بين بدر وأحد

أن المشركين لما رجعوا من بدر إلى مكة أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية بن خالد الجمحي فقال صفوان: قبح الله العيش بعد قتلى بدر, قال عمير: أجل والله ما في العيش بعدهم خير, ولو لا دين علي لا أجد له قضاء وعيال لا أدع لهم شيئا, لرحلت إلى محمد حتى أقتله, إن ملئت عيني منه فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق, وإن لي عندهم علة أقول: قدمت على ابني هذا الأسير, ففرح صفوان بقوله وقال: يا أبا أمية, هل نراك فاعلا؟ قال: إي ورب هذه البنية, قال صفوان: فعلي دينك وعيالك أسوة عيالي, وأنت تعلم أن ليس بمكة رجل أشد توسعا على عياله مني. فقال عمير: قد عرفت بذلك يا أبا وهب. قال صفوان: فإن عيالك مع عيالي لن يسعني شي‏ء ويعجز عنهم ودينك علي. فحمله صفوان على بعيره وجهزه وأجرى على عياله ما يجري على عيال نفسه, وأمر عمير بسيفه فشحذ وسم ثم خرج إلى المدينة وقال لصفوان: اكتم علي أياما حتى أقدمها, فلم يذكرها صفوان. فقدم عمير فنزل على باب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فتقلده ثم عمد نحو رسول الله (ص), فلما رآه النبي قال له: ما أقدمك يا عمير؟ قال: قدمت في أسيري عندكم تفادوننا وتحسنون إلينا فيه, فإنكم العشيرة. قال النبي (ص): فما بال السيف؟ قال: قبحها الله من سيوف, وهل أغنت من شي‏ء إنما نسيته حين نزلت وهو في رقبتي. فقال له رسول الله (ص): فما شرطت لصفوان في الحجر؟ ففزع عمير وقال: ما ذا شرطت له؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك, والله حائل بيني وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول الله وأنك صادق وأن لا إله إلا الله, كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء, وإن هذا الحديث كان شيئا بيني وبين صفوان كما قلت لم يطلع عليه غيري وغيره, وقد أمرته أن يكتم علي أياما فأطلعك الله عليه فآمنت بالله وبرسوله, وشهدت أن ما جئت به صدق وحق, قال (ص): علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره. فقال عمير: إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله وقد هداني الله فله الحمد. فأذن لي لألحق قريشا فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام, فأذن له فلحق بمكة. وكان صفوان يسأل عن عمير فقيل له: إنه أسلم, فطرح عياله. وقدم عمير فدعاهم إلى الله وأخبرهم بصدق رسول الله (ص) فأسلم معه نفر كثير.

--------------

الخرائج ج 1 ص 119

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ولما رجع رسول الله (ص) إلى المدينة من بدر لم يقم بالمدينة إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، فأقام بها بقية شوال وذا القعدة، وفادى في إقامته جل اسارى بدر من قريش.

[غزوة السويق‏]

ثم كانت غزوة السويق، وذلك أن أبا سفيان نذر أن لا يمس رأسه من جنابة حتى يغزو محمدا، فخرج في مائة راكب من قريش ليبر يمينه، حتى إذا كان على بريد من المدينة أتى بني النضير ليلا، فضرب على حيي ابن أخطب بابه، فأبى أن يفتح له، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم- وكان سيد بني النضير- فاستأذن عليه فأذن له وساره، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، وبعث رجلا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية يقال لها: العريض، فوجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له فقتلوهما، ثم انصرفوا ونذر بهم الناس. فخرج رسول الله (ص) في طلبهم حتى بلغ قرقرة الكدر فرجع وقد فاته أبو سفيان، ورأوا زادا من أزواد القوم قد طرحوها يتخففون منها للنجاء، فقال المسلمون حين رجع رسول الله (ص) بهم: يا رسول الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ فقال (ص): نعم.

[غزوة ذي أمر]

ثم كانت غزوة ذي أمر، بعد مقامه بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم، مرجعه من غزوة السويق، وذلك لما بلغه أن جمعا من غطفان قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة عليهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث ابن محارب، فخرج في اربعمائة وخمسين رجلا ومعهم أفراس، وهرب منه الأعراب فوق ذرى الجبال، ونزل (ص) ذا أمر وعسكر به، وأصابهم مطر كثير. فذهب رسول الله (ص) لحاجته فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل رسول الله (ص) وادي أمر بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها، والأعراب ينظرون إلى كل ما يفعل رسول الله، فقالت الأعراب لدعثور- وكان سيدهم وأشجعهم- قد أمكنك محمد وقد انفرد من بين أصحابه حيث إن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله. فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل مشتملا على السيف حتى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهورا فقال: يا محمد من يمنعك مني‏ اليوم؟ قال: الله. ودفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله وقام على رأسه وقال: من يمنعك مني؟. قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إليه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والله لا اكثر عليك جمعا أبدا. فأعطاه رسول الله سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه ثم قال: والله لأنت خير مني. قال رسول الله (ص): أنا أحق بذلك منك. فأتى قومه فقيل له: أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟ قال: قد كان والله ذلك، ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك، وشهدت أن محمدا رسول الله، والله لا اكثر عليه. وجعل يدعو قومه إلى الإسلام ونزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم}

[غزوة القردة]

ثم كانت غزوة القردة، ماء من مياه نجد، بعث رسول الله (ص) زيد بن حارثة بعد رجوعه من بدر إلى المدينة بستة أشهر، فأصابوا عيرا لقريش على القردة فيها أبو سفيان ومعه فضة كثيرة، وذلك لأن قريشا قد خافت طريقها التي كانت تسلك إلى الشام حين كان من وقعة بدر، فسلكوا طريق العراق واستأجروا رجلا من بكر بن وائل يقال له: فرات بن حيان، يدلهم على الطريق، فأصاب زيد بن حارثة تلك العير، وأعجزته‏ الرجال هربا. وفي رواية الواقدي: أن ذلك العير مع صفوان بن امية، وأنهم قدموا بالعير إلى رسول الله (ص) وأسروا رجلا أو رجلين، وكان فرات بن حيان أسيرا فأسلم فترك من القتل.

[غزوة بني قينقاع‏]

ثم كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة، وذلك أن رسول الله (ص) جمعهم وإياه سوق بني قينقاع، فقال لليهود: احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من قوارع الله، فأسلموا فإنكم قد عرفتم نعتي وصفتي في كتابكم. فقالوا: يا محمد، لا يغرنك أنك لقيت قومك فأصبت فيهم، فإنا والله لو حاربناك لعلمت أنا خلافهم. فكادت تقع بينهم المناجزة، ونزلت فيهم: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} إلى قوله {اولي الأبصار}.

وروي: أن رسول الله (ص) حاصرهم ستة أيام حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن ابي فقال: يا رسول الله موالي وحلفائي وقد منعوني من الأسود والأحمر ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر تحصدهم في غداة واحدة، إني والله لا آمن وأخشى الدوائر. وكانوا حلفاء الخزرج دون الأوس، فلم يزل يطلب فيهم حتى وهبهم له، فلما رأوا ما نزل الخزرج دون الأوس، فلم يزل يطلب فيهم حتى وهبهم له، فلما رأوا ما نزل بهم من الذل خرجوا من المدينة ونزلوا اذرعات، ونزلت في عبد الله بن أبي‏ وناس من الخزرج {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} إلى قوله {في أنفسهم نادمين}.

--------------

إعلام الورى ص 78, بحار الأنوار ج 20 ص 2

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة:

عن معاوية بن عمار, عن أبي عبد الله (ع), قال: قلت له: متى صرف رسول الله (ص) إلى الكعبة؟ فقال: بعد رجوعه من بدر.

------------

التهذيب ج 2 ص 43, مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 175, الدر النظيم ص 118, الوافي ج 7 ص 538, وسائل الشيعة ج 4 ص 297, هداية الأمة ج 2 ص 62, بحار الأنوار ج 19 ص 199

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أمير المؤمنين (ع): إن رسول الله (ص) لما بعث كانت الصلاة إلى قبلة بيت المقدس سنة بني إسرائيل.

------------

بحار الأنوار ج 19 ص 201 عن تفسير النعماني

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الحلبي, عن أبي عبد الله (ع), قال: سألته هل كان رسول الله (ص) يصلي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم, فقلت: فكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال: أما إذا كان بمكة فلا, وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم, حتى حول إلى الكعبة.

------------

الكافي ج 3 ص 286, الوافي ج 7 ص 535, وسائل الشيعة ج 4 ص 298, هداية الأمة ج 2 ص 62, بحار الأنوار ج 19 ص 200

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي بصير, عن أبي عبد الله (ع), قال: سألته عن قوله تعالى {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} أمره به؟ قال: نعم, إن‏ رسول الله (ص) كان يقلب وجهه في السماء فعلم الله عز وجل ما في نفسه, فقال {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها}.

-------------

التهذيب ج 2 ص 43, الوافي ج 7 ص 536, وسائل الشيعة ج 4 ص 296, البرهان ج 1 ص 345, بحار الأنوار ج 19 ص 199, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 136, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 181

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

وذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله (ص) ويقولون: أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا, فاغتم رسول الله (ص) من ذلك غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء, ينتظر من الله في ذلك أمرا, فلما أصبح وضر وقت صلاة الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين, فنزل عليه جبرئيل (ع) فأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة, وأنزل عليه {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام‏}, فكان صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة, فقالت اليهود والسفهاء: {ما ولاهم عن قبلتهم التي‏ كانوا عليها}.

----------

تفسير القمي ج 1 ص 63, البرهان ج 1 ص 340, بحار الأنوار ج 19 ص 196, مستدرك الوسائل ج 3 ص 170

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي بصير, عن أحدهما (ع) في قوله تعالى {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} فقلت له: الله أمره أن يصلي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم, ألا ترى أن الله يقول {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم} قال: إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس, فقيل لهم: إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة, فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة, فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين, فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين.

------------

التهذيب ج 2 ص 43, الوافي ج 7 ص 537, وسائل الشيعة ج 4 ص 297, البرهان ج 1 ص 339, بحار الأنوار ج 19 ص 200, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 136, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 183

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عمرو الزبيري, عن أبي عبد الله (ع) قال: لما صرف الله نبيه (ص) إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي (ص): أرأيت صلاتنا التي كنا نصلي, إلى بيت المقدس ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} فسمى الصلاة إيمانا.

-------------

تفسير العياشي ج 1 ص 63, دعائم الإسلام ج 1 ص 8, تفسير الصافي ج 1 ص 199, البرهان ج 1 ص 345, بحار الأنوار ج 19 ص 199, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 182, مستدرك الوسائل ج 3 ص 172. نحوه بإختصار: تفسير القمي ج 1 ص 31, الكافي ج 2 ص 37, الوافي ج 4 ص 119

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية