الطريق بين مكة وكربلاء

عن أبي عبد الله (ع) قال: لما سار أبو عبد الله (ع) من‏ المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة والمردفة في أيديهم الحراب، على نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه، إن الله سبحانه أمد جدك (ص) بنا في مواطن كثيرة، وإن الله أمدك بنا. فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها، وهي كربلاء، فإذا وردتها فأتوني. فقالوا: يا حجة الله، مرنا نسمع ونطع، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم علي، ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي. وأتته أفواج مسلمي الجن، فقالوا: يا سيدنا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك. فجزاهم الحسين خيرا، وقال لهم: أ ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله (ص): {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} وقال سبحانه: {لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}؟ وإذا أقمت بمكاني فبما ذا يبتلى هذا الخلق المتعوس؟ وبما ذا يختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء وقد اختارها الله تعالى لي‏ يوم دحا الأرض، وجعلها معقلا لشيعتنا، وتكون لهم أمانا في الدنيا والآخرة؟ و لكن تحضرون يوم السبت، وهو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخوتي وأهل بيتي، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله. فقالت الجن: نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه، لو لا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك. فقال لهم (ع): نحن والله أقدر عليهم منكم، ولكن {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة}.

--------

تسلية المجالس ج 2 ص 231, بحار الأنوار ج 44 ص 330, رياض الأبرار ج 1 ص 207, اللهوف ص 66 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عقبة بن سمعان قال: لما خرج الحسين (ع) من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له: انصرف ابن تذهب، فأبى عليهم ومضى، وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط, ثم إن الحسين (ع) وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا. ومضى الحسين (ع) على وجهه فنادوه: يا حسين, الا تتقى الله؟ تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة, فتأول حسين (ع) قول الله عز وجل {لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وانا برى مما تعملون}

--------------

مقتل الحسين (ع) لابو مخنف الازدي ص 67, تاريخ الطبري ج 4 ص 289 دون الآية

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن علي بن الحسين (ع): خرجنا مع الحسين (ع), فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلا وذكر يحيى بن زكريا (ع), وقال يوما: من هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا اهدى إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
---------------
الإرشاد ج 2 ص 132, إعلام الورى ص 219, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 85, كشف الغمة ج 2 ص 9, بحار الأنوار ج 14 ص 175, القصص للجزائري ص 398, رياض الأبرار ج 1 ص 236, تفسير نور الثقلين ج 3 ص 324, تفسير كنز الدقائق ج 8 ص 198, العوالم ج 17 ص 315

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أقبل الحسين (ع) من مكة يريد العراق، وكان يزيد قد ولى‏ عبيد الله بن زياد العراق، وكتب إليه: قد بلغني أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم، وأنه قد خرج من مكة متوجها نحوهم، وقد بلي به بلدك من بين البلدان، وأيامك من بين الأيام، فإن قتلته، وإلا رجعت إلى نسبك، وإلى‏ أبيك عبيد، فاحذر أن يفوتك.

--------------

تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 242

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

سار الحسين (ع) حتى‏ مر بالتنعيم، فلقي هناك عيرا تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى‏ يزيد بن معاوية، فأخذ (ع) الهدية، لأن حكم امور المسلمين إليه، ثم قال لأصحاب الجمال: من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته، ومن أحب أن يفارقنا أعطيناه كراه بقدر ما قطع من الطريق. فمضى‏ معه قوم وامتنع آخرون.

--------------

اللهوف ص 42, بحار الأنوار ج 44 ص 365

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه عون ومحمد، وكتب على‏ أيديهما إليه (إلى الحسين عع) كتابا يقول فيه: أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي؛ فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك، واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض، فإنك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالمسير، فإني في أثر كتابي، والسلام. وصار عبد الله بن جعفر إلى‏ عمرو بن سعيد، فسأله أن يكتب للحسين (ع) أمانا، ويمنيه ليرجع عن وجهه. فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة، ويؤمنه على‏ نفسه، وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد، فلحقه يحيى‏ وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ودفعا إليه الكتاب، وجهدا به في الرجوع. فقال: إني رأيت رسول الله (ص) في المنام، وأمرني بما أنا ماض له، فقالا له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحدا بها، ولا أنا محدث أحدا حتى‏ ألقى‏ ربي جل وعز. فلما أيس منه عبد الله بن جعفر، أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه، والمسير معه والجهاد دونه، ورجع مع يحيى بن سعيد إلى‏ مكة.

--------------

الإرشاد ج 2 ص 68, بحار الأنوار ج 44 ص 366

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عبد الله بن سليم والمذري قالا: أقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح، فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر، فواقف حسينا (ع) فقال له: أعطاك الله سؤلك، وأملك فيما تحب. فقال له الحسين (ع): بين لنا نبأ الناس خلفك، فقال له الفرزدق: من الخبير سألت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني امية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء. فقال له الحسين (ع): صدقت، لله‏ الأمر، والله يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على‏ نعمائه، وهو المستعان على‏ أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يعتد من كان الحق نيته، والتقوى‏ سريرته. ثم حرك الحسين (ع) راحلته فقال: السلام عليك، ثم افترقا.

--------------

مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 68, تاريخ الطبري ج 4 ص 290

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن محمد بن قيس: إن الحسين (ع) أقبل حتى‏ إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة، بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى‏ أهل الكوفة، وكتب معه إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى‏ إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني، يخبرني فيه بحسن رأيكم، واجتماع ملئكم على‏ نصرنا، والطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع، وأن يثيبكم على‏ ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء، لثمان مضين من ذي الحجة، يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فأكمشوا أمركم وجدوا؛ فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وكان مسلم بن عقيل قد كان كتب إلى الحسين (ع) قبل أن يقتل لسبع وعشرين ليلة: أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، إن جمع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي، والسلام عليك. قال: فأقبل الحسين (ع) بالصبيان والنساء معه، لا يلوي على‏ شي‏ء، وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين (ع)، حتى‏ إذا انتهى‏ إلى القادسية أخذه الحصين بن تميم، فبعث به إلى‏ عبيد الله بن زياد، فقال له عبيد الله: اصعد إلى القصر فسب الكذاب ابن الكذاب؛ فصعد ثم قال: أيها الناس! إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله، ابن فاطمة بنت رسول الله، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر؛ فأجيبوه. ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعلي بن أبي طالب (ع). قال: فأمر به عبيد الله بن زياد أن يرمى‏ به من فوق القصر، فرمي به، فتقطع فمات.

-------------------

مقتل الحسين (ع) لابو مخنف الازدي ص 71, تاريخ الطبري ج 4 ص 297, الإرشاد ج 2 ص 70 نحوه, مثير الأحزان ص 30 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ثم أقبل الحسين (ع) من الحاجر يسير نحو الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به، فلما رأى الحسين (ع) قام إليه فقال: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله, ما أقدمك؟ واحتمله وأنزله، فقال له الحسين (ع): كان من موت معاوية ما قد بلغك، فكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم, فقال له عبد الله بن مطيع: أذكرك الله يا بن رسول الله وحرمة الاسلام أن تنتهك، أنشدك الله في حرمة قريش، أنشدك الله في حرمة العرب، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا، والله إنها لحرمة الاسلام تنتهك، وحرمة قريش وحرمة العرب، فلا تفعل، ولا تأت الكوفة، ولا تعرض نفسك لبني أمية. فأبى الحسين (ع) إلا أن يمضي.

--------------

الإرشاد ج 2 ص 71, بحار الأنوار ج 44 ص 370, تاريخ الطبري ج 4 ص 297, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 72

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

سار الحسين (ع) حتى‏ نزل الخزيمية، وأقام بها يوما وليلة، فلما أصبح, أقبلت إليه أخته زينب بنت علي (ع)، فقالت: يا أخي ألا أخبرك بشئ سمعته البارحة؟ فقال الحسين (ع): وما ذاك؟ فقالت (ع): خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة, فسمعت هاتفا يهتف، وهو يقول:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد... ومن يبكي على الشهداء بعدي

على قوم تسوقهم المنايا... بمقدار إلى إنجاز وعد

فقال لها الحسين (ع): يا أختاه, كل الذي قضي فهو كائن.

----------------

الفتوح ج 5 ص 70, بحار الأنوار ج 44 ص 372, رياض الأبرار ج 1 ص 217 نحوه, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 95 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

حدث جماعة من فزارة ومن بجيلة قالوا: كنا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة, وكنا نساير الحسين (ع), فلم يكن شي‏ء أبغض علينا من أن ننازله في منزل, وإذا سار الحسين (ع) فنزل في منزل لم نجد بدا من أن ننازله فنزل الحسين (ع) في جانب ونزلنا في جانب, فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين (ع) حتى سلم ثم دخل, فقال: يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين (ع) بعثني إليك لتأتيه. فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رءوسنا الطير, فقالت له امرأته: (قال السيد ابن طاووس: وهي ديلم بنت عمرو): سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله (ص) ثم لا تأتيه, لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت. فأتاه زهير بن القين, فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه, فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه, فقوض وحمل إلى الحسين (ع), ثم قال لامرأته: أنت طالق, الحقي بأهلك, فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير.

(وزاد السيد ابن طاووس: وقد عزمت على صحبة الحسين (ع) لأفديه بروحي, وأقيه بنفسي, ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها, فقامت إليه وبكت وودعته, وقالت: خار الله لك, أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين (ع)) (1)

(وقال الشيخ المفيد: ثم قال لأصحابه: من أحب منكم أن يتبعني, وإلا فهو آخر العهد, إني سأحدثكم حديثا: إنا غزونا البحر, ففتح الله علينا وأصبنا غنائم, فقال لنا سلمان: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم, فقال: إذا أدركتم سيد شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معه مما أصبتم اليوم من الغنائم. فأما أنا فأستودعكم الله, قالوا: ثم والله ما زال في القوم مع الحسين (ع) حتى قتل رحمه الله.) (2) (3)

----------------------

(1) ليس في الإرشاد ولا روضة الواعظين

(2) ليس في اللهوف

(3) بحار الأنوار ج 44 ص 370, الإرشاد ج 2 ص 72, اللهوف ص 71, روضة الواعظين ج 1 ص 177, مثير الأحزان ص 46

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عمارة بن زيد قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: أخبرني انه كان مع زهير بن القين حين صحب الحسين (ع) كما أخبر قال: قال الحسين (ع) له: يا زهير، إعلم أن هاهنا مشهدي, ويحمل هذا من جسدي - يعني رأسه - زحر بن قيس, فيدخل به على يزيد يرجو نائله فلا يعطيه شيئا.

------------------

دلائل الإمامة ص 182, مديتة المعاجز ج 3 ص 450

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الحكم بن عتيبة: لقي رجل الحسين بن علي (ع) بالثعلبية، وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلم عليه، فقال له الحسين (ع): من أي البلاد أنت؟ قال: من أهل الكوفة. قال: أما والله يا أخا أهل الكوفة, لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل (ع) من دارنا، ونزوله بالوحي على‏ جدي، يا أخا أهل الكوفة، أفمستقى الناس العلم من عندنا، فعلموا وجهلنا؟ هذا ما لا يكون.

----------------

الكافي ج 1 ص 398, الوافي ج 3 ص 608, مرآة العقول ج 4 ص 307, بحار الأنوار ج 45 ص 93

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الإمام زين العابدين (ع) في حديث المقتل: سار الحسين (ع) وأصحابه، فلما نزلوا الثعلبية, ورد عليه رجل يقال له: بشر بن غالب، فقال: يابن رسول الله، أخبرني عن قول الله عز وجل: {يوم ندعوا كل أناس بإممهم}, قال: إمام دعا إلى‏ هدى فأجابوه إليه، وإمام دعا إلى‏ ضلالة فأجابوه إليها، هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، وهو قوله عز وجل: {فريق فى الجنة وفريق فى السعير}.

--------------

الأمالي للصدوق ص 153, بحار الأنوار ج 44 ص 313, وفقط تفسير الآية: تفسير نور الثقلين ج 3 ص 192, تفسير كنز الدقائق ج 7 ص 458, تفسير الصافي ج 3 ص 206, مرآة العقول ج 2 ص 337

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديين: لما قضينا حجنا، لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين (ع) في الطريق، لننظر ما يكون من أمره، فأقبلنا ترقل بنا نياقنا مسرعين حتى‏ لحقنا بزرود، فلما دنونا منه، إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين (ع)، فوقف الحسين (ع) كأنه يريده، ثم تركه ومضى‏، ومضينا نحوه. فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلى‏ هذا لنسأله، فإن عنده خبر الكوفة، فمضينا حتى انتهينا إليه، فقلنا: السلام عليك، فقال: وعليكم السلام، قلنا: ممن الرجل؟ قال: أسدي، قلنا: ونحن أسديان، فمن أنت؟ قال: أنا بكر بن فلان، وانتسبنا له ثم قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك. قال: نعم، لم أخرج من الكوفة حتى‏ قتل مسلم بن عقيل (ع)، وهانئ بن عروة، ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق. فأقبلنا حتى‏ لحقنا الحسين (ع)، فسايرناه حتى‏ نزل الثعلبية ممسيا، فجئناه حين نزل، فسلمنا عليه فرد علينا السلام، فقلنا له: رحمك الله! إن عندنا خبرا، إن شئت حدثناك علانية وإن شئت سرا، فنظر إلينا وإلى‏ أصحابه، ثم قال: ما دون هؤلاء ستر. فقلنا له: رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟ قال: نعم، وقد أردت مسألته، فقلنا: قد والله استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل، وإنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى‏ قتل مسلم وهانئ، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما. فقال: {إنا لله و إنآ إليه ر جعون} رحمة الله عليهما! يكرر ذلك مرارا، فقلنا له: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك، إلا انصرفت من مكانك هذا، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك. فنظر إلى‏ بني عقيل، فقال: ما ترون؟ فقد قتل مسلم؟ فقالوا: والله لا نرجع حتى‏ نصيب ثأرنا، أو نذوق ما ذاق. فأقبل علينا الحسين (ع) وقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء. فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك! فقال: رحمكما الله! (1) فقال له أصحابه: إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع. فسكت ثم انتظر حتى‏ إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: أكثروا من الماء. فاستقوا وأكثروا ثم ارتحلوا. (2)

--------------

(1) الى هنا في الدر النظيم

(2) الإرشاد ج 2 ص 73, بحار الأنوار ج 44 ص 372, الدر النظيم ص 548, تاريخ الطبري ج 4 ص 299 نحوه, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 75 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

(لما بلغ لإمام الحسين (ع) قتل مسلم بن عقيل (ع) أستعبر باكيا) ثم قال: رحم الله مسلما! فلقد صار إلى‏ روح الله وريحانه، وتحيته ورضوانه، أما إنه قد قضى‏ ما عليه وبقي ما علينا. ثم أنشأ يقول:

فإن تكن الدنيا تعد نفيسة... فإن ثواب الله أعلى‏ وأنبل‏

وإن تكن الأبدان للموت انشئت... ‏فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

 وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا... فقلة حرص المرء في السعي أجمل‏

وإن تكن الأموال للترك جمعها... فما بال متروك به المرء يبخل

--------------

اللهوف ص 45, بحار الأنوار ج 44 ص 374, الفتوح ج 5 ص 71, كشف الغمة ج 2 ص 237 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فسار ( الإمام الحسين (ع)) حتى انتهى‏ إلى‏ زبالة, فأتاه خبر عبد الله بن يقطر، فأخرج إلى الناس كتابا فقرأه عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإنه قد أتانا خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل (ع)، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا؛ فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام. فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا، حتى‏ بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممن انضووا إليه، وإنما فعل ذلك لأنه (ع) علم أن الأعراب الذين اتبعوه، إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله، فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على‏ ما يقدمون.

--------------

الإرشاد ج 2 ص 75, بحار الأنوار ج 44 ص 374, روضة الواعظين ص 179

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديين: فلما كان السحر أمر (الحسين ع) أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا، ثم سار حتى‏ مر ببطن العقبة فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان، فسأله: أين تريد؟ فقال له الحسين (ع): الكوفة، فقال الشيخ: أنشدك الله لما انصرفت؛ فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال، ووطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا، فأما على‏ هذه الحال التي تذكر، فإني لا أرى‏ لك أن تفعل! فقال له: يا عبد الله، ليس يخفى‏ علي الرأي، ولكن الله تعالى‏ لا يغلب على‏ أمره. ثم قال (ع): والله لا يدعوني حتى‏ يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا، سلط الله عليهم من يذلهم، حتى‏ يكونوا أذل فرق الأمم.

--------------

(1) الى هنا في مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف وتاريخ الطبري

(2) الإرشاد ج 2 ص 76, بحار الأنوار ج 44 ص 375, تاريخ الطبري ج 4 ص 301, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 80

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن شهاب بن عبد ربه، عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: لما صعد الحسين بن علي (ع) عقبة البطن قال لأصحابه: ما أراني الا مقتولا، قالوا: وما ذاك يا أبا عبد الله؟ قال: رؤيا رأيتها في المنام، قالوا: وما هي؟ قال: رأيت كلابا تنهشني، أشدها علي كلب أبقع. (1) (2)

------------------

(1) كلب أبرص, وهو كناية عن الشمر لاعنه الله

(2) كامل الزيارات ص 156, بحار الأنوار ج 45 ص 87

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين: أقبل الحسين (ع) حتى‏ نزل شراف، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثم ساروا منها, فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار. ثم إن رجلا قال: الله أكبر! فقال الحسين (ع): الله أكبر، ما كبرت؟ قال: رأيت النخل، فقال له الأسديان: إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط، قالا: فقال لنا الحسين (ع): فما تريانه رأى‏؟ قلنا: نراه رأى‏ هوادي الخيل، فقال: وأنا والله أرى‏ ذلك. فقال الحسين (ع): أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقلنا له: بلى‏، هذا ذو حسم إلى‏ جنبك، تميل إليه عن يسارك، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد. قالا: فأخذ إليه ذات اليسار، قالا: وملنا معه، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل، فتبيناها، وعدنا فلما رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا، كأن أسنتهم اليعاسيب، وكأن راياتهم أجنحة الطير. قال: فاستبقنا إلى‏ ذي حسم، فسبقناهم إليه، فنزل الحسين (ع)، فأمر بأبنيته فضربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي، حتى‏ وقف هو وخيله مقابل الحسين (ع) في حر الظهيرة، والحسين (ع) وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم. فقال الحسين (ع) لفتيانه: اسقوا القوم وأرووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى‏ أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطساس من الماء، ثم يدنونها من الفرس، فإذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، وسقوا آخر، حتى‏ سقوا الخيل كلها. قال هشام: حدثني لقيط، عن علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر بن يزيد، فجئت في آخر من جاء من أصحابه، فلما رأى‏ الحسين (ع) ما بي وبفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية والراوية عندي السقاء, ثم قال: يابن أخ، أنخ الجمل، فأنخته، فقال: اشرب، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء. فقال الحسين (ع): اخنث السقاء, أي اعطفه, قال: فجعلت لا أدري كيف أفعل, قال: فقام الحسين (ع) فخنثه، فشربت وسقيت فرسي. قال: وكان مجي‏ء الحر بن يزيد ومسيره إلى الحسين (ع) من القادسية، وذلك أن عبيد الله بن زياد لما بلغه إقبال الحسين (ع) بعث الحصين بن تميم التميمي وكان على‏ شرطه فأمره أن ينزل القادسية، وأن يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان، وقدم الحر بن يزيد بين يديه في هذه الألف من القادسية، فيستقبل, قال: فلم يزل موافقا حسينا (ع) حتى‏ حضرت الصلاة؛ صلاة الظهر، فأمر الحسين (ع) الحجاج بن مسروق الجعفي أن يؤذن، فأذن، فلما حضرت الإقامة خرج الحسين (ع) في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أيها الناس, إنها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم؛ إني لم آتكم حتى‏ أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم: أن اقدم علينا؛ فإنه ليس لنا إمام، لعل الله يجمعنا بك على الهدى‏. فإن كنتم على‏ ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم اقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم, قال: فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة، فقال الحسين (ع) للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال: لا، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك، قال: فصلى‏ بهم الحسين (ع)، ثم إنه دخل واجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحر إلى‏ مكانه الذي كان به، فدخل خيمة قد ضربت له، فاجتمع إليه جماعة من أصحابه، وعاد أصحابه إلى‏ صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها، فلما كان وقت العصر أمر الحسين (ع) أن يتهيؤوا للرحيل. ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى‏ بالعصر، وأقام فاستقدم الحسين (ع) فصلى‏ بالقوم ثم سلم، وانصرف إلى القوم بوجهه، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس, فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى‏ لله‏، ونحن أهل البيت أولى‏ بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا، وجهلتم حقنا، وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم، وقدمت به علي رسلكم، انصرفت عنكم. فقال له الحر بن يزيد: إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر, فقال الحسين (ع): يا عقبة بن سمعان, أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي. فأخرج خرجين مملوءين صحفا، فنشرها بين أيديهم. فقال الحر: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد امرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى‏ نقدمك على‏ عبيد الله بن زياد. فقال له الحسين (ع): الموت أدنى‏ إليك من ذلك، ثم قال لأصحابه: قوموا فاركبوا، فركبوا وانتظروا حتى‏ ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه: انصرفوا بنا. فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف. فقال الحسين (ع) للحر: ثكلتك امك, ما تريد؟ قال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على‏ مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل أن أقوله كائنا من كان، ولكن والله ما لي إلى‏ ذكر امك (ع) من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه. فقال له الحسين (ع): فما تريد؟ قال الحر: اريد والله أن أنطلق بك إلى‏ عبيد الله بن زياد. قال له الحسين (ع): إذن والله لا أتبعك, فقال له الحر: إذن والله لا أدعك, فترادا القول ثلاث مرات، ولما كثر الكلام بينهما, قال له الحر: إني لم اؤمر بقتالك، وإنما امرت ألا افارقك حتى‏ اقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة، ولا تردك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا حتى‏ أكتب إلى ابن زياد، وتكتب أنت إلى‏ يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه، أو إلى‏ عبيد الله بن زياد إن شئت، فلعل الله إلى‏ ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن ابتلى‏ بشي‏ء من أمرك. قال: فخذ هاهنا، فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا. ثم إن الحسين (ع) سار في أصحابه والحر يسايره.

------------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 301, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 81, الإرشاد ج 2 ص 76 نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 375 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الإمام زين العابدين (ع) في حديث المقتل: قال الحر: فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين (ع) نوديت ثلاثا: يا حر, أبشر بالجنة، فالتفت فلم أر أحدا، فقلت: ثكلت الحر امه؛ يخرج إلى‏ قتال ابن رسول الله (ص) ويبشر بالجنة, فرهقه عند صلاة الظهر، فأمر الحسين (ع) ابنه، فأذن وأقام، وقام الحسين (ع) فصلى‏ بالفريقين جميعا، فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال: السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال الحسين (ع): وعليك السلام، من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا الحر بن يزيد. فقال: يا حر، أعلينا أم لنا؟ فقال الحر: والله يابن رسول الله، لقد بعثت لقتالك، وأعوذ بالله أن احشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي، ويدي مغلولة إلى‏ عنقي، واكب على‏ حر وجهي في النار. يابن رسول الله، أين تذهب؟ ارجع إلى‏ حرم جدك؛ فإنك مقتول، فقال الحسين (ع):

سأمضي فما بالموت ‏عار على‏الفتى... ‏إذا ما نوى‏ حقا وجاهد مسلما

وواسى‏ الرجال الصالحين بنفسه... ‏وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن مت لم أندم وإن عشت لم الم... ‏كفى‏ بك ذلا أن تموت وترغما.

------------------

الأمالي للصدوق ص 154, بحار الأنوار ج 44 ص 314

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فقام الحسين (ع) خطيبا في أصحابه، فحمد الله وأثنى‏ عليه، وذكر جده فصلى‏ عليه، ثم قال: إنه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تنكرت وتغيرت، وأدبر معروفها واستمرت جذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى‏ الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى‏ عنه, ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فإني لا أرى‏ الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما. فقام زهير بن القين، فقال: لقد سمعنا, هدانا الله بك يابن رسول الله, مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. قال: ووثب هلال بن نافع البجلي (1)، فقال: والله ما كرهنا لقاء ربنا، وإنا على‏ نياتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك. قال: وقام برير بن حصين، فقال: والله يابن رسول الله، لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك، فتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة. (2)

------------------

(1) لعله تصحيف والصحيح هو: نافع بن هلال

(2) اللهوف ص 48, بحار الأنوار ج 44 ص 381

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الإمام الحسين (ع) أنه قال في مسيره إلى كربلاء: إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة, ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم, يحوطونه ما درت معائشهم, فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.

---------------

تحف العقول ص 245, بحار الأنوار ج 75 ص 116

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عقبة بن أبي العيزار: إن الحسين (ع) خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس, إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله, ناكثا لعهد الله, مخالفا لسنة رسول الله (ص), يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان, فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله إن يدخله مدخله, ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان, وتركوا طاعة الرحمن, وأظهروا الفساد, وعطلوا الحدود, واستأثروا بالفئ, وأحلوا حرام الله, وحرموا حلاله, وأنا أحق من غير, وقد أتتني كتبكم, وقدمت على رسلكم ببيعتكم, انكم لا تسلموني ولا تخذلوني, فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم, فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (ص), نفسي مع أنفسكم, وأهلي مع أهليكم, فلكم في أسوة, وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر, لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمى مسلم, والمغرور من اغتر بكم, فحظكم أخطأتم, ونصيبكم ضيعتم, ومن نكث فإنما ينكث على نفسه, وسيغنى الله عنك, والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

--------------------

مقتل الحسين (ع) لأبي مخنف ص 85, تاريخ الطبري ج 4 ص 304

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن معمر بن خلاد, عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: بينما الحسين (ع) يسير في جوف الليل وهو متوجه إلى العراق، وإذا برجل يرتجز ويقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجر ... وشمري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر ... حتى تحلي بكريم القدر

بماجد الجد رحيب الصدر ... أثابه الله لخير أمر

ثمة أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسين بن علي (ع):

سأمضي وما بالموت عار على الفتى ... إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وواسى الرجال الصالحين بنفسه ... وفارق مثبورا وخالف مجرما

فإن عشت لم أندم وإن مت لم الـم ... كفى بك موتا أن تذل وترغما

--------------------

كامل الزيارت 95, مدينة المعاجز ج 4 ص 176, بحار الأنوار ج 45 ص 237

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عقبة بن أبي العيزار: كان (الحر بن يزيد الرياحي) يسير بأصحابه في ناحية، وحسين (ع) في ناحية اخرى‏، حتى‏ انتهوا إلى‏ عذيب الهجانات، وكان بها هجائن النعمان ترعى‏ هنالك، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على‏ رواحلهم، يجنبون فرسا لنافع بن هلال, يقال له الكامل, ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على‏ فرسه، وهو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجري... وشمري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر... حتى تحلى بكريم النجر

الماجد الحر رحيب الصدر... أتى به الله لخير أمر

ثمت أبقاه بقاء الدهر

قال: فلما انتهوا إلى الحسين (ع) أنشدوه هذه الأبيات، فقال: أما والله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا، قتلنا أم ظفرنا. قال: وأقبل إليهم الحر بن يزيد، فقال: إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم. فقال له الحسين (ع): لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشي‏ء حتى‏ يأتيك كتاب من ابن زياد. فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك, قال: هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت على‏ ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك. قال: فكف عنهم الحر. قال: ثم قال لهم الحسين (ع): أخبروني خبر الناس وراءكم؟ فقال له مجمع بن عبد الله العائذي، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: أما أشراف الناس فقد اعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلب واحد عليك، وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك. قال: أخبروني، فهل لكم برسولي إليكم؟ قالوا: من هو؟ قال: قيس بن مسهر الصيداوي. فقالوا: نعم، أخذه الحصين بن تميم، فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى‏ عليك وعلى‏ أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إلى‏ نصرتك، وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فالقي من طمار القصر؛ فترقرقت عينا حسين (ع) ولم يملك دمعه، ثم قال: {فمنهم من قضى‏ نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}. اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك، ورغائب مذخور ثوابك. قال أبو مخنف: حدثني جميل بن مرثد من بني معن، عن الطرماح بن عدي؛ أنه دنا من الحسين (ع) فقال له: والله إني لأنظر فما أرى‏ معك أحدا، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى‏ بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة، وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه، فسألت عنهم، فقيل: اجتمعوا ليعرضوا، ثم يسرحون إلى الحسين (ع). فأنشدك الله إن قدرت على‏ ألا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت, فإن أردت أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى‏ ترى‏ من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانع، فسر حتى‏ انزلك مناع جبلنا الذي يدعى‏ أجأ، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله إن دخل علينا ذل قط؛ فأسير معك حتى‏ انزلك القرية، ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى‏ من طيئ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى‏ تأتيك طيئ رجالا وركبانا، ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف. فقال له: جزاك الله وقومك خير, إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الامور في عاقبه. قال أبو مخنف: فحدثني جميل بن مرثد، قال: حدثني الطرماح بن عدي، قال: فودعته وقلت له: دفع الله عنك شر الجن والإنس، إني قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة، ومعي نفقة لهم، فآتيهم فأضع ذلك فيهم، ثم اقبل إليك إن شاء الله، فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك. قال: فإن كنت فاعلا فعجل رحمك الله, قال: فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى‏ يسألني التعجيل. قال: فلما بلغت أهلي وضعت عندهم ما يصلحهم، وأوصيت، فأخذ أهلي يقولون: إنك لتصنع مرتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم, فأخبرتهم بما اريد، وأقبلت في طريق بني ثعل، حتى‏ إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر، فنعاه لي، فرجعت.

-----------------

مقتل الحسين (ع) لأبو مخنف الأزدي ص 87, تاريخ الطبري ج 4 ص 305

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الإمام زين العابدين (ع) في حديث المقتل: ثم سار (الإمام الحسين (ع)) حتى نزل العذيب, فقال فيها قائلة الظهيرة, ثم انتبه من نومه باكيا, فقال له ابنه: ما يبكيك يا أبت؟ فقال: يا بني إنها ساعة لا تكذب الرؤيا فيها, وإنه عرض لي في منامي عارض, فقال: تسرعون السير والمنايا تسير بكم إلى الجنة, ثم سار حتى نزل الرهيمة, فورد عليه رجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرم, فقال: يا ابن النبي, ما الذي أخرجك من المدينة؟ فقال: ويحك يا أبا هرم, شتموا عرضي فصبرت, وطلبوا مالي فصبرت, وطلبوا دمي فهربت, وايم الله ليقتلني, ثم ليلبسنهم الله ذلا شاملا, وسيفا قاطعا, وليسلطن عليهم من يذلهم‏.

--------------

الأمالي للصدوق ص 153, بحار الأنوار ج 44 ص 313

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

سار الحسين (ع) حتى نزل في قصر بني مقاتل، فإذا هو بفسطاط مضروب, ورمح منصوب, وسيف معلق, وفرس واقف على مذوده، فقال الحسين (ع): لمن هذا الفسطاط؟ فقيل: لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي, قال: فأرسل الحسين (ع) برجل من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي. فأقبل حتى دخل عليه في فسطاطه فسلم عليه فرد عليه السلام، ثم قال: ما وراءك؟ فقال الحجاج: والله, ورائي يا بن الحر (الخير), والله قد أهدى الله إليك كرامة إن قبلتها, قال: وما ذاك؟ فقال: هذا الحسين بن علي (ع) يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بين يديه أجرت، وإن مت فإنك استشهدت, فقال له عبيد الله: والله ما خرجت من الكوفة إلى مخافة أن يدخلها الحسين بن علي (ع) وأنا فيها، فلا أنصره, لأنه ليس له في الكوفة شيعة ولا أنصار إلا وقد مالوا إلى الدنيا إلا من عصم الله منهم، فارجع إليه وخبره بذاك. فأقبل الحجاج إلى الحسين (ع) فخبره بذلك، فقام الحسين (ع) ثم صار إليه في جماعة من إخوانه، فلما دخل وسلم وثب عبيد الله بن الحر من صدر المجلس، وجلس الحسين (ع) فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، يا بن الحر, فإن مصركم هذه كتبوا إلي وخبروني أنهم مجتمعون على نصرتي وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوي، وأنهم سألوني القدوم عليهم، فقدمت ولست أدري القوم على ما زعموا لأنهم قد أعانوا على قتل ابن عمي مسلم بن عقيل (ع) وشيعته، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد يبايعني ليزيد بن معاوية، وأنت يا بن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بهاما عليك من الذنوب، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق. فقال عبيد الله بن الحر: والله يا بن بنت رسول الله, لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدهم على عدوك، ولكني رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفا من بني أمية ومن سيوفهم، فأنشدك بالله أن تطلب مني هذه المنزلة، وأنا أواسيك بكل ما أقدر عليه وهذه فرسي ملجمة، والله ما طلبت عليها شيئا إلا أذقته حياض الموت، ولا طلبت وأنا عليها فلحقت، وخذ سيفي هذا فو الله ما ضربت به إلا قطعت. فقال له الحسين (ع): يا بن الحر, ما جئناك لفرسك وسيفك، إنما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك, ولم أكن بالذي اتخذ المضلين عضدا، لأني قد سمعت رسول الله (ص) وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم على حقهم إلا أكبه الله على وجهه في النار. ثم سار الحسين (ع) من عنده ورجع إلى رحله, فلما كان من الغد رحل الحسين (ع)، وندم ابن الحر على ما فاته من نصرته، فأنشأ يقول:

أراها حسرة ما دمت حيا... تردد بين صدري والتراقي

حسين حين يطلب بذل نصري... على أهل العداوة والشقاق

فلو واسيته يوما بنفسي... لنلت كرامة يوم التلاقي

مع ابن محمد تفديه نفسي... فودع ثم ولى بانطلاق

غداة يقول لي بالقصر قولا... أتتركنا وتعزم بالفراق

فلو فلق التلهب قلب حي... لهم القلب مني بانفلاق

فقد فاز الذي نصر الحسين... وخاب الأخسرون ذوو النفاق

---------------------

الفتوح ج 5 ص 73

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عمرو بن قيس المشرقي قال: دخلت على الحسين (ع) أنا وابن عم لي, وهو في قصر بني مقاتل, فسلمنا عليه, فقال له ابن عمي: يا با عبد الله, هذا الذي أرى خضاب أو شعرك؟ فقال: خضاب, والشيب إلينا بني هاشم يعجل. ثم أقبل علينا فقال: جئتما لنصرتي؟ فقلت: إني رجل كبير السن كثير الدين كثير العيال, وفي يدي بضايع للناس, ولا أدري ما يكون، وأكره أن أضيع أمانتي, وقال له ابن عمي مثل ذلك، قال لنا: فانطلقا فلا تسمعا لي واعية, ولا تريا لي سوادا, فإنه من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا ولم يغثنا, كان حقا على الله عز وجل أن يكبه على منخريه في النار.

-----------------

ثواب الأعمال ص 259, بحار الأنوار ج 45 ص 84, رجال الكشي ص 113

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عقبة بن سمعان: فلما أصبح ( الإمام الحسين عليه السلام) نزل فصلى الغداة، ثم عجل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم، فيأتيه الحر بن يزيد فيردهم فيرده، فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى‏ نينوى؛ المكان الذي نزل به الحسين (ع). قال: فإذا راكب على‏ نجيب له، وعليه السلاح، متنكب قوسا، مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعا ينتظرونه. فلما انتهى‏ إليهم سلم على الحر بن يزيد وأصحابه، ولم يسلم على الحسين (ع) وأصحابه، فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد, فإذا فيه: أما بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى‏ غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك، حتى‏ يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام. قال: فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد، يأمرني فيه أن اجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره ألا يفارقني حتى‏ انفذ رأيه وأمره. فنظر إلى‏ رسول عبيد الله - يزيد بن زياد بن المهاصر - أبو الشعثاء الكندي ثم البهدلي, فعن له، فقال: أمالك بن النسير البدي؟ قال: نعم, وكان أحد كندة, فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك امك, ماذا جئت فيه؟ قال: وما جئت فيه, أطعت إمامي، ووفيت ببيعتي، فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربك، وأطعت إمامك في هلاك نفسك، كسبت العار والنار، قال الله عز وجل: {وجعلنهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون} فهو إمامك. قال: وأخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على‏ غير ماء، ولا في قرية، فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية؛ يعنون نينوى‏، أو هذه القرية؛ يعنون الغاضرية، أو هذه الاخرى ؛ يعنون شفية. فقال: لا والله ما أستطيع ذلك، هذا رجل قد بعث إلي عينا. فقال له زهير بن القين: يابن رسول الله، إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعد من ترى‏ ما لا قبل لنا به. فقال له الحسين (ع): ما كنت لأبدأهم بالقتال، فقال له زهير بن القين: سر بنا إلى‏ هذه القرية حتى‏ تنزلها فإنها حصينة، وهي على‏ شاطئ الفرات، فإن منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون علينا من قتال من يجي‏ء من بعدهم. فقال له الحسين (ع): وأية قرية هي؟ قال: هي العقر، فقال الحسين (ع): اللهم إني أعوذ بك من العقر، ثم نزل، وذلك يوم الخميس، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى‏ وستين، فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف.

-----------------

مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 92, تاريخ الطبري ج 4 ص 308, الإرشاد ج 2 ص 82 نحوه, روضة الواعظين ج 1 ص 180 نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 379 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية