توفى معاوية بن أبي سفيان (لع) وذلك في رجب سنة ستين من الهجرة, كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة وكان أمير المدينة يأمره بأخذ البيعة على أهلها عامة وخاصة على الحسين (ع), ويقول له: إن أبى عليك فاضرب عنقه وأبعث إلى برأسه, فاحضر الوليد المروان واستشاره في أمر الحسين (ع) فقال: إنه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه, فقال الوليد: ليتني لم أك شيئا مذكورا, ثم بعث الى الحسين (ع).
-----------------
اللهوف ص 16, مثير الأحزان ص 13, بحار الأنوار ج 44 ص 324
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
ابن أعثم: وبايع الناس بأجمعهم يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد من بعده، وفتح يزيد بيوت الأموال فأخرج لأهل الشام أموالا جزيلة، ففرقها عليهم، ثم عزم على الكتب إلى جميع البلاد بأخذ البيعة له. قال: وكان على المدينة يومئذ مروان بن الحكم فعزله يزيد وولى مكانه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكتب إليه: من عبد الله يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة، أما بعد فإن معاوية كان عبد الله من عباده أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وغفرانه، عاش بقدر ومات بأجل، عاش برا تقيا وخرج من الدنيا رضيا زكيا، فنعم الخليفة كان ولا أزكيه على الله، هو أعلم به مني، وقد كان عهد إلى عهدا وجعلني له خليفة من بعده، وأوصاني أن أحدث آل أبي تراب بآل أبي سفيان لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة, والسلام. قال: ثم كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنها أذن فأرة: أما بعد فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
-----------------
الفتوح ج 5 ص 9
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أبي مخنف: فلما أتاه (الوليد بن عتبة) نعى معاوية فظع به وكبر عليه, فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه إليه, وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارها, فلما رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه, فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه, فلم يزل كذلك حتى جاء نعى معاوية إلى الوليد, فلما عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من أخذ هؤلاء (الإمام الحسين ع, وعبد الله بن عمر, وعبد الله بن زبير, وعبد الرحمن بن أبي بكر) الرهط بالبيعة, فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه, فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحم عليه واستشاره الوليد في الامر وقال: كيف ترى أن نصنع؟ قال: فإني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة, فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم, وإن أبوا قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية, فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل امرئ منهم في جانب, وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه.
-----------------
مقتل الإمام الحسين (ع) لأبو مخنف ص 3, تاريخ الطبري ج 4 ص 250, الكامل في التاريخ ج 4 ص 14
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
ابن أعثم: بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين بن علي (ع) وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير فدعاهم، فأقبل إليهم الرسول، والرسول عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان لم يصب القوم في منازلهم، فمضى نحو المسجد فإذا القوم عند قبر النبي (ص)، فسلم عليهم ثم قام وقال: أجيبوا الأمير! فقال الحسين (ع): يفعل الله ذلك إذا نحن فرغنا عن مجلسنا هذا إن شاء الله. قال: فانصرف الرسول إلى الوليد فأخبره بذلك. وأقبل عبد الله بن الزبير على الحسين بن علي (ع) وقال: يا أبا عبد الله! إن هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس، وإني قد أنكرت ذلك وبعثه في هذه الساعة إلينا ودعاءه إيانا لمثل هذا الوقت، أترى في أي طلبنا؟ فقال له الحسين (ع): إذا أخبرك أبا بكر! إني أظن بأن معاوية قد مات، وذلك أني رأيت البارحة في منامي كأن منبر معاوية منكوس، ورأيت داره تشتغل نارا، فأولت ذلك في نفسي أنه مات. فقال له ابن الزبير: فاعلم يا بن علي أن ذلك كذلك، فما ترى أن تصنع إن دعيت إلى بيعة يزيد أبا عبد الله؟ قال: أصنع أني لا أبايع له أبدا، لأن الأمر إنما كان لي من بعد أخي الحسن (ع)، فصنع معاوية ما صنع وحلف لأخي الحسن (ع) أنه لا يجعل الخلافة لأحده من بعده من ولده وأن يردها إلي إن كنت حيا، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يفئ لي ولا لأخي الحسن (ع) بما كان ضمن فقد والله أتانا ما لا قوام لنا به، انظر أبا بكر أنى أبايع ليزيد ويزيد رجل فاسق معلن الفسق يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ويبغض بقية آل الرسول! لا والله لا يكون ذلك أبدا. قال فبينما هما كذلك في هذه المحاورة إذ رجع إليهما الرسول فقال: أبا عبد الله! إن الأمير قاعد لكما خاصة تقوما إليه! قال: فزبره الحسين بن علي ثم قال: انطلق إلى أمير لا أم لك! فمن أحب أن يصير إليه منا فإنه صائر إليه، وأما أنا فإني أصير إليه الساعة إن شاء الله تعالى. قال: فرجع الرسول أيضا إلى الوليد بن عتبة فقال: أصلح الله الأمير! أما الحسين بن علي خاصة فقد أجاب وها هو صائر إليك في إثري، فقال مروان بن الحكم: غدر والله الحسين! فقال الوليد: مهلا! فليس مثل الحسين يغدر ولا يقول شيئا ثم لا يفعل.
-----------------
الفتوح ج 5 ص 11
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة قالوا: كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين (ع) بالبيعة له ولا يرخص له في التأخر عن ذلك, فأنفذ الوليد إلى الحسين (ع) في الليل فاستدعاه فعرف الحسين (ع) الذي أراد, فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح, وقال: لهم إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون, فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب, فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني. فصار الحسين (ع) إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم, فنعى الوليد إليه معاوية, فاسترجع الحسين (ع) ثم قرأ كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له, فقال له الحسين (ع): إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف الناس ذلك, فقال الوليد له: أجل, فقال الحسين (ع): فتصبح وترى رأيك في ذلك, فقال له الوليد: انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين (ع) الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى يكثر القتلى بينكم وبينه, احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه, فوثب عند ذلك الحسين (ع) وقال: أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أو هو, كذبت والله, وأثمت وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.
-----------------
الإرشاد ج 2 ص32, روضة الواعظين ج 1 ص 171, بحار الأنوار ج 44 ص 324
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
ثم بعث (الوليد بن عتبة) إلى الحسين (ع) فجائه في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه, فنعى الوليد إليه موت معاوية وعرض عليه البيعة ليزيد، فقال: أيها الأمير إن البيعة لا تكون سرا ولكن إذا دعوت الناس غدا فادعنا معهم، فقال مروان: لا تقبل أيها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه فغضب الحسين (ع) ثم قال: ويل لك يا بن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت والله ولؤمت ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم الله, ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله. ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة. ثم خرج (ع) فقال مروان للوليد: عصيتني! فقال: ويحك إنك أشرت إلى بذهاب ديني ودنياي, والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وإنني قتلت حسينا (ع) والله ما أظن أحدا يلقى الله بدم الحسين (ع) إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. قال: وأصبح الحسين (ع) فخرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان فقال له: يا أبا عبد الله إني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين (ع): وما ذاك قل حتى أسمع! فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك. فقال الحسين (ع): إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الاسلام السلام, إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد, ولقد سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على أبى سفيان, وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان.
-----------------
اللهوف ص 17, مثير الأحزان ص 15
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن الإمام زين العابدين (ع) في حديث المقتل: فلما سمع عتبة (1) ذلك دعا الكاتب وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم, إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان, أما بعد فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة, فرأيك في أمره, والسلام. فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة: أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه, وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي (ع). فبلغ ذلك الحسين (ع) فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق, فلما أقبل الليل راح إلى مسجد النبي (ص) ليودع القبر, فلما وصل إلى القبر سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه, فلما كانت الليلة الثانية راح ليودع القبر فقام يصلي فأطال, فنعس وهو ساجد, فجاءه النبي (ص) وهو في منامه, فأخذ الحسين (ع) وضمه إلى صدره, وجعل يقبل عينيه ويقول: بأبي أنت, كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي, ما لهم عند الله من خلاق (النصيب), يا بني إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك, وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة, فانتبه الحسين (ع) من نومه باكيا, فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا وودعهم. (2)
-----------------
(1) الوليد بن عتبة
(2) الأمالي للصدوق ص 152, بحار الأنوار ج 44 ص 312
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
ابن أعثم: وخرج الحسين بن علي (ع) من منزله ذات ليلة وأتى إلى قبر جده (ص) فقال: السلام عليك يا رسول الله! أنا الحسين ابن فاطمة، أنا فرخك وابن فرختك وسبطك في الخلف الذي خلفت على أمتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنهم قد خذلوني وضيعوني وأنهم لم يحفظوني، وهذا شكواي إليك حتى ألقاك. ثم وثب قائما وصف قدميه ولم يزل راكعا وساجدا. قال: وأرسل الوليد بن عتبة إلى منزل الحسين لينظر هل خرج من المدينة أم لا، فلم يصبه في منزله فقال: الحمد لله الذي لم يطالبني الله عز وجل بدمه! وظن أنه خرج من المدينة. قال: ورجع الحسين إلى منزله مع الصبح، فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا فصلى ركعتين، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهم! إن هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت محمد وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم! وإني أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى. قال: ثم جعل الحسين (ع) يبكي حتى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبي (ص) قد أقبل في كبكبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى ضم الحسين (ع) إلى صدره وقبل بين عينيه وقال: يا بني! يا حسين! كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي وأنت في ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا حسين! إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي وهم إليك مشتاقون، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة. قال: فجعل الحسين ينظر في منامه إلى جده (ص) ويسمع كلامه وهو يقول: يا جداه! لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبدا فخذني إليك واجعلني معك إلى منزلك. قال: فقال له النبي (ص): يا حسين! إنه لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة. قال: فانتبه الحسين (ع) من نومه فزعا مذعورا فقص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشد غما من أهل بيت الرسول (ص) ولا أكثر منه باكيا وباكية. وتهيأ الحسين بن علي (ع) وعزم على الخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فصلى عند قبرها وودعها، ثم قام عن قبرها وصار إلى قبر أخيه الحسن ففعل مثل ذلك ثم رجع إلى منزله. وفي وقت الصبح أقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية، وقال: يا أخي فدتك نفسي! أنت أحب الناس إلى وأعزهم علي، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق، وليس أحد أحق بها منك، لأنك كنفسي وروحي، وكبير أهل بيتي، ومن عليه اعتمادي وطاعته في عنقي، لأن الله تبارك وتعالى قد شرفك وجعلك من سادات أهل الجنة، وإني أريد أن أشير عليك برأيي فاقبله مني. فقال له الحسين (ع): قل ما بدا لك! فقال: أشير عليك أن تنجو نفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار الأنصار ما استطعت، وأن تبعث رسلك إلى الناس وتدعوهم إلى بيعتك فقال له الحسين (ع): يا أخي! إلى أين أذهب. قال: اخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار فذاك الذي تحب وأحب، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدك وأخيك وأبيك، وهم أرأف الناس، وأرقهم قلوبا، وأوسع الناس بلادا وأرجحهم عقولا، فإن اطمأنت بك أرض اليمن وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال، وصرت من بلد إلى بلد، لتنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين. فقال الحسين (ع): يا أخي! والله! لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى، لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا، وقد قال (ص): أللهم لا تبارك في يزيد، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى، فبكى الحسين (ع) معه ساعة، ثم قال: جزاك الله يا أخي عني خيرا، لقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا أرجو أن يكون إن شاء الله رأيك موفقا مسددا، وإني قد عزمت على الخروج إلى مكة، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا عليهم ولا تخف علي شيئا من أمورهم.
----------------
الفتوح ج 5 ص 18, بحار الأنوار ج 44 ص 327
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن محمد بن عمر قال: سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب (ع) يحدث أخوالي آل عقيل قال: لما امتنع أخي الحسين (ع) عن البيعة ليزيد بالمدينة، دخلت عليه فوجدته خاليا فقلت له: جعلت فداك يا أبا عبد الله، حدثني أخوك أبو محمد الحسن عن أبيه (ع) ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي فضمني إليه وقال: حدثك انى مقتول, فقلت: حوشيت يا بن رسول الله، فقال: سألتك بحق أبيك بقتلى خبرك؟ فقلت: نعم فلولا ناولت وبايعت، فقال: حدثني أبي أن رسول الله (ص) أخبره بقتله وقتلى, وأن تربتي تكون بقرب تربته, فتظن إنك علمت ما لم أعلمه, وإنه لا أعطى الدنيا عن نفسي أبدا, ولتلقين فاطمة (ع) أباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته, ولا يدخل الجنة أحد آذاها في ذريتها.
----------------
اللهوف ص 19
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
فأقام الحسين (ع) في منزله تلك الليلة، وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين. واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه . وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال، فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا، فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا . فلما كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال إلى الحسين بن علي (ع) ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين (ع): أصبحوا ثم ترون ونرى, فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه. فخرج (ع) من تحت ليلته - وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب - متوجها نحو مكة ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه، فقال له: يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك وأنت أحق بها، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن تابعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون أنت لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا، فقال له الحسين (ع): فأين أذهب يا أخي؟ قال : انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد، حتى تنظر ما يصير أمر الناس إليه، فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا. فقال: يا أخي قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا.
----------------
الإرشاد ج 2 ص 34, بحار الأنوار ج 44 ص 326, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 7 نحوه, أعلام الورى ص 222 نحوه
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
ابن أعثم: دعا الحسين (ع) بداوة وبياض وكتب فيه وصية الحسين (ع) لأخيه محمد فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمد ابن الحنفية المعروف ولد علي بن أبي طالب (ع): إن الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق. وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد (ص) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ويحكم بيني وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين، هذه وصيتي إليك يا أخي! وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، والسلام عليك وعلى من اتبع الهدى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال: ثم طوى الكتاب الحسين (ع) وختمه وبخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ابن الحنفية ثم ودعه وخرج في جوف الليل يريد مكة.
----------------
بحار الأنوار ج 44 ص 329, الفتوح ج 5 ص 21
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
{بسم الله الرحمن الرحيم} هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية: أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله, جاء بالحق من عند الحق, وأن الجنة والنار حق, وأن الساعة آتية لا ريب فيها, وأن الله يبعث من في القبور, وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص), أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (ع), فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق, ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين, وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
------------
بحار الأنوار ج 44 ص 329, تسلية المجالس ج 2 ص 160, العوالم ج 17 ص 179
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن جابر، عن محمد بن علي (ع)، قال: لما هم الحسين (ع) بالشخوص عن المدينة أقبلت نسأ بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين (ع)، فقال: انشدكن الله ان تبدين هذا الامر معصية لله ولرسوله، فقالت له نساء بني عبد المطلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله (ص) وعلي وفاطمة - الى ان قالوا - جعلنا الله فداك من الموت, يا حبيب الأبرار من أهل القبور. وأقبلت بعض عماته تبكي وتقول: اشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون:
فان قتيل الطف من آل هاشم... أذل رقابا من قريش فذلت
حبيب رسول الله لم يك فاحشا... أبانت مصيبتك الأنوف وجلت
وقلن أيضا:
أبكي حسينا سيدا، ولقتله شاب الشعر ... ولقتله زلزلتم، ولقتله انكسف القمر
واحمرت آفاق السماء، من العشية والسحر ... وتغبرت شمس البلاد، بهم واظلمت الكور
ذاك ابن فاطمة، المصاب به الخلائق والبشر ... أورثتنا ذلا به، جدع الأنوف مع الغرر
----------------
كامل الزيارات ص 194, مدينة المعاجز ج 4 ص 177, بحار الأنوار ج 45 ص 88
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن الإمام زين العابدين (ع) في حديث المقتل: وحمل (الإمام الحسين ع) أخواته على المحامل وابنته وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي (ع), ثم سار في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته, منهم: أبو بكر بن علي, ومحمد بن علي, وعثمان بن علي, والعباس بن علي, وعبد الله بن مسلم بن عقيل, وعلي بن الحسين الأكبر, وعلي بن الحسين الأصغر (ع).
----------------
الأمالي للصدوق ص 152, بحار الأنوار ج 44 ص 313, مدينة المعاجز ج 3 ص 478
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
فسار الحسين (ع) إلى مكة وهو يقرأ: {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين} ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما صنع ابن الزبير لئلا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض.
----------------
الإرشاد ج 2 ص 34, بحار الأنوار ج 44 ص 332, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 120, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 53, رياض الأبرار ج 1 ص 208
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية