هجرة رسول الله (ص) إلى المدينة

* هجرة المسلمين إلى المدينة

أمر رسول الله (ص) أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار وقال: إن الله قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها, فخرجوا إليها أرسالا وأقام رسول الله (ص) بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.

------------

البداية والنهاية ج 3 ص 207, السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 321, السيرة النبوية لابن كثير ج 2 ص 214, نهاية الأرب ج 16 ص 321

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

لما أمر رسول الله (ص) بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته: إنا قد أمرنا بالهجرة، فمنهم من يسرع إلى ذلك ويعجبه، ومنهم من يتعلق به زوجته وعياله وولده، فيقولون: نشدناك الله إن تدعنا إلى غير شئ فنضيع، فيرق فيجلس معهم ويدع الهجرة، فنزلت يعاتبهم {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم} الآية, ونزلت في الذين تخلفوا بمكة ولم يهاجروا

قوله تعالى {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم} إلى قوله {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره}.

------------

أسباب نزول الآيات ص 164, تفسير الوسيط ج 1 ص 844, الكشف والبيان ج 5 ص 21 نحوه, تفسير القرطبي ج 8 ص 94 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

واشتد الأذى على من بمكة من المسلمين فأذن لهم رسول الله (ص) في الهجرة إلى المدينة, فبادروا إلى ذلك وتجهزوا إلى المدينة في خفاء وستر وتسللوا، فيقال: إنه كان بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة, وجعلوا يترافدون بالمال والظهر ويترافقون. وكان من هاجر من قريش وحلفائهم يستودع دوره وماله رجلا من قومه، فمنهم من حفظ من أودعه، ومنهم من باع.

--------

إمتاع الأسماع ج 1 ص 55

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله (ص) من المهاجرين من قريش: من بني مخزوم، أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, وكانت هجرته إليها قبل بيعة العقبة بسنة حين آذته قريش مرجعه من الحبشة, فعزم على الرجوع إليها ثم بلغه أن بالمدينة لهم إخوانا فعزم إليها.

-----------

البداية والنهاية ج 3 ص 207, السيرة النبوية لابن كثير ج 2 ص 215. نحوه: تاريخ الطبري ج 2 ص 97, السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 321, نهاية الأرب ج 16 ص 322

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

فكان ممن هاجر أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عامر بن ربيعة ومعه امرأته ليلى بنت أبي خيثمة، ثم عبد الله بن جحش. ثم تتابع أصحاب رسول الله (ص) إرسالا إلى المدينة.

---------

تفسير الثعلبي ج 3 ص 121, تفسير البغوي ج 1 ص 327

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* هجرة رسول الله (ص) إلى المدينة

* محاولة قريش لقتل رسول الله (ص) ومبيت أمير المؤمنين (ع) في فراشه (ص) ليلة الهجرة:

فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد أتى عليه أربعون سنة، فدخلوا أربعون رجلا من مشايخ قريش، وجاء إبليس لعنه الله في صورة شيخ كبير, فقال‏ له البواب: من أنت؟ فقال: أنا شيخ من أهل نجد, لا يعدمكم مني رأي صائب, إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم، فقال الرجل: ادخل, فدخل إبليس. فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل: يا معشر قريش, إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا، نحن أهل الله تغدو إلينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا, ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع, فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله, فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته, حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ادعى أنه رسول الله وأن أخبار السماء تأتيه, فسفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا, وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار, فلم يرد علينا شي‏ء أعظم من هذا، وقد رأيت فيه رأيا, قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله، فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات، فقال الخبيث: هذا رأي خبيث, قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لأن قاتل محمد مقتول لا محالة, فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم؟ فإنه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة, وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض, فيقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا. فقال آخر منهم: فعندي رأي آخر، قال: وما هو؟ قال: نثبته في بيت ونلقي إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون, فيموت كما مات زهير والنابغة وإمرؤ القيس, فقال إبليس: هذا أخبث من الآخر. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن بني هاشم لا ترضى بذلك، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه، قال آخر منهم: لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا، قال إبليس: هذا أخبث من الرأيين المتقدمين, قالوا: وكيف ذاك؟ قال: لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها, وأنطق الناس لسانا, وأفصحهم لهجة, فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه, فلا يفجأكم‏ إلا وقد ملأها عليكم خيلا ورجلا، فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس لعنه الله: فما الرأي فيه يا شيخ؟ قال: ما فيه إلا رأي واحد، قالوا: وما هو؟ قال: يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد, ويكون معهم من بني هاشم رجل، فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة, حتى يتفرق دمه في قريش كلها، فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه، فإن سألوكم أن تعطوا الدية فأعطوهم ثلاث ديات, فقالوا: نعم, وعشر ديات، ثم قالوا: الرأي رأي الشيخ النجدي، فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي، ونزل جبرئيل (ع) على رسول الله (ص) وأخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك, وأنزل عليه في ذلك {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه, وخرجوا إلى المسجد يصفرون ويصفقون ويطوفون بالبيت, فأنزل الله‏ {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} فالمكاء التصفير, والتصدية صفق اليدين, وهذه الآية معطوفة على قوله {وإذ يمكر بك الذين كفروا} وقد كتبت بعد آيات كثيرة. فلما أمسى رسول الله (ص) جاءت قريش ليدخلوا عليه, فقال أبو لهب: لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل, فإن في الدار صبيانا ونساء, ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة, فنحرسه الليلة، فإذا أصبحنا دخلنا عليه، فناموا حول حجرة رسول الله (ص), وأمر رسول الله (ص) أن يفرش له, ففرش له, فقال لعلي بن أبي طالب (ع): افدني بنفسك، قال: نعم يا رسول الله, قال: نم على فراشي والتحف ببردتي, فنام علي (ع) على فراش رسول الله (ص) والتحف ببردته‏, وجاء جبرئيل (ع) فأخذ بيد رسول الله (ص) فأخرجه على قريش وهم نيام, وهو يقرأ عليهم {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون‏} وقال له جبرئيل (ع): خذ على طريق ثور، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور، فدخل الغار وكان من أمره ما كان, فلما أصبحت قريش وأتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش، فوثب علي (ع) في وجوههم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا له: أين محمد؟ قال: أجعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا، فقد خرج عنكم، فأقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون: أنت تخدعنا منذ الليلة، فتفرقوا في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز يقفو الآثار، فقالوا له: يا أبا كرز, اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله (ص) فقال: هذه قدم محمد, والله إنها لأخت القدم التي في المقام, وكان أبو بكر استقبل رسول الله (ص) فرده معه، فقال أبو كرز: وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه, ثم قال: وهاهنا عبر ابن أبي قحافة, فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان, إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال: ما في الغار واحد, فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله (ص), ثم أذن لنبيه في الهجرة.

--------------

تفسير القمي ج 1 ص 273, تفسير الصافي ج 2 ص 294, البرهان ج 2 ص 669, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 147, تفسير كنز الدقائق ج 5 ص 327

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور – الى ان قال وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد، وأشار عليهم في النبي (ص) بما أشار، فأنزل الله (تعالى): {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.

---------------

الأمالي للصدوق ص 177, البرهان ج 2 ص 703, بحار الأنوار ج 60 ص 233, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 145, تفسير كنز الدقائق ج 5 ص 324

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أنس بن مالك قال: لما توجه رسول الله (ص) إلى الغار ومعه أبو بكر، أمر النبي (ص) عليا (ع) أن ينام على فراشه ويتوشح ببردته، فبات علي (ع) موطنا نفسه على القتل، وجاءت في رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله (ص) فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكون أنه محمد (ص) فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه، فلما أيقظوه ورأوه عليا (ع) تركوه وتفرقوا في طلب رسول الله (ص)، فأنزل الله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.

------------

الأمالي للطوسي ص 446, حلية الأبرار ج 1 ص 136, بحار الأنوار ج 19 ص 55, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 204, تفسير كنز الدقائق ج 1 ص 500, غاية المرام ج 4 ص 21

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبيدة أنه قال: وكان هؤلاء الثلاثة: هند بن أبي هالة، وأبو رافع، وعمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى رسول الله (ص) بالمدينة، ومبيته قبل ذلك على فراشه. قال: وصدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة، واقتصاصه عن الثلاثة: هند، وعمار، وأبي رافع، وقد دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا: كان الله عز وجل مما يمنع نبيه (ص) بعمه أبي طالب (ع) فما كان يخلص‏ إليه أمر يسوءه من قومه مدة حياته، فلما مات أبو طالب (ع) نالت قريش من رسول الله (ص) بغيتها، وأصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لقى‏، فقال (ص): لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم، وصلتك رحما، وجزيت خيرا يا عم. ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب (ع) بشهر، واجتمع بذلك على رسول الله (ص) حزنان، حتى عرف ذلك فيه. قال هند: ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة، ليرتأوا ويأتمروا في رسول الله (ص) وأسروا ذلك بينهم، فقال بعضهم: نبني له علما ويترك برحا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة فيه إليه أحد ولا يزال في رنق‏ من العيش حتى يتضيفه ريب المنون‏، وصاحب هذه المشورة العاص بن وائل، وأمية وأبي ابنا خلف. فقال قائل: كلا ما هذا لكم برأي‏، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن الحدب الحميم‏ والمولى الحليف، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن، فلينتزعن من أنشوطتكم‏ قولوا: قولكم. فقال عتبة، وشيبة وشركهما أبو سفيان. قالوا: فإنا نرى نرحل بعيرا صعبا، ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا ثم‏ نقصع‏ البعير بأطراف الرماح، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك‏ إربا إربا. فقال صاحب رأيهم: إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق‏، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاقة لسانه فصبا القوم إليه، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة فليسيرن‏ حينئذ إليكم بالكتائب‏ والمقانب‏ فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم. قولوا: قولكم. فقال له أبو جهل: لكني أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا، ثم تسلحوه حساما عضبا، وتمهد الفتية حتى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبشة بياتا فيذهب دمه في قبايل قريش جميعا، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبايل قريش في صاحبهم فيرضون حينئذ بالعقل‏ منهم. فقال صاحب رأيهم: أصبت يا أبا الحكم، ثم أقبل عليهم، فقال: هذا الرأي، فلا تعدلن به رأيا، وأوكئوا في ذلك أفواهكم حتى يستتب‏ أمركم،: فخرج القوم عزين‏، وسبقهم بالوحي بما كان‏ من‏ كيدهم‏ جبرئيل (ع)، فتلا هذه الآية على رسول الله (ص): {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. فلما أخبره جبرئيل (ع) بأمر الله في ذلك ووحيه، وما عزم له من الهجرة، دعا رسول الله (ص) عليا (ع)، وقال له: يا علي، إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا، يخبرني أن قريشا اجتمعوا على المكر بي وقتلي، وأنه أوحى إلي ربي (عز وجل) أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي، وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي أو قال: مضجعي ليخفى بمبيتك عليه أثري، فما أنت قائل، وما صانع فقال علي (ع): أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله قال: نعم، فتبسم علي (ع) ضاحكا، وأهوى إلى الأرض ساجدا، شكرا بما أنبأه رسول الله (ص) من سلامته، وكان علي (ع) أول من سجد لله شكرا، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله (ص)، فلما رفع رأسه قال له: امض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك، وأقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله. قال: وإن ألقي عليك شبه مني، أو قال: شبهي، قال: إن بمعنى نعم‏ قال: فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي، ثم إني أخبرك يا علي أن الله (تعالى) يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا ابن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل، فصبرا صبرا، ف{إن رحمت الله قريب من المحسنين}‏. ثم ضمه النبي (ص) إلى صدره وبكى إليه وجدا به، وبكى علي (ع) جشعا لفراق رسول الله (ص). واستتبع رسول الله (ص) أبا بكر بن أبي قحافة وهند بن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار، ولبث رسول الله (ص) بمكانه مع علي (ع) يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين. ثم خرج رسول الله (ص) في فحمة العشاء الآخرة، والرصد من قريش قد أطافوا بداره، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين، فخرج وهو يقرأ هذه الآية {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} وأخذ بيده قبضة من تراب، فرمى بها على رءوسهم، فما شعر القوم به حتى تجاوزهم، ومضى حتى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه، حتى وصلوا إلى الغار. ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله (ص)، ودخل رسول الله (ص) وأبو بكر إلى الغار، فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع‏ الأثر، أقبل القوم على علي (ع) يقذفونه بالحجارة والحلم‏، ولا يشكون أنه رسول الله (ص)، حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على علي (ع)، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها، فلما بصر بهم علي (ع) قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب له علي (ع) فختله وهمز يده‏، فجعل خالد يقمص قماص البكر، ويرغو رغاء الجمل، ويذعر ويصيح، وهم في عرج الدار من خلفه، وشد عليهم علي (ع) بسيفه يعني سيف خالد فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار، فتبصروه فإذا هو علي (ع)، فقالوا: إنك لعلي قال: أنا علي. قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك قال: لا علم لي به، وقد كان علم يعني عليا (ع) أن الله تعالى قد أنجى نبيه (ص) بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه، فأذكت قريش عليه العيون‏، وركبت في طلبه الصعب والذلول، وأمهل علي (ع) حتى إذا أعتم‏ من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله (ص) في الغار، فأمر رسول الله (ص) هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب. فقال: إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال: فهي لك بذلك، فأمر (ص) عليا (ع) فأقبضه الثمن، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته. وكانت قريش تدعو محمدا (ص) في الجاهلية الأمين، وكانت‏ تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك، فأمر عليا (ع) أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشيا: ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤد إليه أمانته. قال: وقال النبي (ص): إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم، ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم. قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع أوكان رسول الله (ص) يجد ما ينفقه هكذا فقال: إني سألت أبي عما سألتني، وكان يحدث بهذا الحديث، فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجة (ع) وقال: إن رسول الله (ص) قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة (ع)، وكان رسول الله (ص) يفك من مالها الغارم والعاني‏ ويحمل الكل‏، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة - إلى أن قال - قال: وقال رسول الله (ص) لعلي وهو يوصيه: وإذا أبرمت ما أمرتك فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي إليك، ولا تلبث بعده. وانطلق رسول الله (ص) لوجهه يؤم المدينة، وكان مقامه في الغار ثلاثا، ومبيت علي (ع) على الفراش أول ليلة. قال عبيد الله بن أبي رافع: وقد قال علي بن أبي طالب (ع) شعرا يذكر فيه‏ مبيته على الفراش ومقام رسول الله (ص) في الغار ثلاثا:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصا ... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به ... فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

وبت أراعيهم متى ينشرونني‏ ... وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمنا ... هناك وفي حفظ الإله وفي ستر

أقام ثلاثا ثم زمت قلائص‏ ... قلائص يفرين الحصا أينما تفري‏

ولما ورد رسول الله (ص) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة، وألاصه‏ في ذلك، فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي‏ يعني عليا وفاطمة.

-------------

الأمالي للطوسي ص 465, كشف الغمة ج 1 ص 404, البرهان ج 2 ص 673, حلية الأبرار ج 1 ص 143, بحار الأنوار ج 19 ص 59

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ابن عباس، قال شرى علي (ع) نفسه، فلبس ثوب النبي (ص)، ثم نام مكانه، فكان المشركون يرمون رسول الله (ص). قال: فجاء أبو بكر وعلي (ع) نائم، وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، فقال: أين نبي الله؟ فقال علي (ع): إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون، فأدرك قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. وجعل (ع) يرمى بالحجارة كما كان يرمى رسول الله (ص)، وهو يتضور، قد لف رأسه، فقالوا: إنك للئم! لكنه كان صاحبك لا يتضور، قد استنكرنا ذلك؟!

----------------

مسند أحمد ج 1 ص 331, مجمع الزوائد ج 9 ص 119, تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 102, البداية والنهاية ج 7 ص 374, دخائر العقبى ص 87, المستدرك ج 3 ص 133, المعجم الكبير ج 12 ص 77, مناقب الخوارزمي ص 126

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

زيارة أمير المؤمنين (ع) يوم الغدير, أخبرني الفقيه الاجل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي رضي الله عنه، عن الفقيه العماد محمد بن أبي القاسم الطبري، عن أبي علي، عن والده، عن محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي القاسم بن روح وعثمان بن سعيد العمري، عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري، عن أبيه ، وذكر انه (ع) زار بها في يوم الغدير في السنة التي اشخصه المعتصم. تقول: ... فلما آل الامر إليك أجريتهم على ما أجر يا رغبة عنهما بما عند الله لك فأشبهت محنتك بهما محن الأنبياء عند الوحدة وعدم الأنصار وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه السلام إذ أجبت كما أجاب، وأطعت كما أطاع إسماعيل صابرا محتسبا ، إذ قال له يا بني إني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى قال: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين ، وكذلك أنت لما أباتك النبي صلى الله عليه وآله وأمرك أن تضجع في مرقده واقيا له بنفسك ، أسرعت إلى إجابته مطيعا ولنفسك على القتل موطنا ، فشكر الله تعالى طاعتك، وأبان عن جميل فعلك بقوله جل ذكره {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} ...

-----------------

المزار للمشهدي ص 279, المزار للشهيد الأول ص 85, بحار الأنوار ج 97 ص 367

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ابن عباس قال في علي بن أبي طالب (ع): لما انطلق النبي (ص) إلى الغار فأنامه النبي (ص) في مكانه, وألبسه برده, فجاءت قريش تريد أن تقتل النبي (ص), فجعلوا يرمون عليا (ع) وهم يرون أنه النبي (ص), وقد ألبسه النبي (ص) برده, فجعل يتضور, فنظروا فإذا هو علي (ع) فقالوا: إنك لنائم؟ ولو كان صاحبك ما تضور, لقد استنكرنا ذلك منك.

------------

تفسير فرات ص 65, بحار الأنوار ج 19 ص 87

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي جعفر (ع) قال: اما قوله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب (ع) حين بذل نفسه لله ولرسوله ليلة اضطجع على فراش رسول الله (ص) لما طلبته كفار قريش. 

--------------

تفسير العياشي ج 1 ص 101, غاية المرام ج 4 ص 22, البرهان ج 1 ص 443, بحار الأنوار ج 19 ص 78

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن علي بن الحسين (ع) في قول الله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله}. قال: نزلت في علي (ع) حين بات على فراش رسول الله (ص).

-------------

الأمالي للطوسي ص 446, حلية الأبرار ج 1 ص 135, غاية المرام ج 4 ص 21, البرهان ج 1 ص 441, بحار الأنوار ج 19 ص 54, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 204, تفسير كنز الدقائق ج 1 ص 500

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ابن عباس، قال: بات علي (ع) ليلة خرج رسول الله (ص) إلى المشركين على فراشه ليعمي على قريش، وفيه نزلت هذه الآية {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله}.

------------

الأمالي للطوسي ص 252, بحار الأنوار ج 19 ص 56, فضائل أمير المؤمنين (ع) للكوفي ص 177

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي سعيد الخدري قال: لما أسري بالنبي (ص) يريد الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله (ص) فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الاخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختاراها وأحبا الحياة، فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيي محمد (ص) فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب الله عز وجل يباهي بك الملائكة فأنزل الله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رؤوف بالعباد}.

--------------

شواهد التنزيل ج 1 ص 123, أسد الغابة ج 4 ص 25, الفصول المهمة في معرفة الأئمة ج 1 ص 294, تفسير الثعلبي ج 2 ص 125

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عمار بن ياسر وأبي رافع مولى النبي (ص). قال أبو اليقظان. فحدثنا رسول الله ونحن معه بقباء، عما أرادت قريش من المكر به ومبيت علي (ع) على فراشه، قال: أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل (ع) أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: عبدي ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل - أو قال: رقد - على فراشه يفديه بمهجته، اهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة! قال: فأنزل الله في علي (ع): {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.

--------------

الأمالي للطوسي ص 469, مناقب آشوب ج 1 ص 339, البرهان ج 1 ص 444, حلية الأبرار ج 1 ص 149, بحار الأنوار ج 19 ص 64, فضائل أمير المؤمنين (ع) لابن عقدة ص 181 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عبد الملك العكبري، وعن أبي المظفر السمعاني، بإسنادهما عن علي ابن الحسين (ع)، قال: أول من شرى نفسه علي بن أبي طالب (ع)، كان المشركون يطلبون رسول الله (ص)، فقام من فراشه وانطلق هو وأبو بكر، واضطجع علي (ع) على فراش رسول الله (ص)، فجاء المشركون فوجدوا عليا (ع)، ولم يجدوا رسول الله(ص).

-------------

نهج الإيمان ص 304 عن فضائل الصحابة, مناقب علي بن أبي طالب (ع) لابن مردويه 224

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

خبر مما روي عن جماعة ثقات، أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي وأنها مثلت بين يديه. فقال لها: يا حرة ابنة حليمة السعدية، قالت له: فراسة من غير مؤمن فقال لها: الله جاء بك، وقد قيل لي عنك: إنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان؟ قالت: لقد كذب الذي قال إني أفضله على هؤلاء خاصة، قال وعلى غير هؤلاء؟ قالت أفضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم. فقال لها: يا ويلك! أقول لك إنك تفضلينه على الصحابة، وتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم، من الرسل وإذا لم تأتي ببيان ما قلت وإلا لأضربن عنقك. - الى ان قال -: فبما تفضلينه على موسى كليم الله؟ قالت: يقول الله: {فخرج منها خائفا يترقب} وعلي بن أبي طالب (ع) بات على فراش رسول الله (ص) لم يخف حتى أنزل الله تعالى في حقه {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: أحسنت يا حرة.

---------------

بحار الأنوار ج 46 ص 134, الروضة في فضائل أمير المؤمنين (ع) لابن جبرائيل ص 234, الفضائل لشاذان بن جبرئيل ص 137, رياض الأبرار ج 2 ص 63, العوالم ج 18 ص 186

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* رسول الله (ص) في الغار:

فتفرقوا – أي قريش - في الجبال، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له: أبو كرز يقفو الآثار، فقالوا له: يا أبا كرز, اليوم اليوم، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله (ص) فقال: هذه قدم محمد, والله إنها لأخت القدم التي في المقام, وكان أبو بكر استقبل رسول الله (ص) فرده معه، فقال أبو كرز: وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه, ثم قال: وهاهنا عبر ابن أبي قحافة, فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار، ثم قال ما جاوزا هذا المكان, إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال: ما في الغار واحد, فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله (ص), ثم أذن لنبيه في الهجرة.

--------------

تفسير القمي ج 1 ص 273, تفسير الصافي ج 2 ص 294, البرهان ج 2 ص 669, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 147, تفسير كنز الدقائق ج 5 ص 327

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس على باب الغار وهو يقول لهم: اطلبوه في هذه الشعاب, فليس هاهنا, فأقبلوا يدورون في الشعاب, وبقي رسول الله (ص) في الغار ثلاثة أيام, ثم أذن الله له في الهجرة وقال: يا محمد, اخرج عن مكة فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب, فخرج رسول الله (ص) من الغار, وأقبل راع لبعض قريش يقال له: ابن أريقط, فدعاه رسول الله (ص) وقال له: يا ابن أريقط, أءتمنك على دمي؟ قال: إذا أحرسك وأحفظك ولا أدل عليك, فأين تريد يا محمد؟ قال: يثرب, قال: والله لأسلكن بك مسلكا لا يهتدي إليه أحد, قال له رسول الله (ص): ائت عليا وبشره بأن الله قد أذن لي في الهجرة, فيهيئ لي زادا وراحلة, وقال أبو بكر: ائت أسماء بنتي وقل لها تهيئ لي زادا وراحلتين, وأعلم عامر بن فهيرة أمرنا, وكان من موالي أبي بكر وقد كان أسلم, وقل له ائتنا بالزاد والراحلتين, فجاء ابن أريقط إلى علي (ع) وأخبره‏ بذلك, فبعث علي بن أبي طالب (ع) إلى رسول الله (ص) بزاد وراحلة, وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين. وخرج رسول الله (ص) من الغار وأخذ به ابن أريقط على طريق نخلة بين الجبال فلم يرجعوا إلى الطريق إلا بقديد, فنزلوا على أم معبد هناك‏.

-----------

إعلام الورى ص 63, بحار الأنوار ج 19 ص 69 بعضه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

مناظرة الحروري والباقر (ع) – الى ان قال - قال أبو جعفر (ع): وأما ما ذكرت أنه - أي أبو بكر - صاحب رسول الله (ص) في الغار فذلك رذيلة لا فضيلة من وجوه, الأول: أنا لا نجد له في الآية مدحا أكثر من خروجه معه وصحبته له, وقد أخبر الله في كتابه أن الصحبة قد يكون للكافر مع المؤمن حيث يقول‏ {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت‏} وقوله {أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} ولا مدح له في صحبته إذ لم يدفع عنه ضيما ولم يحارب عنه عدوا. الثاني: قوله تعالى‏ {لا تحزن إن الله معنا} وذلك يدل على قلقه وضرعه وقلة صبره وخوفه على نفسه وعدم وثوقه بما وعده الله ورسوله من السلامة والظفر, ولم يرض بمساواته للنبي (ص) حتى نهاه عن حاله, ثم إني أسألك عن حزنه: هل كان رضا لله تعالى أو سخطا له؟ فإن قلت: إنه رضا لله تعالى, خصمت لأن النبي (ص) لا ينهى عن شي‏ء لله فيه رضا, وإن قلت: إنه سخط, فما فضل من نهاه رسول الله (ص) عن سخط الله, وذلك أنه إن كان أصاب في حزنه فقد أخطأ من نهاه وحاشا النبي (ص) أن يكون قد أخطأ, فلم يبق إلا أن حزنه كان خطأ فنهاه رسول الله (ص) عن خطائه. الثالث: قوله تعالى {إن الله معنا} تعريف لجاهل لم يعرف حقيقة ما هم فيه, ولو لم يعرف النبي (ص) فساد اعتقاده لم يحسن منه القول‏ {إن الله معنا} وأيضا فإن الله تعالى مع الخلق كلهم حيث خلقهم ورزقهم وهم في علمه كما قال الله تعالى‏ {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم‏} فلا فضل لصاحبك في هذا الوجه. والرابع: قوله تعالى {فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها} فيمن نزلت؟ قال: على رسول الله (ص), قال له أبو جعفر (ع): فهل شاركه أبو بكر في السكينة؟ قال الحروري: نعم, قال له أبو جعفر (ع): كذبت, لأنه لو كان شريكا فيها لقال تعالى "عليهما" فلما قال‏ "عليه‏" دل على اختصاصها بالنبي (ص) لما خصه بالتأييد بالملائكة, لأن التأييد بالملائكة لا يكون لغير النبي (ص) بالإجماع, ولو كان أبو بكر ممن يستحق المشاركة هنا لأشركه الله فيها كما أشرك فيها المؤمنين يوم حنين حيث يقول {ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} ممن يستحق المشاركة لأنه لم يصبر مع النبي (ص) غير تسعة نفر: علي (ع) وستة من بني هاشم, وأبي دجانة الأنصاري, وأيمن ابن أم أيمن, فبان بهذا أن أبا بكر لم يكن من المؤمنين ولو كان مؤمنا لأشركه مع النبي (ص) في السكينة هنا كما أشرك فيها المؤمنين يوم حنين, فقال الحروري: قوموا فقد أخرجه من الإيمان, فقال أبو جعفر (ع): ما أنا قلته وإنما قاله الله تعالى في محكم كتابه‏.

---------

بحار الأنوار ج 27 ص 321

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن إسحاق بن حماد بن زيد في إحتجاج المأمون على علماء العامة وإثباته خلافة أمير المؤمنين (ع), وفيهم أربعون رجلا جمعهم إسحاق بن حماد بن زيد بأمر من المأمون, قال إسحاق: قلت: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى يقول في أبي بكر {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} فنسبه الله عز وجل إلى صحبة نبيه (ص), فقال المأمون: سبحان الله ما أقل علمك باللغة والكتاب, أما يكون الكافر صاحبا للمؤمن؟ فأي فضيلة في هذا؟ أما سمعت قول الله تعالى‏ {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا} فقد جعله له صاحبا, وقال الهذلي شعرا:

ولقد غدوت وصاحبي وحشية ... تحت الرداء بصيرة بالمشرق‏

وقال الأزدي شعرا:

و لقد ذعرت‏ الوحش فيه وصاحبي ... محض القوائم من هجان هيكل‏

فصير فرسه صاحبه, وأما قوله‏ {إن الله معنا} فإن الله تبارك وتعالى مع البر والفاجر, أما سمعت قوله تعالى‏ {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا} وأما قوله‏ {لا تحزن}‏ فأخبرني من حزن أبي بكر أكان طاعة أو معصية؟ فإن زعمت أنه طاعة فقد جعلت النبي (ص) ينهى عن الطاعة وهذا خلاف صفة الحكيم, وإن زعمت أنه معصية فأي فضيلة للعاصي؟ وخبرني عن قوله تعالى‏ {فأنزل الله سكينته عليه}‏ على من؟ قال إسحاق: فقلت: على أبي بكر, لأن النبي (ص) كان مستغنيا عن الصفة السكينة, قال: فخبرني عن قوله عز وجل‏ {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين‏} أتدري من المؤمنون الذين أراد الله تعالى‏ في هذا الموضع؟ قال: فقلت: لا, فقال: إن الناس انهزموا يوم حنين فلم يبق مع النبي (ص) إلا سبعة من بني هاشم: علي (ع) يضرب بسيفه, والعباس أخذ بلجام بغلة رسول الله (ص), والخمسة يحدقون بالنبي (ص) خوفا من أن يناله سلاح الكفار, حتى أعطى الله تبارك وتعالى رسوله (ص) الظفر, عنى بالمؤمنين في هذا الموضع عليا (ع) ومن حضر من بني هاشم, فمن كان أفضل أمن كان مع النبي (ص) فنزلت السكينة على النبي وعليه, أم من كان في الغار مع النبي (ص) ولم يكن أهلا لنزولها عليه؟ يا إسحاق من أفضل من كان مع النبي (ص) في الغار أو من نام على مهاده وفراشه ووقاه بنفسه حتى تم للنبي (ص) ما عزم عليه من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر نبيه (ص) أن يأمر عليا (ع) بالنوم على فراشه ووقايته بنفسه فأمره بذلك, فقال علي (ع): أتسلم يا نبي الله؟ قال: نعم‏, قال: سمعا وطاعة, ثم أتى مضجعه وتسجى بثوبه وأحدق المشركون به لا يشكون في أنه النبي (ص), وقد أجمعوا على أن يضربه من كل بطن من قريش رجل ضربة لئلا يطلب الهاشميون بدمه, وعلي (ع) يسمع بأمر القوم فيه من التدبير في تلف نفسه, فلم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع أبو بكر في الغار وهو مع النبي (ص) وعلي (ع) وحده, فلم يزل صابرا محتسبا, فبعث الله تعالى ملائكته تمنعه من مشركي قريش, فلما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمد؟ قال: وما علمي به؟ قالوا: فأنت غدرتنا, ثم لحق بالنبي (ص) فلم يزل علي (ع) أفضل لما بدا منه إلا ما يزيد خيرا حتى قبضه الله تعالى إليه وهو محمود مغفور له‏.

-----------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 192, بحار الأنوار ج 49 ص 198, رياض الأبرار ج 2 ص 389, العوالم ج 22 ص 318

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عبد العظيم بن عبد الله قال: قال هارون الرشيد لجعفر بن يحيى البرمكي: إني أحب أن أسمع كلام المتكلمين من حيث لا يعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون, فأمر جعفر المتكلمين فأحضروا داره وصار هارون في مجلس يسمع كلامهم وأرخى بينه وبين المتكلمين سترا, فاجتمع المتكلمون وغص المجلس بأهله ينتظرون هشام بن الحكم, فدخل عليهم هشام وعليه قميص إلى الركبة وسراويل إلى نصف الساق, فسلم على الجميع ولم يخص جعفرا بشي‏ء, فقال له رجل من القوم: لم فضلت عليا على أبي بكر والله يقول‏ {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} فقال هشام: فأخبرني عن حزنه في ذلك الوقت أكان لله رضى أم غير رضى؟ فسكت, فقال هشام: إن زعمت أنه كان لله رضى فلم نهاه رسول الله (ص) فقال: {لا تحزن} أنهاه عن طاعة الله ورضاه؟ وإن زعمت أنه كان لله غير رضى فلم تفتخر بشي‏ء كان لله غير رضى؟ وقد علمت ما قد قال الله تبارك وتعالى حين قال‏ {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}.

----------

الإختصاص ص 96, بحار الأنوار ج 10 ص 297

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ابن فضال, عن الرضا (ع):‏ فأنزل الله سكينته على رسوله‏ (1) {وأيده بجنود لم تروها}. (2)

---------------

(1) العلامة المجلسي في مرآة العقول في شرح الحديث: أن الضمير لا بد من إرجاعه إلى الرسول (ص) وأنه يدل على عدم إيمان أبي بكر, لأن الله تعالى قال في تلك السورة {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} (سورة التوبة آية 26) وقال في سورة الفتح (آية 26) {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين}

(2) الكافي ج 8 ص 378, الوافي ج 26 ص 433, البرهان ج 2 ص 784, بحار لأنوار ج 89 ص 59, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 220

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن زرارة: قال أبو جعفر (ع): فأنزل سكينته على رسوله, ألا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله (ص) {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى} فقال: هو الكلام الذي تكلم به عتيق‏.

-----------

تفسير العياشي ج 2 ص 88, تفسير الصافي ج 2 ص 344, البرهان ج 2 ص 784, بحار الأنوار ج 19 ص 80, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 220, تفسير الأصفى ج 1 ص 467, تفسير كنز الدقائق ج 5 ص 462

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الأعمش‏ في إحتجاج طويل بين أبو جعفر مؤمن الطاق وأبي حذرة, قال أبو جعفر: وأما قولك‏ {ثاني‏ اثنين‏ إذ هما في‏ الغار} أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين في غير الغار؟ قال ابن أبي حذرة: نعم, قال أبو جعفر: فقد خرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن, ومكان علي (ع) في هذه الليلة على فراش النبي (ص) وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار, فقال: الناس صدقت‏.

--------------

الإحتجاج ج 2 ص 379, بحار الأنوار ج 47 ص 397

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن حمزة بن حمران قال: قلت لأبي عبد الله (ع) في احتجاج الناس علينا في الغار, فقال (ع) حسبك بذلك عارا - أو قال شرا - إن الله تعالى لم يذكر رسوله (ص) مع المؤمنين إلا أنزل السكينة عليهم جميعا, وإنه أنزل سكينته على رسوله (ص) وأخرجه منها خص رسول الله (ص) دونه.

---------------

السرائر ج 3 ص 633, بحار الأنوار ج 30 ص 231

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روي قال ابن الكواء لأمير المؤمنين (ع): أين كنت حيث ذكر الله تعالى نبيه وأبا بكر فقال‏ {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} فقال أمير المؤمنين (ع): ويلك يا ابن الكواء, كنت على فراش رسول الله (ص) وقد طرح علي ريطته‏ (1) فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها, فلم يبصروا رسول الله (ص) حيث خرج, فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم حتى تنفط جسدي وصار مثل البيض, ثم انطلقوا بي يريدون قتلي فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا محمدا, قال: فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا مني ومن الباب بقفل, فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول: يا علي, فسكن الوجع الذي كنت أجده وذهب الورم الذي كان في جسدي, ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي, فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع, ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي, فإذا الباب قد تساقط ما عليه وفتح فقمت وخرجت وقد كانوا جاءوا بعجوز كمهاء (2) لا تبصر ولا تنام تحرس الباب, فخرجت عليها فإذا هي لا تعقل من النوم. (3)

----------

(1) كل ثوب يشبه الملحفة

(2) عمى أو صار أعشى، وبصره اعترته ظلمة

(3) خصائص الأئمة عليهم السلام ص 58, البرهان ج 2 ص 779, حلية الأبرار ج 1 ص 161, مدينة المعاجز ج 1 ص 461, بحار الأنوار ج 36 ص 43, غاية المرام ج 4 ص 23, الخرائج ج 1 ص 215 بأختصار

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن مجاهد قال: فخرت عايشة بأبيها ومكانه مع رسول الله (ص) في الغار، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: وأين أنت من علي بن أبي طالب (ع) حيث نام في مكانه وهو يرى أنه يقتل، فسكتت ولم تحر جوابا.

--------------

الأمالي للطوسي ص 447, مناقب آشوب ج 2 ص 57, تسلية المجالس ج 1 ص 177, حلية الأبرار ج 1 ص 137, بحار الأنوار ج 19 ص 56

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال:‏ لما كان رسول الله (ص) في الغار قال لفلان: كأني أنظر إلى سفينة جعفر في أصحابه يقوم في البحر, وأنظر إلى الأنصار محتسبين في أفنيتهم, فقال فلان: وتراهم يا رسول الله؟ قال: نعم, قال: فأرنيهم, فمسح على عينيه فرآهم, فقال في نفسه: الآن صدقت أنك ساحر, فقال له رسول الله (ص): أنت الصديق‏.

-----------

تفسير القمي ج 1 ص 290, بحار الأنوار ج 19 ص 53, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 220, البرهان ج 2 ص 779 بعضه, إثبات الهداة ج 1 ص 409 بعضه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن يوسف بن صهيب, عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: إن رسول الله (ص) أقبل يقول لأبي بكر في الغار: اسكن فإن الله معنا, وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن, فلما رأى رسول الله (ص) حاله قال له: تريد أن أريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون؟ فأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون؟ قال:‏ نعم, فمسح رسول الله (ص) بيده على وجهه, فنظر إلى الأنصار يتحدثون ونظر إلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون, فأضمر تلك الساعة أنه ساحر.

-------------

الكافي ج 8 ص 262, الوافي ج 2 ص 208, تفسير الصافي ج 2 ص 344, إثبات الهداة ج 1 ص 260, البرهان ج 2 ص 777, حلية الأبرار ج 1 ص 155, بحار الأنوار ج 19 ص 88, تفسير نو رالثقلين ج 2 ص 219, تفسير كنز الدقائق ج 5 ص 461, تفسير الأصفى ج 1 ص 466

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن خالد بن نجيح قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جعلت فداك سمى رسول الله (ص) أبا بكر الصديق؟ قال: نعم, قال: فكيف؟ قال: حين كان معه في الغار, قال رسول الله (ص): إني لأرى سفينة جعفر بن أبي طالب تضطرب في البحر ضالة, قال: يا رسول الله وإنك لتراها؟ قال: نعم, قال: فتقدر أن ترينها؟ قال: أدن مني, قال: فدنا منه فمسح على عينيه, ثم قال: انظر, فنظر أبو بكر فرأى السفينة وهي تضطرب في البحر, ثم نظر إلى قصور أهل المدينة, فقال في نفسه: الان صدقت أنك ساحر, فقال رسول الله (ص) الصديق أنت.

---------------

بصائر الدرجات ص 442، المحتضر ص 104, بحار الأنوار ج 18 ص 109، مختصر البصائر ص 122

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن سليم في حديث طوويل قال: فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت: هل شهد موت أبيك غيرك وغير أخيك عبد الرحمن وعائشة وعمر؟ قال: لا, قلت: وسمعوا منه ما سمعت؟ قال: سمعوا منه طرفا فبكوا وقالوا: هو يهجر, فأما كلما سمعت أنا فلا, قلت: فالذي سمعوا ما هو؟ قال: دعا بالويل والثبور فقال له عمر: يا خليفة رسول الله لم تدعو بالويل والثبور؟ قال: هذا رسول الله (ص) ومعه علي بن أبي طالب (ع) يبشراني بالنار, ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة (1) وهو يقول: لقد وفيت بها وظاهرت على ولي الله, فأبشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل السافلين, فلما سمعها عمر خرج وهو يقول: إنه ليهجر, قال: والله ما أهجر أين تذهب؟ قال: كيف لا تهجر وأنت‏ {ثاني اثنين إذ هما في الغار}؟ قال: أولم أحدثك أن محمدا (ص) - ولم يقل رسول الله - قال لي وأنا معه في الغار: إني أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر, فقلت: أرنيها, فمسح يده على وجهي ونظرت إليها فأضمرت عند ذلك أنه ساحر, وذكرت ذلك لك بالمدينة, فاجتمع رأيي ورأيك على أنه ساحر, قال عمر: يا هؤلاء إن أبا بكر يهذي فاجتنبوه واكتموا ما تسمعون منه لئلا يشمت بكم أهل هذا البيت‏. (2)

---------------

(1) الصحيفة الملعونة:

كتاب سليم بن قيس ج 2 ص 589, عن أبان بن أبي عياش, عن سليم بن قيس, عن سلمان, عن علي (ع) أنه قال لأبي بكر ومن بايعه في السقيفة: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت. فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها فقال (ع): أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله (ص) يقول ذلك وأنتم تسمعون: إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة (وهم: أبو بكر, وعمر, وأبو عبيدة الجراح, وسالم مولى أبي حذيفة, ومعاذ بن جبل‏) - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت؟ فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله (ص) يقول ذلك لك: إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي.

(2) إرشاد القلوب ج 2 ص 392, كتاب سليم بن قيس ج 2 ص 820, بحار الأنوار ج 30 ص 129, مدينة المعاجز ج 2 ص 90

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن هند بن أبي هالة في حديث طويل أنه قال: ...وأمهل علي (ع) حتى إذا أعتم‏ من الليلة – بعد مبيته في فراش رسول الله ص - القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله (ص) في الغار، فأمر رسول الله (ص) هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب. فقال: إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن. قال: فهي لك بذلك، فأمر (ص) عليا (ع) فأقبضه الثمن، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته...

-------------

الأمالي للطوسي ص 465, كشف الغمة ج 1 ص 404, البرهان ج 2 ص 673, حلية الأبرار ج 1 ص 143, بحار الأنوار ج 19 ص 59

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال ابن إسحاق: فلما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول الله (ص) قدم له أفضلهما ثم قال: اركب فداك أبي وأمي, فقال رسول الله (ص): إني لا أركب بعيرا ليس لي, قال: فهي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي, قال: لا ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به؟ قال: كذا وكذا, قال: أخذتها بذلك, قال: هي لك يا رسول الله.

----------

البداية والنهاية ج 3 ص 231, السيرة النبوية لابن هاشم ص 326, السيرة النبوية لابن كثير ج 2 ص 254, عمدة القاري ج 12 ص 81

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن معاوية بن عمار, عن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله (ص) لما خرج من الغار متوجها إلى المدينة وقد كانت قريش جعلت لمن أخذه مائة من الإبل, فخرج سراقة بن مالك بن جعشم فيمن يطلب, فلحق برسول الله (ص) فقال رسول الله (ص): اللهم اكفني شر سراقة بما شئت, فساخت قوائم فرسه, فثنى رجله ثم اشتد فقال: يا محمد, إني علمت أن الذي أصاب قوائم فرسي إنما هو من قبلك, فادع الله أن يطلق لي فرسي, فلعمري إن لم يصبكم مني خير لم يصبكم مني شر, فدعا رسول الله (ص) فأطلق الله عز وجل فرسه, فعاد في طلب رسول الله (ص) حتى فعل ذلك ثلاث مرات, كل ذلك يدعو رسول الله (ص) فتأخذ الأرض قوائم فرسه, فلما أطلقه في الثالثة قال: يا محمد, هذه إبلي بين يديك فيها غلامي, فإن احتجت إلى ظهر أو لبن فخذ منه, وهذا سهم من كنانتي علامة, وأنا أرجع فأرد عنك الطلب, فقال (ص) لا حاجة لنا فيما عندك.

----------

الكافي ج 8 ص 263, الوافي ج 26 ص 380, إثبات الهداة ج 1 ص 260, البرهان ج 2 ص 777, حلية الأبرار ج 1 ص 156, بحار الأنوار ج 19 ص 88

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

أن النبي (ص) سار حتى نزل خيمة أم معبد فطلبوا عندها قرى, فقالت: ما يحضرني شي‏ء, فنظر رسول الله (ص) إلى شاة في ناحية الخيمة قد تخلفت من الغنم لضرها, فقال: تأذنين في حلبها؟ قالت: نعم, ولا خير فيها. فمسح يده على ظهرها فصارت أسمن ما يكون من الغنم, ثم مسح يده على ضرعها فأرخت ضرعا عجيبا ودرت لبنا كثيرا. فقال: يا أم معبد, هاتي العس, فشربوا جميعا حتى رووا. فلما رأت أم معبد ذلك قالت: يا حسن الوجه, إن لي ولدا له سبع سنين وهو كقطعة لحم لا يتكلم ولا يقوم فأتته به. فأخذ تمرة قد بقيت في الوعاء ومضغها وجعلها في فيه فنهض في الحال ومشى وتكلم, وجعل (ص) نواها في الأرض فصارت في الحال نخلة, وقد تهدل الرطب منها, وكان كذلك صيفا وشتاء, وأشار من الجوانب فصار ما حولها مراعي, ورحل رسول الله (ص). ولما توفي (ص) لم ترطب تلك النخلة وكانت خضراء, فلما قتل علي (ع) لم تخضر وكانت باقية, فلما قتل الحسين (ع) سال منها الدم ويبست. فلما انصرف أبو معبد ورأى ذلك وسأل عن سببه, قالت: مر بي رجل قرشي من حاله وقصته كذا وكذا, قال: يا أم معبد, إن هذا الرجل هو صاحب أهل المدينة الذي هم ينتظرونه, ووالله ما أشك الآن أنه صادق في قوله إنه رسول الله فليس هذا إلا من فعل الله, ثم قصد إلى رسول الله (ص) فآمن هو وأهله.

------------

الخرائج ج 1 ص 146, بحار الأنوار ج 19 ص 75

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن سعيد بن‏ المسيب‏، عن علي بن الحسين (ع) في حديث طويل: حتى هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة، وخلف عليا (ع) في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره، وكان خروج رسول الله (ص) من مكة في أول يوم من ربيع الأول، وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث‏، وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس، فنزل بقبا، فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا (ع) يصلي الخمس صلوات‏ ركعتين ركعتين، وكان نازلا على عمرو بن عوف، فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون‏ له‏: أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلا ومسجدا؟ فيقول: لا، إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يلحقني، ولست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي، وما أسرعه إن شاء الله، فقدم علي (ع) والنبي (ص) في بيت عمرو بن عوف، فنزل معه. ثم إن رسول الله (ص) لما قدم عليه‏ علي (ع) تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف وعلي (ع) معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس، فخط لهم مسجدا، ونصب قبلته، فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين، ثم راح من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها وعلي (ع) معه لايفارقه، يمشي بمشيه، وليس يمر رسول الله (ص) ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول لهم: خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة، فانطلقت به ورسول الله (ص) واضع لها زمامها، حتى‏ انتهت إلى الموضع الذي ترى وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله (ص) الذي‏ يصلى عنده بالجنائز فوقفت عنده، وبركت‏ ووضعت جرانها على الأرض، فنزل رسول الله (ص)، وأقبل أبو أيوب مبادرا حتى احتمل رحله، فأدخله منزله، ونزل رسول الله (ص) وعلي (ع) معه حتى بني له مسجده، وبنيت‏ له مساكنه ومنزل علي (ع)، فتحولا إلى منازلهما. فقال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين (ع): جعلت فداك، كان أبو بكر مع رسول الله (ص) حين أقبل إلى المدينة، فأين فارقه؟ فقال‏: إن أبا بكر لما قدم رسول الله (ص) إلى قبا، فنزل بهم ينتظر قدوم علي (ع)، فقال له أبو بكر: انهض بنا إلى المدينة، فإن القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون‏ إقبالك إليهم، فانطلق بنا، ولا تقم هاهنا تنتظر عليا، فما أظنه يقدم عليك‏ إلى شهر. فقال له رسول الله (ص): كلا ما أسرعه، ولست أريم‏ حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل وأحب أهل بيتي إلي، فقد وقاني بنفسه من المشركين. قال: فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز، وداخله من ذلك حسد لعلي (ع)، وكان‏ ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله (ص) في علي (ع)، وأول خلاف على رسول الله (ص)، فانطلق حتى دخل المدينة، وتخلف رسول الله (ص) بقبا ينتظر عليا (ع).

-------------

الكافي ج 8 ص 339, مختصر البصائر ص 243, الوافي ج 3 ص 727, البرهان ج 3 ص 565, حلية الأبرار ج 2 ص 33, بحار الأنوار ج 19 ص 115

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ابن شهاب الزهري قال: كان بين ليلة العقبة وبين مهاجرة رسول الله (ص) ثلاثة أشهر, وكانت بيعة الأنصار لرسول الله (ص) ليلة العقبة في ذي الحجة وقدوم رسول الله (ص) إلى المدينة في شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه يوم الإثنين, وكانت الأنصار خرجوا يتوكفون أخباره فلما أيسوا رجعوا إلى منازلهم, فلما رجعوا أقبل رسول الله (ص), فلما وافى ذا الحليفة سأل عن طريق بني عمرو بن عوف فدلوه, فرفعه الآل فنظر رجل من اليهود وهو على أطم له إلى ركبان ثلاثة يمرون على طريق بني عمرو بن عوف, فصاح: يا معشر المسلمة! هذا صاحبكم قد وافى, فوقعت الصيحة بالمدينة, فخرج الرجال والنساء والصبيان مستبشرين لقدومه يتعاودون, فوافى رسول الله (ص) وقصد مسجد قبا ونزل, واجتمع إليه بنو عمرو بن عوف وسروا به واستبشروا واجتمعوا حوله, ونزل على كلثوم بن الهدم - شيخ من بني عمرو صالح مكفوف البصر - واجتمعت بطون الأوس, وكان‏ بين الأوس والخزرج عداوة فلم يجسروا أن يأتوا رسول الله (ص) لما كان بينهم من الحروب, فأقبل رسول الله (ص) يتصفح الوجوه فلا يرى أحدا من الخزرج, وقد كان قدم على عمرو بن عوف قبل قدوم رسول الله (ص) ناس من المهاجرين, فنزلوا فيهم.

------------

إعلام الورى ص 64, بحار الأنوار ج 19 ص 104

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

فلما أمسى رسول الله (ص) فارقه أبو بكر ودخل المدينة ونزل على بعض الأنصار, وبقي رسول الله (ص) بقبا نازلا على بيت كلثوم بن الهدم, فلما صلى رسول الله (ص) صلاة المغرب والعشاء الآخرة جاء أسعد بن زرارة مقنعا, فسلم على رسول الله وفرح بقدومه, ثم قال: يا رسول الله, ما ظننت أن أسمع بك في مكان فأقعد عنك إلا أن بيننا وبين إخواننا من الأوس ما تعلم, فكرهت أن آتيهم, فلما أن كان هذا الوقت لم أحتمل أن أقعد عنك, فقال رسول الله (ص) للأوس: من يجيره منكم؟ فقالوا: يا رسول الله, جوارنا في جوارك فأجره, قال: لا, بل يجيره بعضكم, فقال عويم بن ساعدة وسعد بن خيثمة: نحن نجيره يا رسول الله, فأجاروه, وكان يختلف إلى رسول الله (ص) فيتحدث عنده ويصلي خلفه, وبقي رسول الله (ص) خمسة عشر يوما, فجاء أبو بكر فقال: يا رسول الله, تدخل المدينة, فإن القوم متشوقون‏ إلى نزولك عليهم, فقال: لا أريم من هذا المكان حتى يوافي أخي علي (ع), وكان رسول الله (ص) قد بعث إليه أن احمل العيال واقدم, فقال أبو بكر: ما أحسب عليا يوافي, قال: بلى, ما أسرعه إن شاء الله, فبقي خمسة عشر يوما, فوافى علي (ع) بعياله, فلما وافى كان سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة يكسران أصنام الخزرج, وكان كل رجل شريف في بيته صنم يمسحه ويطيبه ولكل بطن من الأوس والخزرج صنم في بيت لجماعة يكرمونه ويجعلون عليه منديلا ويذبحون له, فلما قدم الاثنا عشر من الأنصار أخرجوها من بيوتهم وبيوت من أطاعهم. فلما قدم السبعون كثر الإسلام وفشا وجعلوا يكسرون الأصنام‏.

-----------

إعلام الورى 66, بحار الأنوار ج 19 ص 106

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* هجرة أمير المؤمنين (ع) من مكة إلى المدينة:

الواقدي وإسحاق الطبري: أن عمير بن وابل الثقفي أمره حنظلة بن أبي سفيان أن يدعي على علي (ع) ثمانين مثقال من الذهب وديعة عند محمد (ص) وأنه هرب من مكة وأنت وكيله, فإن طلب بينة الشهود فنحن معشر قريش نشهد عليه, وأعطوه على ذلك مائة مثقال من الذهب منها قلادة عشر مثاقيل لهند, فجاء وادعى على علي (ع) فاعتبر الودائع كلها وراى عليها أسامي أصحابها ولم يكن لما ذكره عمير خبرا, فنصح له نصحا كثيرا, فقال: إن لي من يشهد بذلك, وهو أبو جهل وعكرمة وعقبة بن أبي معيط وأبو سفيان وحنظلة, فقال (ع): مكيدة تعود إلى من دبرها, ثم أمر الشهود أن يقعدوا في الكعبة, ثم قال لعمير: يا أخا ثقيف أخبرني الآن حين دفعت وديعتك هذه إلى رسول الله (ص) أي الأوقات كان؟ قال: ضحوة نهار فأخذها بيده ودفعها إلى عبده, ثم استدعى بأبي جهل وسأله عن ذلك قال: ما يلزمني ذلك, ثم استدعى‏ بأبي سفيان وسأله فقال: دفعها عند غروب الشمس وأخذها من يده وتركها في كمه, ثم استدعى حنظلة وسأله عن ذلك فقال: كان عند وقت وقوف الشمس في كبد السماء وتركها بين يديه إلى وقت انصرافه, ثم استدعى بعقبه وسأله عن ذلك فقال: تسلمها بيده وأنفذها في الحال إلى داره وكان وقت العصر, ثم استدعى بعكرمة وسأله عن ذلك فقال: كان بزوغ الشمس أخذها فأنفذها من ساعته إلى بيت فاطمة, ثم أقبل على عمير وقال له: أراك قد اصفر لونك وتغيرت أحوالك, قال: أقول الحق ولا يفلح غادر, وبيت الله ما كان لي عند محمد وديعة, وإنهما حملاني على ذلك وهذه دنانيرهم وعقد هند عليها اسمها مكتوب, (1) ثم قال علي (ع): ايتوني بالسيف الذي في زاوية الدار, فأخذ وقال: أتعرفون هذا السيف؟ فقالوا: هذا لحنظلة, فقال أبو سفيان: هذا مسروق, فقال (ع): إن كنت صادقا في قولك فما فعل عبدك مهلع الأسود؟ قال: مضى إلى الطائف في حاجة لنا, فقال: هيهات أن يعود, تراه ابعث إليه أحضره إن كنت صادقا, فسكت أبو سفيان, ثم قام (ع) في عشرة عبيد لسادات قريش, فنبشوا بقعة عرفها فإذا فيها العبد مهلع قتيل, فأمرهم بإخراجه فأخرجوه وحملوه إلى الكعبة, فسأله الناس عن سبب قتله فقال: إن أبا سفيان وولده ضمنوا له رشوة عتقه وحثاه على قتلي, فكمن لي في الطريق ووثب علي ليقتلني فضربت رأسه وأخذت سيفه, فلما بطلت حيلتهم أرادوا الحيلة الثانية بعمير, فقال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسول الله. (2)

--------------

(1) إلى هنا في مستدرك الوسائل

مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 352, بحار الأنوار ج 40 ص 219, مستدرك الوسائل ج 17 ص 384

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

محمد الواقدي وأبو الفرج النجدي وأبو الحسن البكري وإسحاق الطبراني: أن عليا (ع) لما عزم على الهجرة قال له العباس: إن محمدا ما خرج إلا خفيا وقد طلبته قريش أشد طلب, وأنت تخرج جهارا في إناث وهوادج ومال ورجال ونساء, وتقطع بهم السباسب والشعاب من بين قبائل قريش, ما أرى لك أن تمضي إلا في خفارة خزاعة, فقال علي (ع):‏

إن المنية شربة مورودة ... لا تنزعن وشد للترحيل‏

إن ابن آمنة النبي محمدا ... رجل صدوق قال عن جبريل‏

أرخ الزمام ولا تخف من عائق ... فالله يرديهم عن التنكيل‏

إني بربي واثق وبأحمد ... وسبيله متلاحق بسبيلي‏

 قالوا: فكمن مهلع غلام حنظلة بن أبي سفيان في طريقه بالليل, فلما رآه‏ سل سيفه ونهض إليه, فصاح علي (ع) صيحة خر على وجه وجلله بسيفه, فلما أصبح توجه نحو المدينة.

-----------

مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 59, بحار الأنوار ج 38 ص 291, تسلية المجالس ج 1 ص 171

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

وأقام علي بن أبي طالب (ع) بمكة ثلاث ليال وأيامها, حتى أدى عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده إلى الناس, حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله (ص).

----------

تاريخ الطبري ج 2 ص 106, البداية والنهاية ج 3 ص 242, إمتاع الأسماع ج 9 ص 199, السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 342, السيرة النبوية لابن كثير ج 2 ص 270, نهاية الأرب ج 16 ص 340

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبيدة: قال أبي: وابن أبي رافع: ثم كتب رسول الله (ص) إلى علي بن أبي طالب (ع) كتابا يأمره بالمسير إليه، وقلة التلوم‏ وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي‏ فلما أتاه كتاب رسول الله (ص) تهيئا للخروج والهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى، وخرج علي بفاطمة بنت رسول الله (ص)، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وقد قيل: هي ضباعة، وتبعهم أيمن‏ بن أم أيمن مولى رسول الله (ص)، وأبو واقد رسول الله (ص) فجعل يسوق بالرواحل فاعنف بهم. فقال علي (ع): إرفق بالنسوة أبا واقد، إنهن من الضعائف، قال: إني أخاف أن يدركنا الطالب، أو قال: الطلب، فقال علي (ع) أربع عليك‏ فإن رسول الله (ص) قال لي: يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه. ثم جعل- يعني عليا (ع)- يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يرتجز ويقول:

ليس إلا الله فارفع ظنكا ... يكفيك رب الناس ما أهمكا

وسار فلما شارف ضجنان‏ أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين‏ وثامنهم مولى الحرب بن أمية يدعى جناحا، فأقبل علي‏ (ع) على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهم: أنيخا الإبل وأعقلاها، وتقدم حتى أنزل النسوة ودنا القوم، فاستقبلهم علي (ع) منتضيا سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة، إرجع لا أبا لك، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعن راغما، أو لنرجعن بأكبرك سعرا وأهون بك من هالك. ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال علي (ع) بينهم وبينها، فأهوى إليه جناح بسيفه، فراغ‏ علي (ع) عن ضربته، وتختله‏ علي (ع) فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه. وكان علي (ع) يشتد على قدميه شد الفرس أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:

خلوا سبيل الجاهد المجاهد ... آليت لا أعبد غير الواحد

فتصدع القوم عنه فقالوا له: أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب، قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله (ص) بيثرب فمن سره أن أفري‏ لحمه، أو أهريق دمه فليتبعني أو فليدن مني. ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد، فقال لهما: أطلقا مطاياكما، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المؤمنين المستضعفين‏ وفيهم أم أيمن‏ مولاة رسول الله (ص) فصلى ليلته تلك هو والفواطم: أمه فاطمة بنت أسد (ع)، وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وفاطمة بنت الزبير يصلون ليلتهم، ويذكرون قياما وقعودا وعلى جنوبهم‏ فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى (ع) بهم صلاة الفجر. ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة. وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم. {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا} إلى قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}‏ الذكر علي (ع)، والأنثى فاطمة (ع)‏ بعضكم من بعض‏ يقول: علي من فاطمة أو قال: الفواطم، وهن من علي {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}‏. وتلا (ص): {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات‏ الله والله رؤف بالعباد} قال: وقال له: يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر.

--------------

الأمالي للطوسي ص 470, البرهان ج 2 ص 676, حلية الأبرار ج 1 ص 149, بحار الأنوار ج 19 ص 64

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عبد الله (ع) قال: إن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع) كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله (ص) من مكة إلى المدينة على قدميها, وكانت من أبر الناس برسول الله (ص).

-----------

الكافي ج 1 ص 453, خصائص الأئمة (ع) ص 64, كشف الغمة ج 1 ص 306, تسلية المجالس ج 1 ص 159, الوافي ج 3 ص 725, وسائل الشيعة ج 19 ص 374, البرهان ج 5 ص 359‏

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

وقدم علي (ع) من مكة للنصف من ربيع الأول ورسول الله (ص) بقباء لم يرم بعد وقدم معه صهيب، وذلك بعد ما أدى علي (ع) عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده، وبعد ما كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه، فاعتنقه النبي (ص) وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك حتى قتل (ع).

--------

إمتاع الأسماع ج 1 ص 68, السيرة الحلبية ج 2 ص 233

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* مسجد قباء

ولما ورد رسول الله (ص) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء

-------------

الأمالي للطوسي ص 465, كشف الغمة ج 1 ص 404, البرهان ج 2 ص 673, حلية الأبرار ج 1 ص 143, بحار الأنوار ج 19 ص 59

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الشموس بنت النعمان قالت: نظرت إلى رسول الله (ص) حين قدم ونزل وأسس هذا المسجد مسجد قباء, فرأيته يأخذ الحجر أو الصخرة حتى يهصره الحجر وأنظر إلى بياض التراب على بطنه

أو سرته, فيأتي الرجل من أصحابه ويقول: بأبي وأمي يا رسول الله, اعطني أكفك, فيقول (ص): لا, خذ مثله, حتى أسسه.

---------

مجمع الزوائد ج 4 ص 11, عمدة القاري ج 7 ص 259, المعجم الكبير ج 24 ص 318, أسد الغابة ج 5 ص 488, الإصابة ج 8 ص 204, سبل الهدى والرشاد ج 3 ص 268

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الحلبي, عن أبي عبد الله (ع), قال: سألته عن المسجد الذي‏ {أسس على التقوى‏} فقال مسجد قباء.

--------------

الكافي ج 3 ص 296, التهذيب ج 3 ص 261, تفسير العياشي ج 2 ص 111, الوافي ج 14 ص 1385, وسائل الشيعة ج 5 ص 285, هداية الأمة ج 2 ص 204, البرهان ج 2 ص 848, بحار الأنوار ج 21 ص 256, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 267

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله (ع):‏ لا تدع إتيان المشاهد كلها, مسجد قباء فإنه المسجد الذي‏ {أسس على التقوى‏ من أول يوم},‏ ومشربة أم إبراهيم, ومسجد الفضيخ, وقبور الشهداء, ومسجد الأحزاب, وهو مسجد الفتح.

-----------

الكافي ج 4 ص 560, التهذيب ج 6 ص 17, كامل الزيارات ص 24, روضة الواعظين ج 2 ص 408, الوافي ج 14 ص 1385, وسائل الشيعة ج 14 ص 353, هداية الأمة ج 5 ص 466, بحار الأنوار ج 97 ص 214

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: ومن المشاهد في المدينة التي ينبغي‏ أن يؤتى إليها وتشاهد ويصلى فيها وتعاهد مسجد قبا, وهو المسجد الذي {أسس على التقوى‏}  ومسجد الفتح, ومسجد الفضيخ, ومشربة أم إبراهيم, وقبر حمزة وقبور الشهداء.

--------

دعائم الإسلام ج 1 ص 296, بحار الأنوار ج 96 ص 379, مستدرك الوسائل ج 10 ص 197

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله (ع):‏ هل أتيتم مسجد قباء, أو مسجد الفضيخ, أو مشربة أم إبراهيم؟ قلت: نعم, قال: أما إنه لم يبق من آثار رسول الله (ص) شي‏ء إلا وقد غير غير هذا.

----------

الكافي ج 4 ص 561, الوافي ج 14 ص 1390, وسائل الشيعة ج 14 ص 355, الفصول المهمة ج 3 ص 388, بحار الأنوار ج 97 ص 216

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن رسول الله (ص): من أتى قباء فصلى فيه ركعتين رجع بعمرة.

-----------

المزار الكبير ص 98, هداية الأمة ج 5 ص 467, بحار الأنوار ج 97 ص 223

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية