احتجاجه على من نصب الخلافة منه

على أبو بكر و عمر:

حدثني أبو سعيد الوراق، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (ع)، قال: لما كان من أمر أبي بكر، وبيعة الناس له، وفعلهم بعلي بن أبي طالب (ع) ما كان، لم يزل أبو بكر يظهر له الإنبساط، ويرى منه (ع) انقباضا، فكبر ذلك على أبي بكر فأحب لقائه واستخراج ما عنده، والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه، وتقليدهم إياه أمر الأمة، وقلة رغبته في ذلك، وزهده فيه. أتاه في وقت غفلة، وطلب منه الخلوة. وقال له: والله يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاة مني، ولا رغبة فيما وقعت فيه، ولا حرصا عليه، ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة، ولا قوة لي بمال. ولا كثرة العشيرة، ولا ابتزاز له دون غيري‏ فما لك تضمر علي ما لا أستحقه منك، وتظهر لي الكراهة فيما صرت إليه، وتنظر إلي بعين السأمة مني؟ فقال له علي (ع): فما حملك عليه إذا لم ترغب فيه، ولا حرصت عليه، ولا وثقت بنفسك في القيام به وما يحتاج منك فيه؟! فقال أبو بكر: حديث سمعته من رسول الله (ص): «إن الله لا يجمع أمتي على ضلال»، ولما رأيت اجتماعهم‏ اتبعت حديث النبي (ص)، وأحلت أن يكون اجتماعهم‏ على خلاف الهدى، وأعطيتهم قود الإجابة، ولو علمت أن أحدا يتخلف لا متنعت. قال: فقال له أمير المؤمنين (ع): أما ما ذكرت من حديث النبي (ص): «إن الله لا يجمع أمتي على ضلال» أفكنت من الأمة أو لم أكن؟ قال: بلى قال: وكذلك العصابة الممتنعة عليك: من سلمان، وعمار، وأبي ذر، والمقداد، وابن عبادة، ومن معه من الأنصار؟ قال: كل من الأمة. فقال علي (ع): وكيف تحتج بحديث النبي (ص) وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك؟ وليس للأمة فيهم طعن، ولا في صحبة الرسول (ص) ونصيحته منهم تقصير، قال: ما علمت بتخلفهم إلا من بعد إبرام الأمر، وخفت إن دفعت‏ عني الأمر أن‏ يتفاقم‏ إلى أن يرجع الناس مرتدين عن الدين، وكان ممارستكم‏ إلي إن أجبتم أهون مؤنة على الدين وأبقى له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم. قال علي (ع): أجل، ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر بما يستحق‏؟ فقال أبو بكر: بالنصيحة والوفاء، ورفع المداهنة، والمحاباة، وحسن السيرة، وإظهار العدل، والعلم بالكتاب والسنة، وفصل الخطاب، مع الزهد في الدنيا، وقلة الرغبة فيها، وإنصاف المظلوم من الظالم، القريب والبعيد، ثم سكت. فقال علي (ع): والسابقة والقرابة. فقال أبو بكر: والسابقة والقرابة. فقال علي (ع): أنشدك بالله يا أبا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أوفي؟ قال: بل فيك يا أبا الحسن. قال: أنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله (ص) قبل ذكران المسلمين أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: أنشدك بالله أنا الأذان‏ لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله بنفسي يوم الغار أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: أنشدك بالله ألي الولاية من الله مع رسول الله في آية زكاة الخاتم‏ أم لك؟ قال: بل لك. قال: أنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي (ص) يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: أنشدك بالله ألي الوزارة من رسول الله والمثل من هارون من موسى أم لك؟ قال: بل لك. قال: فأنشدك بالله أبي برز رسول الله (ص) وبأهل بيتي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك وبأهلك وولدك؟ قال: بل بكم. قال: فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك؟ قال: بل لك، ولأهل بيتك. قال: فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله (ص) وأهلي وولدي يوم الكساء «اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار» أم أنت؟ قال: بل أنت وأهلك وولدك. قال: فأنشدك بالله أنا صاحب الآية: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الفتى الذي نودي من السماء: «لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي» أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذي ردت له الشمس لوقت صلاته فصلاها، ثم توارت أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله برايته يوم خيبر ففتح الله له أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذي نفست عن رسول الله (ص) كربته، وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبدود أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذي ائتمنك رسول الله على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذي طهرك رسول الله من السفاح من آدم إلى أبيه بقوله: «خرجت أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من آدم إلى عبد المطلب» أم أنا؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا الذي اختارني رسول الله (ص) وزوجني ابنته فاطمة (ع) وقال: «الله زوجك إياها في السماء» أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين ريحانتيه الذين يقول‏ فيهما: «هذان سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما» أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أخوك المزين بجناحين في الجنة ليطير بهما مع الملائكة أم أخي؟ قال: بل أخوك. ال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنا الذي دعاه رسول الله (ص) لطير عنده يريد أكله فقال: «اللهم ائتني بأحب الخلق إليك بعدي يأكل معي من هذا الطير» فلم يأته غيري أم أنت‏؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا الذي بشرني رسول الله (ص) بقتل الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت؟ قال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنا الذي شهدت آخر كلام رسول الله (ص)، ووليت غسله ودفنه، أم أنت؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنا الذي دل عليه رسول الله (ص) بعلم القضاء بقوله: «علي أقضاكم» أم أنت؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنا الذي أمر رسول الله (ص) أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت؟ قال: بل أنت؟. قال: فأنشدك بالله أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله (ص) أم أنا؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنت الذي حباك الله عز وجل بالدينار عند حاجته، وباعك جبرئيل (ع) وأضفت محمدا، وأطعمت ولده‏ أم أنا، قال: فبكى أبو بكر، وقال: بل أنت. قال: فأنشدك بالله أنت الذي حملك رسول الله (ص) على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنا لها أم أنا؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنت الذي قال له رسول الله (ص): أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة أم أنا؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنت الذي أمر رسول الله (ص) بفتح بابه في مسجده حين أمر بسد جميع أبواب أصحابه وأهل بيته، فأحل له فيه ما أحله الله له أم أنا؟ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنت الذي قدم بين يدي نجواه‏ لرسول الله (ص) صدقة فناجاه أم أنا؟ فناجيته إذ عاتب الله قوما فقال: {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات}‏ قال: بل أنت‏. قال: فأنشدك بالله أنت الذي قال فيه رسول الله (ص) لفاطمة (ع) زوجتك أول الناس إيمانا، وأرجحهم إسلاما في كلام له، أم أنا؟ قال: بل أنت‏. قال: فلم يزل‏ (ع) يعد مناقبه التي جعل الله عز وجل له دونه، ودون غيره، ويقول له أبو بكر: بل أنت، قال: فبهذا وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد (ص) فقال له علي (ع): فما الذي غرك عن الله وعن رسوله وعن دينه، وأنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه. فبكى أبو بكر وقال: صدقت يا أبا الحسن أنظرني يومي هذا، فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك، قال: فقال له علي (ع): لك ذلك يا أبا بكر، فرجع من عنده وخلا بنفسه يومه، ولم يأذن لأحد إلى الليل، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي (ع)، فبات في ليلته فرأى رسول الله (ص) في منامه، متمثلا له في مجلسه، فقام إليه أبو بكر ليسلم عليه، فولى وجهه. فقال أبو بكر يا رسول الله هل أمرت بأمر فلم أفعله؟ فقال (ص) أرد عليك السلام وقد عاديت الله ورسوله‏، رد الحق إلى أهله، قال: قلت: فمن أهله؟ قال: من عاتبك عليه وهو علي (ع)، قال: فقد رددت عليه يا رسول الله بأمرك‏. قال: فأصبح وبكر إلى‏ علي وقال: أبسط يدك، فبايعه، وسلم إليه الأمر، وقال له: اخرج إلى مسجد رسول الله (ص)، فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي، وما جرى بيني وبينك فأخرج نفسي من هذا الأمر، وأسلم عليك بالإمرة، قال: فقال له علي (ع): نعم، فخرج من عنده متغيرا لونه‏ فصادفه عمر، وهو في طلبه، فقال: مالك يا خليفة رسول الله (ص)؟ فأخبره بما كان منه، وما راى، وما جرى بينه وبين علي (ع)، فقال له عمر: أنشدك بالله يا خليفة رسول الله أن تغتر بسحر بني هاشم، وليس هذا بأول سحر منهم، فما زال به حتى رده عن رأيه، وصرفه عن عزمه، ورغبه فيما هو فيه، وأمره بالثبات عليه والقيام به. قال: فأتى علي (ع) المسجد للميعاد، فلم ير فيه أحدا فأحس بالشر منهم، فقعد إلى قبر رسول الله (ص) فمر به عمر، فقال له: يا علي دون ما تروم‏ خرط القتاد، فعلم بالأمر، وقام ورجع إلى بيته‏.

----------

الخصال ج 2 ص 548, الإحتجاج ج 1 ص 115, البرهان ج 5 ص 320, حلية الأبرار ج 2 ص 305, مدينة المعاجز ج 3 ص 23, بحار الأنوار ج 29 ص 3

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الحسن بن عباس بن حريش، عن أبي جعفر (ع) قال: سأل أبا عبد الله (ع) رجل من أهل بيته عن سورة {إنا أنزلناه في ليلة القدر}. فقال: ويلك! سألت عن عظيم، إياك والسؤال عن مثل هذا، فقام الرجل. قال: فأتيته يوما، فأقبلت عليه فسألته، فقال: {إنا أنزلناه} نور عند الأنبياء والأوصياء، لا يريدون حاجة من السماء ولا من الأرض إلا ذكروها لذلك النور فأتاهم بها. وان مما ذكر علي بن أبي طالب (ع) له من الحوائج: أنه قال لأبي بكر يوما {لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم}: فاشهد أن رسول الله (ص) مات شهيدا، فإياك أن تقول: إنه ميت، والله ليأتينك، فاتق الله إذا جاءك الشيطان غير متمثل به. فعجب به أبو بكر فقال : إن جاءني والله أطعته وخرجت مما أنا فيه. قال: فذكر أمير المؤمنين لذلك النور، فعرج إلى أرواح النبيين، فإذا محمد (ص) قد ألبس وجهه ذلك النور، وأتى وهو يقول: يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة، وتب إلى الله برد ما في يديك إليهم، فإنه لا حق لك فيه. قال: ثم ذهب فلم ير. فقال أبو بكر: أجمع الناس فأخطبهم بما رأيت، وأبرأ إلى الله مما أنا فيه إليك يا علي، على أن تؤمنني؟ قال: ما أنت بفاعل، ولولا أنك تنسى ما رأيت لفعلت. قال: فانطلق أبو بكر إلى عمر، ورجع نور {إنا أنزلناه} إلى علي، فقال له: قد اجتمع أبو بكر مع عمر. فقلت: أو علم النور؟ قال : إن له لسانا ناطقا وبصرا نافذا يتجسس الاخبار للأوصياء عليهم السلام، ويستمع الاسرار، ويأتيهم بتفسير كل أمر يكتتم به أعداؤهم. فلما أخبر أبو بكر الخبر عمر، قال: سحرك، وانها لفي بني هاشم لقديمة. قال: ثم قاما يخبران الناس، فما دريا ما يقولان. قلت: لما ذا؟ قال: لأنهما قد نسياه. وجاء النور فأخبر عليا (ع) خبرهما، فقال: بعدا لهما كما بعدت ثمود. بيان: لعل المراد بنور {إنا أنزلناه}: الروح المذكور في تلك السورة الكريمة. 

------------

بصائر الدرجات ص 300, بحار الأنوار ج 29 ص 30

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الحسن بن العباس بن الجريش، عن أبي جعفر الثاني (ع) أن أمير المؤمنين (ع) قال لأبي بكر يوما: {لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} وأشهد أن محمدا (ص) رسول الله مات شهيدا والله ليأتينك، فأيقن إذا جاءك فان الشيطان غير متخيل به فأخذ علي (ع) بيد أبي بكر فأراه النبي (ص) فقال له: يا أبا بكر آمن بعلي وبأحد عشر من ولده، إنهم مثلي إلا النبوة وتب إلى الله مما في يدك، فإنه لا حق لك فيه، قال: ثم ذهب فلم ير. 

 

---------

الكافي ج 1 ص 533, المحتضر ص 18, مدينة المعاجز ج 3 ص 32, بحار الأنوار ج 25 ص 51, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 408, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 280

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الصادق (ع): أن أبا بكر لقي أمير المؤمنين (ع) في سكة [من سكك‏] بني النجار، فسلم عليه، وصافحه، وقال له: يا أبا الحسن، أفي نفسك شي‏ء من استخلاف الناس إياي، وما كان من يوم السقيفة، وكراهيتك للبيعة؟ والله ما كان ذلك من إرادتي، إلا أن المسلمين أجمعوا على أمر لم يكن لي أن أخالفهم فيه، لأن النبي (ص) قال: لا تجتمع أمتي على ضلالة. فقال له أمير المؤمنين (ع): يا أبا بكر، أمته الذين أطاعوه من بعده وفي عهده، وأخذوا بهداه، وأوفوا بما عاهدوا الله عليه، ولم يبدلوا، ولم يغيروا. قال له أبو بكر: والله، يا علي، لو شهد عندي الساعة من أثق به أنك أحق بهذا الأمر لسلمته إليك، رضي من رضي، وسخط من سخط. فقال له أمير المؤمنين (ع): يا أبا بكر، فهل تعلم أحدا أوثق من رسول الله (ص)؟ وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن، وعلى جماعة معك‏، فيهم عمر، وعثمان في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة، ويوم جلوسه في بيت ام سلمة، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجة الوداع، فقلتم بأجمعكم: سمعنا وأطعنا لله ولرسوله. فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين. فقلتم بأجمعكم: الله ورسوله علينا من الشاهدين. فقال لكم: فليشهد بعضكم على بعض، وليبلغ شاهدكم غائبكم، ومن سمع منكم‏ من لم يسمع. فقلتم: نعم يا رسول الله. وقمتم بأجمعكم تهنئون رسول الله (ص) وتهنئوني بكرامة الله لنا. فدنا عمر، وضرب على كتفي وقال بحضرتكم: بخ بخ يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي، ومولى المؤمنين. فقال له أبو بكر: لقد ذكرتني أمرا يا أبا الحسن لو يكون رسول الله (ص) شاهدا فاسمعه منه. فقال أمير المؤمنين (ع): الله ورسوله عليك من الشاهدين يا أبا بكر إن رأيت رسول الله (ص) حيا يقول لك إنك ظالم لي، في أخذ حقي الذي جعله الله ورسوله لي، دونك ودون المسلمين، أن تسلم هذا الأمر لي، وتخلع نفسك منه. فقال أبو بكر: يا أبا الحسن، وهذا يكون أن أرى رسول الله (ص) حيا بعد موته، فيقول لي ذلك؟! فقال له أمير المؤمنين (ع): نعم يا أبا بكر. قال: فأرني إن كان ذلك حقا. فقال له أمير المؤمنين (ع): الله ورسوله عليك من الشاهدين أنك تفي بما قلت؟ قال أبو بكر: نعم. فضرب أمير المؤمنين (ع) على يده، وقال: تسعى معي نحو مسجد قبا. فلما وردا تقدم أمير المؤمنين (ع)، فدخل المسجد [و أبو بكر من ورائه، فإذا هو برسول الله (ص) جالس في قبلة المسجد] فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه، فناداه رسول الله (ص): ارفع رأسك أيها الضليل المفتون. فرفع أبو بكر رأسه، وقال: لبيك يا رسول الله أحياة بعد الموت؟ فقال: ويلك يا أبا بكر، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شي‏ء قدير قال فسكت أبو بكر، وشخصت عيناه نحو رسول الله (ص)، فقال: ويلك يا أبا بكر أنسيت ما عاهدت الله ورسوله عليه في المواطن الأربعة لعلي؟ فقال: ما نسيتها يا رسول الله، فقال له: ما بالك اليوم تناشد عليا فيها، ويذكرك، فتقول: نسيت؟! وقص عليه رسول الله (ص) ما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب (ع) إلى آخره، فما نقص منه كلمة ولا زاد فيه كلمة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، فهل لي من توبة، وهل يعفو الله عني إذا سلمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين؟ قال: نعم يا أبا بكر وأنا الضامن لك على الله إن وفيت. قال: وغاب رسول الله (ص) عنهما، فتشبث أبو بكر بعلي (ع)، وقال: الله الله في يا علي صر معي إلى منبر رسول الله (ص) حتى أعلو المنبر، وأقص على الناس ما شاهدت ورأيت من أمر رسول الله (ص)، وما قال لي وما قلت له، وما أمرني به، وأخلع نفسي من هذا الأمر، وأسلمه إليك. فقال له أمير المؤمنين (ع): أنا معك إن ترك شيطانك. فقال أبو بكر: إن لم يتركني تركته وعصيته. فقال له أمير المؤمنين (ع): إذن تطيعه ولا تعصيه، وإنما رأيت ما رأيت لتأكيد الحجة عليك. وأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (ص)، وأبو بكر يخفق بعضه بعضا، ويتلون ألوانا، والناس ينظرون إليه، ولا يدرون ما الذي كان، حتى لقيه عمر بن الخطاب فقال له: يا خليفة رسول الله، ما شأنك، وما الذي دهاك؟ فقال أبو بكر: خل عني يا عمر فو الله لا سمعت لك قولا. فقال له عمر: وأين تريد يا خليفة رسول الله؟ فقال له أبو بكر: أريد المسجد والمنبر. فقال: ليس هذا وقت صلاة ومنبر. فقال أبو بكر: خل عني، فلا حاجة لي في كلامك. فقال عمر: يا خليفة رسول الله، أفلا تدخل منزلك قبل المسجد، فتسبغ الوضوء؟ قال: بلى. ثم التفت أبو بكر إلى علي (ع) وقال له: يا أبا الحسن، تجلس إلى جانب المنبر حتى أخرج إليك. فتبسم أمير المؤمنين (ع) ثم قال: يا أبا بكر، قد قلت إن شيطانك لا يدعك، أو يرديك. ومضى أمير المؤمنين (ع) فجلس بجانب المنبر، ودخل أبو بكر منزله، وعمر معه، فقال له: يا خليفة رسول الله، لم لا تنبئني أمرك، وتحدثني بما دهاك به علي بن أبي طالب؟ فقال أبو بكر: ويحك يا عمر، يرجع رسول الله (ص) بعد موته حيا ويخاطبني في ظلمي لعلي، ورد حقه عليه، وخلع نفسي من هذا الأمر، فقال له عمر: قص علي قصتك من أولها إلى آخرها. فقال له أبو بكر: ويحك يا عمر، والله لقد قال لي علي أنك لا تدعني أخرج من هذه المظلمة، وأنك شيطاني، فدعني منك. فلم يزل يرقبه إلى أن حدثه بحديثه من أوله إلى آخره. فقال له: بالله يا أبا بكر أنسيت شعرك في أول شهر رمضان، الذي فرض الله علينا صيامه، حيث جاءك حذيفة بن اليمان، وسهل بن حنيف، ونعمان الأزدي، وخزيمة بن ثابت، في يوم جمعة إلى دارك ليتقاضوك دينا عليك، فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار، فوقفوا بالباب، ولم يستأذنوا عليك، فسمعوا أم بكر زوجك تناشدك، وتقول لك: قد عمل حر الشمس بين كتفيك، قم إلى داخل البيت، وابتعد عن الباب، لئلا يسمعك أحد من أصحاب محمد فيهدروا دمك، فقد علمت أن محمدا قد أهدر دم‏ من‏ أفطر يوما من شهر رمضان، من غير سفر، ولا مرض، خلافا على الله وعلى رسوله محمد، فقلت لها: هات لا ام لك فضل طعامي من الليل، وأترعي الكأس من الخمر. وحذيفة ومن معه بالباب، يسمعون محاورتكما، فجاءت بصحفة فيها طعام من الليل، وقعب مملوء خمرا فأكلت من الصحفة، وشربت‏ من الخمر، في ضحى النهار، وقلت لزوجتك هذه الأبيات‏:

ذريني أصطبح يا أم بكر ... فإن الموت نقب عن هشام‏

ونقب عن أخيك وكان صعبا ... من الأقوام شريب المدام‏

يقول لنا ابن كبشة سوف نحيا ... وكيف حياة أشلاء وهام

ولكن باطل ما قال‏ هذا ... وإفك من زخاريف الكلام‏

ألا هل مبلغ الرحمن عني‏ ... بأني تارك شهر الصيام

وتارك كل ما أوحى إلينا ... محمد من أساطير الكلام‏

فقل لله يمنعني شرابي‏ ... وقل لله يمنعني طعامي‏

ولكن الحكيم رأى حميرا ... فألجمها فتاهت في اللجام‏

فلما سمعك حذيفة ومن معه تهجو محمدا هجموا عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يدك، وأنت تكرعها، فقالوا: ما لك يا عدو الله خالفت الله ورسوله. وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس، بباب‏ رسول الله، وقصوا عليه قصتك، وأعادوا شعرك، فدنوت منك، وساورتك‏، وقلت لك في الضجيج‏: قل إني شربت الخمر ليلا، فثملت، فزال عقلي، فأتيت ما أتيته نهارا، ولا أعلم‏ بذلك، فعسى أن يدرأ عنك الحد، وخرج محمد فنظر إليك فقال: استيقظوه. فقلت: رأيناه وهو ثمل يا رسول الله، لا يعقل، فقال: ويحكم الخمر يزيل العقل، تعلمون هذا من أنفسكم، وأنتم تشربونها؟ فقلنا: [نعم‏] يا رسول الله وقد قال فيها امرؤ القيس شعرا:

شربت الإثم‏ حتى زال عقلي‏ ... كذاك الخمر يفعل بالعقول‏

 ثم قال محمد: انظروه إلى إفاقته من سكرته. فأمهلوك حتى أريتهم أنك قد صحوت، فسألك محمد فأخبرته بما أوعزته إليك من شربك لها بالليل، فما بالك اليوم تصدق‏ بمحمد وبما جاء به وهو عندنا ساحر كذاب؟! فقال: ويحك‏ يا أبا حفص، لا شك عندي فيما قصصته علي، فاخرج إلى علي بن أبي طالب، فاصرفه عن المنبر. قال: فخرج عمر وعلي (ع) جالس بجانب المنبر، فقال: ما بالك يا علي قد تصديت لها، دون والله ما تروم من علو هذا المنبر خرط القتاد. فتبسم أمير المؤمنين (ع) حتى بدت نواجذه ثم قال: ويلك منها يا عمر إذا أفضت إليك، والويل للامة من بلائك. فقال عمر: هذه بشراي يا بن أبي طالب، صدقت ظني‏، وحق قولك. وانصرف أمير المؤمنين (ع) إلى منزله.

------------

البرهان ج 2 ص 356, إرشاد القلوب ج 2 ص 264, مدينة المعاجز ج 3 ص 14, بحار الأنوار ج 29 ص 35, الهداية الكبرى ص 102 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبو علي أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة البرقي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الرضا أبو الحسن علي بن موسى (ع) قال: حدثني أبي موسى بن جعفر (ع) قال: حدثني أبي جعفر بن محمد (ع) قال: حدثني أبي محمد بن علي (ع) قال: حدثني أبي علي بن الحسين (ع) قال: حدثني الحسين بن علي (ع)، قال: لما أتى أبو بكر وعمر إلى منزل أمير المؤمنين (ع) وخاطباه في أمر البيعة، وخرجا من عنده، خرج أمير المؤمنين (ع) إلى المسجد، فحمد الله وأثنى عليه بما اصطنع عندهم أهل البيت، إذ بعث فيهم رسولا منهم، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ثم قال: إن فلانا وفلانا أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني، أنا ابن عم النبي وأبو ابنيه‏، والصديق الأكبر، وأخو رسول الله (ص) لا يقولها أحد غيري إلا كاذب، وأسلمت وصليت قبل كل أحد، وأنا وصيه وزوج ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد (ص)، وأبو حسن وحسين سبطي رسول الله (ص)، ونحن أهل بيت الرحمة، بنا هداكم الله، وبنا استنقذكم الله من الضلالة، وأنا صاحب يوم الدوح‏، وفي نزلت سورة من القرآن، وأنا الوصي على الأموات من أهل بيته (ص)، وأنا بقية على الأحياء من أمته، فاتقوا الله يثبت أقدامكم، ويتم نعمته عليكم، ثم رجع (ع) إلى بيته‏.

------------

حلية الأبرار ج 2 ص 315, الأمالي للطوسي ص 568, بحار الأنوار ج 28 ص 247, البرهان ج 4 ص 459

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن ابن عباس قال: إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة, إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن صاحبك – يقصد أمير المؤمنين ع -‏ إلا مظلوما؟ قلت في نفسي: والله لا يسبقني بها, فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد ظلامته, فانتزع يده من يدي ومضى وهو يهمهم ساعة, ثم وقف فلحقته فقال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم منه إلا استصغروه, فقلت في نفسي: هذه والله شر من الأولى, فقلت: والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك, قال: فأعرض عني.

------------

كشف الغمة ج 1 ص 419, كشف اليقين للحلي ص 175, حلية الأبرار ج 2 ص 316, بحار الأنوار ج 40 ص 125

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

إحتجاجه في الشورى:

عن أبي ذر: أن عليا (ع)، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا، ويغلقوا عليهم بابه، ويتشاورون في أمرهم، وأجلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد، وأبى رجل منهم، قتل ذلك الرجل، وإن توافق أربعة وأبى إثنان قتل الإثنان، فلما توافقوا جميعا على رأي واحد قال لهم علي بن أبي طالب (ع): إني أحب أن تسمعوا مني ما أقول لكم، فإن يكن حقا فاقبلوه، وإن يكن باطلا فأنكروه، قالوا: قل. قال: أنشدكم بالله، أو قال: أسألكم بالله الذي يعلم سرائركم، ويعلم صدقكم إن صدقتم، ويعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد آمن قبلي بالله ورسوله، وصلى القبلتين قبلي؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم من يقول الله عز وجل فيه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏} سواي؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد نصر أبوه رسول الله (ص) وكفله غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد زين أخوه بالجناحين في الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. ال: فهل فيكم أحد وحد الله قبلي، ولم يشرك بالله عز وجل شيئا؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد عمه حمزة سيد الشهداء غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد زوجته سيدة نساء أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد ابناه سيدا شباب أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد أعلم بناسخ القرآن، ومنسوخه، والسنة مني؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد سماه الله عز وجل في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد ناجى رسول الله (ص) عشر مرات يقدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ليبلغ الشاهد الغائب ذلك» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم رجل قال له رسول الله: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارا غير فرار، لا يولي الدبر، يفتح الله على يديه، وذلك حيث رجع أبو بكر وعمر منهزمين، فدعاني وأنا أرمد، فتفل في عيني، وقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت بعدها حرا ولا بردا يؤذياني، ثم أعطاني الراية، فخرجت بها ففتح الله على يدي خيبر، فقتلت مقاتليهم، وفيهم مرحب، وسبيت ذراريهم، فهل كان ذلك غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): اللهم إيتني بأحب الخلق إليك، وإلي وأشدهم حبا لي ولك، يأكل معي من هذا الطائر، فأتيت وأكلت معه غيري قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال رسول الله (ص): لتنهن يا بني وليعة أو لأبعثن عليكم رجلا نفسه كنفسي، طاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، يعصاكم‏ أو يقصعكم‏ بالسيف غيري قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «كذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة، وفيهم جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل ليلة القليب، لما جئت بالماء إلى رسول الله (ص) غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له جبرئيل (ع): هذا هو المواساة، وذلك يوم أحد، فقال رسول الله (ص): إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد نودي‏ من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من يقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين على لسان النبي (ص) غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): إني قاتلت على تنزيل القرآن، وستقاتل أنت يا علي على تأويله، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد غسل رسول الله (ص) مع الملائكة المقربين بالروح والريحان، تقلبه لي الملائكة، وأنا أسمع قولهم، وهم يقولون: «استروا عورة نبيكم ستركم الله» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من كفن رسول الله (ص)، ووضعه في حفرته غيري؟ قالوا: لا. قال (ع): فهل فيكم أحد بعث الله عز وجل إليه بالتعزية، حيث قبض رسول الله (ص) وفاطمة (ع) تبكيه، إذ سمعنا حسا على الباب، وقائلا يقول نسمع صوته، ولا نرى شخصه، وهو يقول: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، ربكم عز وجل يقرئكم السلام، ويقول لكم: إن في الله خلفا من كل مصيبة، وعزاء من كل هالك، ودركا من كل فوت، فتعزوا بعزاء الله، واعلموا أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وأنا في البيت، وفاطمة، والحسن، والحسين، أربعة، لا خامس لنا إلا رسول الله (ص) مسجى بيننا غيرنا؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ردت عليه الشمس بعد ما غربت أو كادت، حتى‏ صلى العصر في وقتها غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أمره رسول الله (ص) أن يأخذ براءة بعد ما انطلق أبو بكر بها، فقبضها منه، فقال أبو بكر بعد ما رجع، يا رسول الله أنزل في شي‏ء؟ فقال له: «لا إنه لا يؤدي عني إلا علي» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من قال له رسول الله (ص): «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ولو كان نبي بعدي لكنته يا علي» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا كافر» غيري؟ قالوا: لا. قال: أتعلمون أنه أمر بسد أبوابكم وفتح بابي، فقلتم في ذلك، فقال رسول الله (ص): «ما أنا سددت أبوابكم، ولا أنا فتحت بابه، بل الله سد أبوابكم وفتح بابه»؟ قالوا: نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله (ص): ناجاني يوم الطائف دون الناس، فأطال ذلك، فقال بعضكم: يا رسول الله إنك انتجيت عليا دوننا، فقال رسول الله (ص): ما أنا انتجيته، بل الله عز وجل انتجاه؟ قالوا: نعم. قال: أتعلمون أن رسول الله (ص) قال: «الحق بعدي مع علي وعلي (ع) مع الحق، يزول الحق معه حيث ما زال»؟ قالوا: نعم. قال: فهل تعلمون أن رسول الله (ص) قال: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وإنكم لن تضلوا ما اتبعتموهما واستمسكتم بهما؟، قالوا: نعم. قال: فهل فيكم أحد وقى رسول الله (ص) بنفسه، ورد به كيد المشركين، واضطجع مضجعه، وشرى بذلك من الله نفسه؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم حيث آخا رسول الله بين أصحابه أحد كان له (ص) أخا غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ذكره الله عز وجل بما ذكرني إذ قال: {والسابقون السابقون أولئك المقربون‏} غيري؟ فهل سبقني منكم أحد إلى الله ورسوله؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد آتى الزكاة وهو راكع، فنزلت فيه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}‏ غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد برز لعمرو بن عبدود، حيث عبر خندقكم وحده، ودعا جميعكم‏ إلى البراز، فنكصتم عنه، وخرجت إليه فقتلته، وفت الله بذلك في أعضاد المشركين والأحزاب، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ترك رسول الله (ص) بابه مفتوحا في المسجد، يحل له ما يحل لرسول الله (ص)، ويحرم عليه ما يحرم على رسول الله (ص) فيه غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيث يقول الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} غيري وزوجتي، وابني؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «ما سألت الله عز وجل لي شيئا إلا سألت الله عز وجل لك مثله» غيري قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان صاحب رسول الله (ص) في المواطن كلها غيري؟ قالوا: لا. قال فهل فيكم أحد ناوله رسول الله (ص) قبضة من تراب من تحت قدميه فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قضى دين رسول الله (ص) وأنجز عداته غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد اشتاقت الملائكة إلى رؤيته فاستأذنت الله تعالى في زيارته غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله (ص) وأداته غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد استخلفه رسول الله (ص) في أهله وجعل أمر أزواجه إليه من بعده غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد حمله رسول الله (ص) على كتفه حتى كسر الأصنام التي كانت على الكعبة غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد اضطجع هو ورسول الله في لحاف واحد إذ كفلني غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «أنت صاحب رايتي ولوائي في الدنيا والآخرة» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان أول داخل على رسول الله، وآخر خارج من عنده لا يحجب عنه غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه وفي زوجته وولده: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} إلى سائر ما اقتص الله تعالى من ذكرنا في هذه السورة غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله‏} غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أنزل الله تعالى فيه: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون}‏ إلى آخر ما اقتص الله تعالى من خبر المؤمنين غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فهل فيكم أحد أنزل الله عز وجل فيه، وزوجته، وولده: آية المباهلة، وجعل الله عز وجل نفسه نفس رسوله غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله‏} لما وقيت رسول الله (ص) ليلة الفراش غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد سقى رسول الله (ص) من المهراس‏ لما اشتد ظماؤه وأحجم‏ عن ذلك أصحابه، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): اللهم إني أقول كما قال عبدك‏ موسى: {رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري}‏ {واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري‏} إلى آخر دعوة موسى (ع) إلا النبوة، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أدنى الخلائق برسول الله (ص) يوم القيامة، وأقرب إليه مني، كما أخبركم بذلك (ص)، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «إن من شيعتك رجلا يدخل في شفاعته الجنة مثل ربيعة ومضر» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «أنت وشيعتك هم الفائزون تردون يوم القيامة رواء مرويين، ويرد عدوك ظماء مقحمين» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «من أحب هذه الشعرات فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله تعالى، ومن أبغضها أو آذاها فقد أبغضني، وآذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله لعنه الله، وأعد له جهنم وساءت مصيرا، فقال أصحابه: وما شعراتك هذه يا رسول الله؟ قال: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (ع)» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «أنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق الأعظم الذي يفرق بين الحق والباطل» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد طرح عليه رسول الله (ص) ثوبه، وأنا تحت الثوب، وفاطمة، والحسن، والحسين (ع) ثم قال: «اللهم أنا وأهل بيتي هؤلاء إليك لا إلى النار» غيري؟ قالوا: لا.  قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): بالجحفة بالشجيرات من خم: «من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله تعالى» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد كان رسول الله (ص) بينه وبين زوجته، وجلس بين رسول الله وبين زوجته قال رسول الله (ص): «لأستر دونك يا علي» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها، ثم مشى به ساعة ثم ألقاه، فعالجه بعد ذلك أربعون رجلا فلم يقلبوه من الأرض؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم من‏ قال له رسول الله (ص): «أنت معي في قصري، ومنزلك تجاه منزلي في الجنة» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «أنت أولى الناس بأمتي من بعدي، والى الله من والاك، وعادى الله من عاداك، وقاتل‏ من قاتلك بعدي» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد صلى مع رسول الله (ص) قبل الناس سبع سنين وأشهرا، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «إنك عن يمين العرش يا علي يوم القيامة، يكسوك الله عز وجل بردين: أحدهما الأحمر والآخر الأخضر» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أطعمه رسول الله (ص) من فاكهة الجنة لما هبط بها جبرئيل، وقال: «لا ينبغي أن يأكله في الدنيا إلا نبي، أو وصي نبي» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): «أنت أقومهم بأمر الله، وأوفاهم بعهد الله، وأعلمهم بالقضية، وأقسمهم بالسوية، وأرأفهم بالرعية» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله (ص): أنت قسيم النار تخرج منها من‏ أقر وتدع فيها من كفر» غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد قال للعين وقد غاضت: «انفجري» فانفجرت، فشرب منها القوم، وأقبل رسول الله (ص) والمسلمون معه، فشرب وشربوا، وشربت خيلهم وملؤوا رواياهم‏، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله (ص) حنوطا من حنوط الجنة، فقال: اقسم هذا أثلاثا: «ثلثا حنطني به، وثلثا لابنتي، وثلثا لك» غيري؟ قالوا: لا. قال: فما زال يناشدهم، ويذكر لهم‏ ما أكرمه الله تعالى، وأنعم عليه، حتى قام قائم الظهيرة، ودنت الصلاة. ثم أقبل عليهم، فقال: أما إذا أقررتم على أنفسكم، وبان لكم من نسبي الذي ذكرت، فعليكم بتقوى الله وحده، وأنهاكم عن سخط الله، فلا تعرضوا، ولا تضيعوا أمري، وردوا الحق إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم (ص)، وسنتي من بعده، فإنكم إن خالفتموني خالفتم نبيكم‏ (ص)، فقد سمع ذلك منه جميعكم، وسلموها إلى من هو لها أهل، وهي له أهل، أما والله ما أنا بالراغب في دنياكم، ولا قلت ما قلت لكم افتخارا ولا تزكية لنفسي، ولكن حدثت بنعمة ربي، وأخذت عليكم بالحجة. ثم نهض إلى الصلوة، قال فتوامر القوم فيما بينها، وتشاوروا، فقالوا: قد فضل الله علي بن أبي طالب (ع) بما ذكر لكم، ولكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد، ويجعلكم ومواليكم سواء، وإن وليتموه إياها ساوى بين أسودكم وأبيضكم، ولو وضع السيف على عنقه، ولكن ولوها عثمان، فهو أقدمكم ميلادا، وألينكم عريكة، وأجدر أن يتبع مسيرتكم، والله غفور رحيم‏.

------------

الأمالي للطوسي ص 545, إرشاد القلوب ج 2 ص 259, حلية الأبرار ج 2 ص 323, بحار الأنوار ج 31 ص 372

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية