مسلم بن عقيل ع

عن ابن عباس قال: قال علي (ع) لرسول الله (ص): يا رسول الله إنك لتحب عقيلا؟ قال: إي والله إني لأحبه حبين, حبا له, وحبا لحب أبي طالب (ع) له, وإن ولده لمقتول في محبة ولدك, فتدمع عليه عيون المؤمنين, وتصلي عليه الملائكة المقربون, ثم بكى رسول الله (ص) حتى جرت دموعه على صدره, ثم قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي.

-----------------

الأمالي للصدوق ص 128, إثباة الهداة ج 1 ص 300, بحار الأنوار ج 22 ص 288, رياض الأبرار ج 1 ص 189, خاتمة المستدرك ج 9 ص 122

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فقال الحسين (ع) لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي: خبراني من أجتمع على هذا الكتاب الذي كتب به إلى معكما؟ فقالا: يا بن رسول الله شبث بن ربعي، وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمد بن عمير بن عطارد. قال: فعندها قال الحسين (ع), فصلى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك, ثم طلب مسلم بن عقيل (ع) وأطلعه على الحال, وكتب معه جواب كتبهم يعدهم بالقبول ويقول ما معناه: قد نفذت إليكم ابن عمى مسلم بن عقيل (ع) ليعرفني ما أنتم عليه من رأى جميل.

-----------------

اللهوف ص 24

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ثم كتب (الإمام الحسين ع) مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل‏: بسم الله الرحمن الرحيم, من الحسين بن علي إلى الملإ من المسلمين والمؤمنين, أما بعد فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم, وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم, ومقالة جلكم أنه ليس علينا إمام, فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق, وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي, فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله, فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب, القائم بالقسط, الدائن بدين الحق, الحابس نفسه على ذات الله, والسلام.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 38, بحار الأنوار ج 44 ص 334, روضة الواعظين ج 1 ص 173 نحوه, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 90 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

كان خروج مسلم بن عقيل (ع) بالكوفة يوم الثلاثاء، لثمان مضين من ذي الحجة، سنة ستين، وقتله يوم الأربعاء، لتسع خلون منه يوم عرفة، وكان توجه الحسين (ع) من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، وهو يوم التروية

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 66, بحار الأنوار ج 44 ص 363, رياض الأبرار ج 1 ص 215

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أقبل (مسلم بن عقيل‏ ع) حتى‏ دخل الكوفة، فنزل في دار المختار بن أبي عبيد، وهي التي تدعى اليوم دار سلم بن المسيب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين بن علي (ع) وهم يبكون، وبايعه الناس، حتى‏ بايعه منهم ثمانية عشر ألفا. فكتب مسلم (ع) إلى الحسين (ع)، يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا، ويأمره بالقدوم، وجعلت الشيعة تختلف إلى‏ مسلم بن عقيل (ع) حتى‏ علم مكانه، فبلغ النعمان بن بشير ذلك، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية، فأقره يزيد عليها.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 41, بحار الأنوار ج 44 ص 335, روضة الواعظين ج 1 ص 173

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ابن أثم: أقبل مسلم (ع) حتى‏ دخل الكوفة، فنزل دار سالم بن المسيب، وهي دار المختار بن أبي عبيد الثقفي، وجعلت الشيعة تختلف إلى‏ دار مسلم، وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين (ع)، والقوم يبكون شوقا منهم إلى‏ قدوم الحسين (ع). ثم تقدم إلى‏ مسلم بن عقيل رجل من همدان، يقال له عابس بن أبي شبيب الشاكري، فقال: أما بعد، فإني لا اخبرك عن الناس بشي‏ء، فإني لا أعلم ما في أنفسهم، ولكني اخبرك عما أنا موطن عليه نفسي: والله اجيبكم إذا دعوتم، واقاتل معكم عدوكم، وأضرب بسيفي دونكم أبدا حتى‏ ألقى الله، وأنا لا اريد بذلك إلا ما عنده. ثم قام حبيب بن مظاهر الأسدي الفقعسي، قال: وأنا والله الذي لا إله إلا هو على‏ ما أنت عليه. وتبايعت الشيعة على‏ كلام هذين الرجلين، ثم بذلوا الأموال، فلم يقبل مسلم بن عقيل (ع) منها شيئا. قال: وبلغ ذلك النعمان بن بشير؛ قدوم مسلم بن عقيل الكوفة، واجتماع الشيعة عليه، والنعمان يومئذ أمير الكوفة، فخرج من قصر الإمارة مغضبا، حتى‏ دخل المسجد الأعظم، فنادى‏ في الناس فاجتمعوا إليه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أما بعد يا أهل الكوفة، فاتقوا الله ربكم، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة؛ فإن فيها سفك الدماء، وذهاب الرجال والأموال، واعلموا أني لست اقاتل إلا من قاتلني، ولا أثب إلا على‏ من وثب علي، غير أنكم قد أبديتم صفحتكم، ونقضتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فإن رأيتم أنكم رجعتم عن ذلك، وإلا فوالله الذي لا إله إلا هو، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن لي منكم ناصر، مع أني أرجو أن من يعرف الحق منكم أكثر ممن يريد الباطل. فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي، فقال: أيها الأمير، أصلحك الله! إن هذا الذي أنت عليه من رأيك، إنما هو رأي المستضعفين. فقال له النعمان بن بشير: يا هذا، والله لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله، أحب إلي من أن أكون من المغلوبين في معصية الله. قال: ثم نزل عن المنبر، ودخل قصر الإمارة.

-----------------

الفتوح ج 5 ص 33

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

خرج عبد الله بن مسلم فكتب إلى يزيد بن معاوية: أما بعد, فإن مسلم بن عقيل (ع) قد قدم الكوفة, فبايعته الشيعة للحسين بن علي (ع) فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك, فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف. ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه, ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك.

فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية, فقال: ما رأيك إن حسينا (ع) قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل (ع) يبايع له, وقد بلغني عن النعمان بن بشير ضعف وقول سيئ, فمن ترى أن أستعمل على الكوفة؟ وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد, فقال له سرجون: أرأيت معاوية لو نشر لك حيا, أما كنت آخذا برأيه؟ قال: نعم, قال: فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة, وقال: هذا رأي معاوية مات, وقد أمر بهذا الكتاب, فضم المصرين إلى عبيد الله بن زياد, فقال له يزيد: أفعل, ابعث بعهد عبيد الله إليه. ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي, وكتب إلى عبيد الله بن زياد معه: أما بعد, فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبروني أن ابن‏ عقيل بها يجمع الجموع ويشق عصا المسلمين, فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه, والسلام. وسلم إليه عهده على الكوفة, فسار مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة, فأوصل إليه العهد والكتاب, فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته والمسير والتهيؤ إلى الكوفة من الغد.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 42, روضة الواعظين ج 1 ص 173, إعلام الورى ص 224 جميعا نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 336

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي عثمان النهدي: صعد عبيد الله منبر البصرة، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أما بعد، فوالله ما تقرن بي الصعبة، ولا يقعقع لي بالشنان، وإني لنكل لمن عاداني، وسم لمن حاربني، أنصف القارة من راماها.يا أهل البصرة! إن أمير المؤمنين ولاني الكوفة، وأنا غاد إليها الغداة، وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان، وإياكم والخلاف والإرجاف، فوالذي لا إله غيره، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه وعريفه ووليه، ولآخذن الأدنى‏ بالأقصى‏ حتى‏ تستمعوا لي، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق، أنا ابن زياد، أشبهته من بين من وطئ الحصى‏، ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم. ثم خرج من البصرة، واستخلف أخاه عثمان بن زياد.

-----------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 266, مقتل الإماما لحسين (ع) لأبي مخنف ص 26

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

لما جاء كتاب يزيد إلى‏ عبيد الله بن زياد انتخب من أهل البصرة خمسمئة، فيهم عبد الله بن الحارث بن نوفل، وشريك بن الأعور وكان شيعة لعلي (ع), فكان أول من سقط بالناس شريك، فيقال: إنه تساقط غمرة ومعه ناس، ثم سقط عبد الله بن الحارث وسقط معه ناس، ورجوا أن يلوي  عليهم عبيد الله، ويسبقه الحسين (ع) إلى الكوفة، فجعل لا يلتفت إلى‏ من سقط ويمضي، حتى‏ ورد القادسية، وسقط مهران مولاه. فقال: أيا مهران, على هذه الحال، إن أمسكت عنك حتى‏ تنظر إلى القصر فلك مئة ألف. قال: لا والله ما أستطيع! فنزل عبيد الله، فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن، ثم اعتجر بمعجرة يمانية, فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده.

-----------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 267, مقتل الإماما لحسين (ع) لأبي مخنف ص 28

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

خرج (ابن زياد لعنه الله) من البصرة واستخلف أخاه عثمان, وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن أعور الحارثي وحشمه وأهل بيته, حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم والناس, قد بلغهم إقبال الحسين (ع) إليهم, فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين (ع), فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم, فرأى من تباشرهم بالحسين (ع) ما ساءه, فقال مسلم بن عمرو: لما أكثروا تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد. (1) وسار حتى وافى القصر في الليل ومعه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين (ع), فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى حامته, فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب, فاطلع إليه النعمان وهو يظنه الحسين (ع) فقال: أنشدك الله إلا تنحيت, والله ما أنا مسلم إليك أمانتي وما لي في قتالك من أرب, فجعل لا يكلمه, ثم إنه دنا وتدلى‏ النعمان من شرف, فجعل يكلمه فقال: افتح لا فتحت فقد طال ليلك وسمعها إنسان خلفه, فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين (ع) فقال: أي قوم ابن مرجانة والذي لا إله غيره, ففتح له النعمان ودخل وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا. (2)

-----------------

(1) الى هنا في روضة الواعظين وإعلام الورى

الإرشاد ج 2 ص 43,  بحار الأنوار ج 44 ص 340, روضة الواعظين ج 1 ص 174, إعلام الورى ج 1 ص 438 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

لما أصبح (ابن زياد لعنه الله) نادى‏ الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إلى المسجد الأعظم، فلما علم أنهم قد تكاملوا، خرج إليهم متقلدا بسيف، متعمما بعمامة، حتى‏ صعد المنبر، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أما بعد يا أهل الكوفة، فإن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، ولاني مصركم وثغركم، وأمرني أن اغيث مظلومكم، وأن اعطي محرومكم، وأن احسن إلى‏ سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على‏ مريبكم، وأنا متبع في ذلك أمره، ومنفذ فيكم عهده، والسلام. ثم نزل ودخل القصر. فلما كان اليوم الثاني، خرج إلى الناس ونادى‏ بالصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس، خرج إليهم بزي‏ خلاف ما خرج به أمس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أما بعد، فإنه لا يصلح هذا الأمر إلا في شدة من غير عنف، ولين في غير ضعف، وأن آخذ منكم البري‏ء بالسقيم، والشاهد بالغائب، والولي بالولي. قال: فقام إليه رجل من أهل الكوفة، يقال له أسد بن عبد الله المري، فقال: أيها الأمير, إن الله تبارك وتعالى‏ يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وإنما المرء بجده، والسيف بحده، والفرس بشده، وعليك أن تقول، وعلينا أن نسمع، فلا تقدم فينا السيئة قبل الحسنة. قال: فسكت عبيد الله بن زياد، ونزل عن المنبر، فدخل قصر الإمارة.

-----------------

الفتوح ج 5 ص 39

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أخذ (ابن زياد لعنه الله) العرفاء والناس أخذا شديدا, فقال: اكتبوا إلى‏ العرفاء, ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين, ومن فيكم من الحرورية, وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف, والشقاق فمن يجي‏ء بهم لنا فبرئ, ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف, ولا يبغ علينا منهم باغ, فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله, وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 44, بحار الأنوار ج 44 ص 341, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 27

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي الوداك: سمع مسلم بن عقيل (ع) بمجي‏ء عبيد الله ومقالته التي قالها، وما أخذ به العرفاء والناس، فخرج من دار المختار وقد علم به حتى انتهى‏ إلى‏ دار هانئ بن عروة المرادي، فدخل بابه، وأرسل إليه أن اخرج، فخرج إليه هانئ، فكره هانئ مكانه حين رآه. فقال له مسلم (ع): أتيتك لتجيرني وتضيفني، فقال: رحمك الله، لقد كلفتني شططا، ولولا دخولك داري وثقتك، لأحببت ولسألتك أن تخرج عني، غير أنه يأخذني من ذلك ذمام، وليس مردود مثلي على‏ مثلك عن جهل، ادخل. فآواه، وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة.

-----------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 269, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 31

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

كتب مسلم بن عقيل إلى الحسين (ع) كتاباظم أما بعد, فإن الرائد لا يكذب أهله, وإن جميع أهل الكوفة معك, وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا, فعجل الإقبال حين تقرأ كتابي, والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وحمله مع عابس بن أبي شبيب‏ الشاكري وقيس بن مسهر الصيداوي.

-----------------

مثير الأحزن ص 32, تاريخ الطبري ج 4 ص 281 نحوه, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 51 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

لما سمع مسلم بن عقيل (ع) بمجي‏ء عبيد الله بن زياد الكوفة, ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس, خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة, فدخلها وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستر واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان. فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال: خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه, فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم وقل لهم استعينوا بها على حرب عدوكم, وأعلمهم أنك منهم فإنك لو قد أعطيتها إياهم لقد اطمأنوا إليك ووثقوا بك ولم يكتموك شيئا من أخبارهم, ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه. ففعل ذلك وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلي, فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين (ع), فجاء فجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته, ثم قال: يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت‏ وحب من أحبهم, وتباكى له, وقال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله (ص), فكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه ولا أعرف مكانه, فإني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت, وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال وتدخلني على صاحبك, فإنما أنا أخ من إخوانك وثقة عليك, وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه. فقال له مسلم بن عوسجة: أحمد الله على لقائك إياي, فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب, ولينصر الله بك أهل بيت نبيه (ص), ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية وسطوته, فقال له معقل: لا يكون إلا خيرا, خذ البيعة علي. فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن, فأعطاه من ذلك ما رضي به, ثم قال له: اختلف إلي أياما في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك, فأخذ يختلف مع الناس فطلب له الإذن فأذن له, فأخذ مسلم بن عقيل (ع) بيعته, وأمر أبا ثمامة الصائدي فقبض المال منه, وهو الذي كان يقبض أموالهم, وما يعين به بعضهم بعضا, ويشتري لهم السلاح, وكان بصيرا ومن فرسان العرب ووجوه الشيعة. وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم وهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم, وكان يخبره به وقتا فوقتا.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 45, بحار الأنوار ج 44 ص 342, روضة الواعظين ج 1 ص 174 نحوه, إعلام الورى ص 225 نحوه, مقتل الطالبين ص 64 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي مخنف عن المعلى بن كليب عن أبي الوداك: كان هانئ يغدو ويروح إلى‏ عبيد الله، فلما نزل به مسلم انقطع من الاختلاف، وتمارض فجعل لا يخرج، فقال ابن زياد لجلسائه: ما لي لا أرى‏ هانئا؟ فقالوا: هو شاك، فقال: لو علمت بمرضه لعدته. قال أبو مخنف: فحدثني المجالد بن سعيد، قال: دعا عبيد الله محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة. قال أبو مخنف: حدثني الحسن بن عقبة المرادي: أنه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبيدي. قال أبو مخنف: وحدثني نمير بن وعلة عن أبي الوداك، قال: كانت روعة، اخت عمرو بن الحجاج تحت هانئ بن عروة، وهي ام يحيى بن هانئ، فقال لهم (ابن زياد): ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ قالوا: ما ندري, أصلحك الله, وإنه ليتشكى‏، قال: قد بلغني أنه قد برأ وهو يجلس على‏ باب داره، فالقوه فمروه ألا يدع ما عليه في ذلك من الحق؛ فإني لا احب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب. فأتوه حتى‏ وقفوا عليه عشية وهو جالس على‏ بابه فقالوا: ما يمنعك من لقاء الأمير، فإنه قد ذكرك، وقد قال: لو أعلم أنه شاك لعدته؟ فقال لهم: الشكوى‏ تمنعني، فقالوا له: يبلغه أنك تجلس كل عشية على‏ باب دارك، وقد استبطأك، والإبطاء والجفاء لا يحتمله السلطان، أقسمنا عليك لما ركبت معنا. فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلة فركبها، حتى‏ إذا دنا من القصر؛ كأن نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة: يابن أخي، إني والله لهذا الرجل لخائف، فما ترى‏؟ قال: أي عم، والله ما أتخوف عليك شيئا، ولم تجعل على‏ نفسك سبيلا وأنت بري‏ء؟ وزعموا أن أسماء لم يعلم في أي شي‏ء بعث إليه عبيد الله، فأما محمد فقد علم به، فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم، فلما طلع قال عبيد الله: أتتك بحائن رجلاه! وقد عرس عبيد الله إذ ذاك بام نافع ابنة عمارة بن عقبة، فلما دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي التفت نحوه فقال: اريد حباءه ويريد قتلي‏عذيرك من خليلك من مراد وقد كان له أول ما قدم مكرما ملطفا، فقال له هانئ: وما ذاك أيها الأمير؟ قال: إيه يا هانئ بن عروة، ما هذه الامور التي تربص في دورك لأمير المؤمنين، وعامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك، وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك، وظننت أن ذلك يخفى‏ علي لك! قال: ما فعلت، وما مسلم عندي، قال: بلى‏ قد فعلت، قال: ما فعلت، قال: بلى‏. فلما كثر ذلك بينهما، وأبى‏ هانئ إلا مجاحدته ومناكرته، دعا ابن زياد معقلا ذلك العين، فجاء حتى‏ وقف بين يديه، فقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم. وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم، وأنه قد أتاه بأخبارهم، فسقط في خلده ساعة، ثم إن نفسه راجعته فقال له: اسمع مني وصدق مقالتي، فوالله لا أكذبك، والله الذي لا إله غيره، ما دعوته إلى‏ منزلي، ولا علمت بشي‏ء من أمره، حتى‏ رأيته جالسا على‏ بابي، فسألني النزول علي، فاستحييت من رده، ودخلني من ذلك ذمام، فأدخلته داري وضفته وآويته، وقد كان من أمره الذي بلغك، فإن شئت أعطيت الآن موثقا مغلظا، وما تطمئن إليه ألا أبغيك سوءا، وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى‏ آتيك، وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى‏ حيث شاء من الأرض، فأخرج من ذمامه وجواره. فقال: لا والله، لا تفارقني أبدا حتى‏ تأتيني به. فقال: لا والله لا أجيؤك به أبدا، أنا أجيؤك بضيفي تقتله؟! قال: والله لتأتيني به. قال: والله لا آتيك به. فلما كثر الكلام بينهما، قام مسلم بن عمرو الباهلي، وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره، فقال: أصلح الله الأمير! خلني وإياه حتى‏ اكلمه لما رأى‏ لجاجته وتأبيه على ابن زياد أن يدفع إليه مسلما. فقال لهانئ: قم إلى‏ هاهنا حتى‏ اكلمك، فقام، فخلا به ناحية من ابن زياد، وهما منه على‏ ذلك قريب حيث يراهما، إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان، وإذا خفضا خفي عليه ما يقولان. فقال له مسلم: يا هانئ! إني أنشدك الله أن تقتل نفسك، وتدخل البلاء على‏ قومك وعشيرتك، فوالله إني لأنفس بك عن القتل - وهو يرى‏ أن عشيرته ستحرك في شأنه - إن هذا الرجل ابن عم القوم، وليسوا قاتليه ولا ضائريه، فادفعه إليه، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة، إنما تدفعه إلى السلطان. قال: بلى‏ والله، إن علي في ذلك للخزي والعار، أنا أدفع جاري وضيفي، وأنا حي صحيح أسمع وأرى‏، شديد الساعد كثير الأعوان! والله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى‏ أموت دونه. فأخذ يناشده وهو يقول: والله لا أدفعه إليه أبدا، فسمع ابن زياد ذلك، فقال: أدنوه مني، فأدنوه منه، فقال: والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك. قال: إذا تكثر البارقة حول دارك. فقال: والهفا عليك، أبالبارقة تخوفني؟ وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه. فقال ابن زياد: أدنوه مني، فادني، فاستعرض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده، حتى‏ كسر أنفه وسيل الدماء على‏ ثيابه، ونثر لحم خديه وجبينه على‏ لحيته، حتى‏ كسر القضيب، وضرب هانئ بيده إلى‏ قائم سيف شرطي من تلك الرجال، وجابذه الرجل ومنع. فقال عبيد الله: أحروري سائر اليوم، أحللت بنفسك! قد حل لنا قتلك، خذوه فألقوه في بيت من بيوت الدار، وأغلقوا عليه بابه، واجعلوا عليه حرسا. ففعل ذلك به. فقام إليه أسماء بن خارجة، فقال: أ رسل غدر سائر اليوم؟ أمرتنا أن نجيئك بالرجل، حتى‏ إذا جئناك به، وأدخلناه عليك، هشمت وجهه، وسيلت دمه على‏ لحيته، وزعمت أنك تقتله! فقال له عبيد الله: وإنك لهاهنا! فأمر به فلهز وتعتع به، ثم ترك فحبس. وأما محمد بن الأشعث، فقال: قد رضينا بما رأى الأمير، لنا كان أم علينا، إنما الأمير مؤدب! وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل، فأقبل في مذحج حتى‏ أحاط بالقصر، ومعه جمع عظيم، ثم نادى‏: أنا عمرو بن الحجاج، هذه فرسان مذحج ووجوهها، لم تخلع طاعة ولم تفارق جماعة، وقد بلغهم أن صاحبهم يقتل فأعظموا ذلك. فقيل لعبيد الله: هذه مذحج بالباب! فقال لشريح القاضي: ادخل على‏ صاحبهم فانظر إليه، ثم اخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل، وأنك قد رأيته، فدخل إليه شريح فنظر إليه. قال أبو مخنف: فحدثني الصقعب بن زهير عن عبد الرحمن بن شريح، قال: سمعته يحدث إسماعيل بن طلحة، قال: دخلت على‏ هانئ، فلما رآني قال: يا لله، يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟ فأين أهل الدين؟ وأين أهل المصر؟ تفاقدوا! يخلوني وعدوهم وابن عدوهم! والدماء تسيل على‏ لحيته، إذ سمع الرجة على‏ باب القصر، وخرجت واتبعني، فقال: يا شريح، إني لأظنها أصوات مذحج، وشيعتي من المسلمين، إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني. قال: فخرجت إليهم ومعي حميد بن بكير الأحمري، أرسله معي ابن زياد، وكان من شرطه، ممن يقوم على‏ رأسه، وايم الله، لولا مكانه معي، لكنت أبلغت أصحابه ما أمرني به. فلما خرجت إليهم قلت: إن الأمير لما بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم، أمرني بالدخول إليه، فأتيته فنظرت إليه، فأمرني أن ألقاكم وأن اعلمكم أنه حي، وأن الذي بلغكم من قتله كان باطلا، فقال عمرو وأصحابه: فأما إذ لم يقتل فالحمد لله‏، ثم انصرفوا. قال أبو مخنف: حدثني الحجاج بن علي, عن محمد بن بشير الهمداني قال: لما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه، خشي أن يثب الناس به، فخرج فصعد المنبر، ومعه أشراف الناس، وشرطه وحشمه، فحمد الله وأثنى‏ عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس, فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم، ولا تختلفوا ولا تفرقوا، فتهلكوا وتذلوا، وتقتلوا وتجفوا وتحرموا، إن أخاك من صدقك، وقد أعذر من أنذر. قال: ثم ذهب لينزل، فما نزل عن المنبر حتى‏ دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون ويقولون: قد جاء ابن عقيل، قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيد الله القصر مسرعا، وأغلق أبوابه.

-----------------

مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 35, تاريخ الطبري ج 4 ص 272, الإرشاد ج 2 ص 46 نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 344 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قال أبو مخنف: حدثني يوسف بن يزيد, عن عبد الله بن خازم: أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر، لأنظر إلى‏ ما صار أمر هانئ، قال: فلما ضرب وحبس، ركبت فرسي وكنت أول أهل الدار دخل على‏ مسلم بن عقيل (ع) بالخبر، وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين: يا عثرتاه, يا ثكلاه, فدخلت على‏ مسلم بن عقيل (ع) بالخبر، فأمرني أن انادي في أصحابه، وقد ملأ منهم الدور حوله، وقد بايعه ثمانية عشر ألفا، وفي الدور أربعة آلاف رجل. فقال لي: ناد: "يا منصور أمت" (1)، فناديت: "يا منصور أمت"، وتنادى‏ أهل الكوفة فاجتمعوا إليه، فعقد مسلم (ع) لعبيد الله بن عمرو بن عزير الكندي على‏ ربع كندة وربيعة، وقال: سر أمامي في الخيل، ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على‏ ربع مذحج وأسد، وقال: انزل في الرجال فأنت عليهم، وعقد لأبي ثمامة الصائدي على‏ ربع تميم وهمدان، وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على‏ ربع المدينة، ثم أقبل نحو القصر، فلما بلغ ابن زياد إقباله، تحرز في القصر وغلق الأبواب. قال أبو مخنف: وحدثني يونس بن أبي إسحاق, عن عباس الجدلي قال: خرجنا مع ابن عقيل أربعة آلاف, فلما بلغنا القصر إلا ونحن ثلثمائة, قال: وأقبل مسلم (ع) يسير في الناس من مراد حتى أحاط بالقصر, ثم إن الناس تداعوا إلينا واجتمعوا فوالله ما لبثنا إلا قليلا حتى امتلا المسجد من الناس والسوق وما زالوا يثوبون حتى المساء, فضاق بعبيد الله ذرعه, وكان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر وليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط, وعشرون رجلا من أشراف الناس, وأهل بيته ومواليه. (2)

-----------------

(1) كانت شعار مسلم بن عقيل (ع)

(2) مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 41, تاريخ الطبري ج 4 ص 275

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

لما بلغ مسلم بن عقيل (ع) خبره (حبس هاني) خرج بجماعة ممن بايعه إلى حرب عبيد الله, بعد أن رأى أكثر من بايعه من الأشراف نقضوا البيعة, وهم مع عبيد الله, فتحصن بدار الإمارة, واقتتلوا قتالا شديدا إلى أن جاء الليل فتفرقوا عنه, وبقي معه أناس قليل, فدخل المسجد يصلي, وطلع متوجها نحو باب كندة, فإذا هو وحده لا يدري أين يذهب‏.

-----------------

مثير الأحزان ص 34

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عباس الجدلي: أقبل أشراف الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الروميين، وجعل من بالقصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم، فيتقون أن يرموهم بالحجارة، وأن يشتموهم وهم لا يفترون على‏ عبيد الله وعلى‏ أبيه. ودعا عبيد الله كثير بن شهاب بن حصين الحارثي، فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيسير بالكوفة، ويخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب، ويحذرهم عقوبة السلطان، وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت، فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس. وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي، وشبث بن ربعي التميمي، وحجار بن أبجر العجلي، وشمر بن ذي الجوشن العامري، وحبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم، لقلة عدد من معه من الناس، وخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل. قال أبو مخنف: فحدثني أبو جناب الكلبي أن كثيرا ألفى‏ رجلا من كلب يقال له عبد الأعلى بن يزيد، قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان، فأخذه حتى‏ أدخله على ابن زياد، فأخبره خبره، فقال لابن زياد: إنما أردتك، قال: وكنت وعدتني ذلك من نفسك، فأمر به فحبس. وخرج محمد بن الأشعث حتى‏ وقف عند دور بني عمارة، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل، عليه سلاحه، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه. فبعث ابن عقيل إلى‏ محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي، فلما رأى‏ محمد بن الأشعث كثرة من أتاه، أخذ يتنحى‏ ويتأخر. وأرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى‏ محمد بن الأشعث: قد جلت على ابن عقيل من العرار، فتأخر عن موقفه، فأقبل حتى‏ دخل على ابن زياد من قبل دار الروميين. فلما اجتمع عند عبيد الله كثير بن شهاب ومحمد والقعقاع فيمن أطاعهم من قومهم، فقال له كثير وكانوا مناصحين لابن زياد: أصلح الله الأمير! معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس، ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك، فاخرج بنا إليهم. فأبى‏ عبيد الله، وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه، وأقام الناس مع ابن عقيل يكبرون ويثوبون حتى المساء، وأمرهم شديد، فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم إليه، ثم قال: أشرفوا على الناس، فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة، وخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة، وأعلموهم فصول الجنود من الشام إليهم. قال أبو مخنف: حدثني سليمان بن أبي راشد، عن عبد الله بن خازم الكثيري من الأزد من بني كثير، قال: أشرف علينا الأشراف، فتكلم كثير بن شهاب أول الناس حتى‏ كادت الشمس أن تجب، فقال: أيها الناس! الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر، ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ؛ فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهدا، لئن أتممتم على‏ حربه، ولم تنصرفوا من عشيتكم، أن يحرم ذريتكم العطاء، ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على‏ غير طمع، وأن يأخذ البري‏ء بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتى‏ لا يبقى‏ له فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جرت أيديها. وتكلم الأشراف بنحو من كلام هذا، فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون، وأخذوا ينصرفون. قال أبو مخنف: عن المجالد بن سعيد: إن المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها، فتقول: انصرف، الناس يكفونك. ويجي‏ء الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام، فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف, فيذهب به. فما زالوا يتفرقون ويتصدعون، حتى‏ أمسى ابن عقيل (ع) وما معه ثلاثون نفسا في المسجد، حتى‏ صليت المغرب، فما صلى‏ مع ابن عقيل إلا ثلاثون نفسا.

-----------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 276, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 43

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فلما رأى (مسلم بن عقيل ع) أنه قد أمسى وما معه إلا أولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحو أبواب كندة, فما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة, ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان, فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو. فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب, حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة, فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة, أم ولد كانت للأشعث بن قيس, فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا, وكان بلال قد خرج مع الناس فأمه قائمة تنتظره, فسلم عليها ابن عقيل (ع) فردت عليه, فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماء, فسقته وجلس, وأدخلت الإناء ثم خرجت فقالت: يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلى, قالت: فاذهب إلى أهلك, فسكت, ثم أعادت مثل ذلك, فسكت, ثم قالت له في الثالثة: سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك, فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي, ولا أحله لك. فقام وقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة, فهل لك في أجر ومعروف لعلي مكافئك بعد اليوم, فقالت: يا عبد الله وما ذاك, قال: أنا مسلم بن عقيل, كذبني هؤلاء القوم, وغروني وأخرجوني, قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم, قالت: ادخل, فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه, وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش. ولم يكن بأسرع أن جاء ابنها, فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه, فقال لها: والله إنه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه, إن لك لشأنا, قالت: يا بني اله عن هذا, قال: والله لتخبرينني, قالت: أقبل على شأنك, ولا تسألني عن شي‏ء, فألح عليها فقالت: يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشي‏ء مما أخبرك به, قال: نعم, فأخذت عليه الأيمان, فحلف لها, فأخبرته, فاضطجع وسكت. (1) ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل (ع) طال على ابن زياد, وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك, قال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟ فأشرفوا فلم يروا أحدا, قال: فانظروا, لعلهم تحت الظلال, وقد كمنوا لكم‏, فنزعوا تخاتج المسجد, وجعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم وينظرون, فكانت أحيانا تضي‏ء لهم وأحيانا لا تضي‏ء كما يريدون, فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال, ثم تجعل فيها النيران, ثم تدلى حتى تنتهي إلى الأرض, ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها, حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر, فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم, ففتح باب السدة التي في المسجد, ثم خرج فصعد المنبر, وخرج أصحابه معه, فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة, وأمر عمرو بن نافع, فنادى: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد, فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس, ثم أمر مناديه, فأقام الصلاة, وأقام الحرس خلفه, وأمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله, وصلى بالناس, ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أما بعد, فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من‏ الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره, ومن جاء به فله ديته, اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم, ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا, يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة, أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به, وقد سلطتك على دور أهل الكوفة, فابعث مراصد على أهل السكك, وأصبح غدا فاستبر الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل, وكان الحصين بن نمير على شرطه, وهو من بني تميم. ثم دخل ابن زياد القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس‏.

-----------------

(1) الى هنا في روضة الواعظين

الإرشاد ج 2 ص 54, بحار الأنوار ج 44 ص 350, روضة الواعظين ج 1 ص 175 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أقبل محمد بن الأشعث حتى‏ دخل على‏ عبيد الله بن زياد، فلما رآه قال: مرحبا بمن لا يتهم في مشورة. ثم أدناه وأقعده إلى‏ جنبه، وأقبل ابن تلك المرأة, التي مسلم بن عقيل في دارها, إلى‏ عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امه، فقال له عبد الرحمن: اسكت الآن ولا تعلم بهذا أحدا من الناس. قال: ثم أقبل عبد الرحمن بن محمد إلى‏ أبيه فساره في اذنه وقال: إن مسلما في دار طوعة، ثم تنحى‏ عنه. فقال عبيد الله بن زياد: ما الذي قال لك عبد الرحمن؟ فقال: أصلح الله الأمير، البشارة العظمى‏, فقال: وما ذاك؟ ومثلك من بشر بخير, فقال: إن ابني هذا يخبرني أن مسلم بن عقيل في دار طوعة، عند مولاة لنا. قال: فسر بذلك، ثم قال: قم فائت به، ولك ما بذلت من الجائزة الحظ الأوفى‏.

-----------------

الفتوح ج 5 ص 52

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قال أبو مخنف: حدثني قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي: إن ابن الأشعث حين قام ليأتيه بابن عقيل، بعث (عبيد الله بن زياد) إلى‏ عمرو بن حريث, وهو في المسجد خليفته على الناس, أن ابعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس، وإنما كره أن يبعث معه قومه؛ لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل، فبعث معه عمرو بن عبيد الله بن عباس السلمي في ستين أو سبعين من قيس، حتى‏ أتوا الدار التي فيها ابن عقيل. لما سمع وقع حوافر الخيل، وأصوات الرجال، عرف أنه قد اتي، فخرج إليهم بسيفه، واقتحموا عليه الدار، فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى‏ أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، وأشرع السيف في السفلى‏، ونصلت لها ثنيتاه، فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرة، وثنى‏ باخرى‏ على‏ حبل العاتق كادت تطلع على‏ جوفه. فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت، فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النار في أطنان القصب، ثم يقلبونها عليه من فوق البيت، فلما رأى‏ ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقاتلهم.

-----------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 279, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 48, الإرشاد ج 2 ص 57 نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 352 نحوه, روضة الواعظين ص 175 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فأنفذ عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي ومحمد بن الأشعث في سبعين رجلا, حتى أطافوا بالدار, فحمل مسلم (ع) عليهم وهو يقول‏:

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع... فأنت بكأس الموت لا شك جارع‏

فصبر لأمر الله جل جلاله... فحكم قضاء الله في الخلق ذائع‏

 فقتل منهم واحدا وأربعين رجلا (1), فأنفذ ابن زياد اللائمة إلى ابن الأشعث, فقال: أيها الأمير إنك بعثتني إلى أسد ضرغام, وسيف حسام, في كف بطل همام, من آل خير الأنام, قال: ويحك, ابن عقيل لك الأمان, وهو يقول: لا حاجة لي في أمان الفجرة, وهو يرتجز:

أقسمت لا أقتل إلا حرا... وإن رأيت الموت شيئا نكرا

أكره أن أخدع أو أغرا... كل امرئ يوما يلاقي شرا

أضربكم ولا أخاف ضرا... ضرب غلام قط لم يفرا

 فضربوه بالسهام والأحجار حتى عيي واستند حائطا, فقال: ما لكم ترموني بالأحجار كما ترمى الكفار؟ وإنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار, ألا ترعون حق رسول الله (ص) في ذريته؟ فقال ابن الأشعث: لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي, قال: أؤسر وبي طاقة لا والله, لا يكون ذلك أبد,ا وحمل عليه فهرب منه, فقال مسلم (ع): اللهم إن العطش قد بلغ مني, فحملوا عليه من كل جانب, فضربه بكير بن حمران الأحمري على شفته العليا, وضربه مسلم (ع) في جوفه فقتله, وطعن من خلفه فسقط من فرسه فأسر. (2)

-----------------

(1) الى هنا في البحار

مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 93, بحار الأنوار ج 44 ص 354

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ولقد كان مسلم‏ (ع) من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت‏

-----------------

رياض الأبرار ج 1 ص 213, بحار الأنوار ج 44 ص 354, الدر النظيم ص 542, تسلية المجالس ج 2 ص 202, جميعا نحوه, سفينة البحار ج 7 ص 390

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

فأتي ببغلة, فركبها (مسلم ع) فكأنه عند ذلك يئس من نفسه, فدمعت عيناه, فقال له عبيد الله بن العباس: إن من يطلب مثل ما تطلب لا يجزع. فقال: والله ما لنفسي أجزع, وإن كنت لا أحب لها ضرا طرفة عين, ولكن جزعي للحسين (ع) وأهل بيته المغترين بكتابي, وقال: هذا أوان الغدر.

-----------------

مثير الأحزان ص 35

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي مخنف, عن قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي: ثم أقبل (مسلم ع) على‏ محمد بن الأشعث فقال: يا عبد الله، إني أراك والله ستعجز عن أماني، فهل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على‏ لساني يبلغ حسينا (ع) فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلا، أو هو خارج  غدا هو وأهل بيته، وإن ماترى‏ من جزعي لذلك فيقول: إن ابن عقيل بعثني إليك، وهو في أيدي القوم أسير، لا يرى‏ أن تمشي حتى‏ تقتل، وهو يقول: ارجع بأهل بيتك، ولا يغرك أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى‏ فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك، وكذبوني، وليس لمكذب رأي. فقال ابن الأشعث: والله لأفعلن، ولاعلمن ابن زياد أني قد آمنتك. (1) قال أبو مخنف: حدثني جعفر بن حذيفة الطائي قال: دعا محمد بن الأشعث إياس بن العثل الطائي، من بني مالك بن عمرو بن ثمامة، وكان شاعرا، وكان لمحمد زوارا، فقال له: الق حسينا فأبلغه هذا الكتاب، وكتب فيه الذي أمره ابن عقيل. وقال له: هذا زادك وجهازك ومتعة لعيالك، فقال: من أين لي براحلة؟ فإن راحلتي قد أنضيتها، قال: هذه راحلة فاركبها برحلها، ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال، فأخبره الخبر، وبلغه الرسالة، فقال له حسين (ع): كل ما حم نازل، وعند الله نحتسب أنفسنا، وفساد امتنا. (2)

-----------------

(1) الى هنا في الإرشاد وإعلام الورى وتسلية المجالس وبحار الأنوار

(2) تاريخ الطبري ج 4 ص 280, قتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 50, الإرشاد ج 2 ص 59, إعلام الورى ص 228, تسلية المجالس ج 2 ص 197, بحار الأنوار ج 44 ص 353

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل (ع) إلى باب القصر, فاستأذن فأذن له, فدخل على ابن زياد فأخبره خبر ابن عقيل, وضرب بكر إياه وما كان من أمانه له, فقال له عبيد الله: وما أنت والأمان؟ كأنا أرسلناك لتؤمنه, إنما أرسلناك لتأتينا به, فسكت ابن الأشعث وانتهي بابن عقيل (ع) إلى باب القصر, وقد اشتد به العطش, وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن, فيهم: عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب, وإذا قلة باردة موضوعة على الباب, فقال مسلم (ع): اسقوني من هذا الماء, فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها؟ لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم, فقال له ابن عقيل (ع): ويلك, من أنت؟ قال: أنا من عرف الحق إذ أنكرته, ونصح لإمامه إذ غششته, وأطاعه إذ خالفته, أنا مسلم بن عمرو الباهلي, فقال له ابن عقيل (ع): لأمك الثكل, ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك, أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني, ثم جلس فتساند إلى حائط, وبعث عمرو بن حريث غلاما له, فجاءه بقلة عليها منديل وقدح‏, فصب فيه ماء, فقال له: اشرب, فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فيه فلا يقدر أن يشرب, ففعل ذلك مرة ومرتين, فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح, فقال: الحمد لله, لو كان لي من الرزق المقسوم شربته.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 60, بحار الأنوار ج 44 ص 355, روضة الواعظين ج 1 ص 176

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ادخل مسلم بن عقيل (ع) على‏ عبيد الله بن زياد لعنه الله، فقال له الحرسي: سلم على الأمير، فقال له مسلم (ع): اسكت لا ام لك! ما لك وللكلام، والله ليس هو لي بأمير فاسلم عليه، واخرى‏: فما ينفعني السلام عليه وهو يريد قتلي؟ فإن استبقاني فسيكثر عليه سلامي. فقال له عبيد الله بن زياد: لا عليك، سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول. فقال مسلم بن عقيل (ع): إن قتلتني فقد قتل شر منك من كان خيرا مني. فقال ابن زياد لعنه الله: يا شاق يا عاق! خرجت على‏ إمامك، وشققت عصا المسلمين، وألقحت الفتنة, فقال مسلم (ع): كذبت يابن زياد, والله ما كان معاوية خليفة بإجماع الامة، بل تغلب على‏ وصي النبي (ص) بالحيلة، وأخذ عنه الخلافة بالغصب، وكذلك ابنه يزيد. وأما الفتنة، فإنك ألقحتها، أنت وأبوك زياد بن علاج من بني ثقيف، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على‏ يدي شر بريته، فوالله ما خالفت ولا كفرت ولا بدلت، وإنما أنا في طاعة أمير المؤمنين الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله (ص)، ونحن أولى‏ بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد. فقال ابن زياد لعنه الله: يا فاسق, ألم تكن تشرب الخمر في المدينة؟ فقال مسلم بن عقيل (ع): أحق والله بشرب الخمر مني من يقتل النفس الحرام، وهو في ذلك يلهو ويلعب كأنه لم يسمع شيئا, فقال له ابن زياد: يا فاسق, منتك نفسك أمرا أحالك الله دونه، وجعله لأهله. فقال مسلم بن عقيل (ع): ومن أهله يابن مرجانة؟ فقال: أهله يزيد ومعاوية. فقال مسلم بن عقيل (ع): الحمد لله‏، كفى‏ بالله حكما بيننا وبينكم. فقال ابن زياد لعنه الله: أتظن أن لك من الأمر شيئا؟ فقال مسلم بن عقيل (ع): لا والله ما هو الظن ولكنه اليقين. فقال ابن زياد: قتلني الله إن لم أقتلك. فقال مسلم (ع): إنك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السريرة، والله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم، وقدرت على‏ شربة من ماء، لطال عليك أن تراني في هذا القصر، ولكن إن كنت عزمت على‏ قتلي ولا بد لك من ذلك فأقم إلي رجلا من قريش اوصي إليه بما اريد. فوثب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص (لعنه الله)، فقال: أوص إلي بما تريد يابن عقيل. فقال (ع): اوصيك ونفسي بتقوى الله؛ فإن التقوى‏ فيها الدرك لكل خير، وقد علمت ما بيني وبينك من القرابة، ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك لقرابتي أن تقضي حاجتي. قال: فقال ابن زياد لعنه الله: يجب يا عمر أن تقضي حاجة ابن عمك وإن كان مسرفا على‏ نفسه؛ فإنه مقتول لا محالة. فقال عمر بن سعد لعنه الله: قل ما أحببت يابن عقيل. فقال مسلم (ع): حاجتي إليك أن تشتري فرسي وسلاحي من هؤلاء القوم فتبيعه، وتقضي عني سبعمئة درهم استدنتها في مصركم، وأن تستوهب جثتي إذا قتلني هذا وتواريني في التراب، وأن تكتب إلى الحسين بن علي (ع) ألا يقدم فينزل به ما نزل بي. قال: فالتفت عمر بن سعد إلى‏ عبيد الله بن زياد لعنهم الله، فقال: أيها الأمير، إنه يقول كذا وكذا. فقال ابن زياد: أما ما ذكرت يابن عقيل من أمر دينك فإنما هو مالك يقضى‏ به دينك، ولسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت, وأما جسدك إذا نحن قتلناك فالخيار في ذلك لنا، ولسنا نبالي ما صنع الله بجثتك. وأما الحسين (ع) فإن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه. ولكني اريد أن تخبرني يابن عقيل، بماذا أتيت إلى‏ هذا البلد؟ شتتت أمرهم، وفرقت كلمتهم، ورميت بعضهم على‏ بعض؟ فقال مسلم بن عقيل (ع): لست لذلك أتيت هذا البلد، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف، وتأمرتم على الناس من غير رضى‏، وحملتموهم على‏ غير ما أمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى‏ وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلى‏ حكم الكتاب والسنة، وكنا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ولا تزال الخلافة لنا، فإنا قهرنا عليها، لأنكم أول من خرج على‏ إمام هدى، وشق عصا المسلمين، وأخذ هذا الأمر غصبا، ونازع أهله بالظلم والعدوان، ولا نعلم لنا ولكم مثلا إلا قول الله تبارك وتعالى‏: {وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون}. قال: فجعل ابن زياد لعنه الله يشتم عليا والحسن والحسين (ع). فقال له مسلم (ع): أنت وأبوك أحق بالشتيمة منهم، فاقض ما أنت قاض, فنحن أهل بيت موكل بنا البلاء. فقال عبيد الله بن زياد لعنه الله: الحقوا به إلى‏ أعلى القصر، فاضربوا عنقه، وألحقوا رأسه جسده. فقال مسلم (ع): أما والله يا بن زياد, لو كنت من قريش، أو كان بيني وبينك رحم أو قرابة لما قتلتني، ولكنك ابن أبيك.

-----------------

الفتوح ج 5 ص 55

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

قال له (لمسلم ع) ابن زياد: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس. قال له مسلم (ع): أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن، وإنك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السيرة، ولؤم الغلبة. فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا (ع)، وأخذ مسلم (ع) لا يكلمه. ثم قال ابن زياد لعنه الله: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه، ثم أتبعوه جسده. فقال مسلم بن عقيل (ع): لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني. فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟ فدعي بكر بن حمران الأحمري، فقال له: اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه. فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله، ويصلي على‏ رسوله (ص)، ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا. وأشرفوا به على‏ موضع الحذائين اليوم، فضربت عنقه، واتبع جسده رأسه.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 62, بحار الأنوار ج 44 ص 356, روضة الواعظين ج 1 ص 177 نحوه, إعلام الورى ص 229 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به (بمسلم ع) إلى‏ أعلى القصر فيقتله، فصعد به وهو يسبح الله تعالى‏ ويستغفره، ويصلي على‏ نبيه (ص)، فضرب عنقه، ونزل وهو مذعور. فقال له ابن زياد: ما شأنك؟ فقال: أيها الأمير، رأيت ساعة قتله رجلا أسود شني‏ء الوجه حذاي، عاضا على‏ إصبعه - أو قال على‏ شفتيه - ففزعت فزعا لم أفزعه قط. فقال ابن زياد  لعلك دهشت.

-----------------

اللهوف ص 36, رياض الأبرار ج 1 ص 213 نحوه, تسلية المجالس ج 2 ص 201 نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 357

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عون بن أبي جحيفة: قام محمد بن الأشعث إلى‏ عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة، وقال: إنك قد عرفت منزلة هانئ بن عروة في المصر، وبيته في العشيرة، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك، فأنشدك الله لما وهبته لي، فإني أكره عداوة قومه؛ هم أعز أهل المصر، وعدد أهل اليمن, قال: فوعده أن يفعل، فلما كان من أمر مسلم بن عقيل (ع) ما كان، بدا له فيه، وأبى‏ أن يفي له بما قال. قال: فأمر بهانئ بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل (ع)، فقال: أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه، قال: فاخرج بهانئ حتى انتهى‏ إلى‏ مكان من السوق كان يباع فيه الغنم، وهو مكتوف، فجعل يقول: وامذحجاه، ولا مذحج لي اليوم، وامذحجاه، أين مني مذحج؟ فلما رأى‏ أن أحدا لا ينصره، جذب يده فنزعها من الكتاف، ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه. قال: ووثبوا إليه فشدوه وثاقا، ثم قيل له: امدد عنقك، فقال: ما أنا بها مجد سخي، وما أنا بمعينكم على‏ نفسي . قال: فضربه مولى لعبيد الله بن زياد, تركي يقال له رشيد, بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا، فقال هانئ: إلى الله المعاد، اللهم إلى‏ رحمتك ورضوانك. ثم ضربه اخرى‏ فقتله. (1) قال: فبصر به عبد الرحمن بن الحصين المرادي بخازر، وهو مع عبيد الله بن زياد، فقال الناس: هذا قاتل هانئ بن عروة، فقال ابن الحصين: قتلني الله إن لم أقتله أو اقتل دونه، فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله. (2)

-----------------

(1) الى هنا في الإرشاد والبحار

(2) تاريخ الطبري ج 4 ص 284, مقتل الإمام الحسين (ع) لأبي مخنف ص 56, الإرشاد ج 2 ص 63 نحوه, بحار الأنوار ج 44 ص 358 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن عمار الدهني, عن أبي جعفر(ع): أمر (ابن زياد) بهانئ، فسحب إلى الكناسة فصلب هنالك، وقال شاعرهم في ذلك:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... ‏إلى‏ هانى في السوق وابن عقيل‏

أصابهما أمر الإمام فأصبحا ... أحاديث من يسعى‏ بكل سبيل‏

أيركب أسماء الهماليج آمنا ... وقد طلبته مذحج بذحول

-----------------

تاريخ الطبري ج 4 ص 260

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

ولما قتل مسلم وهانئ بعث عبيد الله بن زياد, برءوسهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية, وأمر كاتبه أن يكتب إلى يزيد بما كان من أمر مسلم وهانئ, فكتب الكاتب وهو عمرو بن نافع فأطال, وكان أول من أطال في الكتب, فلما نظر فيه عبيد الله تكرهه, وقال: ما هذا التطويل وما هذه الفصول؟ اكتب: أما بعد, فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقه, وكفاه مئونة عدوه, أخبر أمير المؤمنين أن مسلم بن عقيل (ع) لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي, وأني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال, وكدتهما حتى استخرجتهما, وأمكن الله منهما, فقدمتهما وضربت أعناقهما, وقد بعثت إليك برءوسهما مع هانئ بن أبي حية والزبير بن الأروح التميمي, وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة, فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمرهما, فإن عندهما علما وصدقا وورعا والسلام. فكتب إليه يزيد: أما بعد, فإنك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم, وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش, وقد أغنيت وكفيت‏  وصدقت ظني بك ورأيي فيك, وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت, فاستوص بهما خيرا, وإنه قد بلغني أن حسينا (ع) قد توجه إلى العراق, فضع المناظر والمسالح, واحترس واحبس على الظنة, واقتل على التهمة, واكتب إلي فيما يحدث من خبر إن شاء الله.

-----------------

الإرشاد ج 2 ص 65, بحار الأنوار ج 44 ص 359

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية