما وصفتموه بالزوال والحدوث فصفوه بالفناء لأن ذلك أجمع من صفات الحال والمحلول فيه وجميع ذلك يغير الذات فإن كان لم يتغير ذات الباري عز وجل بحلوله في شي‏ء جاز أن لا يتغير بأن يتحرك ويسكن ويسود ويبيض ويحمر و يصفر وتحله الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثا عز الله تعالى عن ذلك ثم قال رسول الله ص فإذا بطل ما ظننتموه من أن الله يحل في شي‏ء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم قال فسكت القوم وقالوا سننظر في أمورنا ثم أقبل على الفريق الثاني فقال أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم له وصليتم فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين أ ما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي به عبده أ رأيتم ملكا أو عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أ يكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير فقالوا نعم قال أ فلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين قال فسكت القوم بعد أن قالوا سننظر في أمورنا ثم قال رسول الله ص للفريق الثالث لقد ضربتم لنا مثلا وشبهتمونا بأنفسكم ولا سواء وذلك لأنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا وننزجر عما زجرنا ونعبده من حيث يريده منا فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعد إلى غيره مما لم يأمرنا ولم يأذن لنا لأنا لا ندري لعله أراد منا الأول وهو يكره الثاني وقد نهانا أن نتقدم بين يديه فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا فلم نخرج في شي‏ء من ذلك عن اتباع أمره والله عز وجل حيث أمرنا بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به ثم قال لهم رسول الله ص أ رأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوما بعينه أ لكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره أو لكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه أو عبدا من  عبيده أو دابة من دوابه أ لكم أن تأخذوا ذلك فإن لم تأخذوه أخذتم آخر مثله قالوا لا لأنه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الأول قال فأخبروني الله أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين قالوا بل الله أولى بأن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه قال فلم فعلتم ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور قال فقال القوم سننظر في أمورنا وسكتوا وقال الصادق (ع) فو الذي بعثه بالحق نبيا ما أتت على جماعتهم إلا ثلاثة أيام حتى أتوا رسول الله ص فأسلموا وكانوا خمسة وعشرين رجلا من كل فرقة خمسة وقالوا ما رأينا مثل حجتك يا محمد نشهد أنك رسول الله ص وقال الصادق (ع) قال أمير المؤمنين (ع) فأنزل الله تعالى{الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فكان في هذه الآية ردا على ثلاثة أصناف منهم لما قال {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} فكان رد على الدهرية الذين قالوا الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ثم قال {و جعل الظلمات والنور} فكان ردا على الثنوية الذين قالوا إن النور والظلمة هما المدبران ثم قال {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا إن أوثاننا آلهة ثم أنزل الله تعالى {قل هو الله أحد} إلى آخرها فكان ردا على من ادعى من دون الله ضدا أو ندا قال فقال رسول الله ص لأصحابه قولوا {إياك نعبد} أي نعبد واحدا لا نقول كما قالت الدهرية إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا إن النور والظلمة هما المدبران ولا كما قال مشركو العرب إن أوثاننا آلهة فلا نشرك بك شيئا ولا ندعي من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى إن لك ولدا تعاليت عن ذلك قال فذلك قوله {و قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا قال الله يا محمد {تلك أمانيهم} التي يتمنونها بلا حجة {قل هاتوا برهانكم} وحجتكم على دعواكم {إن كنتم صادقين} كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها ثم قال {بلى من أسلم وجهه لله} يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله ص لما سمعوا براهينه وحججه {و هو محسن} في عمله لله {فله أجره} ثوابه {عند ربه} يوم فصل القضاء {و لا خوف عليهم} حين يخاف الكافرون ما يشاهدونه من العذاب {و لا هم يحزنون} عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم عند ذلك

------------------

بحار الانوار ج9 ص257, الاحتجاج ج1 ص21, تفسير الامام ج3 ص54 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

تفسير الإمام عليه السلام ، الإحتجاج بالإسناد إلى أبي محمد العسكري (ع) أنه قال قلت لأبي علي بن محمد (ع) هل كان رسول الله ص يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجهم قال بلى مرارا كثيرة منها ما حكى الله تعالى من قولهم{وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لو لا أنزل إليه ملك إلى قوله رجلا مسحورا وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله {كتابا نقرؤه} ثم قيل له في آخر ذلك لو كنت نبيا كموسى لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إليك لأن مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى قال وذلك أن رسول الله ص كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء الكعبة إذا اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري بن هشام وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي أمية المخزومي وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله ص في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه فقال المشركون بعضهم لبعض لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم فلعله أن ينزعه عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر قال أبو جهل فمن الذي يلي كلامه ومجادلته قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي  أنا إلى ذلك أ فما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيا قال أبو جهل بلى فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا زعمت أنك رسول رب العالمين وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا تأكل كما نأكل وتمشي في الأسواق كما نمشي فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال عظيم حال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم وهم عبيده ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد إلا مسحورا ولست بنبي فقال رسول الله ص هل بقي من كلامك شي‏ء قال بلى لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من فيما بيننا مالا وأحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وانبعثك به رسولا {على رجل من القريتين عظيم} إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف فقال رسول الله ص هل بقي من كلامك شي‏ء يا عبد الله فقال بلى {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} بمكة هذه فإنها ذات أحجار وعرة وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب} فتأكل منها وتطعمنا {فتفجر الأنهار خلالها} خلال تلك النخيل والأعناب {تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} فإنك قلت لنا {و إن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم} فلعلنا نقول ذلك ثم قال {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون {أو يكون لك بيت من زخرف} تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} ثم قال {أو ترقى  في السماء}أي تصعد في السماء {و لن نؤمن لرقيك} أي لصعودك {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي فصدقوه في مقاله فإنه من عندي ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا {إنما سكرت أبصارنا} أو سحرتنا فقال رسول الله ص يا عبد الله أ بقي شي‏ء من كلامك فقال يا محمد أ وليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ما بقي شي‏ء فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كانت لك حجة وأتنا بما سألناك فقال رسول الله ص اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شي‏ء تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه يا محمد {و قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} إلى قوله {رجلا مسحورا} ثم قال الله تعالى {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا} ثم قال يا محمد {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} وأنزل عليه يا محمد {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك} الآية وأنزل عليه يا محمد {و قالوا لو لا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} إلى قوله {و للبسنا عليهم ما يلبسون} فقال له رسول الله ص يا عبد الله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا فإنما الأمر لله {يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد} وهو محمود وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه بلم وكيف أ لا ترى أن الله كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا وأعز بعضا وأذل بعضا وأصح بعضا وأسقم بعضا وشرف بعضا ووضع بعضا وكلهم ممن يأكل الطعام ثم ليس للفقراء أن يقولوا لم أفقرتنا وأغنيتهم ولا للوضعاء أن يقولوا لم وضعتنا وشرفتهم لا للزمنى والضعفاء أن يقولوا لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ولا للأذلاء أن يقولوا لم أذللتنا وأعززتهم ولا لقباح الصور أن يقولوا لم أقبحتنا وجملتهم بل إن قالوا ذلك كانوا على ربهم رادين وله في أحكامه منازعين وبه كافرين ولكان جوابه لهم أنا الملك الخافض الرافع المغني المفقر المعز المذل المصحح المسقم وأنتم العبيد ليس لكم إلا التسليم لي والانقياد لحكمي فإن سلمتم كنتم عبادا مؤمنين وإن أبيتم كنتم بي كافرين وبعقوباتي من الهالكين ثم أنزل الله عليه يا محمد {قل إنما أنا بشر مثلكم} يعني آكل الطعام {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} يعني قل لهم أنا في البشرية مثلكم ولكن ربي خصني بالنبوة دونكم كما يخص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال دون بعض من البشر فلا تنكروا أن يخصني أيضا بالنبوة ثم قال رسول الله ص وأما قولك هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فإنهم عبيده فإن الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك وحسبانك ولا باقتراحك بل {يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد} وهو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد نفسه في ذلك آناء ليله ونهاره فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه عن الناس أ ليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ أ وما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون يا عبد الله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا وأسرا ثم يظفروني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم ثم قال رسول الله ص وأما قولك ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث لنا ملكا لا بشرا مثلنا فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكا بل هذا بشر لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي قد ألفتموه لتفهموا عنه مقالته وتعرفوا خطابه ومراده فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حق بل إنما بعث الله بشرا وأظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم يكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا أ لا ترون أن الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز لأن لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ولو أن آدميا طار كطيرانها كان ذلك معجزا فالله عز وجل سهل عليكم الأمر وجعله بحيث يقوم عليكم حجته وأنتم تقترحون علم الصعب الذي لا حجة فيه ثم قال رسول الله ص وأما قولك ما أنت إلا رجل مسحور فكيف أكون كذلك وقد تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم فهل جربتم علي منذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة خزية أو ذلة أو كذبة أو جناية أو خطأ من القول أو سفها من الرأي أ تظنون أن رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوته وذلك ما قال الله تعالى {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا} إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي يبين عليك التحصيل بطلانها ثم قال رسول الله ص وأما قولك {لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بالطائف فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ولا خطر له عنده كما له عندك بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء وليس قسمة رحمة الله إليك بل الله هو القاسم للرحمات والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه وليس هو عز وجل ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله وحاله فعرفته بالنبوة لذلك ولا ممن يطمع في أحد في ماله أو حاله كما تطمع فتخصه بالنبوة لذلك ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب فيقدم من لا يستحق التقديم وإنما معاملته بالعدل فلا يؤثر لأفضل مراتب الدين وخلاله إلا الأفضل في طاعته والأجد في خدمته وكذا لا يؤخر في مراتب  الدين وخلاله إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال بل هذا المال والحال من تفضله وليس لأحد من عباده عليه ضريبة لازمة فلا يقال له إذا تفضلت بالمال على عبد فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوة أيضا لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ولا إلزامه تفضلا لأنه تفضل قبله بنعمة أ لا ترى يا عبد الله كيف أغنى واحدا وقبح صورته وكيف حسن صورة واحد وأفقره وكيف شرف واحدا وأفقره وكيف أغنى واحدا ووضعه ثم ليس لهذا الغني أن يقول هلا أضيف إلى يساري جمال فلان ولا للجميل أن يقول هلا أضيف إلى جمالي مال فلان ولا للشريف أن يقول هلا أضيف إلى شرفي مال فلان ولا للوضيع أن يقول هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ويفعل كما يشاء وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله {و قالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} قال الله تعالى {أ هم يقسمون رحمت ربك} يا محمد {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} فأحوجنا بعضا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك وأحوج ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب إما سلعة معه ليست معه وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير الذي يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغني ثم قال {و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا} ثم قال يا محمد قل لهم {و رحمت ربك خير مما يجمعون} أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا ثم قال رسول الله ص وأما قولك {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى آخر ما قلته فإنك اقترحت على محمد رسول الله أشياء منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ورسول الله يرتفع أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها فإنما اقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم بما يقترحون ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عند ذلك محيد ولا محيص ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه وأما قولك يا عبد الله {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} بمكة هذه فإنها ذات حجارة وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله يا عبد الله أ رأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا قال لا قال أ رأيت الطائف التي لك فيها بساتين أ ما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها قال بلى قال وهل لك فيها في هذا نظراء قال بلى قال أ فصرت بذلك أنت وهم أنبياء قال لا قال فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد  لو فعله على نبوته فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس وأما قولك يا عبد الله {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب} فتأكل منها وتطعمنا وتفجر {الأنهار خلالها تفجيرا} أ وليس لأصحابك ولك جنات من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا أ فصرتم أنبياء بهذا قال لا قال فما بال اقتراحكم على رسول الله ص أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه بل لو تعاطاها لدل تعاطيها على كذبه لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا ثم قال رسول الله ص يا عبد الله وأما قولك {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} فإنك قلت{وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم} فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم فإنما تريد بهذا من رسول الله ص أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك لا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله وليس حجج الله لنبيه على حسب اقتراح عباده لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وبما لا يجوز من منه خ ل الفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعه والله لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال ثم قال رسول الله ص وهل رأيت يا عبد الله طيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه فأنتم المرضى والله طيبكم فإن أنفذتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم وبعد فمتى رأيت يا عبد الله مدعي حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب اقتراح المدعى عليه إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق ثم قال يا عبد الله وأما قولك {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} يقابلوننا ونعاينهم  فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به لأن ربنا عز وجل ليس كالمخلوقين يجي‏ء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به فقد سألتموه بهذا المحال وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد يا عبد الله أ وليس لك ضياع وجنات بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها قال بلى قال أ فتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك قال بسفراء قال أ رأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أمية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها كنت تسوغهم هذا أ وكان يجوز لهم عندك ذلك قال لا قال فما الذي يجب على سفرائك أ ليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم قال بلى قال يا عبد الله أ رأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك معي أ ليس يكون لك مخالفا وتقول له إنما أنت رسول لا مشير وآمر قال بلى قال فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ على أكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم على ربه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى أكرتك وقوامك هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبد الله وأما قولك يا عبد الله {أو يكون لك بيت من زخرف} وهو الذهب أ ما بلغك أن لعظيم مصر بيوتا من زخرف قال بلى قال أ فصار بذلك نبيا قال لا قال فكذلك لا توجب لمحمد لو كانت له نبوة ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله وأما قولك يا عبد الله {أو ترقى في السماء} ثم قلت {و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} يا عبد الله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها وإذا  اعترفت على نفسك أنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ثم قلت {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} ثم من بعد ذلك لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك فأنت يا عبد الله بأنك تعاند حجة الله عليك فلا دواء لك إلا تأديبه على يد أوليائه البشر أو ملائكته الزبانية وقد أنزل الله علي حكمة جامعة لبطلان كل ما اقترحته فقال تعالى {قل يا محمد سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} ما أبعد ربي عن أن يفعل الأشياء على ما تقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز و{هل كنت إلا بشرا رسولا} لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه فقال أبو جهل يا محمد هاهنا واحدة أ لست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لما سألوه أن يريهم الله جهرة قال بلى قال فلو كنت نبيا لاحترقنا نحن أيضا فقد سألنا أشد مما سأل قوم موسى لأنهم زعمت أنهم قالوا {أرنا الله جهرة} ونحن نقول لن نؤمن لك حتى {تأتي بالله والملائكة قبيلا} نعاينهم فقال رسول الله ص يا أبا جهل أ ما علمت قصة إبراهيم الخليل (ع) لما رفع في الملكوت وذلك قول ربي {و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين} قوى الله بصره لما رفعه دون السماء حتى أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ثم رأى آخرين فهم بالدعاء عليهما فأوحى الله إليه أن يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإني أنا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي وإمائي كما لا تنفعني طاعتهم ولست  أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي فإنما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة ولا مهيمن علي وعبادي معي بين خلال ثلاث إما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون فأرفق بالآباء الكافرين وأتأنى بالأمهات الكافرات وأرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم فإذا تزايلوا حق بهم عذابي وحاق بهم بلائي وإن لم يكن هذا ولا هذا فإن الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريده بهم فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي يا إبراهيم فخل بيني وبين عبادي فإني أرحم بهم منك وخل بيني وبين عبادي فإني أنا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي وأنفذ فيهم قضائي وقدري ثم قال رسول الله ص إن الله يا أبا جهل إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذرية طيبة عكرمة ابنك وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله فيه كان عند الله جليلا وإلا فالعذاب نازل عليك وكذلك سائر قريش السائلين لما سألوا من هذا إنما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد وينال به السعادة فهو لا يقتطعه عن تلك السعادة ولا يبخل بها عليه أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى السعادة ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافتكم فانظر نحو السماء فنظر إلى أكنافها وإذا أبوابها مفتحة وإذا النيران نازلة منها مسامتة لرءوس القوم تدنو منهم حتى وجدوا حرها بين أكتافهم فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة  فقال رسول الله ص ولا تروعنكم فإن الله لا يهلككم بها وإنما أظهرها عبرة لكم ثم نظروا وإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها فقال رسول الله ص بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد وبعضها أنوار ذرية طيبة ستخرج عن بعضكم ممن لا يؤمن وهم يؤمنون

-----------------

بحار الانوار ج9 ص269, الاحتجاج ج1 ص29, تفسير الامام العسكري (ع) ص500

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

الأمالي للشيخ الطوسي, المفيد قال أخبرني أبو محمد عبد الله بن أبي شيخ إجازة قال حدثنا أبو محمد بن أحمد الحكيمي قال أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعيد البصري قال حدثنا وهب بن جرير عن أبيه قال حدثنا محمد بن إسحاق بن بشار المدني قال حدثني سعيد بن مينا عن غير واحد من أصحابه أن نفرا من قريش اعترضوا الرسول ص منهم عتبة بن ربيعة وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة والعاص بن سعيد فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه فأنزل الله تبارك وتعالى{قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} إلى آخر السورة  ثم مشى أبي بن خلف بعظم رميم ففته في يده ثم نفخه وقال أ تزعم أن ربك يحيي هذا بعد ما ترى فأنزل الله تعالى{وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم} إلى آخر السورة

------------------

بحار الانوار ج9 ص280, الامالي للطوسي ص19, الامالي للمفيد ص246

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

الخرائج والجرائح, روي أن أعرابيا أتى النبي ص فقال إني أريد أن أسألك عن أشياء فلا تغضب قال سل عما بدا لك فإن كان عندي أجبتك وإلا سألت جبرئيل فقال أخبرنا عن الصليعاء وعن القريعاء وعن أول دم وقع على وجه الأرض وعن خير بقاع الأرض وعن شرها فقال يا أعرابي هذا ما سمعت به ولكن يأتيني جبرئيل فأسأله فهبط فقال هذه أسماء ما سمعت بها قط فعرج إلى السماء ثم هبط فقال أخبر الأعرابي أن الصليعاء هي المسباخ التي يزرعها أهلها فلا تنبت شيئا وأما القريعاء فالأرض التي يزرعها أهلها فتنبت هاهنا طاقة وهاهنا طاقة فلا يرجع إلى أهلها نفقاتهم وخير بقاع الأرض المساجد وشرها الأسواق وهي ميادين إبليس إليها يغدو وإن أول دم وقع على الأرض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم

---------------

بحار الانوار ج9 ص281, الخرائج والجرائح ج1 ص110 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

تفسير الإمام عليه السلام, {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور} قال الإمام لما بهرهم رسول الله ص بآياته وقد رد معاذيرهم بمعجزاته أبى بعضهم الإيمان واقترح عليه الاقتراحات الباطلة وهي ما قال الله تعالى {و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون  لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} وسائر ما ذكر في الآية فقال الله تعالى يا محمد {هل ينظرون} أي هل ينظر هؤلاء المكذبون بعد إيضاحنا لهم الآيات وقطعنا معاذيرهم بالمعجزات {إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} ويأتيهم الملائكة كما كانوا اقترحوا عليك اقتراحهم المحال في الدنيا في إتيان الله الذي لا يجوز عليه وإتيان الملائكة الذين لا يأتون إلا مع زوال هذا التعبد وحين وقوع هلاك الظالمين بظلمهم وهذا وقت التعبد لا وقت مجي‏ء الأملاك بالهلاك فهم في اقتراحهم لمجي‏ء الأملاك جاهلون {و قضي الأمر} أي هل ينظرون إلا مجي‏ء الملائكة فإذا جاءوا وكان ذلك قضي الأمر بهلاكهم {و إلى الله ترجع الأمور} فهو يتولى الحكم فيما يحكم بالعقاب على من عصاه ويوجب كريم المآب لمن أرضاه

 قال علي بن الحسين (ع) طلب هؤلاء الكفار الآيات ولم يقنعوا بما أتاهم به منها بما فيه الكفاية والبلاغ حتى قيل لهم {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله} أي إذا لم يقنعوا بالحجة الواضحة الدافعة فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله وذلك محال لأن الإتيان على الله لا يجوز

---------------

بحار الانوار ج9 ص281, تفسير الامام العسكري (ع) ص629

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

كنز الكراجكي، جاء في الحديث أن قوما أتوا رسول الله ص فقالوا له أ لست رسول الله قال لهم بلى قالوا له وهذا القرآن الذي أتيت به كلام الله قال نعم قالوا فأخبرني عن قوله {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} إذا كان معبودهم معهم في النار فقد عبدوا المسيح أ فتقول إنه في النار فقال لهم رسول الله ص إن الله سبحانه أنزل القرآن علي بكلام العرب والمتعارف في لغتها أن ما لما لا يعقل ومن لمن يعقل والذي يصلح لهما  جميعا فإن كنتم من العرب فأنتم تعلمون هذا قال الله تعالى {إنكم وما تعبدون} يريد الأصنام التي عبدوها وهي لا تعقل والمسيح (ع) لا يدخل في جملتها فإنه يعقل ولو كان قال إنكم ومن تعبدون لدخل المسيح في الجملة فقال القوم صدقت يا رسول الله

-------------

بحار الانوار ج9 ص282, كنز الفؤاد ج2 ص186

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية